وفيه أن النهي حيث لا يتعلق بالتمثال، بل لابد من تعلقه بفعل المكلف، فمتعلق النهي محذوف، وحذف المتعلق يوجب الاجمال، وليس مفيدا للعموم، فقول محمد بن مسلم “سألته عن تماثيل الشجر والشمس والقمر” مجمل من حيث المسؤل عنه وأنه هل هو صنعها او الانتفاع بها، فان احرزنا اجمال السؤال الموجه الى الامام (عليه السلام) فترك استيضاح الامام يوجب انعقاد الاطلاق في جوابه (عليه السلام) ولكننا نحتمل أن سؤاله كان واضحا في حد ذاته وانما صار مجملا لنا او نقله الراوي مجملا فلا ينعقد الاطلاق في جواب الامام، وحيث يحمل النهي عن تمثال الحيوان بناء على ارادة الاقتناء على الكراهة بمقتضى الروايات فلا يكون العلم الاجمالي بالنهي عن الصنع او الاقتناء منجزا، والدليل على عدم حرمة الاقتناء صحيحة علي بن جعفر قال: سألته عن البيت قد صور فيه طير أو سمكة- أو شبهه يلعب به أهل البيت- هل تصلح الصلاة فيه- قال لا حتى يقطع رأسه أو يفسده- و إن كان قد صلى فليس عليه إعادة[1]، وهذه الرواية لها سندان: احدهما البرقي في محاسنه عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر، والآخر الحميري عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر والسند الاول تام، وما ذكره بعض السادة الاعلام “دام ظله” من أن كتاب المحاسن كان مهجورا منذ اعصارٍ، فليست نسخه مشهورة فليس بمهم، لحصول الوثوق بعد عدم اضطراب في المتن المنقول الذي نقله.
وان كان في السند الثاني اشكال لعدم ورود توثيق في حق عبد الله بن الحسن وان حاولنا اثبات وثاقته لاكثار الحميري الرواية عنه، وهذه الصحيحة هي المستند لجواز اقتناء مجسمة ذي الروح، وأما صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما (عليهما السلام) عن التماثيل في البيت فقال لا بأس إذا كانت عن يمينك و عن شمالك و عن خلفك أو تحت رجليك و إن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا[2]، فهي مطلقة من حيث كون التمثال ذا روح وغير ذي روح، فلا تجدي شيئا، حيث ان امر الصحيحة السابقة لمحمد بن مسلم كان دائرا بين كون المراد منها النهي عن صنع مجسمة ذي الروح او كون المراد منها النهي عن اقتناءها وعلى الثاني تكون مخصصة لهذه الصحيحة الثانية لمحمد بن مسلم، فتكون حجة إما على حرمة صنع مسجمة ذي الروح، او حرمة اقتناءها وتدل بالفحوى على حرمة الصنع، فالمهم صحيحة علي بن جعفر.
وأما ذكره السيد الامام في الاشكال الثاني من أن مفهوم نفي البأس وهو ثبوت البأس في تمثال الحيوان اعم من الحرمة ففيه أن ظاهره الحرمة ولا اقل من كونه حجة عقلائية عليها كما هو رأيه في صيغة النهي، فهل ترى أنه لو قال المولى لعبده “ان كان السائل فقيرا فلا بأس أن تعطيه درهما” أنه لو كان السائل غنيا فاعطاه الدرهم لم يستحق العقاب؟.
