فهرست مطالب

فهرست مطالب

PDF

الطائفة الثانية: ما دلت على أن مجموع الفرائض والنوافل خمسون ركعة، فتكون النوافل ثلاثا وثلاثين ركعة، ففي صحيحة معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللٰه عليه السلام يقول: كان في‌ وصية النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام أن قال: يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عنّي، ثم قال: اللّٰهم أعنه- إلى أن قال- و السادسة الأخذ بسنتي في صلاتي و صومي و صدقتي، أما الصلاة فالخمسون ركعة[1].

وفي رواية محمد بن سنان عن ابن مسكان عن محمد بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل ما جرت به السنة من الصلاة قال تمام الخمسين[2].

وفي صحيحة حنان قال: سأل عمرو بن حريث أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا جالس فقال له جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال كان النبي (صلى الله عليه وآله) يصلي ثمان ركعات الزوال و أربعاً الأولى و ثماني بعدها و أربعاً العصر و ثلاثاً المغرب و أربعاً بعد المغرب و العشاء الآخرة أربعاً و ثماني صلاة الليل و ثلاثاً الوتر و ركعتي الفجر- و صلاة الغداة ركعتين قلت جعلت فداك- و إن كنت أقوى على أكثر من هذا- يعذبني الله على كثرة الصلاة- فقال لا و لكن يعذب على ترك السنة[3].

وفي مجمع البيان عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السّلام في قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ عَلىٰ صَلٰاتِهِمْ يُحٰافِظُونَ قال: أولئك أصحاب الخمسين صلاة من شيعتنا.

و مورد الاختلاف بين الطائفتين ركعة نافلة العشاء اي ركعتا الوتيرة، وقد ورد في معتبرة حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن صلاة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بالنهار، فقال: و من يطيق ذلك، ثم قال: و لكن ألا أخبرك كيف أصنع أنا، فقلت: بلى، فقال: ثماني ركعات قبل الظهر و ثمان بعدها، قلت: فالمغرب؟ قال: أربع بعدها، قلت: فالعتمة؟ قال: كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله يصلّي العتمة ثم ينام[4].

الطائفة الثالثة: ما دلّت على أنّ النّوافل سبع و عشرون ركعة، و هي معتبرة زرارة عن أبي عبد اللّٰه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: ما جرت به السنة في الصلاة؟ فقال: ثمان ركعات الزوال، و ركعتان بعد الظهر، و ركعتان قبل العصر، و ركعتان بعد المغرب، و ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر و ركعتا الفجر، قلت: فهذا جميع ما جرت به السنة؟ قال: نعم…[5].

وفی صحیحته الأخرى قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إني رجل تاجر أختلف و أتجر فكيف لي بالزوال و المحافظة على صلاة الزوال و كم تصلى قال تصلي ثماني ركعات إذا زالت الشمس و ركعتين بعد الظهر و ركعتين قبل العصر فهذه اثنتا عشرة ركعة و تصلي بعد المغرب ركعتين و بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و منها ركعتا الفجر فتلك سبع و عشرون ركعة سوى الفريضة و إنما هذا كله تطوع و ليس بمفروض- إن تارك الفريضة كافر و إن تارك هذا ليس بكافر و لكنها معصية لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملا من الخير أن يدوم عليه[6].

وفي صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تصل أقل من أربع و أربعين ركعة[7].

الطائفة الرابعة: ما دلت على أن النوافل تسع و عشرون ركعة، ففي معتبرة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التطوع بالليل و النهار- فقال الذي يستحب أن لا يقصر عنه- ثمان ركعات عند زوال الشمس- و بعد الظهر ركعتان و قبل العصر ركعتان- و بعد المغرب ركعتان و قبل العتمة ركعتان- و من السحر ثمان ركعات ثم يوتر- و الوتر ثلاث ركعات مفصولة- ثم ركعتان قبل صلاة الفجر- و أحب صلاة الليل إليهم آخر الليل[8].

وفي رواية يحيى بن حبيب (او يحيى بن ابي حبيب) قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله- من الصلاة قال ست و أربعون ركعة فرائضه و نوافله قلت هذه رواية زرارة- قال أ و ترى أحدا كان أصدع بالحق منه[9]، ومع حذف سبعة عشر ركعة الفرائض من ست واربعون ركعة تبقى تسعة وعشرون ركعة نافلة.

وفي مرسلة الصدوق قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لا يصلّي بالنهار شيئا حتى تزول الشمس، و إذا زالت صلّى ثماني ركعات و هي صلاة الأوّابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء و تستجاب الدعاء و تهبّ الرياح و ينظر اللّٰه إلى خلقه، فإذا فاء الفي‌ء ذراعا صلّى الظهر أربعا، و صلّى بعد الظهر ركعتين ثم صلّى ركعتين أخراوين، ثم صلّى العصر أربعا إذا فاء الفي‌ء ذراعا، ثم لا يصلّي بعد العصر شيئا حتّى تئوب الشمس فإذا آبت -و هو أن تغيب- صلّى المغرب ثلاثا و بعد المغرب أربعا، ثم لا يصلّي شيئا حتّى يسقط الشفق فإذا سقط الشفق صلّى العشاء، ثم آوى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله إلى فراشه و لم يصلّ شيئا حتّى يزول نصف الليل، فإذا زال نصف الليل صلّى ثماني ركعات، و أوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات ثم يسلّم و يصلّي ركعتي الفجر قبل الفجر و عنده و ب‍ُعَيده، ثم يصلّي ركعتي الصبح و هي الفجر إذا اعترض الفجر و أضاء حسنا، فهذه صلاة رسول اللّٰه صلّى اللٰه عليه و آله التي قبضه اللٰه عز و جل عليها[10].

وقد روى الكشي بسند صحيح عن عبد الله بن زرارة، قال، قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) اقرأ مني على والدك السلام، و قل له إني إنما أعيبك دفاعا مني عنك، فإن الناس و العدو يسارعون إلى كل من قربناه و حمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبه و نقربه، و يرمونه لمحبتنا له و قربه و دنوه منا، و يرون إدخال الأذى عليه و قتله، و يحمدون كل من عبناه نحن و إن نحمد أمره، فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا و لميلك إلينا، و أنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر لمودتك لنا و بميلك إلينا، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك و نقصك، و يكون بذلك منا دافع شرهم عنك، يقول الله جل و عز: أما السفينة فكٰانت لمسٰاكين يعملون في‌ البحر فأردت أن أعيبهٰا و كٰان ورٰاءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا، فإنك و الله أحب الناس إلي و أحب أصحاب أبي (عليه السلام) حيا و ميتا، فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، و أن من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا ثم يغصبها و أهلها، و رحمة الله عليك حيا و رحمته و رضوانه عليك ميتا، فلا يضيقن صدرك من الذي أمرك أبي (عليه السلام) و أمرتك به، و أتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به، فلا و الله ما أمرناك و لا أمرناه إلا بأمر وسعنا و وسعكم الأخذ به، و لكل ذلك عندنا تصاريف و معان توافق الحق، و لو أذن لنا لعلمتم أن الحق في الذي أمرناكم به، فردوا إلينا الأمر و سلموا لنا و اصبروا لأحكامنا و ارضوا بها، و الذي فرق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه، و هو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها، فإن شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينها لتأمن من فسادها و خوف عدوها في آثار ما يأذن الله، و يأتيها بالأمن من مأمنه و الفرج من عنده، عليكم بالتسليم و الرد إلينا و انتظار أمرنا و أمركم و فرجنا و فرجكم، و عليك بالصلاة الستة و الأربعين، و عليك بالحج أن تهل بالإفراد و تنوي الفسخ إذا قدمت مكة و طفت و سعيت فسخت ما أهللت به و قلبت الحج عمرة أحللت إلى يوم التروية ثم استأنف الإهلال بالحج مفردا إلى منى و تشهد المنافع بعرفات و المزدلفة، فكذلك حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) و هكذا أمر أصحابه أن يفعلوا: أن يفسخوا ما أهلوا به و يقلبوا الحج عمرة، و إنما أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) على إحرامه للسوق الذي ساق معه، فإن السائق قارن و القارن لا يحل حتى يبلغ هديه محله، و محله المنحر بمنى، فإذا بلغ أحل، فهذا الذي أمرناك به حج المتمتع فالزم ذلك و لا يضيقن صدرك، و الذي أتاك به أبو بصير من صلاة إحدى و خمسين، و الإهلال بالتمتع بالعمرة إلى‌ الحج، و ما أمرنا به من أن يهل بالتمتع، فلذلك عندنا معان و تصاريف كذلك ما يسعنا و يسعكم و لا يخالف شي‌ء منه الحق و لا يضاده، و الحمد للٰه رب العٰالمين[11].

وقد ذكر السيد الخوئي “قده” ان الظاهر اتفاق الأصحاب على مفاد الطائفة الاولى وكون عدد النوافل اليومية اربعا وثلاثين ركعة، والطائفة الثانية الدالة على كون عدد النوافل ثلاثا وثلاثين ركعة ناظرة الى عدم كون الوتيرة أعني نافلة العشاء من الرواتب بحسب الجعل الأوّلي و بلحاظ أصل التشريع، إما لما في صحيحة الفضيل بن يسار من قوله “ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر” فلم يجمع بين البدل و المبدل منه في العد، أو لما في رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال: ان الركعتين (اي ركعتي وتيرة العشاء) ليستا من الخمسين و إنما هي زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع[12].

وما في معتبرة حماد بن عثمان من أنه كان رسول اللٰه (صلى اللٰه عليه و آله) يصلي العتمة ثم ينام، ومرسلة الصدوق من أن النبي (صلى اللٰه عليه و آله) كان يأوي بعد العشاء الآخرة إلى فراشه و لم يكن يأتي بالوتيرة، وروایة علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من كٰان يؤمن باللٰه و اليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر- قال قلت: تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة- قال نعم إنهما بركعة- فمن صلاهما ثم حدث به حدث مات على وتر- فإن لم يحدث به حدث الموت يصلي الوتر في آخر الليل- فقلت هل صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاتين الركعتين قال لا- قلت و لم قال لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأتيه الوحي- و كان يعلم أنه هل يموت في هذه الليلة أم لا و غيره لا يعلم فمن أجل ذلك لم يصلهما و أمر بهما[13]، لا ينافي استحبابها و كونها من الرواتب، إذ من الجائز أن ذلك من جهة أنها بدل عن نافلة الليل فيحتسب عنها فيما إذا لم يوفّق المكلف لها كما نص عليه في جملة من الأخبار، و حيث ان نافلة الليل كانت واجبة عليه (صلى اللّٰه عليه و آله) و لم يكن هناك احتمال الفوت فلا موضوع للبدل بعد الجزم بإتيان المبدل منه.

فلا ينبغي الإشكال نصاً و فتوى في كون النوافل اليومية اربعا وثلاثين ركعة، وما قد يتراءى من بعض الأخبار ما يوهم خلاف ذلك، كصحيحة زرارة “المذكورة في الطائفة الثالثة” فلأجل مخالفتها مع تلكم النصوص المستفيضة كما عرفت فلابد من التصرف فيها، إما بالحمل على اختلاف مراتب الفضل، فيكون المراد بما جرت به السنة هو الذي استمرت عليه سيرة النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) بحيث لم يكن يأتي بأقل منها اهتماماً بشأنها، أو بالحمل على التقية[14].

اقول: أما ما ذكره من كون الطائفة الثانية ناظرة الى عدم كون الوتيرة من النوافل بحسب الجعل الاولي وفي اصل التشريع، وانما شرّعت مكان الوتر فلم يجمع في تلك الروايات بين البدل والمبدل منه في العد، او أنها زيدت على الخمسين لتصير عدد النوافل ضعف الفرائض، ففيه انه ليس جمعا عرفيا بين الطائفة الاولى والثانية، ولا يرفع التعارض بينهما، فان الطائفة الاولى دلت -كما في صحيحة الفضيل بن يسار- على أنه سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) النوافل أربعا و ثلاثين ركعة مثلي الفريضة، و في رواية البزنطي أن الامام (عليه السلام) كان يأتي باربع وثلاثين ركعة نافلة في كل يوم، وفي صحيحة الفضل بن يسار و الفضل بن عبد الملك و بكير قالوا سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي من التطوع مثلي الفريضة[15]، وفي رواية الفضل بن شاذان “و إنما جعلت السنة أربعا و ثلاثين ركعة لأن الفريضة سبع عشرة فجعلت السنّة مثلي الفريضة كمالا للفريضة[16]، الى غير ذلك من الروايات، بينما ان الطائفة الثانية دلت على أن سنة النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة خمسون ركعة، كما في صحيحة معاوية بن عمار، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصلي خمسين ركعة ويترك وتيرة العشاء،كما في صحيحة حنان، و معتبرة حماد بن عثمان.

نعم ما ذكره يمكن أن يكون مجرد احتمال في تفسير الطائفتين بما يخرهما عن التعارض واقعا، ولكنه غير الجمع العرفي، كما أن هناك احتمالات أخرى من قبيل ما ذكره السيد الداماد “قده” من أن التأمّل في الاخبار يشهد بأنّه كان العامّة يصلّون بعد العشاء ركعتين ‌يحسبونهما من الخمسين بدل صلاة الوتر إن لم يستيقظوا لصلاة الليل، وينسبونه إلى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، وهذا نحو منقصة له، فتصدى الأئمة (عليهم السّلام) لدفع هذه التهمة فأنكروا إتيانه بهذه الصلاة و من باب التقية جعلوا سنّته خمسين ركعة[17]، و يشهد لذلك قوله في موثقة سليمان بن خالد “و لا تعدهما من الخمسين”[18].

وفي البدر الزاهر “يمكن الجمع حينئذ بأن يقال: إنّ عدم ذكر نافلة العشاء في بعض الأخبار يحتمل أن يكون لأجل التقيّة، لترك بعض العامّة لها، و يحتمل أن يكون من جهة أنّ المقصود هو بيان ما ثبت استحبابه أوّلا و بالذّات، و نافلة العشاء لا تكون كذلك، لأنّها مشروعة لصيرورة عدد النافلة ضعف الفريضة، أو لكونها عوضا عن الوتر لو ترك، كما في بعض الأخبار، فلا تكون من النوافل الثابتة بالأصالة”.

ثمَّ انّه ورد في بعض الروايات، ما يدلّ بظاهره على أنّ نافلة الظهر أربع ركعات، و هو ما رواه الحميري في قرب الإسناد، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السّلام، أنّه كان يقول: «إذا زالت الشمس عن كبد السماء، فمن صلّى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الأوّابين، و ذلك بعد نصف النهار» «2». و لكنّها مضافا إلى عدم صحّة سندها، لأن حسين بن علوان من الزيديّة، أنّها لم تكن مذكورة إلّا في كتاب قرب الإسناد، و هو و إن كان مؤلّفه من الإماميّة إلّا أنّ بناءه في ذلك الكتاب ذكر الأخبار الضعيفة أيضا، أضف إلى ذلك كلّه أنّ هذه الرواية محمولة على التقيّة، من جهة موافقتها‌

لمذهب الحنفيّة، و يؤيّده أنّ فقه الزيديّة موافق لفقه الحنفيّة.

و كيف كان فالرواية غير قابلة للاستناد خصوصا مع معارضتها للأخبار الكثيرة المستفيضة، بل المتواترة، نعم قد عرفت الاختلاف بين الروايات في نافلة العصر و المغرب، و عرفت أيضا أنّ طريق الجمع بينها هو الحمل على مراتب الفضيلة.

ثمَّ إنّه قد ورد في الأخبار الكثيرة التي تقدّم بعضها، أنّ نافلة العشاء ركعتان من جلوس، تعدّان بركعة من قيام «1»، و هي بهذه الكيفيّة من متفرّدات الإماميّة و لم يقل به أحد من العامّة، لأنّهم بين من ينكرها رأسا، و يذهب إلى عدم مشروعيّتها، و بين من يقول بأنّها ركعتان من قيام، و بين قائل بأنّها ثمان ركعات، أربع منها قبل فريضتها، و أربع بعدها كأبي حنيفة و من تبعه «2».

وأما ما ورد من ترك النبي (صلى الله عليه وآله) للوتيرة، فالروايات فيه متعارضة، فان المستفاد من صحيحة الفضل بن يسار و الفضل بن عبد الملك و بكير “قالوا سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي من التطوع مثلي الفريضة” هو اتيانه بها، والا لم تكن صلاة تطوعه مثلي الفريضة، وحملها على العدد التقريبي خلاف الظاهر جدا، ويناسب ذلك ما ورد في رواية البزنطي أن الامام (عليه السلام) كان يأتي باربع وثلاثين ركعة نافلة في كل يوم، وكذا صحيحة الفضيل بن يسار “سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) النوافل أربعا و ثلاثين ركعة مثلي الفريضة” وان كان قد يقال بامكان حمل هذه الصحيحة على امر النبي امته بالوتيرة من دون أن يأتي بنفسه بها، وقد حاول صاحب الوسائل رفع تعارض هذه الروايات بحملها على أنه كان يأتي النبي بها احيانا ويتركه احيانا[19]، وهذا ايضا خلاف الظاهر العرفي من الروايات حيث انها تأبى عن هذا الحمل.

