الثلاثاء 12/11/95
کان البحث فی منتهی زمان صلاة الظهر و العصر، فهل هو استتار القرص او زوال الحمرة المشرقیة؟ و هذا البحث یوضح بدایة صلاة المغرب و کذا منتهی الصوم.
ان المشهور ذهبوا الی ان منتهاه هو زوال الحمرة المشرقیة و فی قباله هو ما عده السید الخویی ایضا مشهورا اقلا منها، و هو کونه استتار القرص، و ما بینهما ربع ساعة او عشرین دقائق. و منشأ الاختلاف هو اختلاف الروایات فی المقام. طائفة تدل علی کونه هو استتار القرص و الاخری تدل علی کونه بزوال الحمرة المشرقیة.
و هنا نذکر ثلاث محاولات لکیفیة الجمع بین هتین الطائفتین من الروایات.
الاول: ما ذکره المحقق الهمدانی[1] الموافق لکونه بزوال الحمرة المشرقیة، و قال المحقق: ان انکار الطائفة الاولی فی کون الظاهر من الغروب هو استتار القرص مجازفة، لکن لایکون هذه الطائفة نصا و للغروب مراتب و اولها هو استتار القرص عن افق العین و هذا مرتبة عرفیة للغروب اما مرتبته القصوی هو ما اذا غاب الشمس عن الافق بحیث یزول حمرته عن الشرق و قد بین الشارع مراده من الغروب فی الطائفة الثانیة بانه هو ذهاب الحمرة المشرقیة؛ و حکمة ذلک هو انه کثیرما یقع العرف فی الخطا فی تشخیص الغروب حیث یتصور العرف استتار القرص لوجود موانع رویة الشمس مع انها لم یستتر کاملا لوجود، اما ذهاب الحمرة من جانب المشرق علامة قطعیة لزوال القرص و ذهاب الشمس.
نعم لایاتی هذا الوجه من الجمع فی بعض الروایات، حیث صرح فی بعض الروایات بغاب قرصها او کرسیها ک ُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا ع أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَقَالَ إِذَا غَابَ كُرْسِيُّهَا قُلْتُ وَ مَا كُرْسِيُّهَا قَالَ قُرْصُهَا فَقُلْتُ مَتَى يَغِيبُ قُرْصُهَا قَالَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ فَلَمْ تَرَهُ.
و هذا نص او کالنص فی غیبوبة او استتار نفس الشمس، و ان حمل غیبوبة القرص او کرسیها علی المرتبة العالیة من الغروب و هو ذهاب الحمرة المشرقیة بعید و خلاف الظاهر.
لکن یحمل هذه الروایات علی التقیة و الشاهد علی ذلک نفس هذا السوال حیث ان سوال ابتداء عن وقت المغرب ثم غیبوبة کرسی الشمس تدل علی وجود ابهام فی المسالة لاختلاف الموجود بین العامة و الامام ع فاجاب الامام ع بمثل ذلک الجواب و الا لامعنی للسوال عن غیبوبة الشمس و القرص.
و کذا ما ورد فی امالی الصدوق َ وَ أَبَانِ بْنِ أَرْقَمَ وَ غَيْرِهِمْ قَالُوا أَقْبَلْنَا مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْأَجْفَرِ إِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ يُصَلِّي وَ نَحْنُ نَنْظُرُ إِلَى شُعَاعِ الشَّمْسِ فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا فَجَعَلَ يُصَلِّي وَ نَحْنُ نَدْعُو عَلَيْهِ حَتَّى صَلَّى رَكْعَةً وَ نَحْنُ نَدْعُو عَلَيْهِ وَ نَقُولُ هَذَا مِنْ شَبَابِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَلَمَّا أَتَيْنَاهُ إِذَا هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ع فَنَزَلْنَا فَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَ قَدْ فَاتَتْنَا رَكْعَةٌ فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلَاةَ قُمْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا جُعِلْنَا فِدَاكَ هَذِهِ السَّاعَةَ تُصَلِّي فَقَالَ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ دَخَلَ الْوَقْتُ. تدل علی غرابة کون بدایة وقت المغرب هو استتار القرص عند الخاصة، و الامام ع اتقی فی هذا.
و کذا روایة َ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَضَّاحٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ ع يَتَوَارَى الْقُرْصُ وَ يُقْبِلُ اللَّيْلُ ثُمَّ يَزِيدُ اللَّيْلُ ارْتِفَاعاً وَ تَسْتَتِرُ عَنَّا الشَّمْسُ وَ تَرْتَفِعُ فَوْقَ الْجَبَلِ حُمْرَةٌ وَ يُؤَذِّنَ عِنْدَنَا الْمُؤَذِّنُونَ فَأُصَلِّي حِينَئِذٍ وَ أُفْطِرُ إِنْ كُنْتُ صَائِماً أَوْ أَنْتَظِرُ حَتَّى تَذْهَبَ الْحُمْرَةُ الَّتِي فَوْقَ الْجَبَلِ فَكَتَبَ إِلَيَّ أَرَى لَكَ أَنْ تَنْتَظِرَ حَتَّى تَذْهَبَ الْحُمْرَةُ وَ تَأْخُذَ بِالْحَائِطَةِ لِدِينِكَ. و هذه ایضا تدل علی وجود جو التقیة فی ذاک الزمان حیث لم یبین الحکم واضحا.
