فهرست مطالب

فهرست مطالب

pdf

و لو أغمضنا عن ذلك كلّه و قلنا بالمعارضة فلا إشكال أيضا في أنّ الترجيح على ما دلّ على اعتبار ذهاب الحمرة، لا من جهة الأكثرية و الأشهرية، بل من جهة‌ مخالفتها للعامّة، والترجيح بمخالفة العامة وان كان متأخرا عن عن المرجّحات السندية، لكن ليس في المقام شيء من المرجّحات، لأنّ في كلتا الطائفتين من الصحاح ما لا يخفى، و العدالة و الوثاقة متحقّقة في كليهما، و لا أشهرية في البين لأنّ كلتا الطائفتين مشهورتان عند الرواة، و لا اعتبار بالشهرة العملية ما لم تصل إلى حدّ الإعراض عن الأخرى، مع أنّ الشهرة العملية في الطائفة الدالة على اعتبار زوال الحمرة، لأنّه لم ينسب القول باستتار القرص من الطبقة الأولى التي هي العبرة في كون عملهم جابرة و كاسرة، إلّا عن الكاتب و الصدوق و المرتضى و الشيخ و سلار و القاضي، مع أنّ عبارات بعضهم غير صريحة في ذلك، بل نقل عن بعضهم خلاف ما نسب إليه، فلا إشكال في أنّ الشهرة أو الأشهرية في تلك الطائفة، فالأقوى أنّ أول وقت المغرب إنّما هو ذهاب الحمرة المشرقية عن قمّة الرأس، كما صرّحت به بعض الروايات المتقدّمة، و به يقيّد ما دلّ على اعتبار الحمرة من غير تقييد بتجاوزها عن ذلك الحدّ[1].

المختار في المسألة

الظاهر هو تمامية قول المشهور من كون وقت صلاة المغرب من زوال الحمرة المشرقية، فانا نقبل أن في الروايات الدالة على كفاية استتار القرص توجد رواية صحيحة صريحة تدل على كفاية استتار القرص، وهي صحيحة داود بن فرقد قال سمعت ابي يسأل ابا عبد الله (عليه السلام) عن وقت المغرب، فقال: إذا غاب كرسيّها قلت: و ما كرسيّها؟ قال: قرصها قلت: متى يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره[2]، وهی تأبى عن الحمل على كون المراد بعدم رؤيته عدم روية القرص بما له من ىثر الحمرة كما أن ما ذكر من وجود ما يصلح للقرينية على التقية فيها وهو اصرار السائل واستنطاقه الإمام بتكرار السؤال، الى ان التجأ الامام الى الجواب، علي بن الحكم عمن حدثه كتاب الصلاة (للأراكي)؛ ج‌1، ص: 74

كذا هو موهن لخبر ابن الحكم المتقدّم المشتمل على إصرار السائل و فإنّه يوجب زوال الأصل المذكور عنه و إن فرضنا صحّة سنده كما في طريقه الذي رواه الصدوق.

 

[3] والتي رواها الصدوق في اماليه، بسند صحيح عن تأبى عن على ما كان صريحا بين روايات كفاية استتار القرص في عدم اعتبار زوال الحمرة المشرقية، ثلاث روايات: واحدة منها ضعيفة سندا، وهي رواية امالي الصدوق بسند مشتمل على مجاهيل عن أبان بن تغلب و الربيع بن سليمان و أبان بن أرقم و غيرهم، قالوا: أقبلنا من مكّة حتّى إذا كنّا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلّي و نحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلّي و نحن ندعو عليه و نقول: هذا من شباب أهل المدينة، فلمّا أتيناه إذا هو أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد (عليه السّلام)، فنزلنا فصلّينا معه و قد فاتتنا ركعة، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا: جعلنا اللّه فداك، هذه الساعة تصلّي؟، فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت.

والرواية الثانية فالرواية بسندها الثاني صحيحة، ولثة وان كانت موثقة وهي موثقة سماعة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: في المغرب إنا ربما صلينا و نحن نخاف أن تكون الشمس باقية خلف الجبل، أو قد سترنا منها الجبل، قال: فقال: ليس عليكم صعود الجبل[4]، لكن كما ذكر صاحب الحدائق ان مضمونها مشتمل على ما لا يمكن التصديق به، اذ يعتبر في غروب الشمس استتارها عن افق المكلف، فلو احتمل امكان رؤيتها خلف الجبل فلا يحرز الغروب، ولم يفرض وجود أمارة شرعية على استتار الشمس، بل الجواب بأنه ليس عليكم صعود الجبل، لا يناسب ذلك.

وأما بقية الروايات فالظاهر وجود جمع عرفي بينها وبين روايات الطائفة الثانية الدالة على اعتبار زوال الحمرة المشرقية، فاذا لاحظ العرف صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام “وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها” او صحيحة زرارة عن أبي جعفر “عليه السلام” إذا غابت الشمس دخل الوقتان: المغرب و العشاء، او معتبرة ذريح “أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعلمه مواقيت الصلاة، فقال… صل المغرب إذا سقط القرص، ولاحظ ايضا مثل رواية بريد بن معاوية “إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها، او مرسلة ابي ابي عمير “وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار من الصيام أن تتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار، و سقط القرص” ومرسلة ابن أشيم “وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، و تدري كيف ذلك؟ قلت: لا، قال: لأنّ المشرق مطلّ [5]على المغرب هكذا و رفع يمينه فوق يساره فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا”، وموثّقة يونس بن يعقوب قال: قلت‌ لأبي عبد اللّه (عليه السّلام) متى الإفاضة من عرفات؟ قال: إذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب الشرقي، مع أن الوارد هناك ايضا الوقوف الى غروب الشمس، وصحيحة عبد الله بن وضاح.

فيرى مفسرية هذه الروايات للمراد من غروب الشمس او سقوط القرص في تلك الروايات، وأما ما ذكره السيد الخوئي من كون المراد من ذهاب الحمرة هو ذهاب الحمرة التي تكون في المطلع الحقيقي للشمس وتزول مقارنا لسقوط القرص، ففيه أن الحمرة لاتكون في المطلع الحقيقي للشمس، بل تبتعد عنه كما هو المشاهد بالعيان، والحمرة التي ترى في المشرق قبيل غروب الشمس وان كانت تزول تقلّ شيئا فشيئا بحيث لا يبقى عند استتار القرص شيء من تلك الحمرة السابقة ولكن قبل انعدامها تتسع الحمرة الى فوق وهذه الحمرة تبقى في المشرق حوالي ربع ساعة بعد استتار القرص، وهذا هو الظاهر من قوله “اذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني المشرق فقد غابت الشمس من شرق الارض وغربها” اي ان المعتبر عند الشارع غيبوبة الشمس بنفسها من الغرب وبأثرها وهي الحمرة من المشرق، وأما ما ذكره السيد البروجردي من كون المراد من غرب الارض هو آخر مكان غربي يكون متساو السطح عرفا مع بلد المكلف، فقد اتضح عدم تماميته، لأن الفاصل بين بلدنا والبلد الغربي الذي يكون متساو السطح عرفا معنا بحيث لا تمنع كروية الارض من رؤيته اقل بكثير عن الفاصل بين استتار القرص وزوال الحمرة الذي يكون ربع ساعة، فهل يحتمل امكان رؤية البلد الغربي الذي يكون غروب الشمس فيه بعد ربع ساعة من غروب الشمس في بلدنا.

وأما صحيحة عبد الله ب‍ن وضاح فالظاهر تمامية استظهار المحقق الهمداني “قده” من كون المراد منها زوال الحمرة المشرقية، والتعبير في كلام الامام (عليه السلام) بالاخذ بالحائطة للدين، لا يقتضي حمل مورد الرواية على الشبهة المصداقية لاستتار القرص، فان الظاهر منه حفظ الدين باتخاذ حائط حوله، اذ التعبير بأنه يتوارى القرص ويقبل الليل ويزيد الليل ارتفاعا ويؤذن المؤذنون لا يتناسب مع الشك في تواري الشمس خلف الجبل، والا لكان المناسب أن يشير الى خوف كون الشمس خلف الجبل، وأما ما في المستمسك من قوة احتمال كون المراد زوال الحمرة المغربية ففيه أنه لو كان كذلك لكان ذكر هذه الخصوصيات تطويلا غير عرفي بل كان ينبغي أن يسأل أنه هل يلزم الانتظار الى سقوط الشفق او الحمرة في المغرب.

والظاهر عدم اباء مثل موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي “كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي المغرب حين تغيب الشمس حيث يغيب حاجبها[6] ايضا عن الحمل على مرتبة من غروب الشمس تلازم زوال الحمرة المشرقية، لأن غيبوبة حاجب الشمس عبارة أخرى عن سقوط القرص وغروب الشمس والشارع تصرف في المعنى الظاهر من هذه التعابير وحملها على مرتبة خاصة ليست تلك التعابير صريحة في خلافها الوافي؛ ج‌7، ص: 258

لعل المراد بحاجبها ضوؤها الذي في نواحيها فإن حجاب الشمس يقال لضوئها و حاجبها لنواحيها و في بعض النسخ حين يغيب حاجبها‌

________________________________________
كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان – ايران، اول، 1406 ه‍ ق

 

لسان العرب؛ ج‌1، ص: 299

و حاجِبُ الشمس: ناحيةٌ منها. قال:

ترَاءَتْ لنا كالشَّمْسِ، تحْتَ غَمامةٍ،

 

بدَا حاجِبٌ منها و ضَنَّتْ بِحاجِبِ

و حَواجِبُ الشمس: نَواحِيها. الأَزهري: حاجِبُ الشمس: قَرْنُها، و هو ناحِيةٌ من قُرْصِها حِينَ تَبْدَأُ في الطُّلُوع، يقال: بَدا حاجِبُ الشمسِ و القمر، و حاجِبُ كل شي‌ءٍ: حَرْفُه. و ذكر الأَصْمعِي أَنَّ امْرأَةً قَدَّمَتْ إلى رجل خُبزَةً أَو قُرْصَةً فجَعلَ يأكُلُ من وَسَطِها، فقالت له: كُلْ من حَواجِبِها أَي مِن حُرُوفِها.

 

 

نعم ظاهرها اعم من هذه المرتبة. هيويات فقهية؛ ص: 266

يحة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن وقت افطار الصائم؟ قال: «حين يبدو ثلاثة أنجم»

 

وكذا صحيحة زرارة “وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت[7]، اذ يمكن للمكلف تخيل دخول الليل وزوال الحمرة لوجود غيم في السماء ونحوه ثم يرتفع الغيم وترى الشمس في الأفق.

كما أن رواية محمد بن يحيى الخثعمي “كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي المغرب و يصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة منازلهم على نصف‏ ميل فيصلون معه ثم ينصرفون إلى منازلهم و هم يرون مواضع نبلهم” قابلة لارادة زوال الحمرة، فانه اذا صلي النبي (صلى الله عليه وآله) المغرب خفيفا ومشى بنو سلمة تسمعأة متر فيمكنهم على الظاهر رؤية مواضع سهامهم.

وأما حمل الطائفة الثانية الدالة على اعتبار زوال الحمرة على الاستحباب فهو خلاف الظاهر من كونها تفسيرا لغروب الشمس، كما لا يتناسب مع التعبير بالاخذ بالحائطة للدين، كما أن حملها على أمارية زوال الحمرة على استتار القرص بحيث يرجع اليه في موارد الشك في استتار القرص خلاف مفاد هذه الروايات، كما اتضح مما تقدم.

ثم انه لو فرض عدم كون الجمع بحمل روايات استتار القرص على كون المراد منه مرتبة خاصة تقارن زوال الحمرة من الجمع العرفي، فلابد من ترجيح روايات زوال الحمرة المشرقية، لمخالفتها للعامة، فان المتسالم عليه بين العامة كون الوقت هو استتار القرص.

نعم ناقش صاحب مباني منهاج الصالحين في روايات الترجيح ب‍مخالفة العامة بضعف سندها، وخص الترجيح بالأحدثية.

وعمدة روايات الترجيح بمخالفة العامة ما يلي:

1- مقبولة عمر‌بن ‌حنظلة، قال قلت: جعلت فداك ارأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ قال ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا قال ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر([8])، ولم يرد في حق عمر بن حنظلة توثيق خاص.

2- رواية سعيد ‌بن ‌هبة الله الراوندي في رسالته التي ألفها في أحوال أحاديث أصحابنا وإثبات صحتها، عن محمد وعلي ابني علي‌ بن ‌عبد الصمد عن أبيهما عن ‌ابي ‌البركات علي‌ بن‌ الحسين عن ‌ابي‌جعفر‌ بن‌ بابويه عن أبيه عن سعد ‌بن‌ عبدالله عن أيوب ‌بن‌ نوح عن محمد‌ بن ‌ابي‌ عمير عن عبدالرحمن‌ بن‌ ابي‌ عبدالله قال قال الصادق‌ عليه‌السلام: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه، فإن لم‌تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه([9])

وسندها مشتمل على ابي البركات، وهو لم‌يوثق في الرجال صريحا، عدا ما ذكره الشيخ الحر في تذكر المتبحرين من انه عالم صالح محدث، وحينئذ فقد يقال ان الفاصل الزمني بين الشيخ الحر والسيد‌ابي‌البركات يبلغ 700 سنة تقريبا وهذا يوجب ضعف احتمال كون شهادته ناشئة عن مقدمات حسية، على أن صاحب الوسائل نقلها عن رسالة للشيخ الراوندي، وهذه الرسالة ليست من الكتب المشهورة، وطريق صاحب الوسائل الى كتب الاصحاب لم‌يكن طريقا الى تفاصيل تلك الكتب ونسخها، ولم يكن يرى نفسه ملزما بان يتعرّف على تلك الكتب من طريق المشايخ، فضلا من ان يأخذ النسخة منهم، ففي امل الآمل الذي هو تاليف صاحب الوسائل: “اقول وقد رأيت له (أي للشيخ الراوندي) كتاب قصص الأنبياء أيضا وكتاب فقه القرآن ورسالة في احوال احاديث اصحابنا واثبات صحتها” فترى انه عبّر انه رأى تلك الكتب فلو كان له طريق الى تفاصيل تلك الكتب او نسخها لكان المناسب ان يذكر ذلك.

