وقد مر الكلام حول سند الرواية، وأنه وان لم يكن للقاسم بن عروة توثيق خاص، لكن يمكن اثبات وثاقته برواية ابن ابي عمير عنه، كما أنه رواها الصدوق باسناده الى عبيد بن زرارة، لكن في طريقه حكم بن مسكين، و هو ايضا لم يوثق في كتب الرجال ووقوعه في طريق كتاب كامل الزيارات لا يفيد بعد اختصاص التوثيق العام فيه بالمشايخ بلا واسطة لابن قولويه، نعم هو ثقة عندنا لكونه من مشايخ ابن ابي عمير والبزنطي.
وأما دلالتها فقد حكي عن السيد البروجردي “قده” أنه قال: الظاهر أنّ المراد بالقبليّة، القبليّة بحسب الوقت، لأنّ الترتيب بين الصلاتين ممّا لم يكن محتاجا إلى البيان، بعد كونه ضروريّا عند جميع المسلمين، و حينئذ فقوله “إلّا أنّ هذه قبل هذه” لم يكن مسوقا لبيان اعتبار الترتيب، بل المقصود به أنّ وقت صلاة الظهر يدخل قبل دخول وقت صلاة العصر، فتكون هذه الجملة بمنزلة الاستثناء للصدر[1].
وفيه أن ما ذكر خلاف الظاهر جدا، فان ظاهر الرواية أنه لا فرق بين الظهر والعصر في دخول وقتهما بزوال الشمس، وانما الفرق بينهما في كون الاتیان بالعصر بعد الاتيان بالظهر، وتقدير الوقت في قوله “الا أن هذه قبل هذه” خلاف الظاهر، وذكر هذا الفرق تبعا واستطرادا لبيان كون وقت العصر ايضا من الزوال عرفي، وان فرض كونه من الواضحات، كما ان التعبير عن اشتراط كون العصر بعد الظهر بكون الظهر قبل العصر عرفي.
فالانصاف ظهور هذه الرواية في كون الوقت من اوله مشتركا بين الظهر والعصر، وكذا بمثل موثقة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) أحب الوقت إلى الله عز و جل أوله حين يدخل وقت الصلاة فصل الفريضة- فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس[2]، بضم عدم احتمال الفصل بين آخر الوقت مع اوله.
انما الكلام في أنه هل يوجد جمع عرفي بينها وبين الروايات التي استدل بها على قول المشهور كمرسلة داود بن فرقد ورواية الحلبي، ام المعارضة مستقرة بينهما، فالظاهر وجود الجمع العرفي بينهما حيث يحمل العرف رواية القاسم بن عروة على كونها بصدد نفي قول العامة من انقضاء وقت صلاة الظهر ببلوغ الظل مثل الشاخص و ابتداء وقت العصر من حينه، لا ما ذكره السيد الخوئي “قده” من كون مقتضى الجمع العرفي بينها حمل رواية داود بن فرقد على كون الوقت الفعلي لصلاة العصر في الحالات المتعارفة التي تعني الذكر والالتفات هو بعد مضي مقدار اربع ركعات من زوال الشمس، ونكتة ذلك رعاية شرط الترتيب، واستبعاد كون الوقت المختص نسبيا اي مقدار ما يحتاج اليه لاداء صلاة الظهر بلحاظ حال المكلف في ذلك اليوم، من السفر والحضر والتعب وعدم التعب وطلاقة اللسان وعدمها فيوجب ذلك أنه لو صلى جماعة الظهر قبل الوقت سهوا ثم صلّوا العصر في اول وقت الظهر فتصح صلاة عصر بعضهم دون بعض، وكذا استبعاد أن لا يجوز الاتيان بصلاة العصر فورا بالنسبة الى من بدأ بصلاة الظهر باعتقاد دخول الوقت فدخل الوقت قبل تسليمه لصلاة الظهر، -فانه مقتضى اطلاق رواية داود بن فرقد فلا وجه لما عن الجواهر من أنه لا يظهر من روايات الوقت المختص-، ولكن هذا الاستبعاد ليس بمثابة ما يصلح للقرينية المتصلة كي يمنع من ظهور الخطاب ولا قرينة منفصلة قطعية او ظاهرة،كي توجب رفع حجية ظهوره، فالمهم ضعف سند رواية داود بن فرقد، وأما رواية الحلبي فضعيفة السند والدلالة كما مر آنفا.
