فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

 

فهرست مطالب:

القمار. 1

فرع فی حکم الشطرنج.. 1

تعلق الحرمة بعنوانها او بما أنه من الالات القمار؟. 1

تعریف اللغوی للقمار. 3

حکم القمار. 4

الروايات الدالة علی الحرمة. 4

فروض المسألة. 7

الفرض الاول: حرمة اللعب مع الرهان بالآلات التي كان المتعارف اللعب بها مع الرهان. 7

الفرض الثاني: اللعب بآلات القمار بدون رهان. 8

الوجه الاول: صدق القمار عليه. 8

الوجه الثاني: الاستدلال بما دل على حرمة اللعب بآلات القمار. 9

الكلام في ضابط آلية القمار. 12

اطلاقات الداله علی حرمة النرد و الشطرنج مطلقا 12

الفرض الثالث: اللعب مع الرهان بغير آلات القمار. 15

ادلة الحرمة. 15

 

 

 

القمار

المحرم الرابع: القمار،

فرع فی حکم الشطرنج

تعلق الحرمة بعنوانها او بما أنه من الالات القمار؟

واهمية البحث عنه يظهر في ابتلاء كثير من الناس بامور كاللعب بالشطرنج حيث يقال بأن النهي عن اللعب بها في الروايات كان ظاهرا في كونه لاجل مصداقيتها لآلات القمار اي ما كان استعمالها الغالب اللعب بها مع الرهان فاذا احرز حروجها عن آلية القمار فلايكون اللعب بها بدون رهان محرما، وهذا ما صدر عن السيد الامام “قده” في اواخر حياته، ووافقه بعض السادة الاعلام “دام ظله” فيما لو احرز خروجها عن آلية القمار في جميع البلدان، -بينما أنه خص حرمة اللعب بسائر الالآت كالبليارد بما اذا عد آلة القمار في بلد المكلف بخلاف الشطرنج والنرد- ولكن ادعى أن احراز ذلك فعلا ممنوع، وهو كذلك ان شمل الرهان الاتفاق مع شخص ثالث في أن يعطي ذاك الشخص جائزة للفائز من الطرفين، دون ما اذا قلنا بانصراف المقامرة عنه، كما عليه شيخنا الاستاذ “قده” حيث قال: ان المعتبر في صدق القمار والمراهنة “برد وباخت” هما كون المال من المغلوب، و لا يعمّان ما إذا كانت هبة من شخص ثالث للفائز، كما صرح بذلك بعض أهل اللغة، و يظهر أيضا بمراجعة الاستعمالات العرفية، و ان لم يكن هذا جزميا، فلا أقل من احتماله، و هذا يمنع عن الرجوع الى إطلاق خطاب حرمة القمار أو المراهنة، ولذا يجوز المبارأة المتعارفة المسماة بكرة القدم، و غيرها التي يعين فيها الجائزة من الحكومات أو الأندية للفائزين، و لا يكون اللعب فيها بآلات القمار[1]، وقد ذكر اخيرا أن الشطرنج لا موضوعية لها، وانما النهي عنها في الروايات منصرف الى النهي عنها بما هو آلة القمار فلو علم بأنها خرجت عن آلية القمار جاز اللعب بها من دون رهان، والظاهر انه على تفسيره للرهان يعلم بخروجها عنها هذا ولكن اصر جماعة كالسيد الخوئي “قده” على حرمتها بعنوانها، ففي صراط النجاة:

س: قبل وفاة الإمام الخميني الراحل “رضوان الله عليه” نقل عنه فتوى بتحليل أو جواز لعب الشطرنج، فنرجو إيضاحا لمسألة مهمة و هي أنكم تعتبرونها من الكبائر بينما الإمام “رضوان الله عليه” جوّزها؟.

الخوئي: لم يقل أحد بحلية لعب الشطرنج بقول مطلق، و إنما الكلام فيما إذا لعب به لا مع المراهنة بل لترويح النفس مثلا، و الأقوى عندنا الحرمة مطلقا و لو من دون رهان.

التبريزي: إذا أحرز خروجها عن آلة القمار فلا بأس[2].

س: المعروف أن لعبة الشطرنج خرجت عن كونها آلة للقمار، فصارت في جميع أنحاء العالم مجرّد لعبة للتسلية و الرياضة، فهل تبقى على الحرمة؟

الخوئي: نعم تبقى على الحرمة، و اللّٰه العالم.