فالمهم في المقام في تقديم الطائفة الاولى على الطائفة الثانية التسالم وعدم الخلاف بين الاصحاب، في كون وتيرة العشاء من النوافل اليومية، و قد ورد في جملة من الروايات التأكيد عليها، ففي صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر[20].

هذا كله بلحاظ معارضة الطائفة الثانية مع الطائفة الاولى، وأما الطائفة الثالثة فما عدا صحيحة زرارة الاولى قابلة للحمل على مراتب الفضل، ففي صحيحته الثانية طلب من الامام بيان النوافل بقدر ما يسعه مع ما عليه من الاشتغال بالتجارة، وكذا صحيحة ابن سنان حيث نهت عن الاقل من اربع واربعين، فالمهم هو الصحيحة الاولى لزرارة، حيث حصرت جميع السنة في سبعة وعشرين ركعة نافلة، وتأبى عن الحمل على اختلاف مراتب الفضل، فهي رواية شاذة معارضة مع الأخبار المشهورة رواية وفتوى فتكون من الشاذ النادر التي ورد في مقبولة ابن حنظلة الامر بطرحها والاخذ بما اشتهر بين الاصحاب، وأما الطائفة الرابعة فليس فيها ما يستقر فيه التعارض غير مرسلة الصدوق، لامكان حمل ما عدا المرسلة على اختلاف مراتب الفضل، والمرسلة ضعيفة سندا مضافا الى شذوذها كصحيحة زرارة، فالاقوى كون النوافل اليومية اربعا وثلاثين ركعة وبضهما الى سبعة عشر ركعة الفريضة يصير المجموع احدى وخمسين ركعة.

الجهة الثالثة: ذكر صاحب العروة جواز الاتيان بالوتيرة قائما بل ذكر انه افضل وان كان الجلوس احوط[21]، ولم يعلق عليه كثير من الاعلام وانما علق السيد البروجردي “ره” على قوله “الجلوس احوط” لا يترك، وعلق السيد الخوئي “ره” على قوله “يجوز فيهما القيام” فيه اشكال بل الاظهر عدم جوازه، و يستدل للحكم بافضليته بروايتين:

1- معتبرة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: … و ركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائماً أو قاعداً، و القيام أفضل، و لا تعدّهما من الخمسين.

2- معتبرة الحارث بن المغيرة … و ركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصليهما و هو قاعد و أنا أُصليهما و أنا قائم … [22]، فان الاختلاف بين الصادق و أبيه (عليهما السلام) في الكيفية مستند إلى صعوبة القيام الناشئة من كبر السن و عظم جثته الشريفة كما أُشير إليه في رواية حنان بن سدير عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أ تصلي النوافل و أنت قاعد؟ فقال: ما أُصليها إلا و أنا قاعد منذ حملت هذا اللحم و ما بلغت هذا السن[23]. و أما الصادق (عليه السلام) فحيث لم يكن كذلك اختار القيام لأفضليته.

و لكن الظاهر تعين الجلوس في الوتيرة، لما تقدم في صحيحة الفضيل بن يسار من قوله “ركعتان بعد العتمة- جالسا تعد بركعة مكان الوتر” و في صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السلام) اصلي… ركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام” وتأكيد الرضا (عليه السلام) على أنه كان يصليهما عن قيام مع أنه لم يكن جسيما مثل ابي جعفر (عليه السلام) يدل على عدم افضيلته، ويشهد على ما ذكرناه ما ورد من كون النوافل ضعف الفريضة وان وتيرة العشاء تعد ركعة واحدة، يعني ان ركعتين عن جلوس في قوة ركعة واحدة عن قيام، فلو كان يجوز او يستحب الاتيان بهما عن قيام كانتا ركعتين وصارت النوافل خمسا واربعين ركعة.

و أما الروايتان المزبورتان فكما ذكر السيد الخوئي “قده” فالظاهر أنهما ناظرتان إلى صلاة أُخرى تستحب بعد العشاء غير الوتيرة، و لا تحسبان من النوافل المرتّبة و لا تعدّان منها كما صرّح بذلك في ذيل موثقة سليمان بن خالد و هما اللتان يستحب فيهما القيام‌ و قراءة مائة آية، ويدل على ما ذكرناه رواية الحجّال عن ابي عبد الله قال كان أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) يصلي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية و لا يحتسب بهما، و ركعتين و هو جالس يقرأ فيهما بقل هو اللّٰه أحد، و قل يا أيها الكافرون[24]، و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول: لا تصل أقل من أربع و أربعين ركعة، قال: و رأيته يصلي بعد العتمة أربع ركعات[25]، فلا يتم ما ذكره المحقق الهمداني “ره” عند تعرضه لهذه الصحيحة من أنه لم يعرف وجه هذه الأربع ركعات و لعلها صلاة جعفر (عليه السلام)[26].

الجهة الرابعة: ان كون ركعتين بعد ثمان ركعات من صلاة الليل شفعا وركعة وترا هو المشهور بين المتأخرين، لكن قد يقال كما في الحدائق[27] بأن الوتر ثلاث ركعات، استنادا الى بعض الروايات مثل صحيحة حنان “و ثلاثاً الوتر” ومعتبرة ابي بصير “و من السحر ثمان ركعات ثم يوتر و الوتر ثلاث ركعات مفصولة” وفي رواية سهل بن زياد عن البزنطي “والوتر ثلاثا” وثمرته عدم مشروعية ركعة الوتر فقط بل لابد من ضم ركعتي الشفع اليها و ترتب احكام الوتر وفضيلته علي تمام الثلاث ركعات، وقد جعل صاحب الحدائق ثمرته عدم مشروعية القنوت في صلاة الشفع، و لا يخفى أن كون ركعتي الشفع مفصولتين عن ركعة الوتر بالسلام من المسلمات عند الشيعة، وانما ذهب جمهور العامة الى الوصل[28]

هذا ولكن قد اطلق الوتر على الركعة الأخيرة في عدة من الروايات: منها: صحيحة الفضيل بن يسار “ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر”، فإنّ البدلية إنما تتم عرفا لو أُريد من الوتر الركعة الواحدة، والا فلو أُريد الثلاث لكانت الركعتان عن جلوس بدلًا عن ثلاث ركعات عن قيام، وهو خلاف الظاهر جدا، ومنها: ما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) و فيها: …و الشفع و الوتر ثلاث ركعات تسلّم بعد الركعتين ….[29]و منها: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام) … و الشفع ركعتان و الوتر ركعة …[30].

الجهة الخامسة: ذكر صاحب العروة أنه في يوم الجمعة يزاد على الستّ عشر أربع ركعات، وما ذكره موافق لما في صحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن التطوع يوم الجمعة، قال: ست ركعات في صدر النهار، و ست ركعات قبل الزوال، و ركعتان إذا زالت، و ست ركعات بعد الجمعة، فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة[31]، وهذا هو المشهور، ولكن في صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال: ست ركعات بكرة و ست بعد ذلك، اثنتا عشرة ركعة، و ست ركعات بعد ذلك، ثماني عشرة ركعة، و ركعتان بعد الزوال، فهذه عشرون ركعة، و ركعتان بعد العصر فهذه ثنتان و عشرون ركعة[32]، و في صحيحة سعيد الأعرج سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة النافلة يوم الجمعة- فقال ست عشرة ركعة قبل العصر- ثم قال و كان علي (عليه السلام) يقول ما زاد فهو خير- و قال إن شاء رجل- أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار- و ست ركعات نصف النهار- و يصلي الظهر- و يصلي معها أربعة ثم يصلي العصر[33]، ولعله لأجلها حكي عن الصدوقين القول بكون يوم الجمعة كسائر الأيام، ولكنه لا وجه له، بعد كون الاختلاف في هذه الأخبار محمولا على اختلاف مراتب الفضل، فالافضل هو زيادة ست ركعات، ويليه في الفضل زيادة اربع ركعات.

الجهة السادسة: ذكر صاحب العروة (أنه يسقط في السفر نوافل الظهرين والوتيرة على الاقوى) أما سقوط نوافل الظهرين فمما لا خلاف فيه و لا إشكال، و تدل عليه روايات كثيرة، منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الصلاة تطوّعاً في السفر، قال: لا تصلّ قبل الركعتين و لا بعدهما شيئاً نهاراً[34]، وظاهر هذه الروايات العزيمة اي عدم المشروعية، وسقوط الامر بها رأسا، لا الرخصة في العبادات والتي تعني بقاء الامر بها مع التخفيف، وفي رواية ابي يحيى الحناط قال سألت ابا عبد الله عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال (عليه السلام) يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة[35]، كما لا إشكال في عدم سقوط نوافل ما لا تقصير فيه كالفجر و المغرب و كذا نافلة الليل، و يدلُّ عليه مضافاً إلى إطلاق الادلة بعض الروايات الخاصة ، ففي معتبرة ابي بصير في نافلة المغرب “لا تدعهنّ في سفر و لا حضر[36].

و في موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر و ركعتا الفجر في السفر و الحضر[37].

و صحيحة محمد بن مسلم قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): صلّ صلاة الليل و الوتر و ركعتين في المحمل[38].

ولكن وقع الخلاف في سقوط نافلة العشاء في السفر، فذهب المشهور الى سقوطها، وقد ادعى في السرائر عليه الإجماع عليه[39]، واستدلوا على ذلك بمثل صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي‌ء إلا المغرب ثلاث، وفي رواية ابي يحيى الحناط (لم يوثق في الرجال وان روى عنه ابن ابي عمير عن الحسن بن محبوب عنه) سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة[40].

و لكن ذهب جماعة منهم الشيخ الطوسي “ره” في النهاية[41] إلى عدم السقوط، و يستدل له بعدة ادلة:

الدليل الاول: رواية الصدوق في الفقيه والعلل والعيون عن الفضل بن شاذان في رسالة علله عن الرضا (عليه السلام) “و إنما صارت العتمة مقصورة و ليس تترك ركعتاها، لأن الركعتين ليستا من الخمسين، و إنما هي زيادة في الخمسين تطوعاً ليتمّ بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع[42].

ودلالتها واضحة انما الكلام في سندها، وسندها ما ذكره الصدوق في مشيخة الفقيه بقوله “و ما کان فیه من العلل التی ذکرها الفضل بن شاذان عن الرضا (علیه السلام) فقد رویته عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس عن علی بن محمد بن قتیبة النیسابوری عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام)”.

ورواها فی کتاب علل الشرایع و عیون اخبار الرضا بهذا السند كما رواها ايضا في كتاب عيون اخبار الرضا عن الحاکم ابی محمد جعفر بن نعیم بن شاذان عن عمّه ابی عبد الله محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان([43]).

وقد نوقش في سندها بمناقشتين:

المناقشة الاولى: ما ذكره جمع من الفقهاء كصاحب المدارك والسيد الخوئي من عدم ثبوت وثاقة عبد الواحد بن محمد بن عبدوس وعلي بن محمد بن قتيبة [44]، هذا بالنسبة الى الطريق الاول، وأما وثاقة جعفر بن نعيم بن شاذان ومحمد بن شاذان في الطريق الثاني فمن الواضح عدم ثبوتها.

ولكن يمكن تصحيح سند الصدوق الى كتاب العلل لفضل بن شاذان بوجوه ثلاثة:

الوجه الاول: تصحيح السند الاول باثبات وثاقة عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، وعلي بن محمد بن قتيبة.

أما عبد الواحد بن محمد بن عبدوس فلكونه شيخ الصدوق الذی اکثر الحدیث عنه وترضی له أكثر من مرة، وقد قال فی اول الفقیه انّه یذکر فیه الروايات التي یفتی بها وتکون حجة بینه و بین ربه، فنحن لاندعی انّ کلّما کان حجة عند الصدوق فيكون حجة لنا، فلعل الحجة عنده كغيره من القدماء کانت هي الخبر الموثوق الصدور، ولعل الصدوق اعتمد على قرائن اوجبت وثوقه بصدور الحدیث بحيث لووصلت الينا تلك القرائن لم‌تفد الوثوق لنا، او كان يرى حجية خبر كل امامي ممدوح، بينما أننا لانرى ذلك، بل المدعى أن اکثار الصدوق الحدیث عن ابن عبدوس في الفقيه بضم ما ذكر من أنه انما يورد ما كانت حجة بینه و بین ربّه یورث الاطمئنان بانّه کان معتمداً عند الصدوق، خاصة مع ضم ما مر من أنه ترضى له كثيرا.

هذا وقد نقل الشیخ فی الفهرست كتاب العلل لفضل بن شاذان: عن المفید، عن محمد بن علی بن الحسین بن بابویه، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن احمد بن ادریس عن علی بن محمد بن قتیبة، عنه، وهذا الطريق لايشتمل على ابن عبدوس بل على احمد بن ادریس الذي هو من الاجلاء.

و اماّ علی بن محمد بن قتیبة فيمكن اثبات وثاقته بعدة وجوه:

منها: أنه قد اعتمد عليه العلاّمة الحلی “ره” حيث ادرجه في القسم الاول من رجاله، فقال: علي بن محمد بن قتيبة‌، و يعرف بالقتيبي النيسابوري أبو الحسن، تلميذ الفضل بن شاذان فاضل عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال[45].

وهذا وان كان من توثيق المتأخرين، والمشهور -كما عليه السيد الخوئي “قده”- عدم اعتباره، للعلم بكونه مبنيا على الحدس والاحتهاد، فلايشمله بناء العقلاء على حجية خبر الثقة، وأما بناءهم على رجوع الجاهل الى العالم واهل الخبرة فيختص بالامور التي تكون حدسية في حد ذاتها كالاجتهاد والاعلمية، لامثل الوثاقة والعدالة ونحوهما مما يكون حسيا في حد ذاته([46]).

ولكن يمكن أن يقال بجواز الاعتماد على توثيقات العلامة (ره) إما بدعوى احتمال استناده الى الحس، لقوة احتمال وجود مستندات وكتب رجالية عنده مما لم‌يصل الينا، فتجري فيه أصالة الحس كما حكي عن بعض السادة الاعلام (دام ظله)([47])، او بدعوى جواز العمل بتوثيق المتأخرين ولو كان حدسيا من باب الرجوع الى اهل الخبرة بعد احتمال عدم وجداننا للمستندات التي كانت موجودة عنده

وما ذكر من ان الظهور او وثاقة الراوي من الامور المحسوسة فلايجوز فيها التقليد انما يصح فيما اذا تيسر للمجتهد تحصيل مقدمات الاستنباط في تلك المسائل، فلو فرضنا ان شهادة الشيخ الطوسي والنجاشي “قدهما” بوثاقة الاشخاص كانت ناشئة عن الحدس والاجتهاد او احتملنا ذلك قويا ولم نعلم ببناء العقلاء في مثله على اجراء اصالة الحس، فاي مانع من الالتزام بكون بناء العقلاء على جواز التقليد في مثله، فيكون كطبيب يفقد مقدمات الاستنباط في مسالة طبية ويرجع الى رأي طبيب كان يوجد لديه مقدمات الاستنباط.

ومنها: أن النجاشی “ره” ذكر فی ترجمته أنه اعتمد علیه ابوعمر الکشی فی کتاب الرجال، وفيه انّ الكشي “ره” لم‌يصرح باعتماده عليه وانما فهم النجاشی ذلك من اكثار الکشی الرواية عنه، وحيث أنه ثبت کثرة روایة الكشي عن الضعفاء كما ذكره النجاشي فلايكشف اكثاره الرواية عن شخص عن وثاقته عنده.

ومنها: أنه نقل الصدوق فی کتاب عیون اخبار الرضا کتاب محض الاسلام الذي روى الفضل بن شاذان أنه كتاب الرضا (عليه‌السلام) الذي كتبه للمأمون، وقد نقله الصدوق عن الفضل بن شاذان بثلاثة طرق، ثم ذكر انّ الاصح عندی هو ما رواه عبد الواحد بن عبدوس عن علی بن محمد بن

ولكن الظاهر عدم تمامية هذا الوجه فان الظاهر أن ما ادعاه من اصحّية ما رواه ابن عبدوس عن ابن قتيبة ناظر الى متن الرواية بلحاظ خلوه عن بعض الفقرات الموجودة في الطريقين الآخرين مما لم‌یکن متلائما مع آراء الصدوق مثل قوله “الفطرة مدان من حنطة وصاع من الشعيروالتمروالزبيب، وان الوضوء مرة مرة فريضة واثنتان اسباغ، وان ذنوب الانبياء صغائرهم موهوبة.

ومنها: ما ذكره بعض الاجلاء (دام ظله) من انّ الراوی لکتاب علی بن محمد بن قتیبة -کما یظهر من كتاب الغیبة- هو احمد بن ادریس القمي الذی كان من الاجلاء ، ولايبعد أن يكون اکثاره الرواية عن علی بن قتیبة كاشفا عن وثاقته عنده، وهذا الوجه غير واضح عندي.

