و ثانياً: لو سلّم أن المراد بالساعة في الرواية أقل من ذلك أو أنه المعنى المصطلح، ولكن لا دلالة فيها على انقضاء وقت صلاة الجمعة بعد انقضاء هذا المقدار من الزمان، كي ينتقل إلى الظهر، ضرورة أن التحديد فيها إنما هو لأول الوقت لا لأصله، لقوله (عليه السلام) فيها “أول وقت الجمعة” حيث إن لكل صلاة وقتين كما نطقت به جملة من الأخبار، و هذا تحديد لأول الوقت، أي للوقت الأول من حيث المبدأ و المنتهى، و أنه يبتدء من الزوال و ينتهي بعد ساعة، ثم يدخل الوقت الثاني، و إن كان مفضولًا بالإضافة إلى الأول، فلا دلالة فيها على انقضاء الوقت من أصله بعد انقضاء الساعة، و يؤيده: قوله بعد ذلك “فان رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) …” المشعر بأنّ هذه الخاصية من آثار وقت الفضيلة و لذا ينبغي الاهتمام بها و المحافظة عليها[1].
اقول: الظاهر عدم تمامية ايراده الأول، فان حمل الساعة على ما يسع زوال الشمس الى بلوغ ظل كل شيء مثله والذي لا يقل عن ساعتين ونصف فاكثر، خلاف الظاهر جدا، وقد ذكر بعض الاجلاء “دام ظله” أن المستفاد من الروايات كون ساعات النهار اثنتي عشر ساعة و ساعات الليل اثنتي عشر ساعة، ولذا ذكر أن وقت صلاة الجمعة من أول الظهر و بمدة ساعة، و المراد من الساعة واحد من اثني عشر من اليومن وهذا الوقت يختلف مقداره حسب فصول السنة[2]، ففي الخصال عن محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن أبان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة و ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة، و روى ايضا نحوه عن ابيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن الحسن بن ميمون عن أبي هاشم عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام)[3]، و عن جمال الأسبوع لابن طاووس عن محمد بن جعفر بن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد (عليه السلام) و عن عتبة بن الزبير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب ع- قال قال رسول الله: الليل و النهار أربع و عشرون ساعة[4]، و في رواية أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن ليلة الجمعة و يوم الجمعة أربع و عشرون ساعة- لله عز و جل في كل ساعة- ستمائة ألف عتيق من النار[5].
نعم ورد في رواية السياري عن الفضل بن أبي قرة رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن الخمسين و الواحدة ركعة- فقال إن ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة و ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة و من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة و من غروب الشمس إلى غروب الشفق غسق، فلكل ساعة ركعتان- و للغسق ركعة[6]، فقد يستظهر منها كون مجموع الساعات خمسة و عشرين ساعة، لكن سندها ضعيف، مضافا الى أنه حيث لا يكون ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس خارجا عن الليل و النهار فلعل ساعته لوحظت متداخلة مع ساعات الليل و النهار.
ولكن يمكن أن يقال ان الساعة ظاهرة عرفا في برهة معتد بها من الزمان، و يشهد له عدة من الروايات: مثل رواية أحمد بن إسحاق فسكت ساعة ثم قال[7]، و كذا معتبرة أبي بصير …فوضع أبو عبد الله (عليه السلام) يده على جبهته ساعة ثم رفع رأسه[8]، و في رواية أخرى عنه… فنكس رأسه ساعة- ثم قال…[9]، و في رواية حكيم بن حكم الصيرفي قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) فقال لا بأس ما تصلح به مالك- ثم سكت ساعة ثم قال… [10]، و في رواية أبي حنيفة… فوقف علينا ساعة- ثم قال[11]، و في رواية علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته (عليه السلام) عن الرجل يخطئ في قراءته هل يصلح له أن ينصت ساعة و يتذكر قال لا بأس قال و سألته عن رجل يخطئ في التشهد و القنوت هل يصلح له أن يردد حتى يتذكر و ينصت ساعة و يتذكر قال لا بأس أن يردد و ينصت ساعة حتى يذكر[12] و في رواية أخرى: أطرق ساعة ثم رفع رأسه[13]، و مما يؤيد ابهام الساعة عرفا موثقة زرارة قال: قلت له هل يجوز أن يتمتع الرجل من المرأة- ساعة أو ساعتين فقال- الساعة و الساعتان لا يوقف على حدهما- و لكن… اليوم و اليومين و الليلة و أشباه ذلك[14].
و أما ما ورد في الروايات السابقة من أن ساعات الليل و النهار اربع و عشرون ساعة فلا يوجب رفع اليد عن الظهور الاولي للفظة الساعة، ما لم تكن هذه الروايات ظاهرة في حكومتها على الخطابات التي رتبت احكاما على عنوان الساعة.
الا أنه يقال ان مقدار الساعة وان كان مبهما لكنه لا يعني رفع اليد عنها رأسا، بل لو تأخر تأخرا فاحشا لا يصدق عليه الساعة جزما، فلا يجتزء به.