كما ذكر في الوسائل “ان مصنفات الصدوق واكثر الكتب التي ذكرناها ونقلنا منها، معلومة النسبة الى مؤلفيها بالتواتر، والباقي منها عُلم بالاخبار المحفوفة بالقرائن وذكرها علماء الرجال واعتمد على نقلها العلماء الاعلام ووجدت بخطوط ثقات الافاضل ورأينا على نسخها خطوط علماءنا المتاخرين وجمع من المتقدمين بحيث لامجال للشك في صحتها والثبوت لمؤلفيها”([10]) فترى ان هذا الكلام لايناسب ثبوت طريق له على تفاصيل تلك الكتب فضلا عن نسخها.

وبناء على ذلك فليس لصاحب الوسائل طريق حسي الى هذه الرسالة، فضلا عن النسخة التي ينقل منها، بل لابد لنا من احراز انتسابها الى الراوندي وصحة النسخة التي ينقل منها صاحب الوسائل.

الا ان يحصل الاطمئنان بذلك، لان السند المذكور في الوسائل في هذه الرواية المنقولة عن رسالة الشيخ الراوندي من الاسانيد المعروفة للشيخ الراوندي الى الصدوق.

3- رواية الرواندي ايضا باسناده عَنِ ابْنِ بَابَوَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ رَجُلٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ السَّرِيِّ قال قال ابوعبدالله عليه‌السلام اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم([11])، ولكنها ضعيفة بالارسال مضافا الى الاشكال السابق.

4- رواية الراوندي ايضا باسناده عَنْ الصدوق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قال قلت للعبد الصالح هل يسعنا فيما ورد علينا منكم الا التسليم لكم فقال لاوالله لايسعكم الا التسليم لنا فقلت فيروى عن‌ ابي‌عبدالله (عليه‌السلام) شيء ويروى عنه خلافه فبأيّهما نأخذ؟ فقال: خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه([12])، ولكنها ضعيفة للاشكال المذكور في الرواية الثانية مضافا الى وجود اشكال في وثاقة ابن المتوكل و السعد آبادي.

5- رواية الراوندي ايضا باسناده عن الصدوق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال قلت للرضا عليه‌السلام كيف نصنع بالخبرين المختلفين فقال اذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا الى ما يخالف العامة منهما فخذوه وانظروا الى ما يوافق أخبارهم فدعوه([13])، لكنها ضعيفة السند لأجل عدم ثبوت وثاقة محمد‌ بن ‌ابي‌عبدالله مضافا الى الاشكال السابق.

والانصاف حصول الاطمئنان بصدور واحد من هذه الروايات، مضافا الى ما مر من امكان اثبات وثاقة عمر بن حنظلة من طريق ورد توثيقه في رواية يزيد بن خليفة السابقة، حيث نقل عن الامام أنه لا يكذب علينا، ويزيد بن خليفة من مشايخ صفوان، فيثبت الترجيح بمخالفة العامة.

هذا وقد ذكر صاحب الكفاية أن مقتضى القاعدة سقوط الخبر الموافق للعامة عن الحجية بعد فرض وجود المعارض له، ولذا ذكر ان هذه الروايات وردت في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة، ويعني بذلك كون مقتضى القاعدة سقوط الخبر الموافق للعامة عن الحجية بعد فرض المعارض له، حيث لايجري فيه أصالة الجهة عند العقلاء.

ولكن الظاهر انه لاوجه للمنع عن جريانها فيه بشكل عام عدا ما احتمله صاحب الكفاية من ان حمله على التقية مقتضى الجمع العرفي([14])، وتقريبه: ان الخبر المخالف للعامة لما كان نصا في عدم التقية فيكون قرينة على حمل الخبر الموافق لهم على التقية، ولو بان يكون الخبر صادرا عن الإمام عليه‌السلام على وجه التورية، وهذا ما اختاره في البحوث، وذكر ان هذا الجمع العرفي انما يكون في فرض انتفاء سائر انحاء الجمع العرفي، ولعل نكتته ان الجمع بسائر انحاء الجمع العرفي اكثر شيوعا بين العقلاء من هذا الجمع الذي يكون بملاحظة الظروف الخاصة التي كان يعيشها الإمام عليه‌السلام([15]).

ولكن لم‌يظهر لنا كون ذلك جمعا عرفيا.

وأما ما ذكره المحقق الهمداني “قده” من انه لولم يكن الخبر الموافق للعامة مبتلى بالمعارض لكن كان المورد مورد التقية بحيث لو كان الحكم الواقعي على خلاف مذهب العامة لكان بيان الإمام (عليه‌السلام) له خلاف ضرورة التقية فلاتجري عند العقلاء اصالة الجد في الكلام الصادر منه عليه‌السلام الموافق للعامة([16])، فانما يتم في موارد ضرورة التقية دون التقية المداراتية ونحوها، ولعله يشير اليه ما ورد في رواية الحسن بن ايوب (مجهول) عن عبيد‌بن‌زرارة “ما سمعتم مني يشبه قول الناس ففيه التقية([17])”، والمقام ليس من قبيل ضرورة التقية بعد ابتداء الامام (عليه السلام) بالكلام في عدة منها، وذكر ما لا ضرورة الى ذكره كقوله “حيث يغيب حاجبها” بعد قوله “كان رسول الله يصلي المغرب حين تغيب الشمس”.

شهرت روائي طائفة اولى

ثم انه في ختام البحث ينبغي ذكر كلام محكي عن الوحيد البهبهاني “ره” من أنه لو بني على لزوم زوال الحمرة المشرقية في اول الليل فمقتضى المقابلة الالتزام بمثله في الطلوع أيضاً، و أنه يتحقق طلوع الشمس حين ظهور الحمرة المغربية في الافق، وبكون ذلك قبل عشر دقائق من طلوع الشمس تقريباً[18]، وفيه أن تصرف الشارع في مفهوم الغروب لا يلازم تصرفه في مفهوم الطلوع، فالقياس مع الفارق.

ما هو المراد من منتصف الليل

قال صاحب العروة: و يعرف نصف الليل بالنجوم الطالعة أول الغروب إذا مالت عن دائرة نصف النهار إلى طرف المغرب، و على هذا فيكون المناط نصف ما بين غروب الشمس و طلوعها لكنه لا يخلو عن إشكال، لاحتمال أن يكون نصف ما بين الغروب و طلوع الفجر كما عليه جماعة، و الأحوط مراعاة الاحتياط هنا و في صلاة الليل التي أوّل وقتها بعد نصف الليل.

اقول: وقع الخلاف في أن المراد من منتصف الليل المجعول غاية للعشاءين و مبدءاً لمشروعية صلاة الليل او افضليتها، هل هو نصف ما بين غروب الشمس و بين طلوع الفجر، ام نصف ما بين غروب الشمس و طلوعها، و حيث إن ما بين الطلوعين يعادل ساعة و نصف الساعة تقريباً، فالتفاوت بين القولين يكون حوالي ثلاثة أرباع الساعة.

ذهب المشهور الى الاول، و لكن ذهب جماعة الى الثاني، واستدل السيد الخوئي “قده” على القول الثاني بعد ما قواه بوجهين:

احدهما: المتفاهم العرفي من الليل هو ما بين غروب الشمس الى طلوعها في قبال النهار الذي هو من طلوع الشمس الى غروبها ويكون منتصف الليل والنهار ما بين ذلك.

ثانيهما: التعبير بالغسق في قوله تعالى “أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ” بضميمة الروايات المفسّرة له بمنتصف الليل، ففي صحيحة زرارة “و غسق الليل هو انتصافه[19]” و في صحيحة بكر بن محمد “و آخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل[20]” و ذلك لأن اشتداد ظلمة الليل و نهايتها إنما هو في المنتصف مما بين غروب الشمس و طلوعها، حيث يصل مكان المكلف الى وسط الظلمة اي الظل الحادث من جهة اشراق الشمس على الطرف الآخر.

ثم قال: و يتأيد ذلك بروايتين لولا ضعفهما لكانتا دليلين على المطلوب:

إحداهما: رواية الصدوق في الفقيه باسناده (المذكور في مشيخته بقوله “و ما كان فيه عن عمر بن حنظلة فقد رويته عن الحسين بن أحمد بن إدريس- رضي اللّه عنه- عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة[21]“) عن عمر بن حنظلة أنه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) فقال له: زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال: للّيل زوال كزوال الشمس، قال: فبأيّ شي‌ء نعرفه؟ قال: بالنجوم إذا انحدرت[22] حيث يستفاد منها أنه كما أن انحدار الشمس بعد ارتفاعها و نهاية صعودها يدل على الزوال و حلول نصف النهار، فكذلك انحدار النجوم الطالعة عند الغروب، فإنه يدل‌ على انتصاف الليل، أي النصف من غروب الشمس إلى طلوعها مثل نصف النهار.

و لا يخفى أن كون الانحدار المزبور علامة على الانتصاف موقوف على إرادة النجوم الطالعة أول الليل و عند الغروب، والتي تكون دائرة في مدار الشمس و متحدة معها في مدارتها، ضرورة أنها مختلفة، و من ثم قد يكون الليل أطول من النهار، و قد يكون أقصر، فإنه لو كانت النجوم طالعة قبل الغروب بأمتار أو بعده بزمان، فلا جرم تنحدر قبل الانتصاف في الأول و بعده في الثاني، فلا يكون انحدارها دليلاً على الانتصاف، كما أنه لو اختلف المدار و كان مسير الشمس و مدارها ليلاً أربع عشرة ساعة مثلًا و سير النجم أقل من ذلك أو بالعكس، فإنه ينحدر قبل الانتصاف أو بعده بطبيعة الحال و إن اتحد معها في الطلوع، فحينئذ كان انحدار النجوم علامة على الانتصاف، بشرط لحاظ المنتصف ما بين الغروب إلى طلوع الشمس، كما هو واضح.

ثانيتهما: رواية مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ الْقَرَوِيِّ عَنْ ابان عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دلوك الشمس زوالها، و غسق الليل بمنزلة الزوال من النهار[23].

فإنها ظاهرة الدلالة على تحقق الانتصاف عند ما تزول الشمس عن دائرة نصف الليل المحاذية لدائرة نصف‌ النهار، غير أن سند الاولى ضعيف بعدم ثبوت وثاقة عمر بن حنظلة والثانية ضعيف بأحمد بن عبد اللّٰه القروي مضافاً إلى جهالة طريق السرائر إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب، فلا تصلح إلا للتأييد[24].

اقول: أما رواية عمر بن حنظلة فالظاهر عندنا صحة سندها، لما مر من أن يزيد بن خليفة روى أنه قال لابي‌عبدالله ان عمر ‌بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال ابو عبد الله (عليه ‌السلام) اذاً لا يكذب علينا([25])، وهو ظاهر في وثاقة عمر‌بن حنظلة، وحيث ان صفوان يروى عن يزيد ‌بن ‌خليفة في عدة موارد([26]) فيثبت بذلك وثاقته.

وأما رواية ابي بصير فالاشكال في سندها منحصر بجهالة احمد القروي والا فلا اشكال في طريق صاحب السرائر الى كتاب محمد بن علي بن محبوب لما ذكر من أن هذا الكتاب كان بخط شيخنا أبي جعفر الطوسي “ره” فنقلت هذه الأحاديث من خطه[27].

يقع الكلام في دلالتهما:

أما دلالة رواية عمر بن حنظلة فنقول: لا اشكال في أن المراد من النجوم التي يكون انحدارها علامة ولو تقريبية على منتصف الليل ليست كل النجوم لانتشارها في جميع السماء شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، فدائما تنحدر بعض النجوم من فوق الرأس، الى جانب المغرب، وهذا ما تنبه اليه العلماء في تفسير هذه الرواية، كما أن اصل التفات السيد الخوئي الى اختلاف زمان غروب النجوم التي تطلع من المشرق في زمان واحد لاختلاف مدارتها، والذي يؤثر في زمان انحدارها تام جدا، فان حركة الارض الانتقالية حيث توجب أن تواجه الشمس فوق خط الاستواء بثلاث وعشرين درجة ونصف في اطول يوم من ايام الصيف وتواجه الشمس تحت خط الاستواء بثلاث وعشرين درجة ونصف في اطول ليلة من ليالي الشتاء، فكذلك تؤثر هذه الحركة بل نفس اختلاف مواقع النجوم واختلاف نسبة الأرض وبلد المكلف مع أي منها في اختلاف زمان غروب نجم عن نجم آخر وان اتحد وقت طلوعهما، ولذا ذكر في البحار أنه إذا اتفق طلوع كوكب عند غروب الشمس فربما وصل قبل ساعة من منتصف الليل إلى فوق رأس المكلف ككوكب يسمى بفرد الشجاع، و ربما وصل قبل ساعتين منه كالكوكب المسمى بالشعراء اليمانية، و ربما وصل اليه بعد ساعة ونصف تقريبا من منتصف الليل كالكواكب المسماة بسماك الرامح و رأس الجوزاء و فم الفرس، أو بعد ساعتين تقريبا كالنسر الطائر و العيوق و نير الفكة، أو بثلاث ساعات تقريبا كالنسر الواقع، أو أربع ساعات كالردف، ثم قال: و حمل كلام الإمام (عليه السلام) في بيان القاعدة التي تحتاج إليها عامة الخلق على معنى لا يعرفه إلا أوحدي الناس في هذا الفن في غاية البعد، و هذا يؤيد كون الرما ذكرنا أنه مبني على التقريب و التخمين لاستعلام أول صلاة الليل فيسقط الاستدلال به على ما توهموه كما عرفت.

و ربما يحمل على الكواكب التي كانت معروفة عند العرب و كانوا يعرفون بالتجارب طلوعها و غروبها و وصولها إلى نصف النهار و يكون الغرض تنبيههم على أنه يمكن استعلام الأوقات بأمثال ذلك بعد تحصيل التجربة و فيه‌ أيضا ما فيه، و ذكر بعض أفاضل الأذكياء لذلك في طول السنة علاماتٍ[28].

