اقول: أما النقض بمثل استصحاب الوضوء بمعارضته مع استصحاب آخر حدث، فيمكن أن يجاب عنه بأن العنوان الانتزاعي فيه مجرد انتزاع عقلي، لا يكون محققا ليقين وشك آخرين، غير اليقين بالوضوء السابق والشك في انتقاضه بالحدث، وهكذا مثال استصحاب القسم الثالث من الكلي، و أين هذا من مثال اليقين بالجنابة حين خروج المني الذي رآه في ثوبه، والشك في بقاءها لاحتمال كونها غير الجنابة المعلومة التي اغتسل منها قطعا، فان هذا اليقين والشك عرفيان، وأما ما ذكره من أنه لابد من تمامية اركان الاستصحاب في العنوان الموضوع للاثر الشرعي، وعنوان الجنابة الحادثة حين خروج هذا المني ليس موضوعا للاثر الشرعي، وانما الجنابة موضوع له، والعنوان الموضوع للأثر الشرعي وهو عنوان الجنابة لم يتم فيه اركان الاستصحاب، ففيه ما مر في بحث استصحاب الفرد المردد من كفاية كون العنوان الاجمالي موجبا لتمامية اركان الاستصحاب من اليقين بالحدوث، والشك في البقاء في الواقع المرئي من خلال هذا العنوان الاجمالي، وان لم يكن هذا العنوان موضوعا للاثر الشرعي، ولا يضر عدم تمامية اركان الاستصحاب في الواقع المرئي من خلال عنوانه التفصيلي، وأما اشكال الجامع بين ما يقبل التنجيز ما لا يقبله فلا يأتي في مثله مما يكون الاستصحاب منقحا لموضوع حكم معين، وعليه فلا مانع من جريان استصحاب القسم الرابع من الكلي.
مر اشكال البحوث على استصحاب الجنابة المتيقنة حين خروج المني الذي وجده في ثوبه وأنه من قبيل استصحاب الفرد المردد لعدم ترتب الاثر الشرعي على عنوان الجنابة الحادثة حين خروج هذا المني وانما الاثر مترتب على عنوان الجنابة، والفرد السابق منها معلوم الارتفاع والفرد الجديد مشكوك الحدوث والاصل عدمه، ولكن قد يخطر بالبال اشكال عليه، وهو أنه صرح بأن تردد زمان الحادث لا يجعل استصحابه من قبيل استصحاب الكلي، بل هو من استصحاب الفرد، ولذا لم يناقش في بحث توارد الحالتين في استصحاب الحالة المماثلة للحالة السابقة على الحالتين المتواردتين ومعارضته مع استصحاب الحالة المضادة لها مطلقا سواء كانت احداهما معلومة التاريخ والأخرى مجهولة التاريخ، او كانتا مجهولتي التاريخ، كما لو علم بأنه كان محدثا في الساعة الأولى وعلم بأنه كان إما محدثا في الساعة الثانية ومتطهرا في الساعة الثالثة، وإما كان بالعكس اي متطهرا في الساعة الثانية ومحدثا في الساعة الثالثة، مع أن عنوان الحدث في احدى الساعتين مثل عنوان الجنابة حين خروج هذا المني.
وهذا هو الوجه في قبول بعض السادة الاعلام “دام ظله” في تعليقته على العروة لجريان استصحاب الجنابة الحادثة حين خروج هذا المني في نفسه ومعارضته مع استصحاب بقاء الطهارة[1]، مع أنه لا يرى جريان استصحاب القسم الرابع من الكلي، فهو يرى أن تردد زمان الوجود لا يجعل الاستصحاب من استصحاب الكلي المردد بين فردين، نعم حكي عنه أنه ذكر أنه حيث يترتب الاثر على كلي الجنابة دون عنوان الفرد فلابد من استصحاب كلي الجنابة، لكنه يكون من القسم الاول من الكلي الذي كان وجود الكلي في ضمن فرد معين معلوم الحدوث ومشكوك البقاء، مع أنك ترى أن ترتب الاثر على الكلي بنحو المطلق الشمولي يعني ترتب الاثر على الافراد، ولا وجه لتسمية استصحابه بالكلي.
وهذا الاشكال على البحوث لا يخلو عن وجه، عدا ما قد يقال من أن مثال رؤية المني في الثوب يختلف عن هذا المثال، فان الجنابة الحادثة حين خروج هذا المني لعلها منطبقة على نفس الجنابة الحادثة سابقا والتي اغتسل منها، بينما أن الجنابة الثانية المردد زمانها بين الساعة التاسعة او العاشرة غير الجنابة المعلومة بالتفصيل في الساعة الثامنة، وان كان يحتمل كونها بقاءً لها.
