فهرست مطالب

فهرست مطالب

pdf

فالانصاف عدم تمامية دلالة الآية على أكثر من وجوب الحضور في صلاة الجمعة التي اقيمت مع حضور المعصوم، فلا يستفاد منه وجوب الحضور في صلاة الجمعة التي اقيمت بشرائطها في عصر الغيبة، فضلا عن دلالتها على وجوب اقامتها تعيينا.

الآية الثانية: قوله تعالى “حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى” حيث روى الطبرسي في مجمع البيان مرسلا عن علي (عليه السلام) أن المراد بها الظهر في سائر الأيام و الجمعة في يومها[1]، بتقريب أن ظاهر الامر بالمحافظة على الصلاة الوسطى وجوب الاتيان بها وعدم جواز تفويتها، وحيث فسرت بصلاة الجمعة في يوم الجمعة وصلاة الظهر في سائر الأيام فيعلم بذلك وجوب اقامة صلاة الجمعة، ومقتضى اطلاقها شمولها لزمان الغيبة.

وفيه اولا: ان هذه الرواية مرسلة لا اعتبار بها، فالمرجع الروايات الدالة على أن الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر، ففي معتبرة ابي بصير يعني المرادي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول صلاة الوسطى صلاة الظهر[2]، وفي صحيحة زرارة “و قال تعالى حٰافظوا على الصلوٰات و الصلٰاة الوسطى و هي صلاة الظهر و هي أول صلاة صلاها رسول الله ص- و هي وسط النهار- و وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة و صلاة العصر- و في بعض القراءة حٰافظوا على الصلوٰات و الصلٰاة الوسطىٰ صلاة العصر[3]، ونقل بعض القراءات الظاهرة في كون صلاة العصر بدل بيان للصلاة الوسطى بعد بيان أنها صلاة الظهر في صدر الصحيحة ظاهر في تخطئة هذه القراءة، نعم يعارضها ما ورد في تفسير القمي: قوله‏ “حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى‏”‏ فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قرأ حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى‏ صلاة العصر[4]، وهذه القراءة منقولة عن عائشة وحفص ايضا، ويوجد نقل آخر عن عائشة وهو أن الآية هكذا “حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر[5]، وهذا النقل الأخير موافق لكون الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.

وثانيا: انه لو اريد من الصلاة الوسطى صلاة الجمعة فمع احتمال كون حضور المعصوم شرطا في صحة صلاة الجمعة فلا دافع لذلك، بعد عدم كون الآية في مقام بيان شرائط صحة صلاة الجمعة، فسرت في عدة مطبق   و هي رواية مرسلة لا يعتمد عليها.

هذا وأما ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن الأمر بالمحافظة إرشادي نظير الأمر بالإطاعة، فلا يتضمن بنفسه حكماً تكليفياً مستقلا، بل مفاد الأمر حينئذ الإرشاد إلى التحفظ على الصلوات، و منها صلاة الجمعة الثابت وجوبها من الخارج على ما هي عليها و على النهج المقرر في الشريعة المقدسة، بما لها من الكيفية و القيود المعتبرة فيها، فلابد من تعيين تلك الكيفية من الخارج، من اشتراط العدد و الحرية و الذكورية و نحوها، و منها الاختصاص بزمن الحضور و عدمه، فكما لا تعرّض في الآية لتلك الجهات نفياً و إثباتاً و لا يمكن استعلام حالها منها، فكذا هذه الجهة كما هو واضح جدّاً[6]، فان كان مراده ما ذكرناه من عدم كون الآية في مقام بيان شرائط صحة صلاة الجمعة فهو صحيح، وان كان مقصوده عدم استفادة وجوب اقامة صلاة الجمعة بعد استفادة صحة اقامتها في عصر الغيبة من الاطلاقات كما هو مختاره “قده” فهذا مما لا وجه له.

