اقول: المظنون وان كان هو تمامية القول الأخير بحسب المعنى العرفي، لكن قد يقال بأن مفهوم الغناء ليس بواضح لنا حتى نتأكد من انطباقه على الصوت المطرب واللهوي في كلام حق، مهما اشتدت لهويته وكان مثيرا للشهوة شأنا، ولا نعلم ما يرادفه بالفارسية حتى نتأمل فيه، ولعله لا يوجد له مرادف فارسي اصلا، وما مر من شيخنا الاستاذ من أننا نحكم بكون صوت غناءا ولو سمعناه من بعيد ولم نفهم معناه، او كان بلغة اجنبية لا نعرفها، ففيه أن من المحتمل كونه لأجل الانس الحاصل في ذهننا بين كيفية صوت ومحتوى الكلام، هذا مضافا الى أنه لو احرز كونه عناء فقد يقال بعدم دليل على حرمته، حيث يقال بأن عمدة دليل حرمة الغناء الروايات الواردة في تفسير آية “واجتنبوا قول الزور” و آية “ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله” وظاهر تطبيق قول الزور في الآية الاولى على الغناء في الروايات هو كون مضمونه باطلا، فان ظاهره كون الزور مقولا لا كيفية القول، والا لقال “القول الزور” ففي كتاب المكاسب للشيخ الاعظم أنه قد يقال: ان تطبيق قول الزور على الغناء قرينة على كون المراد به الكلام الباطل لا الكيفية في الصوت مطلقا و يؤيد كون المراد بالغناء فيها هو الكلام الباطل، صحيحة حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن قول الزور؟ قال منه قول الرجل للذي يغني أحسنت[1]، فإن قوله أحسنت باعتبار تضمنه مدح الفاعل على فعله الحرام باطل، وكذا ما ورد في تفسير لهو الحديث، وهو رواية ابن أبي عمير عن مهران بن محمّد عن الحسن بن هارون (لم يوثق) قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله و هو ممّا قال اللّه عزّ و جلّ: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ، ورواية علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن كسب المغنيات فقال التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس و هو قول الله عز و جل و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله[2]، بناء على كون اضافة اللهو الى الحديث من إضافة الصفة إلى موصوفها، حيث ان كون الحديث لهوا عبارة أخرى عن بطلان معناه نعم لو كانت إضافته إليه من اضافة المظروف الى ظرفه المعبر عن ذلك في علم الأدب بكون الإضافة بمعنى “في” فيعم الغناء في الكلام الصحيح، وكذا ما ورد في تفسير “والذين لا يشهدون الزور”من أنه الغناء، فإنّ مشاهد الزور التي مدح اللّه تعالى من لا يشهدها، هي مجالس التغنّي بالأباطيل من الكلام، فالإنصاف، أنّها لا تدلّ على حرمة نفس الكيفيّة إلّا من حيث إشعار “لَهوَ الحديثِ” بكون اللهو على إطلاقه مبغوضاً للّه تعالى[3].
وقد اورد عليه كثير من الاعلام بأن ما ذكر لا يلازم كون الغناء متقوما بكون مضمون الكلام باطلا، فقد ذكر المحقق الايرواني “ره” أن تفسير قول الزور بالغناء لا يقتضي أن يكون الغناء من مقولة الكلام لصحّة هذا التفسير و إن كان الغناء من كيفيّة الكلام، لاتّحادهما خارجا، فإذا كانت الكيفيّة زورا باطلا صدق أنّ الكلام زورا باطل، وكون قول “أحسنت” من قول الزّور بلحاظ مدلوله لا يقتضي أن يكون مصداقية الغناء له ايضا بهذا اللحاظ، فلعلّ قول الزّور كلمة عامّة تصدق تارة بلحاظ المدلول و أخرى بلحاظ الدّال و بلحاظ كيفيّة أداء الألفاظ، كما أن لهو الحديث بناءً على أنّ الإضافة من إضافة الصّفة إلى الموصوف لا تدل على أن الغناء من مقولة الكلام، فلعلّ صفة لهويّته هي صفة غنائيّته و كيفية أداء ألفاظه، نعم إذا كانت الإضافة بيانيّة دلّت على أنّ الغناء من اللّهو الّذي هو الحديث فيأتي فيها من الكلام ما تقدم في الطائفة الأولى فإنّه يمكن أن يوصف الحديث بكونه لهوا باعتبار الكيفية اللهويّة، كما أنه إن أراد أنّ مشاهد الزّور في الخارج كانت كذلك فذلك لا يقتضي تخصيص الآية بها و إن أراد أن خصوص هذا العنوان هو المقصود فتلك مصادرة بالمطلوب[4]
اقول: الانصاف أن ظهور قول الزور في كون المقول زورا وانحرافا عن الحق يوجب أن يكون ما دل على أن الغناء من قول الزور مجملا بالنسبة الى ما كان مضمون الكلام حقا، بل يكفي في ذك احتمال كون قول الزور ظاهرا في ذلك كما هو المستفاد من اللغة، ففي مفردات الراغب، و قوله: تَزٰاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ، أي تميل، و قيل لِلْكَذِبِ: زُورٌ، لكونه مائلا عن جهته، و يسمّى الصّنم زُوراً لكون ذلك كذبا و ميلا عن الحقّ، و في كتاب العين: الزور قول الكذب، و شهادة الباطل، وفي كتاب المحيط: الزَّوْرُ: وَسْطُ الصَّدْرِ، و الزَّوَرُ: مَيلٌ فيه، وزَوَّرْتُ الشَّيْءَ: عَوَّجْته و أمَلْته عن جِهَتِه، والزُّوْرُ: الكَذِبُ، و ما يُعْبَدُ من دُوْنِ اللّهِ.