وأما في مثال العلم بجنابتين والعلم بغسل الجنابة إما بعد الجنابة الثانية او قبلها، فذكر ان استصحاب الجنابة الثانية يكون من قبيل القسم الثاني من الكلي لأن سبب الجنابة الثانية على تقدير كونها قبل الغسل هو نفس سبب الجنابة الاولى لعدم تأثير السبب الثاني للجنابة حينئذ، وعلى تقدير كونها بعد الغسل فسببها هو السبب الثاني، واختلاف السبب يوجب اختلاف الفرد، وأما كون اختلاف السبب موجبا لتعدد المسبب فغير متجه، كما مر منا سابقا فلو علم بوجود حرارة الدار لأجل الشمس واحتمل بقاء الحرارة لأجل النار فلا يكون من استصحاب القسم الثالث من الكلي،
وقد يقال بأن جعل مثال استصحاب الجنابة المتيقنة حين خروج المني الذي وجده في ثوبه من قبيل استصحاب القسم الرابع من الكلي، غير تام، بل هو من قبيل استصحاب الفرد، ولذا لا يرى وجه لمنع البحوث من جريانه ومعارضته مع استصحاب بقاء الطهارة، لأنه كما ذكر بنفسه التردد في زمان حدوث الفرد المتيقن بين الزمان الذي يقطع بارتفاعه فعلا على تقدير حدوثه في ذلك الزمان وبين الزمان الذي يقطع ببقاءه فعلا على تقدير حدوثه فيه لا يخرجه عن استصحاب الفرد الى استصحاب الكلي الجامع بين فردين، فهو نظير التردد في مكان الحادث بين ما لو كان فيه فقد انعدم يقينا وبين ما لو كان فيه كان باقيا يقينا، فهو نظير مثال آخر وهو ما لو اجنب مرتين وعلم بأنه اغتسل من الجنابة إما قبل الجنابة الثانية او بعدها، غايته أن المقام من قبيل توارد الحالتين مع العلم بتاريخ احدهما والجهل بتاريخ الآخر، وقد التزم في البحوث بتعارض الاستصحاب فيهما.
ولكن الانصاف أن مثال رؤية المني في الثوب يختلف عن هذا المثال، فان الجنابة الحادثة حين خروج هذا المني لعلها منطبقة على نفس الجنابة الحادثة سابقا والتي اغتسل منها، بينما أن الجنابة الثانية المردد زمانها بين الساعة التاسعة او العاشرة غير الجنابة المعلومة بالتفصيل في الساعة الثامنة، وان كان يحتمل كونها بقاءً لها، نعم حكي عن بعض السادة الاعلام “دام ظله” أن استصحاب الجنابة الحادثة حين خروج هذا المني من الكلي القسم الاول الذي كان وجود الكلي في ضمن فرد معين معلوم الحدوث ومشكوك البقاء، وانما قال بكونه استصحاب الكلي لان الاثر مترتب على كلي الجنابة، وانما قال بكونه من القسم الاول الذي يكون وجود الكلي في فرد معين معلوما لأنه يرى أن التردد في زمان الحدوث لا يجعل الحادث مرددا بين فردين، وأما في مثال العلم بجنابتين والعلم بغسل الجنابة إما بعد الجنابة الثانية او قبلها، فذكر ان استصحاب الجنابة الثانية يكون من قبيل القسم الثاني من الكلي لأن سبب الجنابة الثانية على تقدير كونها قبل الغسل هو نفس سبب الجنابة الاولى لعدم تأثير السبب الثاني للجنابة حينئذ، وعلى تقدير كونها بعد الغسل فسببها هو السبب الثاني، واختلاف السبب يوجب اختلاف الفرد، وفيه أن ترتب الاثر على الكلي بنحو المطلق الشمولي يعني ترتب الاثر على الافراد، وتسمية استصحابه بالكلي غير متجهة، وأما كون اختلاف السبب موجبا لتعدد المسبب فغير متجه، كما مر منا سابقا فلو علم بوجود حرارة الدار لأجل الشمس واحتمل بقاء الحرارة لأجل النار فلا يكون من استصحاب القسم الثالث من الكلي.
ثم انه في ختام البحث ينبغي نقل ما ذكره المحقق الهمداني “قده” من الفرق بين مثال ما لو اجنب واغتسل ثم رأى منيا في ثوبه لايدري أنه من جنابة جديدة او نفس الجنابة السابقة، وبين ما مثال ما لو اجنب مرتين وعلم بأنه اغتسل من الجنابة إما قبل الجنابة الثانية او بعدها فذكر في الاول أن سقوط الجنابة الاولى معلوم، و ثبوت جنابة أخرى غيرها غير معلوم، وأما في المثال الثاني فثبوت التكليف بالاغتسال عند عروض الجنابة الثانية معلوم، و سقوطه غير معلوم، لاحتمال وقوع الغسل قبله، ودعوى أنه في المثال الاول ايضا يكون وجوب الاغتسال عند خروج هذا المنيّ المشاهد معلوما، و سقوط هذا الواجب بالغسل الصادر منه غير معلوم، فهذا الفرض أيضا كالفرض الثاني في كونه شكّا في سقوط ما وجب، مندفعة بأن مغايرة زمان هذا المنيّ للزمان الأوّل غير معلومة، و سقوط التكليف الثابت فيه معلوم، و لا يعلم بثبوت تكليف آخر في زمان آخر، فاستصحاب عدم حدوث جنابة أخرى حاكم على استصحاب التكليف و قاعدة الاشتغال، لأنّ الشكّ في بقاء التكليف مسبّب عن احتماله، و أمّا على تقدير العلم بتعدّد السبب فجنابته عند السبب الثاني معلومة، و ارتفاعها غير معلوم، فليستصحب، و ليس في هذا الفرض أصل حاكم على استصحاب الحدث[2]، وقد نسب اليه السيد الخوئي أنه فصَّل في جريان استصحاب القسم الرابع بين ما إذا علم بوجود فردين و شك في تعاقبهما و عدمه، و بين ما إذا لم يعلم به، بل علم بوجود عنوانين يحتمل انطباقهما على فردين و على فرد واحد، فالتزم في الأول بجريان الاستصحاب دون الثاني[3].
