فهرست مطالب

فهرست مطالب

pdf

وان كان لا يبعد حصول الوثوق بصدور بعض روايات استحباب عد كل ركعتين من النافلة جالسا بركعة قائما، بسبب كثرة تلك الروايات.

ثم انه كما صرّح صاحب العروة في فصل جميع الصلوات المندوبة يجوز في النوافل إتيان ركعة قائماً و ركعة جالساً، بل يجوز إتيان بعض الركعة جالساً و بعضها قائماً[1]، وذلك لاطلاق الادلة عرفا.

كما صرح بأنه يجوز اتيان النوافل ماشياً و راكباً، و في المحمل و السفينة، والمستند في ذلك عدة روايات:

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي النوافل في الأمصار و هو على دابته حيث ما توجهت به قال لا بأس[2].

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام) صل صلاة الليل و الوتر و الركعتين في المحمل[3].

ومنها: صحيحة الحلبي أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة النافلة على البعير و الدابة فقال نعم- حيث كان متوجها و كذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)[4].

ومنها: معتبرة حماد بن عثمان عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) في الرجل يصلي النافلة- و هو على دابته في الأمصار قال لا بأس[5].

ومنها” صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي على راحلته- قال يومئ إيماء- يجعل السجود أخفض من الركوع[6].

ومنها: صحيحته الأخرى قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في السفر و أنا أمشي- قال أوم إيماء و اجعل السجود أخفض من الركوع[7].

ومن الواضح ان هذه الروايات لا تشمل من كان مشيه في داخل بيته مثلا لغرض الصلاة ايماء، نعم لا يبعد أن يشمله اطلاق ما رواه المحقق في المعتبر عن كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حماد بن عثمان عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلي و هو يمشي تطوعا‌ قال نعم[8]، وسند المحقق الى كتاب ابن ابي نصر البزنطي مجهول نظير ما ذكر في مستطرفات السرائر، وان كان لا يبعد اعتبار جميع ذلك، كما مر منّا مرارا.

هذا وقد ذكر صاحب العروة أن في جواز إتيان النوافل نائماً مستلقياً أو مضطجعاً في حال الاختيار إشكالا[9]، بل قد ذكر جماعة منهم المحقق النائيني “قده” في تعليقته على العروة أن الاقوى عدم الجواز، نعم اختار فخر المحققين “ره” في ايضاح الفوائد الجواز[10] وقال الشهيد الثاني “ره” في المسالك أنه ليس ببعيد[11]، وذكر السيد الامام “قده” في تعليقته على العروة أن الجواز لا يخلو من وجه، والانصاف أن اشكال صاحب العروة في محله، فان مقتضى اطلاق شرطية القبلة كقوله “لا صلاة الا الى القبلة” واطلاق جزئية الركوع والسجود الظاهرين في غير الايمائي، هو عدم مشروعية الصلاة مضطجعا ومستلقيا في حال الاختيار.

هذا وقد ذكر في المسالك أنه بناء على جواز الصلاة مضطجعا ومستلقيا، فكما يحتسب الجالس‌ ركعتين بركعة قائما يحتسب المضطجع على الأيمن أربعا بركعة و على الأيسر ثمان و المستلقي ستة عشر[12]، وهذا وان كان مما يساعده الاعتبار في الجملة، لكنه فاقد للدليل.

فصل في أوقات اليومية و نوافلها‌

قال صاحب العروة: وقت الظهرين ما بين الزوال و المغرب،…

اقول: أما مبدأ وقت الظهرين فهو زوال الشمس، ويدل عليه القرآن الكريم والروايات الكثيرة فقد قال تعالى “أقم الصلاة لدلوك الشمس” ودلوك الشمس زوالها، وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر[13].

والزوال منتصف ما بين طلوع الشمس وغروبها ويعرف بشروع الفي‌ء في الازدياد بعد بلوغ الظل منتهى قصره، فان الشمس بعد شروقها تحدث ظلا للشاخص في ناحية المغرب، و كلما ارتفعت يقل الظلّ، وبعد بلوغه منتهى القصر يأخذ الفي‌ء في الازدياد في ناحية الجنوب بالنسبة إلى البلدان الواقعة في شمال خط الاستواء، و في ناحية الشمال بالنسبة إلى الواقعة في جنوبه، ولا يعتبر انعدام الظل بالمرة، نعم ما يكون قريبا من خط الاستواء كمكة و صنعاء و نحوهما ينعدم الظل فيه من أصله في يومين من أيام السنة، (7 خرداد و 24 تير) حيث تكون الشمس فيهما مسامتة للشاخص عند بلوغها دائرة نصف النهار، وهذاا مما لا يحدث في مثل بلادنا مما تبعد عن خط الاستواء بأكثر من 5/23 درجة، فالعبرة حينئذ بزمان أخذ الظل في الرجوع بعد منتهى قصره، وهذا هو زوال الشمس الذي عبر عنه في الآية بدلوك الشمس فقال “أقم الصلاة لدلوك الشمس” وفسر دلوك الشمس في اللغة والروايات بزوالها.

ثم انه قد حدد في عدة من الروايات اول وقت الظهر بما يتأخر زمانا عن الزوال، كبلوغ الفيء القدم او القدمين، او الذراع الذي هو قدمان والقدم لوحظ بالنسبة الى ظل قامة الانسان ويكون بمقدار ُسبع ظله، والقدمان او الذراع بمقدار سُبعيه.

ولكن توجد قرينة على أنه لأجل الاتيان بنوافل الظهر، توضيح ذلك أنه ورد في معتبرة إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن وقت الظهر، فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا‌ في يوم الجمعة أو في السفر فانّ وقتها حين تزول[14].

وفي معتبرة ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأل أبا عبد الله أناس و أنا حاضر إلى أن قال- فقال بعض القوم إنا نصلي الأولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام فقال أبو عبد الله (عليه السلام) النصف من ذلك أحب إلي[15]، فجعلت تأخير الاتيان بالظهر بعد الزوال الى القدم احب من تأخيرها الى بلوغ قدمين.

وفي صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) أنّهما قالا: وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان[16].

وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس و وقت العصر ذراعا من وقت الظهر- فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس- ثم قال إن حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة- و كان إذا مضى منه ذراع صلى الظهر- و إذا مضى منه ذراعان صلى العصر- ثم قال أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان- قلت لم جعل ذلك قال لمكان النافلة لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع- فإذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة و إذا بلغ فيؤك ذراعين- بدأت بالفريضة و تركت النافلة[17]، وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: كان حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن يظلل قامة- و كان إذا كان الفي‌ء ذراعا و هو قدر مربض عنز صلى الظهر- فإذا كان ضعف ذلك صلى العصر[18].

وفي معتبرة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان في‌ء الجدار ذراعا- صلى الظهر و إذا كان ذراعين صلى العصر- قال قلت: إن الجدار يختلف- بعضها قصير و بعضها طويل- فقال كان جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ قامة، و إنما جعل الذراع و الذراعان- لئلا يكون تطوع في وقت فريضة[19].

والقرينة على ما ذكرنا من كون ذلك لأجل نوافل الظهر، استثناء يوم الجمعة والسفر حيث لا امر بالنوافل بعد الزوال، وكذا صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان- قلت لم قال لمكان الفريضة- لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن تبلغ ذراعا- فإذا بلغت ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة.

وفي رواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان- قال قلت: لم قال لمكان الفريضة- لئلا يؤخذ من وقت هذه و يدخل في وقت هذه[20].

وفي معتبرة وهيب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الصلاة في الحضر ثماني ركعات إذا زالت الشمس- ما بينك‌ و بين أن يذهب ثلثا القامة- فإذا ذهب ثلثا القامة بدأت بالفريضة[21].

وفي رواية السرائر نقلا من كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما جعلت القدمان و الأربع و الذراع و الذراعان وقتا لمكان النافلة[22].

وفي صحيحة عبد الله بن محمد قال: كتبت إليه جعلت فداك روى أصحابنا- عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أنهما قالا: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين- إلا أن بين يديها سبحة- إن شئت طولت و إن شئت قصرت و روى بعض مواليك عنهما- أن وقت الظهر على قدمين من الزوال- و وقت العصر على أربعة أقدام من الزوال- فإن صليت قبل ذلك لم يجزك- و بعضهم يقول يجزي و لكن الفضل في انتظار القدمين و الأربعة أقدام- و قد أحببت جعلت فداك أن أعرف موضع الفضل في الوقت فكتب القدمان و الأربعة أقدام صواب جميعا[23]

هذا وتكون نتيجة هذه الروايات أن الافضل بنوافل الظهر قبل ارتفاع الظل بمقدار قدم بالنسبة الى قامة الانسان اي سبعي الشاخص، ثم المبادرة الى صلاة الظهر بعده، ويليه في الفضل أن يأتي بالنوافل قبل ارتفاع الظل بمقدار قدمين او ذراع، والدليل على هذا الاختلاف في مراتب الفضل ما مر في معتبرة ذريح المحاربي من قوله “النصف من ذلك أحب إلي” وهذا لا ينافي ما ورد في معتبرة اسماعيل الجعفي وغيرها من أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يأتي بالظهر عند بلوغ الظل بمقدار قدمين والذراع، اذ لعله كان يراعي ضعفة الناس، وبقرينة معتبرة ذريح المحاربي نحمل صحيحة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل وقت الظهر قال ذراع بعد الزوال قال قلت: في الشتاء و الصيف سواء قال نعم[24]، على كونه الافضل بالنسبة الى تأخيرها الى ما بعد ذلك، وان كان الاتيان بها بعد بلوغ الفيئ مقدار قدمٍ افضل منه، فتأمل.

هذا ومن جهة أخرى صرح في صحيحة عبيد بن زرارة بأن الشتاء والصيف سواء، ويعارضها ما ورد في رواية الكشي في رجاله عن حمدويه (بن نصير وثقه الشيخ في رجاله) عن محمد بن عيسى عن القاسم بن عروة عن ابن بكير قال: دخل زرارة على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال- إنكم قلتم لنا في الظهر و العصر على ذراع و ذراعين- ثم قلتم أبردوا بها في الصيف فكيف الإبراد بها- و فتح ألواحه ليكتب ما يقول- فلم يجبه أبو عبد الله (عليه السلام) بشي‌ء- فأطبق ألواحه و قال إنما علينا أن نسألكم- و أنتم أعلم بما عليكم و خرج- و دخل أبو بصير على أبي عبد الله عليه السلام فقال إن زرارة سألني عن شي‌ء- فلم أجبه و قد ضقت من ذلك- فاذهب أنت رسولي إليه فقل- صل الظهر في الصيف إذا كان ظلك مثلك- و العصر إذا كان مثليك- و كان زرارة هكذا يصلي في الصيف- و لم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك- غيره و غير ابن بكير[25]، وبعد تساقطهما فيرجع الى اطلاقات تحديد افضلية تأخير الظهر الى القدم او الى الذراع مطلقا، بلا فرق بين الصيف والشتاء، نعم روى الشيخ في التهذيب بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن محمد بن عبد الجبار عن الحسن بن علي بن فضال عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ- فلم يجبني فلما أن كان بعد ذلك- قال لعمر بن سعيد بن هلال إن زرارة سألني- عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره- فحرجت من ذلك فأقرئه مني السلام- و قل له إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر- و إذا كان ظلك مثليك فصل العصر[26]، وهي مختصة بايام القيظ اي شدة الحر، فلا مانع من تقييد الاطلاقات بل وصحيحة عبيد بن زرارة بها، الا أن الاشكال في أن الظاهر وحدة الواقعة فيها وفي رواية الكشي، ومع تعارضهما في النقل فتسقطان عن الاعتبار.

ثم انه ورد في رواية عبيس (مجهول) عن حماد عن محمد بن حكيم (ثقة لرواية ابن ابي عمير كتابه) قال: سمعت العبد الصالح (عليه السلام) و هو يقول إن أول وقت الظهر زوال الشمس و آخر وقتها قامة من الزوال و أول وقت العصر قامة و آخر وقتها قامتان- قلت في الشتاء و الصيف سواء قال نعم[27]، فهي ناظرة الى آخر وقت فضيلة الظهر، فلا ربط لها بالمقام، نعم ما ورد في ذيلها من أن اول وقت العصر قامة منافٍ للروايات السابقة الدالة على أن اول وقت فضيلة العصر قدمان او اربعة اقدام -اي اربعة اسباع الشاخص- بعد الزوال، ولكنها ساقطة بضعف السند مضافا الى شذوذها ومخالفتها للروايات الكثيرة، وما صنعه صاحب الحدائق من حمل القامة فيها على الذراع بقرينة رواية محمد بن زياد عن خليل العبدي عن زياد بن عيسى عن علي بن حنظلة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في كتاب علي (عليه السلام) القامة ذراع و القامتان الذراعان[28]، فمما لا وجه له، فانها مضافا الى ضعف سندها أنها لا تدل على أن القامة اينما استعملت فهي بمعنى الذراع، كيف وقد ورد في بعض الروايات السابقة أن وقت الظهر بلوغ الفيئ ذراعا من القامة، ووقت العصر بلوغ ذراعين من القامة.

وكيف كان فظاهر مجموع هذه الروايات أن الزوال وان كان مبدأ وقت صلاة الظهر لكن الشارع اقتطع قطعة من اول وقت‌ الفريضة لنوافل الظهر، ولكن بحيث لو لم يرد الاتيان بها أو لم تكن مشروعة في حقّه كالمسافر فالافضل أن يصلي الظهر أوّل الزوال، ويدل على هذه الافضلية مضافا الى بعض الروايات السابقة عمومات الحثّ على الاستباق الى الخيرات والمسارعة إلى مغفرة الرب، ويشهد لذلك رواية عمر بن حنظلة قال: كنت أقيس الشمس عند أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) فقال: يا عمر أ لا أُنبئك بأبين من هذا؟ قال قلت: بلى جعلت فداك، قال: إذا زالت الشمس فقد وقع وقت الظهر إلا أنّ بين يديها سبحة، و ذلك إليك، فإن أنت خففت فحين تفرغ من سبحتك، و إن طوّلت فحين تفرغ من سبحتك[29]، و موثقة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السلام) روي عن آبائك القدم و القدمين و الأربع و القامة و القامتين، و ظلّ مثلك و الذراع و الذراعين، فكتب (عليه السلام): لا القدم و لا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، و بين يديها سبحة و هي ثماني ركعات، فإن شئت طوّلت‌ و إن شئت قصّرت ثم صل الظهر فاذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة و هي ثماني ركعات إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت ثم صل العصر[30].

