الثلاثاء 16/6/95
کان البحث فی الاقوال فی صلاة الجمعة.
و قد ذهب الشهید الثانی الی وجوبه التعیینی فی عصر الغیبة مع انه ذهب الی وجوبه التخییری فی المسالک و الروضة لوجود الاجماع علی عدم وجوبه التعیینی و کذا ذهب الی وجوبه التعیینی صاحب المدارک و قد ذهب فی المعاصرین الشیخ المرتضی الحائری الی وجوبه.
و المشهور من المتاخرین ذهبوا الی وجوبه التخییری و ذهب السلار و ابن ادریس و السید البروجردی و السید الحکیم الی حرمته.
و ادلة القول الاول و هو الوجوب التعیینی لصلاة الجمعة من الآیات هو شریفة يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.[1]
و قال شیخنا الاستاد فی شرح العروة ان الاستدلال بها علی وجوبها التعیینی تام.
اما کیفیة الاستدلال بها و هو ان شرط الامر بالسعی هو اذان یوم الجمعة لا اذان صلاة الجمعة او صلاة الظهر و هذا کنایة عن دخول الوقت فلایتوقف لزوم الحضور الی اقامتها.
و قداورد السید الخویی علی هذا الاستدلال الایرادین.
الایراد الاول: ان الظاهر منها هو تعلیق لزوم الحضور باقامة صلاة الجمعة.
اقول ان هذا الاستظهار صحیح مع تتمیم و اضافة و هو ان التعبیر ب”اذا نودی للصلاة من یوم الجمعة..” یمکن ان یکون کنایة لاقامة صلاة الجمعة بل المتفاهم العرفی منها هو کون صلاة الجمعة مفروغ الوجود و لااقل من الاجمال و هذه الآیة لایشمل اذا اذن و دخل الوقت فیجب اقامتها بل الظاهر منها هو انه بعد اقامتها یجب علیکم التعجیل نحوه، و الشاهد علیه هو قوله تعالی “ترکوک قائما” ای کان النبی ص حین اقامتها فاقامتها کان مفروغا عنه.
الثانی: « أن الاستدلال بها مبني على إرادة الصلاة من ذكر اللّه و هو في حيّز المنع، و من الجائز أن يراد به الخطبة كما عن بعض المفسرين بل لعله المتعين، فإن السعي هو السير السريع، و مقتضى التفريع على النداء وجوب المسارعة إلى ذكر اللّه بمجرد النداء، و معه يتعين إرادة الخطبة، إذ لا ريب في عدم وجوب التسرّع إلى الصلاة نفسها، لجواز التأخير و الالتحاق بالإمام قبل رفع رأسه من الركوع بلا إشكال، و حيث إن الحضور و الإنصات للخطبة غير واجب إجماعاً فيكشف ذلك عن كون الأمر للاستحباب.و يؤيده قوله تعالى “ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ” و قوله تعالى “قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ” فإن التعبير بالخير يناسب الاستحباب و الندب، و إلا فلو أُريد الوجوب كان الأنسب التحذير عن الترك بالوعيد و العذاب الأليم، نعم لا نضايق من استعمال هذه الكلمة في موارد الوجوب في القرآن الكريم كقوله تعالى “وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ” و نحو ذلك، لكن الوجوب في أمثالها قد ثبت من الخارج بدليل مفقود في المقام، و إلا فهذه الكلمة في حدّ نفسها الظاهرة في المفاضلة و الترجيح لا تقتضي إلا الندب و الرجحان كما هو المتبادر منها…..»[2]
ان هذا الوجه غیر تام و فیه اولا: ان الظاهر من “ذکر الله” هو شموله بالنسبة الی الصلاة لو لم یکن منصرفا الیها بقرینة ما قبله و بعده و کذا اطلاق ذکر الله علی الصلاة فی الروایات، و ما ذکره السید الخویی بانه لایلزم السعی او السیر السریع الی خطبتی الصلاة و فیه ان هذا بیان عرفی للترغیب الی الصلاة.