وأما الاستدلال على الوجوب التعييني لاقامة صلاة الجمعة في عصر الغيبة بالروايات فعمدتها ما يلي:

الرواية الاولى: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما فرض اللّٰه‌ عز و جل على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسة و ثلاثين صلاةً، منها صلاة واحدة فرضها اللّٰه عز و جل في جماعة و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة: عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى، و مَن كان على رأس فرسخين[7]، وتقريب الاستدلال بها واضح، حيث يقال بأنها قد دلت على وجوب صلاة الجمعة على كل مكلف ما عدا من استثني في الرواية.

ولكن اشكل عليه اشكالات:

الاشكال الاول: ما يقال من عدم كونها في مقام البيان من حيث كيفية صلاة الجمعة و القيود المعتبرة فيها، و من ثم لا يصح التمسك بها قطعاً لنفي ما يشك في شرطيته أو جزئيته لغيرها من سائر الفرائض الخمس و الثلاثين، و من ثم لا يصح التمسك بها قطعاً لنفي ما يشك في شرطيته أو جزئيته لغيرها من سائر الفرائض الخمس و الثلاثين، وعليه فلا يمكن التمسك بها لاثبات وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة، فلعله يعتبر في صحتها أن يكون بامامة الإمام (عليه السلام) أو المنصوب من قبله.

واجاب السيد الخوئي “قده” عن هذا الاشكال بأن دلالتها على وجوب صلاة الجمعة من دون اشتراط بزمن الحضور، قوية جدّاً، فانه وان لم تكن هذه الصحيحة في مقام البيان من حيث شرائط الواجب اي شرائط صحة صلاة الجمعة، ولكن يمكن التمسك باطلاقها من حيث شرائط الوجوب،  فينفى به اشتراط الوجوب بأن تكون الصلاة بحضور الإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاص، كي يختص بزمن الحضور، بداهة أن دلالة الصحيحة على الشمول و السريان لجميع الأفراد إنما هو بالعموم الوضعي و هو الجمع المحلّى باللام في قوله “على الناس” دون الإطلاق المتوقف على جريان مقدمات الحكمة كي يتطرق احتمال عدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، و يؤيد العموم الاقتصار في الاستثناء على الطوائف التسع المذكورين فيها، فلو كان هناك شرط آخر للوجوب زائداً على ذلك و هو الكون في زمن الحضور و الإقامة بأمر الإمام (عليه السلام) لزم التنبيه عليه و التعرض له، و كان المستثنى عن هذا الحكم حينئذ عشر طوائف.

و يؤيده أيضاً: التصريح ببقاء هذا الحكم إلى يوم القيامة في صحيحة أخرى لزرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): الجمعة واجبة على مَن إن صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة، و كان رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) إنما يصلي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) رجعوا إلى رحالهم قبل الليل، و ذلك سنّة إلى يوم القيامة[8].

اقول: يمكن المناقشة في جوابه بأن نقول: انه بعد عدم انعقاد الاطلاق في الصحيحة من حيث شرائط صحة صلاة الجمعة واحتمال كون صحتها مشروطة بكون الامام مأذونا من قبل المعصوم، فيكون خطاب وجوب صلاة الجمعة مقيدا لبا بفرض القدرة على متعلقه، وكون كلمة “الناس” من اداة العموم لأنها من الجمع المحلى باللام، لا ينافي هذا التقيد بالمقيد اللبي، فكلامه نظير أن يقال ان قوله تعالى “ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا” يدل بعمومه على شمول الوجوب لفاقد الطهورين، وان كان مهملا من حيث كيفية الصلاة، ولازمه عدم شرطية الطهارة في حقه، مع أن جوابه واضح، وأما ما في الصحيحة الثانية لزرارة من قوله “وذلك سنة الى يوم القيامة” فلم يعلم رجوعه الى الفقرة الاولى من الصحيحة، فلعلها مختصة بالفقرة الاخيرة، فيكون مفاده الاستحباب الابدي لاتيان امام الجمعة في يوم الجمعة بصلاة العصر في وقت الاتيان بالظهر في سائر الايام، ودعوى استفادة مشروعية صلاة الجمعة الى يوم القيامة منه غير متجهة لأن الاستمرار الزماني للحكم الى يوم القيامة لا يدل على صحة صلاة الجمعة في عصر الغيبة، بل لعل الحكم المستمر مختص بفرض اقامة الجمعة باذن المعصوم.