ولو فرض تعارض الروايات وتكافؤها من حيث الدلالة فقد يقال بان ما دل على اشتراك الوقت بتمامه بين الظهر والعصر مستفيض حيث ورد ذلك في صحيحة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ دَخَلَ الْوَقْتَانِ الظُّهْرُ وَ الْعَصْرُ[3]، ورواية عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ- فَقَالَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ- دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ جَمِيعاً إِلَّا أَنَّ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ- ثُمَّ أَنْتَ فِي وَقْتٍ مِنْهُمَا جَمِيعاً حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ[4]، وموثقة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) أحب الوقت إلى الله عز و جل أوله حين يدخل وقت الصلاة فصل الفريضة- فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس[5]، وان كانت هذه الرواية دالة على الاشتراك في آخر الوقت، وروى الشيخ “ره” باسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة اربع روايات بلسان أنه اذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، فقد روى عنه عن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ سَيَابَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) وروى عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ السِّمْطِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام)، وروى عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ (عليه السلام) وروى عنه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام)[6]، والانصاف حصول العلم بصدور هذا المضمون، وان كان الراوي لهذه الروايات الاربعة مشتركا وهو الحسن بن محمد بن سماعة، لكن الكلام في ترجيحها على رواية داود بن فرقد، فان مجرد كون احد المتعارضين قطعي الصدور لا يوجب ترجيحه على معارضه الذي يكون ظني الصدور، وما ذكره السيد الخوئي “قده” من أنه يصير معارضه من الخبر المخالف للسنة القطعية فيشمله ما ورد في صحيحة ايوببنالحر من “ان كل حديث مردود الى الكتاب والسنة”، وفيه أن الظاهر من السنة قول النبي (صلى الله عليه وآله) او فعله او تقريره، ولميعهد استعمال السنة في الخبر القطعي الصدور.
نعم قد يقال بان مناسبة الحكم والموضوع تقتضي عدم الفرق بين الكلام الصادر عن النبي (صلى الله عليه وآله) او من الإمام (عليه السلام) اذ أي فرق في الكشف عن الحكم الشرعي بينه وبين الخبر الصادر عن الإمام عليهالسلام بعد ان كان كل منهما ظني الدلالة، نعم حيث لايكون الخبر الصادر عن النبي في معرض التقية فيكون قطعي الجهة، فلايمكن الغاء الخصوصية منه الى الخبر الصادر عن الإمام الذي يكون ظني الجهة، فيكون مقتضى الغاء الخصوصية هو التعدي الى كل خبر صادر عن المعصوم اذا كان قطعي الجهة.
نعم الظاهر كون روايات الوقت المشترك قطعية الجهة لمخالفتها للعامة كرواية داود بن فرقد، فتقدم على رواية داود بن فرقد مع فرض تكافؤ دلالتها مع تلك الروايات، لكن الاشكال في ان احراز تكافؤهما عرفا مشكل غايته عدم احراز الجمع العرفي بينهما فلا يحرز صدق المخالفة للسنة على رواية داود بن فرقد.
وكيف كان فبعد تعارض الروايات وتكافؤها فحيث لا يوجد عام فوقاني يرجع اليه فلابد من الرجوع الى الاصل العملي وهو عندنا اصل البراءة عن تقيد وقت العصر بخصوص مضي مقدار اربع ركعات من الزوال، وان ذكر السيد الخوئي “قده” في مثل المقام حكومة استصحاب عدم الوجوب عليها، حيث قال في بحث زكاة الفطرة أنه اذا شك في جواز اداء زكاة الفطرة من اول ليلة العيد او وجوب اداءه بعد طلوع الفجر من نهار يوم العيد، فلا يجوز التمسك باصل البراءة عن تقيد اداء زكاة الفطرة بكونه بعد طلوع الفجر لأن البراءة عن التقيد فرع إحراز أصل التكليف ليتعلّق الشكّ بقيده، و هو مشكوك في المقام، بل محكوم بالعدم بمقتضى الاستصحاب إلى مطلع الفجر، و عندئذٍ فيكون التقيّد باليوم قهريّاً و إن لم يكن شرطاً ملحوظاً في نفس الواجب، نظير الأمر بالصلاة بعد الزوال، فإنّه يستوجب تقيّدها بما بعد الوقت بطبيعة الحال، إذ لا معنى لكون شيء مصداقاً للواجب قبل أن يتعلّق به الوجوب كما هو ظاهر، فالمقام من موارد قاعدة الاشتغال حسبما عرفت دون البراءة[7].