وأما ما ذكره من أن هذا الاستثناء ليس له اطلاق بالنسبة الى حرمة جميع انواع التمثال كرسم الحيوان من دون تجسيم، فهذا اشكال عام في عموم المستثنى بعدم ظهور الجملة الاستثنائية الا في كون المقصود بالأصالة هو بيان حكم المستثنى منه، لاالمستثنى، فلو قال شخص “لااطالع كتابا الا كتاب من كان فقيها” فلايعني أنه يطالع كتاب كل فقيه، او قال “لاآكل طعاما الا ما كان فيه ملح” فلايعني أنه يأكل كل طعام يكون فيه ملح، وهكذا لو قيل “لايجوز التقليد الامن المجتهد” فهذا لا يفيد جواز التقليد من كل مجتهد، والصحيح تمامية الاطلاق في المستثنى بشهادة الوجدان بصحة التمسك بعموم المستثنى في مثل “لاتكرم الفاسق الا اذا كان عالما” او “اكرم العالم الا اذا كان فاسقا” ويشهد على ذلك انه لو قال المولى لعبده اولاً “لاتدخل عليّ أحدا” ثم قال “لاتدخل عليّ الا من کان عالما” فأدخل عليه العبد عالما فاسقا لميصح أن يعاتبه المولى بأنك لمادخلت عليّ هذا العالم الفاسق، وهذا يعني أن العرف يفهم منه الاطلاق، وبذلك يتم مفهوم الاستثناء، وأما النقض بمثل قوله “لااطالع الكتب الا كتاب الفقيه” و”لاآكل من الطعام الا ما كان فيه ملح” و”لايجوز التقليد الامن المجتهد”، فجوابه أنه في هذه الامثلة توجد قرينة عرفية على كون المتكلم في مقام الاهمال بلحاظ المستثنى، وأنه في مقام بيان الشرطية ولا اطلاق لها لنفي شرطية شيء آخر، مثل قوله “لاصلاة الا بطهور”، بل في مثال “لايجوز التقليد الا من المجتهد” قد ارتكز في الاذهان اعتبار شرائط في جواز تقليد المجتهد، فلايظهر من هذا الخطاب أنه في مقام الغاء تلك الشرائط.
وكيف كان فلم تتم دلالة الرواية الاولى.
الرواية الثانية: ما في المحاسن عن أبيه عن ابن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام[3]، ورواه في التهذيب باسناده عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن ابي الجارود عن الاصبغ بن نباتة[4] .
وسندها ضعيف من جهتين:
1- الاشكال في وثاقة محمد بن سنان، فقال النجاشي: هو رجل ضعيف جدا لايعول عليه و لا يلتفت إلى ما تفرد به[5]، وقال في ترجمة مياح المدائني: ضعيف جدا، له كتاب يعرف برسالة مياح، وطريقها أضعف منها، وهومحمد بن سنان[6]، وقال الشيخ “ره”: محمد بن سنان ضعيف[7]، وقال في التهذيب والاستبصار: محمد بن سنان مطعون عليه ضعيف جدا، وما يستبد بروايته ولايشركه فيه غيره لايعمل عليه[8].
وقد ضعفه المفيد في رسالته العددية فقال: محمد بن سنان مطعون فيه، لاتختلف العصابة في تهمته وضعفه، وما كان هذا سبيله لايعمل عليه في الدين.
ونقل الكشي عن محمد بن مسعود العياشي قال عبد الله بن حمدويه: سمعت الفضل بن شاذان يقول: لاأستحل أن أروي أحاديث محمد بن سنان، وذكر الفضل في بعض كتبه أن من الكاذبين المشهورين ابن سنان، و ليس بعبد الله.
ومع هذه التضعيفات لا يجدي ما ذكره الشيخ المفيد في الارشاد من أن محمّد بن سنان ممّن روى النصّ على الرضا من أبيه عليهما السلام، وانّه من خاصّته و ثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته[9].
2- الاشكال في وثاقة ابي الجارود زياد بن المنذر الهمداني، وان وثقه السيد الخوئي “قده” لوجهين: احدهما: شهادة الشيخ المفيد “ره” في الرسالة العددية بأنه من الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام، و الفتيا و الأحكام الذين لا يطعن عليهم و لا طريق إلى ذم واحد منهم، ثانيهما: وروده في تفسير علي بن ابراهيم القمي، وقد قال في ديباجة التفسير: نحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم.