اقول: لم يظهر من المحقق الهمداني تفصيل في جريان استصحاب القسم الرابع، بل الظاهر انكاره له، وأما الاستصحاب في المثال الاول فهو لا يبتني على القول بجريانه في القسم الرابع من الكلي، فانه من قبيل توارد الحالتين مع العلم بتاريخ احداهما، فيجري استصحاب الطهارة الموجودة حين الوضوء الثاني بلا اشكالٍ، وهو من قبيل استصحاب الفرد، نعم الصحيح معارضته مع استصحاب الحدث المجهول تاريخه، والاستصحاب فيه ايضا من قبيل استصحاب الفرد.
نعم يرد على ما ذكره في المثال الثاني من أن أحد الفردين مرتفع يقيناً و الفرد الآخر مشكوك الحدوث فهو غير مانع عن جريان الاستصحاب في الكلي، اي الجنابة المعنونة بكونها حاصلة حين خروج هذا المني، وان كان هذا الاستصحاب معارضا باستصحاب الطهارة.
تنبيه
ذكر السيد الخوئي “قده” في مثل ما لو شك المكلف في يوم عيد الفطر، من أنه وان كان يمكن لحاظ العلم الاجمالي بوجود يوم العيد إما في يوم السبت المحكوم ظاهرا بكونه اليوم الثلاثين من شهر رمضان مثلا او في اول يوم الأحد فيستصحب بقاء يوم العيد الى غروب يوم الأحد، و بذلك يترتب أحكام يوم العيد عليه، لكنه يتعارض مع استصحاب عدم يوم العيد في احد هذين اليومين، وهو من استصحاب القسم الرابع من الكلي، لأن انطباقه على ذلك العدم المتيقن مشكوك[4]، وهذا عدول منه عما كان يجيب عن اشكال المعارضة سابقا من أن استصحاب عدم يوم العيد من قبيل القسم الثالث من الكلي، حيث ان هناك فردا متيقنا من عدم العيد و هو ما قبل دخول شهر شوال، و قد علم بارتفاعه، و يشك في حدوث فرد جديد.
و لكن الصحيح كما مر آنفا أن مجرد تردد زمان وجود الفرد بين زمانين لا يجعل استصحابه من قبيل استصحاب الكلي اصلا، فان الكلي يعني تردد الحادث بين فردين، فيكون احدهما مثلا مقطوع الارتفاع على تقدير كونه هو الحادث، و الثاني محتمل البقاء او معلوم البقاء على تقدير كونه هو الحادث، بينما أنه في المقام يكون زمان الفرد مرددا بين زمانين.
استدراك
ذكر المحقق الآشتياني “ره” أن هناك فروعا لم يلتزم احد بجريان الاستصحاب فيها مع أنه قد يقال بكونه مقتضى القول بجريان استصحاب القسم الثالث من الكلي مطلقا او فيما اذا احتمل وجود الفرد المشكوك مقارنا مع الفرد المتيقن الارتفاع، كما هو مبنى الشيخ الاعظم “قده”.
منها: ما لو علم المكلّف بوجود الحدث الاصغر و يشكّ في وجود الحدث الأكبر أيضا (كما لو شك في احتلامه في النوم)، فاذا توضأ فلابد أن يجري استصحاب كلي الحدث، فيحكم بعدم جواز الدخول في الصلاة، و عدم جواز مس كتابة القرآن مع أنّه لم يلتزم به أحد.
و منها: ما لو احتمل أنه خرج مع البول مثلا المذي مما يحتاج ازالته إلى الدّلك، فغسل المخرج بما يوجب تطهيره عن البول لو لم يكن معه ذلك المشكوك.
و منها: ما لو احتمل اصابة البول للثوب المتنجس بالدم فغسله مرة واحدة فحيث يحتمل بقاء فرد آخر من النجاسة وهو النجاسة البولية التي تحتاج في التطهير الى غسل الثوب مرتين، فلابد أن يجري استصحاب كلي النجاسة.
و منها: ما لو علم المكلّف بكونه مديونا بمقدار معين لزيد، و شكّ في اشتغال ذمّته بمقدار آخر له ولو من سابق الأزمنة، ثمّ أدّى ذلك المقدار المعبن فلابد من جريان استصحاب كلي الدين، و ترتيب جميع أحكامه المترتبة عليه من حيث هو، و كذا لو علم اشتغال ذمّته بمقدار معيَّن من الفوائت، و شكّ في اشتغال ذمّته بالزائد قبل إتيانه بما يعلم به، مع أن أحدا لم يلتزم بجريان الاستصحاب في أمثال هذه الموارد[5].