و فيه: أن استصحاب عدم وجوب اداء زكاة الفطرة قبل طلوع فجر يوم العيد لا يثبت تقيد الواجب و لو قهرا بكونه بعد طلوع الفجر، فانه لازم عقلي له، و بعد بقاءه مشكوكا فتجري البراءة عنه بعد كون البراءة موجبة للتوسعة على المكلف.
وأما بالنسبة الى الوقت المختص لصلاة العصر فحيث ان ثمرته تظهر فيما لو اتى بالعصر في الوقت المشترك قبل الظهر نسيانا، فتذكر وقد بقي الى الغروب مقدار اربع ركعات فيقع الكلام في انه هل يجب عليه اداء صلاة الظهر في هذا الوقت ام لا، فلابد من البحث عن هذا الفرع فنقول: الصحيح عدم جريان استصحاب بقاء وقت الظهر لعدم جريان الاستصحاب الموضوعي في المقام الذي يكون من الشبهة الحكمية للوقت، بل ولو فرض كون المورد من الشبهة المفهومية للوقت لم يجر الاصل الموضوعي، وأما استصحاب بقاء الوجوب فقد اورد عليه في المستمسك بأنه لا يثبت القدرة على الأداء و صحتها أداء، فيكون المرجع أصل البراءة من وجوب اداء الظهر في هذا الوقت، هذا إذا جوزنا فعلها قضاء على تقدير القول بالاختصاص و إلا كان من الدوران بين المتباينين، للعلم بوجوب فعلها في باقي الوقت أداء أو في خارجه قضاء، فيجب الاحتياط[8].
اقول: المهم في الاشكال على استصحاب الوجوب كونه من قبيل الاستصحاب في الشبهة الحكمية وهو غير جار عندنا، والا فما ذكره من أنه لا يثبت القدرة على الأداء، قابل للجواب، فان حاصل هذا الاشكال هو ما يقال من أن متعلق الوجوب لعله كان هو الظهر قبل هذا الوقت ولا يكون وجوبه قابلا للتنجيز بعد انقضاء هذا الوقت لكونه غير مقدور، فيكون استصحابه من قبيل استصحاب وجوب الجامع بين المقدور القطعي وغير المقدور القطعي فيكون من قبيل الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله، فلا يصلح للمنجزية، لكن حاولنا في الاصول أن نجيب عنه بأنه وان كان الوقت قيدا في متلق الوجوب، لكن العرف يرى كون معروض الوجوب هو ذات الفعل ويكون الوقت ظرفا لثبوت الوجوب له، فاذا كان غسل الجمعة مثلا مقيدا بما قبل الزوال فمع ذلك العرف يقول كان غسل الجمعة مأمورا به قبل الزوال فيستصحب بقاء وجوبه الى ما بعد الزوال، فتأمل.
وأما أنه بعد فرض عدم جريان استصحاب الوجوب أجرى اصل البراءة عن وجوب اداء الظهر قبل الغروب في هذا الفرض، فالمفروض في كلامه تذكره لنسيان الظهر في ضيق الوقت اي مقدار اربع ركعات -او ركعة على الاقل- قبل الغروب ولكنه قد يكون تذكره في سعة الوقت فهنا يكون مقتضى البراءة جواز تأخير الظهر الى قبل الغروب بمقدار اربع ركعات، وهل تتعارض هذه البراءة مع البراءة عن وجوب الاتيان بها قبل الغروب ان تركها الى أن بقي الى الغروب مقدار اربع ركعات، فيه بحث وكلام تعرضنا اليه في بحث الاقل والاكثر الارتباطي[9].
