الثلاثاء 3/12/95
کان البحث فی مبدا و منتهی صلاة المغرب و قلنا ان مبدائه هو زوال الحمرة المشرقیة وفاقا للمشهور و تقدم صحیحة ابن وضاح علی روایات الطائفة الاولی لمخالفته للعامة، بل اکثر روایات الطائفة الاولی یمکن حملها علی مرتبة من استتار الشمس و هی ما یفسر فی الطائفة الثانیة ای استتار الذی یحصل بزوال الحمرة المشرقیة.
قد یقال ان روایة عَنْ زُرَارَةَ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَقْتُ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَ الْقُرْصُ فَإِنْ رَأَيْتَ بَعْدَ ذَلِكَ وَ قَدْ صَلَّيْتَ فَأَعِدِ الصَّلَاةَ وَ مَضَى صَوْمُكَ وَ تَكُفُّ عَنِ الطَّعَامِ إِنْ كُنْتَ أَصَبْتَ مِنْهُ شَيْئاً. صریحة فی کون الملاک هو غیبوبة القرص لا زوال الحمرة حیث لم یمکن حمل الغیبوبة فیها علی مرتبة زوال الحمرة، لعدم امکان رویته بعد ذلک کما هو مفروض السوال، فهذه الروایة صریحة فی کفایة استتار القرص.
لکن اقول انها لایکون صریحة للمطلوب بل یکون صرف قضیة فرضیة لامکان توهم زوال الحمرة المشرقیة، ثم رویة الشمس او ضیائه بعد ذلک.
کما تصور هذه الفرض روایةٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْمٍ صَامُوا شَهْرَ رَمَضَانَ فَغَشِيَهُمْ سَحَابٌ أَسْوَدُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَظَنُّوا أَنَّهُ لَيْلٌ فَأَفْطَرُوا ثُمَّ إِنَّ السَّحَابَ انْجَلَى فَإِذَا الشَّمْسُ فَقَالَ عَلَى الَّذِي أَفْطَرَ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ- أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ فَمَنْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ اللَّيْلُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ أَكَلَ مُتَعَمِّداً.
و قد استدل بروایة وَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْخَثْعَمِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ- كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَ يُصَلِّي مَعَهُ حَيٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو سَلِمَةَ مَنَازِلُهُمْ عَلَى نِصْفِ مِيلٍ فَيُصَلُّونَ مَعَهُ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَ هُمْ يَرَوْنَ مَوَاضِعَ سِهَامِهِمْ. علی کون الملاک هو استتار القرص حیث ان بنو سلمه یرون بعد صلاتهم مع النبی ص منازلهم و مواضع سهامهم مع ان منازلهم کان علی نصف میل و هو بالتقریب تسع ماة متر.
و قد نوقش فی الخثعمی لکن نحن نوثقه لروایة صفوان عنه لکن یمکن المناقشة فی الدلالة بان رویة مواضع النبال او السهام لاینافی اقامة الصلاة عند زوال الحمرة ثم صرفهم الی منازلهم و رویتهم السهام لعادتهم بالظلمة او لکون اللیل مقمرة.
اما منتهی وقت المغرب و ذهب المشهور الی انه ما بین غروب الشمس و هو زوال الحمرة المشرقیة الی طلوع الفجر، و قد ناقش السید الخویی فیه و قال انه ما بین غروب الشمس و هو استتار القرص الی طلوع الشمس، فیکون منتصف اللیل هو اثنی عشرة ساعة بعد اذان الظهر.
و قد فصل الکلام العلامة المجلسی فی البحار ج80/74 فی المقام و ذهب الی ان اول اللیل هو غروب الشمس و آخره هو طلوع الفجر، و قال: «اعلم أن بعض أصحابنا في زماننا جددوا النزاع القديم الذي كان في بعض الأزمان السابقة و اضمحل لوضوح الحق فيه و اتفق الخاص و العام فيه على أمر واحد و هو الخلاف في معنى الليل و النهار شرعا و عرفا بل لغة هل ابتداء النهار من طلوع الفجر أو طلوع الشمس و عندنا أنه لا يفهم في عرف الشرع و لا في العرف العام و لا بحسب اللغة من اليوم أو النهار إلا ما هو من ابتداء طلوع الفجر و لم يخالف في ذلك إلا شرذمة قليلة قد انقرضوا.