وكيف كان فلا يتم ما ذكره السيد الخوئي من لزوم وحدة مدار النجم والشمس، فان النجم الذي يكون انحداره مقارنا لمنتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها هو الذي يكون مقدار بقاءه في الافق في الليل بمقدار غيبوبة الشمس عن الافق في الليل، فيكون طلوعه من المشرق عند غروب الشمس مستلزما لغروبه في المغرب عند طلوع الشمس، وهذا ينافي فرض وحدة مدارهما، اذ لازم وحدة مدارهما أن يكون مقدار مكث النجم في الافق في الليل بمقدار مكث الشمس في الافق في النهار فلو كان النهار اربع عشر ساعة والليل عشر ساعات، كان مدة مكث النجم الذي يكون في مدار الشمس في الليل اربع عشر ساعة لا عشر ساعات كما هو واضح بالتأمل، فلو كانت الشمس في مدار رأس الجدي كما في اول الشتاء في بلادنا الواقعة في النصف الشمالي للكرة الأرضية وكان النجم ايضا في هذا المدار في خط طولي يكون طلوعه في وقت غروب الشمس فلا محالة يكون زمان مكثه في الافق بمقدار زمان مكث الشمس في الافق والذي يكون بالنهار، وهذا كما اتضح ينتج خلف المقصود، وعليه فلو كانت الشمس في مدار رأس الجدي فلابد أن يكون مدار النجم في مدار رأس السرطان وكذا بالعكس، وهذا شيء لا يمكن ضبطه، بل لابد من التجربة طول السنة، بأن يلحظ في الأيام السابقة القريبة النجوم الطالعة من المشرق عند غروب الشمس والتي تغرب عند طلوع الشمس ويميِّزها عن بقية النجوم بعلامةٍ، فيجعل انحدارها في الليلة المتأخرة علامة منتصف الليل، والظاهر أن هذا كان مقصود السيد الخوئي وان كان تعبيره بوحدة المدار غير متناسب.

ولكن المشكلة ما ذكره المجلسي “ره” في البحار من أنه حيث يلزم تخصيصها بالكواكب التي تطلع عند غروب الشمس، -اذ الكواكب في الليل منتشرة في جميع السماء- فأكثر الكواكب لا تظهر للأبصار إلا بعد مضي زمان من غروب الشمس، والا فلو حملت على الكواكب التي كانت عند ظهورها على الأفق، فهي تصل إلى دائرة نصف النهار بعد مضي كثير من انتصاف الليل، و لو حملت على أن يقدَّر أنها كانت عند الغروب على الأفق فهذا مما لا يهتدي إليه أكثر العوام بل الخواص أيضا، فلابد من حملها على ما كانت ترى في البلدان في بدو ظهورها فوق الأبنية و الجدران و الظاهر في أمثالها أنها تصل إلى دائرة نصف النهار قبل انتصاف الليل المعهود عندهم.

فالظاهر أن التحديد في الرواية تقريبي، إذ تعيين كواكب مخصوصة كل ليلة لا يتيسر لأكثر الخلق مع أن الانحدار لا يتبين لهم إلا بعد مضي زمان من التجاوز عن دائرة نصف النهار، و في مثل ذلك لا يؤثر التقدم و التأخر بقدر نصف ساعة أو ثلثيها أو أكثر من ذلك بقليل، فلا ينافي أن يكون منتصف الليل ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر[29].

وان شئت قلت: بعد عدم امكان تشخيص نجم خاص يكون انحداره مقارنا لانتصاف الليل، ولزوم رعاية وقت غروب نجم عن الافق في آخر الليل، ولزوم رعاية طلوعه في الليالي السابقة القريبة في الافق اول الليل ولا يرى ذلك عادة حين الطلوع، فكما يمكن أن يكون المعتبر رعاية نجم يغرب عند طلوع الشمس ويطلع حين غروب الشمس فيوافق القول المخالف للمشهور فكذلك يمكن أن يكون المعتبر رعاية نجم يغرب عند طلوع الفجر ويطلع قبل غروب الشمس ساعة وربع تقريبا بمقدار ما بين الطلوعين، فيوافق قول المشهور، ويؤيد الأخير عدم امكان رؤية نجم يطلع من المشرق حين غروب الشمس الا بعد ما يلحظ فوق الأفق بعد مدة معتد بها، فلا تدل الرواية على من القولين بعد عدم اختلاف كثير بينهما في العلامة التقريبية لانحدار بعض النجوم والتي لم تحدد في الرواية، بل كانت الرواية مجرد مشير الى ما لعله كان متعارفا بين الناس.

ثم انه لا ينبغي التشكيك في أصل كون انحدار نجوم معينة تعرف بالتجربة في الليالي السابقة القريبة علامة تقريبية لمنتصف الليل، فان الظاهر أنه كان في الناس سابقا جمع معتد به يمكنهم التشخيص التقريبي لمنتصف الليل، حيث ورد في الروايات تحديد منتهى صلاة المغرب والعشاء بمنتصف الليل ومبدأ صلاة الليل به وكذا ورد في صحيحة محمّد بن مسلم أنه كان رسول اللّٰه (صلى الله عليه و آله) إذا صلّى العشاء الآخرة آوى إلىٰ فراشه، ثمَّ لا يصلّي شيئاً إلّا بعد انتصاف الليل، وفي رواية أخرى:‌ …حتّى يزول الليل، فإذا زال الليل صلّىٰ ثماني ركعات و أوتر في الركعة الأخيرة[30]، وفي رواية الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) إِذَا كَانَ لَيْلَةُ إِحْدَى [31]وَ عِشْرِينَ- وَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ أَخَذَ فِي الدُّعَاءِ حَتَّى يَزُولَ اللَّيْلُ- فَإِذَا زَالَ اللَّيْلُ صَلَّى[32]، وفي معتبرة أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَدَّمَ النِّسَاءُ إِذَا زَالَ اللَّيْلُ- فَيَقِفْنَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ سَاعَةً.

فاذاً لم تتم دلالة رواية عمر بن حنظلة على كون المراد من منتصف الليل هو ما بين غروب الشمس الى طلوعها.

وأما الرواية الثانية فلم يرد فيها الا أن غسق الليل بمنزلة الزوال من النهار اي ان غسق الليل هو منتصفه كما أن منتصف النهار هو زواله، وهذا لا يعني ملاحظة كون منتهى الليل طلوع الشمس، حتى يكون منتصف الليل ما بينه وبين غروب الشمس، بل لعله لاحظ كون منتهاه طلوع الفجر ويكون منتصف الليل ما بينه و بين غروب الشمس.

فالمهم ملاحظة الوجوه التي استدل بها على مختاره، فنقول: أما الوجه الاول وهو أن المتفاهم العرفي من الليل هو ما بين غروب الشمس الى طلوعها في قبال النهار الذي هو من طلوع الشمس الى غروبها ويكون منتصف الليل والنهار ما بين ذلك، فتام جدا، فان العرف العام يرى بقاء الليل بعد طلوع الفجر مادام السماء مظلما، وان لم يتضح لنا كون منتهى الليل ومبدأ النهار هو طلوع الشمس فلعله قبيل ذلك اي حين تبيض السماء، الا انه لا ينافي امكان انعقاد ظهوره في العرف المتشرعي في كون منتهاه ومبدأ النهار بطلوع الفجر، فلابد من ملاحظة الوجوه الآتية التي استدل بها المشهور.

وأما الوجه الثاني وهو أن غسق الليل -الذي جعل آخر وقت العشاء وفسر في مثل صحيحة زرارة بانتصاف الليل[33]، و ورد في صحيحة بكر بن محمد “و آخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل[34]“- هو اشتداد ظلمة الليل، وهذا يكون في المنتصف مما بين غروب الشمس و طلوعها، حيث يصل مكان المكلف الى وسط الظلمة اي الظل الحادث من جهة اشراق الشمس على الطرف الآخر ففيه أن كون الظلمة في منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها اشد مما قبله وما بعده فليس محسوسا لدى العرف بل يساوي هو مع ما قبله وما بعده في شدة الظلمة، ولذا ذهب جماعة الى كون غسق الليل سقوط الشفق، كما ذهب آخرون الى كونه ما قبل طلوع الفجر، وعليه فلا يكون ظاهرا في منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها.

وقد استدل ايضا بالنصوص المتضمنة لإطلاق نصف النهار على الزوال، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أنه سأل عن الرجل يخرج من بيته و هو يريد السفر و هو صائم، قال فقال: إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتم يومه[35].

و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به من شهر رمضان[36]

و في صحيحة زرارة: … و قال تعالى حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ و هي صلاة الظهر، و هي أول صلاة صلاها رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) و هي وسط النهار[37].

فانّ توصيف الزوال بنصف النهار أو بوسطه إنما يستقيم بناءً على كون مبدءه طلوع الشمس، إذ لو كان طلوع الفجر لتحقق الانتصاف قبل الزوال بثلاثة أرباع الساعة تقريباً[38].

اقول: الانصاف تمامية هذا الوجه، ولكن لابد من الجواب عما استدل به المشهور على كون منتصف الليل ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، فانهم استدلوا لذلك بعدة وجوه:

الوجه الاول: الاستدلال بالمتفاهم العرفي، فقد ذكر في البحار: انه لا يفهم في عرف الشرع و لا في العرف العام و لا بحسب اللغة من اليوم أو النهار إلا ما هو من ابتداء طلوع الفجر و لم يخالف في ذلك إلا شرذمة قليلة قد انقرضوا، نعم بعض أهل الحرف و الصناعات لما كان ابتداء عملهم من طلوع الشمس قد يطلقون اليوم عليه و بعض أهل اللغة لما رأوا هذا الإصلاح ذكروه في كتب اللغة و يحتمل أن يكون كلاهما بحسب اللغة حقيقة، و كذا المنجمون قد يطلقون اليوم على ما بين الطلوع إلى الغروب و على ما بين الطلوع إلى الطلوع و على ما بين الغروب إلى الغروب و على ما بين الزوال إلى الزوال و كذا النهار على المعنى الأول و الليل على ما بين غروب الشمس إلى طلوعها، لكن لا ينبغي أن يستريب عارف بقواعد الشريعة و إطلاقاتها في أنه لا يتبادر فيها مع عدم القرينة من النهار إلا ما هو مبتدأ من طلوع الفجر، و قد يطلق اليوم على مجموع الليل و النهار، و لا يتبادر من الليل إلا ما ينتهي بطلوع الفجر[39].

وفيه ما مر من أنه لا ريب أنه يكون الليل في العرف العام باقيا بعد طلوع الفجر مادامت الظلمة باقية.

الوجه الثاني: التمسك بعدة من الآيات:

منها: قوله تعالى: انا انزلناه في ليلة القدر…سلام هي حتى مطلع الفجر” فان ظاهره يأبى عن حمله على التخصيص بأن تكون ليلة القدر باقية بعد طلوع الفجر لكن لا تكون سلاما.

ومنها: قوله تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَر، وَ الصُّبْحِ إِذٰا أَسْفَرَ، فان ظاهر المقابلة هو كون الصبح الذي لا ريب في كونه من طلوع الفجر في قبال الليل.

ونحوها قوله تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذٰا عَسْعَسَ، وَ الصُّبْحِ إِذٰا تَنَفَّسَ، وكذا قوله تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ… إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ، أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ، وقوله تعالى: وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلٰا تَعْقِلُونَ” و قوله تعالى: فٰالِقُ الْإِصْبٰاحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً”، وقوله تعالى: وَ الْفَجْرِ. وَ لَيٰالٍ عَشْرٍ. وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ، وقوله تعالى: وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَ مِنَ اللَّيْلِ، فانه لا ريب في ظهوره في أن التسبيح قبل طلوع الشمس الذي يراد به صلاة الفجر في غير الليل.

ومنها: قوله تعالى: كتب عليكم الصيام…أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ، فانه لا يب في كون مبدأ الصوم من طلوع الفجر فقد قال تعالى: حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ.

ومنها: قوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلّٰا قَلِيلًا نِصْفَهُ او انقص منه قليلا او زد عليه… إِنَّ نٰاشِئَةَ اللَّيْلِ هي اشد وطئا واقوم قيلا.

فان من المعلوم أن الواجب على النبي (صلى الله عليه و آله) القيام إلى الفجر و أنه هو الذي يلاحظ نصفه و ثلثه و ثلثاه كما دلت عليه الأخبار.

ويمكن ان يجاب عن هذه الآيات أنه لا اشكال في صحة استعمال الليل في المعنى الأخص وهو ما يقابل الصبح ويكون القرينة عليه نفس المقابلة مع الصبح كما في هذه الآيات، ولكنه لا ينافي كون الظهور الاطلاقي للفظ الليل المقابل للنهار واليوم يشمل ما بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس، والاستدلال بهذه الآيات على كونه حقيقة في ما يقابل الصبح غير صحيح، فان الاستعمال مع القرينة ولو كان كثيرا، لا ينافي الظهور الاطلاقي للفظ الليل في ما يشمل ما بعد طلوع الفجر.

ومنها: وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ، وقد استدل به الشيخ الطوسي “ره” في الخلاف على كون آخر الليل واول النهار طلوع الفجر فقال: الفجر هو أول النهار و آخر الليل، و به قال عامة أهل العلم، و ذهبت طائفة الى أن ما بين طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ليس من الليل و لا من النهار، بل هو زمان منفصل بينهما، و ذهبت طائفة الى أن أول النهار هو طلوع الشمس، و ما قبل ذلك من الليل، فتكون صلاة الصبح من صلاة الليل، و لا يحرم الطعام و الشراب على الصائم إلى طلوع الشمس ذهب إليه الأعمش و غيره، و روي ذلك عن حذيفة، دليلنا: على فساد قول الفرقة الأولى: قوله تعالى “يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهٰارِ وَ يُولِجُ النَّهٰارَ فِي اللَّيْلِ” و هذا ينفي أن يكون بينهما فاصل، و يدل على فساد‌ قول الأعمش قوله تعالى “أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰار” و لم يختلفوا ان المراد بذلك صلاة الصبح و العصر، فلما كانت صلاة الصبح تقام بعد طلوع الفجر و قبل طلوع الشمس دل ذلك على أن هذا الوقت طرف النهار، و أيضا أجمعت الفرقة المحقة على تحريم الأكل و الشرب بعد طلوع الفجر، و قد بينا أن ذلك حجة على أن هذا الخلاف قد انقرض، و أجمع عليه المسلمون، فلو كان صحيحا لما انقرض[40].

كما ذكر القاضي ابن البراج في جواهر الفقه: صلاة الصبح من صلاة النهار، لقوله تعالى: وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ” و لا خلاف في ان المراد بذلك، صلاة الفجر و العصر، و لما كانت صلاة الفجر تقام بعد طلوع الفجر الى قبل طلوع الشمس، و كان ذلك دالا على ان هذا الوقت طرف النهار، و لأن إجماع الطائفة عليه أيضا[41].