رجال الشيخ الطوسي – الأبواب؛ ص: 429

علي بن محمد القتيبي،

تلميذ الفضل بن شاذان، نيسابوري، فاضل.

رجال النجاشي – فهرست أسماء مصنفي الشيعة؛ ص: 334

قال أبو عمرو: قال القتيبي: كان الفضل بن شاذان رحمه الله يحب العبيدي و يثني عليه و يمدحه و يميل إليه و يقول: ليس في أقرانه مثله. و بحسبك هذا الثناء من الفضل رحمه الله.

ومنها: تطبيق مبنى شيخنا الاستاذ “قده” في المعاريف

الوجه الثاني: يمكن دعوى الوثوق بكون كتاب العلل لفضل بن شاذان من جهة أخرى، وهي أن الصدوق ذكر طريقين الى هذا الكتاب، كما أن الشیخ الطوسی(ره) فی الفهرست ذكر طريقا ثالثا للصدوق الى هذا الكتاب حيث ذكر في ترجمة الفضل بن شاذان: “الفضل بن شاذان النیسابوری، فقیه متکلم جلیل القدر له کتب و مصنفات منها … کتاب العلل…. اخبرنا بروایاته و کتبه هذه أبو عبد الله المفید رحمه الله، عن محمد بن علی بن الحسین بن بابویه، عن حمزة بن محمد العلوی، عن ابی نصر قنبر بن علی بن شاذان، عن ابیه، عنه.

الوجه الثالث: ان الصدوق نقل هذه الرواية في الفقيه وقد ذكر في اول الفقيه أن جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع، وحيث علم من كلماته المتفرقة في الفقيه والعلل والعيون أنه ينقل روايات علل الفضل بن شاذان عن رسالة علل الفضل فهذه شهادة منه بكونها من الكتب المشهورة عليها المعول واليها المرجع.

المناقشة الثانية: ما ذكره بعض السادة الاعلام “دام ظله” من أن كتاب علل الفضل بن شاذان من تصانیفه ولیس کتاب حدیث، وذكر عدة شواهد علی ذلك، منها: أن هذا الكتاب يشتمل على ما يطمئن بعدم كونه من الامام (عليه‌السلام)، كقوله “فان قال قائل: فاخبرنی لم‌کلّف الخلق؟ قیل لعلل: فان قال فاخبرنی عن تلک العلل معروفة موجودة هی ام غیر معروفة ولا موجودة؟ قیل بل هی معروفة موجودة عند أهلها فان قال قائل: أتعرفونها انتم ام لا تعرفونها؟ قیل لهم منها ما نعرفه ومنها ما لا نعرفه…([48])، وكيف يقول الامام (عليه‌السلام) نحن لانعرف بعض العلل وهي معروفة عند اهلها، وهل اهلها غير الائمة (عليهم‌السلام).

و قد تكرر فيه التعبير بقوله: فان قال قائل… قیل له…وقد ورد فيه أنه قد روي عن بعض الائمه (علیهم السلام) انه قال: لیس من میت یموت الّا خرجت منه الجنابة فلذلک وجب الغسل([49])، وهذا التعبير لايصدر من الامام (عليه‌السلام)، مع أن مضمونه خطأ، اذ لو فرض خروج المني من الانسان حين موته فيختص ذلك بالبالغ لأنه لامني للصبي.

بل توجد شواهد علی انّ الفضل بن شاذان لم‌یدرک الرضا (عليه‌السلام) فضلاً عن ان یکون قد سمع منه الحديث مرة بعد مرة وشیئاً بعد شیء، على ما نقله الصدوق عنه.

منها: أنه ذکر النجاشی: الفضل بن شاذان بن الخلیل ابو محمد الازدی النیسابوری، کان ابوه من اصحاب یونس وروی عن ابی جعفر الثانی(عليه‌السلام)، وقیل الرضا (عليه‌السلام) ایضا، وظاهره انّ والد الفضل کان من اصحاب الامام الجواد (عليه‌السلام)، فكيف يكون هو من اصحاب الرضا (عليه‌السلام).

وهكذا عدّ الشيخ الطوسي فی رجاله الفضل بن شاذان تارة من اصحاب الامام الهادی(عليه‌السلام) واخری من اصحاب الامام العسکری(عليه‌السلام) ولم‌یعدّه من اصحاب الامام الجواد(عليه‌السلام) فضلاً عن ان یکون من اصحاب الرضا (عليه‌السلام).

و الجواب عن هذا الاشكال أن ما ذكر لا يوجب رفع اليد عن الشهادة التي نقلت في كتاب علل الشرايع وعيون أخبار الرضا عن الفضل بن شاذان، حيث قال الصدوق: حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قلت للفضل بن شاذان لما سمعت منه هذه العلل أخبرني عن هذه العلل التي ذكرتها عن الاستنباط والاستخراج وهي من نتائج العقل او هي مما سمعته ورويته؟ فقال لي ما كنت أعلم مراد الله بما فرض ولامراد رسوله (صلى الله عليه وآله) بما شرع وسن، ولاأعلل ذلك من ذات نفسي، بل سمعنا من مولاي ابي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه‌السلام) مرة بعد مرة والشيء بعد الشيء فجمعتها، فقلت: فأحدث بها عنك عن الرضا (عليه‌السلام) فقال: نعم([50])، واضاف في العيون (وحدثنا الحاكم ابو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري رضي الله عنه عن عمه ابي عبدالله محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان أنه قال: سمعت هذه العلل من مولاي ابي الحسن بن موسى الرضا (عليهماالسلام) فجمعتها متفرقة وألفتها).

كما ذكر الصدوق في مشيخة الفقيه أن ما كان فيه عن الفضل بن شاذان من العلل التي ذكرها عن الرضا (عليه‌السلام) فقد رويته عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان النيسابوري عن الرضا (عليه‌السلام).

و نحن نقبل انّ کتاب العلل تصنيف فضل بن شاذان، ولکن هذا لا ینافی ان یکون المطالب المذکورة فی الکتاب من الامام الرضا (علیه السلام)، ولو بنحو النقل بالمعنی، الّا ما علم بعدم صدوره من الامام فيكون صادرا من الفضل نفسه، مثل قوله “منها ما لا نعلمه…” وهكذا قوله “فقد نروي عن الائمة” فان قيام القرینة على عدم صدور بعض المطالب من الامام لايوجب أن يرفع اليد عن شهادة الصدوق بصدور المطالب المذكورة فی الکتاب عن الامام الرضا (عليه‌السلام) بالنسبة الى بقية المطالب.

و أما ما ذكره من الشواهد على عدم كون الفضل من أصحاب الرضا (عليه السلام) فيرد عليه أنه ثبت بطريق معتبر كون الفضل سمع من الرضا (عليه‌السلام) لما تقدم من صحة طریق الصدوق الی الفضل، فما دام لم‌يوجد شاهد قطعی علی انّ الفضل لا یمکن أن يروي عن الرضا (علیه السلام) لا وجه لرفع الید عن هذه الشهادة المعتبرة.

ويؤيد ذلك وجود اربع روایات اخری فی عیون اخبار الرضا عن الفضل بن شاذان أنه قال سمعت ابا الحسن علی بن موسی (علیه السلام)([51]) وروايتين في التوحيد([52])، نعم طريق الصدوق في هذه الروايات نفس احد الطريقين الى كتاب العلل لفضل بن شاذان.

ويشهد على امكان رواية الفضل عن الرضا (عليه‌السلام) انّه روى عن حماد بن عیسی (و تبلغ احادیثه 136 حدیثاً) وحماد توفي فی سنة 208 أي سبع سنوات بعد استشهاد الامام الرضا (علیه السلام)، وكان مقيما فی الکوفة، وکذلک روى 316 حدیثا عن صفوان بن یحیی المتوفى سنة 210، وعليه فلابعد فی رواية الفضل عن الرضا (علیه السلام) قبل ذلک بسنوات قلیلة فی موطنه فی نیسابور او طوس قبل أن يسافر الى الكوفة، ولا اقل من وجود الاحتمال العقلائی فی حق الفضل انه ادرک الرضا (علیه السلام)

و أما کلام الشیخ الطوسی فهو ليس نفيا لكون الفضل قد ادرك الرضا (عليه‌السلام) فلعل منشأه انّ الشیخ کان دأبه ملاحظة الروايات التي وصلت اليه، ولما لم‌یکن في شیء منها رواية الفضل عن الرضا (علیه السلام) لم‌یعده من اصحابه، فشهادة الشیخ بکون الفضل من اصحاب الهادی والعسکری (علیهما السلام) لا تکون شهادة علی عدم کونه من اصحاب الرضا (علیه السلام)، وهكذا الامر بالنسبة الى النجاشی، وما نقله من انّ والد الفضل کان من اصحاب یونس وروی عن ابی جعفر الثانی (علیه السلام) وقیل الرضا (علیه السلام) لا ينافي كون الفضل من اصحاب الرضا (عليه‌السلام) لعدم البعد فی عدم نقل الاب من امام لعدم کونه من خاصته ونقل الابن منه ويجوز أن يكون الاختلاف بينهما في السن يسيرا.

اذن سند الرواية تام كدلالتها.

الدليل الثاني: صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام): هل قبل العشاء الآخرة و بعدها شي‌ء؟ قال: لا، غير أنّي أُصلي بعدها ركعتين و لست أحسبهما من صلاة الليل[53].

فذكر المحقق الهمداني “ره” أن المستفاد منها أن الركعتين بعد العشاء مستحبتان في نفسهما و ليستا نافلة لها، فلا تشملها ما دل على سقوط نوافل الرباعية في السفر.

وفيه ان من المحتمل كون المراد بها ما مر من استحباب ركعتين بعد نافلة العشاء، واستفدنا من عدة من الروايات أنهما صلاة أُخرى غير وتيرة العشاء يستحب الإتيان بهما مستقلا بعد العشاء الآخرة زائدة على النوافل المرتبة ويستحب بهما عن قيام و يقرأ فيهما مائة آية.

الدليل الثالث: ما ذكره المحقق الهمداني “ره” أيضاً من أن ما دل باطلاقه على سقوط وتيرة العشاء معارضة في الوتيرة بما دل من صحيحة زرارة وغيرها على أن من كان يؤمن باللّٰه و اليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر، وقد ورد في رواية الصدوق في علل الشرايع قال حدثنا علي بن أحمد قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله عن موسى بن عمران عن عمه الحسين بن يزيد عن علي بن ابي حمزة عن ابي بصير بعدها “قلت: تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال: نعم إنّهما بركعة[54]، و النسبة بينهما عموم من وجه، لكون الطائفة الاولى مختصة بالسفر و مطلقة من حيث النوافل وباطلاقها تشمل نافلة العشاء، على العكس من الطائفة الثانية، حیث انها مختصة بالوتيرة ومطلقة من حيث السفر والحضر، و ليس الإطلاق في الطائفة الاولى أقوى منه في الثانية لو لم يكن الأمر بالعكس لتضمن لسانها نوعا من التأكيد في الإطلاق، حيث دلت على أن الإتيان بها ينبعث عن الايمان بالمبدإ و المعاد غير المختص بوقت دون وقت، بل يمكن القول بأنّ لها نوع حكومة على تلك الأخبار، حيث يفهم منها أن الوتيرة مربوطة بصلاة الليل، و أن الإتيان بها بعد العشاء لأجل وقوعها قبل المبيت لا لارتباطها بالعشاء. و كيف ما كان فبعد التساقط في مادة الاجتماع يرجع إلى إطلاق دليل المشروعية في الوتيرة الذي مقتضاه عدم السقوط في السفر[55].

و اورد عليه السيد الخوئي “قده” أوّلًا: أن الوتر غير الوتيرة، و الموضوع في الطائفة الثانية هو الأوّل، كما أن معنى البيتوتة إنهاء الليل إلى طلوع الفجر، و يكون محصّل النصوص أن من كان يؤمن باللّٰه و اليوم الآخر لا يطلع عليه الفجر إلا بوتر، و الأخبار الواردة في الاهتمام بصلاة الليل بما فيها من الوتر كثيرة جدّاً، وليكن هذا منها.

و أما نافلة العشاء فلم يطلق عليها لا الوتر و لا الوتيرة في شي‌ء من الأخبار، و إن تداول على ألسنة الفقهاء التعبير عنها بالوتيرة، إذن فلا سبيل للاستدلال بهذه الروايات على استحبابها فضلا عن عدم سقوطها في السفر. نعم فسّرت الوتر بها رواية عن أبي بصير المتقدمة كما سمعت، و من هنا جعلها في الحدائق شارحة لإجمال تلك الأخبار، و لكنها ضعيفة السند، لأنّ أكثر رواتها بين مهمل أو مجهول فلا يعوّل عليها، إذن فالروايات‌ الدالة على السقوط سليمة عن المعارض.

و ثانياً: سلّمنا إرادة الوتيرة من الوتر إلا أنه لا يبعد القول بحكومة نصوص السقوط على الثبوت، نظراً إلى أن الثانية مسوقة لبيان أصل المشروعية، و أن الوتيرة من المستحبات الأكيدة، أما الأُولى النافية للمشروعية و الناطقة بأنه لا شي‌ء قبل المقصورة و لا بعدها مؤيدة بما دل على أنه لو صلحت النافلة في السفر لتمت الفريضة، فهي مسوقة لبيان حكمها في السفر فارغاً عن أصل المشروعية، فهي ناظرة إليها و ما يضاهيها من النوافل المرتّبة و شارحة للمراد منها، و أنها خاصة بغير السفر، فلسانها لسان الشرح و التفسير، فلا جرم تتقدّم عليها تقدّم الحاكم على المحكوم من دون أيّ تعارض في البين[56].

اقول: الظاهر تمامية ايراده الثاني، وأما ايراده الاول فغيرتام، فان ظاهر النهي عن أن يبيت الرجل الا على كذا هو أن يفعله قبل دخوله في البيتوتة، واليتوتة وان كان هو الدخول في الليل كما صرح به في كتاب العين والمحيط وغيرهما فقال في كتاب العين “البيتوتة: دخولك في الليل، تقول: بت أصنع كذا إذا كان بالليل، و بالنهار ظللت. و من فسر بات على النوم فقد أخطأ[57]” لكن الظاهر منها بمناسبة الحكم والموضوع الذهاب الى الفراش للنوم، ويشهد لذلك كثير من الروايات، ففي الحديث: قال أبو جعفر (عليه السلام) ملك موكل يقول من بات عن العشاء الآخرة- إلى نصف الليل فلا أنام الله عينه[58]، وفي المحاسن عن ابن فضال عن ابن بكير عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) قد جعل بيتا في داره- ليس بالصغير و لا بالكبير لصلاته- و كان إذا كان الليل ذهب معه بصبي- لا يبيت معه فيصلي فيه[59]، وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كره أن يبيت الرجل على سطح- ليست عليه حجرة و الرجل و المرأة في ذلك سواء[60]، وفي سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيت في بيت وحده- فقال إني لأكره ذلك و إن اضطر إلى‌ ذلك فلا بأس- و لكن يكثر ذكر الله في منامه ما استطاع[61]، وفي رواية سلام الحناط عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من استغفر الله مائة مرة حين ينام بات و قد تحات عنه الذنوب كلها كما يتحات الورق من الشجر- و يصبح و ليس عليه ذنب[62]، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) ما ينبغي لامرئ مسلم- أن‌ يبيت ليلة إلا و وصيته تحت رأسه[63]، وفي رواية إبراهيم الكرخي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل له أربع نسوة- فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن فيمسهن فإذا بات عند الرابعة‌ في ليلتها لم يمسها- فهل عليه في هذا إثم- قال إنما عليه أن يبيت عندها في ليلتها- و يظل عندها في صبيحتها و ليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك[64]، وفي رواية ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ترك العشاء مهرمة- و ينبغي للرجل إذا أسن أن لا يبيت- إلا و جوفه من الطعام ممتلئ[65]، وفي رواية البرقي في المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ترك العشاء مهرمة- و ينبغي للرجل إذا أسن- أن لا يبيت إلا و جوفه ممتلئ من الطعام[66]، وفي رواية المفضل بن عمر قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) ليلة و هو يتعشى- فقال يا مفضل ادن فكل قلت قد تعشيت- فقال ادن فكل فإنه يستحب للرجل إذا اكتهل- أن لا يبيت إلا و في جوفه طعام حديث فدنوت فأكلت[67]، وفي صحيحة ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا بلغ الرجل خمسين سنة فلا يبيتن و في جوفه شي‌ء من السمن[68].

فالمراد من الوتر في روايات المقام وتيرة العشاء، ويشهد له رواية المثنى عن المفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت أصلي العشاء الآخرة فإذا صليت صليت ركعتين و أنا جالس فقال أما إنها واحدة و لو مت مت على وتر[69].

الدليل الرابع: ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن الوتيرة خارجة عن موضوع دليل السقوط، إذ لم يثبت كونها نافلة للعشاء ليشملها ما دل على سقوط نوافل المقصورة في السفر، و إنما هي صلاة مستحبة شرّعت بدلًا عن الوتر مخافة فوتها في ظرفها، كما تدل عليه صحيحة فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في حديث … منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر ..» و لعلّه لأجل ذلك عددت النوافل و الفرائض في جملة من النصوص بخمسين ركعة. إذن فلا معارض لما دل على استحبابها المطلق الشامل للسفر و الحضر[70].