التبريزي: اشتهار خروجها عن آلة القمار لا يكفي في جواز اللّعب بها، ما لم يحصل العلم بذلك[3].

بل ذكر بعضهم أنه بعد شيوع اللعب بالشطرنج والنرد بدون الرهان في تلك الأعصار أيضا بين الخلفاء و الأمراء لعدم اعتنائهم بالأموال، بل كان المهمّ عندهم الغلبة على القرن و كسر شخصيّته بمنع من انصراف الروايات الناهية عن اللعب بهما إلى صورة وجود الرهان فقط، فحرمة اللعب بالآلات المخصوصة من النرد و الشطرنج لا تدور مدار صدق القمار عليه[4].

كما أنه لابد من الكلام حول لعب الشطرنج او سائر الآت القمار اذا كان الطرف الآخر للعب، هو جهاز الكامبيوتر.

كما أن من الابحاث المهمة الكلام حول المشاركة في المسابقات العلمية ونحوها مما قد يخسر كل شخص مبلغا ضئيلا برجاء أن يصيب القرعة باسمه فيأخذ جائزة خطيرة، فهل يدخل ذلك في القمار، فقد ذكر شيخنا الاستاذ “قده” أنه حيث يعتبر اللعب في صدق القمار قطعا أو احتمالا، و معه لا يمكن الجزم بانطباق عنوان القمار على شراء أوراق اليانصيب “بليط بخت آزمايى” فلا يكون مجرد شراء تلك الأوراق محرما تكليفا، نعم لا ينبغي الريب في بطلان بيعها و شرائها، حيث ان الأوراق لا تكون بنفسها أموالا، بل يكون إعطاء المال باعتبار الرقم الموجود في كل ورقة، لاحتمال وقوع الجائزة على ذلك الرقم، فتكون المبادلة واقعا بين المال و تلك الجائزة المحتمل وقوعها على الرقم، و الورقة سند لها، فلا يكون بيعا صحيحا، فان المعتبر فيه وجود المبيع و العلم به[5]، بينما أن المشهور كونه من القمار كما صرح به السيد الامام والسيد الخوئي “قدهما”، وهذا له دور كبير في تطبيق عنوان القمار على بعض المعاملات الجديدة.

وكيف كان فيقع الكلام اولاً في معنى القمار وثانياً في ادلة حرمته وثالثاً في اقسامه،

تعریف اللغوی للقمار

أما معنى القمار ففي القاموس: قامر الرجل مقامرة و قمارا: راهنه فغلبه و هو التقامر، و في مجمع البحرين: القمار بالكسر: المقامرة، و تقامروا: لعبوا بالقمار، و اللعب بالآلات المعدّة له على اختلاف أنواعها نحو الشطرنج و النرد و غير ذلك، و أصل القمار: الرهن على اللعب بشي‌ء من هذه الأشياء. و ربّما أطلق على اللعب بالخاتم و الجوز، وفي أقرب الموارد: قمر الرجل قمرا راهنه و لعب القمار، و في المنجد: قمر يقمر قمرا: راهن و لعب في القمار، و الرجل: غلبه في القمار، و الرجل ماله: سلبه إيّاه. قامر مقامرة: راهنه و لاعبه في القمار، تقمّر الرجل: غلبه في القمار. تقامر القوم: تراهنوا و لعبوا في القمار، و القمار: كل لعب يشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئا سواء كان بالورق أو غيره.

والظاهر أن معناه العرفي ما يعبر عنه في الفارسية “برد وباخت”، ويصدق على اللعب مع الرهان بآلات معدة لذلك.

حکم القمار

وأما حكمه فلا خلاف في حرمته في الجملة وان كان القدر المتيقن منها فرض اجتماع شرطين احدهما اللعب بما كان من آلات القمار اي كانت منفعته الغالبة المقامرة والمغالبة به مع الرهان، وثانيهما اشتماله على الرهان فعلا، وأما مع فقد أحد الشرطين ففيه خلاف.

ويدل على حرمته الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى “انما الخمر والميسر والنصاب والازلام وجس من عمل الشيطان” و قوله تعالى “انما يريد الشيطان ليوقع بينكم البغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله فهل انتم منتهون”.

الروايات الدالة علی الحرمة

وأما الروايات فعمدتها ما يلي:

1- ما في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن معمر بن خلاد (وثقه النجاشي) عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة و كل ما قومر عليه فهو ميسر[6]، وسند الرواية تام.