اقول: أما شهادة المفيد فالاعتماد عليها مشكل، فان ما ذكره يشتمل على تعظيم وتجليل شديد لايتلائم مع ما هو المسلَّم من ضلالته وان فرض كونه ثقة في حديثه، بل كلامه في الرسالة العددية ليس ظاهرا في توثيق كل واحد واحد من الرواة الذين ذكر رواياتهم، فانه ذكر فيها اولاً أن ما تعلق به اصحاب في ان شهر رمضان لايكون اقل من ثلاثين يوما فهي احاديث شاذة قد طعن نقاد الآثار من الشيعة في سندها، فمن ذلك حديث رواه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا، وهذا الحديث شاذ نادر غير معتمد عليه طريقه محمد بن سنان و هو مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته و ضعفه و ما كان هذا سبيله لم يعمل عليه في الدين[10]، ثم قال: أما رواة حديث أن شهر رمضان شهر من شهور السنة يكون تسعة و عشرين يوما و يكون ثلاثين يوما هم فقهاء أصحاب أبي جعفر و أبي عبد الله و أبي الحسن موسى بن جعفر و أبي الحسن علي بن موسى و أبي جعفر محمد بن علي و أبي الحسن علي بن محمد و أبي محمد الحسن بن علي (عليهم السلام) والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الأحكام الذين لا يطعن عليهم و لا طريق إلى ذم واحد منهم و هم أصحاب الأصول المدونة و المصنفات المشهورة، فممن روي عن أبي جعفر الباقر هو محمد بن مسلم، ومحمد بن قيس، وروى محمد بن سنان عن أبي الجارود قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) يقول صم حين يصوم الناس و أفطر حين يفطر الناس فإن الله جعل الأهلة مواقيت، ثم ذكر روايات رواة آخرين[11]، فترى أنه ذكر رواية محمد بن سنان في عدد روايات الرؤساء الاعلام ممن لايطعن عليهم بشيء، مع أنه طعن فيه قبل صفحات طعنا عظيما، فيفهم منه أن نظره كان الى مجموع الرواة لهذه الاحاديث من حيث المجموع، لاالى كل واحد واحد منهم.
وأما تفسير القمي فحتى لو تم مبنى التوثيق العام لرجال هذا التفسير، فكما ذكر المحقق آغا بزرك الطهراني “ره” ليس كله تفسير القمي بل ادرج فيه تفسير ابي الجارود، وعادة حينما ينتهي من نقل ما في تفسيره يقول بعد ذلك “رجع الى تفسير علي بن ابراهيم”.
أما نقل ابي الجارود عن اصبغ بن نباتة صاحب امير المؤمنين (عليه السلام) فغير بعيد، لما قال النجاشي عنه أنه كان من خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام) و عُمِّر بعده[12]، و روى عنه جماعة من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) كأبي الجارود، و أبي حمزة، و أبي الصباح الكناني، و أبي مريم، و الحارث بن المغيرة، و سعد الإسكاف، و سعد بن طريف، و عبد الحميد الطائي، ومسمع[13] وقد نقل عنه ابو الجارود في عدة موارد[14]، فالمهم الاشكال في السند من جهة ابن سنان وابي الجارود.
وقد ذكر السيد الامام “قده” أن هذه الرواية وأمثالها مثل ما عن رسالة لب اللباب للقطب الراوندي أنه روي أن من سحر فقد كذب على الله ومن صور التصاوير فقد ضاد الله و من تراءى في عمله فقد استخف بالله، وما في منية المريد للشهيد الثاني عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا أو قتله نبي و رجل يضل الناس بغير علم أو مصور يصور التماثيل[15]، وما في كتب العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) إن من أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون[16]، بمناسبة الحكم و الموضوع، هو كون المراد بالتماثيل و الصور فيها هي تماثيل الأصنام التي كانت مورد العبادة، فإنّ تلك التوعيدات و التشديدات لا تناسب مطلق صنع المجسّمة او رسم صور ذوات الارواح، ضرورة أنّ صنعها ليس أعظم من القتل أو الزنا أو اللواط أو شرب الخمر و غيرها من الكبائر.