وعليه فلا يصح الاستدلال بالروايات الدالة على قول الزور الغناء على حرمة الصوت اللهوي في كلام حق، كما أن الرواية التي طبَّقت لهو الحديث في قوله تعالى “ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله” يشكل اطلاقها له، فان المتيقن من لهو الحديث هو الحديث اللهوي اي ما كان من حيث كونه حديثا لهويا لا من حيث كيفية الصوت التي قد يؤدى بها الكلام المشتمل على المضامين الحقة.
ومن هنا تبين الاشكال فيما ذكره السيد الامام “قده” في المقام، فانه قال: الظاهر المتفاهم من عنوان قول الزور هو القول الباطل باعتبار مدلوله كالكذب و شهادة الباطل و الافتراء، و الغناء كما عرفت من كيفيّة الصوت، و هو عنوان مغاير لعنوان الكلام و القول، و لكن فسّرت الآية بالغناء وبقول القائل للمغنّي “أحسنت” مع أنّ قول أحسنت ليس بنفسه باطلا و زورا، و إنّما أطلق عليه باعتبار تحسين الغناء، والارجح أن يقال انه اريد بقول الزور القول المشتمل على الباطل، إمّا نحو اشتمال الكلام على مدلوله، أو نحو اشتمال الموصوف على صفته و إضافة القول إلى الزور لاتّحاده معه اتّحاد الصفة مع الموصوف، فالقول زور باعتبار اشتمال مدلوله على الباطل و زور باعتبار صفته و هو الصوت الخاصّ، فيكون كل من الغناء، و الكلام المشتمل على المضمون الباطل من قول الزور، فان الظاهر من الروايات أنّ قول الزور هو الغناء أو هو من قول الزور، و مع قيام القرينة العقليّة بأنّه ليس من مقولة القول فقد يرفع اليد عن ظاهر جميع الأخبار المفسّرة الدالّة على أنّ الغناء الذي هو صوت خاصّ هو قول الزور بتمام مصاديقه، و حملها على قسم خاصّ متحقّق مع كلام خاصّ مدلوله الباطل و الزور كما احتمله الشيخ و اختاره، ولا ينحفظ معه ظهور الآية أيضا، فإنّ ظاهرها حرمة قول الزور، و الحمل على الغناء في الكلام الباطل حمل على غير مدلولها بحسب فهم العرف. بل هو حملها على قسم خاصّ منه، تأمّل.
و لكن الأقرب حفظ ظهور الأخبار و حملها على الغناء بالمعنى الحقيقي المعروف مع حفظ ظاهر الآية من حيث تعميمها بالنسبة إلى جميع الأقوال الباطلة، و لو فرضت المناقشة فيما ذكرناه فلا أقلّ من دخول الغناء تعبّدا فيه، و مقتضى إطلاق الأدلّة أنّه بذاته و بلا قيدٍ قول الزور.
ان قلت: إنّ قول الزور إن كان مطلق الباطل المقابل للحقّ، و المراد بالباطل ما لا يكون فيه غرض عقلائي و ما لا دخالة له في المعاش و المعاد، فلا شبهة في عدم حرمته بهذا الإطلاق و بهذا العرض العريض، فيدور الأمر بين حفظ ظهور هيئة الأمر في قوله وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ في الوجوب، و تقييد قول الزور بقسم خاصّ و هو المحرّمات الشرعيّة، فتكون الآية لبيان إجمال ما فصّل في الشريعة من المحرّمات، كقوله تعالى “وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ” بناء على أنّ المراد بها المحرّمات، و بين حفظ إطلاق قول الزور و حمل الأمر على الرجحان المطلق، و لا ترجيح للأوّل إن لم نقل أنّه للثاني، لشيوع استعمال الأمر في غير الوجوب و بعد رفع اليد عن الإطلاق، و عليه فلا تدل الأخبار الدالّة على أنّ قول الزور الغناء، على حرمة الغناء.
قلت: انّ سياق الآية و ذكر قوله “وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ” في تلو “فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ” يوجب قوّة ظهور الأمر في الوجوب سيّما مع إشعار مادّة الاجتناب بذلك، فيصير قرينة على أنّ المراد من قول الزور ليس مطلق القول الباطل، مضافا إلى إمكان أن يقال: إنّ قول الزور ليس مطلق القول الباطل بالمعنى المتقدّم، بل باطل خاصّ عرفا كالكذب و الافتراء و السخريّة و نحوها، فلا يقال عرفا لمطلق القول الذي لا دخالة له في المعاد و المعاش أنّه قول الزور، بل لعلّه لا يكون باطلا[5].
اقول: المهم أن ظهور قول الزور في كون مضمون الكلام باطلا وانحرافا عن الحق يوجب عدم اطلاق الغناء في الروايات المفسرة لقول الزور بالغناء للغناء في كلام حق، ودخل كيفية الصوت في حرمته لعدم كون الكلام المشتمل على المضامين اللهوية حراما باطلاقه، لا يعني الغاء دخل لهوية مضمون الكلام في تطبيق قول الزور عليه.