نعم بعض أهل الحرف و الصناعات لما كان ابتداء عملهم من طلوع الشمس قد يطلقون اليوم عليه و بعض أهل اللغة لما رأوا هذا الإصلاح ذكروه في كتب اللغة و يحتمل أن يكون كلاهما بحسب اللغة حقيقة و كذا المنجمون قد يطلقون اليوم على ما بين الطلوع إلى الغروب و على ما بين الطلوع إلى الطلوع و على ما بين الغروب إلى الغروب و على ما بين الزوال إلى الزوال و كذا النهار على المعنى الأول و الليل على ما بين غروب الشمس إلى طلوعها.
لكن لا ينبغي أن يستريب عارف بقواعد الشريعة و إطلاقاتها في أنه لا يتبادر فيها مع عدم القرينة من النهار إلا ما هو مبتدأ من طلوع الفجر و كذا اليوم بأحد المعنيين و قد يطلق اليوم على مجموع الليل و النهار و لا يتبادر من الليل إلا ما هو مختتم بالفجر و أما انتهاء النهار و اليوم و ابتداء الليل فهو إما غيبوبة القرص أو ذهاب الحمرة المشرقية كما عرفت.» [1]
و ثمرة هذا الاختلاف تظهر فی کل ابواب الفقه کاقامة عشرة ایام و قد ذهب المشهور الی ان المراد منه هو عشرة الایام بلحاظ النهار ای عشرة انهار و لو لم یکن عشرة لیال لا ماتین و اربعین ساعة و علی مبنی السید الخویی یکفی الاقامة من اول طلوع الشمس فی الیوم الاولی الی غروب الشمس فی الیوم العاشر خلافا للمشهور حیث ذهب الی انه یحتسب من طلوع الفجر او فی الحیض حیث ورد الحیض اقله ثلاثة ایام، و قد افتی السید الزنجانی بان المراد من ثلاثة ایام هو اثنان و سبعین ساعة کما نحن استظهرناه فی بحث الحیض لکن المشهور ذهبوا الی ان المراد ثلاثة انهار و حذ یجیء اختلاف السید الخویی و المشهور و کذا فی خیار الحیوان ثلاثة ایام.
و قد استدلوا المشهور بالآیات و الروایات و رد السید الخویی ادلة المشهور.
و عمدة استدلال السید الخویی هو فهم العرف من طلوع الشمس و ایده بروایتین.
قال السید الخویی: « أن المتفاهم العرفي من هذه اللفظة عند الإطلاق هو ذلك، لأن النهار عندهم هو ما بين طلوع الشمس و غروبها، فنصف النهار هو الساعة الثانية عشرة، و مقتضى المقابلة أن يكون نصف الليل هو الساعة الثانية عشرة أيضاً التي هي منتصف ما بين غروب الشمس و طلوعها.
و يتأيد ذلك بروايتين لولا ضعفهما لكانتا دليلين على المطلوب:
إحداهما: رواية عمر بن حنظلة «أنه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقال له: زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال: للّيل زوال كزوال الشمس، قال: فبأيّ شيء نعرفه؟ قال: بالنجوم إذا انحدرت» حيث يستفاد منها أنه كما أن انحدار الشمس بعد ارتفاعها و نهاية صعودها يدل على الزوال و حلول نصف النهار، فكذلك انحدار النجوم الطالعة عند الغروب، فإنه يدل على انتصاف الليل، أي النصف من غروب الشمس إلى طلوعها على غرار نصف النهار؛ بيد أن عمر بن حنظلة لم يوثق فلا تصلح إلا للتأييد.