وأما موثقة زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: صلى رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) بالناس الظهر و العصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة، و صلى بهم المغرب و العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة. و إنما فعل ذلك رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) ليتّسع الوقت على أُمته[31]، فهي ناظرة الى الجمع بين الظهرين والعشائين.

ثم انه يستفاد من صحيحة زرارة السابقة “فإذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة، و إذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة” عدم الامر باداء نافلة الظهر بعد بلوغ الظل الذراع، فيقضيها بعد الاتيان بصلاة الظهر، و كذا الذراعان بالإضافة إلى العصر كما هو ظاهر.

هذا كله بلحاظ تحديد اول وقت صلاة الظهر والعصر، وأما بلحاظ تحديد منتهى وقتهما، فلا اشكال في أن الاتيان بصلاة الظهر والعصر اداء الى غروب الشمس، لكن وقع الخلاف في امور:

الامر الاول: المشهور على جواز التأخير اختيارا عن وقت فضيلتهما، ولكن ذهب جمع الفقهاء الى أنه لا يجوز التأخير إلى ما بعد وقت الفضيلة من غير عذر، وان كان التأخير لا يوجب فوت الفريضة عن وقت اداءها، فقد ذكر المفيد في المقنعة: و لكل صلاة من الفرائض الخمس وقتان أول و آخر فالأول لمن لا عذر له و الثاني لأصحاب الأعذار، و لا ينبغي لأحد أن يؤخر الصلاة عن أول وقتها و هو ذاكر لها غير ممنوع منها، فإن أخرها ثم اخترم في الوقت قبل أن يؤديها كان مضيعا لها، فإن بقي حتى يؤديها في آخر الوقت أو فيما بين الأول و الآخر منه عفي عن ذنبه في تأخيرها إن شاء الله[32]، وقال الشيخ الطوسي في التهذيب: ان آخر الوقت وقت لصاحب العذر و الحاجة و أن من لا عذر له فوقته أول الوقت، ثم استدل بعدة روايات، وقال بعد ذلك: و ليس لأحد أن يقول إن هذه الأخبار إنما تدل على أن أول الأوقات أفضل و لا تدل على أنه يجب في أول الوقت لأنه إذا ثبت أنها في أول الوقت أفضل و لم يكن هناك منع و لا عذر فإنه يجب أن يفعل و متى لم يفعل و الحال على ما وصفناه استحق اللوم و التعنيف و لم يرد بالوجوب هاهنا ما يستحق بتركه العقاب لأن الوجوب على ضروب عندنا منها ما يستحق بتركه العقاب و منها ما يكون الأولى فعله و لا يستحق الإخلال به العقاب و إن كان يستحق به ضرب من اللوم و العتب[33].

وحكي القول بعدم جواز التأخير عن ابن ابي عقيل و أبي الصلاح الحلبي و ابن البراج والمحدث الكاشاني واختاره في الحدائق.

وكيف كان فلابد من ملاحظة الادلة، ولا ريب ان مقتضى الاطلاقات الاولية هو قول المشهور من جواز التأخير عن وقت الفضيلة اختيارا، وقد استدل لمذهب المشهور بقوله تعالى “أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ”، بضميمة ما ورد في تفسيرها من أن ما بين الحدّين أعني الزوال و منتصف الليل أربع صلوات: الظهران‌ و العشاءان، فمقتضى إطلاق الآية أن كلّ جزء من هذه الأزمنة المتخللة صالح لإيقاع الصلاة فيه حتى اختياراً، غير أنه ثبت من الخارج عدم جواز تأخير الظهرين إلى ما بعد الغروب، كعدم جواز تقديم العشاءين عليه فيبقى الباقي تحت الإطلاق، و لعل في إفراد صلاة الفجر بالذكر بقوله تعالى “وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ” إيماءً إلى ذلك، و أنّ هذه الصلاة تمتاز عن غيرها في انقطاع وقتها عما عداها من حيث المبدأ و المنتهى بخلاف غيرها من باقي الصلوات فإنّ أوقاتها متصلة و الأزمنة مشتركة.

و استدل ايضا برواية القاسم بن عروة عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام) إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعاً إلا أنّ هذه قبل هذه، ثم أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس[34]، والقاسم بن عروة وان لم يرد في حقه توثيق خاص، لكن يكفي كونه من مشايخ ابن ابي عمير، كما أنه رواها الصدوق باسناده الى عبيد بن زرارة، لكن في طريقه حكم بن مسكين، و هو ايضا لم يوثق في كتب الرجال ووقوعه في طريق كتاب كامل الزيارات لا يفيد بعد اختصاص التوثيق العام فيه بالمشايخ بلا واسطة لابن قولويه، نعم هو ثقة عندنا لكونه من مشايخ ابن ابي عمير والبزنطي.

انما المهم ملاحظة الادلة التي اقيمت على وجوب الاتيان بالظهر في وقت الفضيلة اختيارا، وهي عدة روايات:

الرواية الاولى: صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لكل صلاة وقتان، و أول الوقتين أفضلهما وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام و وقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر أو علة[35].

ونحوها صحيحته الأخرى قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لكل صلاة وقتان و أول الوقت أفضله و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في عذر من غير علة[36].

وتقريب الاستدلال بهما أن ظاهر قوله “وليس لأحد…” هو عدم جواز التأخير الى الوقت الثاني الا لعذر، والتعبير ب‍أنه ليس لأحد أن يجعل الثاني وقتا، لا يعني النهي عن التعود على الصلاة فيه، بل لو صلى في بعض الأحيان في ذلك الوقت صدق انه جعل وقتا ولو بلحاظ ذاك اليوم، ويكفي في اثبات الحرمة قوله في الصحيحة الاولى “ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا” كما أن كون الوقت الاول افضلهما لا يكون قرينة على حمل هذا النهي على الكراهة، لأن كون شيء او شخص افضل لا يعني عدم لزوم تقديمه، بل قد يوجب ذلك تقديمه كما في لزوم تقديم الافضل للزعامة، على ما ورد في الروايات، وقد ورد في عهد امير المؤمنين لمالك الاشتر “اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك”، على أنه يكفي في افضلية الوقت الاول على الثاني جواز الوقت الثاني للمعذورين، والوقت الاول افضل منه.

هذا وقد ذكر السيد الخوئي “قده” في تقريب الاستدلال بها أنّ المستفاد منها أن لكل صلاة وقتين، و أنّ لكل من الوقتين أوّلا وآخرا، واول كل وقت أفضل من آخره، و قد دلت الصحيحة صريحاً على المنع عن اتخاذ الوقت الثاني إلا في حال الاضطرار. فالمتحصل منها أنّ الوقت الأوّل للمختار و الثاني للمضطر و إن كان أول كل من الوقتين أفضل من آخره.

ثم أجاب عنه بأنّ حمل قوله “و أوّل الوقت أفضله” على ما ذكر غير صحيح، كيف و الوقت الأول ليس مبدؤه و هو الزوال أفضل مما بعده، بل الأفضل التأخير بمقدار القدم أو الذراع رعاية للنوافل، للأخبار المتقدمة الدالة على أن بين يديها سبحة كما مرّ، بل المراد أنّ الوقت الأوّل أفضل من الوقت الثاني، و على هذا فالصحيحة على خلاف المطلوب أدلّ، لدلالتها على اشتراك الوقتين في الفضيلة غير أنّ أوّلهما أفضل[37].

اقول: ادراجه حمل قوله “اول الوقت افضلهما” على أن اول الوقت الاول افضل من آخره، وأن اول الوقت الثاني افضل من آخره، في تقريب الاستدلال بالصحيحة على عدم جواز التأخير بلا عذر عن الوقت الاول انما هو لأجل دفع شبهة قرينيته على حمل النهي في ذيل الصحيحة على الكراهة، حيث يقال ان كون الوقت الاول افضل يدل على وجود الفضيلة في الوقت الثاني، ولذا انكر في الجواب هذا المعنى واستظهر كونه بمعنى أن الوقت الاول افضل من الوقت الثاني، وجعل قوله في صحيحته الأخرى “واول الوقتين افضلهما” مؤيدا له، فتكون الصحيحة من ادلة قول المشهور، والانصاف أن ما ذكره من كون ظاهره افضلية الوقت الاول من الوقت الثاني، هو الصحيح، وان كان لا فرق من هذه الجهة بين الصحيحتين، ولكن ليس استدلال صاحب الحدائق مبتنيا على حمل “اول الوقت افضلهما” على كون اول كل من الوقتين افضل من آخره، بل هو يرى عدم المنافاة بين كون الوقت الاول افضل من الوقت الثاني، واشتمال الوقت الآخر على الفضيلة مع لزوم اختيار الافضل بتقديم الوقت الاول في حال الاختيار.

والمهم في الجواب عن الاستدلال بالصحيحة هو دعوى ان احتفاف النهي عن التأخير الى الوقت الثاني بقوله “اول الوقت افضلهما” يمنع من انعقاد ظهوره في الحرمة، ويؤكد ما ذكرناه التعابير الواردة في الروايات والتي لا تناسب الحرمة، ففي رواية بكر بن محمد قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) لفضل الوقت الأول على الأخير خير للمؤمن من ولده و ماله، وفي صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أصلحك الله وقت كل صلاة أول الوقت أفضل أو وسطه أو آخره فقال أوله قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله يحب من الخير ما يعجل، وفي رواية سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: الصلوات المفروضات في أول وقتها إذا أقيم حدودها أطيب ريحا من قضيب الآس حين يؤخذ من شجره في طيبه و ريحه و طراوته فعليكم بالوقت الأول، وفي رواية قتيبة الأعشى عن أبي عبد الله‌ (عليه السلام) قال: إن فضل الوقت الأول على الأخير كفضل الآخرة على الدنيا، و صحيحة زرارة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) اعلم أن أول الوقت أبدا أفضل فتعجل الخير ما استطعت و أحب الأعمال إلى الله عز و جل ما دام العبد عليه و إن قل[38].

الرواية الثانية: رواية ربعي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنا لنقدم و نؤخر و ليس كما يقال من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك و إنما الرخصة للناسي و المريض و المدنف و المسافر و النائم في تأخيرها[39]، ولكنها ضعيفة السند بجهالة إسماعيل بن سهل، على أن من المحتمل كون قوله “من أخطأ…” الى آخر الرواية مقول القول الذي انكره.

الرواية الثالثة: مرسلة الصدوق: قال الصادق (عليه السلام) أول الوقت رضوان الله و آخره عفو الله و العفو لا يكون إلا عن ذنب[40]، والظاهر أن الفقرة الأخيرة من كلام الصدوق، وهي غير صحيحة لان العفو قد يكون عن بعض الذنوب السابقة، ولا يكشف عن كون هذا التأخير ذنبا.

الرواية الرابعة: رواية إبراهيم الكرخي (يمكن اثبات وثاقته برواية ابن ابي عمير كتابه) قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) متى يدخل وقت الظهر قال إذا زالت الشمس فقلت متى يخرج وقتها فقال من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام إن وقت الظهر ضيق ليس كغيره قلت فمتى يدخل وقت العصر فقال إن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر، قلت: فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال: وقت العصر إلى أن تغرب الشمس و ذلك من علة و هو تضييع، فقلت له: لو أنّ رجلًا صلى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام، أ كان عندك غير مؤد لها؟ فقال: إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنّة و الوقت لم يقبل منه، كما لو أنّ رجلًا أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمداً من غير علة لم يقبل منه، إنّ رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) قد وقّت للصلوات المفروضات أوقاتاً و حدّ لها حدوداً في سنته للناس، فمن رغب عن سنّة من سننه الموجبات كان مثل من رغب عن فرائض اللّٰه[41].

وتقریب الاستدلال بها على وجوب الاتيان بصلاة الظهر قبل بلوغ الظل اربعة اسباع الشاخص ما ورد فيها من قوله ” فقلت متى يخرج وقتها فقال من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام إن وقت الظهر ضيق ليس كغيره” وقوله ” إن كان تعمد ذلك ليخالف السنة و الوقت لم يقبل منه” كما أنه يستفاد منها حرمة تأخير صلاة العصر الى قرب غروب الشمس من غير عذر لقوله “وهو تضييع” فان تضييع الصلاة عصيان لقوله تعالى حافظوا على الصلوات” كما يدل على عدم جواز التأخير قوله “لو أنّ رجلًا أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمداً من غير علة لم يقبل منه”.

وقد يورد عليه عدة ايرادات:

الايراد الاول: ما ذكره الشيخ الاعظم “قده” من أنّ المراد بوقت العصر في قوله “آخر وقت الظهر أوّل وقت العصر” ليس هو اول وقت إجزاء العصر إجماعا، فانه من زوال الشمس، فتعيّن أن يكون المراد اول وقت فضيلتها، فيقوى بذلك احتمال كون المراد بخروج وقت الظهر بمضيّ أربعة أقدام: خروج وقت فضيلتها أيضا، و ليس في ذيل الرواية ما ينافي هذا المعنى صريحا و إن توهّم منه في بادئ النظر[42].

وفيه أن قيام القرينة على كون المراد من اول وقت العصر اول وقت فضيلتها لا يقتضي حمل قوله “متى يخرج وقت الظهر” وقوله ” اخر وقت الظهر” على آخر وقت الفضيلة، على أنه لو فرض اجمال هذه الفقرة فلا يمنع عن الاستدلال بسائر الفقرات.

الايراد الثاني: ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن مورد الرواية تعمد مخالفة السنة والاعراض عنها، رغبة عما سنّه رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) و لا ريب في حرمة التأخير بهذا العنوان[43].

اقول: حيث انه لا يتعارف تأخير صلاة الظهر عن اربعة اسباع الشاخص بغرض مخالفة السنة فالظاهر من اللام قي قوله “ان كان تعمد ذلك ليخالف السنة” كونها لام العاقبة، ويعني ذلك أن تعمد تأخيرها بدون عذر يكون مخالفة للسنة والشاهد عليه عدم تكرار هذا التعبير في قوله بعد ذلك “لو أنّ رجلًا أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمداً من غير علة لم يقبل منه” وتنظير الرغبة عن السنة الموجبة اي التي اوجبها النبي (صلى الله عليه وآله) دون ما ندب اليها بالرغبة عن فريضة الله ظاهر في كون الاتيان بالظهر قبل بلوغ الظل اربعة اسباع الشاخص سنة واجبة، والا فعدم الاتيان بالسنن المندوبة كصلاة الليل ولو اعتاد ذلك وتعمده او ترك النكاح لا يكون معصية، ونظير ترك فرائض الله، وأما تركها بداعي ترك السنة فهو امر غير متعارف.