نعم هذا المطلب لا يوجب اشكالا على اجراء البراءة عن اداء الظهر قبل الغروب بالنسبة الى المكلف الذي تذكر نسيان الظهر في ضيق الوقت، لكن ذكر في المستمسك (أنه بناء على عدم صحة الاتيان بقضاء الظهر في هذا الوقت بناء على الوقت المختص لا تجري هذه البراءة لوجود علم اجمالي منجز بين المتباينين فيجب الاحتياط باداءها في هذا الوقت وقضاءها بعد الغروب، الا أنه لا وجه للمنع من صحتها قضاء في هذا الوقت).
ولا يخفى اولا: أن ما ذكره مبني على منجزية العلم الاجمالي الذي يكون ترك احد طرفيه مستلزما للعلم التفصيلي بالتكليف في الطرف الآخر، وهو محل بحث ونقاش، وثانيا: انه بناء على كون الاداء والقضاء من العناوين القصدية فحتى لو صح قضاء الظهر في هذا الوقت يوجد علم اجمالي بين فعلين مختلفين، حيث يعلم اجمالا بوجوب اداءها في هذا الوقت او وجوب قضاءها، وهو منجز وان امكن الاحتياط فيه باتيان الظهر في هذا الوقت بقصد ما في الذمة، وان كان الصحيح عدم كون قضاء فريضة واداءها من العناوين القصدية، وأما ما ذكره من جواز الاتيان بالقضاء في هذا الوقت فالظاهر تماميته، ففي صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليهالسلام أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لميصلها أو نام عنها، فقال: يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار فإذا دخل وقت الصلاة ولميتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت وهذه أحق بوقتها فليصلها فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى، ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها([10])، وكذ صحيحته الأخرى عنه انه قال اربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها([11])، هذا مضافا الى مسلكه من كون ظاهر الامر بالقضاء هو تعدد المطلوب اي تعلق وجوب بالظهر في لوقت وتعلق وجوب آخر بطبيعي الظهر، لا أنه يحدث بفوتها ملاك في اداءها خارج الوقت.
وعليه فالظاهر تمامية اجراء البراءة عن وجوب الاتيان بالظهر قبل الغروب في الفرض المذكور، مع الشك في كون مقدار اربع ركعات قبل الغروب وقتا مختصا للعصر حتى لمن أتى بالعصر قبل الظهر في الوقت المشترك سهوا، لكن المهم عدم وصول النوبة الى الاصل العملي بعد تمامية ادلة الوقت المشترك.
قال صاحب العروة: و ما بين المغرب و نصف الليل وقت للمغرب و العشاء، و يختصّ المغرب بأوّله بمقدار أداءه، و العشاء بآخره كذلك، هذا للمختار، و أمّا المضطرّ لنوم أو نسيان أو حيض أو نحو ذلك من أحوال الاضطرار فيمتدّ وقتهما إلى طلوع الفجر، و يختصّ العشاء من آخره، بمقدار أداءها دون المغرب من أوّله، أي ما بعد نصف الليل، و الأقوى أنَّ العامد في التأخير إلى نصف الليل أيضاً كذلك، أي يمتدّ وقته إلى الفجر و إن كان آثماً بالتأخير، لكن الأحوط أن لا ينوي الأداء و القضاء، بل الأولى ذلك في المضطرّ أيضاً.
اقول: الكلام في اختصاص اول الوقت بالمغرب وآخره بالعشاء مثل ما تقدم في الظهر والعصر والمشهور على الوقت المختص فيهما ايضا، وقد ورد ذلك في مرسلة داود بن فرقد، ولا إشكال في أن مبدأ وقت صلاة المغرب هو الغروب، و تدل عليه روايات كثيرة منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة.
نعم يوجد خلاف في تفسير الغروب حيث ذهب المشهور الى كونه ذهاب الحمرة المشرقية، وذهب جماعة الى كونه استتار القرص، و سيأتي الكلام في ذلك قريبا ان شاء الله.