فالظاهر أنّ المراد منها تصوير التماثيل التي هم لها عاكفون، مع احتمال آخر في الأخيرة و هو أنّ المراد بالمصوّرون القائلون بالصورة في اللّه تعالى، كما هو مذهب معروف في ذلك العصر، و المظنون الموافق للاعتبار و طباع الناس، أنّ جمعا من الأعراب بعد هدم أساس كفرهم و كسر أصنامهم كانت علقتهم بتلك الصور و التماثيل باقية في سرّ قلوبهم، فصنعوا أمثالها حفظا لآثار أسذلافهم و حبّا لبقائها، كما نرى حتى اليوم علاقة جمع بحفظ آثار المجوسيّة و عبدة النيران في هذه البلاد حفظا لآثار أجدادهم، فنهى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) عنه بتلك التشديدات و التوعيدات التي لا تناسب إلّا للكفّار و من يتلو تلوهم، قمعا لأساس الكفر و مادّة الزندقة و دفعا عن حوزة التوحيد.
و عليه تحمل رواية ابن القدّاح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): بعثني رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في هدم القبور و كسر الصور، و رواية السكوني عنه، قال: قال أمير المؤمنين- عليه السلام-: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى المدينة فقال: لا تدع صورة إلّا محوتها، و لا قبرا إلّا سوّيته، و لا كلبا[17] إلّا قتلته[18]، فإنّ بعث النبي عليا (عليهما السلام) أمير المؤمنين لذلك دليل على اهتمامه به، و الظاهرأنّ الصور كانت صور الهياكل و الأصنام و من بقايا آثار الكفر و الجاهليّة، و لعلّ أمره بهدم القبور لأجل تعظيم الناس إيّاها بنحو العبادة للأصنام و كانوا يسجدون عليها، كما يشعر به بعض الروايات الناهية عن اتخاذ قبر النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قبلة و مسجدا، فعن الصدوق، قال: قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا تتّخذوا قبري قبلة و لا مسجدا، فإنّ اللّه عزّ و جلّ لعن اليهود، حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد[19]، و يشهد له بعد بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمير المؤمنين لهدم القبور و كسر الصور لكراهة بقائهما و سيأتي جواز اقتناء الصور المجسّمات، و أمّا على ما ذكرناه يكون الحكم على وجه الإلزام كما يساعده الاعتبار[20].
وفيه أنه كما ذكر شيخنا الاستاذ “قده”[21] ان ما في الرواية من الحكم بالخروج عن الاسلام خروج حكمي عن الإسلام نظير قوله سبحانه “وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ” وقوله “من اصبح ولم يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم” و “من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم” و الا فصنع الصنم ايضا لا يوجب الخروج عن الإسلام، و الحاصل أن التصوير لا يقلّ وزرا عن تجديد القبر و تعميره، و قد ذكر في الحديث خروج من جدد القبر عن الإسلام، فالعمدة ضعف سند هذه الروايات، وحيث يحتمل كونها رواية واحدة نقلت بأشكال مختلفة فلا يحصل العلم بصدورها اجمالا.
الرواية الثالثة: ما رواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي بصير وروى الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد و الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد الجوهري عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني جبرئيل و قال يا محمد- إن ربك يقرئك السلام- و ينهى عن تزويق البيوت- قال أبو بصير فقلت و ما تزويق البيوت- فقال تصاوير التماثيل[22]، وهي دالة على النهي عن تزيين البيوت بصور التماثيل وقد يستدل بفحواها على حرمة صنعها ولو فرض تمامية ذلك فالمهم ما سبق في الجواب عن الرواية الاولى من قيام الدليل الخاص وهو صحيحة علي بن جعفر على حلية تزيين البيوت بالتماثيل.
الرواية الرابعة: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا بأس بتماثيل الشجر[23]، بدعوى ظهور الوصف في المفهوم في الجملة، فيفهم منه المنع عن التماثيل في الجملة والمتيقن منه مجسمة ذوات الارواح، وفيه أن من المحتمل كون المراد من مفهومها النهي عن اقتناء مجسمة ذوات الارواح وتزيين البيوت بها، فلو كان هذا هو المراد من المفهوم فيها فيحمل على الكراهة بقرينة صحيحة علي بن جعفر السابقة.