الايراد الثالث: ان المستفاد من عدة روايات جواز تأخير صلاة والعصر الى قبيل غروب الشمس فتكون قرينة على كون الامر بالمبادرة في هذه الرواية ونحوها من باب الاستحباب المؤكد، ففي صحيحة زرارة “قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أصلحك الله وقت كل صلاة أول الوقت أفضل أو وسطه أو آخره فقال أوله قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله يحب من الخير ما يعجل” فان بيان أن الله يحب من الخير ما يعجل لا يتناسب مع كون تاخيره معصية، وهكذا ورد في رواية القاسم بن عروة عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام) إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعاً إلا أنّ هذه قبل هذه، ثم أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس[44]، وظاهر قوله “ثم انت في وقت منهما حتى تغيب الشمس” أنك في سعة ومهلة من الاتيان بهما حتى تغرب الشمس وحمله كحمل بقية الخطابات المطلقة على كونه نارا الى فرض العذر كالمرض والسفر ليس من الجمع العرفي.

ولو فرض استقرار المعارضة بينها وبين تلك الروايات فلابد من تقديم تلك الروايات، لمخالفتها للعامة ففي كتاب المغني: واذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقتها وبهذا قال مالك والثوري والشافعي والاوزاعي، ونحوه قال ابو يوسف ومحمد و ابو ثور وداود، وقال عطاء لا تفريط للظهر حتى تدخل للشمس وقال طاووس وقت الظهر والعصر الى الليل، وحكي عن مالك وقت الاختيار الى أن يصير ظل كل شيء مثله ووقت الاداء الى أن يبقى من غروب الشمس قدر ما يصلى به الظهر، وقال ابو حنيفة الى وقت بلوغ الظل مثليه[45].

وفي كتاب الفقه على المذاهب الاربعة: اذا طال ظل الخشبة حتى صار مثلها بعد الظل الذي كان موجودا عند الزوال خرج وقت الظهر، والمالكية قالوا “هذا وقت الظهر الاختياري، أما وقته الضروري فهو من دخول وقت العصر الاختياري ويستمر الى الغروب”، ويبتدء وقت العصر من زيادة ظل الشيء عن مثله بدون أن يحتسب الظل الذي كان موجودا عند الزوال وينتهي الى غروب الشمس، والمالكية قالوا للعصر وقتان ضروري واختيارين وأما وقته الضروري فيبتدء باصفرار الشمس في الارض والجدران لا باصفرار عينها لانها لا تصفر حتى تغرب ويستمر الى الغروب وأما وقته الاختياري هو من زيادة الظل عن مثله ويستمر لاصفرار الشمس والحنابلة قسموا وقت العصر الى اختياري ينتهي اذا بلغ ظل كل شيء مثليه وضروري وهو الى غروب الشمس ويحرم عندهم ايقاع صلاة العصر في هذا الوقت الضروري وان كانت الصلاة اداء، والشافعية قالوا ينتهي الوقت الاختياري في العصر بصيرورة كل ظل مثليه[46]

الايراد الرابع: ان هذه الرواية مبتلاة بالمعارضة مع ما دل على أن آخر وقت الظهر بلوغ الظل مثله مثل رواية يزيد بن خليفة (يمكن توثيقه برواية صفوان عنه) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن عمر بن حنظلة- أتانا عنك بوقت فقال إذا لا يكذب علينا- قلت ذكر أنك قلت إن أول صلاة افترضها الله- على نبيه (صلى الله عليه وآله) الظهر- و هو قول الله عز و جل أقم الصلٰاة لدلوك الشمس فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك- ثم لا تزال في وقت إلى أن يصير الظل قامة- و هو آخر الوقت فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين- و ذلك المساء فقال صدق[47]، ويصعب الجمع بينهما بالحمل على اختلاف مراتب الفضيلة، كيف وقد ورد في رواية ابراهيم الكرخي أن من أخر الظهر عن ذلك اي عن يلوغ الظل اربعة اسباع الشاخص ليخالف السنة والوقت لم يقبل منه، مضافا الى أن هذا الحمل ينافي القول بوجوب المبادرة.

نعم قد يورد على رواية يزيد بن خيلفة أن ظاهرها كون آخر وقت الظهر بلوغ الظل مثله، وهذا موافق للعامة، و حملها على الوقت الاختياري بمعني عدم جواز التأخير عنه عمدا وبدون عذر، او حملها على كون المراد منها آخر وقت الفضيلة، حمل بلا قرينة عرفية.

ومثل رواية يزيد بن خليفة موثقة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة- فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر- ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب- ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء- ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح- ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة- فأمره فصلى الظهر- ثم أتاه حين زاد من الظل قامتان فأمره فصلى العصر- ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب- ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء- ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح- ثم قال ما بينهما وقت[48].

وقد حمل جماعة كالسيد الخوئي القامة في هذه الرواية على الذراع، ما رواه محمد بن زياد عن خليل العبدي عن زياد بن عيسى عن علي بن حنظلة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في كتاب علي (عليه السلام) القامة ذراع و القامتان الذراعان[49]، أو على اختلاف مراتب الفضيلة، و على اي حال فقد يستدل بهذه الرواية أيضاً على مدعى صاحب الحدائق، ولكنها مضافا الى اشكال المعارضة دلت على أن النبي “صلى اللّٰه عليه و آله” صلى في اليوم الثاني الظهر بعد القامة، فيعني ذلك عدم كون القامة حدا للاتيان بصلاة الظهر في غير حال العذر.

هذا وقد افتى المشهور بمضمون هذه الروايات ونحوها كصحيحة البزنطي قال سألته عن وقت صلاة الظهر و العصر- فكتب قامة للظهر و قامة للعصر[50]، حيث دلت على أن وقت الظهر قامة اي بلوغ الظل مثل الشاخص بعد أن حملوها على وقت الفضيلة، الا أن المهم معارضتها مع رواية ابراهيم الكرخي، ولذا علّق بعض السادة الاعلام على كلام صاحب العروة حيث قال “ووقت فضيلة الظهر من الزوال الى بلوغ الظل الحادث بعد الانعدام او بعد الانتهاء مثل الشاخص” فقال: على المشهور، ولا يبعد انتهاء وقت فضيلتها ببلوغ الظل اربعة اسباع الشاخص[51]، ومستنده رواية ابراهيم الكرخي التي عرفت ابتلاءها بالمعارضة، وسيأتي الكلام عنه، هذا ولعل منشأ اختلاف الروايات في ذلك رعاية التقية العملية للشيعة لا رعاية الامام (عليه السلام) للتقة في الافتاء، وقد ورد في رواية الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم البجلي (قال عنه النجاشي ثقة ثقة) عن سالم أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله إنسان و أنا حاضر فقال ربما دخلت المسجد- و بعض أصحابنا يصلون العصر و بعضهم يصلي الظهر- فقال أنا أمرتهم بهذا لو صلوا على وقت واحد عرفوا فأخذوا برقابهم[52].

الايراد الخامس: ان هذه المسألة عامة البلوى للمسلمين، فلو كان يجب الاتيان بصلاة الظهر قبل بلوع الظل اربعة اسباع الشاخص في غير المرض والسفر لبان وظهر ولم يذهب المشهور الى خلافه.

الرواية الخامسة: صحيحة داود بن فرقد قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قوله تعالى إِنَّ الصَّلٰاةَ كٰانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً‌ قال: كتاباً ثابتاً، و ليس إن عجّلت قليلًا أو أخّرت قليلًا بالذي يضرّك ما لم تضيّع تلك الإضاعة، فإن اللّٰه عز و جل يقول لقوم أَضٰاعُوا الصَّلٰاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَوٰاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا[53]، فاستجود في الحدائق كلام بعض المحدثين من أنه أريد التعجيل و التأخير اللذان يكونان في طول أوقات الفضيلة و الاختيار، لا اللذان يكونان خارج الوقت و أريد بالإضاعة التأخير عن وقت الفضيلة بلا عذر[54].

وقد اشكل عليه الاعلام كالسيد الخوئي “قده” بأن الظاهر أنّ المراد من تلك الإضاعة هو المعنى المعهود بين الراوي و الإمام (عليه السلام)، و هو لا يخلو عن أحد أمرين: إما الصلاة خارج الوقت أي بعد مغيب الشمس، أو تأخيرها إلى أوان اصفرارها بحيث يكون ذلك عادة له و وقتاً دائمياً يستمر عليه إعراضاً عن السنة و رغبة عنها، و الحرمة في كلا الفرضين ظاهرة، و هما أجنبيان عن محل البحث[55].

وقد ظهر الجواب عن هذا الايراد، فان ظاهر قوله “أخرت قليلا” هو أن التأخير الفاحش مضر بالمكلف، والاضرار في حد نفسه وان كان لا يلازم الحرمة بل قد يكون بنجو نقص الكمال، لكن الظاهر من تطبيق الآية كونه بنحو الحرمة، وحمل قوله “ما لم تضيع تلك الاضاعة” على تأخير الصلاة الى غروب الشمس لا يناسب قوله “أخرت قليلا” كما أن حمله على الاعراض عن السنة بمعنى الاعتياد على ترك السنة لا وجه له.

فلايبعد تمامية دلالة الرواية على عدم جواز التأخير الفاحش، لكن يرد عليها الايرادان الاخيران المذكوران على الاستدلال بالرواية السابقة.

الرواية السادسة: ما في فقه الرضا: اعلم يرحمك الله أن لكل صلاة وقتين أول و آخر فأول الوقت رضوان الله و آخره عفو الله و نروي أن لكل صلاة ثلاثة أوقات أول و أوسط و آخر، فأول الوقت رضوان الله و أوسطه عفو الله و آخره غفران الله و أول الوقت أفضله و ليس لأحد أن يتخذ آخر الوقت وقتا و إنما جعل آخر الوقت للمريض و المعتل و المسافر[56]

وفي سنده ما لا يخفى، كما يتوجه عليه الايرادان الاخيران على الاستدلال بالرواية الرابعة.

الرواية السابعة: صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: يا أبان الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهنّ و حافظ على مواقيتهنّ لقي اللّٰه يوم القيامة و له عنده عهد يدخله به الجنة، و من لم يقم حدودهنّ و لم يحافظ على مواقيتهنّ لقي اللّٰه و لا عهد له إن شاء عذّبه و إن شاء غفر له[57].

وقد يجاب عنه بأن غايتها أنّ من حافظ على مواقيت الصلوات فله عند اللّٰه عهد أن يدخله الجنة المساوق لغفران معاصيه، و أما من لم يحافظ فليس هو مورداً لذلك العهد، و لم يكن دخوله الجنة حتمياً، بل إن شاء غفر له و أدخله الجنة، و إن شاء عذّبه على سائر معاصيه و لم يغفرها له، لا أنه يعذّبه على عدم المحافظة كي تكون معصية و حراماً.

ويمكن أن يقال انه يحتمل أن يكون المراد منها أن من لم يهتم بصلاته بحث قد تفوت منه رأسا او لا يهتم برعاية شرائط صحتها فلا عهد له من الله على أن لا يعذبه على ذلك.

الرواية الثامنة: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: إذا صليت في السفر شيئاً من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك[58]، بتقريب أن المراد جواز تأخير الصلوات عن وقتها الأوّل في السفر، فيكون مفهومها عدم جواز تأخير الصلاة عنه في الحضر.

وقد اجاب عنه السيد الخوئي “قده” بأنه لم يرد في الرواية أنه لا يضر تأخير الصلاة في السفر إلى غير وقتها، وانما ورد فيها أنه لا يضر إيقاع الصلاة في السفر في غير وقتها، وهذا يشمل التقديم و التأخير معاً، و حيث إن بعض النوافل يجوز تقديمها على الوقت للمسافر كصلاة الليل، فلتكن الصحيحة محمولة عليها، و لا سيما و أنها بمقتضى تنكير “شيئاً” في سياق الإثبات لا تدل على الحكم إلا على سبيل الموجبة الجزئية و لا تفيد العموم لجميع الصلوات لتشمل الفرائض.

على أنا لو سلّمنا عمومها بل صراحتها في أنّ تأخير الفرائض عن الوقت الأول لا يضر في السفر فلا تكاد تدل على أنه يضر في الحضر، إذ القضية الشرطية لا مفهوم لها في مثل المقام مما يكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع، بداهة أن انتفاء الشرط يعني أنه إذا لم تصلّ في السفر شيئاً من الصلوات في غير وقتها، لا ما اذا صليت في الحضر شيئا من الصلوات في غير وقتها.

نعم بناء على ما هو الصحيح من ثبوت المفهوم للوصف في الجملة حذراً عن اللغوية فلا جرم تدل الصحيحة على أنّ للسفر مدخلية في الحكم بعدم الضرر، و لكنه يكفي فيه الالتزام بوجود نوع من الحزازة و المنقصة في الإتيان في غير الوقت الأوّل في الحضر و انتفائه في السفر. و هذا كما ترى لا يقتضي إلا أفضلية الوقت الأوّل لا تعيّنه كما هو المدعى[59].

اقول: المهم أن مفهوم عدم الاضرار ليس هو الاضرار بمعنى الحرمة بل يجتمع مع مجرد المنقصة والتنزل عن الكمال.

الرواية التاسعة: موثقة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: إن الصلاة إذا ارتفعت في أول وقتها[60] رجعت إلى صاحبها و هي بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك اللّٰه، و إذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها و هي سوداء مظلمة تقول ضيّعتني ضيّعك اللّٰه[61].

فذكر السيد الخوئي “قده” أن الموجود في الكافي والوسائل “اول وقتها” وان كان المنقول في التهذيب والحدائق بدون “اول” و حيث أن الكافي أضبط فيقدّم، و عليه فلا دلالة لها على المدعى بوجه، ضرورة عدم وجوب إيقاع الصلاة في أوّل الوقت الأوّل، و لم يلتزم به حتى صاحب الحدائق نفسه، نعم بناء على نقل التهذيب فللاستدلال بها مجال، لكن يمكن المناقشة فيه ايضا بأن الوارد في الرواية التقييد بقوله “بغير حدودها” وإلا أنّ للمناقشة فيه أيضاً مجالًا واسعاً، نظراً إلى ما تضمنته من التقييد بغير الحدود، ولا اشكال في أن الصلاة التي وقع الاخلال بحدودها وشرائطها تكون باطلة وترجع سوداء مظلمة.