2- ما في الكافي ايضا عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما أنزل الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) إنما الخمر- و الميسر و الأنصٰاب و الأزلٰام- رجس من عمل الشيطٰان فاجتنبوه قيل يا رسول الله ما الميسر- فقال كل ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز- قيل فما الأنصاب قال ما ذبحوا لآلهتهم- قيل فما الأزلام قال قداحهم التي يستقسمون بها[7]، وعمرو بن شمر ممن لم يوثق، وتدل الرواية على كون المراد من الميسر آلات القمار.

3- ما في الكافي ايضا عن عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن علي الوشاء عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سمعته يقول الميسر هو القمار[8]، وفي سهل كلام، ودلالتها مثل السابقة.

4- ما في الكافي ايضا عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران عن مثنى الحناط عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) النرد و الشطرنج هما الميسر[9].

5- ما فيه ايضا عنهم عن سهل عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبي أيوب عن عبد الله بن جندب عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشطرنج ميسر و النرد ميسر[10].

6- ما فيه ايضا عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عبد الملك القمي قال: كنت أنا و إدريس أخي عند أبي عبد الله ع- فقال إدريس جعلنا فداك ما الميسر- فقال أبو عبد الله هي الشطرنج قال- قلت إنهم يقولون إنها النرد قال و النرد أيضا[11].

7- صحيحة زياد بن عيسى (هو زياد بن ابي رجاء وقال عنه النجاشي زياد بن عيسى ابو عبيدة الحذاء ثقة) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عز و جل و لٰا تأكلوا- أموٰالكم بينكم بالبٰاطل فقال كانت قريش تقامر الرجل بأهله و ماله فنهاهم الله عز و جل عن ذلك[12]، ورواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن ابيه.

8- ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثٰان- و اجتنبوا قول الزور قال الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء[13].

8- ما في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد و الحسين بن سعيد جميعا عن النضر بن سويد عن درست عن زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل فاجتنبوا- الرجس من الأوثٰان و اجتنبوا قول الزور قال الرجس من الأوثان الشطرنج- و قول الزور الغناء[14].

9- ما فيه ايضا عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد[15] عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الشطرنج- فقال دعوا المجوسية لأهلها لعنها الله[16].

10- ما في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن اللعب بالشطرنج و النرد[17].

11- ما في الكافي ايضا عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى قال: دخل رجل من البصريين على أبي الحسن الأول (عليه السلام) فقال له جعلت فداك إني أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج- و لست ألعب بها و لكن أنظر- فقال ما لك و لمجلس لا ينظر الله إلى أهله[18].

12- مستطرفات السرائر نقلا من كتاب جامع البزنطي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بيع الشطرنج حرام و أكل ثمنه سحت و اتخاذها كفر و اللعب بها شرك و السلام على اللاهي بها معصية و كبيرة موبقة- و الخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير لا صلاة له حتى يغسل يده، كما يغسلها من مس لحم الخنزير، و الناظر إليها كالناظر في فرج أمه، و اللاهي بها و الناظر إليها في حال ما يلهى بها، و السلام على اللاهي بها في حالته تلك في الإثم سواء، و من جلس على اللعب بها فقد تبوأ مقعده من النار، و كان عيشه ذلك حسرة عليه في القيامة، و إياك و مجالسة اللاهي و المغرور بلعبها، فإنها من المجالس التي باء أهلها بسخط من الله يتوقعونه في كل ساعة فيعمك معهم[19].

13- رواية الصدوق في معاني الأخبار عن أبيه عن سعد عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير (وثقه في رجال الكشي) عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن الشطرنج و النرد فقال لا تقربوهما قلت فالغناء قال لا خير فيه لا تقربه[20].

وليس في سندها من يناقش فيه الا ابي الربيع الشامي الذي هو خليد بن اوفى، وقد يحاول توثيقه بعدة وجوه:

1- ما ذكره الشهيد في شرح الإرشاد من أنه ثقة لرواية الحسن بن محبوب وعبد الله بن مسكان، و هما من أصحاب الإجماع.

وفيه أن الإجماع إنما انعقد على تصديق جماعة في ما يروونه و أنهم لا يتهمون بالكذب و لم ينعقد على تصديق من يروون عنه و هذا ظاهر، على أن الحسن بن محبوب لم تثبت روايته عن أبي الربيع بلا واسطة، و إنما روى عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع.