اقول: لا يرد أي من هذه النقوض على القول بجريان استصحاب القسم الثالث، أما النقض الاول فلأنه يوجد اصل موضوعي حاكم على استصحاب كلي الحدث، و هو استصحاب عدم كونه جنبا، فيكون الوضوء رافعا لحدثه، والا فبناء على تضاد الحدثين جزما او احتمالا فيكون استصحاب الحدث من القسم الثاني من الكلي، فيكون نقضا على القائلين بجريانه ايضا، نعم لو كان الشك في الجنابة بنحو الشبهة الحكمية فلم يجر الاصل النافي للجنابة كان لاستصحاب كلي الحدث مجال.
وأما النقض الثاني فلا يرتبط ببحث استصحاب القسم الثالث، بل لابد من احراز وصول الماء الى البشرة التي تنجست بالبول واستصحاب عدم الحاجب لا يثبت ذلك الا بنحو الاصل المثبت، ولو احرز وصول الماء الى البشرة فاحتمال التلوث بالمذي المتنجس منفي بالاصل الموضوعي الحاكم على استصحاب بقاء النجاسة.
وبما ذكرناه من حكومة الاصل الموضوعي يتضح الجواب عن النقض الثالث، والا جرى استصحاب النجاسة بنحو القسم الثاني من الكلي لأن المتنجس لا يتنجس بنجاسة أخرى، وأما النقض الرابع فجوابه أن الدين موضوع للحكم على نحو المطلق الشمولي دون صرف الوجود، وبعد اداء الدين المعلوم يعلم بانتفاء حكمه وباستصحاب عدم دين آخر او عدم سببه بنحو الاصل الموضوعي ينفى الحكم المترتب عليه.
و بما ذكرناه اتضح الجواب عما قد ينقض باستصحاب بقاء الزوجية بعد انتهاء مدة الزواج الموقت مع احتمال بقاء كلي الزوجية في ضمن زوجية دائمة او منقطعة أخرى، فانه محكوم باستصحاب عدم عقد زواج آخر، وكذا النقض باحتمال بقاء ملكية منافع الدار بعد انتهاء مدة الاجارة لاحتمال ارث المستأجر للعين المستأجرة، مضافا الى أن المنافع انحلالية وملكية منافع سنة بالاجارة لا علاقة لها بملكية منافع السنة الثانية، فاستصحاب ملكية المنافع لا تثبت ملكية منافع السنة الثانية.
التنبيه الخامس: في جريان الاستصحاب في الامور التدريجية
وقع الكلام في جريان الاستصحاب في الامور التدريجية كالزمان والحركة والتكلم والمشي ونحو ذلك ومنشأ البحث عنه دفع اشكال قد يورد على الاستصحاب في غير الامور القارة، فيقال بأن الامور التدريجية كالتكلم مما لا يكون الشك فيها في بقاء ما كان، و انما الشك في حدوث الجزء اللاحق بعد العلم بارتفاع الجزء السابق، و يقع الكلام هنا في مقامين: المقام الأول: في الزمان و المقام الثاني: في غيره من التدريجيات كالحركة.
أما المقام الأول: وهو الاستصحاب في نفس الزمان، كاستصحاب بقاء النهار والليل والشهر ونحوه، فيقع الكلام فيه تارة في جريان هذا الاستصحاب وعدمه، وأخرى في أنه لو كان الواجب متقيدا بوقت خاص كوقوع رمي جمرة العقبة في نهار يوم العيد، فهل يمكن اثبات وقوعه في ذلك الوقت باستصحاب بقاء الوقت ام أنه اصل مثبت؟.
أما جريان الاستصحاب في الزمان فتارة يراد استصحاب الوقت بنحو مفاد كان التامة فنقول “كان النهار موجودا” ولو لأجل اثبات التكليف المترتب على وجود النهار، وأخرى يراد استصحابه بنحو مفاد كان الناقصة، فنقول “الزمان كان نهارا”، وقد اورد بعض الاعلام “قده” على استصحاب الزمان بأن وحدة المتيقن والمشكوك تتقوم بالغاء حيث الحدوث والبقاء عن المستصحب ونجعل الزمان السابق واللاحق ظرفا للشيء، وهذا لا يمكن في المقام، لأن الزمان لا يكون ظرفا للزمان، فلا يصح أن نقول كنّا على يقين بوجود النهار في الزمان السابق، ونشك في بقاءه في الزمان اللاحق، فلابد من ملاحظة نفس وجود الزمان، الا أن المتيقن يكون حينئذ الوجود السابق للنهار ويكون المشكوك الوجود اللاحق للنهار فتختل وحدة المتيقن والمشكوك.