وفيه أن الظاهر من صحيحة عبد اللّٰه بن سنان “عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي‌ء إلا المغرب ثلاث” عدم صلاة في السفر بعد العشاء، ولا اشكال في أن الوتيرة كانت صلاة بعد العشاء عرفا، وان فرضنا عدم كونها من النوافل الاصلية التابعة للفرائض.

الدليل الخامس: ما استدل به ايضا من صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال: سألته عن الصلاة تطوعاً في السفر، قال: لا تصل قبل الركعتين و لا بعدهما شيئاً نهاراً[71]، فإن السؤال كان عن مطلق التطوع في السفر، ولكن الامام (عليه السلام) خص في الجواب نفي مشروعية صلاة التطوع قبل الركعتين وبعدهما بخصوص النوافل النهارية، فيدل بمقتضى مفهوم الوصف على عدم تعلق الحكم بالطبيعي المطلق، بل بحصّة خاصة منها، و إلا لأصبح القيد لغواً، والتقصير في الليل منحصر بالعشاء، ضرورة عدم التقصير في المغرب و الفجر، إذن فالتقييد بالنهارية في الصحيحة كأنه ناظر إلى وتيرة العشاء خاصة للاشارة إلى عدم سقوطها في السفر، وعليه فلا يبعد القول بمشروعية وتيرة العشاء في السفر، الا أن المشهور حيث ذهبوا إلى سقوطها فلا نفتي بالمشروعية، فالأحوط الإتيان بها رجاءً[72].

اقول: الانصاف أنه حتى لو قيل بسقوط وتيرة العشاء فلا يحس بلغوية عرفية في التقييد بقوله نهارا، حيث يرى العرف أنه احتراز عن نوافل المغرب، نعم لو قيد السؤال او الجواب بنوافل الصلوات التي تقصر في السفر ثم قال الامام (عليه السلام) لا تصل قبل الركعتين ولا بعدهما نهارا كان للاستدلال وجه، وكان مقيدا لصحيحة ابن سنان.

والحاصل ان الدليل على مشروعية الوتيرة في السفر منحصر برواية الفضل بن شاذان، وهي معتبرة عندنا فلولا الشهرة على السقوط كان للفتوى بمشروعيتها في السفر وجه قوي كما في نهاية الشيخ “ره”، لا أنه لأجل المشهور يكون مقتضى الاحتياط الاتيان بها رجاءً.

الجهة السابعة: وقع الكلام في مشروعية الاقتصار في النوافل التي تكون أزيد من صلاة واحدة -مثل نافلة المغرب المركّبة من صلاتين، او نافلة الظهر أو العصر المركّبة من‌ أربع صلوات- بالاتيان بصلاة واحدة او صلاتين منها، فالمستفاد من الجواهر [73]هو مشروعية ذلك، واستدلّ عليه باربعة وجوه:

1- اصل البراءة، وفيه أنه ان فرض قبولنا لجريان البراءة لنفي جزئية الجزء المشكوك وشرطية الشرط المشكوك في المستحبات كما عليه السيد الخوئي خلافا للبحوث، ولكن مع ذلك فلا يبعد أن يقال بأن ظاهر الادلة كون استحباب صلوات نافلة كل فريضة ارتباطيا، فتكون كصلاة جعفر، والاصل لا يقاوم الدليل.

2- ان تخلل الفصل بين كل ركعتين بالسلام دليل استقلال مشروعية كل صلاة، وفيه أن السلام دليل تمام الصلاة لا مشروعية الاكتفاء بها كما هو المسلَّم في صلاة جعفر وصلاة الشفع والوتر.

3- لا يجب اتمام الصلاة المندوبة بالشروع فيها، وفيه أن عدم وجوب الاتمام تكليفا شيء وعدم وجوبه وضعا شيء آخر والكلام فعلا في الثاني، والا فيجوز قطع النافلة بلا اشكال.

4- ان نكتة مشروعية النوافل على ما صرح به الروايات تكميل ما نقص من الفرائض، وهذه النكتة جارية في الاكتفاء ببعضها، وفيه أن الحكم لا يدور مدار الحكمة، والا لأمكن الاقتصار على ركعة واحدة، وعليه فالاصل الاولي الثابت بالدليل عدم مشروعية الاقتصار على البعض.

نعم ذكر المحقّق الهمدانيّ “ره” أنه لا ينبغي الاستشكال في جواز الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين، و في نافلة العصر على أربع ركعات، لدلالة بعض الأخبار المتقدّمة عليه، (مقصوده منها معتبرة زرارة عن أبي عبد اللّٰه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: ما جرت به السنة في الصلاة؟ فقال: ثمان ركعات الزوال، و ركعتان بعد الظهر، و ركعتان قبل العصر، و ركعتان بعد المغرب، و ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر و ركعتا الفجر، قلت: فهذا جميع ما جرت به السنة؟ قال: نعم…[74]. وصحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تصل أقل من أربع و أربعين ركعة[75]) بل الظاهر جواز الإتيان بركعتين من نافلة العصر؛ لما في غير واحد من الأخبار الآمرة بأربع ركعات بين الظهرين من الفصل بالأمر بركعتين بعد الظهر، و ركعتين قبل العصر، تسع وعشرون (وهي معتبرة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التطوع بالليل و النهار- فقال الذي يستحب أن لا يقصر عنه- ثمان ركعات عند زوال الشمس- و بعد الظهر ركعتان و قبل العصر ركعتان- و بعد المغرب ركعتان و قبل العتمة ركعتان- و من السحر ثمان ركعات ثم يوتر- و الوتر ثلاث ركعات مفصولة- ثم ركعتان قبل صلاة الفجر- و أحب صلاة الليل إليهم آخر الليل[76]) فإنّ ظاهرها بشهادة السياق أنّ كلّ واحد من العناوين المذكورة في تلك الروايات نافلة مستقلّة، فللمكلّف الإتيان بكلّ منها بقصد امتثال الأمر المتعلّق بذلك العنوان من غير التفات إلى ما عداها من التكاليف.

و بهذا ظهر أنّه يجوز الإتيان بستّ ركعات أيضا من نافلة العصر؛ لقوله عليه السّلام- في موثّقة سليمان بن خالد “صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر، و ستّ ركعات بعد الظهر، و ركعتان قبل العصر” فإنّ ظاهرها كون الستّ ركعات في حدّ ذاتها نافلة مستقلّة، و في خبر عيسى بن عبد اللّه القمّي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام “إذا كانت الشمس من هاهنا من العصر فصلّ ستّ ركعات” و يظهر من بعض الأخبار جواز الاقتصار في نافلة الزوال أيضا على أربع ركعات كخبر الحسين بن علوان المرويّ عن قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم السّلام أنّه كان يقول: “إذا زالت الشمس عن كبد السماء فمن صلّى تلك‌ الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الأوّابين، و ذلك بعد نصف النهار” و هل يجوز التخطّي عمّا يستفاد من النصوص بالإتيان بركعتين من نافلة الزوال، أو ستّ ركعات أو ركعتين من نافلة الليل أو أربعا أو ستّا عازما عليه من أوّل الأمر؟، وعمدة المستند لإثبات جواز الإتيان بالبعض ما أشار إليه صاحب الجواهر “قده” من أنّ دلالة النصوص على جواز الاقتصار على البعض في نافلة العصر و غيرها- كما عرفته مفصّلا بضميمة مغروسيّة محبوبيّة طبيعة الصلاة في النفس، و كون كلّ فرد منها في حدّ ذاتها عبادة مستقلّة، و كون الحكمة المقتضية لتشريعها مناسبة لتعلّق الطلب بذواتها من حيث كونها صلاة توجب انسباق الذهن عند الأمر بثمان ركعات في نافلة الزوال مثلا إلى إرادة تكليف غير ارتباطيّ، كالأمر بإعطاء الدراهم أو الإنفاق على شخص في مدّة، و غير ذلك من الموارد المناسبة لكون المأمور به من قبيل تعدّد المطلوب بلا ارتباط، فالأظهر عدم الفرق بين النوافل، و جواز الاقتصار على البعض في الجميع و إن كان الأحوط في غير الموارد التي استفدنا جوازها بالخصوص من النصوص المعتبرة: عدم قصد الخصوصيّة الموظّفة إلّا على سبيل الاحتياط، فالأولى عند إرادة الإتيان ببعض نافلة الليل أن يأتي به رجاء، و هكذا في نافلة الزوال.

هذا وقال ايضا: ورد في صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: أمّا يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح و يوتر و يصلّي ركعتي الفجر، فيكتب له صلاة الليل[77]” و الظاهر أنّ المراد بالوتر في الرواية هي الركعات الثلاث؛ لشيوع إطلاق اسم الوتر عليها في الأخبار، و يحتمل إرادة خصوص الوتر، و كيف كان فالظاهر أنّ خصوص الركعة المفردة- التي تسمّى بالوتر في مقابل الشفع- في حدّ ذاتها عبادة مستقلّة و إن كان مقتضى تسمية الركعات الثلاث في أغلب الأخبار وترا كون مجموعها نافلة واحدة[78].

واورد عليه السيد البروجردي “ره” أوّلا: بأنّ الروايات الدالّة على كون نافلة المغرب ركعتين، أو نافلة العصر أربعا أو ركعتين، أو نافلة الزوال أربعا، متروكة غير معمول بها بين الأصحاب بعد زمن الرضا (عليه السّلام) فلا يجوز الاعتماد عليها في إثبات ما هو بصدده. هذا، مضافا إلى أنّه لو ثبت ذلك يجب الاقتصار فيها على موردها، أعني المغرب و العصر، و لا يجوز التعميم بالنسبة إلى نافلة الزوال أيضا، بعد ما عرفت من أنّ الرواية الدالّة على ذلك وهي رواية الحسين بن علوان مضافا إلى ضعف سندها محمولة على التقيّة، لموافقتها لفتوى أبي حنيفة، فالحمل على اختلاف مراتب الاستحباب إنّما هو في غير نافلة الزوال.

و ثانيا: إنّ ما ذكره من جواز الاقتصار على الركعتين، أو الستّ ركعات في نافلة العصر مستندا إلى ما ذكره من الروايات، ممنوع جدّا، لوضوح أنّه لا منافاة بين الروايات الدالّة على الثمان بنحو الاجتماع، و بين الروايات الدالّة على الثمان بنحو الافتراق، و قد عرفت ظهور الطائفة الاولى في الارتباط بين الأجزاء و كون المجموع نافلة العصر. و هذا لا ينافي جواز التفريق في مقام العمل الذي يدلّ عليه الطائفة الثانية، فإنّه لما كان من سيرتهم التفريق بين فريضتي الظهر و العصر، و الإتيان بكلّ منهما في وقت فضيلته كما هو المتداول الآن بين أهل السنّة، فلذا كانوا‌ قد يأتون ببعض نافلة العصر أيضا بعد الإتيان بفريضة الظهر، و بالجملة: جواز التفريق و الإتيان بالنافلة في وقتين أمر، و الارتباط و كون المجموع من حيث هو مجموع نافلة واحدة مسمّاة بنافلة العصر أمر آخر، فلا منافاة بين الروايات الدالّة على الأمر الأوّل، و بين الروايات الظاهرة في الأمر الثاني.

و قد تلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ الظاهر في كلّ نافلة مركّبة من أزيد من صلاة هو الارتباط و وحدة الأمر، و أنّ اختلاف بعض الأخبار في عدد الركعات لا يدلّ على الخلاف، فضلا عن الأخبار التي لا تخالف الروايات المعمول بها في أصل العدد، بل تخالفها في الجمع و التفريق، كخبر سليمان بن خالد المتقدّم الدالّ على الإتيان بستّ ركعات من نافلة العصر بعد الظهر، و بركعتين منها قبل فريضة العصر، و خبر رجاء بن أبي الضحاك الدالّ على أن الرضا عليه السلام صلى ستا من نافلة الظهر، ثم أذن ثم صلى ركعتين منها، و كذا نافلة العصر (تميم بن عبد الله بن تميم القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن رجاء بن أبي الضحاك في حديث قال: كان الرضا (عليه السلام) إذا زالت الشمس صلى ست ركعات ثم يؤذن و يصلي ركعتين ثم يقيم و يصلي الظهر… فإذا رفع رأسه قام فصلى ست ركعات ثم يؤذن و يصلي ركعتين فإذا سلم أقام و صلى العصر… ثم يقوم فيصلي العشاء الآخرة أربع ركعات، فإذا سلم جلس في مصلاه يذكر الله عز و جل و يسبحه و يحمده و يكبره و يهلله ما شاء الله- و يسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ثم يأوي إلى فراشه[79]) فإنه لا يدل على استقلال ست ركعات، و كونها نافلة مستقلة، بل التفريق و الإتيان بالستّ قبل الأذان، و بالركعتين بينه و بين الإقامة، لعلّه كان من جهة تحقّق الفصل المستحب بين الأذان و الإقامة[80].

اقول: مر سابقا أن مقتضى الجمع بين ما دل على كون النوافل اربعا وثلاثين ركعة او ثلاثا وثلاثين ركعة وبين ما دل على أنها تسع وعشرون -كمعتبرة أبي بصير- او سبع وعشرون -اي معتبرة زرارة وصحيحة عبد الله بن سنان- جواز الاقتصار على اربع ركعات في نافلة العصر وركعتين في نافلة المغرب، فان الجمع العرفي كان يقتضي الحمل على مراتب الاستحباب، نعم لم يتم هذا الجمع العرفي في صحيحة زرارة لقوله “فهذا جميع ما جرت به السنة قال نعم” فتعين طرحها لمخالفتها لتسالم الاصحاب، لكن يكفينا مكانها صحيحة ابن سنان، وأما في غير هذا المجال فلا دليل على مشروعية الاتيان بالبعض، نعم لا بأس بالاتيان به رجاء، نعم قام الدليل على مشروعية الاتيان بصلاة الوتر وحدها، كما في صحيحة معاوية بن وهب، ولا يبعد شمول اطلاقها للاتيان بالشفع والوتر او الوتر خاصة، لاطلاق الوتر على كل منهما، وان ذكر في الحدائق[81] أن الوتر ثلاث ركعات، استنادا الى بعض الروايات مثل صحيحة حنان “و ثلاثاً الوتر” ومعتبرة ابي بصير “و من السحر ثمان ركعات ثم يوتر و الوتر ثلاث ركعات مفصولة” وفي رواية سهل بن زياد عن البزنطي “والوتر ثلاثا”، ولكن قد اطلق الوتر على الركعة الأخيرة في عدة من الروايات: منها: صحيحة الفضيل بن يسار “ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر”، فإنّ البدلية إنما تتم عرفا لو أُريد من الوتر الركعة الواحدة، والا فلو أُريد الثلاث لكانت الركعتان عن جلوس بدلًا عن ثلاث ركعات عن قيام، وهو خلاف الظاهر جدا، ومنها: ما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) و فيها: …و الشفع و الوتر ثلاث ركعات تسلّم بعد الركعتين ….[82]و منها: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام) … و الشفع ركعتان و الوتر ركعة …[83].

هذا وقد ذكر بعض السادة الاعلام “دام ظله” في تعليقة العروة: ويجوز الاقتصار على الشفع والوتر بل على الوتر خاصة وفي نافلة العصر على اربع ركعات بل ركعتين واذا اراد التبعيض في غير هذه الموارد فالاحوط الاتيان به بقصد القربة المطلقة حتى الاقتصار في المغرب على ركعتين[84].

اقول: الظاهر أنه يستظهر من دليل جواز التبعيض في نافلة العصر بالاتيان باربع ركعات جواز التبعيض مطلقا حتى بالاقتصار على ركعتين، ولم يرد دليل على جواز التبعيض في نافلة المغرب، وأما جواز التبعيض في نافلة الظهر بالاتيان باربع ركعات فمستنده رواية الحسين بن علوان ولعله لا يرى وثاقته.

نوافل يوم الجمعة

ذكر صاحب العروة أنه في يوم الجمعة يزاد على الستّ عشر أربع ركعات، وما ذكره موافق لما في صحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن التطوع يوم الجمعة، قال: ست ركعات في صدر النهار، و ست ركعات قبل الزوال، و ركعتان إذا زالت، و ست ركعات بعد الجمعة، فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة[85]، وهذا هو المشهور، ولكن في صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال: ست ركعات بكرة و ست بعد ذلك، اثنتا عشرة ركعة، و ست ركعات بعد ذلك، ثماني عشرة ركعة، و ركعتان بعد الزوال، فهذه عشرون ركعة، و ركعتان بعد العصر فهذه ثنتان و عشرون ركعة[86]، و في صحيحة سعيد الأعرج سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة النافلة يوم الجمعة- فقال ست عشرة ركعة قبل العصر- ثم قال و كان علي (عليه السلام) يقول ما زاد فهو خير- و قال إن شاء رجل- أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار- و ست ركعات نصف النهار- و يصلي الظهر- و يصلي معها أربعة ثم يصلي العصر[87]، ولعله لأجلها حكي عن الصدوقين القول بكون يوم الجمعة كسائر الأيام، ولكنه لا وجه له، بعد كون الاختلاف في هذه الأخبار محمولا على اختلاف مراتب الفضل، فالافضل هو زيادة ست ركعات، ويليه في الفضل زيادة اربع ركعات.