حتی لو لم یوجد الطائفة الثانیة و کنا نحن و الطائفة الاولی فقط فحذ ایضا لم یجر اصالة الجد بالنسبة الی الطائفة الاولی، لان جریانه متوقف علی عدم وجود من یُتَقی منه ای جو التقیة، مثال لذلک، أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بِالْحِيرَةِ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الصِّيَامِ الْيَوْمَ فَقُلْتُ ذَاكَ إِلَى الْإِمَامِ إِنْ صُمْتَ صُمْنَا وَ إِنْ أَفْطَرْتَ أَفْطَرْنَا فَقَالَ يَا غُلَامُ عَلَيَّ بِالْمَائِدَةِ فَأَكَلْتُ مَعَهُ وَ أَنَا أَعْلَمُ وَ اللَّهِ أَنَّهُ يَوْمٌ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَكَانَ إِفْطَارِي يَوْماً وَ قَضَاؤُهُ أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقِي وَ لَا يُعْبَدَ اللَّهُ. و فی هذه الروایة لایجری اصالة الجد مع انه لم یکن فی قباله روایة لوجود جو التقیة. و فی المقام ایضا حیث کان مذهب العامة هو بدایة المغرب عند استتار القرص جدا.
و ان ما جعل فی الطائفة الثانیة من زوال الحمرة حدا للغروب کصحیحة َ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: إِذَا غَابَتِ الْحُمْرَةُ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ يَعْنِي مِنَ الْمَشْرِقِ فَقَدْ غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ شَرْقِ الْأَرْضِ وَ غَرْبِهَا. و نفس هذا تدل علی مداراة الامام ع معهم فی کون الملاک المغرب او الغروب لکن المغرب عندنا هو زوال الحمرة. هذا محصل کلامه.
اقول: ما ذکره اخیرا من انه لو کنا و الطائفة الاولی فلایمکن حمله علی الارادة الجدیة و فیه ان حمل مثل اذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب علی التقیة خلاف الظاهر حیث ابتدأ الامام ع به، و بعبارة اخری اذا بدا الامام ه بالکلام بلاسوال فحمله علی التقیة خلاف الظاهر، و ان بعض الروایات من الطائفة الاولی یکون الامام ع فیها مبتدئا بالکلام.
اما ما ذکره بعنوان الجمع بینهما و سنبحث فیه قریبا بعد کلام السید الخویی فی المقام.
الثانی: ما ذکره السید الخویی[2] و هو ان الحق ان الغروب یتحقق باستتار الشمس فیمکن اتیان صلاة المغرب و الافطار و اما روایات الطائفة الثانیة، اما مرسلة ابن ابی عمیر فهی ضعیف لارساله و سهل بن زیاد و قال السید الخویی فی سندها و دلالتها: « و هي أصرح رواية يستدل بها على القول الأشهر، بيد أنها ضعيفة السند بسهل بن زياد أوّلًا و بالإرسال ثانياً، و لا يصغي إلى دعوى إلحاق مراسيل ابن أبي عمير بمسانيده، أو أن الأمر في سهلٍ سهلٌ كما تكررت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح.
على أنه يمكن القول بعدم كونها مرسلة لابن أبي عمير نفسه، بل للراوي الذي ينقلها عن ابن أبي عمير فهو ذكره، لكن الراوي عنه لم يذكره لغاية هو أدرى بها.
أضف إلى ذلك: إمكان تطرق الخدش في الدلالة أيضاً:أوّلًا: بعدم تطابق مضمونها مع ما هو المشاهد بالعيان، فان الناظر إلى جانب المشرق من الأُفق لدى الغروب يرى أن الحمرة ترتفع شيئاً فشيئاً إلى
أن تزول ثم تحدث حمرة أُخرى من ناحية المغرب، لا أن تلك الحمرة تبقى و تتعدى عن قمة الرأس إلى ناحيته كما هو صريح الرواية، فليس شأنها شأن الشمس لدى الزوال، حيث عرفت أنها ترتفع و تعلو حتى تتجاوز دائرة نصف النهار و به يتحقق الزوال، و التجربة خير دليل و أكبر برهان….»[3]
و قال نظیر هذا فی دیة البیضة حیث ورد فی الروایة ان دیة البیضة الیمنی ثلثان و الیسری ثلث استنادا الی روایة تدل علی کون الدیة فی الیمنی ازید لکون الولد منه ثم قال السید الخویی حیث ان هذا خلاف الواقع و العلم فیکون الدیة فی کلیهما نصف و نرتفع الید عن الروایة.
و فیه اولا: انا نحس وجدانا ذهاب الحمرة المتشکل من انعکاس ضوء الشمس، من جانب الشرق الی قمة الراس و تبدله الی الاسوداد ثمزواله من جانب الغرب ایضا و هذا هو سقوط الشفق.
ثانیا: لو لم نسلم هذا و ان بیان الروایة بیان مسامحی عرفی، حیث ان التعبیر عن تولد الحمرة فی جانب الغرب بعد زواله فی الغرب، بذهابه من الشرق الی الغرب، تعبیر عرفی.
اما اشکاله الآخر علی الدلالة: « و ثانياً: أنه إن أُريد من السقوط في قوله: «… و سقط القرص» سقوطه عن النظر، و دخوله تحت الأُفق الحسي، فمن الواضح جدّاً تحقق ذلك قبل ذهاب الحمرة عن قمة الرأس بأكثر من عشر دقائق، و إن أُريد به معنى آخر كدخوله تحت الأُفق الحقيقي فهو أمر مبهم غير بيّن و لا مبيّن و إحالة إلى أمر مجهول كما لا يخفى.»
و فیه ان مراد الامام ع من سقوط القرص هو سقوطه بالمرحلة العالیة و هو ما یساوق ذهاب الحمرة من جانب الشرق و لیس المراد من سقوطه هو مرحلته العرفیة ای استتاره فی الافق.
فدلالتها تام و کذا سندها لو وثقنا سهل و صححنا مراسل ابن ابی عمیر.
[1] . مصباح الفقیه 9/154
[2] . الموسوعة 11/169
[3] . الموسوعة 11/172