و الحاصل أن متعلق الشك بعد اليقين ان كان هو بقاء النهار بمعنى وجوده في الآن اللاحق، فهذا ما عرفت انه غير متصور بالنسبة إلى الزمان، و ان كان هو الوجود اللاحق للنهار، بحيث يؤخذ وصف اللحوق قيدا لمتعلق الشك، فليس الوجود اللاحق مسبوقا بالحالة السابقة بل هو مشكوك الحدوث، و اما ذات وجود النهار فهذا مما لا شك فيه، و ببيان آخر نقول: ان متعلق الشك ليس بقاء النهار و الآن الواقع بين الحدين، بل متعلق الشك هو كون هذا الآن نهارا أو ليس بنهار، و ذلك لأنه بعد فرض وحدة النهار بجميع آناته و ملاحظته موجودا واحدا فيستحيل تعلق اليقين و الشك فيه، الا بتغاير الزمانين، و المفروض انه غير متصور في الزمان، فالشك الموجود فعلا ليس إلا في كون هذا الآن نهارا أو لا، و ان أطلق الشك في بقاء النهار لكنه مسامحي بعد ملاحظة ان النهار اسم لمجموع الآنات الخاصة و ليس له وجود غيرها، و المشكوك هو نهارية الآن الّذي نحن فيه و عدمه، و هذا مما لا حالة سابقة له[6].
وما ذكره لا يخلو من غرابة، فانه يكفي في جريان استصحاب النهار مثلا أن نقول ولو بالنظر العرفي “كان النهار موجودا ونشك في بقاءه فعلا” او فقل “كنا على يقين من وجود النهار فشككنا فعلا في وجوده” فانه في عامة موارد الاستصحاب لا يلحظ الحدوث والبقاء في متعلق اليقين والشك بل يضاف اليقين والشك الى ذات الشيء، ولا يوجب ذلك تهافتا، بل يقال كان على يقين منه فشك، نعم يلزم في صدق نقض اليقين بالشك في مورد الشك اللاحق في وجود النهار، كون النهار امرا واحدا مستمرا حتى يتعبد باستمرار وجوده، ولا اشكال في ذلك عرفا، ولذا يقال “يطول النهار في الصيف”، على أن هذا الاشكال لا يأتي في ما لو كان عدم وقتٍ كعدم غروب الشمس موضوعا للحكم.
هذا وقد ذكر صاحب الكفاية أنه لا يعتبر في الاستصحاب غير صدق النقض و الابقاء، وهذا صادق في الزمان، هذا مع أن الانصرام و التدرج في الوجود في الحركة في الأين و غيره إنما هو في الحركة القطعية، و هي كون الشيء في كل آن في حد أو مكان، لا التوسطية و هي كونه بين المبدإ و المنتهى فإنه بهذا المعنى يكون قارا مستمرا، فانقدح بذلك أنه لا مجال للإشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار و ترتيب ما لهما من الآثار و كذا كلما إذا كان الشك في الأمر التدريجي من جهة الشك في انتهاء حركته و وصوله إلى المنتهى أو أنه بعد في البين[7].
توضيح ما افاده أننا تارة نلحظ حيث الحركة فنرى أن السيارة في حال الحركة من مكانٍ الى مكان، فهذا يسمى بالحركة القطعية، وأخرى لا نلحظ حركتها وانما نلحظ كونها ما بين المكانين، حتى لو كانت واقفة، فهذه حركة توسطية، حيث لاحظنا كون الشيء بين المبدأ والمنتهى، فاذا شككنا في بقاء كونها بين المكانين فيمكن أن نستصحب ذلك، ففي الزمان ايضا كالنهار تارة نلحظ حركة الارض من طلوع الشمس الى غروبها، وأخرى نلحظ كون الارض بين طلوع الشمس وقبل غروبها، فبهذه النظرة الثانية يكون النهار كالامور القارة، فنستصحب بقاءه، وما ذكره متين.
وقد فهم البحوث من كلامه أنَّ لحاظ الحركة القطعية في النهار بمعنى لحاظ وصوله الى الليل، وانطباق ذلك على كل ان من آنات النهار يكون من باب انطباق الكل على اجزاءه، فلا يتحقق الكل الا بالوصول الى الليل، ولحاظ الحركة التوسطية فيه بمعنى لحاظ آنات النهار كأفراد كلي النهار، فيصدق على كل آن من الهار أنه نهار، فاورد عليه بأن العرف ان كان يرى النهار موجودا واحدا مستمرا فلحاظ حركته القطعية ايضا لا يمنع من الاستصحاب، اذ بمجرد تحقق اول جزء من النهار يحدث النهار ويبقى ببقاء آخر جزء منه وان لم يصدق على كل جزء أنه نهار، كالصلاة التي توجد بتكبيرة الاحرام وان لم يصدق عليها أنها صلاة، وان كان العرف لا يرى النهار موجودا واحدا مستمرا فلايفيد لحاظ حركته التوسطية، حيث يكون استصحاب النهار من القسم الثالث من الكلي للعلم بارتفاع الفرد السابق ويشك في الفرد الجديد[8].
وفيه أن الظاهر كون مقصود صاحب الكفاية من الحركة التوسطية لحاظ الارض بين المبدأ والمنتهى اي بين طلوع الشمس الى غروبها مثلا، وهذا يجعل من قبيل الامور القارة، نظير ان نستصحب بقاء زيد في الدار من دون أن نلحظ حركته داخل الدار، وهذا الجواب منه جواب ثانٍ عن الاشكال غير جوابه الاول الذي قال فيه بأن لحاظ الحركة القطعية ايضا لا يمنع عرفا من صدق البقاء كقولنا لا يزال تتحرك السيارة فاذا شككنا في استمرار حركتها فنستصحب ذلك.