وهكذا بالنسبة الى آية لهو الحديث وتطبيقها في الروايات على الغناء، فان الظاهر كون اضافة اللهو الى الحديث من إضافة الصفة إلى موصوفها، حيث ان كون الحديث لهوا عبارة أخرى عن بطلان معناه، وكون إضافته إليه من اضافة المظروف الى ظرفه المعبر عن ذلك في علم الأدب بكون الإضافة بمعنى “في” فيعم الغناء في الكلام الصحيح، فخلاف الظاهر.
وقد ذكر السيد الامام “قده” أنه قد يقال: الظاهر من الآية أنّ لهو الحديث قسمان، و المحرّم منه هو ما يشترى و تكون الغاية به إضلال الناس عن سبيل اللّه، و غاية ما تدلّ الروايات هو كون الغناء داخلا فيها، و مقتضاه أن يكون الغناء قسمين: محرّم هو ما يوجب الإضلال و محلّل هو غيره، و لكن يمكن أن يجاب عنه بأنّ المراد بالإضلال عن سبيل اللّه ليس خصوص الإضلال عن العقائد، بل كلّ شيء يوجب ترك واجب أو فعل محرّم يكون صادّا عن سبيل اللّه و مضلّا عنه، فلو تعلّم أحد أحاديث لهوية ليحدّثها على قوم يوجب تحديثها و لو اقتضاءً ترك معروف أو فعل منكر، يصدق عليه أنّه اشترى لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه.
فحينئذ نقول: لولا الروايات المفسّرة كان ظاهر الآية حرمة اشتراء لهو الحديث، أي الأخبار الموجبة بمدلولها لإلهاء الناس و إضلالهم عن سبيل اللّه، فلم تكن شاملة للغناء الذي هو من كيفيّات الصوت و لا دخل له بمدلول الحديث و مضمونه، لكن بعد تفسيرها به و دخوله فيها بالتقريب المتقدّم في آية الاجتناب عن قول الزور يصدق على من تعلّم الغناء للتغنّي أنّه اشترى لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه، إمّا لأنّه بنفسه حرام و بإيجاده يخرج المغنّي و السامع عن سبيل اللّه، و إمّا لأنّه بذاته مع تجريده عن معاني الألفاظ و مع سماعه و عدم فهم المعنى ممّا يترتّب عليه و لو اقتضاء الصدّ عن سبيل اللّه و الغفلة عن ذكر اللّه و ربّما ينجرّ به إلى فعل الكبائر و ترك الواجبات كما عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) “الغناء رقيّة الزنا[6]،و مع العلم بأنّ ذلك من مقتضيات ذات الغناء و تعلّمه للتغنّي، يصدق أنّه تعلّم للإضلال، أي تعلّم ما يترتّب عليه ذلك، فلا يقال: إنّ التغنّي بالمواعظ و القرآن لا يترتّب عليه ذلك، لأنّ هذا من مقتضيات نفس الغناء لو جرّد عن مداليل الألفاظ، و المفروض أنّ الغناء بذاته داخل في الآية كما هو مفاد الأخبار، مع أنّ مقتضى إطلاق الأخبار أنّ مطلق الغناء داخل في الآية و أوعد اللّه عليه النار، مع أنّه قلّما يتّفق لشخص أن يكون غاية تعلّمه للغناء أو تغنّيه، الإضلال عن سبيل اللّه و الصدّ عنه، فعليه يكون عدّ الغناء من الآية بنحو الإطلاق على الاحتمال المتقدّم في الإشكال كحمل المطلق على الفرد النادر جدّا، فقوله “الغناء ممّا وعد اللّه عليه النار” في الآية مع عدم دخوله فيها إلّا ما هو نادر كالمعدوم يعدّ مستهجنا قبيحا، فلابدّ و أن تحمل اللام على النتيجة أعمّ من كونها غاية أولا، كقوله تعالى “فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً” و كقول الشاعر “لدوا للموت و ابنوا للخراب” و الإنصاف عدم التأمل في دلالة هذه الرواية والروايات الواردة في تطبيق “واجتنبوا عن قول الزور” على الغناء على حرمة الغناء بذاته، نعم في دلالة ما ورد في تطبيق قوله “وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ” على الغناء، كصحيحة ابن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله “وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّور” قال هو الغناء[7]، على حرمة الغناء تأمّل و إشكال[8].
اقول: ما ذكره كون كون اللام في “ليضل” للعاقبة تام، لكن المهم ما مر من كون ظاهر لهو الحديث هو الحديث الذي يكون من حيث انه حديث لهوا لا من حيث انه صوت، فلا اطلاق للروايات المفسرة للهو الحديث بالغناء بما يكون في كلام حق.
ولكن الانصاف أن الدليل لا ينحصر بما ذكر، بل يوجد ما يستفاد منه شمول حرمة الغناء لما اشتمل على كلام ليس بباطل ولهوي، والعمدة رواية عبد الأعلى، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الغناء و قلت إنهم يزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رخص في أن يقال “جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم” فقال كذبوا إن الله عز و جل يقول: و ما خلقنا السماء و الأرض و ما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون، ثم قال: ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس[9].
