فالمهم في الدلالة على لزوم المبادرة الى صلاة الفجر قبل تجلل الصبح السماء صحيحة الحلبي ورواية يزيد بن خليفة، ولكن لابد من حملهما على الفضيلة ويستدل على هذا الحمل بعدة روايات:
1- ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن يعقوب الهاشمي عن مروان بن مسلم عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر و لا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس[1].
وسندها ضعيف لأجل علي بن يعقوب الهاشمي.
2- رواية موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس[2].
والظاهر عندنا تمامية سند الرواية لكون موسى بن بكر من مشايخ ابن ابي عمير وصفوان، وقد شهد الشيخ في حق صفوان وابن ابي عمير والبزنطي بأنهم عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون الا عن ثقة، وقد ناقش السيد الخوئي “قده” في سندها لعدم ثبوت وثاقته، ولكنه في رجاله حاول اثبات وثاقته بدعوى أن صفوان قد شهد بأن كتاب موسى بن بكر مما لا يختلف فيه أصحابنا، فقد روى محمد بن يعقوب، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، قال: دفع إليّ صفوان كتابا لموسى بن بكر، فقال لي هذا سماعي من موسى بن بكر و قرأته عليه، فإذا فيه: موسى بن بكر، عن علي بن سعيد، عن زرارة، قال (صفوان): هذا مما ليس فيه اختلاف عند أصحابنا … [3]، وهذا يعني اعتماد الاصحاب بخبره، هذا مضافا الى وقوعه في تفسير القمي، وأما حكم ابن طاوس بصحة رواية هو في سندها فلا تثبت به الوثاقة، اذ لعل تصحيحه مبني على أصالة العدالة، حيث لم يثبت عنده وقفه، على أن توثيق المتأخرين لا يعتد به[4].
اقول: الظاهر كون الضمير في “قال” راجع الى زرارة، فهو نظير ما في روايته الأخرى في الارث من قوله “و ليس عندنا في ذلك شك و لا اختلاف[5]، كما لا اعتبار بكونه من رجال تفسير القمي كما مر منا مرارا.
وكيف كان فيمكن المناقشة في الاستدلال بها او برواية عبيد بن زرارة بأن يقال بامكان حملهما على وقت الاجزاء، بمقتضى ما دل على لزوم المبادرة في حال عدم العذر العرفي الى صلاة الصبح قبل تجلل الصبح السماء,
3- ما ذكره السيد الخوئي “قده” بعد مناقشته في سند الروايتين السابقتين من أن التعبير الوارد في كلمات الفقهاء في منتهى الوقت الاختياري أو وقت الفضيلة وان كان هو طلوع الحمرة المشرقية، لكنه لم يرد في شيء من الروايات، وانما الوارد فيها عنوان تجلل الصبح السماء او بدو الضياء، و لعل في هذا التعبير في الروايات شهادة على إرادة الفضيلة من الوقت الأول و إلا فلو أُريد به الوقت الاختياري الذي لا يجوز التأخير عنه عمداً كان اللازم انضباط الحد و كونه معيَّناً مشخصاً يعرفه كل أحد كنصف الليل و طلوع الشمس أو غروبها و نحو ذلك، مع أن تجلل الصبح و بدوّ الضياء و نحو ذلك مما وقع في لسان الروايات أمر قابل للتشكيك و ليس بمبيّن معيّن بحيث لا يقبل الترديد.
نعم ورد التعبير بالحمرة في كلام الراوي في صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر و تظهر الحمرة، و لم يركع ركعتي الفجر أ يركعهما أو يؤخّرهما؟ قال: يؤخّرهما[6]، و هذه أيضاً فيها إشعار بأنّ الوقت الأول وقت الفضيلة، فان مقتضى إطلاق السؤال اعتقاد الراوي جواز الإتيان بركعتي الفجر أي النافلة حتى فيما إذا لم يبق إلى طلوع الحمرة إلا مقدار ركعتين بحيث لو صلاهنّ لزم إيقاع صلاة الغداة بعد الطلوع، فكأنّ المغروس في ذهنه امتداد الوقت إلى طلوع الشمس و قد أقرّه الإمام (عليه السلام) على هذا الاعتقاد، غير أنّه سأل عن أن الأفضل البدأة بالنافلة في مثل هذا الوقت أم بالفريضة، فأجاب (عليه السلام) بالثاني، و إلا فلو كان الوقت للاختيار دون الفضيلة لم يكن موقع لهذا السؤال[7].