والنهار مع لحاظ حركته القطعية حركة من طلوع الشمس الى غروبها، وصدق بقاء الحركة عرفا مما لا اشكال فيه، فانها موجود بسيط واحد مستمر عرفا، بل الامر كذلك عقلا عند مشهور الفلاسفة، اذ لو لم تكن الحركة وجودا واحدا مستمرا عقلا، فلابد أن تكون مركبة من اجزاء متكثرة، وحيئذ ننقل الكلام الى ذاك الجزء ونسأل أنه هل هو حركة ام لا؟، فان لم يكن حركة كان معناه تركب الحركة من عدة سكوناتٍ، وهذا غير معقول، اذ كيف تنشأ الحركة من عدة سكونات، وان كان حركة فنسأل أنها بسيطة ام مركبة، فان قيل بالاول كان خلف دعوى كون الحركة مركبة، وان قيل بالثاني لزم التسلسل.
وعليه فلا اشكال في استصحاب بقاء الزمان بنحو مفاد كان التامة، وأما جريانه بنحو مفاد كان الناقصة بأن نقول “كان هذا الزمان نهارا والآن كما كان” فكثير من الاعلام منعوا من جريانه، بدعوى أن المشار اليه ان كان هو الآن الفعلي فلم يعلم كونه نهارا سابقا، وان كان المشار اليه الآن السابق فكونه نهارا وان كان معلوما لكن لا علاقة له بكون الآن الفعلي نهارا، لاختلاف الموضوع، ولعل اول من ذهب الى جريان هذا الاستصحاب هو المحقق العراقي “قده” ووافقه في البحوث، وحاصل كلامهما أنه يمكن الاشارة بقولنا “هذا الزمان الى زمان موسع ابتدأ من طلوع الفجر ويستمر الى الحال، فيقال هذا الزمان كان نهارا، فالمشار اليه ليس هو خصوص الآن السابق او الآن الفعلي، وفيه أن لحاظ الزمان الموسع ان كان يعني لحاظ النهار فيرجع الى قولنا “النهار كان نهارا” ولا فائدة فيه ابدا، و أما لحاظ الزمان الموسع من دون لحاظ النهار ثم حمل النهار عليه ليس عرفيا، فان النهار لا يعرض على الزمان عرفا، وانما هو جزء منه، كما لا يصح أن يقال هذا الاسبوع كان يوم السبت، فالصحيح عدم جريان استصحاب الزمان بنحو مفاد كان الناقصة.
ولكن لا مانع من جريان استصحاب الزمان بنحو مفاد كان التامة، يبقى اشكال أن استصحاب الزمان لا يثبت تحقق الفعل المشروط بالزمان، فاستصحاب بقاء نهار يوم العيد لا يثبت كون الرمي في النهار، الا بنحو الاصل المثبت، نعم لو كان لنفس وقوع الفعل في ذلك الزمان حالة سابقة فيستصحب كما لو كان ابتداء رميه في النهار وكذا في الصلاة كانت ابتداء صلاته في النهار فيستصحب.
وقد اجيب عنه بعدة اجوبة:
الجواب الاول: ما حكي عن الشيخ الاعظم والمحقق النائيني “قدهما” من أنهما عدلا عن جريان الاستصحاب في الزمان لاثبات كون الفعل الواقع في الزمان المشكوك فعلا في ذلك الزمان، إلى جريانه في الحكم، بأن يستصحب بقاء وجوب الرمي في النهار، وفيه أنه لا يثبت الامتثال الا بنحو الاصل المثبت.
الجواب الثاني: ما ذكره المحقق العراقي “قده” من التمسك بالاستصحاب التعليقي فيقال لو وقع الرمي سابقا كان رميا في النهار والآن كما كان، وهذا غريب، الاستصحاب التعليقي الذي وقع النزاع في جريانه هو الاستصحاب التعليقي في الاحكام دون الموضوعات، فهل ترى أنه يمكن استصحاب أنه لو رمي السهم الى هذه الجهة لقتل زيدا، والآن كما كان، فيثبت به قتل زيد برمي السهم الى هذه الجهة.