وقد تعرض السيد الخوئي “قده” للاستدلال بهذه الآية ولكن ذكر في تقريبه أن المراد بالصلاة طرفي النهار صلاة الغداة و المغرب كما فسّرت بذلك في صحيحة زرارة، حيث ورد فيها “وَ قَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ طَرَفَاهُ الْمَغْرِبُ وَ الْغَدَاةُ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ وَ هِيَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ[42]” و حيث إنّ طرف الشي‌ء داخل فيه، فيكون الغداة داخلاً في النهار، ثم اورد عليه بأن طرف الشي‌ء كما يطلق على ما هو داخل فيه كالجزء الأول و الأخير، كذلك يطلق على ما هو خارج عنه متصل به كحدّ له، و لا شبهة أن المراد من أحد الطرفين في الآية المباركة هو المعنى الثاني كما سمعت من تفسيره بالمغرب الذي هو خارج عن النهار قطعاً، فلابد بمقتضى اتحاد السياق أن يكون الطرف الآخر أيضاً كذلك، إذن فالآية المباركة على خلاف المطلوب أدلّ[43].

وانت ترى ان استدلال الشيخ “ره” في الخلاف كان مبنيا على دعوى الاجماع على كون المراد من طرفي النهار الغداة والعصر، فلا يرد عليه اشكاله، نعم الصحيح المنع من كون المراد به الغداة والعصر لمخالفته لصحيحة زرارة، فاذا اريد منه صلاة الغداة والمغرب، كان ظاهره خروج الغداة ايضا عن النهار، ولكن ليس بحيث يعارض بعض الروايات الصريحة في كون صلاة الغداة صلاة بالنهار.

الوجه الثالث: الاستدلال بالروايات:

منها: ما ورد في استحباب الغلس بصلاة الفجر، أي الإتيان بها عند طلوع الفجر، ففي رواية رزيق عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يصلي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو قبل أن يستعرض و كان يقول و قرآن الفجر إن قرآن الفجر كٰان مشهودا إن ملائكة الليل تصعد و ملائكة النهار تنزل عند طلوع‌ الفجر فأنا أحب أن تشهد ملائكة الليل و ملائكة النهار صلاتي[44].

و في معتبرة إسحاق بن عمار: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أخبرني عن أفضل المواقيت- في صلاة الفجر قال مع طلوع الفجر إن الله تعالى يقول إن قرآن الفجر كٰان مشهودا يعني صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار فإذا صلى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبت له مرتين تثبته ملائكة الليل و ملائكة النهار[45]، وأجاب عنه السيد الخوئي بأن شهود كل من ملائكة الليل وملائكة النهار لصلاة الفجر منوط بوقوعها لدى طلوع الفجر مباشرة، كي يشهدها كلتاهما، و من الضروري أن الوقوع في نفس ذاك الآن تحقيقاً مما لا يتيسر عادة، لعدم العلم به من غير المعصوم (عليه السلام)، بل لابد من التأخير شيئاً ما و لو من باب المقدمة العلمية، على أن نوعاً من التأخير مما لابدّ منه لأجل تحصيل المقدمات و لا أقل من الأذان و الإقامة.

و عليه فيتوقف شهودهما إما على تقدم نزول ملائكة النهار لو كان مبدء النهار طلوع الشمس، أو تأخر صعود ملائكة الليل لو كان المبدء طلوع الفجر، فارتكاب أحد التأويلين مما لا مناص منه بعد امتناع الجمود على ظاهر النص، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر، و معه تصبح الرواية من هذه الجهة مجملة[46].

وقد أجاب شيخنا الاستاذ “قده” -بعد ما اختار كون منتهي الليل طلوع الشمس- عن رواية اسحاق بن عمار اولا: بضعف سندها، لأجل أن في سندها عبد الرحمن بن سالم وهو ممن ضعفه النجاشي وغيره وأما نقل البزنطي عنه فلا يدل على وثاقته حيث ان شهادة الشيخ في العدة بأنه لا يروي ولا يرسل الا عن ثقة اجتهادية، وأما رواية الصَّدُوقُ فِي ثَوَابِ الْأَعْمَالِ هذه الرواية ففي سندها غِيَاثِ بْنِ كَلُّوبٍ ولم يثبت وثاقته.

وثانيا: لا ظهور لها في كون مبدأ النهار طلوع الفجر حيث يكفي في انتساب طائفة من الملائكة الى النهار بقاءهم ومكثهم في الارض طول النهار، وان كانوا متواجدين في الارض من طلوع الفجر وقبل النهار، ويحصون اعمال العباد من ذلك الوقت، والا لم يكن وجه لضبط ملائكة الليل اعمال العباد بعد طلوع الفجر قبل خروجهم عن الارض.

وثالثا: ان غاية مدلولها كون المعيار في صعود ملائكة الليل من الارض ونزول ملائكة النهار هو طلوع الفجر، ولا تدل على كون المراد من الليل والنهار في الاحكام الشرعية هو ما يكون منتهى الليل ومبدء النهار طلوع الفجر.

وبمثل ذلك اجاب عن رواية زريق[47].

صعودهم منها هو الرواية فيه أنه لا مجال عرفا لانكار ظهور هذه الروايتين في كون زمان صعود ملائكة الليل وزمان نزول ملائكة النهار حوالي طلوع الفجر، حين الاتيان بصلاة الفجر في اوائل طلوع الفجر يشهدها كلتا الملائكتين حال الصعود او النزول.

اقول: الظاهر كون رواية اسحاق بن عمار معتبرة، اذ مضافا الى عدم تضعيف النجاشي لعبد الرحمن بن سالم وانما نقل تضعيفه عن ابن الغضائري ولم يثبت كتابه فيرجع الى توثيقه بسبب رواية البزنطي عنه، وهذا مقبول عندنا، مضافا الى أن غياث بن كلوب ثقة لان الشيخ في كتاب العدة ذكره في جملة من رواة العامة الذين عملت الطائفة باخبارهم، والانصاف قوة دلالتها على كون طلوع الفجر ملتقى صعود ملائكة الليل وملائكة النهار، وهذا لا ينافي تأخر ملائكة الليل عن الصعود قليلا فيشاهدون صلاة الفجر في اول وقتها العرفي نعم لا بأس باشكاله الاخير مضافا الى معارضتها مع ما يدل على كون طلوع الشمس مبدء النهار فيكون المرجع الظهور الاولي للفظ الليل والنهار في كون ما بعد طلوع الفجر جزءا من الليل عرفا دون النهار.

و منها: ما رواه الصدوق في الفقيه مرفوعا عن يحيى بن أكثم القاضي أنه سأل أبا الحسن الأول عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلوات‌ النهار و إنما يجهر في صلاة الليل؟ فقال: لأن النبي (صلى اللٰه عليه و آله) كان يغلس بها فقربها من الليل[48]، و روى في العلل عن ابيه قال حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن علي بن بشار عن موسى عن أخيه عن علي بن محمد (عليه السلام) أنه أجاب في مسائل يحيى بن أكثم القاضي أما صلاة الفجر و ما يجهر فيها بالقراءة و هي من صلاة النهار و إنما يجهر في صلاة الليل قال جهر فيها بالقراءة لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يغلس فيها لقربها بالليل[49]

وسندها ايضا مشتمل على مجاهيل، ولكن اعترف السيد الخوئي بان دلالتها تامة، ولكن ناقش شيخنا الاستاذ “قده” في دلالتها بأن من المحتمل وجود محذور في الانكار على يحيى بن اكثم في ما اعتقده من كون صلاة الفجر من صلوات النهار[50].

ومنها: ما ورد في صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) “الصلٰاة الوسطى و هي صلاة الظهر و هي أول صلاة صلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) و هي وسط النهار و وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة و صلاة العصر[51].

وقد أجاب عنها السيد الخوئي بلزوم حملها على ضرب من التوسع و المجاز بعلاقة المجاورة و المشارفة، نظراً إلى امتداد الوقت إلى طلوع الشمس و جواز الإتيان بها قبيل ذلك، بل لعله هو الغالب لعامة الناس، فمن ثم صح إطلاق صلاة النهار عليها و إن لم تكن منها حقيقة، والقرينة على ذلك موجودة في نفس الصحيحة حيث ان الوارد فيها قبيل ذلك “قَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ طَرَفَاهُ الْمَغْرِبُ وَ الْغَدَاةُ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ وَ هِيَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ”[52].

وقد ذكر شيخنا الاستاذ “قده” أن حمل “وطرفاه المغرب و الغداة” على كون الطرف الاول داخلا والطرف الآخر خارجا عن النهار بعيد جدا، لكن حمل النهار في قوله “وسط صلاتين بالنهار” على معناه الالحاقي غير بعيد[53].

كما كان يخطر بالبال وجود تضارب في صدر الصحيحة وذيلها، حيث يظهر من صدرها اي قوله “طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ طَرَفَاهُ الْمَغْرِبُ وَ الْغَدَاةُ” كون صلاة الغداة كصلاة المغرب خارجة عن النهار، ويظهر من ذيلها وهو قوله “صلاتين بالنهار” كون صلاة الغداة في النهار، فلابد ممن كون احد الاستعمالين مبنيا على التجوز، فتصبح الصحيحة مجملة من هذه الجهة.

ولكن الظاهر عدم اجمال في الصحيحة، وانعقاد ظهورها في كون المراد من النهار هو ما يكون مبدأه طلوع الفجر، توضيح ذلك: أن الظاهر من قوله “أقم الصلاة طرفي النهار وطرفاه المغرب والغداة” هو وقت الغداة اي طلوع الفجر ووقت المغرب اي غروب الشمس، فيجب عند طلوع الفجر صلاة الصبح، كما يجب عند غروب الشمس صلاة المغرب، ولا محالة يقع صلاة الصبح داخل النهار وصلاة المغرب خارج النهار، ولا مخالفة فيه للسياق ابدا، فيتوافق مع قوله “صلاة الظهر وسط بين صلاتين بالنهار صلاة الغداة والعصر”.

نعم لو كان المراد أن طرفي النهار نفس صلاة المغرب والصبح، فتكون صلاة المغرب طرفا خارجا عن النهار، فلو كان طلوع الفجر مبدأ النهار كانت صلاة الصبح طرفا داخلا للنهار، فيكون خلاف ظاهر وحدة السياق، فيكون دليلا على كون طلوع الشمس مبدأ النهار حتى تكون صلاة الصبح ايضا طرفا خارجا عن النهار فيتنافى مع ظهور الذيل، ويؤيده ما ورد في معاني الاخبار، من قوله “طرفي النهار وطرفاه صلاة المغرب والغداة[54].

ولكن يرد عليه اولا: ان الظاهر كون طرف النهار من سنخ الزمان لا من سنخ الفعل فيكون الظاهر من قوله طرفي النهار المغرب والغداة وقت المغرب والغداة، فحتى لو كانت الرواية مطابقة لما في معاني الاخبار فيكون ظاهرها وقت صلاة المغرب والغداة.

وثانيا: انه لو فرض ظهورها في كون صلاة الغداة طرفا خارجا كصلاة المغرب فالذيل اقوى ظهورا في كون صلاة الغداة صلاة نهارية، فيوجب حملها على الطرف الداخل او ما مر من كون المراد به اول وقت صلاة المغرب والغداة.

وثالثا: لو فرض اباء حمل نقل معاني الأخبار على ما ذكرنا فحيث ان نقل الصدوق في الفقيه وعلل الشرايع هكذا “وطرفاه المغرب والغداة”، فيتعارض نقل الصدوق في حد ذاته ولا يوجد مانع عقلائي عن الرجوع الى نقل الكافي والتهذيب “طرفاه المغرب والغداة”.

وأما التعبير في ذيل الرواية عن صلاة الظهر بكونها وسط النهار، فلا اشكال في أن العرف حينما يراه مقترنا ببيان كونها وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر فيفهم منه الوسط المسامحي الذي لا ينافيه تأخره عن الوسط الحقيقي بين طلوع الفجر الى غروب الشمس بخمسة واربعين دقيقة، والحاصل أن الظاهر كون النهار في قوله “صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر مستعملا فيما يكون مبدأه طلوع الفجر، ومعه فيتعين كون المراد من الوسط الوسط المسامحي، وأما ما احتمله السيد الخوئي “قده” من كون المراد من النهار ما يكون مبدأه طلوع الشمس وانما ادعي كون صلاة الغداة في النهار لعلاقة المشارفة خصوصا بعد اتيان عامة الناس لها قبيل طلوع الشمس فخلاف الظاهر جدا.

فالانصاف ظهور الصحيحة في كون النهار فيها مستعملا في ما يكون مبدأه طلوع الفجر.

نعم قد يقال بأن مجرد استعمال النهار في هذه الرواية في المعنى الاعم الذي يكون مبدأه طلوع الفجر، لا يكشف عن ظهور متشرعي للفظ النهار عند اطلاقه في ذلك، بعد كون الظهور الاولي العرفي للفظ النهار في عدم شروعه بمجرد طلوع الفجر، بل العرف يرى بقاء الليل، وقد يؤيد ذك ما ورد في الروايات من التعبير عن زوال الشمس بانتصاف النهار، ففی صحیحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ السَّفَرَ وَ هُوَ صَائِمٌ- قَالَ فَقَالَ إِنْ خَرَجَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ- فَلْيُفْطِرْ وَ لْيَقْضِ ذَلِكَ الْيَوْمَ- وَ إِنْ خَرَجَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلْيُتِمَّ يَوْمَهُ[55]، وفي موثقة مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) قَالَ: الصَّائِمُ تَطَوُّعاً بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّوْمُ[56].

ولا اشكال في ظهور التعبير بانتصاف النهار في زوال الشمس، حيث يدل بوضوح على تساوي نصفي النهار، وينحصر بكون مبدء النهار طلوع الشمس، كما أن مثل قوله تعالى “وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجَعَلْنٰا آيَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً” ظاهرا في كون المراد من مبصرية آية النهار وجود الشمس في الافق، كما لا اشكال عندنا في أن العرف العام كان يفهم من النهار ما يكون مبدأه طلوع الشمس او بياض السماء، ويفهم العرف هذا المعنى فعلا، لكن احتمال وجود عرف متشرعي يفهم من النهار ما يكون مبدأه طلوع الفجر مما لا محال لدفعه، بعد ما سمعت من الشيخ في الخلاف أن عليه عامة اهل العلم، وحيث لا نحرز بناء العقلاء على الاستصحاب القهقرائي او فقل اصالة الثبات في اللغة، خصوصا مع ما يوجب الظن بالخلاف كقول الشيخ “ره” في الخلاف من أن عامة اهل العلم على كون منتهى الليل ومبدأ النهار طلوع الفجر، فيتحقق الشك في المراد الاستعمالي من الليل والنهار في استعمالات الكتاب والسنة، فلا يترك مراعاة الاحتياط، وان كان مقتضى الصناعة في منتهى وقت صلاة المغرب والعشاء عند الشك في الظهور الاستعمالي للفظ الليل الموجب للشك في منتصفه جريان البراءة عن تضيق وقتهما لما قبل منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، فيما اذا تنجزت الصلاتان قبل ذلك، والبراءة عن وجوب المبادرة اليهما في فرض عدم تنجزهما قبل ذلك كما لو كان نائما او ساهيا او حائضا، وقد يتشكل بذلك علم اجمالي تدريجي لمن علم بأنه سوف يبتلى في المستقبل بهذه الاعذار.