الرواية الخامسة: ما رواه الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليه السلام) في حديث المناهي قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن التصاوير و قال من صور صورة كلفه الله تعالى يوم القيامة أن ينفخ فيها و ليس بنافخ و نهى أن يحرق شيء من الحيوان بالنار و نهى عن التختم بخاتم صفر أو حديد و نهى أن ينقش شيء من الحيوان على الخاتم.
ونحوها ما في الخصال عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن الحسن الميثمي عن هشام بن أحمر و عبد اللهِ بنِ مسكان جمِيعا عن محمدِ بنِ مروان عن أبِي عبدِ الله (عليه السلام) قال سمعته يقول ثلاثة يعذبون يوم القيامة من صور صورة من الحيوان يعذب حتى ينفخ فيها و ليس بنافخ فيها و المكذب في منامه يعذب حتى يعقد بين شعيرتين و ليس بعاقد بينهما و المستمع إلى حديث قوم و هم له كارهون يصب في أذنه الآنك و هو الأسرب.
وايضا ما في الخصال عن الخليل بن أحمد عن أبي جعفر الدبيلي عن أبي عبد الله عن سفيان عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من صور صورة عذب و كلف أن ينفخ فيها و ليس بفاعل و من كذب في حلمه عذب و كلف أن يعقد بين شعيرتين و ليس بفاعل و من استمع إلى حديث قوم و هم له كارهون- يصب في أذنيه الآنك يوم القيامة قال سفيان الآنك الرصاص[24].
وفي محاسن البرقي عن محمد بن علي أبي جميلة عن سعد بن طريف عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إن الذين يؤذون اللٰه و رسوله هم المصورون يكلفون يوم القيامة أن ينفخوا فيها الروح، وعن محسن بن أحمد عن أبان بن عثمان عن الحسين بن منذر قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) ثلاث معذبون يوم القيامة رجل كذب في رؤياه يكلف أن يعقد بين شعيرتين و ليس بعاقد بينهما و رجل صور تماثيل يكلف أن ينفخ فيها و ليس بنافخ و المستمع بين قوم و هم له كارهون يصب في أذنيه الآنك و هو الأسرب[25]
ورواية علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من مثل تمثالا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح[26]
ولم ار من ناقش في دلالتها على حرمة صنع مجسمة ذوات الارواح، فان الامر بأن ينفخ فيها وليس نافخ ظاهر في تعذيب وقد صرح به في رواية محمد بن مروان، وانما وقع الكلام في شمولها لنقش صورها من دون تجسيم فقال الشيخ الاعظم “ره” قد يستظهر اختصاصها بالمجسَّمة، من حيث إنّ نفخ الروح لا يكون إلّا في الجسم، و إرادة تجسيم النقش مقدمة للنفخ ثم النفخ فيه خلاف الظاهر، ثم أجاب بأنَّ النفخ يمكن تصوّره في النقش بملاحظة محلِّه، بل بدونها كما في أمر الإمام (عليه السلام) الأسد المنقوش على البساط بأخذ الساحر في مجلس الخليفة[27] أو بملاحظة لون النقش الذي هو في الحقيقة أجزاء لطيفة من الصبغ، فمثل هذا لا يعدّ قرينة عرفاً على تخصيص الصورة بالمجسّم[28].
وان كان ما ذكره خلاف الظاهر، فان ظاهر الامر بالنفخ هو القابلية العرفية للنفخ ولكن المأمور عاجز عنه وهذا لا يكون عرفا الا في المجسمة.
وكيف كان فالمهم في المناقشة في الاستدلال بهذه الروايات على حرمة صنع مجسمة ذوات الارواح الاشكال في سندها، كما اشكل بذلك شيخنا الاستاذ “قده” لكن يمكن دعوى حصول الوثوق بصدور بعض هذه الروايات، خصوصا مع ضم الروايات السابقة الواردة بعنوان الرواية الثانية والتي قبلنا دلالتها خلافا للسيد الامام “قده”، بل بناء على ما اخترناه من حجية مراسيل ابن ابي عمير يتم سند مرسلة ابن ابي عمير.