مسألة 1: يجب الإتيان بالنوافل ركعتين ركعتين إلّا الوتر، فإنّها ركعة، و يستحبّ في جميعها القنوت حتّى الشفع على الأقوى في الركعة الثانية و كذا يستحبّ في مفردة الوتر.

اقول: يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولى: المشهور اعتبار التسليم بين كل ركعتين من النوافل، فلا يجوز الإتيان بها ركعة واحدة إلا الوتر و لا أكثر من ركعتين ما عدا صلاة الأعرابي التي هي أربع ركعات بتسليمة واحدة، فيعتبر في غيرهما الإتيان بالنوافل مطلقاً ركعتين ركعتين، و قد ادعي الإجماع على ذلك، و استشكل في ذلك المحقق الأردبيلي “قده” فأنكر اعتبار ذلك، وجوز الاتيان بركعة واحدة، عملًا بإطلاق الأدلة[88].

وقد استدل لقول المشهور مضافا الى الاجماع المنقول الذي لا ريب في مدركيته بعدة من الروايات:

الرواية الأُولى: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلي النافلة أ يصلح له أن يصلي أربع ركعات لا يسلّم بينهنّ؟، قال: لا إلا أن يسلّم بين كل ركعتين[89].

و نوقش في سندها تارة: باشتماله على عبد اللّٰه بن الحسن وهو لم يوثق، وقد يحاول اثبات وثاقته باكثار الحميري في قرب الاسناد الرواية عنه، فانه لو لم يكن ثقة بنظره لم يكن يكثر الرواية عنه بعد أن لم يكن ممن يكثر الرواية عن الضعفاء كالكشي والبرقي، ولاينافي ذلك اكثاره الرواية في كتابه بواسطة السندي بن محمد عن وهب بن وهب ابي البختري الذي قيل عنه أنه اكذب البرية، فانه رواياته عنه تزيد على ماة رواية، ووجه عدم المنافاة ان غايته كونه ثقة عنده او وثوقه بتلك الروايات لكن حيث لامعارض لظهور اكثار الحميري الرواية عن عبد الله بن الحسن في توثيقه، فنأخذ به، الا أنه قد يقال انه حيث كان المهم عند الحميري في هذا الكتاب هو اختصار السند، فلعله صار مبررا له في اكثاره عن المجهول او الضعيف، و لعله اكثر الرواية عنه لأنه لم يكن يحتمل أنه يكذب على جدّه، و ان لم يحرز وثاقته، و هذا لا يكفي في اعتمادنا عليه، بعد عدم احراز وثاقته بنحو يجتنب حتى عن الاعتماد على الظنون، فالانصاف أن الاشكال السندي لا يخلو من وجه.

وأما دلالتها فقد نوقش فيها بأن غاية ما يستفاد منها عدم جواز الإتيان بأكثر من ركعتين من دون تسليم، دون عدم جواز الاتيان بركعةٍ، واجاب عنه السيد الخوئي “قده” بأن المستثنى منه في قوله “لا إلا أن يسلّم” لا يمكن أن يراد به خصوص الأربع الواقع في السؤال، لامتناع استثناء الفرد عن الفرد، فلا مناص من أن يراد به مطلق الكيفية التي يمكن إيقاع النافلة عليها من الركعة و الثنتين و الثلاث و هكذا، كي يصح الاستثناء، فيتجه الاستدلال حينئذ[90]، وفيه ان الاتيان باربع ركعات اعم من التسليم بعد ركعتين وعدمه، فمفاد الرواية عدم صلوح الاتيان بها بدون سلام بعد ركعتين، وهو ظاهر في عدم مشروعية الاتيان باربع ركعات بدون تسليم في الركعتين، ولا يدل على عدم مشروعية الاتيان بركعة واحدة، فهذه المناقشة الدلالية في محلها.

الرواية الثانية: ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلًا عن كتاب حريز بن عبد اللّٰه عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث: و افصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم[91].

و نوقش في سندها بجهالة طريق ابن إدريس إلى كتاب حريز، إذ لم يدركه بنفسه كي يحتمل نقله عنه بلا واسطة، و حيث إن تلك الواسطة مجهولة فهي في حكم المرسل.

وقد اجاب السيد الخوئي هنا عنها بأن ابن إدريس ممن لا يعمل بأخبار الآحاد، و عليه فلا يحتمل أن تكون الواسطة شخصاً واحداً مجهولًا كي تكون الرواية في حكم المرسل، بل طريقه إلى الكتاب إما ثابت بالتواتر أو أنه محفوف بالقرائن القطعية الموجبة للجزم بصحة الطريق لدى كل من اطلع عليها، و بذلك تخرج الرواية عن الإرسال، نعم، لو كان الراوي غير ابن إدريس ممن يعمل بأخبار الآحاد اتجه الاشكال.

ولكنه قبِل هذه المناقشة في ابحاثه القادمة الى آخر حياته، و استشكل في روايات ابن ادريس في مستطرفات السرائر عدا ما رواه عن كتاب محمد بن علي بن محبوب، لقوله في مستطرفات السرائر بأن كتابه بخط الشيخ “ره” عنده، وللشيخ سند صحيح الى روايات حريز.

وفيه أن ابن ادريس لما كان ينسب الكتاب الى مؤلفه فتجري فيه أصالة الحس، اي وجود فرائن واضحة على كونه منه، والا فالاسناد والطرق الى الكتب كانت من باب التيمن والتبرك، كما نقله في المستدرك عن الشهيد الثاني “ره”، وورد في اجازة المحقق الكركي: “أجزت له ان يروي جميع ما للرواية فيه مدخل مما يجوز لي وعني روايته” فلا يلائم ذلك كون الاجازة طريقا الى تفاصيل الكتب ونسخها، وكذا نقل عن الشهيد الثاني انه قال: رأيت خطوط جماعة من فضلائنا بالاجازة لابنائهم عند ولادتهم، منهم: السيد جمال‌الدين‌بن‌طاووس لولده غياث الدين، وشيخنا الشهيد استجاز من اكثر مشايخه بالعراق لاولاده الذين ولدوا بالشام قريبا من ولادتهم، وكتب العلامة على ظهر كتاب القواعد للقطب الرازي: اجزت له رواية هذا الكتاب باجمعه ورواية جميع مؤلفاتي وروايأتي وما اجيز لي روايته وجميع كتب اصحابنا السالفين، وكذا ذكر العلامة في اجازته لبني زهرة مثل ذلك([92])، ومثله قول الشهيد في اجازته لابن خازن: فليرو مولانا زين الدين علي‌بن‌خازن جميع ذلك ان شاء بهذه الطرق وغيرها مما يزيد على الالف والضابط ان يصح عنده السند في ذلك لي وله([93]).

واما كون تلك الطرق الى النسخ المعينة من تلك الكتب فهذا اكثر استبعادا لان كثرة تلك الكتب التي ذكر الأصحاب طرقهم اليها بمرتبة تمنع من انعقاد ظهور كلامهم في ذلك، وهذا هو الشيخ الطوسي ره قد ذكر في الفهرست طرقه الكثيرة الى الكتب والروايات مما يبعد جدّا ان تكون هذه الطرق كلها طرقا الى تفاصيل الكتب والروايات، فان الإخبار بتفاصيل تلك الكتب والروايات إما يكون بالسماع منهم او القرائة عليهم او اخذ نسخهم او الاستنساخ منها وكل ذلك غير محتمل عادة مع كثرة تلك الكتب والروايات وتعدد الطرق اليها، ويشهد على ذلك انه قد ذكر في الفهرست في ترجمة‌ابي‌الفرج الاصفهاني: له كتاب الأغاني كبير وكتاب مقاتل الطالبين وغير ذلك من الكتب اخبرنا عنه جماعة منهم احمد‌بن‌عبدون بجميع كتبه ورواياته، ولايحتمل عادة ان يخبره جماعة بتفاصيل كتب‌ابي‌الفرج الاصفهاني ورواياته بما فيها كتاب الاغاني الكبير مع اشتماله على ما لايمتّ الى العلوم الشرعية بصلة، وكذا ذكر في ترجمة على‌بن‌الحسن‌بن‌فضال انه قيل ان له ثلاثين كتبا، ثم قال اخبرنا بكتبه ورواياته، مع ان المفروض انه لم‌يصل اليه جميع كتبه والا لما عبر عنها بكلمة “قيل”.

وعليه فالمناقشة في سند هذه الرواية لكونها منقولة في مستطرفات السرائر عن كتاب حريز، ولم يذكر ابن ادريس سنده اليه غير تام، فحتى لو كانت الاسانيد مذكورة فحيث ان الاسانيد لم تكن الى نُسَخ الكتب فلابد من التمسك لاثبات كون النسخة التي نقل عنها ابن ادريس نسخة صحيحة الى اجراء أصالة الحس بعد قوة احتمال استناده في تشخيص صحة تلك النسخة الى مقدمات حسية لو وصلت الينا لكانت توجب القطع لنا ايضا، وقد يقال بأنه بناء على كون الطرق والاسانيد الى نسخ الكتب، أن طرق العلماء المتأخرين الى الكتب التي رواها الشيخ في الفهرست حيث تمر من طريق ابن ادريس كما ذكر في الوسائل فلو كان للشيخ طريق صحيح في الفهرست الى الكتاب الذي ينقل عنه ابن ادريس كان كافيا.

وأما دلالتها فقد اورد السيد الخوئي “قده” على دلالتها أوّلاً: أن غاية الامر بالفصل بين النوافل بالتسليم في كل ركعتين، نفي مشروعية الزائد على الركعتين و لا دلالة لها على نفي الركعة الواحدة، و ثانياً: أنها لا تصلح لتقييد المطلقات التي استند إليها المحقق الأردبيلي “ره” في جواز الإتيان بالنوافل ركعة أو أكثر من ركعتين، لاختصاص الإطلاق و التقييد بباب الواجبات، و أما المستحبات فالقيد فيها محمول على أفضل الأفراد، لبناء الأصحاب على الالتزام فيها بتعدد المطلوب، و عليه فلا دلالة للرواية على عدم مشروعية الزائد على الركعتين أو الناقص عنهما، لابتنائه على التقييد المزبور الممنوع في أمثال المقام، بل غايته كون الركعتين أفضل من غيرهما[94].

اقول: المهم المناقشة الاولى في دلالتها، وأما المناقشة الثانية فهي منافية لما ذكره في الاصول، من أنه لو كان الأمر في دليل المقيد متعلقا بنفس التقييد لابالمقيد، كما اذا افترض انه ورد استحباب الاقامة في الصلاة في خطاب وورود في خطاب آخر: “فلتكن الاقامة في الصلاة في حال القيام” فحيث ان قوله “فلتكن” ظاهر في الإرشاد الى شرطية القيام في الاقامة فلابد من حمل خطاب استحباب الاقامة عليه، نعم لو تعلق الأمر في دليل المقيد بنفس المقيد كما هو الغالب في باب المستحبات، مثلا ورد خطاب مطلق في استحباب زيارة الحسين (عليه‌السلام) وورد خطاب آخر في استحباب زيارته ليلة الجمعة، فلاوجه لحمل المطلق على المقيد، اذ لاتنافي بين الخطابين حيث أن دليل المقيد لايوجب الإتيان بالمقيد كي يتنافى مع ايجاب المطلق المقتضي لترخيص المكلف في تطبيقه على أي فرد شاء، بل دليل المقيد في المستحب مقرون بالترخيص في الترك، فلايتنافى مع الخطاب المطلق المقتضي للترخيص في التطبيق على أي فرد شاء؛ وهذا هو الفارق بين الواجبات والمستحبات[95]، والمقام من قبيل الامر بالتقيد الظاهر في الارشاد الى الشرطية، فان قوله (عليه السلام) “وافصل بين كل ركعتين بالتسليم” ظاهر في الامر بالتقيد.

هذا وقد يقال بأن هذه الجملة واردة في ذيل نوافل يوم الجمعة فلا يمكن الغاء الخصوصية منها الى غيرها فقال: إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِشْرِينَ رَكْعَةً فَافْعَلْ سِتّاً بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ سِتّاً قَبْلَ الزَّوَالِ إِذَا تَعَالَتِ الشَّمْسُ وَ افْصِلْ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ نَوَافِلِكَ بِالتَّسْلِيمِ وَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَ سِتَّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْجُمُعَةِ‌[96].

الرواية الثالثة: رواية الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال: الصلاة ركعتان ركعتان، فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى[97].

و قد مر الكلام في سندها، وأما دلالتها فقد ناقش فيها السيد الخوئي ايضا، لانصرافها عن النوافل، بقرينة ذكر الأذان المختص بالفرائض اليومية، فلا يناسب التعليل إلا مع صلاة الفريضة التي كانت في أصل التشريع ركعتين ركعتين، و عليه فالرواية أجنبية عن النوافل غير المشروع لها الأذان رأسا.

وفيه أن تعليل كون الاذان مثنى مثنى بكون الصلاة ركعتين لا يكون قرينة على كون المنظور الصلاة التي شرِّع لها الأذان، بل الصلاة مطلقة تشمل النوافل، كيف وان ظاهر الرواية النظر الى الحكم الفعلي للصلاة والتي قد تكون اربع ركعات، فالمقصود أن الصلاة حيث لا تقل عن ركعتين فالاذان ايضا من توابع الصلاة فشرع بنحو لا يقل عن تكرار كل فصل منه مرتين، فالظاهر تمامية دلالة هذه الرواية كما تم سندها، فلا يبقى مجال لما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن شيئاً من الروايات لا دلالة لها على مسلك المشهور، لقصورها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو[98].

ثم ان المطلقات التي استند إليها المحقق الأردبيلي لاثبات جواز الإتيان بأقل من الركعتين أو الأكثر، هي إطلاق ما دل على استحباب صلاة إحدى و خمسين، أو استحباب التنفل للظهر ثمان ركعات و هكذا، فيرد عليه: أن تلك الروايات ليست في مقام البيان إلا من ناحية العدد و الكمية المعتبرة في النوافل، و لا نظر فيها إلى كيفياتها حتى ينعقد الإطلاق، و من هنا لا يصح التمسك بها لنفي سائر الجهات، فلو بنينا على عدم تمامية الروايات التي استدل بها لمذهب المشهور فتصل النوبة الى الاصل العملي، وقد ذكر صاحب الحدائق أن مقتضى الأصل حينئذ هو الاشتغال، لأنّ العبادة توقيفية، فتحتاج كيفية المشروعية كأصلها إلى الإذن، و المتيقن منه هما الركعتان، و لم يثبت إذن بالأقل أو الأكثر إلا في مورد معيّن، فلا يسوغ التعدي بعد عدم شمول الإذن لغيره، بل مقتضى القاعدة الاحتياط، للشك في مشروعية غير الكيفية المعهودة ما لم يتحقق الإذن[99].

و اعترض عليه المحقق الهمداني “قده” بأن المقام مجرى للبراءة دون الاشتغال، إذ الشك في اعتبار التسليم في الركعة الثانية أو قدحه في الركعة الأُولى راجع إلى الشك في الشرطية أو المانعية في الأقل و الأكثر الارتباطي، و مثله مورد للبراءة، نعم هذا فيما إذا شك في الكيفية بعد الفراغ عن أصل المشروعية كما في الرواتب اليومية، و أما إذا شك في مشروعية نافلة من رأسها كصلاة أربع ركعات بتسليمة واحدة في يوم الغدير الواردة في خبر ضعيف و نحو ذلك، بحيث كان الشك في أصل الاستحباب النفسي لا في الجزئية أو الشرطية أو المانعية للمركب‌ الارتباطي، كان المرجع حينئذ هو الاشتغال، لتوقيفية العبادة و عدم ثبوت الترخيص كما ذكر[100].

و أُورد عليه بعدم جريان البراءة في باب المستحبات، أما العقلية فواضح لعدم احتمال العقاب، و أما الشرعية فلاختصاص حديث الرفع بمورد الامتنان، و لا منّة في رفع المستحب، إذ لا كلفة في وضعه كي ترفع، مضافاً إلى أنها لا تثبت مشروعية الركعة أو الزائد على الركعتين إلا بالملازمة العقلية.

و منه يظهر عدم جريان الاستصحاب أيضاً، أعني أصالة عدم شرطية التسليم في الثانية، أو عدم مانعيته في الركعة الأُولى، لكونه من الأصل المثبت كما عرفت.