وفي بقية الاحكام كوجوب التمام على المسافر فيما اذا نوى الاقامة ما بين الطلوعين الى غروب اليوم العاشر، فيرجع الى العام الفوقاني ان كان، كوجوب القصر على المسافر، وان لم يكن عام فوقاني، فيرجع الى الاصل العملي، وهو استصحاب بقاء الليل وعدم النهار الى طلوع الشمس، بناء على جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية، ويثبت به أن من نوى اقامة عشرة ايام قبيل طلوع الشمس الى غروب اليوم العاشر، أنه نوى اقامة عشرة ايام، نظیر ما لو استصحب عدم طلوع الفجر فنوى الاقامة الى غروب اليوم العاشر، حيث لا يشك احد في أنه يثبت به المدة التى نوى الاقامة فيها تكون عشرة ايام.

وبناء على عدم جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية فلابد من اجراء الاصول الحكمية التي تختلف باختلاف الموارد فيلزم الاحتياط في هذا المثال للعلم الاجمالي بوجوب القصر او التمام.

هذا وقد يقال بأن مبدء النهار وان كان طلوع الشمس ولكن منتهى الليل طلوع الفجر، فيكون منتصف الليل على هذا القول ايضا ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، وقد حكاه الشيخ في الخلاف عن جماعة، فلا يكون ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس من الليل و لا من النهار، وقد يستدل له بثلاث روايات:

إحداها: رواية الصدوق في العلل عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن الحسن بن شمون عن أبي هاشم الخادم قال: قلت لأبي الحسن الماضي (عليه السلام) لم جعلت صلاة الفريضة- و السنة خمسين ركعة لا يزاد فيها و لا ينقص منها- قال لأن ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة و فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة- و ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة- فجعل الله لكل ساعة ركعتين و ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق- فجعل للغسق ركعة[57].

ثانيتها: رواية الكافي عن اسماعيل بن ابان عن عمر بن أبان الثقفي قال: سأل النصراني الشامي الباقر (عليه السلام) عن ساعة ما هي من الليل و لا هي من النهار، أيّ ساعة هي؟ قال أبو جعفر (عليه السلام): ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. قال النصراني: إذا لم يكن من ساعات الليل و لا من ساعات النهار فمن أيّ ساعات هي؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): من ساعات الجنة و فيها تفيق مرضانا، فقال النصراني: أصبت[58].

ثالثتها: رواية السياري عن الفضل بن أبي قرة رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن الخمسين و الواحدة ركعة فقال إن ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة و ساعات الليل‌ اثنتا عشرة ساعة و من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة و من غروب الشمس إلى غروب الشفق غسق، فلكل ساعة ركعتان و للغسق ركعة[59].

فيقال بأنه لأجلها يرفع اليد عن ظهور ما دل على أن ساعات الليل والنهار اربع وعشرون ساعة، كرواية جمال الأسبوع لابن طاووس عن محمد بن جعفر بن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد (عليه السلام) و عن عتبة بن الزبير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب ع- قال قال رسول الله: الليل و النهار أربع و عشرون ساعة[60]، و رواية أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن ليلة الجمعة و يوم الجمعة أربع و عشرون ساعة- لله عز و جل في كل ساعة- ستمائة ألف عتيق من النار[61]، حيث ان ظاهرها عدم ساعة غيرها.

ويرد عليها اولا: ضعف سندها، كما هو واضح، ولا يورث كونها ثلاث روايات الوثوق بالصدور خصوصا مع احتمال تداخل سند الثالثة مع الاولى او الثانية، وثانيا: انها ليست بحجة لكونها مخالفة للكتاب كقوله تعالى “وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنٰا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنٰا آيَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً” و “وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرٰادَ شُكُوراً”‌ فان الخلفة تعني عدم الفصل بينهما، ‌و “يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهٰارِ وَ يُولِجُ النَّهٰارَ فِي اللَّيْلِ”، وأما قوله تعالى “وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهٰارَ، فاذا هم مظلمون”، فهو مرتبط بسلخ النهار من الليل حين غروب الشمس، ولا اشكال في كون منتهى النهار مبدأ الليل، انما الاختلاف في الفاصل بين منتهى الليل ومبدأ النهار.

فتحصل أن ما اختاره جماعة من كون منتصف الليل هو ما بين غروب الشمس الى طلوع الشمس، كما أن منتهي الليل هو طلوع الشمس، لا يخلو من وجه بناء على قبول اصالة الثبات في اللغة، ولكن حيث لم يتم ذلك عندنا فلا يترك الاحتياط في المسألة برعاية كل من قول المشهور بكون منتهى الليل ومبدء النهار طلوع الفجر والقول المخالف له من كون منتهى الليل ومبدأ النهار طلوع الشمس.

هذا وقد استثنى السيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما” عن كون منتصف الليل ما بين غروب الشمس الى غروبها حكم المبيت بمنى فقالا بأن الملحوظ فيه منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر[62]، ولكنه لا يوجد لما ذكراه وجه واضح، عدا ورود الدليل على عدم وجوب المبيت بمنى بعد طلوع الفجر، وفيه أن التخيير في المبيت بمنى لم يرد بعنوان التخيير بين النصفين، وانما ورد في صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الزيارة من منى قال إن زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلا و هو بمنى، و إن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح و هو بمكة[63]، كما ورد في صحيحة معاوية بن عمار “فان خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت في منى…و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها” فاستفيد من ذلك جواز المبيت بمنى من منتصف الليل الى طلوع الفجر، فمن يرى أن منتصف الليل ما بين غروب الشمس الى طلوعها فلا وجه لرفع اليد عنه في المبيت بمنى.

هذا ولا يخفى أن السيد الامام “قده” وان اختار في وقت الصلاة أن المراد من الغروب ذهاب الحمرة المشرقية لكنه في بحث المبيت بمنى من مناسكه احتاط وجوبا في رعاية استتار القرص، کما احتاط وجوبا في المبيت بمنى في رعاية احتمال كون منتصف الليل ما بين غروب الشمس الى طلوعها[64]، مع أنه افتى في بحث الحیض من تحریر الوسیلة بكون النهار ما بين طلوع الفجر الى الغروب[65]، وهذا يعني أنه يرى كون منهى الليل طلوع الفجر، فيكون نصف الليل ما بين الغروب الى طلوع الفجر.

تنبيه

ذكر صاحب العروة أنه يعرف نصف الليل بالنجوم الطالعة أوّل الغروب إذا مالت عن‌ دائرة نصف النهار إلى طرف المغرب، و على هذا فيكون المناط نصف ما بين غروب الشمس و طلوعها، لكنّه لا يخلو عن إشكال، لاحتمال أن يكون نصف ما بين الغروب و طلوع الفجر، كما عليه جماعة، و الأحوط مراعاة الاحتياط[66]، وقد یتراءى منه أنه احتاط استحبابي ولذا علق السيد الامام على قوله “الاحوط مراعاة الاحتياط” بقوله “لا يترك”.

من هنا

استدراك من ص191:

قد مر استدلال المشهور على كون منتهى الليل ومبدأ النهار طلوع الفجر بصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) “الصلٰاة الوسطى و هي صلاة الظهر و هي أول صلاة صلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) و هي وسط النهار و وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة و صلاة العصر.

وقد أجاب عنها السيد الخوئي بلزوم حملها على ضرب من التوسع و المجاز بعلاقة المجاورة و المشارفة، نظراً إلى امتداد الوقت إلى طلوع الشمس و جواز الإتيان بها قبيل ذلك، بل لعله هو الغالب لعامة الناس، فمن ثم صح إطلاق صلاة النهار عليها و إن لم تكن منها حقيقة، والقرينة على ذلك موجودة في نفس الصحيحة حيث ان الوارد فيها قبيل ذلك “قال تبارك و تعالى في ذلك: أقم الصلٰاة طرفي النهٰار و طرفاه المغرب و الغداة و زلفا من الليل و هي صلاة العشاء الآخرة”.

وقد ذكر شيخنا الاستاذ “قده” أن حمل “وطرفاه المغرب و الغداة” على كون الطرف الاول داخلا والطرف الآخر خارجا عن النهار بعيد جدا، لكن حمل النهار في قوله “وسط صلاتين بالنهار” على معناه الالحاقي غير بعيد.

كما كان يخطر بالبال وجود تضارب في صدر الصحيحة وذيلها، حيث يظهر من صدرها اي قوله “طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ طَرَفَاهُ الْمَغْرِبُ وَ الْغَدَاةُ” كون صلاة الغداة كصلاة المغرب خارجة عن النهار، ويظهر من ذيلها وهو قوله “صلاتين بالنهار” كون صلاة الغداة في النهار، فلابد ممن كون احد الاستعمالين مبنيا على التجوز، فتصبح الصحيحة مجملة من هذه الجهة.

ولكن الظاهر عدم اجمال في الصحيحة، وانعقاد ظهورها في كون المراد من النهار هو ما يكون مبدأه طلوع الفجر، توضيح ذلك: أن الظاهر من قوله “أقم الصلاة طرفي النهار وطرفاه المغرب والغداة” هو وقت الغداة اي طلوع الفجر ووقت المغرب اي غروب الشمس، فيجب عند طلوع الفجر صلاة الصبح، كما يجب عند غروب الشمس صلاة المغرب، ولا محالة يقع صلاة الصبح داخل النهار وصلاة المغرب خارج النهار، ولا مخالفة فيه للسياق ابدا، فيتوافق مع قوله “صلاة الظهر وسط بين صلاتين بالنهار صلاة الغداة والعصر”.

نعم لو كان المراد أن طرفي النهار نفس صلاة المغرب والصبح، فتكون صلاة المغرب طرفا خارجا عن النهار، فلو كان طلوع الفجر مبدأ النهار كانت صلاة الصبح طرفا داخلا للنهار، فيكون خلاف ظاهر وحدة السياق، فيكون دليلا على كون طلوع الشمس مبدأ النهار حتى تكون صلاة الصبح ايضا طرفا خارجا عن النهار فيتنافى مع ظهور الذيل، ويؤيده ما ورد في معاني الاخبار، من قوله “طرفي النهار وطرفاه صلاة المغرب والغداة.

ولكن يرد عليه اولا: ان الظاهر كون طرف النهار من سنخ الزمان لا من سنخ الفعل فيكون الظاهر من قوله طرفي النهار المغرب والغداة وقت المغرب والغداة، فحتى لو كانت الرواية مطابقة لما في معاني الاخبار فيكون ظاهرها وقت صلاة المغرب والغداة.

وثانيا: انه لو فرض ظهورها في كون صلاة الغداة طرفا خارجا كصلاة المغرب فالذيل اقوى ظهورا في كون صلاة الغداة صلاة نهارية، فيوجب حملها على الطرف الداخل او ما مر من كون المراد به اول وقت صلاة المغرب والغداة.

وثالثا: لو فرض اباء حمل نقل معاني الأخبار على ما ذكرنا فحيث ان نقل الصدوق في الفقيه وعلل الشرايع هكذا “وطرفاه المغرب والغداة”، فيتعارض نقل الصدوق في حد ذاته ولا يوجد مانع عقلائي عن الرجوع الى نقل الكافي والتهذيب “طرفاه المغرب والغداة”.

وأما التعبير في ذيل الرواية عن صلاة الظهر بكونها وسط النهار، فلا اشكال في أن العرف حينما يراه مقترنا ببيان كونها وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر فيفهم منه الوسط المسامحي الذي لا ينافيه تأخره عن الوسط الحقيقي بين طلوع الفجر الى غروب الشمس بخمسة واربعين دقيقة، والحاصل أن الظاهر كون النهار في قوله “صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر مستعملا فيما يكون مبدأه طلوع الفجر، ومعه فيتعين كون المراد من الوسط الوسط المسامحي، وأما ما احتمله السيد الخوئي “قده” من كون المراد من النهار ما يكون مبدأه طلوع الشمس وانما ادعي كون صلاة الغداة في النهار لعلاقة المشارفة خصوصا بعد اتيان عامة الناس لها قبيل طلوع الشمس فخلاف الظاهر جدا.

فالانصاف ظهور الصحيحة في كون النهار فيها مستعملا في ما يكون مبدأه طلوع الفجر.

وهكذا ورد في كثير من الروايات التعبير عما قبل طلوع الفجر بآخر الليل، ففي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا طهرت المرأة من آخر الليل فلتصل المغرب و العشاء[67].

وفي روايته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت لأي علة كان يصلي -رسول الله ص- صلاة الليل في آخر الليل[68]، وفي رواية أبي بصير أحب صلاة الليل إليهم آخر الليل[69]، وفي رواية إسماعيل بن جابر أو عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني أقوم آخر الليل- و أخاف الصبح قال اقرأ الحمد و اعجل و اعجل[70].

وفي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل و هو يخشى أن يفجأه الصبح أ يبدأ بالوتر أو يصلي الصلاة على وجهها- حتى يكون الوتر آخر ذلك- قال بل يبدأ بالوتر و قال أنا كنت فاعلا ذلك[71].

وفي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض أصحابنا و أظنه إسحاق بن غالب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام الرجل من الليل فظن أن الصبح قد ضاء فأوتر- ثم نظر فرأى أن عليه ليلا[72].