وفيه أن تجلل الصبح السماء او تبين ضوء الصبح ظاهر في انتشار بياض الصبح في تمام الافق، وهذا مبين عرفا، ولو فرض ابهامه فلا يعني رفع اليد عن المتيقن منه وهو تأخير الصلاة الى بعد طلوع الحمرة المشرقية، وأما صحيحة ابن يقطين فلم يذكر فيها سبب التأخير الى طلوع الحمرة، ولعله كان معذورا عرفا في ذلك، لنومه ونحوه، وسؤال السائل عن فرض عدم صلاة الصبح حتى طلوع الحمرة المشرقية لا يكشف عن كون مرتكزه أنه لو بقي مقدار ركعتين الى طلوع الحمرة جاز الاتيان بنافلة الفجر واداء فريضة الفجر بعد طلوع الحمرة.
نعم كان يمكنه الاستدلال بما في صحيحة عبدالله بن سنان من ان اول الوقتين افضلهما على كون الوقت الاول وقت الفضيلة، كما ذكره في بحث وقت صلاة الظهر[8]، لكن الانصاف كما مر سابقا أن الصحيحة وان لم تدل على وجوب الاتيان بالصلاة في اول الوقتين، الا أنه لا يظهر منها الاستحباب ايضا، لاحتمال كون المراد تعين اختيار الوقت الافضل في غير حال العذر.
هذا وقد يستدل ايضا على استحبابية الامر بالمبادرة الى صلاة الفجر قبل طلوع الحمرة، بصحيحة زرارة و الفضيل “إن لكل صلاة وقتين غير المغرب فإن وقتها واحد” حيث انه بناء على وجوب المبادرة كان لصلاة الفجر وقت واحد، ولا فرق في ما ذكر بين حمل حكم وقت المغرب على تأكد الاستحباب او على الوجوب، الا أنه قد يقال بأن هذه الرواية قابلة للتخصيص بصلاة الصبح ايضا، وان كان هذا التقييد بعيدا عرفا، وأما ما في رواية إبراهيم الكرخي[9] من أن وقت الظهر ضيق ليس كغيره، فالظاهر كونه ناظرا الى عدم كون وقت فضيلتها موسعا مثل وقت العصر، والا فلا اشكال في ان وقتها اوسع من وقت صلاة الفجر ولو لوحظ وقتها من طلوع الفجر الى طلوع الشمس.
فان تم ما ذكر من ظهور صحيح زرارة والفضيل في استحباب المبادرة الى صلاة الفجر في الوقت الاول وهو ما قبل طلوع الحمرة فهو والا فينحصر المستند في الفتوى بعدم لزوم المبادرة أنها لو كانت واجبة لبان ذلك واشتهر بعد كثرة الابتلاء به، وان كان لا ينبغي ترك الاحتياط في غير حال العذر بايقاع صلاة الفجر قبل طلوع الحمرة المشرقية، فانه مقتضى الاحتياط الاستحبابي المؤكد.
هذا وسيأتي الكلام حول تفسير طلوع الفجر بشكل عام، وفي الليالي المقمرة والبلاد القريبة من القطب والتي لا يكون الليل فيها مظلما، فلا يتحقق فيها خيط ابيض في المشرق.
قال صاحب العروة “و وقت الجمعة من الزوال إلى أن يصير الظل مثل الشاخص فإن أخّرها عن ذلك مضى وقته، و وجب عليه الإتيان بالظهر”.
اقول: في تعيين وقت صلاة الجمعة عدة أقوال:
القول الاول: ما عن المشهور من امتداد وقتها إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، و في المنتهي: الوقت شرط للجمعة و هو الزّوال إلى أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله، و هو مذهب علمائنا أجمع[10].