وأما ايراده الثاني فالظاهر أن يقال باجمال الرواية، فانه يحتمل فيها كون جملة “الى ساعة” في قوله “اول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس الى ساعة” لبيان منتهى اصل وقت صلاة الجمعة، مثل أن يقال اول وقت صلاة الظهر زوال الشمس الى غروب الشمس، كما يحتمل أن تكون لبيان منتهى الوقت الاول وهو وقت فضيلة صلاة الجمعة، وحيئنذ فيكون المتبع القول الثاني، ولعله لأجل ذلك ذكر بعض السادة الاعلام “دام ظله” أنه لابد من الشروع في الخطبة في اول الزوال عرفا فان انتهت خطبة الجمعة قبل اربعين دقيقة وبدأوا بعدها بصلاة الجمعة مباشرة اجزأت عن الظهر وان استمرت الى ساعة وربع فات وقت صلاة الجمعة، ولم يجتزء بها، ويحتاط فيما بين ذلك[15].
و أما القول الخامس وهو كون منتهى وقتها بلوغ الظل سبعي الشاخص، فقد يستدل له بكونه القدر المتيقن من مشروعية صلاة الجمعة ويكون المرجع في فرض اطالتها الى بعد بلوغ الظل سبعي الشاخص اطلاق دليل وجوب صلاة الظهر كقوله “اذا زالت الشمس وجبت الظهر والعصر” والوجه في كونه القدر المتيقن ما تضمنته جملة من الروايات من أنّ وقت العصر في يوم الجمعة وقت الظهر -اي وقت فضيلته- في سائر الأيام، ويضم ذلك الى ما دل على أن وقت الظهر في سائر الأيام إنما هو قدمان بعد الزوال، نعم لو ثبت اطلاق في دليل مشروعية صلاة الجمعة لما بعد ذلك فكون وقت فضيلة العصر في يوم الجمعة وقت فضيلة الظهر في سائر الأيام لا يقتضي تحديد وقت مشروعية صلاة الجمعة.
وفيه أن هذا لا يعني امتداء مشروعية صلاة الجمعة الى وقت فضيلة العصر، بل لعله يوجد بينهما فاصل زمني ومقتضى ظهور الأدلة في تضيق وقت صلاة الجمعة وعدم الاطلاق في مشروعيتها بحيث يشمل فرض تأخيرها عن اول الوقت هو الالتزام بالقول الثاني، فهذا القول هو الاحوط ان لم يكن اقوى، وقد يدل عليه موثقة عَمَّارِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ …وَقْتُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ شِرَاكٌ أَوْ نِصْفٌ[16]، وقد مر أن الشراك عرض الاصبع اي زيادة الظل بمقداره وهذا وان لم يكن محددا لكنه ليس زمان طويلا قطعا، كما يستفاد مما ورد في صحيحة عبد اللٰه بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي الجمعة- حين تزول الشمس قدر شراك و يخطب في الظل الأول- فيقول جبرئيل يا محمد- قد زالت الشمس فانزل فصلّ[17].
ذكر صاحب العروة: و وقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظل الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثل الشاخص، و وقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين على المشهور، و لكن لا يبعد أن يكون من الزوال إليهما، ووقت فضيلة المغرب من المغرب الى سقوط الشفق اي الحمرة المغربية ووقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق الى ثلث الليل فيكون لها وقتا إجزاءٍ: قبل ذهاب الشفق وبعد الثلث الى النصف، ووقت فضية الصبح الى حدوث الحمرة في المشرق[18].
اقول: تقدم في اثناء الأبحاث السابقة ما يرتبط بالمقام فراجع.
مسألة 1- يعرف الزوال بحدوث ظل الشاخص المنصوب معتدلا في أرض مسطحة بعد انعدامه، كما في البلدان التي تمر الشمس على سمت الرأس كمكة في بعض الأوقات أو زيادته بعد انتهاء نقصانه كما في غالب البلدان و مكة في غالب الأوقات، و يعرف أيضا بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن واجه نقطة الجنوب و هذا التحديد تقريبي كما لا يخفى و يعرف أيضا بالدائرة الهندية، و هي أضبط و أمتن.
[1] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص143
[2] – المسائل الشرعية ص 172
[3] – الخصال ج2ص 488
[4] – بحار الانوار ج 86 ص 371
[5] – وسائل الشيعة ج 7ص 380
[6] – وسائل الشيعة ج 4 ص 48
[7] – وسائل الشيعة ج 6ص 502
[8] – وسائل الشيعة ج 9 ص 289
[9] – وسائل الشيعة ج 14ص 47
[10] – وسائل الشيعة ج 18 ص 96
[11] – وسائل الشيعة ج 18 ص 440
[12] – بحار الانوار ج 85 ص 193
[13] – بحار الانوار ج 91ص291
[14] – وسائل الشيعة ج 21ص 58
[15] – استفتاءات
[16] – تهذيب الأحكام؛ ج2، ص: 273
[17] – وسائل الشيعة ج7ص 316
[18] – قد مر أن التعبير الوارد في الروايات تجلل الصبح السماء وهو قبل طلوع الحمرة المشرقية.