كما ورد في رواية رسالة علل الفضل بن شاذان “اَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ- أَحَبَّ أَنْ يَبْدَأَ النَّاسُ فِي كُلِّ عَمَلٍ أَوَّلًا بِطَاعَتِهِ وَ عِبَادَتِهِ- فَأَمَرَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَنْ يَبْدَءُوا بِعِبَادَتِهِ- ثُمَّ يَنْتَشِرُوا فِيمَا أَحَبُّوا مِنْ مَرَمَّةِ «1» دُنْيَاهُمْ- فَأَوْجَبَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ عَلَيْهِمْ[73]

وان ورد في بعض الروايات ما يخالف ذلك ففي رسالة محاسبة النفس لابن طاووس: قَالَ وَ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ (عليه السلام) قَالَ: اللَّيْلُ إِذَا أَقْبَلَ- نَادَى مُنَادٍ: يَا ابْنَ آدَمَ إِنِّي خَلْقٌ جَدِيدٌ إِنِّي عَلَى مَا فِيَّ شَهِيدٌ فَخُذْ مِنِّي- فَإِنِّي لَوْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ لَمْ أَرْجِعْ إِلَى الدُّنْيَا- وَ لَمْ تَزْدَدْ فِيَّ مِنْ حَسَنَةٍ- وَ لَمْ تَسْتَعْتِبْ فِيَّ مِنْ سَيِّئَةٍ- وَ كَذَلِكَ يَقُولُ النَّهَارُ إِذَا أَدْبَرَ اللَّيْلُ[74].

وفي رواية دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً أَكْثَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ- وَ إِنَّهُ لَيَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ كُلَّ مَسَاءٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ- يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ لَيْلَهُمْ حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ- انْصَرَفُوا إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ ص فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ- ثُمَّ يَأْتُونَ قَبْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عليه السلام) فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَأْتُونَ قَبْرَ الْحَسَنِ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَأْتُونَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَعْرُجُونَ إِلَى السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ- ثُمَّ تَنْزِلُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ- فَيَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ نَهَارَهُمْ- حَتَّى إِذَا دَنَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ- انْصَرَفُوا إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَأْتُونَ قَبْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَأْتُونَ قَبْرَ الْحَسَنِ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَأْتُونَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَعْرُجُونَ إِلَى السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ[75].

والانصاف أن الاستعمالات الكثيرة في الروايات لليل والنهار في ما يكون حده طلوع الفجر ان لم توجب الوثوق بظهور الليل في العرف المتشرعي فيما يكون منتهاه طلوع الفجر، فلا اقل من قوة احتمال وجود عرف متشرعي يفهم من النهار ما يكون مبدأه طلوع الفجر، خصوصا بعد ما سمعت من الشيخ في الخلاف أن عليه عامة اهل العلم، وحيث لا نحرز بناء العقلاء على الاستصحاب القهقرائي او فقل اصالة الثبات في اللغة، خاصة مع وجود ما يوجب الظن بالخلاف، فيبتلى المراد الاستعمالي من الليل والنهار في استعمالات الكتاب والسنة بالاجمال.

فلا يتم دعوى أن مجرد استعمال الليل في هذه الروايات في ما يكون منتهاه طلوع الفجر كاستعمال النهار في بعض الروايات فيما يكون مبدأه طلوع الفجر لا يكشف عن ظهور متشرعي للفظ الليل والنهار عند اطلاقه في ذلك، فيرجع الى الظهور الاولي العرفي للفظ الليل والنهار في بقاء الليل وعدم شروع النهار بعد طلوع الفجر، فان ما ذكر من ظهور الليل في العرف العام فعلا وسابقا في ما يعم ما بعد طلوع الفجر وان كان صحيحا، لكنه لا ينفي احتمال ظهوره في العرف المتشرعي في ما يكون منتهاه طلوع الفجر.

هذا وأما ما ورد في بعض الروايات من التعبير عن زوال الشمس بانتصاف النهار، كصحیحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر و هو صائم- قال فقال إن خرج من قبل أن ينتصف النهار- فليفطر و ليقض ذلك اليوم- و إن خرج بعد الزوال فليتم يومه[1]، كموثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه أن عليا (عليه السلام) قال: الصائم تطوعا بالخيار ما بينه و بين نصف النهار فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم[1]، حيث يقال بأنه يدل على مبدأ النهار طلوع الشمس والا لم يكن الزوال منتصف النهار، بل كان بعده بثلاثة ارباع ساعة، فلا يدل على اكثر من كون المعنى الاصلي للنهار في العرف العام كان من طلوع الشمس الى غروبها، لا على الظهور الفعلي المتشرعي للفظ الليل والنهار في ما يناسب هذا المعنى، كما يكفي في مثل قوله تعالى “وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجَعَلْنٰا آيَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً” وجود الشمس في معظم النهار.

ولا اشكال في ظهور التعبير بانتصاف النهار في زوال الشمس، حيث يدل بوضوح على تساوي نصفي النهار، وينحصر بكون مبدء النهار طلوع الشمس، كما أن مثل قوله تعالى “وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجَعَلْنٰا آيَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً” ظاهرا في كون المراد من مبصرية آية النهار وجود الشمس في الافق، كما لا اشكال عندنا في أن العرف العام كان يفهم من النهار ما يكون مبدأه طلوع الشمس او بياض السماء، ويفهم العرف هذا المعنى فعلا، لكن احتمال وجود عرف متشرعي يفهم من النهار ما يكون مبدأه طلوع الفجر مما لا محال لدفعه، بعد ما سمعت من الشيخ في الخلاف أن عليه عامة اهل العلم، وحيث لا نحرز بناء العقلاء على الاستصحاب القهقرائي او فقل اصالة الثبات في اللغة، خصوصا مع ما يوجب الظن بالخلاف كقول الشيخ “ره” في الخلاف من أن عامة اهل العلم على كون منتهى الليل ومبدأ النهار طلوع الفجر، وأنه انقرض القول بكون منتهى الليل طلوع الشمس[76]، فيتحقق الشك في المراد الاستعمالي من الليل والنهار في استعمالات الكتاب والسنة، فلا يترك مراعاة الاحتياط.

 ثم ان عند الشك في معنى الليل والنهار يختلف مقتضى الصناعة باختلاف الموارد فنذكر اربعة موارد، ثم نقيس بعضها ببعض آخر:

المورد الاول: منتهى وقت صلاة المغرب والعشاء عند الشك في الظهور الاستعمالي للفظ الليل الموجب للشك في منتصفه فان قلنا بجريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية فيجري استصحاب عدم منتصف الليل، وبناء على عدمه كما هو الصحيح فتجري البراءة عن تضيق وقتهما لما قبل منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، فيما اذا تنجزت الصلاتان قبل ذلك، والبراءة عن وجوب المبادرة اليهما في فرض عدم تنجزهما قبل ذلك كما لو كان نائما او ساهيا او حائضا، وقد يتشكل بذلك علم اجمالي تدريجي لمن علم بأنه سوف يبتلى في المستقبل بهذه الاعذار، كما أن من ابتلي بهذه الأعذار فيتشكل في حقه علم اجمالي بوجوب الاداء عليه تلك الليلة او وجوب المبادرة الى المغرب والعشاء قبل منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر.

ب‍ل قد يقال بمعارضة تلك البراءة مع البراءة عن تقيد صلاة الليل بكونه بعد منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها، بناء على المشهور من عدم مشروعيتها في الحضر قبل منتصف الليل، وبناء على ما هو الصحيح من جريان البراءة في مورد الشك في شرطية شيء في المستحب، وعدم كون استصحاب عدم استحبابها قبله حاكما على تلك البراءة.

المورد الثاني: في مثل وجوب المبيت بمنى في الحج من اول الليل الى منتصف الليل، فمع جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية يجب المبيت الى منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها، وبناء على عدمه فقد يقال بجريان اصل البراءة عن وجوب المبيت بعد منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر بناء على المسلك المختار -خلافا للمشهور- من عدم جريان استصحاب بقاء وجوب المبيت لكونه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية، ولكن تلك البراءة تتعارض مع البراءة عن وجوب كون المبيت في النصف الثاني من منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، الا اذا قلنا بعدم وجوب المبيت في تمام النصف الثاني لمن ترك المبيت في النصف الاول وكفاية الكون حين طلوع الفجر في منى، فالبراءة عن وجوب المبيت بعد منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر وان كانت تتخلص من هذه المعارضة الا أنها على اي حال تكون متعارضة مع البراءة الجارية في المورد الاول عن تضيق وقت صلاة المغرب والعشاء لما قبل منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، ونتيجته أن من علم بوجوب الحج عليه ولو في المستقبل يجب عليه الاحتياط بملاحظة هذا العلم الاجمالي في وقت صلاة المغرب والعشاء ايضا.

هذا ولو قلنا بمقالة السيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما” من كون منتصف الليل وان كان ما بين غروب الشمس الى طلوعها، لكن المعيار في المبيت بمنى منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر[77]، فينحل الاشكال في المبيت بمنى، لكن لا يوجد لما ذكراه وجه واضح، عدا ورود الدليل على عدم وجوب المبيت بمنى بعد طلوع الفجر، الا أن التخيير في المبيت بمنى لم يرد بعنوان التخيير بين النصفين، وانما ورد في صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الزيارة من منى قال إن زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلا و هو بمنى، و إن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح و هو بمكة[78]، كما ورد في صحيحة معاوية بن عمار “فان خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت في منى…و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها” فاستفيد من ذلك جواز المبيت بمنى من منتصف الليل الى طلوع الفجر، فمن يرى أن منتصف الليل ما بين غروب الشمس الى طلوعها فلا وجه لرفع اليد عنه في المبيت بمنى.

المورد الثالث: مسألة التمام والقصر في حق المسافر فيما اذا نوى الاقامة ما بين الطلوعين الى غروب اليوم العاشر، فبناء على جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية فيجري استصحاب بقاء الليل وعدم النهار الى طلوع الشمس، ويثبت به أن من نوى اقامة عشرة ايام قبيل طلوع الشمس الى غروب اليوم العاشر، أنه نوى اقامة عشرة ايام، نظیر ما لو استصحب عدم طلوع الفجر فنوى الاقامة الى غروب اليوم العاشر، حيث لا يشك احد في أنه يثبت به المدة التى نوى الاقامة فيها تكون عشرة ايام.

وبناء على ما هو الصحيح من عدم جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية، فبناء على كون السفر و الحضر قيدين لمتعلق التكليف وأنه يجب على مكلفٍ الجامع بين القصر في السفر او التمام في الحضر فمقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام، وبناء على كونهما قيدين في موضوع التكليف وأن المسافر يجب عليه القصر والحاضر يجب عليه التمام، فيحصل علم اجمالي بوجوب القصر او التمام، فتتعارض البراءة عن وجوب القصر عليه مع البراءة عن وجوب التمام، وحينئذ فتدخل البراءة في وقت صلاة المغرب والعشاء في طرفية المعارضة مع البراءة عن وجوب التمام عليه، اذ لو تم قول المشهور من كون منتهى الليل طلوع الفجر فيجب عليه المبادرة الى صلاة المغرب والعشاء قبل منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، وان تم القول المخالف للمشهور فيجب عليه التمام في هذا الفرض.

وبلحاظ المقايسة بين هذه الموارد فيكون مقتضى الاصل عند الشك في حد الليل والنهار هو الاحتياط قضاء للعلم الاجمالي.

ثم لا يخفى أنا غمضنا العين في المورد الثاني والثالث اللذين يوجد فيهما عام فوقاني عن الرجوع اليه، فلم نقل في المورد الثاني بالرجوع الى اطلاق دليل وجوب المبيت بمنى الظاهر في المبيت تمام الليل، في الشبهة المفهومية للمخصص المنفصل الدال على جواز الاكتفاء بالمبيت في النصف الاول، والذي تكون نتيجته موافقة لقول غير المشهور من لزوم الاستمرار في المبيت الى منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها، كما لم نقل في المورد الثاني بالرجوع الى اطلاق دليل وجوب القصر على المسافر، بعد كون المورد من الشبهة المفهومية للمخصص المنفصل، والذي تكون نتيجته لقول المشهور من كون منتهى الليل طلوع الفجر، وذلك للمعارضة بين هذين الاطلاقين، للعلم الاجمالي بكذب احدهما، الا أن نقول بمقالة السيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قده” من كون منتصف الليل في المبيت بمنى هو ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، فحينئذ يصير الاطلاق الثاني بلا معارض، فلو قلنا بحجية مثبتات الاطلاق والعموم بعرضها العريض فيثبت بذلك كون منتصف الليل ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر مطلقا حتى بلحاظ حكم صلاة المغرب والعشاء، لكنه مشكل جدا،

المورد الرابع: ما لو رأت المرأة الدم قبيل طلوع الشمس الى غروب الشمس من اليوم الثالث، فان قلنا بمقالة المشهور كان الدم اقل من ثلاثة ايام وكان استحاضة، بخلاف ما لو قلنا بمقالة غير المشهور، فان قلنا بجريان الاصل الموضوعي في الشبهات المفهومية ثبت باستصحاب بقاء الليل وعدم النهار الى طلوع الشمس كونه حيضا لأنها رأت الدم في مدة حكم بأنها ثلاثة ايام، وان لم نقل به كما هو الصحيح فاستصحاب عدم الحيض يتعارض مع استصحاب عدم الاستحاضة ومقتضى العلم الاجمالي بحرمة محرمات الحائض عليها او وجوب صلاة المستحاضة عليها هو الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض واعمال المستحاضة.

وقد يقال فيه بالرجوع الى اطلاقات التكاليف وتكون نتيجته موافقة لقول المشهور، فيتعارض مع اطلاق دليل المبيت بمنى في المورد الاول والذي كانت نتيجته القول المخالف للمشهور، ولكن الصحيح مرجعية ما دل في الكتاب على احكام الحيض كاعتزال النساء في المحيض حيث ان ظاهره الحيض العرفي المعلوم انطباقه على المقام، وتكون نتيجته القول المخالف للمشهور من كون مبدأ النهار طلوع الشمس فيتعارض مع اطلاق دليل وجوب القصر على المسافر في المورد الثالث، حيث كانت نتيجته موافقة لقول المشهور.

ولا يخفى أن عد المورد الرابع من موارد الشبهة مبنى على مسلك المشهور، وأما على ما اخترناه وفاقا لبعض الاجلاء “دام ظله” من كون المراد من ثلاثة ايام في الحيض مجموع الليل والنهار اي “72” ساعة، لا خصوص بياض النهار فلا اثر للخلاف في معنى الليل والنهار فيه.

قال صاحب العروة: و يعرف طلوع الفجر باعتراض البياض الحادث في الأُفق المتصاعد في السماء الذي يشابه ذنب السرحان، و يسمّى بالفجر الكاذب، و انتشاره على الأُفق و صيرورته كالقبطيّة البيضاء و كنهر سورى بحيث كلّما زدته نظراً أصدقك بزيادة حسنه، و بعبارة اخرى انتشار البياض على الأُفق بعد كونه متصاعداً في السماء.