القول الثاني: القول بتضيق وقتها، وأن وقتها من حين الزوال إلى أن يمضي مقدار أداءها مع الخطبتين و الأذان، و لا يتسع الوقت أكثر من ذلك، فاذا مضى هذا المقدار و لم يؤدها سقطت الجمعة و انتقل الفرض إلى الظهر، وهذا ما اختاره أبو الصلاح الحلبي فقال: ان فاتت الجمعة بأن يمضى من زوال الشمس مقدار الأذان و الخطبة و صلاة الجمعة لم يجز قضاؤها و لزم أداؤها ظهرا[11] و ادعى ابن زهرة في الغنية عليه الاجماع فقال: إذا فاتت الجمعة بأن يمضي من الزوال مقدار الأذان و الخطبة و صلاة الجمعة لم يجز قضاؤها، و وجب أن يؤدي ظهرا، كل ذلك بدليل الإجماع[12].
القول الثالث: القول بسعة وقتها وأن وقتها ممتد الى الغروب، اختاره ابن ادريس في السرائر فقال: إذا خيف خروج وقت صلاة الكسوف، فالواجب التشاغل بصلاتها، و ترك صلاة الجمعة في أوّل الوقت، فإن وقتها لا يفوت، إلا إذا بقي من النهار مقدار أربع ركعات[13]، وكذا الشهيد في الدروس فقال: وقت الجمعة وقت الظهر بأسره[14]، وقال في البيان: صلاة الجمعة ركعتان بدل الظهر، و وقتها كوقتها في ظاهر الأدلة، فيمتد الى أن يبقى قدر إجزائها مع العصر[15].
القول الرابع: ما حكاه الشهيد في الذكرى عن الجعفي من أنّ وقتها ساعة من النهار (أي يمتد من الزوال بمقدار ساعة) لما روي عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال “وقت الجمعة إذا زالت الشمس و بعده بساعة”[16]، ولم يتضح مرادهم من الساعة.
القول الخامس: ما اختاره المجلسي الاول والثاني و صاحب الحدائق “قدهم” من أن وقتها من الزوال إلى أن يبلغ الظل الحادث مقدار الذراع، و هو القدمان اي بلوغ الظل سبعي الشاخص[17].
هذا تمام الاقوال في المسألة، ولا يخفى أنه لا توجد ولو رواية واحدة تدل على قول المشهور من امتداد وقت صلاة الجمعة الى بلوغ الظل مثل الشاخص، نعم استدل عليه السيد الخوئي “قده” بعد ما أجاب عن الروايات التي يستدل بها على سائر الاقوال، بأن اطلاق بعض ادلة صلاة الجمعة كصحيحة الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول: إذا كان القوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فان كان لهم من يخطب لهم جمَّعوا …[18]، وفي صحيحة زرارة فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم[19]، عموم بدلية صلاة الجمعة لصلاة الظهر من الزوال إلى الغروب، لعدم التحديد بوقت معيّن في شيء من الأخبار، فيكون وقتها هو وقت الظهر فضيلة و إجزاءً، إلا أنه حيث لا يمكن الأخذ بهذا الإطلاق فلابد من تقييده والقدر المتيقن من تقييده ما اذا كان بعد بلوغ ظل كل شيء مثله، والوجه في عدم امكان الأخذ بهذا الاطلاق أمران:
احدهما: تسالم الأصحاب على خلافه تقريباً، وان سبق عن صاحب السرائر والشهيد الاول القول بامتداد وقتها الى الغروب، و قد تقدم من العلامة دعوى الإجماع على انتهاء الوقت عند صيرورة الظل مثل الشاخص، فكأنه لم يعتن بخلاف صاحب السرائر، بل لعل عدم الامتداد إلى الغروب من مرتكزات المتشرعة و المغروس في أذهانهم.
ثانيهما: عدم معهودية وقوعها قبل الغروب و لو بساعة أو ساعتين أو أكثر لا في زمن النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) و لا في زمن الأئمة (عليهم السلام) و لا من بعدهم مع كثرة الطوارئ و العوارض الموجبة للتأخير كما في غيرها من سائر الصلوات من السفر و المرض و نحوهما، فلو جاز التأخير لاتفق و لو في مورد واحد، و لنقل إلينا بطبيعة الحال و لو في رواية واحدة مع عدم الإشارة إلى ذلك في شيء من الأخبار لا قولا و لا فعلا، فيقطع من ذلك بعدم اتساع وقتها الى الغروب.
و من ذلك تعرف مستند القول المشهور، و أنّ هذا هو الأقوى و إن لم يرد التحديد بذلك صريحاً في شيء من الأخبار[20].