فان قولهم “جئناكم جئناكم…” ليس كلاما لهويا وباطلا، ولكن اطلق الغناء عليه في الرواية ولو في الجملة وظاهر الرواية حرمته، والقدر المتيقن هو ما أدي بصوت مناسب لاثارة الشهوة الحيوانية، ولعلهم كانوا يقولون ذلك في العرائس، نعم قد يناقش في سندها بأنه وان كان المنصرف منه هو عبد الاعلى بن اعين العجلي، الا أنه لم يرد في حقه توثيق خاص، وقد استند السيد الخوئي “قده” في توثيقه الى عدّ الشيخ المفيد في رسالته العددية اياه، من الفقهاء و الرؤساء الاعلام المأخوذ عنهم الحلال و الحرام، و الفتيا و الأحكام، و الذين لا يطعن عليهم، و لا طريق إلى ذم واحد منهم، و هم أصحاب الأصول المدونة، و المصنفات المشهورة، ولكن قد مر منا مرارا الاشكال فيه، فانه ذكر في رسالته العددية اولاً أن الروايات التي تمسك بها اصحاب أن شهر رمضان لايكون اقل من ثلاثين يوما شاذة قد طعن نقاد الآثار من الشيعة في سندها، فمن ذلك ما رواه محمد بن سنان “شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا” و محمد بن سنان مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته و ضعفه و ما كان هذا سبيله لم يعمل عليه في الدين[10]، ثم قال: أما رواة حديث أن شهر رمضان يكون تسعة و عشرين يوما و يكون ثلاثين يوما هم فقهاء أصحاب الأئمة (عليهم السلام) والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الأحكام الذين لا يطعن عليهم و لا طريق إلى ذم واحد منهم و هم أصحاب الأصول المدونة و المصنفات المشهورة، فممن روي عن أبي جعفر الباقر هو محمد بن مسلم، ومحمد بن قيس، وروى محمد بن سنان عن أبي الجارود[11]، ثم ذكر روايات رواة آخرين لا يحتمل في حق عدة منهم هذه الاوصاف الجليلة، بل هذا ابو الجارود رئيس الفرقة الزيدية الجارودية، وقد ذكر محمد بن سنان ايضا مع أنه طعن فيه قبل صفحات طعنا عظيما، فيفهم منه أن نظره كان الى مجموع الرواة لهذه الاحاديث من حيث المجموع، لاالى كل واحد واحد منهم.
الا أنه يمكن اثبات وثاقته برواية صفوان عنه[12]، وقد قال الشيخ الطوسي في حقه أنه ممن عرف بأنه لا يروي ولا يرسل الا عن ثقة، ولا ينافيه نقل صفوان عنه رواية أخرى بواسطة ابن مسكان[13]، فانه كان من أصحاب ابي عبد الله (عليه السلام) وقد نقل صفوان عنهم كثيرا.
ويؤيد ذلك الروايات السابقة الواردة في ذم التغني بالقرآن كرواية الكافي عن علي بن محمد عن إبراهيم الأحمر عن عبد الله بن حماد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها و إياكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر فإنه سيجيء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم[14]، الا أن سنده ضعيف بابراهيم الاحمر حيث ضعفه الشيخ فقال في رجاله: إبراهيم بن إسحاق أبو إسحاق الأحمري النهاوندي، كان ضعيفا في حديثه، متهما في دينه، وقال النجاشي: كان ضعيفا في حديثه، متهوما.
وفي رواية عطاء بن أبي رياح عن عبد الله بن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث قال: إن من أشراط الساعة إضاعة الصلوات و اتباع الشهوات و الميل إلى الأهواء … فعندها يكون أقوام يتغنون بالقرآن… فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس[15]، وسندها ايضا ضعيف لوجود مجاهيل[16].
لكن كما اشرنا اليه لا يستفاد من رواية عبد الاعلى او هاتين الروايتين هذا اكثر من امكان التغني في الكلام غير الباطل، لكن حيث لا اطلاق له فالمتيقن ما كان بكيفية مثيرة شأنا للشهوة الحيوانية والرقص، نعم لو كان الكلام باطلا فالظاهر صدق الغناء عليه ولو لم تكن الكيفية كذلك بل كانت مجرد تحسين الصوت بنحو يكون فيه شأنية الطرب.
ولو احرز صدق الغناء على ما يكون في كلام ليس بباطل فقد يتمسك لاثبات حرمته باطلاق ما رواه في الوسائل عن عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَتَعَمَّدُ الْغِنَاءَ يُجْلَسُ إِلَيْهِ قَالَ لَا[17]، ولكنه مضافا الى ما مر من الاشكال في سنده فقد يقال بعدم كونه في مقام البيان من ناحية حرمة الغناء بل جعلها مفروغا عنها، وانما سأل عن حكم الجلوس الى من يرتكب هذا العمل المحرم.
كما يتمسك بما رواه سهل بن زياد عن علي بن الريان (بن الصلت الاشعري القمي وقد وثقه النجاشي) عن يونس قال: سألت الخراساني (عليه السلام) عن الغناء و قلت- إن العباسي ذكر عنك أنك ترخص في الغناء- فقال كذب الزنديق ما هكذا- قلت له سألني عن الغناء- فقلت إن رجلا أتى أبا جعفر صلوات الله عليه- فسأله عن الغناء- فقال يا فلان إذا ميز الله بين الحق و الباطل- فأين يكون الغناء- فقال مع الباطل فقال قد حكمت[18]، ولكن الاشكال في سند الرواية من حيث سهل بن زياد.
وكيف كان فالظاهر صدق الغناء وحرمته في ما كان الكلام غير باطل ايضا فيما كان مثيرا شأنا للشهوة والرقص.
مستثنيات حرمة الغناء
يقع الكلام في ما ذكروه من المستثنيات لحرمة الغناء وهي عدة امور:
الاول: الحداء لسوق الإبل، فعن المشهور استثناءه عن حرمة الغناء، لكنه ممنوع، لعدم الدليل عليه، الا ما روي في كتب العامة من أنّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال لعبد اللّه ابن رواحة، حرّك بالنوق، فاندفع يرتجز، و كان عبد اللّه جيّد الحداء[19]، و هذا مضافا الى ضعف السند، لا دلالة فيه على كون الحداء الذي جوّزه النبي غناء.