فالمهم فعلا تبعا لصاحب العروة البحث عن منتهى وقت المغرب والعشاء، ويوجد فيه عدة اقوال:
القول الاول: ما هو المشهور من كونه منتصف الليل مطلقا،
القول الثاني: ما ذهب اليه المحقق في المعتبر وصاحب المدارك من امنداد وقتهما للمضطر الى طلوع الفجر وان كان ينتهي وقتهما للمختار عند منتصف الليل، ففي المعتبر: أول وقت المغرب عند غروب الشمس، و هو إجماع العلماء، و آخره للفضيلة إلى ذهاب الشفق، و الاجزاء الى أن يبقى لانتصاف الليل قدر العشاء، و يمتد وقت المضطر حتى يبقى للفجر قدر العشاء[12]، ونحوه في المدارك[13].
القول الثالث: امتداد وقتهما الى طلوع الفجر مطلقا، وان كان التأخير الى ما بعد منتصف الليل عمدا معصية، وقد حكى ذلك في المبسوط عن بعض الاصحاب، وقوّاه صاحب العروة.
القول الرابع: ما اختاره الشيخ الطوسي “ره” في الخلاف من أن آخر وقت المغرب إذا غاب الشفق و هو الحمرة، و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد…[14]، ونقل مثله عن ابن البراج، وهذا وان كان مطلقا بالنسبة الى المضطر ايضا، لكن الظاهر اختصاصه بالمختار، فان ما اختاره الشيخ في اکثر کتبه کالمبسوط هو أن آخر وقت المغرب للمختار سقوط الشفق، أما المضطر فيمتد إلى ربع الليل، كما ذكر أن آخر وقت العشاء للمختار ثلث الليل ويمتد للمضطر إلى نصف الليل[15]، وبه قال ابوالصلاح الحلبي وابن حمزة[16].
القول الخامس: ما عن المفيد و الصدوق من اختيار هذا التفصيل بالإضافة إلى الحاضر و المسافر بدلًا عن المختار و المضطر.
القول السادس: ما اختاره صاحب الحدائق من أن للمغرب أوقاتاً ثلاثة: وقت لزوم الاتيان به في حال الاختيار، ومنتهاه سقوط الشفق، ووقت جواز التأخير في حال الاضطرار ومنتهاه ربع الليل أو ثلثه، ووقت جواز التأخير في شدة الاضطرار من نوم أو حيض و نحوهما ومنتهاه منتصف الليل، وهو وقت الاجزاء للكل[17].
واستدل للمشهور بقوله تعالى “أقم الصلٰاة لدلوك الشمس إلىٰ غسق الليل” بضميمة ما ورد في صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عما فرض الله عز و جل من الصلاة- فقال خمس صلوات في الليل و النهار- فقلت هل سماهن الله و بينهن في كتابه قال نعم قال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله) أقم الصلٰاة لدلوك الشمس إلىٰ غسق الليل و دلوكها زوالها، و فيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربعصلوات- سماهن الله و بينهن و وقتهن- و غسق الليل هو انتصافه[18]، فذكر السيد الخوئي “قده”: انه بعد القطع الخارجي بعدم جواز تأخير الظهرين عن الغروب، و لا تقديم العشاءين عليه يعلم بأنّ منتهى وقتهما هو منتصف الليل، و بما أن الخطاب متوجه إلى النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) كوظيفة مقررة على جميع المسلمين و طبيعي المكلفين من غير اختصاص بطائفة دون اخرى، فلا سبيل لحمله على خصوص المعذورين و المضطرين و عليه، فلو وردت رواية تامة السند و الدلالة و قد دلت على امتداد الوقت إلى ذهاب الشفق أو غيره من التحديدات الواردة في المقام لم يكن بدّ من حملها على الأفضلية، لا أن يحمل على خروج الوقت بذلك، أو أن التأخير يحرم و إن لم يخرج الوقت، أو يحمل على المختار، بل يلتزم بالاختلاف في مراتب الفضل، فالأفضل الإتيان ما بين الغروب إلى غيبوبة الشفق، و دونه في الفضيلة إلى ربع الليل، و دونه إلى ثلثه، و ما بعده إلى منتصف الليل هو وقت الاجزاء، ويؤيد قول المشهور مرسلة داود بن فرقد ورواية القاسم بن عروة[19].