2- ما ذكره الشيخ الحر “قده” في أمل الآمل في ترجمته أنه لو قيل بتوثيقه و توثيق جميع أصحاب الصادق (عليه السلام) إلا من ثبت ضعفه لم يكن بعيدا، لأن المفيد في‌ الإرشاد، و ابن شهرآشوب في معالم العلماء و الطبرسي في إعلام الورى قد وثقوا أربعة آلاف من أصحاب الصادق ع، و الموجود منهم في كتب الرجال و الحديث لا يبلغون ثلاثة آلاف، و ذكر العلامة و غيره أن ابن عقدة جمع الأربعة آلاف المذكورين في كتب الرجال[21]، و قد ذكر الشيخ في أول رجاله بأنه يذكر فيه جميع من ذكره ابن عقدة…، وقد ذكر ابا الربيع الشامي.

وفيه أن هذه الدعوى غير قابلة للتصديق، فإنه إن أريد بذلك أن أصحاب الصادق (عليه السلام) كانوا أربعة آلاف كلهم كانوا ثقات: فانه مستحيل عادة، فهي تشبه دعوى عدالة جميع صحابة النبي (صلى الله عليه وآله)، مع أنه ينافيها تضعيف الشيخ جماعة، منهم إبراهيم بن أبي حبة، و الحارث بن عمر البصري، و عمرو بن جميع، و قد عد أبا جعفر الدوانيقي من أصحابه فقال: عبد الله بن محمد بن علي‌ بن عبد الله بن العباس، أبو جعفر المنصور[22]، و إن أريد أن أصحاب الصادق كانوا كثيرين، إلا أن الثقات منهم أربعة آلاف، فهو مع عدم جدوى فيه كما هو واضح معلوم البطلان، فإن الشيخ مع حرصه على جمع الأصحاب حتى من لم يذكره ابن عقدة على ما صرح به في أول رجاله، و لأجل ذلك ذكر موسى بن جعفر (عليه السلام) و المنصور الدوانيقي في أصحاب الصادق ع، و مع ذلك فلم يبلغ عدد ما ذكره الشيخ أربعة آلاف، فإن المذكورين في رجاله من اصحابه 30225.

3- ما ذكره السيد الخوئي “قده” من امكان اثبات وثاقته لاجل كونه من رجال تفسير القمي وقد شهد في ديباجة التفسير أنه يرةي فيه عن الثقات فقد أجبنا عنه مرارا فلا نعيد.

4- ما ذكره الشيخ الحر من أن الصدوق يروي عن كتابه في الفقيه، و ذكر طريقه إليه في المشيخة، حيث قال: ما كان فيه عن أبي الرّبيع الشاميّ فقد رويته عن أبي- رضي اللّه عنه- عن سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحكم بن مسكين، عن الحسن بن رباط، عن أبي الرّبيع الشاميّ[23]، و قد ذكر في أول كتابه أنه لا يروي إلا عن الكتب المشهورة التي عليها المعول واليها المرجع[24].

وفيه أنه موقوف على كون ما رواه الصدوق في الفقيه عن ابي الربيع الشامي منقولا عن كتابه، وهذا غير واضح، فلعله رواه عن كتاب سعد بن عبد الله او محمد بن الحسين بن ابي الخطاب، او الحسن بن رباط،

وأما ما قد يقال من أن كثرة رواياته في الفقيه عن اشخاص او كتب لا يحتمل اشتهارها يمنع من ظهور كلامه في اول الفقيه في العموم فلعله من باب التغليب ، فانه قد روى في الفقيه عدة روايات وذكر طرقه اليها ويعلم بعدم كونها من كتب مشهورة، كروايته عن اسماء بنت عميس وعن ابي سعيد الخدري وعن شعيب بن واقد في خبر النواهي، وطريقه الى رواية حماد بن عمرو وانس لخبر وصية النبي لعلي (عليهما السلام)، وروايته عن محمد بن القاسم الاسترابادي واحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، فلابد من حمل كلامه على الغلبة، ولكن يرد على ذا البيان أن هذا المقدار من الاستثناء، لا يوجب وهن ظهوره في العموم.

