فهرست مطالب

فهرست مطالب

PDF

فالانصاف قوة دلالة الدليل على وجوب الحضور في صلاة الجمعة بعد اقامتها بشرائطها، بعد تمامية دلالة جملة من الروايات السابقة، وانما الذي يمنعنا من الذهاب اليه مخالفته للمشهور، بل وما مر عن السيد الامام “قده” من استبعاد وجوب الحضور في صلاة الجمعة تعيينا حتى في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) وزمان امير المؤمنين (عليه السلام) فان الكوفة كانت كبيرة جدا، ولو اجتمع في مسجد الكوفة كل رجل ليس بكبير السن ولا مسافر لما وسعهم، مضافا الى بُعد تركهم باجمعهم اشغالهم غير الضرورية والحضور في صلاة الجمعة، ووجوب ذلك عليهم، ومع ذلك فالاحوط وجوبا الحضور في صلاة الجمعة التي تقام بشرائطها، فمن احرز اقامتها بشرائطها ولم يكن حضوره فيها حرجيا عليه او معنونا بعنوان ثانوي ولم يرد الحضور فيها فالاحوط ان يسافر قبل الزوال.

وأما القول الخامس وهو ما ذهب اليه السيد الصدر “قده” من وجوب اقامتها تعيينا عند تشكل حكومة اسلامية، وان وجب الحضور بعد اقامتها بشرائطها لكل مكلف حتى مع فقد الحكومة الاسلامية، فلم نعرف وجهه، عدا أن يقال بتمامية دلالة الروايات على وجوب اقامتها تعيينا وانما حملناها على الوجوب التخييري للاجماع والقدر المتيقن منه فرض عدم وجود حاكم عادل، ولكن المستفاد من تلك الروايات وجوب اقامتها على الناس وحملها على وجوب اقامتها على الامام العادل ليس عرفيا.

ثم اننا اكتفينا في هذا البحث بالكلام حول دلالة الادلة اللفظية، وقد يتمسك لاثبات الوجوب التعييني لاقامة صلاة الجمعة او وجوب الحضور اليها بعد اقامتها بشرائطها بالاستصحاب، ولكنه مبني اولا: على احراز وجوبها التعييني في عصر المعصومين (عليهم السلام) حتى يستصحب، وقد ناقش فيه السيد الامام “قده” وثانيا: على القول بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وهو محل منع عندنا وفاقا للسيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما”، وثالثا: على عدم منع انحلالية الوجوب عن جريان استصحاب الوجوب بالنسبة الينا وقد التزم السيد الخوئي بهذا الاشكال، ولكن حاولنا في الاصول أن نجيب عنه، نعم استصحاب وجوب الحضور مبتلى باشكال وهو احتمال كون اقامة المعصوم او نائبه الخاص قيدا في صلاة الجمعة المنعقدة التي كان يجب الحضور اليها، فاستصحاب وجوب الحضور لا يثبت وجوب الحضور في الصلاة التي تقام اليوم.

هذا تمام الكلام في وجوب صلاة الجمعة.

النوافل

قال صاحب العروة: و أما النوافل فكثيرة، آكدها الرواتب اليومية، و هي في غير يوم الجمعة أربع و ثلاثون ركعة ثمان ركعات قبل الظهر، و ثمان ركعات قبل العصر، و أربع ركعات بعد المغرب، و ركعتان بعد العشاء من جلوس تعدّان بركعة، و يجوز فيهما القيام بل هو الأفضل و إن كان الجلوس أحوط، و تسمى بالوتيرة، و ركعتان قبل صلاة الفجر، و إحدى عشرة ركعة صلاة الليل و هي ثمان ركعات، و الشفع ركعتان، و الوتر ركعة واحدة.

اقول: يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولى: لا اشكال في تأكد استحباب الرواتب اليومية، ويدل عليه روايات كثيرة، بل يستحب قضاءها عند فوتها ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل- ما لا يدري ما هو من كثرتها كيف يصنع- قال فليصل حتى‌ لا يدري كم صلى من كثرتها- فيكون قد قضى بقدر علمه من ذلك- ثم قال قلت: له فإنه لا يقدر على القضاء- فقال إن كان شغله في طلب معيشة لابد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي‌ء عليه و إن كان شغله لجمع الدنيا- و التشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء- و إلا لقي الله و هو مستخف متهاون- مضيع لحرمة رسول الله ص- قلت فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزي أن يتصدق- فسكت مليا ثم قال فليتصدق بصدقة- قلت فما يتصدق قال بقدر طوله- و أدنى ذلك مد لكل مسكين مكان كل صلاة- قلت و كم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين قال لكل ركعتين من صلاة الليل مد و لكل ركعتين من صلاة النهار مد فقلت لا يقدر فقال مد إذا لكل أربع ركعات من صلاة النهار (وزاد في نسخة مد لكل أربع ركعات من صلاة الليل) قلت لا يقدر قال فمد إذا لصلاة الليل و مد لصلاة النهار و الصلاة أفضل- و الصلاة أفضل و الصلاة أفضل[1].