اقول: يقع الكلام في طلوع الفجر في عدة جهات:

الجهة الاولى: لا اشكال في أن المدار على طلوع الفجر الصادق دون الفجر الكاذب الذي قد يرى في بعض الاحيان، ويكون ضوءا ضعيفا متصاعدا نحو السماء، وبكون كمثلث مرتفع الى السماء وشبه بذنب الذئب، ولكن الكلام في أنه هل يكفي في الفجر الصادق اختلاف لون مطلع الشمس بظهور ضوء فيه يميزه عن اطرافه، ام لابد أن يشتد نور الضوء بحيث يصير بياضا عرفا، فانه يخف لون السواد في افق المشرق من دون امكان تمييز الافق الحقيقي، ثم بعد دقيقتين يمكن تميز الافق الحقيقي عن ذلك الضوء، ثم بعد خمس دقائق يحدث لون ابيض (نوار سفيد رنگی که بر افق شرقی گسترده شده)، فالفاصل بين الحالة الاولى والثالثة لا يقل عادة عن ثمان دقائق، وقد يزيد عن ذلك في بعض الاوقات، بل يقال انه في بعض البلاد الاروبية قد يصل الى اربعين دقيقة، واختلاف اذان المواقع المختلفة ينشأ من ذلك، وكان الاذان في ايران قبل شهر رمضان لسنة 1415 على اساس قرب الشمس من افق المشرق ب‍ 4/‍ 19درجة، كما أن الاذان في تقويم ام القرى للسعودية الآن 19 درجة[79]، وتقويم مصر 5/19 درجة، وحيث حاول عدة جماعات فلم يتسير لهم رؤية طلوع الفجر في ذلك الوقت فأخروا اذان الصبح الى 7/17 درجة اي عشر دقائق تقريبا وقالوا آنذاك أن هذا لاجل الصوم وأما للصلاة فاوصوا الناس برعاية الاحتياط بتأخير الصلاة عشر دقائق تقريبا وهذا الوقت للأذان في المواقع الرسمية ك “ژئو فيزيك” والذي يتبعه الاذان الرسمي في ايران حتى الآن مع حذف الايصاء بتأخير صلاة الصبح، وقد ذكر بعض من لهم خبرة في ذلك أن في هذا الوقت لم يحصل ضوء ابيض عرفا في مطلع الفجر، بل لابد أن تصل الشمس الى 16 درجة، والاختلاف بينه وبين الاذان الرسمي في هذه الايام التي هي فصل الشتاء تسع دقائق، فالاذان الرسمي يوم السبت 7/ 12/ 1395 ساعة 18/5، واذان لواء 27/ 5، والذي وصلنا اليه من خلال مشاهدتنا للأفلام المصورة أنه بعد اثني عشر دقيقة من اول الاذان الرسمي في هذه الأيام قد طلع الفجر، وهو الموافق لتقويم الجامعة الاسلامية لامريكا الشمالية حيث حددوا طلوع الفجر على اساس قرب الشمس من الافق بمقدار 15 درجة، والاذان هذا اليوم ساعة 32/5 وأما قبل ذلك فلا نجزم به.

ومنشأ هذا الاختلاف ليس هو الاختلاف في كشف الواقع التكويني وانما هو في تطبيق الفجر الصادق على اي مرتبة من مراتب الضوء الذي يمكن مشاهدته في المشرق، وأنه هل يكفي فيه تحول الضوء المستطيل الى ضوء معترض في الافق، أم لابد من صدق الضوء الابيض عليه عرفا.

وقد ذكر البعض ما نص كلامه:

فجر کاذب: نوری مثلث ­مانند می­باشد که قاعدة آن نزدیک افق قرار گرفته و ساقهای آن معمولاً به صورت مایل به سمت آسمان کشیده شده و به دُم گرگ تشبیه شده، شتاخته شده است.

أما پدیده­های مرتبط با طلوع فجر صادق:

1-     ابتدا نور ضعیفی در افق شرقی پس از آنکه آسمان تاریک بود، مشاهده می­شود.

2-     سپس با ازدیاد تدریجی آن نور، خط افق قابل تشخیص می­گردد. بطوری که سیاهی خط افق در سفیدی کم­فروغِ آسمان خود را نشان می­دهد.

3-     بالاخره با افزایش مستمر نور، نوارِ سفید رنگی که بر افق شرقی گسترده شده، مشاهده می­گردد.

والوارد في القرآن الكريم عنوان تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر، فقال تعالى “فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر”.

و قد روى في الدر المنثور عن عديّ بن حاتم قال: أتيت النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) فعلّمني الإسلام و نعت إليّ الصلوات الخمس كيف أصلّي، كلّ صلاة لوقتها، ثمّ قال: إذا جاء رمضان فكل و اشرب حتّى يتبيّن لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، و لم أدر ما هو، ففتّلت خيطين من أبيض و أسود، فنظرت فيهما عند الفجر فرأيتهما سواء، فأتيت رسول اللّه، فقلت: يا رسول اللّه كلّ شي‌ء أوصيتني قد حفظت غير الخيط الأبيض من‌ الخيط الأسود قال: و ما منعك يا بن حاتم و تبسّم كأنّه قد علم ما فعلت. قلت: فتّلت خيطين من أبيض و أسود فنظرت فيهما من اللّيل فوجدتهما سواء، فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى رئي نواجده ثمّ قال: أ لم أقل لك “مِنَ الْفَجْرِ”، إنّما هو ضوء النهار من ظلمة اللّيل[80].

وقد يوهم التشبيه بكلمة الخيط أنه يتشكل في مطلع الفجر ما يشبه الخيط الابيض الممتد في خط الافق، ولكنه ليس كذلك، وانما تتضوء منطقة من مطلع الشمس تشبه البيضي ويشتد ضوءها شيئا فشيئا الى أن يصير لونها ابيض عرفا، والتبين وان كان ظاهرا في الطريقية المحضة لا الموضوعية لكن لابد أن يكون هناك ضوء ابيض في المشرق قابل للرؤية الحسية.

وأما الروايات فعمدتها ما يلي:

1- صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) يصلي ركعتي الصبح و هي الفجر إذا اعترض الفجر و أضاء حسناً[81].

نعم هذه الصحيحة لا تدل على الوجوب.

2- صحيحة أبي بصير ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) فقلت: متى يحرم الطعام و الشراب على الصائم و تحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال: إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام على الصائم، و تحل الصلاة صلاة الفجر، قلت: أ فلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس؟ قال: هيهات أين يذهب بك، تلك صلاة الصبيان[82].

فان تشبيه طلوع الفجر بالقبطية البيضاء اي الثوب الابيض يناسب ما ذكرناه لا مجرد تغير في لون المشرق وتشكل ضوء فيه.

3- رواية علي بن مهزيار قال: كتب أبو الحسن بن الحصين إلى ابي جعفر الثاني (عليه السلام) معي: جعلت فداك قد اختلف مواليك في صلاة الفجر، فمنهم من يصلي إذا طلع الفجر الأول المستطيل في السماء، و منهم من يصلي إذا اعترض في أسفل الأُفق و استبان و لست أعرف أفضل الوقتين فأُصلي فيه، فان رأيت أن تعلمني أفضل الوقتين و تحدّه لي و كيف أصنع مع القمر و الفجر لا يتبين (تبين) معه حتى يحمر و يصبح، و كيف أصنع مع الغيم، و ما حدّ ذلك في السفر و الحضر، فعلت إن شاء اللّٰه، فكتب (عليه السلام) بخطه و قرأته: الفجر يرحمك اللّٰه هو الخيط الأبيض المعترض، و ليس هو الأبيض صعداً فلا تصلّ في سفر و لا حضر حتى تتبينه.

و رواها الشيخ أيضاً بإسناده عن الحصين بن أبي الحصين قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) و ذكر مثله[83].

وسند الرواية لا يخلو من اشكال، لوجود سهل في السند الاول و الحصين في السند الثاني، وان كان قد يقال انه ابو الحصين بن الحصين الذي وثقه الشيخ في رجاله، والمهم امكان حصول الوثوق بالصدور من خلال سندين.

4- صحيحة علي بن عطية عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أنه «قال: الصبح (الفجر) هو الذي إذا رأيته كان معترضاً كأنه بياض نهر سوراء[84].

ولا اشكال في سندها لرواية الكليني والشيخ الطوسي لها بسند صحيح، بل في سند الصدوق الى رواية علي بن عطية وان كان علي بن حسان المردد بين الواسطي الثقة و الهاشمي الضعيف، لكن الظاهر كونه الواسطي الثقة، كما صرح به الصدوق في بعض الروايات التي يرويها عن علي بن عطية، و أما الهاشمي فهو لا يروي إلا عن عمّه عبد الرحمن بن كثير في تفسيره و لم تعهد له رواية عن ابن عطية و لا عن غيره.

ونحوها رواية هشام بن الهذيل عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: سألته عن وقت صلاة الفجر، فقال: حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء[85]، الا أنها ضعيفة السند بهشام بن الهذيل.

وأما دلالتها فالظاهر منها كون طلوع الفجر بياضا معترضا كنهر سوراء، وقد ذكر المجلسي الاول “ره” في لوامع صاحبقرانى ما لفظه:

وقت نماز صبح وقتى است كه سفيدى صبح در عرض افق ظاهر شود و خوب روشن شود و روشنى صبح آسمان را فرا گيرد و بوده باشد سفيدى مانند سفيدى جامه مصرى كه بسيار سفيد مى‌باشد يا مانند نهر حله باشد و در مكه معظمه مشاهد شد جامهاى سفيد مصرى كه قريب به سفيدى برفست و در اين بلاد به آن سفيدى كم مى‌باشد و در سحرى بار كرده بوديم از حله و نهر فرات چنان ظاهر بود از جانب مغرب كه گمان كرديم كه صبح طالع شده است از طرف مغرب و تا كسى نه بيند وجه تشبيه را خوب نمى‌يابد[86].

5- صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخيط الأبيض- من الخيط الأسود- فقال بياض النهار من سواد الليل- قال و كان بلال يؤذن للنبي ص- و ابن أم مكتوم و كان أعمى يؤذن بليل- و يؤذن بلال حين يطلع الفجر- فقال النبي (صلى الله عليه وآله) إذا سمعتم صوت بلال- فدعوا الطعام و الشراب فقد أصبحتم[87].

6- رواية رزيق عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يصلي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو قبل أن يستعرض…[88].

7- معتبرة أبي بكر الحضرمي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت متى أصلي ركعتي الفجر- فقال حين يعترض الفجر و هو الذي تسميه العرب الصديع[89].

8- صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وقت الفجر حين ينشق الفجر[90]

وقد يتوهم التنافي بين هذه الروايات فيقال بأن صحيحة الحلبي “بیاض النهار من سواد اللیل” ورواية رزيق “کان یصلّی الغداة بغَلَس عند طلوع الفجر الصادق اول ما یبدو قبل أن یستعرض”

يدلان على كون طلوع الفجر هو الحالة الاولى من الحالات الثلاثة المحتملة في الفجر الصادق، و و صحيحة الحلبي الاخيرة “حين ينشق الفجر، ومعتبرة ابي بكر الحضرمي “حین یعترض الفجر و هو الذی تسمیه العرب الصدیع” يدلان على الحالة الثانية ويناسبها لفظ الخيط، كما أن صحيحة زرارة “کان رسول الله یصلّی رکعتی الصبح و هی الفجر اذا اعترض الفجر و أضاء حسناً” و رواية علي بن عطية “الصبح هو الذی اذا رأیته کان معترضاً کأنه بیاض نهر سوراء” يدلان على الحالة الثالثة، غير متجه، بل لا يظهر من الجميع الا الحالة الثالثة، والتعبير بكونه قبل ان يستعرض يختلف عن التعبير بكونه حبن الاعتراض، فان الاعتراض في قبال الفجر الكاذب الذي هو الضوء الصاعد الى السماء، والاستعراض هو توسعة البياض المعترض في الافق وتجلل الصبح السماء.

فالظاهر من الآية والروايات لزوم تبيض مطلع الفجر عرفا ولا يكفي تغير لونه من السواد الى الشديد الى السواد الخفيف .

ومع الشك فالمرجع استصحاب عدم طلوع الفجر بناء على جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية، وبناء على عدمه كما هو الظاهر فمقتضى البراءة وان كان هو البراءة عن وجوب الامساك في الصوم قبل الحالة السابقة، لكنها متعارضة بنظرنا مع البراءة عن تضيق وقت صلاة الصبح بما بعد الحالة الثالثة فيجوز الاتيان بها قبلها، ومنشأ المعارضة استلزام جريانهما للترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي، نعم بناء على مسلك السيد الخوئي “قده” من حكومة استصحاب عدم الوجوب على البراءة لاثباته كون شرط الوجوب هو الوقت المتأخر وشرط الوجوب شرط الواجب قهرا فلا معارض للبراءة الاولى.

الجهة الثانية: ذكر المحقق الهمداني “ره” أن طلوع الفجر يتأخر في الليالي المقمرة حيث يمنع ضوء القمر من تشكل الخيط الابيض في الافق في الوقت الذي كان يتشكل لولا ضوء القمر، ولا دليل على كفاية الوجود التقديري لتحقق الخيط الابيض، و لا يقاس ذلك بالغيم و نحوه؛ فإنّ ضوء القمر مانع عن تحقّق البياض ما لم يقهره ضوء الفجر، و الغيم مانع عن الرؤية لا عن التحقّق.

وقد ذكر أن المقام نظير التغير التقديري، وقد ذكر في تغير الماء الكر باوصاف النجس أنه لو صبغ الماء بصبغ احمر ثم القي عليه مقدار من الدم يكون كافيا في تغيير لونه لولا ذلك الصبغ فحيث لا يصدق أن الدم غير لون الماء فلا يتنجس الماء وكذا لو انتن الماء ثم القى فيه جيفة يكفي لنتنه لولا كونه منتنا قبله[91].

ووافق معه السيد الامام “قده” في رسالة ألفها في ذلك فقال: ظاهر الكتاب و السنّة و كذا ظاهر فتاوى الأصحاب على ما قاله المحقّق الهمداني “ره” هو لزوم التبين الفعلي، على أنّ مقتضى الأصل ذلك، و لا مخرج عنها، فإنّ الأدلّة لو لم تكن ظاهرة فيما ذكرنا لما كانت ظاهرة في القول الآخر، فلا محيص عن التمسّك بالاستصحاب الموضوعي، أو الحكمي مع الخدشة في الأوّل[92].

وقد وافق بعض الاجلاء “دام ظله” مع هذا القول.