فروض المسألة

ثم فروض المسألة اربعة:

الفرض الاول: حرمة اللعب مع الرهان بالآلات التي كان المتعارف اللعب بها مع الرهان

الفرض الاول: ما هو القدر المتيقن من حرمة القمار تكليفا ووضعا، وهو حرمة اللعب مع الرهان بالآلات التي كان المتعارف اللعب بها مع الرهان، وليس من هذا القبيل اللعب بكرة القدم، فانها لا تعد من آلات القمار عرفا، اذ مضافا الى أن الظاهر كون تعيين الجائزة للفائز من شخص ثالث ليس من الرهان الذي يوجب صدق القمار، ولا اقل من الشك الموجب للرجوع الى البراءة، انه ليس اللعب بها بدون رهان او جائزة من شخص ثالث امرا نادرا بحيث يصدق عليها عنوان آلات القمار.

الفرض الثاني: اللعب بآلات القمار بدون رهان

الفرض الثاني: اللعب بآلات القمار بدون رهان، والمشهور حرمته، بل ادعى النراقي “ره” في مستنده عليه الاجماع، ويستدل عليه -مع غمض العين عن الاجماع الذي لو تم لا يعدو عن كونه اجماعا مدركيا لا حجية له- بوجهين:

الوجه الاول: صدق القمار عليه

الوجه الاول: دعوى صدق القمار عليه، حيث يقال ان القمار هو اللعب بآلات القمار، و يورد عليه تارة بالمنع من الصغرى اي المنع من صدق القمار عليه، وأخرى بالمنع من الكبرى، اي المنع من اطلاق دليل حرمة القمار للعب بغير رهان:

أما الاول فلأن من المحتمل -ان لم نقل بكونه الظاهر- أن معناه العرفي ما يعبر عنه في الفارسية “برد وباخت”، فلا يصدق على اللعب بآلات القمار بدون رهان، كما أن بعض كلمات اللغويين يؤيد ذلك، ففي القاموس: قامر الرجل مقامرة و قمارا: راهنه فغلبه، وفي أقرب الموارد: قمر الرجل قمرا راهنه و لعب القمار، و في المنجد: قمر يقمر قمرا: راهن و لعب في القمار، … و القمار: كل لعب يشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئا سواء كان بالورق أو غيره. و في مجمع البحرين: أصل القمار: الرهن على اللعب بشي‌ء من هذه الأشياء.

ولو فرض استعمال القمار في مطلق اللعب بآلات القمار ولو من دون رهان، فالاستعمال اعم من الحقيقة، بل كما ذكر الشيخ الاعظم “ره” -بعد أن قال: أن في صدق القِمار عليه نظرا- أن مجرّد الاستعمال لا يوجب إجراء أحكام المطلقات و لو مع البناء على أصالة الحقيقة في الاستعمال، لقوّة انصرافها إلى الغالب من وجود الرهن في اللعب بها[25]، وذلك مثل انصراف لفظ الحيوان وما لا يؤكل لحمه عن الانسان مع كون المعنى الموضوع له لهما اعم منه، فتأمل.

وأما الثاني، فلأنه وان ورد في بعض الروايات النهي عن القمار كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال: لا تصلح المقامرة و لا النهبة[26]، وفي رواية سهل بن زياد عن الحسن بن علي الوشاء عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سمعته يقول الميسر هو القمار[27]، الا أنه قد يقال بأن الرواية الاولى ليست ظاهرة في الحرمة، واقتران المقامرة بالنهبة[28] التي هي ظاهرة في سلب مال الغير والذي يعلم بحرمته، لا يجعل كلمة “لا يصلح” ظاهرة في الحرمة، وما ذكر السيد الخوئي “قده” من أن “لا يصلح” ظاهر في عدم الجواز لأنّه بمعنى عدم القابلية، نظير قوله تعالى “إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صٰالِحٍ” فالأظهر عدم الجواز[29]، غير متجه، وقد صرح في موضع بأنها غير ظاهرة في المنع التحريمي و إنما ظاهرها الكراهة[30]، وان كان الصحيح كونها ظاهرة في الاعم من الكراهة والحرمة، كما صرح في موضع من أنه لعل الأظهر ظهورها في الجامع بينها و بين الحرمة[31].

وأما الرواية الثانية فضعيفة سندا بسهل بن زياد.