اقول: لا بأس بما ذكره وما قد يقال من أنه بناء عليه يلغو ذكر قوله “في غير وقتها” ففيه أنه يمكن أن يكون ذكره لابتلاء العامة به من تقديم الصلاة على وقتها الشرعي كما في صلاة المغرب عند المشهور.

الرواية العاشرة: ما رواه الصدوق في الأمالي عن الحسين بن إبراهيم بن تاتانة (مجهول) عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللٰه (عليه السلام) من صلى الصلوات المفروضات في أول وقتها و أقام حدودها رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقية و هي تهتف به تقول: حفظك اللّٰه كما حفظتني و أستودعك اللّٰه كما استودعتني ملكاً كريماً، و من صلاها بعد وقتها من غير علّة و لم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة و هي تهتف به: ضيّعتني ضيّعك اللّٰه كما ضيّعتني، و لا رعاك اللّٰه كما لم ترعني[62].

والجواب عن نفس الجواب عن الرواية السابقة.

الرواية الحادية عشر: ما في نهج البلاغة فيما كتبه أمير المؤمنين (عليه السلام) لمحمد بن أبي بكر لمّا ولّاه مصر من قوله “ثم ارتقب وقت الصلاة فصلّها لوقتها، و لا تعجّل بها قبله لفراغ و لا تؤخّرها عنه لشغل، فانّ رجلًا سأل رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) عن أوقات الصلاة، فقال: أتاني جبرئيل (عليه السلام) فأراني وقت الظهر (الصلاة) حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن، ثم أراني وقت العصر و كان ظل كلّ شي‌ء مثله، ثم صلّى المغرب إلى أن قال فصلّ لهذه الأوقات و الزم السنّة المعروفة و الطريق الواضح ….

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند أنه قد يكون امرا ولائيا منه (عليه السلام) الى ولاته، وقد اشتمل على ما لم يقل بلزومه أحد من الامر بالإتيان بالظهر حين الزوال، وقد ورد فيه أنّ وقت العصر صيرورة ظل كل شي‌ء مثله، مع جواز الإتيان بها قبل ذلك اتفاقاً.

فتحصل عدم دلالة دليل واضح على لزوم الاتيان بالفرائض في حال الاختيار في وقتها الاول، وأما ما في رواية معمّر بن عمر قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن‌ الحائض تطهر عند العصر تصلي الاولى؟ قال: لا، إنما تصلي الصلاة التي تطهر عندها، ورواية الفضل بن يونس قال: سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) قلت: المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال: إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلي إلا العصر، لأن وقت الظهر دخل عليها و هي في الدم، و خرج عنها الوقت و هي في الدم فلم يجب عليها أن تصلي الظهر، و ما طرح اللّٰه عنها من الصلاة و هي في الدم أكثر[63].

و فيه أنه لم يعمل بمضمونهما احد من فقهاءنا حتى صاحب الحدائق، لكون موردهما الضرورة، على أنهما معارضتان بمثل ما رواه الشيخ باسناده عن علي بن الحسن بن علي بن فضال عن عبد الرحمن بن ابي نجران عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر و العصر و إن طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب و العشاء[64]، والجمع بينهما وبينها بحملها على الاستحباب ليس عرفيا بعد أن كان احدهما دالا على خروج الوقت والآخر على بقاءه، وقد اشكل السيد الخوئي “قده” هنا في سند رواية ابن سنان بضعف سند الشيخ الى ابن فضال حيث ذكر في الفهرست أنه أخبرنا بجميع كتبه قراءة عليه أكثرها و الباقي إجازة أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير سماعا و إجازة عنه[65]، ولكنه عدل عن ذلك فصحح الرواية بتعويض سند النجاشي، حيث ذكر طريقين اليه احدهما نفس طريق الشيخ والثاني ما ذكره بقوله “أخبرنا محمد بن جعفر في آخرين عن أحمد بن محمد بن سعيد عن علي بن الحسن بكتبه[66]“، فقال ان ظاهر الطريق الثاني هو كونه الى نفس النسخ التي اخبره بها احمد بن عبدون عن علي بن الزبير عن ابن فضال، وحيث لا يحتمل ان ما اخبره به ابن عبدون من النسخ يختلف عما اخبر به ابن عبدون لشيخ الطوسي فيثبت سند صحيح الى ما رواه الشيخ عن كتب ابن فضال، ولكنه مبني على كون الاسناد الى نسخ الكتب وهذا غير واضح، لكن يكفينا احتمال كون كتب ابن فضال مشهورة، فتجري أصالة الحس في نقل الشيخ “ره”.

وكيف كان فقد ظهر أن الاقوى جواز تاخير صلاة الظهر الى قبيل غروب الشمس ولو اختيارا ما لم يعدّ تهاونا بالصلاة، فلا يتم قول جماعة بخلاف ذلك، وهم على اقوال:

1- كون آخر وقت الظهر للمختار بلوغ الظل سبعي الشاخص، ففی المقنعة للشيخ المفيد “ره” ان وقت الظهر من بعد زوال الشمس إلى أن يرجع الفي‌ء سبعي الشخص… و لكل صلاة من الفرائض الخمس وقتان أول و آخر فالأول لمن لا عذر له و الثاني لأصحاب الأعذار، و لا ينبغي لأحد أن يؤخر الصلاة عن أول وقتها و هو ذاكر لها غير ممنوع منها فإن أخرها ثم اخترم في الوقت قبل أن يؤديها كان مضيعا لها فإن بقي حتى يؤديها في آخر الوقت أو فيما بين الأول و الآخر منه عفي عن ذنبه في تأخيرها إن شاء الله[67].

و حكى في المختلف عن ابن أبي عقيل: أوّل وقت الظهر زوال الشمس إلى أن ينتهي الظلّ ذراعا واحدا، أو قدمين من ظلّ قامته بعد الزوال، فإذا جاوز ذلك فقد دخل الوقت الآخر، مع أنّه حكم أنّ الوقت الآخر لذوي الأعذار، فإن أخّر المختار الصلاة من غير عذر إلى آخر الوقت فقد ضيّع صلاته و بطل عمله، و كان عند آل محمد‌ (عليهم السلام) إذا صلّاها في آخر وقتها قاضيا لا مؤدّيا للفرض في وقته[68].

2- ما في التهذيب من أنه بلوغ الظل اربعة اسباع الشاخص، حيث استدل على قوله برواية الكرخي[69] ، ونحوه ما ذكره في كتاب النهاية: آخر وقت‌ الظهر لمن لا عذر له، إذا صارت الشّمس إلى أربعة أقدام[70]، ونحوه ما عن كتاب عمل يوم وليلة.

وذكر الحلبي في الكافي في الفقه: أول الصلوات صلاة الظهر، و أول وقتها زوال الشمس، و علامة زوالها رجوع الظل، و آخر وقت المختار الأفضل أن يبلغ الظل سبعي الشاخص، و آخر وقت الاجزاء أن يبلغ الظل أربعة أسباعه، و تأخير المختار الصلاة عن وقته الى وقت المضطر تفريط معفو عن تفريطه مؤد غير قاضٍ[71]، ومن الغريب أنه ذكر أن آخر وقت المضطر أن يصير مثله.

هذا وقد نقل في المختلف هذا القول عن السيد المرتضى في مصباحه[72]، ولكن المعروف عنه والموجود في كتاب الناصريات والذي نسب اليه الشيخ هو امتداد وقته الى الغروب

3- كون آخر وقته بلوغ الظل مثل الشاخص، وهذا ما اختاره الشيخ “ره” في اكثر كتبه، ففي المبسوط: اذا زالت الشمس فقد دخل وقت فريضة الظهر و يختص به مقدار ما يصلى فيه أربع ركعات. ثم يشترك الوقت بعده بينه و بين العصر إلى أن يصير ظل كل شي‌ء مثله و روي حتى يصير الظل أربعة أقدام، و هو أربعة أسباع الشخص المنتصب. ثم يختص بعد ذلك بوقت العصر إلى أن يصير ظل كل شي‌ء مثليه فإذا صار كذلك فقد فات وقت العصر هذا وقت الاختيار، فأما وقت الضرورة فهما مشتركان فيه إلى أن يبقى من النهار ما يصلى فيه أربع ركعات فإذا صار كذلك اختص بوقت العصر إلى أن تغرب الشمس، و في أصحابنا من قال: إن هذا أيضا وقت الاختيار إلا أن الأول أفضل[73].

وذكر في الخلاف: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر، و يختص بها مقدار ما يصلى فيه أربع ركعات، ثم بعد ذلك مشترك بينه و بين العصر الى أن يصير ظل كل شي‌ء مثله، فاذا صار كذلك خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر، و به قال الشافعي، و الأوزاعي، و الليث بن سعد و الثوري، و الحسن بن صالح بن حي، و أبو يوسف، و محمد، و أبو ثور، و أحمد بن حنبل الا أنهم قالوا: لا يدخل وقت العصر الا بعد أن يخرج وقت الظهر الذي هو ظل كل شي‌ء مثله، و قال قوم: وقت الظهر ممتد من حين الزوال الى غروب الشمس. و به قال عطاء و طاوس و مالك و اختاره المرتضى من أصحابنا و ذهب اليه قوم من أصحاب الحديث من أصحابنا.

دليلنا على صحة ما ذهبنا اليه: أن ما اعتبرناه لا خلاف أنه وقت للظهر و هو ما بين الزوال الى أن يصير ظل كل شي‌ء مثله و ما زاد عليه ليس على كونه وقتا دليل، فوجب الاحتياط و الأخذ بما قلناه. و قد تكلمنا على ما اختلف من روايات أصحابنا في هذا الباب في الكتابين المقدم ذكرهما[74].

وذكر في الاقتصاد: كل صلاة من الفرائض الخمس وقتان أول و آخر: فأول الوقت هو الأفضل، و هو وقت من لا عذر له. و الأخر وقت من له عذر، فأول وقت الظهر إذا زالت الشمس، و آخره إذا زاد الفي‌ء أربعة أسباع الشخص أو يصير ظل كل شي‌ء مثله[75].

و ذكر في الجمل و العقود: لكل صلاة وقتان: أول و آخر، فالأول: وقت من لا عذر له. و الثاني: وقت من له عذر، فأول وقت الظهر زوال الشمس، و آخره إذا صار ظل كل شي‌ء مثله[76].

وذكر ابن البراج في المهذب: الظهر وله وقتان: اول وآخر فالاول زوال الشمس و الآخر ان يصير ظل كل شي‌ء مثله، و الثاني العصر و له وقتان: أول و آخر، فالأول حين الفراغ من فريضة الظهر، و الأخر ان يصير ظل كل شي‌ء مثليه، وأول الوقت وقت من لا عذر له، و آخره وقت ذوي الاعذار، و كل من صلى في الوقت كان مؤديا سواء كان في أوله أو في آخره ما لم يخرج الوقت[77].

وكيف كان فالاظهر ما عليه كثير من الفقهاء كالسيد المرتضى في كتبه المعروفة وابن الجنيد، و سلّار، و ابن إدريس، و ابن زهرة، والعلامة من جواز التأخير اختيارا الى غروب الشمس، ، ويؤيده ما في التذكرة من أن آخر وقت العصر للفضيلة‌ اذا صار ظلّ كلّ شي‌ء مثليه، و للإجزاء إلى الغروب عند أكثر علمائنا[78]، حيث لا يحتمل الفرق فقهيا في هذا الحكم بين الظهر والعصر، وقد ادعى ابن زهرة وابن ادريس عليه الاجماع[79]، وان كان دعوى الاجماع في غير محله بعد مخالفة من عرفت، الا أنه يكفي في ما ادعيناه من أنه لو كان واجبا لبان واشتهر، مع غلبة الابتلاء به، مضافا الى ما مر من المناقشة في الروايات سندا او دلالة، وان كان الاحتياط المستحب المؤكد لزوم الاتيان بها في حال الاختيار قبل بلوغ الظل مثله، فانه القدر المتيقن من هذه الروايات بعد معارضتها، ودعوى أن الروايات الصادرة عن الامام الصادق (عليه السلام) حيث قامت قرينة على أن الامام كان فيها بصدد القاء الخلاف بين الشيعة كما سبق في بعض الروايات فلا تصلح لمعارضة مثل رواية ابراهيم الكرخي عن الكاظم (عليه السلام) التي دلت على عدم تأخير الظهر عن بلوغ الظل اربعة اسباع الشاخص، تمامية هذا البيان كفى في معارضة رواية الكرخي ما رواه الشيخ في التهذيب باسناده الصحيح عن الحسن بن محمد بن سماعة عن عبيس(هو العباس بن هشام أبو الفضل الناشري الأسدي عربي، ثقة، جليل في أصحابنا، كثير الرواية، كسر اسمه فقيل عبيس) عن حماد عن محمد بن حكيم (يمكن اثبات وثاقته برواية صفوان وابن ابي عمير والبزنطي عنه كما روى الكشي رواية يستفاد منها مدحه، ولذا قال السيد الخوئي “قده” انه ممدوح) قال: سمعت العبد الصالح (عليه السلام) و هو يقول إن أول وقت الظهر زوال الشمس و آخر وقتها قامة من الزوال و أول وقت العصر قامة و آخر وقتها قامتان قلت في الشتاء و الصيف سواء قال نعم[80].

وكذا صحيحة البزنطي قال: سألته عن وقت صلاة الظهر و العصر- فكتب قامة للظهر و قامة للعصر[81]، وهما موافقتان لرواية يزيد بن خليفة السابقة عن ابي عبد الله (عليه السلام)، وقد مر الاشكال في حمل القامة على الذراع بمقتضى ما ورد في بعض الروايات غير المعتبرة من أن القامة في كتاب علي (عليه السلام) بمعنى الذراع.

نعم يمكن أن يقال بأن هذه الروايات المتعارضة مع رواية ابراهيم الكرخي موافقة للعامة، فيكون الترجيح مع رواية الكرخي، فانه ذكر في كتاب المغني: واذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقت الظهر وبهذا قال مالك والثوري والشافعي والاوزاعي، ونحوه قال ابو يوسف ومحمد و ابو ثور وداود، وقال عطاء لا تفريط للظهر حتى تدخل للشمس وقال طاووس وقت الظهر والعصر الى الليل، وحكي عن مالك أن وقت الاختيار لصلاة الظهر الى أن يصير ظل كل شيء مثله ووقت اداءها الى أن يبقى من غروب الشمس قدر ما يصلى به الظهر، وقال ابو حنيفة الى وقت بلوغ الظل مثليه[82].

