السبت 3/7/95
کان البحث فی الوجوه التی اورد السید الخویی علی الوجوب التعیینی لصلاة الجمعة
الوجه الاول: ما ورد فی الروایة “اذا کان لهم امام یخطب جمعوا و الا صلو الظهر جماعة”.
و ان الفرض هو وجود امام عادل بینهم و الا لامعنی لصلاة الظهر جماعة فالمراد من امام یخطب هو امام عادل یخطب فلو کان المراد من “یخطب” هو القدرة علی الخطابة و هذ التقیید لغو حیث ان نوع الناس قادر علی اقل الشرائط من الصلاة الجمعة فیکون المراد منه هو الخطابة بالفعل.
هذا مقالة السید الخویی: « فان المراد بمن يخطب في هذه الأخبار الّذي علّق على وجوده وجوب الجمعة، و على عدمه وجوب الظهر، ليس هو مجرد من يتمكن من إقامة الخطبة شأناً و إن لم يكن قادراً عليها فعلًا، إذ مضافاً إلى أن ذلك خلاف الظاهر من سياق الكلام جدّاً كما لا يخفى، أنه فرض نادر التحقق، بل لا يكاد يتحقق خارجاً من لا يقدر على أداء الخطبة فعلًا كي يُعلّق عليه نفي الجمعة حتى المسمى منها، و أقل الواجب الذي هو التحميد و الثناء، و قراءة سورة و لا أقلّ من الحمد الذي يعرفها كل أحد، و الوعظ المتحقق بقوله: أيها الناس اتقوا اللّٰه، لا سيما بعد ملاحظة كون الرجل ممن يتمكن من إمامة الجماعة كما هو المفروض في تلك الأخبار، حيث أمرهم الإمام (عليه السلام) حينئذ بالإتيان بأربع ركعات جماعة.فلا مناص من أن يراد بمن يخطب الفعلية كما هو المتبادر منها، و حاصل المعنى حينئذ: أنه إن كان هناك من يقدم لإقامة الخطبة فعلًا و متهيئاً لذلك وجبت الجمعة، و إن لم يقدم بالفعل مع قدرته عليها كما عرفت سقطت و صلّوا الظهر جماعة. و هذا كما ترى لا يلائم الوجوب التعييني، إذ عليه يجب الاقدام و التصدي للخطبة تعييناً و تركها موجب للفسق، فكيف يصح الائتمام به كما هو صريح الأخبار، بل يصح الاستدلال بها للمطلوب حتى لو أُريد بها الشأنية دون الفعلية، ضرورة أنها لو كانت واجبة تعييناً لزم التصدي لتعلم الخطبة و لو كفاية، كي لا يؤدي إلى ترك هذه الفريضة التعيينية، لوجوب تحصيل المقدمات التي يفوت بتركها الواجب في ظرفه عقلًا، فعدم التصدي و الإهمال في ذلك المستوجب لترك الواجب فسق و عصيان، و به يسقط صاحبه عن صلاحية الاقتداء به، فكيف أمر بالائتمام به في تلك الأخبار.»[1]
و یرد علیه اولا: قوله کون اقل صلاة الجمعة هو الصلوات و الامر بالتقوی و .. الذی یکون مقدورا لنوع الناس و فیه انه یلزم فی الخطابة صدق اقل الخطبة فلایکفی ما ذکره من الخطبة ففی مثل السفر قال السید الخویی انه یلزم فی صدق السفر صدق السفر عرفا و اجتماع الشرائط الشرعیة فیه ککونه ثمانیة فراسخ فلایصدق عنوان السفر اذا دار حول بلده ثمانیة فراسخ لعدم صدق السفر علیه و ان سار ثمانیة فراسخ و علی هذا المبنی قال من قصد الاقامة فی مکان کقم سنتین لایکون مسافرا عرفا و لو لم یقصد التوطن فی هذا المکان.
و کذا فی المقام ان امام یخطب مفهوم عرفی یلزم ان یصدق الخطابة عرفا و اقل ما ذکر السید الخویی -و هو المقدار الشرعی فیها- لایکفی لصدق هذا العنوان و ان الظاهر من الخطبة هو الخطابة العرفیة بضمیمة شرائطه الشرعیة.
ثانیا: ان هذا الاقل من الخطبة ایضا لایکون مقدورا لبعض العدول، مع ان بعض العدول یکون جاهلا بشرائط الخطبة.