الثاني: استثناء غناء النساء في زف العرائس، و قد استثناه جمع كثير من الأصحاب، ويمكن الاستدلال له برواية علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن كسب المغنيات فقال التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس و هو قول الله عز و جل و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله[20]، وصحيحة أبي بصير “أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، و ليست بالتي يدخل عليها الرجال” ودعوى معارضتها مع رواية عبد الاعلى السابقة بتقريب ان المتيقن منها تغني النساء في قول “جئناكم…” وكون المرجع بعد ذلك اطلاق دليل حرمة الغناء مدفوعة بالمنع من كون القدر المتيقن منها تغني النساء في زف العرائس مع عدم دخول الرجال عليهن.
ثم إن استثناء غناء النساء للنساء في زف العرائس وان كان ظاهرا في التغني المباشر لكن لا يبعد الغاء الخصوصية منه الى استماع الشريط في مجلس زف العرائس، وكيف كان فالمهم اختصاص جوازه بما اذا لم يشتمل على محرم آخر كالتغني بكلام يدعو الى الحرام او كان مقترنا باستعمال آلات الملاهي، كما ان الظاهر كون اشتراط جوازه بعدم دخول الرجال تعبدي لاطلاق صحيحة ابي بصير ولو لم ينطبق على ذلك عنوان محرم مستقل كما لو كانوا محارم، فالظاهر عدم تمامية ما عن السيد الخوئي “قده” من قوله “هذا فيما لم يطرأ عليه عنوان آخر محرم، و إلا كان حراما، كالتكلم بالأباطيل و الكذب و ضرب الأوتار و دخول الرجال عليهن و غيرها من الأمور المحرمة”[21].
الثالث: ما قد يقال من جواز الغناء في قراءة القرآن، فذكر المحقق السبزواري: صرّح المحقّق و جماعة ممّن تأخّر عنه بتحريم الغناء و لو كان في القرآن، لكن غير واحد من الأخبار يدلّ على جوازه، بل استحبابه في القرآن بناءً على دلالة الروايات على جواز حسن الصوت و التحزين و الترجيع في القرآن، بل استحبابه، و الظاهر أنّ شيئاً منها لا يوجد بدون الغناء على ما استفيد من كلام أهل اللغة و غيرهم، و فصّلناه في بعض رسائلنا[22].
و فيه أنه كما تقدم سابقا لا تدل تلك الروايات على جواز الغناء في القرآن، بل كان بعضها صريحا في النهي عن قراءة القرآن بألحان أهل الفسوق و الكبائر الذين يرجعون القرآن ترجيع الغناء.
نعم سند ما دل على حرمة التغني بالقرآن ضعيف، وحينئذ فقد يقال بأن اطلاق استحباب تحسين الصوت في قراءة القرآن يتعارض مع اطلاق تحريم الغناء وبعد معارضتهما فالمرجع اصل البراءة عن حرمة الغناء بالقرآن، وقد أشكل عليه الشيخ الاعظم “قده” بما حاصله أن أدلة الأحكام غير الإلزامية لا نقاوم أدلة الأحكام الإلزامية. و الوجه في ذلك أن الفعل إنما يتصف بالحكم غير الإلزامي إذا خلا في طبعه عما يقتضي الوجوب أو الحرمة، و مثاله أن إجابة دعوة المؤمن و قضاء حاجته و إدخال السرور في قلبه و كشف كربته من الأمور المستحبة في نفسها، و لكن إذا استلزم امتثالها ترك واجب أو إيجاد حرام، تخرج عن الاستحباب، و تكون محرمة.
وقد اورد عليه السيد الخوئي “قده” بأن قضاء حاجة المؤمن و إجابة دعوته و إدخال السرور في قلبه و نحو ذلك مقيد بعدم ترك الواجب، و فعل الحرام، لما ورد من أنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق. فتقديم دليل الوجوب أو الحرمة في هذه الصورة على أدلة الأمور المذكورة و إن كان مسلما إلا انه لدليل خارجي، كما أنه قد يكون دليل الحكم غير الالزامي ظاهرا في العنوان الاولي في نفسه كدليل حلية لحم الشاة الظاهر في حليته في حد نفسه، ودليل حرمة لحم الجلال او المغصوب، فلا معارضة بينهما، وأما اذا كان دليل الحكم غير الإلزامي مطلقا فيتعارض مع دليل الحكم الالزامي بالعموم من وجه، والمقام من هذا القبيل، نعم لابد من ترجيح ما دل على حرمة الغناء، لكونه مخالفا للعامة، و يترك ما دل على الجواز لموافقته لهم[23].
اقول: الانصاف أن العرف يري كون دليل تحريم الغناء مقدما عرفا على دليل استحباب تحسين الصوت في قراءة القرآن، حيث يستظهر من الثاني كون تحسين الصوت فيها مرغوبا فيه بهذا العنوان، وهذا لا ينافي حرمة عنوان آخر وهو عنوان الغناء.