وفيه أنه لا يوجد في ادلة صلاة الجمعة اطلاق يقتضي مشروعية اداءها في اي وقت مما بين زوال الشمس وبين غروبها، فانها في مقام اصل وجوب صلاة الجمعة دون شرائط صحتها، ومعه فلابد من الاقتصار على المتيقن في الخروج عن اطلاق دليل وجوب صلاة الظهر المقتضي لنفي الاجتزاء بغيرها الا ما ثبتت بدليته عنها وهو صلاة الجمعة التي اقيمت اول الزوال كما هو مقتضى القول الثاني.
وبذلك يقوى في النظر القول الثاني وهو المستفاد من الروايات، كصحيحة ربعي بن عبد الله و فضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن من الأشياء أشياء موسّعة و أشياء مضيّقة، فالصلاة مما وسّع فيه، تقدّم مرّة و تؤخّر اخرى، و الجمعة مما ضيّق فيها، فانّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول، و وقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها[21]، و نحوها صحيحة زرارة[22].
وفي صحيحة ابن مسكان[23] عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: وقت صلاة الجمعة عند الزوال، و وقت العصر يوم الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة[24]، وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أنه قال: وقت الجمعة زوال الشمس[25].
وأجاب السيد الخوئي عن هذه الروايات أوّلاً: فلأن الظاهر من التضييق المذكور فيها هو التضييق الحقيقي وهذا مما لا يمكن الالتزام به، لامتناع إيقاع العمل عادة لعامة الناس في زمان يقارن مبدءه الزوال التحقيقي بحيث لا يتقدم و لا يتأخر عنه آناً ما، اذ لا شك أنه تكليف متعسر بل متعذر، لعدم العلم غالباً بدخول الزوال إلا بعد مضيّ دقيقة أو دقيقتين، فتشريع وجوب غير قابل للامتثال بالإضافة إلى عامة الناس قبيح على الشارع الحكيم، و لا يقاس المقام بالتضييق في مثل الصوم الذي يتحد فيه الوقت مع العمل من حيث المبدأ و المنتهى، فان الواجب هناك هو الإمساك و الكفّ عن المفطرات و المطلوب هو الترك، فيمكن الإمساك قبل طلوع الفجر بدقائق أو أكثر من باب المقدمة العلمية، و أما في المقام فالمطلوب هو الفعل و الواجب أمر وجودي و المفروض عدم جواز تقديمه على الوقت و لا تأخيره حتى آناً ما فيرد حينئذ ما عرفت من المحذور.
و إن أُريد به الضيق العرفي غير المنافي للتأخير بالمقدار المزبور، فهو خلاف الظاهر من هذه الروايات جدّاً، فان المتبادر منها إنما هو التضييق الحقيقي.
وثانيا: إن المستفاد من بعض الأخبار جواز التأخير بمقدار ينافي التضييق العرفي ايضا، ففي صحيحة عبد اللٰه بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي الجمعة- حين تزول الشمس قدر شراك و يخطب في الظل الأول- فيقول جبرئيل يا محمد- قد زالت الشمس فانزل فصل[26]، فإن التأخير عن الزوال بمقدار شراك النعل المساوق لعرض الإصبع تقريباً لا يجامع الضيق.
و في رواية القاسم بن عروة عن محمد بن أبي عمر[27] قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: نزل بها جبرئيل مضيّقة، إذا زالت الشمس فصلّها، قال قلت: إذا زالت الشمس صليت ركعتين ثم صلّيتها؟ فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): أما أنا فإذا زالت الشمس لم أبدأ بشيء قبل المكتوبة[28]، فانها دلت على جواز التأخير بمقدار أداء الركعتين، و إن كان الأفضل عدمه، و لذا لم يبدأ هو (عليه السلام) بشيء قبل المكتوبة.
و ثالثاً: ان مثل هذا التعبير أعني التوقيت بالزوال الواقع في تلك الأخبار قد ورد في غيرها بالإضافة إلى صلاة الظهر يوم الجمعة، و في بعضها بعنوان مطلق المكتوبة يوم الجمعة الأعم من صلاتي الجمعة و الظهر، ففي موثقة سماعة قال: قال وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس[29]، وفي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة[30]، فإن المكتوبة مطلقة تشمل الظهر و الجمعة، ونحوها رواية محمد بن أبي عمر المتقدمة، فإن السؤال فيها عن الصلاة يوم الجمعة لا عن صلاة الجمعة، وهي شاملة للظهر، و قد ذكر في ذيل الحديث: أنه لم يبدأ بشيء قبل المكتوبة، والمكتوبة شاملة لكل منهما.