وفي صحيحة ابن أبي عمير عن مرازم قال سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله ع- فقال أصلحك الله إن علي نوافل كثيرة فكيف أصنع- فقال اقضها فقال له إنها أكثر من ذلك- قال اقضها قلت لا أحصيها قال توخ، قال مرازم و كنت مرضت أربعة أشهر لم أتنفل فيها فقلت له أصلحك الله أو جعلت فداك إني مرضت أربعة أشهر لم أصل نافلة فقال ليس عليك قضاء إن المريض ليس كالصحيح كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر فيه[2].

وقد دلت عدة روايات على أن النوافل موجبة لقبول صلاة الفريضة، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن العبد ليرفع له من صلاته نصفها- أو ثلثها أو ربعها أو خمسها- فما يرفع له إلا ما أقبل عليه منها بقلبه- و إنما أمرنا بالنافلة ليتم لهم بها ما نقصوا من الفريضة[3] وفي معتبرة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما جعلت النافلة ليتم بها ما يفسد من الفريضة[4]، وقد ذكر السيد الداماد “قده”أنه اذا ضم ذلك الى ما ورد من أن أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة فإن قبلت قبل ما سواها و إن ردّت ردّ ما سواها، فمن خلال ذلك يعرف تاكد استحباب النوافل[5]، وان كان الصحيح اختلاف مراتب القبول، فاذا لم يتمم نقصان حضور القلب في الفريضة بالنوافل فتفقد مرتبة من القبول، ولكن من الواضح أنها لا تكون بحيث لا تقبل ما سواها، وقد يكون معنى ان قبلت قبل ما سواها مقبولية الصلاة ولو في الجملة بان لا يكون تارك الصلاة او تكون صلواته كلها فاقدة لشرط القبول، والا فلا يحتمل ان من اقترنت واحدة من صلواته بالرياء فلا تقبل منه بقية اعماله كالحج والزكاة والصوم فتأمل.

ومما يدلّ على تاكد استحباب النوافل اليومية شدّة اهتمام الائمة (عليه السلام) بها، ففي معتبرة معمّر بن خلّاد عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: أنّ أبا الحسن عليه السّلام كان إذا اغتم ترك الخمسين[6] فتدل على أن الامام ّ(عليه السّلام) لم يكن يترك النوافل اليومية الا إذا اغتم، كما يعرف اهتمام اصحاب الائمة من خلال اسئلتهم، كما مر في صحيحة ابن ابي عمير عن مرازم.

الجهة الثانية: في عدد النوافل اليومية، والمشهور أنها في غير يوم الجمعة اربع واربعون ركعة، ثمان ركعات نافلة الليل وركعتا الشفع وركعة الوتر وركعتا نافلة الفجر وثمان ركعات نافلة الظهر وثمان ركعات نافلة العصر واربع ركعات نافلة المغرب وركعة نافلة العشاء ويؤتى بها بركعتين عن جلوس، وقد اختلفت الروايات في ذلك ويمكن تقسيمها الى طوائف أربع:

الطائفة الأولى: ما دلت على أن مجموع الفرائض والنوافل إحدى و خمسون ركعة، والنوافل اربع واربعون ركعة، وهي روايات كثيرة، منها: صحيحة الفضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في حديث إن الله عز و جل فرض الصلاة- ركعتين ركعتين عشر ركعات- فأضاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الركعتين ركعتين- و إلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة- لا يجوز تركهن إلا في سفر و أفرد الركعة في المغرب- فتركها قائمة في السفر و الحضر- فأجاز الله له ذلك كله- فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة- ثم سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) النوافل أربعا و ثلاثين ركعة مثلي الفريضة- فأجاز الله عز و جل له ذلك‌ و الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة- منها ركعتان بعد العتمة- جالسا تعد بركعة مكان الوتر[7]، وفي رواية سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال قلت لأبي الحسن (عليه السلام) إن أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع بعضهم يصلي أربعا و أربعين و بعضهم يصلي خمسين- فأخبرني بالذي تعمل به أنت- كيف هو حتى أعمل بمثله- فقال أصلي واحدة و خمسين ركعة- ثم قال أمسك و عقد بيده الزوال ثمانية- و أربعا بعد الظهر و أربعا قبل العصر و ركعتين بعد المغرب و ركعتين قبل العشاء الآخرة- و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام- و ثمان صلاة الليل و الوتر ثلاثا و ركعتي الفجر- و الفرائض سبع عشرة فذلك إحدى و خمسون[8].