وقد ذكر السيد الخوئي “قده” أن الاستصحاب لا مجرى له في المقام، لا من جهة كون اثبات مشروعية ركعة به من الاصل المثبت، بل للابتلاء بالمعارض، إذ أصالة عدم اعتبار تقيد الركعة الأُولى بكونها موصولة بالثانية المنتج لجواز إتيانها ركعة ركعة، معارض بأصالة عدم تشريع الركعة على سبيل الإطلاق من حيث الوصل و الفصل، فإن الإطلاق و التقييد متقابلان بتقابل التضاد في عالم الثبوت، و لا ثالث لهما لاستحالة الإهمال في الواقعيات، فلابد للشارع الحكيم من ملاحظة أحد العنوانين في مقام الجعل و التشريع، فاستصحاب عدم رعاية أحدهما معارض باستصحاب عدم الآخر، و أما البراءة، فقد فصلّنا في بحث الأُصول بين البراءة عن اصل الاستحباب و بين البراءة عن الجزئية أو الشرطية أو المانعية في المستحبات، فتجري البراءة في الثاني دون الأول، فإن الشك إن كان في استحباب عمل في حدّ نفسه كصلاة يوم الغدير مثلًا لا معنى لرفعه بحديث الرفع، إذ المرفوع بهذا الحديث ليس هو الحكم الواقعي، ضرورة اشتراكه بين العالمين و الجاهلين، بل الرفع ظاهري ليس إلّا، و مرجعه في الحقيقة إلى رفع إيجاب الاحتياط، بمعنى أن الشارع إرفاقاً على الأُمة و منّة عليهم لم يوجب التحفظ على الواقع في مرحلة الظاهر، فَجَعَلهم في سعةٍ مما لا يعلمون، هذا في الواجبات، و على ضوء ذلك يكون المرفوع في المستحبات بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع هو استحباب الاحتياط دون وجوبه، إذ المفروض أن أصل الحكم استحبابي، فكيف يكون الاحتياط فيه وجوبياً، و لا شك في ثبوت الاستحباب و عدم ارتفاعه، و أن الاحتياط حسن عقلًا و شرعاً على كل حال، فلا يمكن شمول حديث الرفع للمستحبات المستلزم لرفع حسن الاحتياط و نفى استحبابه.

و أما إذا كان الشك في جزئية شي‌ء للمستحب أو شرطيته أو مانعيته بعد الفراغ عن أصل الاستحباب، فلا مانع حينئذ من الرجوع إلى أصالة البراءة لنفي المشكوك فيه، إذ لا ريب أن القيود المعتبرة في المركب من الجزئية أو الشرطية أو المانعية واجبة بالوجوب الشرطي، و لابد من مراعاتها و إن كان أصل العمل مستحباً، و لا منافاة بين الأمرين كما لا يخفى، فصلاة الليل مثلًا و إن كانت مستحبة في نفسها و يجوز تركها من رأسها لكنه على تقدير الإتيان بها يجب إيقاعها مع الطهارة و إلى القبلة و مع الركوع و السجود و غير ذلك من سائر ما يعتبر في الصلاة، و لا يجوز إتيانها على خلاف ذلك فإنه تشريع محرّم، و لازم ذلك وجوب الاحتياط في كل ما يحتمل دخله في المركب و عدم جواز الإتيان‌ بالفاقد للشرط بداعي الأمر، و عليه فيرتفع هذا الوجوب بحديث الرفع كما يرتفع في الواجبات، و مما ذكرنا يظهر أن إجراء البراءة لنفي ما يحتمل دخله في المستحب موافق للامتنان، لتضمنه التوسعة و التسهيل لو أراد الإتيان به، فإن الإنسان ربما لا يقدم على إتيان المستحب لو كان مشروطاً بشرط، كالغسل بالنسبة للزيارة مثلًا لتكلفه عليه و لزوم المشقة، و يقدم لو لم يكن مشروطاً به، و عليه فرفع التقييد في ظرف الشك منّة على العباد، لتضمّنه التسهيل بالإضافة إلى من يرغب في الامتثال، و إن كان الحكم في نفسه مبنياً على السعة لجواز ترك المستحب من أصله، و لا منافاة بين الأمرين كما لعله ظاهر جدّاً، فتحصل: أن الرجوع إلى أصالة البراءة في المستحبات لنفي التقييد لا مانع منه، و لا يعارض به البراءة عن الإطلاق لعدم جريانها فيه، إذ جعل الحكم على سبيل الإطلاق بنفسه توسعة و إرفاق و تسهيل و امتنان، فرفعه بحديث الرفع على خلاف الامتنان.

نعم، يبقى الاشكال المتقدم من أن البراءة عن تقيد الركعة بكونها موصولة بالأُخرى مثلًا لا يثبت الإطلاق و تعلق الأمر بالركعة المفصولة كي ينتج مشروعية الإتيان بها وحدها إلا من باب الأصل المثبت، و الجواب: أنّ أصل مشروعية الركعة الواحدة في حدّ ذاتها مقطوعة بالوجدان، للعلم الإجمالي بتعلق الأمر بها إما مطلقاً أو بشرط الاتصال، فاذا نفينا الشرط بالبراءة عن التقييد، ينتج أن الركعة الواحدة مشروعة من غير تقييد بشي‌ء بعد ضم الوجدان إلى الأصل و هو معنى الإطلاق، إذ لا نعني به في المقام أكثر من ذلك، فالمستند في إثبات مشروعية الركعة الواحدة مطلقة ليس هو البراءة عن التقييد كي تكون مثبتاً بالنسبة إليه، بل هو القطع الوجداني بضميمة الأصل المنقّحين لجزئي الموضوع كما عرفت، و لولا ما ذكرناه لانسدّ باب الرجوع إلى البراءة في الأقل و الأكثر الارتباطيين حتى في باب الواجبات، لعدم الفرق بينها و بين المستحبات من هذه الجهة، فلو شك في وجوب السورة مثلًا و أُجري البراءة عنها كيف تثبت بعد ذلك مشروعية الباقي و تعلق الأمر به، فما هو الجواب هناك هو الجواب في المقام، و ليس هو إلا ما عرفت الذي يجاب به في المقامين بملاك واحد. فهذا الإشكال أيضاً لا يرجع إلى محصل.

نعم، هناك إشكال آخر هو العمدة في المنع عن جريان البراءة في المقام، و هو أنّ تغيير الكيفية المعهودة و الإتيان بالنافلة أقل من ركعتين أو أكثر مخالف لما هو المرتكز في أذهان عامة المتشرعة خلفاً عن سلف حتى النساء و الصبيان المميزين، بمثابة يعدّ لديهم من الغرائب و يرون أن تقوّمها بالركعتين من الواضحات الجلية التي لا تعتريها مرية، و لأجله يكون الأصل في المقام هو عدم المشروعية إلا فيما خرج بالدليل كما في مفردة الوتر و صلاة الأعرابي دون البراءة، و لعلّ السرّ في هذا الارتكاز ابتناء تشريع الصلوات بأسرها حتى الفرائض على الركعتين، و من ثم كان الواجب في كل يوم و ليلة عشر ركعات كما جاء في النص ثم زيد عليها في جملة من الفرائض من قبل النبي الأعظم (صلى اللّٰه عليه و آله) لا أنها كانت كذلك في أصل التشريع، و عليه ففي كل مورد ثبتت الزيادة أو النقيصة عن الركعتين بدليل خاص فهو المتبع، و إلا كان اللازم الاقتصار عليهما أخذاً بالارتكاز المزبور المانع عن الرجوع إلى أصالة البراءة[101].

وقد ذكر في البحوث أن ما ذكره السيد الخوئي “قده” من عدم جريان البراءة الشرعية في مورد الشك في الاستحباب الاستقلالي، صحيح بالنظر الى ظاهر ادلة البراءة الشرعية كحديث الرفع من كونها بصدد نفي الكلفة والإلزام والدخول في العهدة، كما أن سياق الامتنان قرينة على الاختصاص بالتكاليف الإلزامية المشكوكة، وأما ما ذكره من جريان البراءة الشرعية في الشكّ في جزئية شيء او شرطيته او مانعيته للمستحب، فيرد عليه أنه إن أريد إثبات جواز الإتيان بالفاقد لذلك الجزء او الشرط المشكوك، فهو يبتني على صلاحية البراءة عن الاكثر لاثبات تعلق الامر بالاقل لا بشرط، او فقل اثبات البراءة عن التقييد، اطلاق الامر، ولكنه ممنوع، لكونه من الأصل المثبت، وان أريد نفي حرمة التشريع في الإتيان بالباقي بقصد الأمر الجزمي، ففيه أنه يكفي في حرمة التشريع بذلك مجرد الشكّ في الامر به، بعد أن لم‌ تكن البراءة عن الاكثر مثبتة للامر بالباقي([102]).

اقول: ما ذكره في البحوث من الاشكال الاثباتي في حديث الرفع وغيره من ادلة البراءة بالنسبة الى شمولها للمستحبات، حيث ان ظاهرها نفي الكلفة والثقل، خاص بمثل حديث الرفع بالنسبة الى الشك في اصل الاستحباب، ولا يأتي في استصحاب عدم الحكم الذي هو من جملة ادلة البراءة، لعدم اختصاصه برفع الكلفة، الا أن الانصاف انصراف دليل الاصل النافي حتى الاستصحاب عن مورد الشك في اصل الاستحباب، لعدم اثر عملي عرفي له، بعد عدم وجوب الاحتياط جزما وحسن الاحتياط جزما، ولذا لو علم اجمالا باستحباب فعل، او وجوب فعل آخر، فيجري استصحاب عدم وجوب الفعل الثاني بلا معارض، بينما أنه مبنى البحوث يتعارض الاستصحابان ويكون جريان البراءة عن الوجوب مبتنيا على الثول بتقديم الخطاب المختص.

وأما اذا علم باستحباب شيء وشك في كون شيء جزءا او شرطا له، فلو وجب عليه الاحتياط وجوبا وضعيا أي لم‌يحكم بصحة عمله بدون ذلك المشكوك جزئيته او شرطيته كان في ذلك نحو كلفة وثقل عليه، فلا ينصرف عنه حديث الرفع ابدا، نعم لو قلنا بـأن اثر اصل البراءة عن الاكثر ليس الا التعذير عن الامر بالاكثر او فقل نفي الاهتمام المولوي بالاحتياط بالنسبة اليه، دون اثبات آثار الصحة للاقلّ اتجه اشكال البحوث على السيد الخوئي “قده”، حيث لايكون لجريانها في المستحبات أي اثر عملي، وأما بناءا على اثباته آثار صحة الاقل كما لا يبعد، فيعني ذلك وجود أثر لجريان البراءة عن الاكثر في المستحبات وهو اثبات صحة الاقل، فيكون كسائر الاصول المصححة الجارية في مقام الامتثال كقاعدة الفراغ والتجاوز، حيث لا ينبغي الاشكال في جريان الاصول المصححة في المستحبات كاستصحاب بقاء الوضوء او جريان قاعدة الفراغ والتجاوز فيها، وليس اثرها المعذرية، اذ ليس هناك تنجز للحكم الاستحبابي، حتى مع العلم بعدم امتثاله لعدم لزوم امتثاله، فكيف بفرض الشك في امتثاله، حتى يراد من اجراء الاصل المصحح نفي تنجزه، فيكون مفاده الاكتفاء بذلك العمل في مقام الامتثال ظاهرا، وروح هذا الاصل المصحح الظاهري هي عدم اهتمام المولى بحفظ غرضه الاستحبابي في هذا الفرض، أي لم‌ تتعلق ارادته المولوية الاستحبابية بالاحتياط، واثر هذا الاصل هو اعطاء ثواب العمل الصحيح على هذا العمل المشكوك الصحة.

والوجه في ما ذكرناه من عدم البعد في اثبات البراءة عن الاكثر آثار صحة الاقل هو أن البراءة لما أثبتت الصحة الظاهرية للعمل الفاقد للجزء المشكوك ورخّصت في الاكتفاء به في مقام الامتثال فيرتب عليه العرف آثار الصحة الواقعية، لغفلته النوعية عن تدقيقات من قبيل أن البراءة عن الاكثر لا تثبت تعلق الامر بالاقل لا بشرط، وهذا يوجب انعقاد الاطلاق المقامي لدليل البراءة، ويشهد على ما ذكرناه أنه لولا ذلك يلزم منه نتائج يصعب الالتزام بها، ولنذكر لذلك امثلة:

1- اذا شك في اعتبار جزء او شرط في الوضوء او الغسل مثلا، فبلحاظ الأمر بالصلاة مع الوضوء يمكن اجراء البراءة عن الأكثر أي التقيد بالجزء او الشرط المشكوك، وبذلك يكون المكلف معذورا في مخالفته، ولكن لايثبت بهذه البراءة كون الأقل لابشرط متعلقا للأمر، وعليه فاذا كان الوضوء موضوعا لحكمٍ فيشكل اثبات ترتب هذا الحكم على الوضوء الفاقد للجزء او الشرط المشكوك، فلو اكتفى المحدث بهذا الوضوء فيجري استصحاب بقاء الحدث وحرمة مس كتابة القرآن عليه، كما أنه لو اكتفى بالغسل الفاقد للشرط المشكوك كالترتيب بين الجانب الايمن والايسر فيجري استصحاب بقاء الجنابة وحرمة دخوله في المسجد، بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، ويظهر من السيد الصدر في بحوثه في الفقه التزامه بذلك([103]).

2- لو نوى المسافر الإقامة عشرة أيام في بلد فأتى بصلاة رباعية مع الاخلال بالجزء او الشرط المشكوك فيها مما لا يجري فيه حديث لاتعاد إما لأجل رأي المشهور من عدم جريانه في حق الجاهل بالحكم ولو كان قاصرا، او لفرض كون المورد ركنا على تقدير جزئيته او شرطيته، كما لو صلى مع الوضوء الفاقد للجزء او الشرط المشكوك، ثم عدل عن نية الاقامة، فحيث ان البراءة عن التكليف بالأكثر لا تثبت كون الاقل لا بشرط متعلقا للتكليف، وانما تؤمّن عن التكليف بالأكثر فحسب، فلا يكون إتيان الأقل كافيا للحكم بوجوب البناء على التمام في الصلوات الآتية، ويكون مقتضى العلم الاجمالي هو لزوم الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام فيها.

3- لو اكتفى في نسك الحج او العمرة بالعمل الفاقد للجزء او الشرط المشكوك، كما لو طاف خارج مقام ابراهيم استنادا الى اصل البراءة، ونظيره كل عمل يتوقف خروجه عن الاحرام على اتيانه به صحيحا كالسعي والذبح والحلق والتقصير، فحيث يشك حينئذ في خروجه عن الإحرام بذلك، فبناء على مسلك المشهور من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية فيجري استصحاب بقاءه في الإحرام او استصحاب بقاء محرمات الإحرام عليه.

وأما دعوى كون آثار الصحة آثار الاعم من الصحة الواقعية والظاهرية فهو خلاف الظاهر، فان العناوين ظاهرة في وجوداتها الواقعية.

الجهة الثانية: المشهور لزوم الإتيان بصلاة الوتر مفصولة عن الشفع، و ذهب بعضهم إلى التخيير بينها و بين الإتيان بها موصولة، و منشأ الخلاف اختلاف الأخبار، فإنها على طوائف ثلاث:
الطائفة الاولى: ما دل على أنها ركعة واحدة مفصولة عن ركعتي الشفع بالتسليم، كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: الوتر ثلاث ركعات تفصل بينهن و تقرأ فيهنّ جميعاً بقل هو اللّٰه أحد[104]، و معتبرة أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: الوتر ثلاث ركعات ثنتين مفصولة و واحدة[105]، وفي صحيحة البرقي عن سعد بن سعد الأشعري (وثقه النجاشي والشيخ) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الوتر أ فصل أم وصل قال فصل[106]، وفي رواية علي بن أبي حمزة و غيره عن بعض مشيخته قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أفصل في الوتر قال نعم، قلت فإني ربما عطشت فأشرب الماء قال نعم و انكح[107].

الطائفة الثانية: ما دل على أنها ثلاث ركعات موصولات بتسليمة واحدة كصلاة المغرب، و هي رواية الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن زياد عن كردويه الهمداني قال: سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن الوتر، قال: صله[108] ويمكن اثبات وثاقة كردويه بنقل الحسين بن سعيد عن ابن ابي عمير عنه في عدة موارد، وقد ثبت بشهادة الشيخ في كتاب العدة أنه ممن لا يروي ولا يرسل الا عن ثقة، وأما محمد بن زياد فهو محمد بن ابن ابي عمير بقرينة الراوي والمروي عنه.

الطائفة الثالثة: ما دل على جواز كل من الوصل و الفصل، كصحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن التسليم في ركعتي الوتر، فقال: إن شئت سلّمت و إن شئت لم تسلّم، وصحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في ركعتي الوتر، فقال: إن شئت سلّمت و إن شئت لم تسلّم[109].

و مقتضى الجمع بين هذه الطوائف هو التخيير، و إن كان الفصل أفضل، للأمر به في الطائفة الأُولى، و أما الطائفة الثانية فلم يظهر منها اكثر من الترخيص في الوصل، ولا اقل من عرفية حمل الامر بالوصل فيها علبه بقرينة ما ورد في الطائفة الاولى من قوله الوتر أ فصل او وصل قال فصل، وقد قوى القول بالتخيير في المدارك، وهذا وان كان خلاف المشهور، لكنه مقتضى الجمع العرفي المقدَّم على حمل الطائفة الثانية والثالثة على التقية، كما صنعه الشيخ الطوسي “ره” في التهذيب.