ومن جملة ما استدل به السيد الامام بل جعله اظهر الروايات هو رواية سهل بن زياد عن عليّ بن مهزيار “قال: كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني (عليه السّلام) معي: جُعلت فداك، …كيف أصنع مع القمر و الفجر لا يتبيّن معه حتّى يحمرّ و يصبح، و كيف أصنع مع الغيم، و ما حدّ ذلك في السفر و الحضر؟ فعلت إن شاء اللّٰه، فكتب بخطّه (عليه السّلام) و قرأته‌ الفجر يرحمك اللّٰه هو الخيط الأبيض المعترض، و ليس هو الأبيض صُعَداء فلا تصلّ في سفر و لا حضر حتّى تبيّنه؛ فإنّ اللّٰه تبارك و تعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا، فقال وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ فالْخَيْطُ الْأبْيَضُ هو المعترض الذي يحرم به الأكل و الشرب في الصوم، و كذلك هو الذي يوجب الصلاة”.

وفيه أنه لا يظهر منها الا بيان الامام (عليه السلام) للوظيفة الظاهرية من لزوم احراز طلوع الفجر، وعدم جواز الاكتفاء بالشك، وهذا لا يكشف عن الحكم الواقعي في الليالي المقمرة.

كما أن تمسكه باستصحاب بقاء الليل استصحاب في موضوع الشبهة المفهومية ولعله اشار اليه بقوله مع الخدشة في الاول، وأما الاستصحاب الحكمي فهو مبني على عدم كون مقتضى الاصل البراءة عن تضيق وقت صلاة الفجر بكونه بعد التبين الحسي في الليالي المقمرة، بأن يكون استصحاب عدم الوجوب حاكما عليه كما ادعاه السيد الخوئي “قده” ايضا، ولكن مر الاشكال فيه فنتعارض البراءتان فيجب الاحتياط عند وصول النوبة الى الاصل الحكمي.

وكيف كان فقد خالف في هذا الحكم في الليالي المقمرة كثير من الاعلام، فذكر السيد الخوئي “قده” أن الظاهر عدم الفرق بين ضوء القمر و بين غيره من موانع الرؤية فإنه أيضاً مانع عن التبين الذي أُخذ في الموضوع طريقاً لاستعلام الفجر و كاشفاً عن تحققه، ضرورة عدم الفرق في أصل تكوين البياض بين الليالي المقمرة و بين‌ غيرها، و القاهرية المدعاة إنما تمنع عن فعلية الرؤية لا عن تحقق المرئي، كما يرشدك إليه بوضوح فرض الانخساف في هذه الحالة، فإن البياض الموجود يستبين وقتئذ بنفسه لا محالة، فإذا علم به من أيّ سبيل كان و لو من غير طريق الرؤية ترتب عليه الحكم بطبيعة الحال.

و بالجملة: حال ضياء القمر حال الأنوار الكهربائية في الأعصار المتأخرة و لا سيما ذوات الأشعة القوية، لاشتراك الكل في القاهرية، غاية الأمر أنّ منطقة الأول أوسع و دائرته أشمل من غير أن يستوجب ذلك فرقاً في مناط القهر كما هو واضح، فالقصور في جميع هذه الفروض إنما هو في ناحية الرائي دون المرئي.

و أما قياس المقام بالتغيّر التقديري فهو مع الفارق الظاهر، إذ المستفاد من الأدلة أن الموضوع للنجاسة هو التغير الفعلي الحسي، فله موضوعية في تعلق الحكم و لا يكاد يترتب ما لم يتحقق التغير و لم يكن فعلياً في الخارج، و لا يكفي الفرض و التقدير، و أما في المقام فالأثر مترتب على نفس البياض، و التبين طريق إلى إحرازه و سبيل إلى عرفانه، و المفروض تحققه في نفسه، غير أنّ ضوء القمر مانع عن رؤيته، فالتقدير في الرؤية لا في المرئي، فإنه فعلي بشهادة ما عرفت من افتراض الانخساف، فاذا علم المكلف بتحققه حسب الموازين العلمية المساوق للعلم بطلوع الفجر كيف يسوغ له الأكل في شهر رمضان أو يمنع من الدخول في الصلاة بزعم عدم تحقق الرؤية، فإن هذه الدعوى غير قابلة للإصغاء كما لا يخفى[93].

اقول: ان كون التبين ظاهرا في الطريقية المحضة لا يكفي لدفع اشكال المحقق الهمداني “ره” فانه كما ذكر يمنع ضوء القمر عن تشكل الخيط الابيض في الافق، فليس في الليالي المقمرة خيط ابيض قابل للرؤية، فلا يقاس بالغيم ونحوه، كما ان فرض خسوف القمر يعني تبدل الموضوع، و لم يعلم عرفا أن الخيط الابيض اخذ علامة لقرب الشمس الى الافق بمقدار 16 درجة مثلا بحيث تصلح أن تضوِّء الافق الشرقي وتبيِّضه لولا المانع، بل لعله اخذ تشكل البياض الفعلي في الافق موضوعا للحكم الشرعي، فالمقام نظير ما لو قيل “اذا تبين لك ضوء القمر فافعل كذا” فقد يعلم بوجود القمر في الافق ووجود ضوء له، الا أن ضوء الشمس قاهر عليه، فلا يقال بكفايته، و كذا لو قيل اذا تبين ضوء سيارة كذا فتصدق، وكان القمر في ليلة البدر مانعا عن تبين ضوءه.

وهذا اشكال قوي، وان كان يمكن الجواب عنه بأن الليالي المقمرة نظير ما لو قال المولى اذا تبين لك رائحة الثوم في فم زيد فقل له كذا” فاكل زيد الثوم في مكان غلب فيه رائحة منتنة تشبه رايحة الثوم بحيث لا يحس الناس برائحة فمه، فالعرف لا يراه الا ساترا لرايحة فمه لا مزيلا لها، و كذا انتشر في الفضاء رائحة نتنة مانعة عن الاحساس بالرائحة النتنة الحادثة في الماء بسبب وقوع الجيفة فيه، فان العرف لا يشك في تغير رائحة ذاك الماء بالنجس، وانما يرى أن الرائحة النتنة في الفضاء ساترة لرائحة الماء، والمقام من هذا القبيل، ولا يقاس المقام بالماء الذي صبغ بلون احمر قبل ان يلقى فيه مقدار من الدم الذي يكفي في تغير لون الماء لولا ذلك الصبغ الاحمر، او القي فيه ميتة طاهرة نتنة فاوجبت رائحة نتنة في الماء ثم القى فيه ميتة نجسة بحيث تكفي لأن توجب رائحة خبيثة فيه لولا رائحة الميتة الطاهرة، فانه حتى لو قيل بعدم نجاسة الماء فيه لعدم كون النجس مغير للون الماء او رائحته بالفعل كما عليه المحقق الهمداني “ره” فيختلف عن المقام، فان المقام نظير ما لو تغير الجو فصار احمر بحيث نرى الماء احمر، فانه لا اشكال في صدق تغير لون الماء بالدم، وانما حمرة الجو مانعة عن تميزه، فكذا ضوء القمر مانع عن تميز ضوء الشمس في الافق، لا عن وجوده.

هذا وقد حكم السيد الخوئي “قده” بحصول التغير الفعلي في الماء الذي القي فيه الدم بمقدار لولا كونه مصبوغا بالصبغ الاحمر لتغير لونه او الماء المنتن الذي القي فيه جيفة نتنة بحيث لولا نتنه لتغير ريحه، غاية الأمر أن حمرة الماء أو نتنه يمنع عن إدراكه، و إلّا فالأجزاء الدموية موجودة في الماء و إن لم يشاهدها الناظر لحمرته، و هو نظير ما إذا جعل أحد على عينيه نظارة حمراء، أو جعل الماء في آنية حمراء فإنّه لا يرى تغيّر الماء إلى الحمرة بالدم مع أنّه متغيّر واقعاً[94]، وقال في المقام ايضا بأن ضوء الشمس حاصل في الافق الشرقي، لكن غلية ضوء القمر مانعة عن رؤيته.

وأما قياس المقام بمثل ما لو قيل “اذا تبين ضوء القمر فافعل كذا” فالظاهر عدم تماميته فان العرف لا يرى الضوء للقمر مع وجود الشمس، بينما أنه يرى أن الخيط الابيض نتيجة اقتراب الشمس من الافق، ويكون تبينه علامة ذلك.

وعليه فلايبعد عدم الفرق بين الليالي المقمرة وغيرها، وان كان لا ينبغي ترك الاحتياط في صلاة الصبح بتأخيرها حوالي عشرين دقيقة.

الجهة الثالثة: انه في البلاد البعيدة عن خط الاستواء والقريبة من القطب حيث يكون النهار فيه مثل دقائق قبيل غروب الشمس في بلادنا والليل فيه مثل دقائق بعد غروب الشمس في بلادنا فلا يتشكل فيه خيط ابيض في الافق، بل من منتصف الليل يتضوء السماء شيئا فشيئا الى أن تطلع الشمس، فقد ذكر بعض السادة الاعلام “دام ظله” بأنهم يصلون الصبح قبيل طلوع الشمس الا أنه لا يحل مشكلة تحديد وقت الشروع في الصوم، والظاهر لزوم مراعاة النسبة بين منتصف الليل الى تبين الخيط الابيض وطلوع الشمس في البلاد التي يتشكل فيه خيط ابيض، لعدم ضابط آخر غير ذلك، ولا يحتمل سقوط التكليف بالصوم في حقهم او لزوم هجرتهم الى بلاد أخرى.



[1] – كتاب الصلاة ج1ص 59

[2] – امالي الصدوق ص 79

[3] – وسائل الشيعة ج4ص 181

[4] – وسائل الشيعة ج4ص 198

[5] – في النهاية لابن اثير: اطل: اشرف

[6] – وسائل الشيعة ج4ص 182

[7] – وسائل الشيعة ج4ص 178

[8] – الكافي ج 1 ص 68

[9] – وسائل الشيعة ج27ص118 باب 9 من ابواب صفات القاضي ح29، روضة المتقين ج6ص42، بحار الانوار ج2 ص235

[10] – وسائل الشيعة ج30ص217ومثله ما في ص153

[11] – نفس المصدر ح30

[12] – نفس المصدر ح31

[13] – نفس المصدر ح34

[14] – كفاية الاصول ج2ص457

[15] – بحوث في علم الاصول ج 7ص200

[16] – مصباح الفقيه كتاب الصلاة ص29

[17] – وسائل الشيعة ج27ص118 باب 9 من ابواب صفات القاضي ح46

[18] – حكاه عنه في الجواهر ج7 ص 118

[19] – وسائل الشيعة ج4ص 10

[20] – وسائل الشيعة ج4ص 174

[21]من لا يحضره الفقيه ج‌4 ص 443

[22] – وسائل الشيعة ج4ص 273

[23] – وسائل الشيعة ج4ص 273

[24] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص190

[25] – فروع الكافي ج4باب كفارة الصوم ص 144

[26] – منها: الكافي ج4ص144، الكافي ج2ص76، الفقيه ج2ص410، التهذيب ج5ص 134 وج7 ص137

[27] – السرائر ج 3ص601

[28] – بحار الانوار ج80 ص 139

[29] – بحار الانوار ج80 ص 138

[30] – وسائل الشيعة ج4ص

[31] – وسائل الشيعة؛ ج‌14، ص: 30

[32] – وسائل الشيعة؛ ج‌10، ص: 356

[33] – وسائل الشيعة ج4ص 10

[34] – وسائل الشيعة ج4ص 174

[35] – وسائل الشيعة ج 10ص 185

[36] – وسائل الشيعة ج 10ص 185

[37] – وسائل الشيعة ج 4ص10

[38] – موسوعة الامام الخوئي ج 11ص

[39] – بحار الانوار ج80ص 74

[40] – الخلاف ج‌1 ص 266

[41] – جواهر الفقه ص 19

[42] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 11

[43] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص

[44] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 213

[45] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 212

[46] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص

[47] – تنقيح مباني العروة كتاب الصلاة ج1ص 171

[48] – من لا يحضره الفقيه ج1ص309

[49] – علل الشرائع؛ ج‌2، ص: 323

[50] – تنقيح مباني العروة كتاب الصلاة ج1ص 173

[51] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 10

[52] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص بتوضيح منا

[53] – تنقيح مباني العروة كتاب الصلاة ج1ص 173

[54] – معاني الاخبار ص 332 بحار الانوار ج79ص 383

[55] – وسائل الشيعة؛ ج‌10، ص: 185

[56] – وسائل الشيعة؛ ج‌10، ص: 19

[57] – وسائل الشيعة ج4ص52

[58] – الكافي ط دار الحديث ج15ص 296

[59] – وسائل الشيعة ج 4 ص 48

[60] – بحار الانوار ج 86 ص 371

[61] – وسائل الشيعة ج 7ص 380

[62] – صراط النجاة ج1 ص238

[63] – وسائل الشيعة ج 14 ص 252

[64] – مناسك حج (محشى) ص: 557) نيمۀ شب را بايد بنابر احتياط واجب از اول غروب تا طلوع آفتاب حساب كنند؛ و احتياط آن است كه از مغرب شرعى، حساب كنند.

[65] – تحرير الوسيلة؛ ج‌1، ص: 47

[66] – العروة الوثقى (المحشى)؛ ج‌2، ص: 252

[67] – وسائل الشيعة؛ ج‌2، ص: 364

[68] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 53

[69] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 59

[70] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 257

[71] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 258

[72] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 258

[73]وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 160

 

[74]وسائل الشيعة؛ ج‌16، ص: 99

 

[75]وسائل الشيعة؛ ج‌14، ص: 420

 

[76] – الخلاف ج 1ص267

[77] – صراط النجاة ج1 ص238

[78] – وسائل الشيعة ج 14 ص 252

[79] – اعلانهم لاذان قم اليوم 15/ 5

[80] – الدر المنثور ج 1ص 199

[81] – وسائل الشيعة ج4ص 211

[82] – وسائل الشيعة ج4ص 209

[83] – وسائل الشيعة ج4ص210

[84] – وسائل الشيعة ج4ص 212

[85] – وسائل الشيعة ج4ص 210

[86] – لوامع صاحبقراني ج3ص 131

[87] – وسائل الشيعة؛ ج‌10، ص: 111

[88] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 213

[89] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 268

[90] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 207

[91] – مصباح الفقيه ج9ص 134

[92] – الرسائل العشرة ص 199

[93] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 201

[94] – موسوعة الإمام الخوئي؛ ج‌2، ص: 69