الجواب الثالث: ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن الموضوع المركب على قسمين: فتارة يكون الموضوع مركباً من المعروض و عرضه، كالماء الكر، فانه موضوع للاعتصام و عدم الانفعال، فلابد في ترتب الحكم على هذا الموضوع من إثبات العارض و المعروض بنحو مفاد كان الناقصة، إما بالوجدان أو بالتعبد، فإذا شككنا في بقاء كرية الماء لايجدي جريان الاستصحاب في مفاد كان التامة، بأن يقال: الكرية كانت موجودة، و الآن كما كانت، فان موضوع عدم الانفعال ليس هو الماء و وجود الكرية و لو في غير الماء، بل الموضوع له كرية الماء و هي لا تثبت باستصحاب الكرية في مفاد كان التامة، إلا على القول بالأصل المثبت، فلابد حينئذ من إجراء الاستصحاب في مفاد كان الناقصة بأن يقال: هذا الماء كان كراً فالآن كما كان، و أخرى يكون الموضوع مركباً بنحو الاجتماع في الوجود من دون أن يكون أحدهما وصفاً للآخر، كما إذا أُخذ الموضوع مركباً من جوهرين مثل زيد و عمرو، أو من عرضين، كما في صلاة الجماعة، فان الموضوع لصحة الجماعة اجتماع ركوعين في زمان واحد أحدهما قائم بالإمام و الآخر قائم بالمأموم[9]، أو الاجتهاد و العدالة المأخوذين في موضوع جواز التقليد، أو مركباً من جوهر و عرض قائم بموضوع آخر، ففي جميع هذه الصور يكون الموضوع هو مجرد اجتماع الأمرين في الوجود و لا يعقل اتصاف أحدهما بالآخر، فلابد في ترتب الحكم على مثل هذا الموضوع المركب من إحراز كلا الأمرين، إما بالوجدان أو بالتعبد، فإذا شك في أحدهما يكفي جريان الاستصحاب فيه بنحو مفاد كان التامة بلا احتياج إلى جريانه في مفاد كان الناقصة، بل لا يصح جريانه فيه، لما ذكرناه من عدم معقولية اتصاف أحدهما بالآخر، و من هذا القبيل الصلاة و الطهارة، فان كلًا منهما فعل للمكلف و عرض من أعراضه، و لا معنى لاتصاف أحدهما بالآخر، و الموضوع هو مجرد اجتماعهما في الوجود الخارجي، فإذا شك في بقاء الطهارة يكفي جريان الاستصحاب فيها بنحو مفاد كان التامة فيحرز الموضوع المركب من الصلاة و الطهارة أحدهما بالوجدان و هو الصلاة، و الآخر بالتعبد الشرعي و هو الطهارة.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إن اعتبار الزمان قيداً لشيء من هذا القبيل، فان النهار موجود من الموجودات الخارجية، و فعل المكلف كالصوم عرض قائم به، فلا معنى لاتصاف أحدهما بالآخر، فإذا شك في بقاء النهار يكفي جريان الاستصحاب فيه بنحو مفاد كان التامة، و لا يكون من الأصل المثبت في شيء، نعم لو أردنا إثبات اتصاف الفعل بكونه نهارياً باستصحاب النهار بنحو مفاد كان التامة، كان من الأصل المثبت، لكنه لا نحتاج إليه، بل لا معنى له على ما ذكرناه، فالمتحصل صحة جريان الاستصحاب في الزمان مطلقاً[10].
ويمكن أن يورد عليه ايرادان:
الايراد الاول: ما اورد عليه في البحوث من أن الظاهر في الجملة التركيبية المأخوذة موضوعا او متعلقا للحكم وان كان أخذها على نحو التركيب، نظير عنوان الصلاة مع الوضوء والغسل بالماء، لكن لابد من رفع اليد عنه فيما لو كان شرط الواجب خارجا عن اختيار المكلف فيلتزم بكونه مأخوذا على نحو التقييد، اذ لا يمكن التركيب في ما لو كان الفعل المقيد بالزمان متعلقا للتكليف وانما يصح ذلك فيما لو كان موضوعا للحكم، فان معنى التركيب في متعلق الامر هو انحلال الامر الضمني بكل من اجزاء المركب، والزمان ليس فعلا اختياريا للمكلف حتى يمكن تعلق الأمر الضمني به، فلابد أن يتعلق الأمر الضمني بتقيد الواجب به وحينئذ يكون اثبات التقيد بالاستصحاب الجاري في الشرط من الاصل المثبت.
فالأمر بالصلاة في الوقت يكون مقيدا لامركبا حيث ان معنى التركيب هو الأمر الضمني بذات الصلاة وذات الوقت، مع انه لايمكن الأمر الضمني بذات الوقت لعدم كون الفجر مثلا فعلا اختياريا للمكلف فلابد من تعلق الأمر الضمني بالتقيد اي باتيان الصلاة في الوقت، فيثبت بذلك ان متعلق الأمر هو المقيد لا المركب، وحينئذ فيكون استصحاب بقاء الوقت لإثبات تحقق الصلاة في الوقت من الأصل المثبت، حيث انه من إثبات التقيد باستصحاب القيد، نعم لو كان الشيء المقيد بالزمان موضوعا لحكم كان ظهوره في التركيب بلا مانع فيمكن اثباته بضم الوجدان الى الاصل([11]).
الايراد الثاني: ان ظاهر “صل في النهار” بناء على التركيب ليس هو الامر بالصلاة مع وجود النهار بنحو مفاد كان التامة، بل ظاهره الامر بالصلاة في زمان وكون ذلك الزمان نهارا، والمفروض عدم جريان استصحاب الزمان بنحو مفاد كان الناقصة، كما أن ظاهر الامر بالغسل بالماء هو الامر بالغسل بشيء وكون ذلك الشيء ماء.