ثالثا: حمل السید الخویی هذه الروایات علی وجوب الحضور بعد الاقامة خلاف الظاهر فمثل صحیحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ أُنَاسٍ فِي قَرْيَةٍ هَلْ يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ جَمَاعَةً قَالَ نَعَمْ وَ يُصَلُّونَ أَرْبَعاً إِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَخْطُبُ. یکون کالصریح فی الاقامة.
و ان هذه الروایة لم یشر الی اقل العدد ای اذا کان امام یخطب موجودا یجب الصلاة مطلقا ولو لم یکن بمقدار اقل عدد الجمعة فیکون بمعنی وجوب الاقامة علی هذا المقدار و حمله علی وجوب الحضور بعد اقامته و هو اجتماع السبعة اقلا خلاف اطلاق هذه الروایة.
و کون هذه الروایة قرینة علی ظهور الروایات السابقة ناظرا الی وجوب الحضور کما علیه السید الخویی غیر تام و ان مثل صحیحة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى سَبْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَ لَا جُمُعَةَ لِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ فَإِذَا اجْتَمَعَ سَبْعَةٌ وَ لَمْ يَخَافُوا أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وَخَطَبَهُمْ کیف یحمل علی وجوب الحضور؟
الوجه الثانی فی رد الوجوب التعیینی من السید الخویی: ان بعض الروایات تدل علی عدم وجوب الجمعة علی من زاد من فرسخین و انه لو کان المراد منها هو الاقامة فلامعنی لعدم وجوبه علی مَن زاد مِن فرسخین فهذا تدل علی ان البحث یکون فی وجوب الحضور.
و فیه نحن نسلم ظهور هذه الروایة فی وجوب الحضور بتوجیه المذکور لکن لایکون هذه الطائفة من الروایات مقیدا لسائر الروایات الظاهر فی وجوب الاقامة، و بعبارة اخری ان الامام ع بین وجوب الاقامة فی بعض الروایات تعیینا علی القادر منها و اخری بعدم وجوب الحضور فی صلاة الجمعة اذا کان ازید من فرسخین و الثمرة تظهر فیمن یکون علی اکثر من الفرسخین و لم یکن قادرا علی اقامة الجمعة.
لاسیما حمل مثل صحیحة الزرارة المذکورة علی الحضور بعد الاقامة خلاف الظاهر.
الوجه الثالث: لو کان الاقامة واجبة لبان و اشتهر لانها کان موردا لابتلاء المومنین – اقول ان السید الخویی استفاد عن هذه القاعدة فی کثیر من المواضع و مناه عدم حرمة خلف الوعدة مع وجود ادلة لفظیة تامة فی ذمه حیث قال ان السیرة القطعیة المتشرعة هو عدم حرمة خلف الوعدة، فلو کان خلف الوعدة حراما الوفاء به واجبا لبان و اشتهر کالصلاة لانه یکون مبتلی به- و کذا فی المقام ای وجوب اقامة صلاة الجمعة فانه لو کان لبان بل وقع الاجماع بین القدماء بعدم وجوبها تعیینا بل ذهبوا بعض الی عدم مشروعیته فلو کان اقامتها واجبة تعیینا لبان و اشتهر.
الوجه الرابع: « استقرار سيرة أصحاب الأئمة (عليهم السلام) لا سيما الصادق (عليه السلام) على كثرتهم، على عدم إقامة هذه الصلاة، مع أنهم هم الرواة لهذه الأحاديث و نقلة تلك الأخبار، فلو كان واجباً تعييناً كيف أهملوها و لم يعتنوا بشأنها، مع علوّ مرتبتهم و ارتفاع منزلتهم، و هم من أركان الدين و أعمدة المذهب و حملة الفقه الجعفري، لا سيما زرارة الذي هو الراوي لأكثر تلك الأخبار، و هو على ما هو عليه من عظم الشأن و علوّ المقام، فلو كان واجباً حتمياً لكانوا هم أحق بفهمه منها فكيف أهملوها و لم يهتمّوا بها، و هل هناك فسق أعظم من التجاهر بترك فريضة مثل الصلاة التي هي عماد الدين و من أهمّ الفرائض التي يمتاز بها المسلم عن الكافرين.و يكشف عما ذكرناه من تركهم لهذه الصلاة مضافاً إلى أنهم لو أقاموها لظهر و بان، و نُقل إلينا بطبيعة الحال، و لَمّا ينقل عن أحدهم قط أنه يستفاد ذلك من بعض الأخبار:
منها: صحيحة زرارة قال: «حثّنا أبو عبد اللّه (عليه السلام) على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدوا عليك، فقال: لا إنما عنيت عندكم»[2] فانّ الحثّ و الترغيب على إقامة الجمعة من الصادق (عليه السلام) لمثل زرارة الذي هو الراوي لأغلب تلك الأخبار كما عرفت يكشف عن عدم التزامه بها، بل إهماله لها، بل هو يدل على الاستحباب، بمعنى كونها أفضلعِدلي الواجب التخييري، و إلا فلا معنى للحث بالإضافة إلى الواجبات التعيينية كما لا يخفى.