والمهم ما مر من قيام قرينة على جواز التأخير، ويكفي في ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن موسى بن بكر عن زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) أحب الوقت إلى الله عز و جل أوله حين يدخل وقت الصلاة فصل الفريضة- فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس[83].

هذا كله بلحاظ وقت الظهر.

وأما بالنسبة الى صلاة العصر فالمشهور امتداد وقتها الاختياري الى غروب الشمس، ففي التذكرة: آخر وقت العصر للفضيلة‌ اذا صار ظلّ كلّ شي‌ء مثليه، و للإجزاء إلى الغروب عند أكثر علمائنا[84]، لكن ذهب جماعة الى أن وقتها في غير حالات العذر اقصر من ذلك، وقد يستدل على ذلك بما مر في رواية ابراهيم الكرخي من قوله ” فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال: وقت العصر إلى أن تغرب الشمس و ذلك من علة و هو تضييع،…كما لو أنّ رجلًا أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمداً من غير علة لم يقبل منه، إنّ رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) قد وقّت للصلوات المفروضات أوقاتاً و حدّ لها حدوداً في سنته للناس، فمن رغب عن سنّة من سننه الموجبات كان مثل من رغب عن فرائض اللّٰه[85]

والقائلون بهذا القول اختلفوا في وقته الاختياري على اقوال:

1- ما حكي عن المفيد من أن آخر الوقت الاختياري اصفرار الشمس، ومستنده موثقة أبي بصير قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) إنّ الموتور أهله و ماله من ضيّع صلاة العصر، قلت: و ما الموتور؟ قال: لا يكون له أهل و لا مال في الجنة، قلت: و ما تضييعها؟ قال: يدعها حتى تصفر أو تغيب[86]. وقد ذكر السيد الخوئي “قده” بالنسبة الى موثقة ابي بصير ما محصله أن الاستدلال بها مبني على كون العطف ب‍ “او” كما نقله في الحدائق عن التهذيب، وهو الموافق لما في المحاسن وثواب الاعمال ومن لا يحضره الفقيه[87]، ولكن الموجود في التهذيب المطبوع الموافق لنقل صاحب الوسائل والاستبصار وعلل الشرايع العطف بالواو[88]، والصحيح هو العطف بالواو، لمسبوقية الغيبوبة بالاصفرار دائماً، فلا معنى لجعل الغاية كلا منهما برأسه كما يقتضيه العطف بأو، بل العبرة بأحدهما لا محالة، و يكون ذكر الآخر مستدركاً، أما إذا كان بالواو فالغاية إنما هي الاصفرار الذي‌ يصح إطلاق الغيبوبة عليه أيضاً من باب المجاز بالمشارفة، لقرب اصفرار الشمس من غيبتها، هذا مع أن المفروض حسب ما يستفاد من قوله “يدعها حتی…” عدم ترك الصلاة في الوقت رأساً، بل يصليها فيه غير أنّه يضيّعها من جهة المسامحة و التأخير، و هذا لا يناسب العطف بأو المستلزم لتركها فيه و إيقاعها خارج الوقت كما لا يخفى، و كيف ما كان، فهذه الموثقة على خلاف المطلوب أدلّ، لدلالتها على استحقاق المصلي آخر الوقت الجنة غير أنّ مقامه فيها وضيع، حيث إنه موتور لا مال و لا أهل له، بل هو كَلٌّ و ضيف على غيره الذي لا ريب في اشتماله على نوع من الخفة و المهانة، فليس عمله هذا إلا أنه مرجوح و ترك للأفضل قبال من يصليها أول الوقت المترتب عليه ذلك الثواب العظيم لا أنه عمل محرّم، كيف و لازمه العقاب و ترتب العذاب دون الجنة، و إن كانت في أدنى مراتبها كما هو ظاهر جدّاً[89].

اقول: ما ذكره من دلالتها على عدم لزوم المبادرة، حيث فرض في الرواية دخوله الجنة، لا وجه له، لأن مجرد العصيان لا يمنع من دخول الجنة، ولا يخفى أن لازم ما ذكره أنه لو فرض تمامية دلالة بقية الروايات في مورد صلاة العصر على لزوم المبادرة اليها فلابد من رفع اليد عن ظهورها لاجل هذه الرواية او لا اقل من معارضتها مع تلك الروايات، وهذا غير صحيح.

وحينئذ يمكن تتميم الاستدلال بالرواية بأن تضييع صلاة العصر مناف للامر بالمحافظة على الصلوات الظاهر في الوجوب، لكن المهم ما مر من قيام قرينة على عدم اللزوم ويكفي في ذلك مثل موثقة زرارة السابقة وأنه لو كان لبان.

2- ما حكي عن السيّد المرتضى في بعض كتبه من أن وقتها للمختار إلى أن يصير الظلّ ستّة أقدام، وان كان الموجود في الناصريات وجمل العلم والعمل امتداد وقتها الى الغروب، ومستنده صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: العصر على ذراعين فمن تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك المضيع[90].

ولكن لم يعلم كون التضييع فيها تضييع الصلاة بل لعله تضييع وقت الفضيلة، على انها معارضة بموثقة ابي بصير مضافا الى قيام القرينة كموثقة زرارة على عدم اللزوم، وأنه لو كان لبان.

3- ما ذكره الشيخ في جملة من كتبه كالمبسوط والخلاف والاقتصاد [91] وكذا القاضي ابن البراج و الحلبيّ و سلّار و ابن حمزة من أنه بلوغ الظلّ مثلي الشاخص، وهذا هو المشهور في آخر وقت فضيلة العصر، ومستنده ما مر من رواية محمد بن حكيم والبزنطي ويزيد بن خليفة، واتضح الجواب عنه ايضا.

4- ما حكي عن ابن أبي عقيل من أنه إلى أنّ ينتهي الظلّ ذراعين بعد زوال الشمس، فاذا جاوز ذلك فقد دخل في الوقت الآخر[92]، ولعل مستنده رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صل العصر على أربعة أقدام[93]، ولكن لعلها ناظرة الى اول وقت فضيلة العصر كما ورد في عدة روايات تقدم نقلها.

هذا وفي رواية سليمان بن جعفر قال: قال الفقيه (عليه السلام) آخر وقت العصر ستة أقدام و نصف[94]، والمهم ضعف سندها، مضافا الى معارضتها لسائر الروايات ووجود قرينة على عدم الوجوب كموثقة زرارة.

فالاظهر امتداد وقت العصر اختيارا الى غروب الشمس، وان كان الاحتياط المستحب المؤكد عدم تأخيرها عما هو المشهور من كونه آخر وقت فضيلة العصر وهو بلوغ الظل مثلي الشاخص.

الامر الثاني: المشهور أن للظهر وقتا يختص به وهو أول الوقت بمقدار أداءها بحسب حاله، كما أن للعصر وقتا يختص به وهو ما قبل الغروب بمقدار اداءها كذلك، وهذا ما ذكره صاحب العروة بقوله “ويختص الظهر باوله بمقدار اداءها بحسب حاله، ويحتص العصر بآخره كذلك”، بل عن المنتهى نسبته الى علماءنا، وادعي في بعض الكلمات عليه الاجماع، وذهب جماعة إلى أنّ الوقت مشترك بينهما من أوله إلى آخره، غايته أنه لابدّ من رعاية الترتيب بينهما بإيقاع الظهر قبل العصر، وعن العلامة الحلي والشهيد الاول نسبة ذلك الى الصدوق و عن جامع المقاصد و المدارك نسبته إلى الصدوقين. و ناقش صاحب الحدائق فی نسبة القول بالوقت المختص بالظهر الى الصدوق، وقال منشأ هذه النسبة نقله الأخبار الدالة على الاشتراك من أول الوقت الى آخره، و عدم نقل ما يخالفها و إلا فإنه لم يصرح بذلك في الكتاب و لو بالإشارة، و صريح كلامه بالنسبة إلى آخر الوقت يوافق كلام الأصحاب فإنه قال في باب أحكام السهو في‌ الصلاة “ان نسيت الظهر و العصر ثم ذكرتهما عند غروب الشمس فصل الظهر ثم صل العصر ان كنت لا تخاف فوت إحداهما و ان خفت ان تفوتك إحداهما فابدأ بالعصر و لا تأخرها فيكون قد فاتتاك جميعا ثم صل الاولى بعد ذلك على أثرها” و حينئذ فالخلاف لو سلم انما هو في أول الوقت خاصة[95].

وكيف كان فقبل أن نذكر ادلة المشهور والمخالفين لهم ينبغي ان نذكر الفروع التي رتبوها على هذا الخلاف، فانهم فرعوا عليه فروعا:

منها: ما لو صلّى العصر في الوقت المختص بالظهر ساهيا او فرضنا أنه صلى الظهر قبل دخول الوقت باعتقاد دخول الوقت ثم صلى العصر بعدها وكان الوقت داخلا حين الاتيان بها، فيحكم ببطلان صلاة عصره على قول المشهور -لاخلاله بالوقت الذي هو من مستثنيات حديث لا تعاد- ويحكم بصحتها عصرا بناء على القول الآخر، لاخلاله بشرطية الترتيب بين الظهر والعصر وهو مشمول لحديث لا تعاد.

اقول: هذا مع الغمض عما ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثم صل العصر فإنما هي أربع مكان أربع[96]، والا فالظاهر أنها تحسب ظهرا صحيحا سواء قلنا بقول المشهور ام بخلافه، وقد أفتى صاحب العروة بمضمون الرواية، ولكن يقال إن المشهور اعرضوا عنها، فبناء على كون اعراض المشهور مانعا عن حجية الخبر إما مطلقا كما عليه جماعة من الأعلام أو فيما كان إعراضا عن سند الخبر دون ما كان إعراضا عن دلالته، كما اختاره في البحوث حيث يرى ان حجية خبر الثقة مشروطة بعدم الامارة الظنية على الخلاف وإعراض المشهور أمارة ظنية على الخلاف، فتسقط هذه الرواية عن الحجية العقلائية، وأما لو اعرض المشهور عن الظهور والدلالة فحيث ان حجية الظهور مطلقة وليست مشروطة بعدم الامارة الظنية على الخلاف فلا أثر لإعراض المشهور عن الدلالة، فبناء على هذا التفصيل فحيث ان دلالة الرواية واضحة فاعراض المشهور لامحالة يكون عن سندها، فحينئذ تسقط هذه الرواية عن الاعتبار، ولكن المهم عدم ثبوت اعراض المشهور عن هذه الرواية لاسندا ولادلالة، على أن اعراض المشهور عن أي منهما لا يكون موهنا عندنا.

هذا وقد ذكر بعض السادة الاعلام “دام ظله” أن من المحتمل قويا ان تكون هذه الجملة كلام زرارة نفسه، واجتهاد زرارة ليس حجة في حقنا، واستشهد عليه بما في بعض الجوامع الروائية، وقال: لعل هذا هو المنشأ لإعراض المشهور، ولعل منشأ ما ذكره من قوة احتمال كون هذه الجملة من كلام زرارة اختلاف كيفية التعبير في الرواية، حيث روى في الكافي عن حماد عن حريز عن زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: …وقال قال ابو جعفر… وقال: إن نسيت الظهر حتى صليت العصر، فذكرتها و أنت في الصلاة، أو بعد فراغك، فانوها الأولى، ثم صل العصر، فإنما هي أربع مكان أربع[97]، حيث كرر لفظة “قال” في الجملة السابقة عليها دونها، والا فلم نظفر بقرينة في الجوامع الروائية، والصحيح عدم تمامية القرينة التي ذكرها، لما ورد في ذيلها:…و إن كانت المغرب و العشاء الآخرة قد فاتتاك جميعا، فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة، ابدأ بالمغرب، ثم العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما، فابدأ بالمغرب، ثم بالغداة، ثم صل العشاء؛ فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب، فصل الغداة، ثم صل المغرب و العشاء، ابدأ بأولهما، لأنهما جميعا قضاء أيهما ذكرت، فلا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس، قال: قلت: لم ذاك؟ قال: لأنك لست تخاف فوتها.‌

ومنها: ما فی المستمسك من أنه لو ذكر في الأثناء أنه لم يصل الظهر عدل على القول بالاشتراك، و أشكل ذلك على الاختصاص، لاختصاص العدول بصورة وقوع الصلاة صحيحة لولا الترتيب، فالتعدي إلى غيرها محتاج إلى دليل، و هو مفقود[98].

اقول: لابد من كون الاشكال هو القصور الاثباتي وعدم الاطلاق في ادلة العدول، وهذا صحيح في ما عدا صحيحة زرارة السابقة، كرواية (محمد) ابن سنان عن ابن مسكان عن الْحَلَبِيِّ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى حَتَّى صَلَّى‌ الْعَصْرَ، قَالَ فَلْيَجْعَلْ صَلَاتَهُ الَّتِي صَلَّى الْأُولَى، ثُمَّ لْيَسْتَأْنِفِ الْعَصْرَ[99]، فان ظاهر أنه نسي الظهر حتى صلى العصر وقوع العصر في محلها وانما نسي الظهر الى حينها، واوضح منها صحيحة الحلبي قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ أَمَّ قَوْماً فِي الْعَصْرِ فَذَكَرَ وَ هُوَ يُصَلِّي بِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَلَّى الْأُولَى قَالَ فَلْيَجْعَلْهَا الْأُولَى الَّتِي فَاتَتْهُ وَ يَسْتَأْنِفُ الْعَصْرَ وَ قَدْ قَضَى الْقَوْمُ صَلَاتَهُمْ[100].

وكذا لا تشملها رواية مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع‌ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ صَلَاةً حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى- فَقَالَ إِذَا نَسِيَ الصَّلَاةَ أَوْ نَامَ عَنْهَا صَلَّى حِينَ يَذْكُرُهَا فَإِذَا ذَكَرَهَا وَ هُوَ فِي صَلَاةٍ بَدَأَ بِالَّتِي نَسِيَ وَ إِنْ ذَكَرَهَا مَعَ إِمَامٍ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَتَمَّهَا بِرَكْعَةٍ- ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ صَلَّى الْعَتَمَةَ بَعْدَهَا وَ إِنْ كَانَ صَلَّى الْعَتَمَةَ وَحْدَهُ فَصَلَّى مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ الْمَغْرِبَ أَتَمَّهَا بِرَكْعَةٍ فَتَكُونُ صَلَاتُهُ لِلْمَغْرِبِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ- ثُمَّ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ[101].