هذا وأما ما في صحيحة أبي ولاد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس أن يصلي الرجل الركعتين من الوتر- ثم ينصرف فيقضي حاجتهُ[110]، فالتعبير بلا بأس ليس بالنسبة الى الفصل حتى ينافي افضليته، بل بالنسبة الى جواز الانصراف وقضاء الحاجة .

فالاقوى كما عليه السيد الخوئي وبعض السادة الاعلام “قدهما” من جواز الوصل، و إن كان على خلاف المشهور.

الجهة الثالثة: ذكر صاحب العروة أنه يستحب في جميع النوافل القنوت، حتى الشفع على الأقوى في الركعة الثانية[111]، وعلّق عليه السيد ابو الحسن الاصفهاني “ره” بقوله: الأحوط الإتيان به فيها رجاء، والشيخ الحائري “ره” بقوله: الأحوط الإتيان بالقنوت رجاء، والشيخ محمد رضا آل ياسين “ره”: بقصد القربة المطلقة على الأحوط، والسيد الحكيم “ره” بقوله: الأحوط الإتيان به برجاء المطلوبيّة، والسيد الگلپایگاني “ره” بقوله: يأتي به فيها رجاء، والسيد السيستاني “دام ظله” بقوله: يؤتى به فيها رجاء.

وما ذكره صاحب العروة من استحباب القنوت في الشفع هو المشهور بين الأصحاب، و خالفهم الشيخ البهائي و صاحب المدارك و صاحب الذخيرة وصاحب الحدائق، “رحمهم الله” فمنعوا عن استحبابه في الشفع، واستدل للمنع بوجهين:

الوجه الاول: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: القنوت في المغرب في الركعة الثانية، و في العشاء و الغداة مثل ذلك، و في الوتر في الركعة الثالثة[112]، بتقريب أن ظاهرها حصر القنوت في الوتر في ركعته الثالثة دون ركعته الثانية التي هي الركعة الثانية للشفع.

الوجه الثاني: ما في الحدائق من أن منصرف لفظ الوتر في لسان الروايات إنما هو الركعات الثلاث، إذ لم يطلق فيها على الركعة الواحدة المفصولة إلا في رواية ضعيفة، و هي رواية رجاء بن أبي الضحاك غير الناهضة للمعارضة مع تلك الأخبار الكثيرة، وقد ورد في غير واحد من الأخبار بيان الأدعية المأثورة في قنوت الوتر، فلو كان فيه الوتر الذي هو ثلاث ركعات قنوتان، أحدهما للشفع و ثانيهما للركعة الثالثة، للزم تقييد تلك الأدعية بالقنوت الثاني، و لم يحسن معه هذا الإطلاق، و هذا خير شاهد على أن الركعات الثلاث لا تتضمن إلا قنوتاً واحداً[113].

وقد اجاب السيد الخوئي “قده” عن الوجه الاول بأنه توجد قرينة على حمل صحيحة ابن سنان على التقية، حيث إن العامة لا يرون مشروعيته إلا في بعضها، والقرينة هي معتبرة ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن القنوت، فقال: فيما يجهر فيه بالقراءة، قال فقلت له: إني سألت أباك عن ذلك، فقال: في الخمس فسألوه فأخبرهم بالحق، ثم أتوني شكاكاً فأفتيتهم بالتقية[114]، فهي خير شاهد على أن التخصيص ببعض الصلوات في سائر‌ الروايات التي منها صحيحة ابن سنان المزبورة محمول على التقية، أضف إلى ذلك: ورود روايات نطقت بثبوت القنوت في كافة الصلوات، ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: القنوت في كل الصلوات، و في صحيحة ابن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: سألته عن القنوت، فقال: في كل صلاة فريضة و نافلة، وفي رواية الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: القنوت في كل ركعتين في التطوع و الفريضة، و ما رواه في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام) في حديث شرائع الدين، قال: و القنوت في جميع الصلوات سنّة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع و بعد القراءة[115]، و مقتضى الجمع بينها و بين ما تقدم إما الحمل على اختلاف مراتب الفضل أو على التقية حسبما عرفت.

ثم إن استفادة الحصر المزبور من صحيحة ابن سنان موقوفة على أن يكون قوله “في المغرب” و “في العشاء” قيداً للقنوت الذي هو المبتدأ، ليكون الخبر قوله “في الركعة الثانية” حتى يقال إن مقتضى حصر المبتدأ -بمقتضى تعريفه باللام- في الخبر هو اختصاص القنوت في الوتر بالركعة الثالثة، و لكنه غير واضح، كيف و لو أُريد ذلك، بأن كان (عليه السلام) بصدد بيان‌ حصر موضع القنوت من الركعات لأمكن بيانه بتعبير أنسب و ألخص، كأن يقول: القنوت في الصلوات في الركعة الثانية، و في الوتر في الثالثة، بل الظاهر أنه (عليه السلام) بصدد بيان اختصاص استحبابه بالصلوات الجهرية، الذي عرفت أنه مبني على التقية مع بيان موضع القنوت فيها، فقوله (عليه السلام) “في المغرب” خبر للمبتدإ، لا أنه قيد فيه ليدل على نفيه عن ثانية الشفع فلاحظ، إذن فالعمومات أو الإطلاقات الدالة على استحبابه في كل ركعتين سليمة عما يصلح للتقييد[116].

كما أجاب عن الوجه الثاني بأن هذه الدعوى من متضلع مثله في الحديث و الأخبار من غرائب الكلام، ضرورة أن إطلاق الوتر على خصوص الركعة المفصولة في لسان الروايات كثير، و لا ينحصر بتلك الرواية الضعيفة، و إليك بعضها:

فمنها: ما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) و فيها: و الشفع و الوتر ثلاث ركعات تسلّم بعد الركعتين[117]، و منها: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام) و فيها: … و الشفع ركعتان و الوتر ركعة[118]، و منها: رواية الفقه الرضوي و فيها “و تقرأ في ركعتي الشفع … و في الوتر قل هو اللّٰه أحد”[119] و منها: ما رواه في تفسير القمي عند قوله تعالى وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ: الشفع ركعتان و الوتر ركعة[120]، أضف إلى ذلك: الروايات الواردة في الوتيرة الناطقة بأنها بدل الوتر التي منها صحيحة الفضيل بن يسار و فيها “و الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر[121]“، فإنّ البدلية المزبورة إنما تتجه لو أُريد من الوتر الركعة الواحدة، إذ لو أُريد الثلاث لكانت الركعتان عن جلوس بدلًا عن ثلاث ركعات عن قيام و هو كما ترى.

و أما في كلمات الفقهاء فهو منصرف إلى خصوص الركعة المفصولة و لا ريب أنه مقتبس من لسان الأخبار، لوضوح أنه ليس لهم في ذلك اصطلاح جديد، بل لا يبعد القول بأن إطلاقه في لسان الروايات على مجموع الركعات الثلاث إنما هو لأجل المماشاة مع العامة، حيث إنهم لا يعتبرون الانفصال أو يرون الاتصال، فيسمون الثلاث الموصولة باسم الوتر، و إلا فالمراد به حيثما أُطلق هو الركعة الثالثة المفصولة، و عليها نزّل إطلاق الأدعية المأثورة في قنوت الوتر، فلا إطلاق فيها ليحتاج إلى التقييد كما أُفيد، بل هو منصرف إليها[122].

اقول: يمكن الدفاع عن الوجه الاول، بأن ظاهر قوله “القنوت في المغرب في الركعة الثانية، و في العشاء و الغداة مثل ذلك، و في الوتر في الركعة الثالثة” كونه مسوقا لبيان محل القنوت، لا اختصاص القنوت بالمغرب والعشاء والفجر والوتر، كي يحمل على التقية، نعم السكوت عن محل قنوت صلاة الظهر والعصر لعله كان لرعاية العامة، فكأنه قال: القنوت في المغرب والعشاء والفجر يكون في الركعة الثانية، بخلاف الوتر حيث يكون في الركعة الثالثة منه، فظاهره كون “في المغرب” و “في العشاء” و “في الوتر” قيد المبتدأ، فتكون هذه الصحيحة مقيدة لاطلاقات استحباب القنوت في كل صلاة، لولا ما يقال من أن إعراض الأصحاب عن هذه الصحيحة -بملاحظة أنّه لولاه لأفتوا بعدم استحباب القنوت في الشفع، إذ هو من أظهر مصاديق تخصيص العامّ بالخاصّ- يوجب وهنها و قوّة عموم الأدلّة العامّة[123]، الا أن اعراض المشهور فرع التفاتهم اليها والى دلالتها على عدم مشروعية القنوت في الشفع وهذا غير ثابت، على أن كبرى وهن الخبر الصحيح باعراض المشهور عنه غير تامة، حيث اخترنا في الاصول حجية ظهورات الكتاب والسنة، ولو مع الظن بالخلاف، لاستقرار السيرة على العمل بظهور كلام المولى ونحوه مطلقا، كما ثبت من الروايات التي عمدتها صحيحة الحميري حجية أخبار الثقات في الاحكام مطلقا، ولو مع الظن بالخلاف.

ثم إنه حكي عن المحقق في المعتبر  و جملة من الأصحاب الذهاب إلى استحباب قنوت ثان في مفردة الوتر بعد الركوع، استناداً إلى ما رواه الكليني عن علي بن محمد (البندار) عن سهل عن أحمد بن عبد العزيز قال: حدثني بعض أصحابنا قال: كان أبو الحسن الأول (عليه السلام) إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: هذا مقام مَن حسناته نعمة منك و شكره ضعيف و ذنبه عظيم …[124].

و فيه مضافا الى أنها ضعيفة السند بالإرسال و بعدم ثبوت وثاقة سهل بن زياد و احمد بن عبد العزيز، ان الدعاء أعم من القنوت، ولعل المراد من الدعاء آخر ركعة الوتر الدعاء في السجدة الثانية من الركعة الثالثة من الوتر.

على أنه لو تمت دلالتها على استحباب القنوت بعد ركوع ركعة الوتر، فهي معارضة بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: ما أعرف قنوتاً إلا قبل الركوع[125]، والنسبة بينهما وان كانت العموم والخصوص المطلق لكن الصحيحة آبية عن التقييد عرفا.

مسألة 2: الأقوى استحباب الغفيلة و هي ركعتان بين المغرب و العشاء، و لكنها ليست من الرواتب، يقرأ فيها في الركعة الأُولى بعد الحمد وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنٰادىٰ فِي الظُّلُمٰاتِ أَنْ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ و في الثانية بعد الحمد وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لٰا يَعْلَمُهٰا إِلّٰا هُوَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّٰا يَعْلَمُهٰا وَ لٰا حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ الْأَرْضِ وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ.

و يستحب أيضاً بين المغرب و العشاء صلاة الوصية، و هي أيضاً ركعتان يقرأ في أُولاهما بعد الحمد ثلاث عشرة مرّة سورة إذا زلزلت الأرض، و في الثّانية بعد الحمد سورة التوحيد خمس عشرة مرّة.

اقول: أما استحباب صلاة الغفيلة بين صلاة المغرب والعشاء مستقلا عن نافلة المغرب فهو الظاهر من المشهور، وناقش في استحبابها جماعة، بل احتمل بعضهم عدم مشروعيتها لاندراجها بعد عدم قيام دليل معتبر عليها تحت عموم النهي عن صلاة التطوع في وقت الفريضة، ولكن ذكر المحقق النائيني “قده” فيما حكي عنه أن الإنصاف أنّ صلاة الغفيلة في غاية الاعتبار، لأن الشيخ الطوسي “ره” ذكرها في مصباح المتهجد الذي هو متأخّر عن التهذيب و الاستبصار و كان عليه العمل، فهو في غاية القوّة، و لا يصغى إلى مناقشة بعض في مشروعيّتها أو عدّها من نافلة المغرب[126].

وقد استدل على استحبابها بعدة روايات:

الرواية الاولى: ما رواه الصدوق في العلل عن أبيه عن سعد عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن زرعة عن سماعة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ‏تنفلوا في ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين فإنهما يورثان دار الكرامة‌[127]

ورواه في الفقيه مرسلا بقوله: قال رسول الله ص‏ تنفلوا في ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان دار الكرامة، و في خبر آخر دار السلام، و هي الجنة و ساعة الغفلة بين المغرب و العشاء الآخر[128]

ولكن لم يظهر منها أنها صلاة أُخرى مغايرة للنافلة، و لعلها ركعتين خفيفتين منها، و يؤيد ذلك الروايات الواردة في عدم اتيان الأئمة (عليهم السلام) بعد المغرب بأزيد من نافلة المغرب أربع ركعات.

الرواية الثانية: ما رواه الشيخ الطوسي “ره” في مصباح المتهجد، واليك نص عبارته: يستحب التنفل بين المغرب و العشاء الآخرة بما يتمكن من الصلاة و هي التي تسمى ساعة الغفلة، فمما روي من الصلوات في هذا الوقت ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من صلى بين العشاءين ركعتين قرأ في الأولى الحمد و قوله‏ و ذا النون… و في الثانية الحمد و قوله‏ و عنده مفاتح الغيب… فإذا فرغ من القراءة رفع يديه و قال- اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تفعل بي كذا و كذا، اللهم أنت ولي نعمتي و القادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق محمد و آله عليه و عليهم السلام لما قضيتها لي و سأل الله حاجته أعطاه الله ما سأل[129].

ورواه ابن طاووس في فلاح السائل عن علي بن محمد بن يوسف قال حدثنا أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الزراري[130] قال حدثنا أبو جعفر الحسني محمد بن الحسين الأشتر قال حدثنا عباد بن يعقوب عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وأضاف بعد قوله “و يسأل الله جل جلاله حاجته أعطاه الله ما سأل” فإن‏ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لا تتركوا ركعتي الغفيلة و هما بين العشاءين[131].

ويقع الكلام في سند هذه الرواية، وأخرى في دلالتها، أما سندها فاشكاله أنه وان اسندها الشيخ الى هشام اسنادا جزميا، لكن لم يذكر سنده الى هذه الرواية عن هشام، فلا دليل على اعتباره، نعم لو ثبت كون هذه الرواية منقولة عن كتاب هشام لقلنا باعتبارها، حيث ذكر الشيخ في الفهرست طريقا صحيحا الى كتابه فقال: له أصل أخبرنا به بن أبي جيد عن ابن الوليد عن الصفار عن يعقوب بن يزيد و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير و صفوان بن يحيى عنه و رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عنه و أخبرنا به جماعة عن أبي المفضل عن حميد عن أبي العباس عبيد الله بن أحمد بن نهيك عن ابن أبي عمير عنه[132]، وظاهره انحصار كتاب هشام بهذا الاصل، لكن المهم عدم ثبوت روايته في مصباح المتهجد عن كتاب من بدأ به السند، فلعله رواها عن غير كتب هشام، نعم هذا كان دأبه في كتاب التهذيب، على ما ذكر في مشيخة التهذيب.

وأما سند ابن طاووس الى الرواية فضعيف، لعدة جهات: منها: أن علي بن محمد بن يوسف، ممن ترجمه النجاشي المتوفى سنة 450فلا يمكن أن يروي عنه ابن طاووس المتوفى سنة  673، فالرواية مرسلة، ومنها: جهالة محمد بن الحسين الأشتر، ومنها جهالة عباد بن يعقوب، ولا يجدي وقوعه في أسناد كامل الزيارات، لعدم كونه من المشايخ بلا واسطة لابن قولويه صاحب كامل الزيارات.

اذن فسند الرواية ضعيف، ولا تتم دعوى جبر ضعف سندها بعمل المشهور، لعدم تمامية هذ الكبرى عندنا خصوصا في المستحبات التي يكون بناء المشهور التسامح فيها من باب التسامح في ادلة السنن، لقوله (عليه السلام) في صحيحة صفوان “من بلغه شي‌ء من الثواب على شي‌ء من الخير فعمله كان له أجر ذلك وإن كان رسول الله لم يقله([133])“وفي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من بلغه عن النبي (صلى الله عليه وآله) شي‌ء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله لم يقله([134])، ولكن الصحيح عدم دلالتها على حجية الخبر الضعيف في المستحبات، ولا استحباب العمل البالغ عليه الثواب ولو بخبر ضعيف، إما لما يقال -كما عن بعض الاجلاء- من عدم ظهور الأخبار في اكثر من بلوغ الثواب بخبر معتبر او لما يقال من كون مفادها الترغيب الى الاحتياط بداعي الارشاد الى حسن الاحتياط او استحبابه شرعا مع بيان تفضله تعالى بالاثابة بنفس الثواب البالغ، او لما احتمله الشيخ الأعظم “قده” من أن مفادها مجرد الإخبار عن تفضله تعالى وإحسانه وأنه لا يخيّب رجاء من رجاه وأمل من اتى بعمل بلغه الثواب عليه، فيثيبه بنفس الثواب البالغ، ولا ظهور لها في الترغيب نحو العمل وان حصلت الرغبة فيه بعد ملاحظة هذا الوعد، فيكون نظير قول القائل “ان من قصد داري بتخيل وجود الطعام فيه لا أحرمه من ذلك وأطعمه”، فانه في مقام بيان كرمه، وليس في مقام الترغيب إلى قصد داره، بل قد يكون كارها له لضيق ما في يده، وقد قوينا في محله هذا الأخير، ومع غمض العين عنه والقول بظهورها في الترغيب الى الاتيان بذاك العمل فلا يظهر منها القول بحجية الخبر الضعيف او الاستحباب الثانوي، وتكون القدر المتيقن حسب النتيجة استحباب الاحتياط، فان الامر بالاتيان بعملٍ قام الخبر على الثواب فيه، يجتمع مع كونه من باب الامر الطريقي بالاحتياط ولا يظهر منه الحجية، ولا الاستحباب بالعنوان الثانوي.