فلا دافع لهذا الاشكال الا اذا ثبت من سائر الادلة صحة صلاة الجمعة التي اقيمت بغير اذن الامام (عليه السلام).

الاشكال الثاني: ما يقال من أن ذكر من كان على رأس فرسخين في جملة من وضع عنهم فرض صلاة الجمعة ظاهر في عدم كون الصحيحة بصدد بيان وجوب اقامة صلاة الجمعة على كل مكلف، بل بصدد بيان وجوب الحضور فيها عند اقامتها بشرائطها فيبين انه يستثنى من ذلك من كان على رأس فرسخين من مكان اقامة الجمعة، فلو كانت بصدد بيان وجوب اقامة صلاة الجمعة فكان لابد أن يقيد استثناء من كان على رأس فرسخين بما اذا لم يتمكن من اقامة الجمعة بشرائطها في مكانه.

ان قلت: ان ظهور صدر الصحيحة في وجوب اقامتها على كل احد، موجب لحمل الذيل الدال على استثناء من كان على رأس فرسخين على ما اذا عجز عن اقامة الجمعة بشرائطها في مكانه.

قلت: لا وجه لتعين ما ذكر في قبال كون ظهور استثناء من كان على رأس فرسخين في نفي وجوب حضوره في الجمعة التي اقيمت على بعد فرسخين منه، موجبا لظهور صدر الصحيحة في بيان وجوب الحضور في صلاة الجمعة بعد اقامتها، فتكون الصحيحة مجملة والمتيقن منها وجوب الحضور في الجمعة التي اقيمت بشرائطها.

والانصاف تمامية هذا الاشكال.

الاشكال الثالث: ما عن السيد الامام “قده” من أنه لا يحتمل تاريخيا وجوب صلاة الجمعة على كل مكلف عدا ما استثني، حتى في زمان النبي وامير المؤمنين (عليهما السلام) فان مسجد النبي لم يكن يسع جميع المسلمين الذين كانت المسافة بينهم وبينه اقل من فرسخين من جميع النواحي، وهكذا مسجد الكوفة بالنسبة الى اهل الكوفة التي يقال بأنها كانت من البلاد الكبيرة، كما لا يحتمل أن جميع اصناف الناس كانوا يعطلون اشغالهم ويحضرون صلاة الجمعة في كل جمعة، فيكون الامر في الروايات بصلاة الجمعة محمولا على الاستحباب المؤكد.

وسيأتي الكلام حول هذا الكلام.

الاشكال الرابع: ما ذكره السيد الخوئي “قده” وغيره من ان هذه الصحيحة وان فرض تمامية دلالتها على الوجوب التعييني لصلاة الجمعة على كل مكلف لكن لابد من حملها على الوجوب التخييري او وجوب الحضور في الجمعة التي اقيمت بشرائطها جمعا بينها وبين ادلة أخرى، وسيأتي توضيح ذلك.

الرواية الثانية: صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) على من تجب الجمعة؟ قال: تجب على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم[9]، بتقريب أن المستفاد من ذيلها أنه مهما اجتمعت السبعة وجبت الجمعة، واطلاقها شامل لعصر الغيبة.