تبقى صحيحة زرارة، فان قوله “اذا نسيت الظهر حتى صليت العصر” وان كان ظاهرا او محتمل الظهور بقرينة “حتى” في اتيان صلاة العصر بعد مضى فترة نسي أن يصلي فيها الظهر، فيختص موردها بفرض الاتيان بصلاة العصر في الوقت المشترك، لكن يمكن أن يقال بأن تعليل الامر بالعدول من صلاة العصر الى الظهر بكونها اربعا مكان اربع موجب للتعميم الى فرض الاتيان بالعصر في الوقت المختص للظهر، لكن قد يناقش فيه بأنه يوجد في قوله “فانما هي اربع مكان اربع” ثلاث احتمالات:

1- أن يكون بمعنى أنه لأجل أن ما اتى به كان اربع ركعات فيعتبره الشارع مكان اربع ركعات التي كان مأمورا بالاتيان بها.

2- أن يكون بمعنى أنه لأجل أن ما اتى به في محل الظهر كان مثلها من حيث عدد الركعات، فيكون هذا علة للحكم بكونها الصلاة الاولى.

3- أن يكون بمعنى أن ما اتى به بعنوان العصر اربع ركعات اعتبر شرعا مكان الظهر واحتسب ظهرا شرعا، ولذا امره بأن ينويها  و يحسبها ظهرا، واستفادة عموم التعليل للمقام مبني على احد هذين الاحتمالين الأولين، دون الاحتمال الثالث، اذ بناء عليه تكون العصر المأتي بها في الوقت المختص للظهر، شبهة مصداقية لما تقع مكان الظهر شرعا.

والفرق بين الاحتمالين الاولين انه بناء على الاول يستفاد التعميم لكل ما اذا اتى بصلاة أخرى متفقة العدد مع الصلاة المأمور بها، كما لو تخيل أنه لم يصل الظهر فاتى باربع ركعات بنية الظهر، ثم تبين أنه كان قد أتى بالظهر وكانت وظيفته الاتيان بالعصر، اذ يستفاد منه أن قوله “فانوها الاولى” تطبيق من تطبيقات كبرى حكم الشارع بأن كل ما اتي به من الصلاة مكان صلاة أخرى مأمور بها وكانتا متفقتي العدد احتسبت هذه الصلاة المأمور بها، بينما أنه على الاحتمال الثاني يكون قوله “انما هي اربع مكان اربع علة للحكم بكون ما أتى به من اربع ركعات هي الصلاة الأولى وكون العلة وجبة للتعيميم لا يعني الا الغاء خصوصية المورد لا الغاء خصوصية الحكم المعلل، لا يقتضي التعميم الى العدول من السابقة الى اللاحقة كما في المثال المذكور آنفا، مثل أن قوله “ان جاءك زيد فأكرمه لأنه عالم” لا يقتضي الغاء خصوصية وجوب الاكرام المقيد بالمجيء، وانما يقتضي التعميم من زيد الى اي عالم آخر.

والانصاف كون الاحتمال الثاني هو الظاهر دون الاحتمال الاول فضلا عن الثالث، لأن الظاهر من التعليل كونه تعليلا بامر واقعي لا تعبدي.

وعليه فالظاهر شمول صحيحة زرارة للصلاة التي نواها عصرا فيما اذا كانت على فرض نيتها ظهرا تقع صحيحة، فان لم نستشكل باعراض المشهور عنها ونحوه كان اطلاقها متبعا.

و منها: أن من صلى الظهر باعتقاد سعة الوقت ثم تبين وقوعها في الوقت المختص بالعصر، فإنه بناء على القول المخالف للمشهور تصح صلاة الظهر، ويجب عليه قضاء العصر، وبناء على قول المشهور فيقال بأنه يبطل صلاته لاخلاله بالوقت، فيجب عليه قضاء كلتا الصلاتين، ولكنه مبني على كون الامر بقضاء الظهر متأخرا عن غروب الشمس، والا فلا وجه للمنع من صحة ظهره قضاء، وسيأتي الكلام فيه.

ومنها: ما لو خاف أن لا يسع الوقت لادراك ركعة من صلاة العصر بعد الاتيان بالظهر[102] فبناء على القول المخالف للمشهور، فيقال تارة بأنه يجب عليه من الاول الاتيان بالظهر دون العصر، اذ لو اتى بالعصر كان فاقدا لشرطية الترتيب، ولو فرض عدم دليل على الترتيب بينهما في هذا الفرض فيكون مخيرا بينهما، ولو قام الدليل التعبدي على لزوم الاتيان بالعصر، فاتى بها ثم تبين له بقاء الوقت بمقدار ادراك صلاة الظهر في الوقت، فلابد أن يأتي بالظهر في هذا الوقت اداء.

وبناء على قول المشهور فلا اشكال في لزوم اتيانه بصلاة العصر، فاذا اتى بالعصر ثم تبين له بقاء الوقت بمقدار ادراك صلاة الظهر في الوقت بتمامها او بركعة منها، فقد يقال بأنه لا يجب عليه الإتيان بصلاة الظهر في هذا الوقت أداءً، وهل يجوز له الاتيان بها قبل غروب الشمس قضاءً ام لابد من تأخير القضاء الى ما بعد الغروب، فيه كلام، وفي المستمسك أنه على قول المشهور ايضا قيل بوجوب الاتيان بالظهر حينئذ اداء، لاختصاص أدلة الاختصاص بصورة اشتغال ذمة المكلف بالعصر، فمع فراغها عنه يكون المرجع أدلة الاشتراك، ثم اورد عليه بأن النسبة بين أدلة الاختصاص‌ و أدلة الاشتراك ليست من قبيل النسبة بين الخاص و العام، كي يرجع إلى أدلة الاشتراك عند عدم صلاحية أدلة الاختصاص للمرجعية، بل هما متباينان، لورودهما معاً في مقام التحديد للوقت، فاذا جمع بينهما بحمل أدلة الاشتراك على ما يوافق الاختصاص فاذا فرض قصور أدلة الاختصاص عن شمول المورد كانت أدلة الاشتراك كذلك، ودعوى (أن مقتضى أدلة الاشتراك أن كل حصة من الزمان بين الزوال و الغروب مشتركة بين الفريضتين، و أدلة الاختصاص إنما تنافيها في الجزء الأول و الأخير لا غير، فنسبتها إليها نسبة الخاص إلى العام، فإذا أجمل الخاص في بعض الأحوال كان المرجع العام، و كذا في المقام) مندفعة، بما قد عرفت من أن أدلة الاشتراك واردة في مقام تحديد الوقت للفريضتين، و أن مقتضى الجمع بينها و بين أدلة الاختصاص حملها على معنى لا ينافي الاختصاص، لا تخصيصها بأدلته، فلو اختصت أدلة الاختصاص بغير فرض الاتيان بالعصر سابقا، كانت أدلة الاشتراك كذلك، فلابد من الرجوع إلى الأصل، و ليس هو استصحاب بقاء الوقت المشترك، لأنه من الاستصحاب الجاري في المفهوم المردد الذي ليس بحجة، مع أنه يتوقف على البناء على أنه يكفي في صحة الصلاة أداء بقاء الوقت بنحو مفاد كان التامة، أما لو اعتبر وقوعها في وقت هو وقتها بنحو مفاد كان الناقصة فلا يجدي الأصل المذكور، إلا بناء على الأصل المثبت، و منه يظهر الإشكال في استصحاب بقاء الاشتراك، أما إثبات كون الوقت المعين وقتاً لها بالأصل فغير ممكن، لعدم الحالة السابقة له، اللهم إلا أن يلحظ بعضاً مما سبق فيقال: كان مشتركاً فهو على ما كان، و أما‌ استصحاب وجوب الأداء فلا يثبت القدرة على الأداء و صحتها أداء، و لو فرض سقوط الاستصحاب عن المرجعية كان المرجع أصل البراءة من وجوب الفعل في الوقت المعين، هذا إذا جوزنا فعلها قضاء على تقدير القول بالاختصاص و إلا كان من الدوران بين المتباينين، للعلم بوجوب فعلها في باقي الوقت أداء أو في خارجه قضاء، فيجب الاحتياط.

ثمَّ إنه لو بني على الاختصاص حتى في الفرض، لم يبعد جواز إيقاع الظهر قضاء. و دعوى: أن الظاهر من الاختصاص عدم صحة الشريكة مطلقاً و لو قضاء، كما في الجواهر، غير مجدية و إن سلمت، إذ لم يقع لفظ الاختصاص في لسان الأدلة، ليرجع إلى ظهوره، و إنما المرجع أدلة القول به، و ليس مقتضاها إلا خروج وقت الظهر إذا بقي من الوقت مقدار أداء العصر، و هذا المقدار لا يقتضي بطلانها قضاء، فإطلاق ما دل على جواز القضاء محكم[103].

ومنها: ما اذا اعتقد دخول الوقت فقام الى صلاة الظهر وفي آخرها دخل الوقت فالتفت الى ذلك بعده فالمشهور على صحتها لرواية ابن أبي عمير عن إسماعيل بن رباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا صليت و أنت ترى أنك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك[104]، واسماعيل بن رباح وان لم يرد في حقه توثيق خاص، لكن روى عنه ابن ابي عمير فيمكن توثيقه بناء على ما هو الظاهر من وثاقة مشايخ ابن ابي عمير لما قاله الشيخ في العدة من أنه وصفوان والبزنطي ممن عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون الا عن ثقة، كما يمكن تصحيح الرواية بناء على نظرية اصحاب الاجماع فان ابن ابي عمير من اصحاب الاجماع اي الذين شهد الكشي باجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهم فبناء على كون معناه أن ما صح نقله عنهم فهو صحيح مطلقا اي لا يلحظ الواسطة بينهم وبين الامام (عليه السلام) فيمكن تصحيح الرواية.

وعليه فان اريد من الوقت المختص للعصر ما يعني لزوم الانتظار في هذا الفرض الى أن يمضي مقدار اربع ركعات من دخول الوقت حتى يصح الاتيان بالعصر كما اختاره في المستمسك فبناء على القول بالوقت المختص يجب عليه الانتظار الى أن يدخل الوقت المشترك كي يتمكن من صلاة العصر.

هذا وقد استدل للمشهور بعدة وجوه:

الوجه الاول: ما في المدارك من أنّه لا معنى لوقت الفريضة إلّا ما جاز إيقاعها فيه و لو على بعض الوجوه، و لا ريب أنّ إيقاع العصر عند الزوال على سبيل العمد ممتنع، و كذا مع النسيان على الأظهر، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، و انتفاء ما يدل على الصحة مع المخالفة، و إذا امتنع وقوع العصر عند الزوال مطلقا انتفى كون ذلك وقتا لها[105].

وفيه اولا: أن دليل الصحة في حال النسيان بل الجهل هو حديث لا تعاد، فانه يشمل الاخلال بالترتيب، الا أن يلحظ صحيحة زرارة السابقة من أنها تحتسب ظهرا، الا أنهم لو يفتوا بها على أنها لا تجري في المغرب والعشاء، اذا لم يتذكر حتى دخل في ركوع الركعة الرابعة.

وثانيا: انه اذا اعتقد دخول الوقت فقام الى صلاة الظهر وفي آخرها دخل الوقت فالتفت الى ذلك بعده فالمشهور على صحتها لرواية ابن أبي عمير عن إسماعيل بن رباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا صليت و أنت ترى أنك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك[106]، واسماعيل بن رباح وان لم يرد في حقه توثيق خاص، لكن روى عنه ابن ابي عمير فيمكن توثيقه بناء على ما هو الظاهر من وثاقة مشايخ ابن ابي عمير لما قاله الشيخ في العدة من أنه وصفوان والبزنطي ممن عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون الا عن ثقة، كما يمكن تصحيح الرواية بناء على نظرية اصحاب الاجماع فان ابن ابي عمير من اصحاب الاجماع اي الذين شهد الكشي باجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهم فبناء على كون معناه أن ما صح نقله عنهم فهو صحيح مطلقا اي لا يلحظ الواسطة بينهم وبين الامام (عليه السلام) فيمكن تصحيح الرواية.

وعليه فان اريد من الوقت المختص للعصر ما يعني لزوم الانتظار في هذا الفرض الى أن يمضي مقدار اربع ركعات من دخول الوقت حتى يصح الاتيان بالعصر فلا يجري هذا الوجه بالنسبة اليه.

الوجه الثاني: ما ذكره العلامة في المختلف، فانه بعد ما ذكر (أنه لا خلاف في أنّ زوال الشمس أوّل وقت الظهر‌، و إنّما الخلاف في أنّه من حين الزوال يشترك الوقت بينها و بين العصر، أو يختص الظهر من أوّل الزوال بمقدار أداء أربع ركعات للحاضر و ركعتين للمسافر. فالأول اختيار أبي جعفر بن بابويه و باقي علمائنا على الثاني، و هو الحق عندي، و قال السيد المرتضى “ره” في الناصريات: الذي نذهب‌إليه أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر بلا خلاف ثمَّ يختصّ أصحابنا بأنّهم يقولون: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر معا الّا أنّ الظهر قبل العصر، قال: و تحقيق هذا الموضع أنّه إذا زالت فقد دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدّي أربع ركعات، فاذا خرج هذا المقدار من الوقت اشترك الوقتان، و معنى ذلك أنّه يصحّ أن يؤدي في هذا الوقت المشترك الظهر و العصر بطوله على أنّ الظهر متقدّمة للعصر، ثمَّ لا يزال في وقت منهما إلى أن يبقى إلى غروب الشمس مقدار أداء أربع ركعات فيخرج وقت الظهر و يخلص هذا المقدار للعصر كما خلص الوقت الأول للظهر، و على هذا التفسير الذي ذكره السيد يزول الخلاف)، قال: لنا انّ القول باشتراك الوقت حين الزوال بين الصلاتين مستلزم لأحد المحالين، إمّا تكليف ما لا يطاق، أو خرق الإجماع، فانّ التكليف حين الزوال إمّا أن يقع بالعبادتين معا، أو بإحداهما لا بعينها أو بواحدة معيّنة، و الأوّل يستلزم تكليف ما لا يطاق إذ لا يتمكن المكلّف من إيقاع فعلين متضادين في وقت واحد، و الثاني يستلزم خرق الإجماع إذ لا خلاف بأنّ الظهر مرادة بعينها حين‌ الزوال لا لأنّها أحد الفعلين، و الثالث يستلزم إمّا المطلوب أو خرق الإجماع، لأنّ تلك المعيّنة إن كانت هي الظهر ثبت الأوّل، و إن كانت هي العصر ثبت الثاني، و لأنّ الإجماع واقع على أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) صلّى الظهر أوّلاً، و قال “صلوا كما رأيتموني أصلّي” فلو لم يكن وقتا لها لما صحّ منه إيقاعها فيه.