والانصاف امكان الجواب عن كلا الايرادين:
أما الايراد الأول فهو وان كان متجها على ظاهر كلام السيد الخوئي “قده”، لكن نحن نلتزم بالتقيد الحرفي دون التركيب، توضيح ذلك أنه لو كان المأخوذ في الموضوع هو التقيد الإسمي، كما لو تعلق الأمر بإتيان صلاة تتصف بكونها في النهار، فحينئذ لايمكن احراز عنوان اتصاف الصلاة بكونها في النهار بمجرد استصحاب النهار، وأما في مثل الأمر بالصلاة في النهار فالظاهر كون الموضوع مقيدا على نحو التقيد الحرفي، فلو جرى استصحاب بقاء الوقت مثلا فيرى العرف عدم ترتيب آثار الصلاة في الوقت على استصحاب بقاء الوقت نقضا لليقين بالشك، ويكون استصحاب بقاء القيد حاكما على استصحاب عدم حصول المقيد.
ووجه الحكومة ما مر في محله من انه كلما كانت حالتان ثبوتيتان تكون احديهما ناسخة للأخرى فيكون الأصل الجاري في الحالة الناسخة مقدما عرفا على الأصل الجاري في الحالة المنسوخة بشرط ان لايكون الأصل الجاري في الحالة الناسخة أصلا مثبتا، وهذا هو المفروض في المقام، فان حالة بقاء القيد ناسخة لحالة عدم حصول المقيد، وحيث أن استصحاب بقاء القيد يكفي لإثبات حصول المقيد، فيكون مقدما عرفا على استصحاب عدم حصول المقيد، نعم لو فرض عدم جريان استصحاب القيد، فتصل النوبة الى جريان استصحاب عدم المقيد.
والشاهد على ما ذكرناه أن نتيجة ما ذكره في البحوث هو التفصيل بين ما لو كان المقيد بالقيد غير الاختياري متعلقا للأمر وبين ما لو كان موضوعا للحكم، فلو أمر المولى بغسل الجسد بالماء كما في غسل الجمعة، فيكون من الأمر بالمقيد واستصحاب كون ما يغسل به ماءا لايثبت تحقق الغسل بالماء، وأما لو قال “غسل المتنجس بالماء مطهر” فيجدي بحاله استصحاب كون المغسول به ماء، كما انه لابد من التفصيل في متعلق الأمر بين ما لو كان القيد اختياريا كالأمر بالصلاة مع الوضوء او التستر فيكون من الأمر بالمركب وبين ما لو كان القيد غير اختياري فيكون من الأمر بالمقيد، والانصاف إباء العرف عن قبول هذا التفصيل، على ان لازمه انقلاب الشرط الاختياري المأخوذ في متعلق الأمر جزءا، وهو خلاف المرتكز أيضا، مضافا الى كونه خلاف مبناه من صحة الصلاة مع الساتر المغصوب عمدا، بدعوى ان النهي التكليفي عن ذات الشرط لاينافي اطلاق الشرطية، فان معناه ان متعلق النهي هو ذات الشرط ومتعلق الأمر هو التقيد به، فيكون التركيب بينهما انضماميا، وهذا لاينسجم مع ما ادعاه في المقام من تعلق الأمر الضمني بذات الشرط الاختياري كالتستر، حيث يكون التركيب بين متعلق الأمر وهو التستر وبين متعلق النهي وهو التستر بالساتر المغصوب اتحاديا، وهذا الاشكال يتوجه على السيد الخوئي ايضا حيث انه ذكر في بحثه الاستدلالي أن الستر ليس جزءا للصلاة بل هو شرط توصلي لها، والشرط خارج عن تحت الامر، وإنما الداخل تحت الأمر هو تقيد الواجب به فتصح الصلاة في الساتر المغصوب ولو عمدا([12]).
فان ما ذکره هنا في ابحاثه الاستدلالية –وان افتى في المنهاج وفي تعليقته على العروة ببطلان الصلاة في الساتر المغصوب عالما عامدا او جاهلا مقصرا- مناف لما ذکره في بحث الاستصحاب في الجواب عن اشکال کون استصحاب الوضوء لاثبات تقيد الصلاة به يکون من الاصل المثبت من أن متعلق الوجوب هو ذات الصلاة والوضوء، لاتقيد الصلاة بالوضوء، وهذا البيان منه جار في جميع الشروط الاختيارية.
وأما الايراد الثاني فيمكن أن يجاب عنه بأنه لاوجه لانحلال الامر بالصلاة في النهار الى الامر بالصلاة في زمان وكون ذلك الزمان نهارا” بل الظاهر منه الامر بالصلاة مع وجود النهار.
[1] – العروة الوثقى ج
[2] – مصباح الفقيه ج3ص171
[3] – مصباح الاصول ج3ص
[4] – ذكر ذلك في بحث الاسير والمحبوس راجع موسوعة الامام الخوئي ج 22ص129
[5] – بحر الفوائد ج7 ص 200
[6] – منتقى الاصول ج6ص184
[7] – كفاية الأصول ص408
[8] – بحوث في علم الاصول ج6ص بتقريب منا
[9] – هذا خلاف فتواه الفقهية المستفادة من الروايات كقوله “اذا كبر الرجل وركع قبل أن يرفع الامام رأسه والا فلا ركعة له” من عدم صحة الصلاة مع الشك في بقاء الامام في ركوعه الى زمان ركوع المأموم حيث ان استصحاب بقاءه لايثبت عنوان القبلية.
[10] – مصباح الاصول ج3 ص124
[11] – بحوث في علم الاصول ج6 ص274
[12] – موسوعة الامام الخوئي ج12ص309و132