الوجه الثاني: الاستدلال بما دل على حرمة اللعب بآلات القمار

الوجه الثاني: الاستدلال بما دل على حرمة اللعب بآلات القمار، وهي روايات كثيرة سبق ذكر جملة منها عمدتها معتبرة معمر بن خلاد، “كل ما قومر عليه فهو ميسر” بضمها في الآية الى الامر بالاجتناب عن الميسر.

ولكن ذكر الشيخ الاعظم “قده” أنه يمكن الخدشة في الاستدلال بإطلاق النهي عن اللعب بتلك الآلات؛ بناء على انصرافه إلى المتعارف من ثبوت الرهن، نعم، قد يبعد دعوى الانصراف في رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن الشطرنج و النرد فقال لا تقربوهما قلت فالغناء قال لا خير فيه لا تقربه.

ثم قال: و الأولى الاستدلال على ذلك بما في رواية تحف العقول من قوله: انما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها- التي يجي‌ء منها الفساد محضا نظير البرابط و المزامير و الشطرنج و كل ملهو به و الصلبان و الأصنام و ما أشبه ذلك- من صناعات الأشربة الحرام و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي‌ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و أخذ الأجر عليه و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات كلها[32].

وفي تفسير القمي، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى “إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ” قال: أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشراب… و أمّا المَيسِر فالنرد و الشطرَنج، و كلّ قِمار ميسر… و كلّ هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي‌ء من هذا حرام محرّم[33]، و ليس المراد بالقِمار هنا المعنى المصدري، حتّى يرد ما تقدّم من انصرافه إلى اللعب مع الرهن، بل المراد الآلات بقرينة قوله “بيعه و شراؤه”، و قوله “و أمّا المَيسِر فهو النرد …”

و يؤيد ذلك ما في امالي ابن الشيخ الطوسي عن أبيه عن ابن الصلت عن ابن عقدة عن علي بن محمد بن علي الحسيني عن‏جعفر بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن علي عن علي بن موسى عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: كل ما ألهى‏ عن‏ ذكر الله فهو من الميسر[34]، وفي موثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سئل عن الشطرنج و عن لعبة شبيب التي يقال لها: لعبة الأمير و عن لعبة الثلاث؟ فقال: أ رأيتك إذا ميّز اللّه بين الحقّ و الباطل مع أيّهما تكون؟ قلت مع الباطل، قال: فلا خير فيه[35]، فإنّ مقتضى إناطة الحكم بالباطل و اللعب عدم اعتبار الرهن في‌ حرمة اللعب بهذه الأشياء، و لا يجري دعوى الانصراف هنا[36].

اقول: لم افهم وجه انصراف هذه الروايات عن اللعب بآلات القمار بدون رهان، فانه ليس من النادر كالمعدوم، بحيث ينصرف عنه الاطلاق، ولو فرض انصرافها عنه فلا يعرف وجه لاستثناء رواية ابي الربيع الشامي عن ذلك، اذ اي فرق بين النهي عن القرب والامر بالاجتناب، بل قد يقال بأن رواية ابي الربيع حيث تختص بالنرد والشطرنج فيحتمل الخصوصية فيهما، كما ذهب اليه بعضهم، فلا يمكن التعدي منهما الى بقية آلات القمار.

وأما رواية تحف العقول فعمدة الاشكال فيها ضعف سندها، وقد يناقش في دلالتها بأن كون آلات القمار مما يجيء منها الفساد محضا اول الكلام، نعم الشطرنح منصوص فيها، ومع احتمال الحصوصية في حرمة اللعب به حتى مع عدم الرهان فلا يمكن التعدي منه الى بقية آلات القمار غير النرد الذي هو مثل الشطرنج.

وقد ناقش في جامع المدارك في رواية أبي الجارود بأن المستفاد منها حرمة بيع آلات القمار و لا نفهم دلالتها على حرمة اللّعب بدون الرّهن[37]، وفيه أنها تامة الدلالة لاجل قوله “والانتفاع بشيء من هذا حرام” نعم هي ضعيفة السند لأن ابي الجارود غير موثق، كما مر منا مرارا.

وأما رواية امالي الطوسي فمضافا الى ضعف سندها لابد من حملها على الكراهة، فكيف يلتزم بحرمة ما يشغل عن ذكر اللّه، وكثير من الأمور الدنيوية المباحة بل المستحبة احيانا من هذا القبيل، فقد قال تعالى “إِنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ”.

و أما موثقة زرارة فتدل على أن اللعب بآلات القمار من الباطل، لكن لا دليل على حرمة مطلق الباطل.