أما ما ذكره من ترجيح دليل حرمة الغناء لمخالفته للعامة ففيه أن الرجوع الى المرجحات في تعارض الدليلين بالعموم من وجه عنده مختص بما اذا كانت دلالة كليهما بالوضع، فلو كان دلالة أحدهما بالوضع والثاني بالاطلاق فيتقدم الأول على الثاني، واذا كانت دلالة كليهما بالاطلاق فلايكون تعارضهما من تعارض الخبرين، كما لو ورد في خطاب اكرم عالم وورد في خطاب آخر لاتكرم الفاسق، فان مدلول الخبر ليس الا ثبوت الحكم للطبيعة المهملة، واما اطلاقه فهو خارج عن مدلول اللفظ ويثبت بحكم العقل عند تمامية مقدمات الحكمة، فالخبران ليسا متعارضين فلايشملها أدلة الترجيح، حيث ان موضوعها الخبران المتعارضان، وكذا ينتفي حكم العقل فيهما بالاطلاق، اذ يلزم من حكمه بذلك في كليهما الجمع بين الضدين، وفي أحدهما دون الآخر الترجيح بلامرجح([24]).
والمقام من قبيل تعارض اطلاق الدليلين، فلا يتم ما ذكره من ترجيح دليل حرمة الغناء لمخالفته للعامة، حسب مبانيه، وان كان الصحيح عندنا أنه لا فرق بين العموم والاطلاق، فان لازم ما ذكره عدم صدق اختلاف الحديثين على مثل قوله “لابأس ببيع العذرة” مع قوله “ثمن العذرة سحت” حيث ان مدلولهما الوضعي ثبوت كل من الحكمين على نحو القضية المهملة، ولامحذور في ذلك عقلا، وانما التنافي بينهما ينشأ من اطلاقهما، مع انه لاريب في صدق اختلاف الحديثين عليهما فيشملهما أدلة الترجيح، وهذا هو دأبه “قده” في الفقه.
والحل أن مقدمات الحكمة توجب الظهور الاطلاقي، ولهذا يفهم كل انسان عرفي الاطلاق من كلام المتكلم وينسبه الى المتكلم، ولااقل من كون الخطاب المطلق حجة عقلائية على كون المراد الجدي هو الحكم المطلق، وهذا كاف في صدق عنوان اختلاف الحديث عليهما،
وان اراد ما قد يظهر من بعض كلماته([25]) من ان السكوت عن بيان التقييد هو الدليل على ثبوت الحكم المطلق، والسكوت ليس كلاما فلايكون من تعارض الخبرين واختلاف الحديثين، ففيه أن سكوت المتكلم عن بيان التقييد حيثية تعليلية لصيرورة الخطاب ظاهرا في الاطلاق.
الرابع: ما قد يقال من أن اطلاق التمتع بالزوجة يشمل استماع غناءها فيتعارض مع اطلاق دليل حرمة الغناء فيرجع الى أصل البراءة، وفيه اولا: عدم وجود اطلاق يشمل الاستماع الى تغنيها ولو سلم فلا يكون مجوزا لتغنيها، وثانيا: انه لو فرض اطلاق له فقد ظهر مما مر تقدم دليل حرمة الغناء عليه، ولا يقاس بما افتى به المشهور من جواز رقصها لزوجها مع وجود اطلاق دليل حرمة الرقص وهو قوله (ص) على ما في موثقة السكوني “أنهاكم عن الزفن والمزمار والكوبات والكبرات”، بناء على كون الزفن بمعنى الرقص، كما فسر به في اللغة[26]، فانه يمكن أن يكون وجهه انصرافها عنه بمناسبة الحكم والموضوع، ولولا الانصراف الجزمي او الاحتمالي عنه لكان مقتضى الصناعة الالتزام بشمول الاطلاق له، ولعله لأجل ذلك احتاط بعض الاعلام “قده”[27] وجوبا في تركه.
المحرم الرابع: القمار، واهمية البحث عنه يظهر في ابتلاء كثير من الناس بامور كاللعب بالشطرنج حيث يقال بأن النهي عن اللعب بها في الروايات كان ظاهرا في كونه لاجل مصداقيتها لآلات القمار اي ما كان استعمالها الغالب اللعب بها مع الرهان فاذا احرز حروجها عن آلية القمار فلايكون اللعب بها بدون رهان محرما، وهذا ما صدر عن السيد الامام “قده” في اواخر حياته، ووافقه بعض السادة الاعلام “دام ظله” فيما لو احرز خروجها عن آلية القمار في جميع البلدان، -بينما أنه خص حرمة اللعب بسائر الالآت كالبليارد بما اذا عد آلة القمار في بلد المكلف بخلاف الشطرنج والنرد- ولكن ادعى أن احراز ذلك فعلا ممنوع، وهو كذلك ان شمل الرهان الاتفاق مع شخص ثالث في أن يعطي ذاك الشخص جائزة للفائز من الطرفين، دون ما اذا قلنا بانصراف المقامرة عنه، كما عليه شيخنا الاستاذ “قده” حيث قال: ان المعتبر في صدق القمار والمراهنة “برد وباخت” هما كون المال من المغلوب، و لا يعمّان ما إذا كانت هبة من شخص ثالث للفائز، كما صرح بذلك بعض أهل اللغة، و يظهر أيضا بمراجعة الاستعمالات العرفية، و ان لم يكن هذا جزميا، فلا أقل من احتماله، و هذا يمنع عن الرجوع الى إطلاق خطاب حرمة القمار أو المراهنة، ولذا يجوز المبارأة المتعارفة المسماة بكرة القدم، و غيرها التي يعين فيها الجائزة من الحكومات أو الأندية للفائزين، و لا يكون اللعب فيها بآلات القمار[28]، وقد ذكر اخيرا أن الشطرنج لا موضوعية لها، وانما النهي عنها في الروايات منصرف الى النهي عنها بما هو آلة القمار فلو علم بأنها خرجت عن آلية القمار جاز اللعب بها من دون رهان، والظاهر انه على تفسيره للرهان يعلم بخروجها عنها هذا ولكن اصر جماعة كالسيد الخوئي “قده” على حرمتها بعنوانها، ففي صراط النجاة:
س: قبل وفاة الإمام الخميني الراحل “رضوان الله عليه” نقل عنه فتوى بتحليل أو جواز لعب الشطرنج، فنرجو إيضاحا لمسألة مهمة و هي أنكم تعتبرونها من الكبائر بينما الإمام “رضوان الله عليه” جوّزها؟.