لا يقال: المراد بالاشتراك ليس هو إيقاع العبادتين في وقت واحد، فإنّ هذا محال، بل المراد صلاحيّة الوقت لايقاع كلّ من العبادتين و الاجتزاء بأيهما وقعت، سواء كانت الظهر مطلقا أو العصر مع النسيان كما يذهبون إليه فيما بعد الأربع، فإن الاشتراك لو كان مفسَّرا بما ذكرتم لما أمكنكم المصير إليه بعد الأربع أيضا، و إذا كان المراد ذلك انتفت الاستحالتان، إذ ليس في ذلك تكليف محال و لا خرق إجماع، و أمّا فعل النبي فإنّا نقول به، لأنّه عندنا وقت لإحدى الفريضتين مع النسيان و للظهر عينا مع الذكر، و السهو على الرسول محال.

لأنّا نقول: اشتراك الوقت على ما فسّرتموه فرع وقوع التكليف بالفعل، و نحن قد قسّمنا التكليف إلى ما يستلزم المطلوب، أو المحال[107].

وانت ترى أن ما ذكره بقوله “لا يقال” متين جدا، وليس لجوابه عنه معنى محصل.

الوجه الثالث: الروايات، فانهم استدلوا بعدة من الروايات وهي:

الرواية الاولى: ما رواه الشيخ في التهذيب عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى و موسى بن جعفر بن أبي جعفر عن أبي طالب عبد الله بن الصلت (وثقه النجاشي) عن الحسن بن علي ابن فضال عن داود بن أبي يزيد و هو داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللٰه (عليه السلام) قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر حتى تغيب الشمس[108].

و يقع الكلام تارة حول سندها وأخرى حول دلالتها، أما سندها فمشكلته الارسال وقد يحاول تصحيحه بطريقين

1- ما يدعى من انجبارها بعمل المشهور، وفيه المنع صغرى و كبرى.

2- ما ذكره الشيخ الاعظم “قده” من أن هذه الرواية و إن كانت مرسلة إلا أن إرسالها غير قادح فيها، لأن في سندها الحسن بن علي بن فضال، و قد ورد في بني فضال “خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا” فإن مقتضاه الأخذ برواياتهم التي منها هذه الرواية[109]

و فيه أن الرواية المتضمنة لهذه الجملة ضعيفة السند، فان الشيخ الطوسي “ره” نقل في كتاب الغيبة عن أبي الحسين بن تمام حدثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه قال سئل الشيخ يعني أبا القاسم رضي الله عنه عن كتب ابن أبي العزاقر (الشلمغاني) بعد ما ذم و خرجت فيه اللعنة فقيل له فكيف نعمل بكتبه و بيوتنا منها ملاء فقال أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي (صلى الله عليه وآله) و قد سئل عن‏ كتب بني فضال فقالوا كيف نعمل بكتبهم‏ و بيوتنا منها ملاء.

فقال (صلى الله عليه وآله) خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا[110]، والحسين بن تمام و عبدالله الكوفي ليسا موثقين.

مضافا الى أن ظاهر هذه العبارة عدم كون انحراف بني فضال سببا لعدم العمل برواياتهم، لا حجيتها من غير ملاحظة الوسائط بينهم وبين الامام (عليه السلام) كيف وحينئذ يزيد بنو فضال على أمثال زرارة و محمد بن مسلم.

وثانيا: ما يقال من أن الظاهر من مضي أربع ركعات ليدخل وقت العصر، و لو بضميمة تلك الروايات الدالة على أنه إذا زالت الشمس دخل الوقتان إلا أنّ هذه قبل هذه، هو مضي أربع ركعات بالفعل بأن‌ صلاها المكلف فعلًا، ليتمكن من الاتيان بالعصر مطلقا، وتوجد قرائن على ذلك، منها: أنه يبعد جدا الالتزام بأن من صلى الظهر قبل الوقت معتقدا دخول الوقت فوقع سلامه مثلا في داخل الوقت وحكم بصحة صلاته لاجل رواية اسماعيل بن رباح فلا يجوز له الاتيان بالعصر الا بعد مضي مقدار اربع ركعات، ومنها: أن المدار ان كان على المقدار من الوقت الذي يحتاج اليه متعارف الناس للاتيان باربع ركعات، فهذا يعني أن من كان سريع الاتيان بالصلاة، خصوصا فيما لو نسي القراءة مثلا، فبعد فراغه من صلاة الظهر لا يجوز له المبادرة الى العصر، وكذا لو كان المدار على المتعارف من حاله ففرغ من صلاته مرة سريعا فلا يجوز له المبادرة الى العصر، وهذا بعيد جدا، كما ان من البعيد جدا أن يكون المدار على الوقت الذي يحتاج اليه المكلف بلحاظ ظروفه وحالاته في كل يوم، فقد لا يتمكن في يوم من ادراك اربع ركعات في مقدار من الوقت، لتعبه وبطء لسانه ويتمكن في يوم آخر في ذاك المقدار، وقد يكون في يوم لو كان صلى الظهر ينسى بعض واجباته غير الركنية، وفي يوم آخر لا ينسى ذلك فيطول صلاته، فيصح صلاة عصره اذا اخطأ فاتى بها قبل الاتيان بالظهر في اليوم الاول اذا كان بعد هذا المقدار، دون ما اذا اتى بها هذا اليوم الأخير.

ومن هنا تبين الاشكال فيما ذكره في المستمسك من أنه حيث يكون وقت الاختصاص عبارة عن المقدار المحتاج إليه في أداء الصلاة، فلابد حينئذ من ملاحظة أحوال المكلف التي يختلف مقدار الصلاة باختلافها شرعا مثل السفر والحضر ، أم تكوينا مثل طلاقة اللسان و عيّه، و الإبطاء في الحركات، وعدمه، و غير ذلك، فيقدَّر الوقت بقدر الصلاة الذي يختلف بلحاظها، كما لا فرق أيضاً بين أن تكون حاصلة قبل الصلاة و طارئة‌ في أثنائها، فلو صلى الظهر في أول الوقت فنسي بعض الأجزاء غير الركنية فقد دخل الوقت المشترك بالفراغ، و كذا لو طرأ له في الأثناء ما يوجب خفة اللسان أو الحركات الصلاتية، و لو عرض له ما يوجب الإبطاء كالعي في اللسان، أو الثقل في الحركات الصلاتية، أو نسي فقرأ بعض السور الطوال، أو نحو ذلك كان التقدير بتلك الصلاة، نعم لو كان التطويل مستنداً إلى الاختيار كما لو اختار قراءة السور الطوال، أو القنوت ببعض الأدعية كذلك كان ذلك خارجاً عن التقدير، و لو لم يصلّ الظهر لكن علم بأنه لو صلى طرأ عليه ما يوجب له الإبطاء أو السرعة كنسيان بعض الأجزاء أو نحوه لم يبعد دخول ذلك في التقدير، لأن تقدير النسيان مثلا أو نحوه لابد أن يكون راجعاً إلى حالة فعلية للمكلف لا فرق بينها و بين سائر الحالات الفعلية من السفر و الحضر و نحوهما[111].

وثالثا: ما ذكره السيد الخوئي “قده” من انه لو لم يكن حمل رواية داود بن فرقد على ما ذكر عرفيا فتتعارض هذه الرواية مع الروايات الدالة على أنه إذا زالت الشمس دخل الوقتان جميعاً، فإنها صريحة في دخول كلا الوقتين بمجرد الزوال.

الرواية الثانية: ما رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن سنان عن ابن مسكان عن الحلبي في حديث قال: سألته عن رجل نسي الأولى و العصر جميعا، ثم ذكر ذلك عند غروب الشمس فقال إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل الظهر ثم ليصل العصر و إن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخرها فتفوته فتكون قد فاتتاه جميعا و لكن يصلي العصر فيما قد بقي من وقتها ثم ليصل الأولى بعد ذلك على أثرها[112].

وابن سنان في السند هو محمد بن سنان دون عبد الله بن سنان، بقرينة رواية الحسين بن سعيد عنه وروايته عن ابن مسكان،  فان ابن مسكان هو الذي يروي عن عبد الله بن سنان، لا أن عبد الله يروي عنه، ولذا يكون سند الرواية مبتلى بالاشكال من ناحية محمد بن سنان.

محمد بن سنان

فقد قال النجاشي في حقه: محمد بن سنان أبو جعفر الزاهري‌، وقال أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد (ابن عقدة) إنه روى عن الرضا (عليه السلام) قال: وله مسائل عنه معروفة، وهو رجل ضعيف جدا لايعول عليه و لا يلتفت إلى ما تفرد به[113].

وقال في ترجمة مياح المدائني: ضعيف جدا، له كتاب يعرف برسالة مياح، وطريقها أضعف منها، وهومحمد بن سنان[114].

وقال الشيخ الطوسي “ره”: محمد بن سنان ضعيف[115]، وقال في التهذيب والاستبصار: محمد بن سنان مطعون عليه ضعيف جدا، وما يستبد بروايته ولايشركه فيه غيره لايعمل عليه[116].

وقد ضعفه المفيد في رسالته العددية فقال: محمد بن سنان مطعون فيه، لاتختلف العصابة في تهمته وضعفه، وما كان هذا سبيله لايعمل عليه في الدين.

وقد حكى الكشي في رجاله عن أبي الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري أنه قال: قال الفضل بن شاذان: لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان، وقال الكشي: ذكر حمدويه بن نصير، أن أيوب بن نوح دفع إليه دفترا فيه أحاديث محمد بن سنان، فقال لنا: إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا، فإني كتبت عن محمد بن سنان، ولاأروي لكم أنا عنه شيئا، فإنه قال له محمد قبل موته: كلما أحدثكم به لم يكن لي سماعة ولارواية، إنما وجدته.

ونقل ايضا عن محمد بن مسعود العياشي قال عبد الله بن حمدويه: سمعت الفضل بن شاذان يقول: لاأستحل أن أروي أحاديث محمد بن سنان، وذكر الفضل في بعض كتبه أن من الكاذبين المشهورين ابن سنان، و ليس بعبد الله.

ونقل عن أبي الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان: لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان عني ما دمت حيا، وأذن في الرواية بعد موته.

وقال ابن الغضائري: محمد بن سنان ضعيف غال يضع، لايلتفت إليه.

نعم ذكر الشيخ المفيد في الارشاد أن محمّد بن سنان هذا ممّن روى النصّ على الرضا من أبيه عليهما السلام، وانّه من خاصّته و ثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته[117].

كما اكثر الاجلاء الرواية عنه وقد روى الكشي في مدحه روايات: قال: حدثني محمد بن قولويه، قال حدثني سعد بن عبد الله، قال حدثني أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى، عن رجل، عن علي بن الحسين بن داود القمي، قال، سمعت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) يذكر صفوان بن يحيى و محمد بن سنان بخير، و قال: رضي الله عنهما برضاي عنهما فما خالفاني قط، هذا بعد ما جاء عنه فيهما ما قد سمعته من أصحابنا.

وعن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمي، قال دخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في آخر عمره فسمعته يقول: جزى الله صفوان بن يحيى و محمد بن سنان و زكريا بن آدم عني خيرا فقد وفوا لي و لم يذكر سعد بن سعد، قال، فخرجت فلقيت موفقا، فقلت له: إن مولاي ذكر صفوان و محمد بن سنان و زكريا بن آدم و جزاهم خيرا، و لم يذكر سعد بن سعد! قال، فعدت إليه، فقال: جزى الله صفوان بن يحيى و محمد بن سنان و زكريا بن آدم و سعد بن سعد عني خيرا فقد وفوا لي.

وحدثني محمد بن قولويه، قال حدثني سعد (بن عبدالله) عن أحمد بن هلال، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، أن أبا جعفر (عليه السلام) كان لعن صفوان بن يحيى و محمد بن سنان، فقال: إنهما خالفا أمري، قال، فلما كان من قابل، قال أبو جعفر (عليه السلام) لمحمد بن سهل البحراني تول صفوان بن يحيى و محمد بن سنان فقد رضيت عنهما[118].

والرواية الثانية صحيحة لأن الظاهر تعليق سندها على سند الرواية الاولى فيكون الراوي لهذه الرواية عن عبد الله بن الصلت هو احمد بن محمد بن عيسى الذي كان احد رواته، كما أن الرواية الثالثة صحيحة بناء على وثاقة احمد بن الهلال العبرتائي.

ولأجل ذلك ذكر العلامة الحلي في رجاله أنه قد اختلف علماؤنا في شأنه فالشيخ المفيد “ره” قال إنه ثقة، وأما الشيخ الطوسي “ره” فإنه ضعفه وكذا قال النجاشي وابن الغضائري قال إنه ضعيف غال لايلتفت إليه وروى الكشي فيه قدحا عظيما وأثنى عليه أيضا، والوجه عندي التوقف فيما يرويه، فإن الفضل بن شاذان “ره” قال في بعض كتبه إن من الكذابين المشهورين ابن سنان وليس بعبد الله ودفع أيوب ابن نوح إلى حمدويه دفترا فيه أحاديث محمد بن سنان فقال إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا فإني كتبت عن محمد بن سنان و لكني لاأروي لكم عنه شيئا فإنه قال قبل موته كل ما حدثتكم به لم يكن لي سماعا ولارواية وإنما وجدته[119]

وقد ذكر صاحب الوسائل أن الذي يقتضيه النظر أن تضعيفه أنما هو من ابن عقدة الزيدي، و في قبوله نظر، و قد صرح النجاشي بنقل التضعيف عنه، و كذا الشيخ، و لم يجزما بضعفه،ووثقه أيضا ابن طاوس، والحسن بن علي بن شعبة وغيرهما، ورجح ابن طاوس في فلاح السائل مدحه وتوثيقه[120]،

وقد ذكر بعض الاجلة أن التضعيف حيث يحتمل عادة أن يكون ناشئا عن نكات راجعة الى مثل ما رمي في بعض الكلمات بالغلو، حيث كانوا يعتبرون ذلك موجبا للضعف والطعن، فلا يعارض التوثيقات المستفادة من تنصيص الرجاليين واكثار الاجلاء الرواية عنه.

اقول: قد عرفت أنه ورد في حقه الرمي بالكذب بل ذكروا أنه من الكذابين، وقد ذكر الشيخ الطوسي (انه مطعون عليه ضعيف جدا، وما يستبد بروايته ولايشركه فيه غيره لايعمل عليه) فان كان الاشكال في اعتقاده فهل هو اسوء حالا من ابن ابي حمزة البطائني الواقفي الملعون الذي ذكر الشيخ في العدة عمل الطائفة برواياته.