ثانیا: لو سلمنا ان المراد من الذکر هو الخطبة لکن عدم وجوب الحضور فی صلاة الجمعة غیر واضح نعم لایکون شرط صحتها اما عدم وجوب الحضور فیها غیر معلوم و غیر واضح.
فحملها علی الاستحباب غیر صحیح و ما ذکره من ان الظاهر من الخیر هو الاستحباب و الخیر فی المقام تدل علی افضلیة احد المستحبین علی الآخر، و فیه انه لاتظهر فی الاستحباب بل قد یظهر فی اللزوم کقوله تعالی يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّار[3] و قد یعبر عنه و یراد به الرجحان فیکون اعما من الخیر اللازم و غیر اللازم فحذ لادلیل علی رفع الید عن ظهور الامر فی “اسعوا” و “ذرو البیع” فی الوجوب.
لکن یمکن ان یورد علی الاستدلال بهذه الآیة اشکالا آخر.
الایراد الثالث: اقول ان هذه الآیة الشریفة لاتظهر فی القضیة الحقیقیة و ان القرینة الداخلیة فیها توجب ظهورها فی کونه مختصا بمورد النبی ص و مخاطبیه حین اقامة صلاة الجمعة. و الظاهر نزول آیة 9 و 10 و 11 فی دفعة واحدة للقضیة المشخصة المذکورة.
و احتمال کون مخاطب “یا ایها الذین آمنوا” نفس الحاضرین فی ذاک الزمان یوجب عدم کونه مطلقا.
لایقال ان آیات القرآن یجری مجری الشمس و لایختص بزمان دون زمان لانا نقول انه صحیح اذا کان لها اطلاق ای اذا لم یکن للآیة اطلاق لایمکن التسری منه الی زماننا هذا کآیة “يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَميعا” او “يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّار” او “يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَة” و ان هذه الآیات لاتظهر فی اکثر من مومنی زمان نزول الآیة و فی المقام ایضا ان الآیة تختص بزمان النزول خصوصا مع قرینة “ترکوک قائما”.
فعلی هذا لایمکن الاستدلال بها علی وجوب صلاة الجمعة حتی وجوب الحضور فی صلاة الجمعة الصحیحة فی عصر الغیبة، لاحتمال الخصوصیة للمعصوم ع دون غیره.
اما ما ذکره السید البروجردی بانه بعد ظهور الشرط فیها باقامة صلاة الجمعة تدل علی لزوم الحضور فیها اذا اقیمت بشرائطها و لعل من شرائطها هو اذان المعصوم ع
ان قلت: ان اطلاق او عموم “یا ایها الذین آمنوا” یکشف عن عدم اشتراط اذن الامام ع لوجوب صلاة الجمعة بالنسبة الی مومنی عصر الغیبة.
قلت: لو سلمنا عموم “یا ایها الذین آمنوا” –مع غض النظر عن الایراد الثالث- لکن الامر مشروط بالقدرة فمثلا “یا ایها الذین آمنوا اقیموا الصلاة” یشمل فاقد الطهورین بالنظر البدوی لکن شموله بالنسبة الی فاقد الطهورین مشروط باطلاقه کی یشمله فلو لم یکن بالنسبة الی فاقد الطهورین مطلقا لاشتراط الصلاة بالقدرة علی الطهارة فحذ لایشمله، فکذا فی المقام ان الآیة عام بالنسبة الی فرض القدرة لاحتمال اشتراط صلاة الجمعة بفرض الحضور او اذن المعصوم ع و بعبارة اخری ان شمولیة الآیة بالنسبة الی مومنی زمان الغیبة لاینفی اشتراط حضور المعصوم ع.
[1] . الجمعة 9
[2] . الموسوعة ج11/ص16
[3] . الیوسف 39