ومرسلة داود بن فرقد هي ما رواها عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات و إذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل.[20]
ورواية القاسم بن عروة هي رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن القاسم مولى أبي أيوب عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين- إلى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه[21]، وهذه الرواية معتبرة عندنا لرواية البزنطي عن القاسم بن عروة، ونحوهما رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الضحاك بن زيد عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى أقم الصلٰاة لدلوك الشمس- إلىٰ غسق الليل قال إن الله افترض أربع صلوات- أول وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل- منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس- إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه- و منها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس- إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه.[22]
والعمدة هذه الروايات، والا فلا يستفاد من الآية ولو بضميمة صحيحة زرارة امتداد وقت المغرب الى منتصف الليل، فلعل وقت العشاء ممتد اليه، ولعل هذا وقت المغرب والعشاء في الجملة اي وقت الاجزاء وان كان المختار مأمورا بالاتيان بالمغرب قبل سقوط الشفق وبالعشاء قبل ثلث الليل، كما لا ينافي كون وقت المغرب والعشاء للمضطر ممتدا الى طلوع الفجر، لامكان كون المختار مأمورا بالاتيان بالمغرب و العشاء لكن وقت الاجزاء خصوصا للمضطر يمتد الى طلوع الفجر.
وأما القول الثاني، وهو التفصيل بين المختار والمضطر بكون منتهى وقت المغرب والعشاء للاول منتصف الليل وللثاني طلوع الفجر، فقد استدل له في المدارك بصحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إن نام رجل، أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء، و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح، ثم المغرب، ثم العشاء قبل طلوع الشمس[23]، فذكر أن حمل العلّامة في المنتهى القبلية في هذه الرواية على ما قبل منتصف الليل بعيد جدا، لكن لو قيل باختصاص هذا الوقت بالنائم و الناسي كما هو مورد الخبر كان وجها قويا[24].
ويمكن الاستدلال له ايضا بمعتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن نام رجل و لم يصل صلاة المغرب و العشاء أو نسي- فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما و إن خشي أن تفوته إحداهما- فليبدأ بالعشاء الآخرة[25].
وأما القول الثالث فلعل مستنده الاستظهار من هاتين الروايتين كون وقت المغرب والعشاء الى طلوع الفجر مطلقا، ويدل عليه رواية محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن يعقوب الهاشمي عن مروان بن مسلم عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة- لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس- و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر- و لا صلاة الفَجر حَتى تَطلعَ الشمس[26].
وأما القول الرابع وهو كون منتهى وقت المغرب سقوط الشفق مطلقا او للمختار فيدل عليه عدة روايات:
منها: رواية موسى بن بكر عن زرارة قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول… و آخر وقت المغرب إياب الشفق- فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء- و آخر وقت العشاء ثلث الليل[27]
ومنها: صحيحة زرارة و الفضيل قالا قال أبو جعفر (عليه السلام) إن لكل صلاة وقتين غير المغرب فإن وقتها واحد- و وقتها وجوبها و وقت فوتها سقوط الشفق.[28]
ومنها رواية سهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام) إلى أن قال فكتب كذلك الوقت- غير أن وقت المغرب ضيق- و آخر وقتها ذهاب الحمرة- و مصيرها إلى البياض في أفق المغرب.[29]
ومنها: معتبرة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن وقت المغرب- قال ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق[30].
ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم[31].