الخوئي: لم يقل أحد بحلية لعب الشطرنج بقول مطلق، و إنما الكلام فيما إذا لعب به لا مع المراهنة بل لترويح النفس مثلا، و الأقوى عندنا الحرمة مطلقا و لو من دون رهان.
التبريزي: إذا أحرز خروجها عن آلة القمار فلا بأس[29].
س: المعروف أن لعبة الشطرنج خرجت عن كونها آلة للقمار، فصارت في جميع أنحاء العالم مجرّد لعبة للتسلية و الرياضة، فهل تبقى على الحرمة؟
الخوئي: نعم تبقى على الحرمة، و اللّٰه العالم.
التبريزي: اشتهار خروجها عن آلة القمار لا يكفي في جواز اللّعب بها، ما لم يحصل العلم بذلك[30].
بل ذكر بعضهم أنه بعد شيوع اللعب بالشطرنج والنرد بدون الرهان في تلك الأعصار أيضا بين الخلفاء و الأمراء لعدم اعتنائهم بالأموال، بل كان المهمّ عندهم الغلبة على القرن و كسر شخصيّته بمنع من انصراف الروايات الناهية عن اللعب بهما إلى صورة وجود الرهان فقط، فحرمة اللعب بالآلات المخصوصة من النرد و الشطرنج لا تدور مدار صدق القمار عليه[31].
كما أنه لابد من الكلام حول لعب الشطرنج او سائر الآت القمار اذا كان الطرف الآخر للعب، هو جهاز الكامبيوتر.
كما أن من الاباث المهمة الكلام حول المشاركة في المسابقات العلمية ونحوها مما قد يخسر كل شخص مبلغا ضئيلا برجاء أن يصيب القرعة باسمه فيأخذ جائزة خطيرة، فهل يدخل ذلك في القمار، فقد ذكر شيخنا الاستاذ “قده” أنه حيث يعتبر اللعب في صدق القمار قطعا أو احتمالا، و معه لا يمكن الجزم بانطباق عنوان القمار على شراء أوراق اليانصيب “بليط بخت آزمايى” فلا يكون مجرد شراء تلك الأوراق محرما تكليفا، نعم لا ينبغي الريب في بطلان بيعها و شرائها، حيث ان الأوراق لا تكون بنفسها أموالا، بل يكون إعطاء المال باعتبار الرقم الموجود في كل ورقة، لاحتمال وقوع الجائزة على ذلك الرقم، فتكون المبادلة واقعا بين المال و تلك الجائزة المحتمل وقوعها على الرقم، و الورقة سند لها، فلا يكون بيعا صحيحا، فان المعتبر فيه وجود المبيع و العلم به[32]، بينما أن المشهور كونه من القمار كما صرح به السيد الامام والسيد الخوئي “قدهما”، وهذا له دور كبير في تطبيق عنوان القمار على بعض المعاملات الجديدة.
وكيف كان فيقع الكلام اولا في معنى القمار وثانيا في ادلة حرمته وثالثا في اقسامه، أما معنى القمار ففي القاموس: قامر الرجل مقامرة و قمارا: راهنه فغلبه و هو التقامر، و في مجمع البحرين: القمار بالكسر: المقامرة، و تقامروا: لعبوا بالقمار، و اللعب بالآلات المعدّة له على اختلاف أنواعها نحو الشطرنج و النرد و غير ذلك، و أصل القمار: الرهن على اللعب بشيء من هذه الأشياء. و ربّما أطلق على اللعب بالخاتم و الجوز، وفي أقرب الموارد: قمر الرجل قمرا راهنه و لعب القمار، و في المنجد: قمر يقمر قمرا: راهن و لعب في القمار، و الرجل: غلبه في القمار، و الرجل ماله: سلبه إيّاه. قامر مقامرة و قماراه: راهنه و لاعبه في القمار. تقمّر الرجل: غلبه في القمار. تقامر القوم: تراهنوا و لعبوا في القمار، و القمار: كل لعب يشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئا سواء كان بالورق أو غيره.
والظاهر أن معناه العرفي ما يعبر عنه في الفارسية “برد وباخت”، ويصدق على اللعب مع الرهان بآلات معدة لذلك.
وأما حكمه فلا خلاف في حرمته في الجملة وان كان القدر المتيقن منها فرض اجتماع شرطين احدهما اللعب بما كان من آلات القمار اي كانت منفعته الغالبة المقامرة والمغالبة به مع الرهان، وثانيهما اشتماله على الرهان فعلا، وأما مع فقد أحد الشرطين ففيه خلاف.
ويدل على حرمته الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى “انما الخمر والميسر والنصاب والازلام وجس من عمل الشيطان” و قوله تعالى “انما يريد الشيطان ليوقع بينكم البغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله فهل انتم منتهون”.