و في صحيحة حريز قال: سمعته يقول أما أنا إذا زالت الشمس يوم الجمعة بدأت بالفريضة[31]، و الفريضة شاملة لهما.
و لا شك في عدم التضييق في صلاة الظهر مطلقاً، فيكون ذلك قرينة على عدم إرادته بالنسبة إلى صلاة الجمعة أيضاً و أن المراد بالتضييق في مجموع هذه الأخبار معنى آخر وهو التضييق بالنسبة إلى وقت الفضيلة دون الإجزاء، و المراد أن يوم الجمعة بما هو سواء أ كانت الفريضة فيه هي الجمعة أم الظهر يمتاز عن بقية الأيام، لا أن صلاة الجمعة تمتاز عن بقية الصلوات، و ذلك فان وقت الفضيلة في بقية الأيام يتسع رعاية للنوافل المتقدمة على الفريضة، و للمكلف تأخير الفريضة عن أول الزوال بمقدار القدم أو القدمين و الابتداء بالنوافل، كما أن له تركها و البدأة بالفريضة لدى الزوال فلا تضييق في وقت الفضيلة، بل يتسع مبدءه رعاية لشأن النوافل، و أما في يوم الجمعة فحيث إن النوافل متقدمة على الزوال، فيتضيق وقت الفضيلة لا محالة، و يكون مبدءه هو الزوال لعدم الموجب للتأخير[32].
اقول: يمكن الجواب عن اشكاله الاول بأن الظاهر من التضيق والفورية اينما ذكر هو التضييق العرفي ولا اقل من أن ما ذكر من عدم تمكن عامة الناس لرعاية الوقت المضيق الحقيقي يكون قرينة على ارادة التضييق العرفي، وعدم التمكن ممن رعاية الضيق التحقيقي جار في ما حمل الروايات عليه من كون المراد بها وقت فضيلة الصلاة من يوم الجمعة، فان الحكم الاستحبابي ايضا اذا لم يمكن امتثاله عادة يكون لغوا عرفا كالحكم الوجوبي.
كما يجاب عن اشكاله الثاني اولا: بأن التأخير بمقدار زيادة الظل عرض اصبع او بمقدار صلاة ركعتين لا ينافي الفورية العرفية ولا اقل ببركة صحيحة ابن سنان ونحوها وثانيا: ان الظاهر من صحيحة ابن سنان هو بدأ النبي (صلى الله عليه وآله) بالخطبة في الظل الاول وأنه كان يصلي الجمعة عند الشراك، ومن يقول بالتضيق يقول به بلحاظ بدأ الخطبة عند اول الزوال العرفي.
وأما رواية ابن ابي عمر فمضافا الى ضعف سندها لا لأجل القاسم بن عروة لما مر من اثبات توثيقه بل لأن محمد بن ابي عمر مما لم يثبت وثاقته فانه محمد بن عبد الله بن سعيد الطبيب ولم يرد في حقه توثيق، وأما ما في نسخ الكافي من لفظ عمير بدل عمر فالظاهر كونه غلطا فان ابن ابي عمير ليس في طبقة اصحاب الصادق (عليه السلام)، مضافا الى أن الظاهر كونه صلاة الظهر في يوم الجمعة لعدم كونه امام جمعة عادة.
ويجاب عن اشكاله الثالث، بأنه لا منافاة بين التضييق في وقت فضيلة صلاة الظهر يوم الجمعة وبين ما هو ظاهر الروايات السابقة من تضييق الوقت الواجب لصلاة الجمعة.
ثم انه استدل للقول المنسوب الى الجعفي من كون وقت صلاة الجمعة ساعة بعد الزوال، بما رواه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة تحافظ عليها فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لا يسأل الله تعالى عبد فيها خيرا إلا أعطاه الله، وقد صحح السيد الخوئي سند هذه الرواية بدعوى أن للشيخ في الفهرست طرقا صحيحة الى كتب حريز ورواياته[33]، وروى في مصباح المتهجد ايضا عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة الجمعة فقال وقتها إذا زالت الشمس فصل الركعتين قبل الفريضة و إن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة و دع الركعتين حتى تصليهما بعد الفريضة[34]، وفی مرسلة الصدوق قال و قال أبو جعفر (عليه السلام) وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة- ساعة تزول الشمس و وقتها في السفر و الحضر واحد- و هو من المضيق- و صلاة العصر يوم الجمعة في وقت الأولى في سائر الأيام[35].