وقد اشكل عليه السيد الخوئي “قده” بأن الرواية إن كانت ناظرة إلى بيان شرط الواجب و ما يعتبر في صحة الجمعة، فهي حينئذ أجنبية عن محل الكلام، و إن كانت ناظرة إلى بيان شرط الوجوب و أنه معلّق على مجرد وجود السبعة كما عليه مبنى الاستدلال، و هو الظاهر منها بقرينة السؤال الذي هو عن نفس الوجوب،  إلا أن تعليق الوجوب على وجود السبع لغو عرفا، لحصوله دائماً، إذ بعد ملاحظة اختصاص الحكم بالحاضرين لسقوط الوجوب التعييني عن المسافر جزما، فما من بلد بل و لا قرية إلا و يوجد سبع نفر من المسلمين فيها و فيما حولها إلى ما دون فرسخين من كل جانب، فلا مناص من أن يكون المراد بالشرط اجتماع العدد المزبور بصفة الانضمام، احترازاً عما إذا كانوا متفرقين غير قاصدين لإقامتها فلا تجب حينئذ على أحد منهم، و لازم ذلك عدم ثبوت الوجوب التعييني لإقامة صلاة الجمعة[10].

الرواية الثالثة: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في حديث قال: الجمعة واجبة على كل أحد، لا يعذر الناس فيها إلا خمسة: المرأة و المملوك و المسافر و المريض و الصبي[11] و هذه الرواية آبية عن الحمل على الوجوب التخييري، فإن التعبير بعدم المعذورية إنما يصح بالإضافة إلى الواجبات التعيينية، و إلا فمن اختار أحد عدلي الواجب التخييري فهو معذور في ترك الآخر..

وقد اجاب عنه السيد الخوئي “قده” بأن الاستدلال بها موقوف على أن يكون متعلق الوجوب في قوله “الجمعة واجبة ..” هي الإقامة، دون الحضور على فرض إقامة الجمعة، و الظاهر من الصحيحة هو الثاني، بقرينة استثناء المسافر، إذ الساقط عنه إنما هو الحضور دون المشروعية و أصل الوجوب، و إلا فهي مشروعة منه لو أحبّ الحضور و رغب فيه، فلا يصح الاستثناء لو كان النظر إلى أصل الإقامة دون الحضور لثبوتها في حقه كالحاضر[12]، كما لا يصح استثناء مَن كان على رأس فرسخين الوارد في غير واحد من الأخبار و قد تقدّم بعضها، إذ هو إنما يتجه لو كان الواجب هو الحضور في البلد الذي تقام فيه الجمعة فيرفع الحكم عنهم إرفاقاً كي لا يتحملوا مشقة الحضور من مساكنهم، و إلا فلو كانت الإقامة بنفسها واجبة تعييناً كان اللازم على البعيدين عقدها في أماكنهم مع اجتماع‌ الشرائط، و كذا الحال في الاستثناء حال نزول المطر كما ورد به النص الصحيح فإنه إنما يتجه لو كان الواجب هو الحضور بعد الانعقاد، و إلا فوجوب العقد و الإقامة تعييناً لا يكاد يسقط بمثل هذه الأحوال و العوارض كما في سائر الفرائض.

و يؤيده: استثناء المرأة و المملوك في هذه الصحيحة و غيرها، فان المشروعية ثابتة في حقهما أيضاً لو رغبا في الحضور كالمسافر على ما نطقت به بعض الأخبار و إن كان سندها لا يخلو عن خدش[13]، و إنما الساقط عنهما وجوب الحضور[14].

اقول: الظاهر في قوله “الجمعة واجبة” كون المقدر العرفي هو الايجاد كما في اشباهه ونظائره، بل الايجاد لا يحتاج الى عناية تقدير، بخلاف الحضور، فكأنه قال اداء صلاة الجمعة وايجادها واجب على كل احد، فيقتضي اطلاقه وجوب اقامتها مع التمكن، وأما تأييد كون المراد منه وجوب الحضور بما في الصحيحة من استثناء المسافر، حيث انه بقرينة مشروعية صلاة الجمعة منه فلا يجب عليه الحضور فغريب، اذ اي مانع من استثناءه عمن وجبت عليه بالوجوب التعييني اقامة صلاة الجمعة، كما لا تجب عليه المشاركة في صلاة الجمعة المنعقدة وان حضر في المكان، وهذا لا ينافي مشروعية اقامته لها من باب الواجب التخييري، وأما التأييد باستثناء من كان على رأس فرسخين فالظاهر أنه لا وجه له لأن غايته كونه قرينة على أن ما ذكر فيه هذا الاستثناء فهو ناظر الى الحضور، ولم يذكر هذا الاستثناء في هذه الرواية.