وقد ذكر السيد الخوئي “قده” ان المتحصل من الروايات أن محمد بن سنان كان من الموالين، فإن ثبت فيه شي‌ء من المخالفة، فقد زال ذلك وقد رضي عنه المعصوم (عليه السلام)، ولأجل ذلك عده الشيخ الطوسي “ره” في كتاب الغيبة ممن كان ممدوحا حسن الطريقة[121] ولولا أن ابن عقدة والنجاشي والشيخ والمفيد وابن الغضائري ضعفوه، وأن الفضل بن شاذان عده من الكذابين لتعين العمل برواياته، ولكن تضعيف هؤلاء الأعلام يسدّنا عن ذلك، ولأجل ذلك لايمكن الاعتماد على توثيق مثل الشيخ المفيد إياه في الارشاد، وما قد يقال (من إن محمد بن سنان لابد من الاعتماد على رواياته لروايات الأجلة عنه، كما تقدم عن الكشي، فلامناص من حمل التضعيف في كلام من ضعفه على التضعيف من جهة نسبة الغلو إليه، لامن جهة الضعف في نفسه، و أما عد الفضل محمد بن سنان من الكذابين المشهورين فلايمكن تصديقه، إذ كيف يجتمع ذلك مع رواية الأجلاء عنه، و كيف يمكن أن يروي الأجلاء عمن هو مشهور بالوضع و الكذب) ففيه أن حمل التضعيف في كلامهم على ما ذكر خلاف ظاهر كلماتهم، بل هو خلاف ما صرح به الشيخ في التهذيبين كما مر، و أما رواية الأجلاء عمن هو معروف بالكذب و الوضع فليست بعزيزة، فقد روى عن محمد بن علي الكوفي الصيرفي أبي سمينة غير واحد من الأجلاء، على ما يأتي في ترجمته، كأحمد بن أبي عبد الله، و والده محمد بن خالد، و محمد بن أبي القاسم ماجيلويه، و محمد بن أحمد بن داود، و محمد بن أحمد بن خاقان، و غيرهم[122].

وعليه فسند الرواية ضعيف بمحمد بن سنان.

وأما تقريب الاستدلال بها فهو أن المستفاد من قوله “و لا يؤخرها…” أنه لو أتى بالظهر في هذا الوقت و أخّر العصر فقد فاتته الصلاتان معا، أما العصر فواضح، و أما الظهر فلأجل إيقاعها في الوقت المختص بالعصر الذي هو بمثابة الوقوع في خارج الوقت.

وفيه أنه لا يستفاد منه أكثر من أنه عند ضيق الوقت عن ادراك اكثر من اربع ركعات في الوقت فقد فاتته الظهر، ولو اتى بها في ضيق الوقت فلايمنع ذلك من فوت اداء الظهر، وأنه يجب عليه الاتيان بالعصر، ولكنه اخص من قول المشهور بالوقت المختص، اذ اولا: لا تدل على الوقت المختص بالظهر في اول الوقت، وثانيا: انه لو كان قد اتى بالعصر في سعة الوقت نسيانا او خطأ وبعدها لم يبق قبل الغروب الا مقدار اربع ركعات فلاتدل الرواية على أنه لا يجب عليه اداء الظهر في ذلك الوقت.

نعم لو تم سند الرواية لكانت دليلا على وجوب الاتيان بالعصر في ضيق الوقت، وهذا خلاف مقتضى القاعدة، اذ بناء على اطلاق دليل شرطية الترتيب بين الظهر والعصر، (وعمدته رواية القاسم بن عروة عن عبيد بن زارة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت الظهر و العصر فقال: اذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعا الا أن هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس) لهذا الفرض، فيتعين الاتيان بالظهر والا فلو اتى بالعصر كانت باطلة لفقد شرط الترتيب،  وان لم يكن له اطلاق باعتبار انصرافه الى فرض وجوب الاتيان بكليهما فيكون مخيرا بينهما بملاك التزاحم، وان كان قد ذكر السيد الخوئي “قده” أن مقتضى اعتبار قبلية الظهر أنّ الظهر لا تزاحم العصر في هذا الوقت، بل يسقط أمرها و يتعين صرف الوقت في صلاة العصر فحسب، و بعبارة اخرى: لا يعقل بقاء الأمر بالصلاتين معاً في هذا الوقت لعدم سعته، و حينئذ فإما أن يكون مأموراً بصلاة العصر فقط، أو بالظهر فقط، أو بهما معاً على البدل و على سبيل التخيير بعد وضوح عدم سقوط الصلاة عنه رأساً، لكن الأخيرين ساقطان قطعاً، إذ مضافاً إلى تسالم الأصحاب على عدم وجوب الظهر حينئذ لا تعييناً و لا تخييراً، لا يمكن الالتزام به في نفسه، فان كل جزء من الوقت و إن كان صالحاً في حدّ ذاته لكل واحدة من الصلاتين، و لا تزاحم الشريكة صاحبتها في شي‌ء منه كما سبق إلا أنهما لمّا كانتا منبسطتين على مجموع الوقت على صفة الترتيب فاختصاص الأربع الأخيرة بصلاة‌ العصر هو لازم الانبساط و التقسيط المزبور و من مقتضياته بطبيعة الحال، فلا جرم ينتهي بذلك وقت الظهر و يتعين صرف الوقت في العصر. و تعضده النصوص الواردة في الحائض الناطقة بأنّها تصلي العصر إذا طهرت عنده كما تقدم[123].

وفيه أن مقتضى اطلاق الترتيب هو بعدية العصر لا قبلية الظهر فيلزم كون العصر بعد الظهر، ومعه فمقتضى القاعدة سقوط الامر بالعصر لعدم التمكن من الاتيان بها صحيحا، وما اشار اليه من النصوص الواردة في الحائض  فقد مر معارضتها مع ما دل على لزوم اتيانها بالظهر ايضا ولزوم حملها على التقية.

نعم يمكن الاستدلال لوجوب الاتيان بالعصر بصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب و العشاء الآخرة- فإن استيقظ قبل الفجر- قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما- و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة- و إن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح- ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس[124].

الرواية الثالثة: رواية القاسم بن عروة عن عبيد بن زارة سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت الظهر و العصر فقال: اذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعا الا أن هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس.


[1] – العروة الوثقى المحشى ج‌3 ص 411

[2] – وسائل الشيعة ج4ص 329

[3] – وسائل الشيعة ج4ص 329

[4] – وسائل الشيعة ج4ص 330

[5] – وسائل الشيعة ج4ص 330

[6] – وسائل الشيعة ج4ص 332

[7] – وسائل الشيعة ج4ص 335

[8] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 335

[9] – العروة الوثقى ج 3ص 411

[10] – ايضاح الفوائد ج1ص100

[11] – مسالك الأفهام ج‌1، ص: 281

[12] – مسالك الأفهام ج‌1، ص: 281

[13] – وسائل الشيعة ج4ص 125

[14] – وسائل الشيعة ج4ص 144

[15] – وسائل الشيعة ج4ص 146

[16] – وسائل الشيعة ج4ص 144

[17] – وسائل الشيعة ج4ص 141

[18] – وسائل الشيعة ج4ص 141

[19] – وسائل الشيعة ج4ص 143

[20] – وسائل الشيعة ج4ص 146

[21] – وسائل الشيعة ج4ص 147

[22] – وسائل الشيعة ج4ص 148

[23] – وسائل الشيعة ج4ص 148

[24] – وسائل الشيعة ج 4ص 147

[25] – وسائل الشيعة، ج‌4، ص: 150‌

[26] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 144

[27] – وسائل الشيعة ج4ص148

[28] – وسائل الشيعةج4ص 148

[29] – وسائل الشيعة ج4ص 133

[30] – وسائل الشيعة ج4ص 134

[31] – وسائل الشيعة ج4ص 138

[32] – المقنعة ص 94

[33] – تهذيب الاحكام ج2ص39

[34] – وسائل الشيعة ج4ص 126

[35] – وسائل الشيعة ج4ص 208

[36] – وسائل الشيعة ج4ص 122

[37] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 92

[38] – راجع تهذيب الاحكام ج2ص 42

[39] – وسائل الشيعة ج4ص 139

[40] – من لا يحضره الفقيه ج1ص 217

[41] – تهذيب الأحكام ج‌2 ص 26

[42] – كتاب الصلاة ج1ص 57

[43] – موسوعة الامام الخوئي ج 11ص

[44] – وسائل الشيعة ج4ص 126

[45] – المغني ج 1  ص226

[46] – الفقه على المذاهب الاربعة ج1ص 183

[47] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 156

[48] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 157

[49] – وسائل الشيعةج4ص 148

[50] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 144

[51] – العروة الوثقى ج2ص 11

[52] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 137

[53] – وسائل الشيعة ج4ص 29

[54] – الحدائق ج6ص 92

[55] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص96

[56] – فقه الرضا ص 71

[57] – وسائل الشيعة ص 107

[58] – وسائل الشيعة ج 4ص 168

[59] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 102

[60] – هكذا في اكثر نسخ الكافي والوسائل لكن في بعض نسخ الكافي والوافي والتهذيب “في وقتها”، فما عن السيد الخوئي من تقديم الكافي لكونه اضبط ان تم كبرويا فلا يتم تطبيقه على المقام لعدم ثبوت كون الكافي كذلك بعد كون بعض نسخه الموافق لنقل الوافي عنه بدون “اول”.

[61] – وسائل الشيعة ج4ص 108

[62] – وسائل الشيعة ج4ص 123

[63] – وسائل الشيعة ج2ص 361

[64] – وسائل الشيعة ج2ص 364

[65] – الفهرست  ص 93

[66] – رجال النجاشي ص 259

[67] – المقنعة ص 92

[68] – مختلف الشيعة ج2ص 11

[69] – تهذيب الاحكام ج2ص 26

[70] – النهاية ص 58

[71] – الكافي في الفقه ص 137

[72] – مختلف الشيعة ج 2ص12

[73] – المبسوط ج 1ص 72

[74] – الخلاف ج1ص 257

[75] – الاقتصاد ص 256

[76] – الجمل والعقود ص 59

[77] – المهذب ج1ص 71 و69

[78] – الفقهاء ج‌2، ص: 308

[79] – غنية النزوع ص 72السرائر ج1ص 295

[80] – تهذيب الاحكام ج2 ص251

[81] – وسائل الشيعة ج4ص 153

[82] – المغني ج 1  ص226

[83] – وسائل الشيعة ج‌4 ص 154‌

[84] – الفقهاء ج‌2، ص: 308

[85] – تهذيب الأحكام ج‌2 ص 26

[86] – وسائل الشيعة ج4ص

[87] – المحاسن ج1ص 83و ثواب الاعمال ص 231ومن لا يحضره الفقيه ج1ص 218

[88] – تهذيب الاحكام ج 2ص257والاستبصار ج 1ص259والوسائل ج4ص 152وعلل الشرايع ج2ص 356

[89] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 96

[90] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 152

[91] – المبسوط ج1ص 72 الخلاف ج1ص269والاقتصاد ص 256

[92] – مختلف الشيعة ج2ص 19

[93] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 152

[94] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 153

[95] – الحدائق الناضرة ج6ص 106و100

[96] – وسائل الشيعة ج4 ص290

[97] – الكافي ط دار الحديث ج6ص 81

[98] – مستمسك العروة ج ص

[99] – وسائل الشيعة ج‌4ص 292‌

[100] – وسائل الشيعة ج‌4ص 292‌

[101] – وسائل الشيعة ج‌4 ص 291‌

[102] – هنا كلام لا بأس بذكره وهو أنه في خوف ضيق الوقت الموجب للتيمم ذكروا أن موضوعه خوف فوت الوقت الاختياري اي ادراك تمام الركعات في الوقت، ولكن افتوا في المقام بأن موضوع وجوب المبادرة الى الاتيان بالعصر خوف فوت الوقت الاضطراري، فلو وثق بانه لو صلى الظهر ادرك ركعة من العصر في الوقت وجب عليه الاتيان بالظهر، و حيئنذ فقد يقال بأنه لو كان ظاهر قوله “فاذا خاف الوقت فليتيمم” هو خوف الوقت الاختياري فليكن قوله في المقام “ان خاف أن تفوته العصر بدأ بالعصر” مثله، وان كان ظاهرا في الوقت الشامل للوقت الاضطراري الثابت بقاعدة من ادرك ركعة من الصلاة فقد ادرك الصلاة، فلماذا اوجبوا التيمم على من يثق بأنه لو توضأ يدرك ركعة من الصلاة في الوقت، والحل أنه بعد أن كان ظاهر قوله “اذا قمتم الى الصلاة … فلم تجدو ماء فتيمموا” هو أن من لا يتمكن من الاتيان بالصلاة في الوقت مع الوضوء فيكون مأمورا بالصلاة مع التيمم، ومعه فيخرج عن موضوع قاعدة من ادرك، فانه يدرك تمام الركعات من الصلاة المأمور بها في حقه في الوقت، وأما في المقام فالمفروض أنه لا يسع الوقت الا لخمس ركعات، فيشمله قاعدة من ادرك جزما، وتفصيل الكلام فيه في محله،

[103] – مستمسك العروة ج‌5 ص 37‌

[104] – وسائل الشيعة ج4ص 206

[105] – مدارك الاحكام ج3ص 36

[106] – وسائل الشيعة ج4ص 206

[107] – مختلف الشيعة ج2ص6

[108] – وسائل الشيعة ج4ص 127

[109] – كتاب الصلاة ج‌1 ص 82

[110] – كتاب الغيبة ص 389 ونقله مختصرا في الوسائل ج27ص 102

[111] – مستمسك العروة ج5ص 34

[112] – وسائل الشيعة ج‌4 ص 129

[113] – رجال النجاشي ص 328

[114] – رجال النجاشي ص424

[115] – رجال الطوسي ص364

[116] – تهذيب الاحكام ج7ص361الاستبصار ج3ص224

[117] – الارشاد ص304

[118] – رجال الكشي؛ ص: 502

[119] – خلاصة الرجال ص251

[120] – وسائل الشيعة ج30ص474

[121] – كتاب الغيبة ص

[122] – معجم رجال الحديث ج‌17 ص 168‌

[123] – موسوعة الإمام الخوئي ج‌11 ص 111

[124] – تهذيب الاحكام ج2ص 270 وفي الاستبصار ج1ص 288 ابن مسكان لكنه خطأ كما هو واضح.