وقد ناقش الشیخ الخوئي في دلالتها أوّلاً: بأن الساعة المذكورة في الرواية لا يراد بها معناها المصطلح الحادث في العصر الحاضر، أعني ستين دقيقة التي هي جزء من أربعة و عشرين جزءاً من الليل و النهار بالضرورة، فإنّ هذا الإطلاق لم يكن معهوداً في الأزمنة السابقة قطعاً، بل هي بمعناها اللغوي، و هي في اللغة تطلق على معنيين:
الأول: نفس الوقت و الزمان، و منه إطلاقها في صدر هذه الرواية أعني قوله (عليه السلام) “ساعة تزول الشمس” أي وقت زوالها.
الثاني: الجزء من الزمان و مقدار منه دون أن يحدّد بحدّ مضبوط يقال: صليت مع زيد ساعة، أي برهة من الزمن، سواء أ كان مقدارها نصف ساعة بالمعنى المصطلح أم ساعتين. و الساعة المذكورة في ذيل الرواية أعني قوله (عليه السلام) “إلى أن تمضي ساعة” إنما هي بهذا المعنى.
و عليه فالتحديد المذكور في هذه الرواية قابل للانطباق على مذهب المشهور، أعني بلوغ الظل مثل الشاخص، إذ يصدق على هذا المقدار أيضاً أنه ساعة بعد الزوال، فلا دلالة في الرواية على التحديد بأقل من ذلك كي يكون قولًا آخر مقابل قول المشهور.
[1] – وسائل الشيعة ج4ص 159
[2] – وسائل الشيعة ج4ص 208
[3] – الكافي ط دار الحديث ج13ص 568
[4] – معجم رجال الحديث ج20ص33
[5] – تهذيب الأحكام؛ ج9، ص: 304
[6] – وسائل الشيعة ج4ص 266
[7] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 136
[8] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 92
[9] – مر امكان اثبات وثاقته برواية ابن ابي عمير عنه.
[10] – منتهى المطلب ج5ص 345 ورد بعده: (إلّا ما نقله الشّيخ في الخلاف عن السيّد المرتضى قال: و في أصحابنا من قال: إنّه يجوز أن تصلّى الفرض عند قيام الشّمس يوم الجمعة خاصّة، و هو اختيار المرتضى و الّذي اخترناه قول أكثر أهل العلم)، ولا ربط له بالمقام، لأن الشيخ نقل في الخلاف ج1ص 620أنه حكي عن المرتضى أنه اجاز ايقاع تمام الخطبتين قبل الزوال وايقاع صلاة الجمعة اول الزوال.
[11] – الكافي في الفقه ص 153
[12] – غنية النزوع ص 90
[13] – السرائر ج1ص 301
[14] – الدروس ج1، ص: 188
[15] – البيان؛ ص: 186
[16] – ذكرى الشيعة ج4، ص: 132
[17] – روضة المتقين ج 2ص 74، بحار الأنوار ج86ص 173 الحدائق ج 10 ص 138.
[18] – وسائل الشيعة ج7ص 306
[19] – وسائل الشيعة ج7ص 304
[20] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 146
[21] – وسائل الشيعة ج 7 ص 315
[22] – وسائل الشيعة ج 7 ص 316
[23] – في هامش المخطوط: في نسخة: ابن سنان.
[24] – وسائل الشيعة ج 7 ص 317
[25] – وسائل الشيعة ج7ص 318
[26] – وسائل الشيعة ج7ص 316
[27] – في هامش الوسائل: في نسخة عمير، اقول هذا هو الموجود في الكافي ط دار الحديث ج 6ص 464
[28] – وسائل الشيعة ج7ص 319
[29] – وسائل الشيعة ج7ص 317
[30] – وسائل الشيعة ج7ص 319
[31] – وسائل الشيعة ج7ص 320
[32] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 140
[33] – مصباح المتهجد ج1ص 364
[34] – مصباح المتهجد ج1ص 364
[35] – وسائل الشيعة ج7ص 318