وأما الروايات فعمدتها ما يلي:
1- ما في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن معمر بن خلاد (وثقه النجاشي) عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة و كل ما قومر عليه فهو ميسر[33]، وسند الرواية تام.
2- ما في الكافي ايضا عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما أنزل الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) إنما الخمر- و الميسر و الأنصٰاب و الأزلٰام- رجس من عمل الشيطٰان فاجتنبوه قيل يا رسول الله ما الميسر- فقال كل ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز- قيل فما الأنصاب قال ما ذبحوا لآلهتهم- قيل فما الأزلام قال قداحهم التي يستقسمون بها[34]، وعمرو بن شمر ممن لم يوثق، وتدل الرواية على كون المراد من الميسر آلات القمار.
3- ما في الكافي ايضا عن عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن علي الوشاء عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سمعته يقول الميسر هو القمار[35]، وفي سهل كلام، ودلالتها مثل السابقة.
4- ما في الكافي ايضا عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران عن مثنى الحناط عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) النرد و الشطرنج هما الميسر[36].
5- ما فيه ايضا عنهم عن سهل عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبي أيوب عن عبد الله بن جندب عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشطرنج ميسر و النرد ميسر[37].
6- ما فيه ايضا عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عبد الملك القمي قال: كنت أنا و إدريس أخي عند أبي عبد الله ع- فقال إدريس جعلنا فداك ما الميسر- فقال أبو عبد الله هي الشطرنج قال- قلت إنهم يقولون إنها النرد قال و النرد أيضا[38].
7- صحيحة زياد بن عيسى (هو زياد بن ابي رجاء وقال عنه النجاشي زياد بن عيسى ابو عبيدة الحذاء ثقة) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عز و جل و لٰا تأكلوا- أموٰالكم بينكم بالبٰاطل فقال كانت قريش تقامر الرجل بأهله و ماله فنهاهم الله عز و جل عن ذلك[39]، ورواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن ابيه.
8- ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثٰان- و اجتنبوا قول الزور قال الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء[40].
8- ما في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد و الحسين بن سعيد جميعا عن النضر بن سويد عن درست عن زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل فاجتنبوا- الرجس من الأوثٰان و اجتنبوا قول الزور قال الرجس من الأوثان الشطرنج- و قول الزور الغناء[41].
9- ما فيه ايضا عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد[42] عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الشطرنج- فقال دعوا المجوسية لأهلها لعنها الله[43].
[1] – وسائل الشيعة ج17ص309
[2] – وسائل الشيعة؛ ج17، ص: 120
[3] – المكاسب ج1 ص 287
[4] – حاشية المكاسب ج1ص30
[5] – المكاسب المحرمة ج1ص 308
[6] – مستدرك الوسائل ج13ص314
[7] – وسائل الشيعة ج 17ص
[8] – المكاسب المحرمة ج1ص 312
[9] – وسائل الشيعة ج17ص 307
[10] – الرد على أصحاب العدد ص 19
[11] – الرد على أصحاب العدد ص 25
[12] – راجع الكافي ج7ص 267
[13] – تهذيب الاحكام ج10ص 187
[14] – وسائل الشيعة ج6 ص 210
[15] – وسائل الشيعة ج17 ص 310
[16] – ولأجل ذلك لم نفهم وجه فتوى بعض السادة الاعلام “دام ظله” بحرمة الغناء في القرآن والذكر والدعاء واحتياطه الوجوبي في الغناء في كلام آخر غير باطل .
[17] – وسائل ج17ص 312
[18] – وسائل ج17ص 306
[19] – سنن البيهقي ج 10ص 227
[20] – وسائل الشيعة؛ ج17، ص: 120
[21] – مصباح الفقاهة ج1ص 314
[22] – كفاية الأحكام؛ ج1، ص: 428
[23] – مصباح الفقاهة ج1ص 316
[24] – مصباح الاصول ج3ص429
[25] – معتمد العروة الوثقى كتاب الحج ج2ص203فصل في أقسام الحج م 2
[26] – كما في كتاب العين؛ ج7، ص: 372 و المحيط في اللغة؛ ج9، ص: 65و الصحاح ج5، ص: 2131 معجم مقائيس اللغة؛ ج3، ص: 14والنهاية في غريب الحديث و الأثر؛ ج2، ص: 305ومجمع البحرين؛ ج6، ص: 260
[27] – هو الشيخ البهجة “ره”.
[28] – ارشاد الطالب ج1ص 222
[29] – صراط النجاة (المحشى للخوئي)، ج1، ص: 376
[30] صراط النجاة (المحشى للخوئي)، ج3، ص: 228
[31] – دراسات في المكاسب المحرمة ج2ص 193
[32] – ارشاد الطالب ج1ص222
[33] – وسائل الشيعة ج17ص 323
[34] – وسائل الشيعة ج17ص 165
[35] – وسائل الشيعة ج17ص 165
[36] – وسائل الشيعة، ج17، ص: 324
[37] – وسائل الشيعة، ج17، ص: 324
[38] – وسائل الشيعة، ج17، ص: 324
[39] – وسائل الشيعة؛ ج17، ص: 164
[40] – وسائل الشيعة ج17ص 310
[41] – وسائل الشيعة؛ ج17، ص: 318
[42] – هكذا في نسخ الكافي على ما في الكافي ط دار الحديث ولكن نقل في هامش الوسائل عن بعض نسخ الكافي “هارون بن صدقة”.
[43] – وسائل الشيعة ج17ص 319