نعم حيث ان هذه الرواية ليست في مقام بيان شرائط صحة صلاة الجمعة فلاستدلال بها على وجوب اقامتها تعيينا في عصر الغيبة انما يتم فيما لو احرزنا من الخارج مشروعية صلاة الجمعة في عصر الغيبة.

الرواية الرابعة: صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم: من ترك الجمعة ثلاثاً متواليات بغير علة طبع اللّٰه على قلبه[15].

وقد يستفاد من السيد الخوئي “قده” أنه يرى اجمالها في حد ذاتها من حيث كون المقدر هو الحضور على فرض الاقامة او نفس الاقامة، ولكن تيين أن الظاهر كون المراد اداء صلاة الجمعة، ولو باحداث اقامتها، نعم يمكن أن يقال لعل نفس عدم كون اقامة الجمعة بحضور الامام او نائبه الخاص يكون من العلة التي يجوز ترك صلاة الجمعة لأجلها، حتى لو ثبتت مشروعية صلاة الجمعة في عصر الغيبة فكيف بما اذا شك في مشروعيتها.

الرواية الخامسة: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: صلاة الجمعة فريضة و الاجتماع إليها فريضة مع الإمام، فإن ترك رجل من غير علة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض، و لا يدع ثلاث فرائض من غير علة إلا منافق[16].

وفيه أن من المحتمل كون المراد من الامام هو المعصوم (عليه السلام) فيكون الاجتماع الى صلاة الجمعة واجبا مع حضوره او حضور نائبه الخاص.

الرواية السادسة: صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم جميعاً عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: إن اللّٰه عز و جل فرض في كل سبعة أيام خمساً و ثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة: المريض و المملوك و المسافر و المرأة و الصبي[17]، وفيه أن الظاهر من قوله “ان يشهدها” وجوب الحضور دون وجوب الاقامة، هذا مضاا الى ما مر من أنه لو شك في مشروعية صلاة الجمعة في عصر الغيبة فلا يمكن استفادة مشروعيتها من هذه الصحيحة لعدم كونها في مقام بيان شرائط صحة صلاة الجمعة.

الرواية السابعة: صحيحة محمد بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: تجب الجمعة على كل من كان منها على فرسخين[18].

والانصاف بقرينة ايجابها على كل من كان منها على فرسخين فأقلّ جعل انعقاد صلاة الجعمة مفروغا عنه فلا يستفاد منها اكثر من وجوب الحضور على تقدير الاقامة بشرائطها فان ثبت من الخارج مشروعيتها في عصر الغيبة امكن الاستدلال بهذه الصحيحة لاثبات وجوب الحضور.

هذا كله بالنظر الى هذه الروايات، ولو فرض دلالتها في حد ذاتها على وجوب اقامة صلاة الجمعة تعيينا في عصر الغيبة فقد ذكر السيد الخوئي “قده” أن هناك ادلة أخرى يمكن جعلها قرينة على حمل هذه الروايات على الوجوب التخييري للاقامة او وجوب الحضور على فرض الاقامة، بل الحمل الثاني هو المتعين في جملة منها:

فمن تلك الأدلة الروايات الدالة على عدم وجوب صلاة الجمعة إذا لم يكن لهم من يخطب بهم، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال: سألته عن أُناس في قرية هل يصلّون الجمعة جماعة؟ قال: نعم، و يصلّون أربعاً إذا لم يكن من يخطب[19]، و صحيحة الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول: إذا كان القوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فان كان لهم من يخطب لهم جمَّعوا …[20]، و موثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام): فان لم يكن إمام‌ يخطب فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة[21]، و موثقة ابن بكير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن قوم في قرية ليس لهم من يجمع بهم، أ يصلّون الظهر يوم الجمعة في جماعة؟ قال: نعم إذا لم يخافوا[22]، فيقال بأن الظاهر من قوله “ولم يكن لهم امام يخطب” عدم وجوده بالفعل، والا فبعد فرض وجود عادل بينهم حيث امر بصلاة الجماعة، فقدرته على اقل الخطبة الواجبة متحققة عادة، اذ لا يحتاج القاء الخطبة الى أكثر من الامر بالتقوى و قراءة سورة ولو كانت سورة الفاتحة وحمد الله و السلام على ائمة المؤمنين، ومعه لم يكن التأكيد على هذا الشرط اي أن يكون لهم امام يخطب عرفيا، ولو فرض عدم معرفته فعلا بكيفية القاء الخطبة فلا اقل من تمكنه من تعلم ذلك فكان يجب عليه من باب مقدمة الواجب، فلو ترك ذلك عد فاسقا مع وجوب اقامة الجمعة تعيينا عليه ولم يكن يصح الاقتداء به في صلاة الظهر، فكيف امر الامام بالاقتداء به في الظهر، على فاذا حمل على من يخطب لهم بالفعل كان معناه أنه اذا اقيمت الجمعة بشرائطها وجب الحضور فيها.

كما يدل على عدم وجوب اقامة الجمعة تعيينا ما ورد من سقوط الصلاة عمن زاد على رأس‌ فرسخين، كصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الجمعة؟ فقال: تجب على كل من كان منها على رأس فرسخين، فان زاد على ذلك فليس عليه شي‌ء[23]،  فإنه لو كان واجباً تعيينياً على كل أحد و لم يكن مشروطاً بإمام مأذون من الامام (عليه السلام) لم يكن وجه لسقوط الصلاة عمن بعد عن محل انعقاد صلاة الجمعة، مع تمكنه من اقامتها بشرائطها في مكانه، و حملها على عدم استكمال العدد، أو عدم وجود من يخطب كما ترى، فإنه فرض نادر التحقق جدّاً، إذ الغالب وجود خمسة او سبعة نفر من المسلمين في مقرهم و ما حوله إلى الفرسخين بحيث تنعقد بهم الجمعة.

هذا مضافا الى أن الوجوب التعييني لو كان ثابتاً في مثل هذه المسألة الكثيرة الابتلاء لبان و اشتهر كالفرائض اليومية، و لم يختلف فيه اثنان، مع أنه وقع التسالم و قام الإجماع بين قدماء الاصحاب على عدم الوجوب التعييني، بل أنكر بعضهم المشروعية رأساً كابن إدريس و سلار، و إنما حدث الخلاف من زمن الشهيد الثاني و من تأخر عنه، فلو كان الوجوب ثابتاً‌ تعييناً فكيف أنكره الأصحاب، و هذه الأخبار بمرأى منهم و مسمع.