و منها: موثقة عبد الملك أخي زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال: مثلك يهلك و لم يصل فريضة فرضها اللّه، قال قلت: كيف أصنع؟ قال: صلوا جماعة، يعني صلاة الجمعة»[3]. و هذه أظهر من سابقتها، لظهورها في عدم مباشرة عبد الملك مع جلالته لهذه الصلاة طيلة حياته قط، حتى أن الامام (عليه السلام) يوبّخه بأنّ مثله كيف يموت و لم يأت بهذه الصلاة في عمره و لا مرّة، و من هنا فزع فقال: «كيف أصنع».و بالجملة: هؤلاء الأساطين كانوا لا يزالون مستمرين في الترك و مواظبين عليه كما تفصح عنه هاتان الصحيحتان.
و دعوى: أن من الجائز أنهم كانوا يقيمونها مع المخالفين تقية فيكون الحث في تلك الرواية و التوبيخ في هذه على الإتيان بالوظيفة الواقعية عارية عن التقية. مندفعة: بعدم تأتّي التقية في مثل هذه الصلاة لبطلان الصلاة معهم، فلا تنعقد الجماعة التي هي من مقوّماتها. نعم في سائر الصلوات يشاركهم في صورة الجماعة تقية، فيأتي بها فرادى و يقرأ في نفسه متابعاً لهم في الصلاة إراءة للاقتداء بهم. و أما في المقام فبعد فرض بطلان جمعتهم، لا بد من قصد الظهر المخالف لصلاة الجمعة في عدد الركعات، و لا بدّ من ضم ركعتين أُخريين و لو بنحو يتخيل لهم أنها النافلة إذ لا موجب لتركهما. فلم يكن المأتي به صلاة جمعة تقية و إنما هي صلاة الظهر منفرداً.»[4]
و نحن نوافق السید الخویی فی بطلان صلاة الجمعة معهم خلافا للمشهور حیث ذهبوا الی صحة صلاة الجماعة و الجمعة معهم تقیة مداراتیا. و فی سائر الصلوات یلزم قرائة الحمد و السورة کما امر الامام ع حمران بن اعین-اخا زرارة – باقامة صلاة الجمعة معهم و….
و نحن نسلم اصل مدعاه
فخلاصة کلامه فی هذا الوجه هو انه کیف یجب الاقامة مع انه لم یلتزم الیها الاصحاب و کذا الفقهاء؟ فهذا تدل علی عدم وجوبها فیحمل علی الاستحباب.
و قد یناقش فیه اولا: ان لم یثبت عدم اقامتها من قبل الاصحاب و لو خفاء
ثانیا: لو سلمنا عدم اقامتها من قبل الاصحاب لکن یحتمل ان یکون هذا من باب الخوف عن السلطة و کذا یحتمل انهم یروا اشتراط نصب الخاص او العام من قبل الامام ع فی زمان حضوره فلم یقمها.
ثالثا: ان کلمات الفقهاء ایضغیر واضح لنا ای کون الاقامة غیر واجب عندهم غیر واضح فلایمکن القول بانه لو کان لبان.
و ان نفس التفصیل بین الحضور و الاقامة الذی اختاره السید الخویی، لو کان لبان
و عدم لزوم اقامته عندهم یکون من باب عدم النصب من قبل الامام ع و اشتراط النصب من قبله لا من باب عدم وجوبها تعیینا.
[1] . الموسوعة ج11/ص25
[2] . الوسائل 7/309
[3] . الوسائل 7/310
[4] . الموسوعة ج11/23