وأما ما ذكره صاحب الكفاية من أن ظاهر تلك الأخبار الوعد باعطاء الثواب بإزاء الاتيان بذلك العمل البالغ عليه الثواب مطلقا، من غير تقييده باتيانه برجاء استحبابه والوصول الى ثوابه الواقعي المحتمل، وحينئذ يكون نظير سائر موارد بيان استحباب عملٍ بالوعد بالثواب عليه، فان مثل صحيحة هشام ظاهرة في أن الأجر كان مترتبا على نفس العمل الذي بلغه عن النبي ثواب عليه، وكون العمل متفرعا على البلوغ وكونه الداعي إلى العمل لا يوجب اختصاص ترتب الثواب عليه بما إذا أتى به بقصد الرجاء والاحتياط، فالثواب في صحيحة هشام إنما رتب على نفس العمل، لا بما هو احتياط وانقياد، فيكشف عن كون العمل البالغ عليه الثواب بنفسه مطلوبا، فيكون وزانه وزان ما لو قيل “من سرح لحيته فله كذا من الثواب” ولعله لذلك أفتى المشهور بالاستحباب([135])، ففيه أنه وان لم يكن العمل في قوله “فعمله” مقيدا لحاظيا، باتيانه بداعي الوصول الى ذلك الثواب المحتمل، لكنه مقيد ذاتي بعد كونه مدخول فاء السببية، فظاهر الأخبار أن الثواب على هذا العمل المتضيق قهرا بحيث لا اطلاق له يشمل العمل الصادر لا بداعي الوصول الى الثواب المحتمل، فيكون نظير ما لو قال شحص لآخر “لو طلب منك زيد مالا فاعطيته كان لك عليّ الف درهم” فلا يستحق هذا الجعل لو كان اعطاءه المال من دون طلب زيد.

وعليه فالرواية غير معتبرة، وأما دلالتها فالظاهر تماميتها، حيث ان ظاهرها استحباب صلاة مستقلة غير مندرجة في اربع ركعات نافلة المغرب، بحسب ذاتها مع قطع النظر عن جواز التداخل وعدمه، فلا يتم ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أنه لو اتى بصلاة ركعتين مع اشتمالهما على قراءة آية وذا النون في الروكعة الاولى و قراءة وعنده مفاتح الغيب في الثانية والقنوت مع الدعاء الخاص، قبل نافلة المغرب فتتحد قهرا مع ركعتين من نافلة المغرب ولا تكون مستقلة عنها، وان لم يقصد بها نافلة المغرب، نعم لو اتى بنافلة المغرب بدون تلك الخصوصية يبقى الامر بها ويكون امتثاله حينئذ باتيان الغفيلة بعد نافلة المغرب، فلا مناص من عدّها صلاة مستقلة، لسقوط أمر النافلة بالأربع المأتية، و معه لا موضوع للانطباق، فيبقى الأمر بالغفيلة على حاله، لأن مقتضى إطلاق دليل استحباب الغفيلة ثبوته حتى بعد الإتيان بنافلة المغرب. و عليه فيكون عدد الركعات المستحبة بعد صلاة المغرب في هذه الصورة ستة، و لكن الاحتياط يقتضي درجها في نافلة المغرب و عدم تأخيرها عنها، حذراً عن احتمال كونها من التطوع في وقت الفريضة الممنوع تحريماً أو تنزيهاً بعد أن لم يثبت الاستحباب بدليل قاطع صالح للخروج به عن عموم المنع المزبور، و إن كان الأظهر أنه على سبيل التنزيه دون التحريم حسبما بيّناه في محله، (ويكون من النهي الكراهتي في العبادات، ويكون بمعنى قلة الثواب)[136].

فانه يرد عليه أن ظاهر نافلة المغرب حسب الارتكاز المتشرعي كونها من العناوين القصدية، فمن صلى بعد صلاة المغرب اربع ركعات بنية الاستحباب المطلق او كان في المشاهد المشرفة وقصد أن تكون صلاة زيارة الامام (عليه السلام)، فلا يصدق أنه اتى بنافلة المغرب.

فالعمدة ضعف سند الرواية.

ثم انه بناء على استحباب صلاة الغفيلة مستقلا عن نافلة المغرب، وكون الغفيلة ونافلة المغرب عنوانين قصديين، فيمكن القول بجواز ايقاع صلاة واحدة بنيتهما معا، فيكون التداخل فيه على القاعدة كما في امتثال الأمر باكرام عالم والامر باكرام هاشمي باكرام عالم هاشمي، بل حيث أشكل جماعة منهم السيد الخوئي “قده” في استحباب صلاة الغفيلة في قبال نافلة المغرب، فذكروا أن الاولى الاتيان بها بعنوان نافلة المغرب([137])، وقد يستشكل في ذلك بما ذكره بعض الاعلام “قده” من جهة ما قرر من اعتبار امر واقعي قصدي في الصلوات المتشابهة صورة يكون موجبا لتباينهما حقيقة، وكون أحدهما غير الآخر، وانه لاطريق إلى قصده الا بالإتيان بالعمل بقصد عنوانه الخاصّ كعنوان الظهر أو العصر، ولولاه لما كان هناك فارق بين نافلة الصبح وصلاتها وبين صلاة الظهر والعصر وهكذا.

فإذا ثبت اعتبار العنوان القصدي في نافلة المغرب لتمتاز عما يشاكلها كالصلاة القضائية، وثبت اعتباره في الغفيلة أيضا، فمن الممكن ان يكون العنوانان القصديان متباينين واقعا بحيث لايمكن قصدهما بعمل واحد، نظير عدم إمكان الإتيان بأربع ركعات بقصد الظهر والعصر، ونظير قصد التعظيم والإهانة بقيام واحد، ومع هذا الاحتمال لا مجال للقول بالتداخل لعدم العلم بالفراغ مع الإتيان بعمل واحد بقصدهما معا، فقاعدة الاشتغال محكمة، ولارافع لهذا الاحتمال، نعم يمكن الإتيان بعمل واحد بداعي امتثال كلا الأمرين رجاء وهو غير التداخل([138]).

وفيه أن مجرد احتمال اعتبار كون احديهما بشرط لا عن قصد الأخرى لايمنع من الاجتزاء بصلاة واحدة بقصدهما، بعد كونه مشمولا للاطلاقات وموافقا لاصل البراءة عن مانعية هذا القصد، ان التزمنا بجريان اصل البراءة عن الجزء او الشرط او المانع المشكوك في المستحبات او فرضنا وجوبها بالعرض بنذر وشبهه، ومن هذا القبيل ما اذا امر بتعظيم زيد وامر ايضا بتعظيم عمرو، وقام بقصد تعظيمهما، نعم لو استفيد من الادلة لزوم تعددهما خارجا كما في نافلة الفجر وفريضة الفجر او صلاة الظهر والعصر فلاكلام، ولكن الظاهر عدم قرينة على ذلك في نافلة المغرب وصلاة الغفيلة، فلا يبعد جواز الاتيان بركعتين بقصد الغفيلة ونافلة المغرب معا.

وأما صلاة الوصية فقد قال الشيخ في مصباح المتهجد أنه روي عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عن رسول الله (عليه السلام) أنه قال: أوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرأ في الأولى الحمد و إذا زلزلت ثلاث عشرة مرة و في الثانية الحمد مرة و قل هو الله أحد خمس عشرة مرة فإنه من يصلي ذلك في كل شهر كان من المتقين فإن فعل ذلك في كل سنة كان من المحسنين فإن فعل ذلك في كل جمعة مرة كان من المصلين‏ فإن فعل ذلك في كل ليلة زاحمني في الجنة و لم يحص ثوابه إلا الله تعالى[139].

وسند الرواية ضعيف، كما لا يخفى.

وفي فلاح السائل عن أبي الحسن علي بن الحسين بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد العلوي الجواني في كتابه إلينا قال حدثني أبي عن جده علي بن إبراهيم الجواني قال حدثنا سلمة بن سليمان السراوي قال حدثنا عتيق بن أحمد بن رياح قال حدثنا عمر بن سعد الجرجاني قال حدثنا عثمان بن محمد بن الصباح قال حدثنا داود بن سليمان الجرجاني قال حدثنا عمر بن سعيد الزهري عن الصادق عن أبيه عن جده عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قلنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عند وفاته يا رسول الله أوصنا فقال أوصيكم بركعتين بين المغرب و العشاء الآخرة تقرأ في الأولى الحمد و إذا زلزلت الأرض زلزالها ثلاث عشرة مرة و في الثانية الحمد و قل هو الله أحد خمس عشرة مرة فإنه من فعل ذلك في كل شهر كان من المتقين فإن فعل ذلك في كل سنة كتب من المحسنين فإن فعل في كل جمعة مرة كتب من المصلين فإن فعل ذلك في كل ليلة زاحمني في الجنة و لم يحص ثوابه إلا الله رب العالمين جل و تعالى.[140]


[1] – وسائل الشيعة ج 4ص 45

[2] – وسائل الشيعة ج4ص 56

[3] – وسائل الشيعة ج4ص 47

[4] – وسائل الشيعة ج4ص 50

[5] – وسائل الشيعة ج4ص 59

[6] – وسائل الشيعة ج4ص 59

[7] – وسائل الشيعة ج4ص 90

[8] – وسائل الشيعة ج4ص 59

[9] – وسائل الشيعة ج4ص 60

[10] – وسائل الشيعة ج4ص 61

[11] – رجال الكشي ص 138

[12] – وسائل الشيعة ج4ص 95

[13] – وسائل الشيعة ج4ص 96

[14] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 43 بتوضيح منا

[15] – وسائل الشيعة ج4ص 46

[16] – وسائل الشيعة ج4ص 54

[17] – ولعل هذا هو المراد من صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام هل قبل العشاء الآخرة و بعدها شي‌ء؟ فقال: لا، غير أني أصلّي بعدها ركعتين و لست أحسبهما من صلاة الليل (وسائل ج4ص 93).

[18] – وسائل الشيعة ج 4ص 51

[19] – وسالل الشيعة ج4ص 97

[20] – وسائل الشيعة ج4ص 95

[21] – العروة الوثقى المحشى ج2ص 244

[22] – وسائل الشيعة ج4ص 51

[23] – وسائل الشيعة ج5ص 491

[24] – وسائل الشيعة ج4ص 253

[25] – وسائل الشيعة ج4ص 60

[26] – مصباح الفقيه طبع قديم ص 5

[27] – الحدائق ج6ص 42

[28] – المغني 1: 818-  تذكرة الفقهاء 2: 263 .

[29] – وسائل ج4ص54

[30] – وسائل ج4ص 57

[31] – وسائل الشيعة ج 7ص 323

[32] – وسائل الشيعة ج7ص 323

[33] – وسائل الشيعة ج7ص 323

[34] – وسائل الشيعة ج4ص 81

[35] – وسائل الشيعة ج4ص 82

[36] – وسائل الشيعة ج4ص 83

[37] – وسائل ج4ص 91

[38] – وسائل ج4ص 91

[39] – السرائر ج 1ص194

[40] – وسائل الشيعة ج4ص 82

[41] – النهاية ص 57

[42] – وسائل الشيعة ج4ص 95 من لا يحضره الفقيه ج1ص 455

[43] – علل الشرايع ص274، عيون أخبار الرضا ج1ص127

[44] – مدارك الاحكام ج3ص 27

[45] – رجال العلامة ص 94

[46] – التنقيح ج1ص413

[47] – قاعدة لاضرر ص 23

[48] – علل الشرايع ص 252

-[49]علل الشرايع ص268

[50] – علل الشرايع ص274، عيون أخبار الرضا ج1ص127

[51] – عيون اخبار الرضا ج1ص19، 25، وج2ص109، 187

[52] – التوحيد ص137و 270

[53] – وسائل الشيعة ج4ص 93

[54] – وسائل الشيعة ج4ص 96

[55] – مصباح الفقيه ط قديم ص 12

[56] – موسوعة الامام الخوئي ج ص

[57] – كتاب العين؛ ج‌8، ص: 138

[58] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 184

[59] – وسائل الشيعة؛ ج‌5، ص: 295

[60] – وسائل الشيعة؛ ج‌5، ص: 314

[61] – وسائل الشيعة؛ ج‌5، ص: 330

[62] – وسائل الشيعة؛ ج‌6، ص: 451

[63] – وسائل الشيعة؛ ج‌19، ص: 258

[64] – وسائل الشيعة؛ ج‌21، ص: 342

[65] – وسائل الشيعة؛ ج‌24، ص: 333

[66] – وسائل الشيعة؛ ج‌24، ص: 334

[67] – وسائل الشيعة؛ ج‌24، ص: 334

[68] – وسائل الشيعة؛ ج‌25، ص: 108

[69] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 96

[70] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص58

[71] – وسائل الشيعة ج4ص 81

[72] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 58

[73] – جواهر الكلام ج7ص 29

[74] – وسائل الشيعة ج4ص 59

[75] – وسائل الشيعة ج4ص 90

[76] – وسائل الشيعة ج4ص 59

[77] – وسائل الشيعة ج4ص 258

[78] – مصباح الفقيه ج9ص 34

[79] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 55

[80] – نهاية التقرير ج1ص 48

[81] – الحدائق ج6ص 42

[82] – وسائل ج4ص54

[83] – وسائل ج4ص 57

[84] – العروة الوثقى ج2ص 9

[85] – وسائل الشيعة ج 7ص 323

[86] – وسائل الشيعة ج7ص 323

[87] – وسائل الشيعة ج7ص 323

[88] – مجمع الفائدة ج3ص 42

[89] – وسائل الشيعة ج4ص 63

[90] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 60

[91] – وسائل الشيعة ج4ص 63

[92] – مستدرك ج3ص373الى 375، خاتمة المستدرك ج2ص11- 20 الطبعة الحديثة

[93] – بحار ج107ص192

[94] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 61

[95] – محاضرات في اصول الفقه ج5ص 382

[96] – السرائر ج3ص 585

[97] – وسائل الشيعة ج4ص 64

[98] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 61

[99] – الحدائق ج 6ص 76

[100] – مصباح الفقيه ج 9ص 69

[101] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 64

[102] – بحوث في علم علم الاصول ج5ص149

[103] – بحوث في شرح العروة الوثقى ج1ص151 و152

[104] – وسائل الشيعة ج1ص 64

[105] – وسائل الشيعة ج4ص 65

[106] – وسائل الشيعة ج4ص 65

[107] – وسائل الشيعة ج4ص 65

[108] – وسائل الشيعة ج4ص 66

[109] – وسائل الشيعة ج4ص 66

[110] – وسائل الشيعة ج4ص 66

[111] – العروة الوثقى المحشى ج2ص 246

[112] – وسائل الشيعة ج 6ص 267

[113] – الحدائق ج6ص42

[114] – وسائل الشيعة ج 6ص 263

[115] – وسائل الشيعة ج6ص261

[116] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 68

[117] – وسائل الشيعة ج4ص 54

[118] – وسائل الشيعة ج4ص 57

[119] – فقه الرضا ص 138.

[120] – تفسير القمي ج2ص 419.

[121] – وسائل الشيعة ج4ص 45

[122] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص71

[123] – كتاب الصلاة  تقرير ابحاث السيد الداماد “ره” ج1ص 42

[124] – الكافي ط دار الحديث ج6ص 180

[125] – وسائل الشيعة ج 6ص 268

[126] – كتاب الصلاة ج1ص 16

[127] – علل الشرائع ج‌2 ص 343

[128] – من لا يحضره الفقيه ج‏1 ص565

[129] – مصباح المتهجد ج‏1 ص 106

[130] – في فلاح السائل “الرازي” وهو اشتباه لعدم وجوده في الرجال والصحيح كما في البحارج84ص96 ما اثبتناه.

[131] – فلاح السائل ص 245

[132] – الفهرست ص 179

[133] – وسائل الشيعة ج1ص80

[134] – المحاسن ج1ص25

[135] – كفاية الاصول ص302

[136] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 72 بتقريب منا

[137] – موسوعة الإمام الخوئي ج‏11ص 74

[138] – منتقى الاصول ج3ص270

[139] – مصباح المتهجد ص 106

[140] ابن طاووس، على بن موسى، فلاح السائل و نجاح المسائل – قم، چاپ: اول، 1406 ق.