و لا يخفى أن كون الانحدار المزبور علامة على الانتصاف موقوف على أمرين: أحدهما: إرادة النجوم الطالعة أول الليل و عند الغروب.
ثانيهما: إرادة النجوم الدائرة في مدار الشمس و المتحدة معها في مداراتها ضرورة أنها مختلفة، و من ثم قد يكون الليل أطول من النهار، و قد يكون أقصر و ربما يتساويان أي المدارات.
فإنه لو انتفى الأمر الأول فكانت النجوم طالعة قبل الغروب بأمتار أو بعده بزمان، فلا جرم تنحدر قبل الانتصاف في الأول و بعده في الثاني، فلا يكون انحدارها دليلًا على الانتصاف، كما أنه لو انتفى الأمر الثاني فاختلف المدار و كان مسير الشمس و مدارها ليلًا أربع عشرة ساعة مثلًا و سير النجوم أقل من ذلك أو بالعكس، فإنها تنحدر قبل الانتصاف أو بعده بطبيعة الحال و إن اتحدت معها في الطلوع.
نعم، مع الاتحاد من كلتا الناحيتين كان انحدارها علامة على الانتصاف، شريطة اللحاظ من الغروب إلى طلوع الشمس كما عرفت. و أما لو لوحظ الانتصاف منه إلى طلوع الفجر فكلّا، ضرورة تحقق الانتصاف حينئذ قبل الانحدار.
ثانيتهما: رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: دلوك الشمس زوالها، و غسق الليل بمنزلة الزوال من النهار» فإنها ظاهرة الدلالة على تحقق الانتصاف عند ما تزول الشمس عن دائرة نصف الليل المحاذية لدائرة نصف
النهار، غير أن السند ضعيف بأحمد بن عبد اللّه القروی مضافاً إلى جهالة طريق السرائر إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب، فلا تصلح إلا للتأييد.»[2]
و نحن نوثق عمرو بن حنظلة کما ذکرنا لکن یمکن ان یناقش فی دلالتها بانا نطمئن نوعا بوجود الخلل فی هذه الروایة لعدم وجدان نجم بوصف کذا ای نجم یطلع بغروب الشمس و یکون فی مدار الشمس، فکیف بالنجوم.
و هذا یوجب الوثوق النوعی بالخلل فی دلالتها و الا یکون دلالتها تام.
اما قوله فی سند الروایة الثانیة بعدم طریق لابن ادریس الی کتاب محمد بن علی بن محبوب و یرد علیه حیث قال ابن ادریس فی هذا الکتاب “و هو بخط الشیخ عندی“ فیکفی طریق الشیخ الی ابن محبوب، فالمشکل منحصرة فی احمد اما الدلالة فیمکن ان یناقش فیها بانه یکفی فی التنزیل المشابهة من بعض الجهات و لایلزم المشابهة فی جیمع الجهات، ای کما یکون زوال النهار مبدا الظهرین و کذا زوال اللیل و هو غسق اللیل یکون منتهی المغرب لکن لانظارة لها فی تحدید منتصف اللیل او زواله.
و قال السید الخویی فی دلالتها ان غسق اللیل هو شدة الظلمة و هی منتصف اللیل و قد فسر غسق اللیل بمنتصف اللیل و اللیل فی الحقیقة هو ظل الشمس و شدة الظلمة هو وسط الظل.
و نحن نقول ان شدة ظلمة منتصف اللیل لایتغایر مع قبله او بعده عرفا و لااقل هذا الفرق غیر محرز، و تفسیر الروایة غسق اللیل بمنتصف اللیل لایغایر و لاینافی تفسیر المشهور من منتصف اللیل.
و قد استدل المشهور بآیات “انا انزلناه فی لیلة القدر ….سلام حتی مطلع الفجر“، فانتهاء لیلة القدر هو طلوع الفجر.
“و اللیل اذا ادبر و الصبح اذا اصفر“ و المراد من الصبح هو طلوع الفجر یقینا.
“و اللیل اذا عسعس و الصبح اذا تنفس“