فالانصاف تمامية الدليل على حرمة صنع مجسمة ذوات الارواح، وما ورد في بعض الكلمات من أنه يستفاد من الروايات أنّ المنع عن التصوير كان بلحاظ ما ورثوا من أسلافهم من توهّم القداسة للصور، فإذا فرض عدم الاحترام و التقديس فلا منع، فالمنع يكون يختص بذلك الزمان الذي بقيت قداسة المجسمات في نفوس الناس او كان التجسيم في معرض ذلك[29]، ففي غاية البعد، فانه لم يبق في نفوس المسلمين اي تقديس للاصنام في زمان ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما السلام) الوارد عنهما كثير من هذه الروايات.
وعليه فما كان يفتي به شيخنا الاستاذ “قده” في رسالته الفارسية من كراهة صنع مجسمة ذوات الارواح غير متجه وقد عدل عنه الى الاحتياط الوجوبي بالحرمة في منهاج الصالحين، كما لا يتجه فتوى جمع من المعاصرين بعدم الحرمة[30].
[1] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص: 441
[2] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص: 436
[3] – وسائل الشيعة ج5ص 306
[4] – تهذيب الاحكام ج 1ص 459
[5] – رجال النجاشي ص 328
[6] – رجال النجاشي ص424
[7] – رجال الطوسي ص364
[8] – تهذيب الاحكام ج7ص361الاستبصار ج3ص224
[9] – الارشاد ص304
[10] – الرد على أصحاب العدد ص 19
[11] – الرد على أصحاب العدد ص 25
[12] – رجال النجاشي ص
[13] – راجع معجم رجال الحديث ج4ص 130
[14] – راجع معجم رجال الحديث وتهذيب الكمال، ج 3، ص 308، ج 9، ص 517، رجال الكشّي، ص 5، ص 103
[15] – مستدرك الوسائل ج3ص 454
[16] – صحيح البخاري ج 7 ص307، وصحيح مسلم ج 2ص 324، و سنن البيهقي ج 7ص 268
[17] – ذكر “قده” أن لا يبعد أن يكون الكلب بكسر اللام وهو الكلب الذي عرضه داء الكلب “هاري”.
[18] – وسائل الشيعة ج4ص 211
[19] – وسائل الشيعة ج 3ص235
[20] – المكاسب المحرمة ج1ص 257
[21] – ارشاد الطالب ج 1ص124
[22] – وسائل الشيعة؛ ج5، ص: 303
[23] – وسائل الشيعة ج17ص 296
[24] – وسائل الشيعة ج17 ص 297
[25] – المحاسن ج2 ص616
[26] – وسائل الشيعة ج5 ص 305
[27] – أمالي الصدوق 1: 127، المجلس 29، الحديث 19، و عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 96، الباب 8، الحديث الأوّل.
[28] – كتاب المكاسب ج1 ص 184
[29] – دراسات في المكاسب المحرمة ج 2ص594 ورد عنه في رساله استفتاءات ج2، ص: 325 ساختن مجسمۀ انسان يا حيوان اگر براى پرستش باشد جايز نيست و در غير آن نيز احوط ترك است. و نقاشى از صورت انسان يا حيوان اشكال ندارد. ولى مىتوان گفت: نهى از مجسمهسازى و نظاير آن در برخى از روايات، به اين علت بوده است كه در آن زمانها براى پرستش غير خدا و شريك قرار دادن براى او ساخته مىشده است؛ بنابراين چنانچه بدين منظور ساخته نشود و فقط جنبۀ هنرى و فرهنگى داشته باشد اشكال نداشته باشد. و در حقيقت از مواردى است كه موضوع حكم به كلى تغيير يافته است.
[30] – راجع منهاج الصالحين للسيد الهاشمي ج2ص 10