ومنها: مرسلة سعيد بن جناح عن بعض أصحابنا عن الرضا (عليه السلام) قال: إن أبا الخطاب قد كان أفسد عامة أهل الكوفة- و كانوا لا يصلون المغرب حتى يغيب الشفق- و إنما ذلك للمسافر و الخائف و لصاحب الحاجة.[32]
[1] – نهاية التقرير ج1ص 86
[2] – وسائل الشيعة ج4 ص 154
[3] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص: 125
[4] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص: 126
[5] – وسائل الشيعة ج4 ص 154
[6] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص: 127
[7]– موسوعة الإمام الخوئي ج24 ص 464
[8] – مستمسك العروة ج5 ص 37
[9] – وخلاصة ما ذكرناه هناك أنه قد يجاب عنه إما بدعوى تنجز الاقل -و هو اصل اداء الظهر في المقام قبل الغروب بالمنجز التفصيلي، كما هو شأن الاقل في موارد دوران الامر بين الاقل و الاكثر، و فرض ارتفاع تنجزه بعد العمل بمقتضى البراءة عن الاكثر يكون من الخلف الواضح، و هذا هو الفارق بين فرض العلم بالوجوب قبل انقضاء وقت التمكن من الاحتياط باتيان الاكثر و فرض العلم بالوجوب بعده، حيث يتنجز الاقل بالعلم التفصيلي حين العلم بالحكم الفعلي الدائر بين الاقل و الاكثر.
وفيه أن التنجز التفصيلي تابع لانحلال العلم الاجمالي الى علم تفصيلي باشتغال العهدة بالاقل، وشك في اشتغال العهدة بالزائد، و هذا مختص بحال ما قبل طرو العجز عن الاكثر، فمن ترك الاحتياط بالاتيان بالاكثر الى أن عجز عنه فلا يعلم بوجوب الاقل عليه بعد ذلك، لأن وجوبه لو كان في ضمن وجوب الاكثر فقد سقطت فعليته او فاعليته بعد العجز عن الاكثر، و انما يكون طرفا للعلم الاجمالي بوجوب الاكثر او بقاء وجوب الاقل، او يجاب عنه بأنه لا اثر لجريان البراءة عن وجوب الاقل بعد العجز عن الاكثر، بعد افتراض تنجز التكليف عليه بسبب علمه به قبل طرو العجز عن الاكثر، حيث انه يعلم بأنه لو ترك الامتثال رأسا فيستحق عقابا واحدا على مخالفته القطعية للتكليف، و لا يستحق اكثر من ذلك، جرت البراءة عن وجوب الاقل بعد العجز عن الاكثر او لم تجر، و عليه فتجري البراءة عن وجوب الاكثر بلا معارض، نعم هذا البيان لا يتم الا على مسلك الاقتضاء، دون مسلك العلية، الذي لا يعترف بجريان الاصل بلا معارض في بعض اطراف العلم الاجمالي.
او يجاب عنه بأنه بناء على مسلك الاقتضاء تجري البراءة عن وجوب الاكثر بلا معارض، لأنّه بترك الاقل بعد ترك الاكثر يعلم بتحقق المخالفة القطعية إمّا بتركه أو بترك الأكثر قبله، فلا معنى لجريان البراءة عنه حتى يعارض البراءة عن وجوب الاكثر.
او يجاب عنه بأن البراءة عن الاكثر تثبت بمقتضى الاطلاق المقامي آثار الصحة الواقعية للاقل، و من جملة آثاره بقاء الامر بالاقل بعد ترك الاكثر الى أن عجز عنه، فيكون منتجزا بذلك، و لا تصل النوبة معه الى اجراء البراءة عنه.
[10]– وسائل الشيعةج8ص256
[11] – وسائل الشيعةج8ص256
[12] – المعتبر ج2ص 40
[13] – مدارك الاحكام ج 3ص 53
[14] – الخلاف ج1ص261
[15] – المبسوط ج1ص75
[16] – الكافي في الفقه ص 137و من لا يحضره الفقيه ج1ص 83
[17] – الحدائق ج 6ص 180
[18] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص: 10
[19] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 114
[20] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص: 184
[21] – وسائل الشيعةج4 ص 181
[22] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص 157
[23] – وسائل الشيعة ج4ص 288
[24] – مدارك الاحكام ج3ص56
[25] – وسائل الشيعة ج4ص 288
[26] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص: 159
[27] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص 156
[28] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص 187
[29] – وسائل الشيعة، ج4،ص 188
[30] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص190
[31] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص190
[32] – وسائل الشيعة؛ ج4، ص 192