نضيف الى ذلك أنه استقرت سيرة أصحاب الأئمة (عليهم السلام) على عدم إقامة صلاة الجمعة، مع أنهم هم الرواة لهذه الأحاديث، فلو كان واجباً تعييناً كيف أهملوها و لم يعتنوا بشأنها، لا سيما زرارة الذي هو الراوي لأكثر تلك الأخبار، و هو على ما هو عليه من عظم الشأن و علوّ المقام، و يكشف عن تركهم لهذه الصلاة -مضافاً إلى أنهم لو أقاموها لنُقل إلينا بطبيعة الحال- صحيحة زرارة قال: حثّنا أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدوا عليك، فقال: لا إنما عنيت عندكم[24] فانّ الحثّ و الترغيب على إقامة الجمعة من الصادق (عليه السلام) لمثل زرارة الذي هو الراوي لأغلب تلك الأخبار كما عرفت يكشف عن عدم التزامه بها، بل إهماله لها، بل نفس التعبير بالحث يدل على الاستحباب، بمعنى كونها أفضل‌ عِدلي الواجب التخييري، وفي معتبرة عبد الملك أخي زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: مثلك يهلك و لم يصل فريضة فرضها اللّٰه، قال قلت: كيف أصنع؟ قال: صلوا جماعة، يعني صلاة الجمعة[25]. و وظاهرها عدم مباشرة عبد الملك مع جلالته لهذه الصلاة طيلة حياته قط، و دعوى: أن من الجائز أنهم كانوا يقيمونها مع المخالفين تقية فيكون الحث في تلك الرواية و التوبيخ في هذه على الإتيان بالوظيفة الواقعية عارية عن التقية مندفعة: بعدم تأتّي التقية في مثل هذه الصلاة لبطلان الصلاة معهم، فلا تنعقد الجماعة التي هي من مقوّماتها. نعم في سائر الصلوات يشاركهم في صورة الجماعة تقية، فيأتي بها فرادى و يقرأ في نفسه متابعاً لهم في الصلاة إراءة للاقتداء بهم.

فتحصل من جميع ما ذكر عدم كون اقامة صلاة الجمعة واجبة تعيينة في عصر الغيبة، نعم لو اقيمت بشرائطها فالمستفاد من الروايات وجوب الحضور فيها[26].



[1] – مجمع البيان ج1ص 559

[2] – وسائل الشيعة ج4ص 23

[3] – وسائل الشيعة ج4ص 11

[4] – تفسير القمي ج1ص 80

[5] – معاني الاخبار ص 331

[6] – موسوعة الامام الخوئي ج 11ص 25

[7] – وسائل الشيعة ج 7ص 295

[8] – وسائل الشيعة ج7ص 307

[9] – وسائل الشيعة ج7ص 304

[10] – موسوعة الامام الخوئي ج 11ص 27

[11] – وسائل الشيعة ج 7ص 300

[12] – ويدل على مشروعية صلاة الجمعة في حق المسافر موثقة سماعة عن جعفر عن ابيه (عليهما السلام) ايما مسافر صلى الجمعة رغبة فيها وحبا لها اعطاه الله أجر مأة جمعة للمقيم (وسائل الشيعة ج7ص 239)

[13] – راجع وسائل الشيعة ج‌7 ص 337 روى الشيخ في التهذيب بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عن َالصادق (عليه السلام)َ: انَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَرَضَ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ- وَ رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ وَ الْمُسَافِرِ وَ الْعَبْدِ أَنْ لَا يَأْتُوهَا- فَلَمَّا‌ حَضَرُوا سَقَطَتِ الرُّخْصَةُ- وَ لَزِمَهُمُ الْفَرْضُ الْأَوَّلُ- فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَجْزَأَ عَنْهُمْ.

وروى الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ النِّسَاءِ- هَلْ عَلَيْهِنَّ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَ الْجُمُعَةِ- مَا عَلَى الرِّجَالِ قَالَ نَعَمْ.

[14] -موسوعة الامام الخوئي ج11ص 23

[15] – وسائل الشيعة ج7ص 298

[16] – وسائل الشيعة ج7ص298

[17] – وسائل الشيعة ج7ص 299

[18] – وسائل الشيعة ج7ص309

[19] – وسائل الشيعة ج 7ص 306

[20] – وسائل الشيعة ج7ص 306

[21] – وسائل الشيعة ج7ص 310

[22] – وسائل الشيعة ج7ص 327

[23] – وسائل الشيعة ج 7ص 309

[24] – وسائل الشيعة ج 7ص 309

[25] – وسائل الشيعة ج 7ص 304

[26] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 22