الطائفة الثانية: ما دلت على أن مجموع الفرائض والنوافل خمسون ركعة، ففي صحيحة معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللٰه عليه السلام يقول: كان في‌ وصية النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام أن قال: يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عنّي، ثم قال: اللّٰهم أعنه- إلى أن قال- و السادسة الأخذ بسنتي في صلاتي و صومي و صدقتي، أما الصلاة فالخمسون ركعة[9].

وفي رواية محمد بن سنان عن ابن مسكان عن محمد بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل ما جرت به السنة من الصلاة قال تمام الخمسين[10].

وفي صحيحة حنان قال: سأل عمرو بن حريث أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا جالس فقال له جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال كان النبي (صلى الله عليه وآله) يصلي ثمان ركعات الزوال و أربعاً الأولى و ثماني بعدها و أربعاً العصر و ثلاثاً المغرب و أربعاً بعد المغرب و العشاء الآخرة أربعاً و ثماني صلاة الليل و ثلاثاً الوتر و ركعتي الفجر- و صلاة الغداة ركعتين قلت جعلت فداك- و إن كنت أقوى على أكثر من هذا- يعذبني الله على كثرة الصلاة- فقال لا و لكن يعذب على ترك السنة[11].

و مورد الاختلاف بين الطائفتين ركعة نافلة العشاء اي ركعتا الوتيرة، وقد ورد في معتبرة حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن صلاة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بالنهار، فقال: و من يطيق ذلك، ثم قال: و لكن ألا أخبرك كيف أصنع أنا، فقلت: بلى، فقال: ثماني ركعات قبل الظهر و ثمان بعدها، قلت: فالمغرب؟ قال: أربع بعدها، قلت: فالعتمة؟ قال: كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله يصلّي العتمة ثم ينام[12].

الطائفة الثالثة: ما دلّت على أنّ النّوافل سبع و عشرون ركعة، و هي معتبرة زرارة عن أبي عبد اللّٰه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: ما جرت به السنّة في الصلاة؟ فقال: ثمان ركعات الزّوال، و ركعتان بعد الظهر، و ركعتان قبل العصر، و ركعتان بعد المغرب، و ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر و ركعتا الفجر، قلت: فهذا جميع ما جرت به السنّة؟ قال: نعم…[13].

الطائفة الرابعة: ما دلّت على أنّ النوافل تسع و عشرون ركعة، و هي مرسلة الصدوق قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لا يصلّي بالنهار شيئا حتى تزول الشمس، و إذا زالت صلّى ثماني ركعات و هي صلاة الأوّابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء و تستجاب الدعاء و تهبّ الرياح و ينظر اللّٰه إلى خلقه، فإذا فاء الفي‌ء ذراعا صلّى الظهر أربعا، و صلّى بعد الظهر ركعتين ثم صلّى ركعتين أخراوين، ثم صلّى العصر أربعا إذا فاء الفي‌ء ذراعا، ثم لا يصلّي بعد العصر شيئا حتّى تئوب الشمس فإذا آبت- و هو أن تغيب- صلّى المغرب ثلاثا و بعد المغرب أربعا، ثم لا يصلّي شيئا حتّى يسقط الشفق فإذا سقط الشفق صلّى العشاء، ثم آوى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله إلى فراشه و لم يصلّ شيئا حتّى يزول نصف الليل، فإذا زال نصف الليل صلّى ثماني ركعات، و أوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات ثم يسلّم و يصلّي ركعتي الفجر قبل الفجر و عنده و بعيده ثم يصلّي ركعتي الصبح و هي الفجر إذا اعترض الفجر و أضاء حسنا، فهذه صلاة رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله التي قبضه اللّٰه عزّ و جل عليها[14].



[1] – وسائل الشيعة ج4ص 75

[2] – تهذيب الأحكام؛ ج‌2، ص: 12

[3] – وسائل الشيعة ج4ص 71

[4] – وسائل  الشيعة ج 4ص74

[5] – كتاب الصلاة ج1ص 6

[6] – وسائل الشيعة ج4ص 68

[7] – وسائل الشيعة ج4ص 45

[8] – وسائل الشيعة ج4ص 47

[9] – وسائل الشيعة ج 4ص 45

[10] – وسائل الشيعة ج4ص 56

[11] – وسائل الشيعة ج4ص 47

[12] – وسائل الشيعة ج4ص 50

[13] – وسائل الشيعة ج4ص 59

[14] – وسائل الشيعة ج4ص 61