وعليه فلا ينبغي الاشكال في حرمة اللعب بآلات القمار ولو من دون رهان، وان ناقش في جامع المدارك في جميع الأدلة بقبول دعوى الشيخ الاعظم انصراف اطلاقات النهي عن آلات القمار الى النهي عن التقامر بها والاشكال في دلالة بقية الروايات بما سبق، ولكن هذا الاشكال منه اشكال في حرمة اللعب بآلات القمار من دون رهان، والا ففي خصوص الشطرنج صرح في بحث شرطية العدالة في الشاهد بكون اللعب به منافيا للعدالة، فقال: و اللّعب بالشطرنج تردّ به الشهادة[38]، ولعله لاجل احتمال الخصوصية فيه ولذا ذكر بعض السادة الاعلام “دام ظله” أن اللعب بآلات القمار إذا لم يكن رهن يحرم في النرد و الشطرنج على الأقوى، بل و لا يترك الاحتياط في غيرهما أيضا[39]، نعم ذكر بعض الاعاظم أن حرمة اللعب بآلات القمار بدون رهان مبنية على الاحتياط، و الاحتياط في النرد و الشطرنج و الأربعة عشر آكد[40]، ووجه تأكد احتياطه الوجوبي في هذه الثلاثة ورود النص الخاص فيها وهو معتبرة معمر بن خلاد “النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة و كل ما قومر عليه فهو ميسر”، ولكن حيث كان لديه اشكال في ظهورها في اكثر من كون هذه الثلاثة مصاديق لقوله “وكل شيء تقومر عليه فهو ميسر” فلم يُفْتِ بحرمتها.

ولكن اتضح مما مر أنه لايوجد وجه واضح للاشكال في حرمة اللعب بآلات القمار بدون رهان، لاطلاق ادلة النهي عن آلات القمار، خصوصا في النرد والشطرنج من معتبرة ابن الخلاد وغيرها.

ان قلت: دعوى أنه كما مر في بحث حرمة استعمال آلات اللهو أن النهي عن آلات اللهو منصرف -ولو احتمالا- الى النهي عن ضربها اللهوي، خصوصا مع المبنى المختار من أن حذف المتعلق لا يفيد العموم، فلماذا لا يقال في المقام بانصراف النهي عن آلات القمار الى اللعب التقامري اي اللعب مع الرهان بها.

قلت: الاثر الظاهر الذي ينصرف اليه النهي عن آلات القمار والامر بالاجتناب عنها ليس الا مطلق اللعب بها، بل قد ورد في موثقة السكوني النهي عن اللعب بالنرد والشطرنج، ولذا نرى بالوجدان أن العقلاء لا يعذرون العبد اذا لعب بها ولو من دون رهان بعد ما توجه اليه خطاب النهي عن الشطرنج مثلا او خطاب الامر بالاجتناب عن الميسر الذي فسر بآلات القمار.

الكلام في ضابط آلية القمار

انما الكلام في ضابط آلية القمار، فذكر بعض السادة الاعلام “دام ظله” أن المدار فيها على عرف البلد، نعم حيث ورد النص الخاص في النرد والشطرنج فيكفي في حرمتهما بقاءهما على آلية القمار ولو في بعض البلدان.

وفيه أن الظاهر من آلية القمار هو كون الشيء مما يتعارف التقامر به بين اهله في عامة البلدان كآلة اللهو والقتل ونحو ذلك، ولا وجه لملاحظة خصوص بلد المكلف، وان كان هو المعيار فلا موجب لاستثناء الشطرنج والنرد، فانه ان استظهر من دليل حرمتهما الاطلاق لفرض خروجهما عن آلية القمار كما التزم به جماعة منهم السيد الخوئي “قده” فلابد من الالتزام بحرمة اللعب بهما مطلقا، وان استظهر من دليلهما أنهما مثالان لآلة القمار، او احتمل انصرافهما الى ذلك كما أن المزمار مثلا مثال لآلة اللهو، فهما كغيرهما من آلات القمار.

نعم قد يكون سبق آلية القمار مانعا عن سلب عنوان آلة القمار عن مثل الشطرنج، نظير منع سبق عنوان مستقل لقرية قريبة من بلد من الحاقها بذاك البلد ولو بعد اتساع البلد بحيث اتصلت تلك القرية به، ومع الشك في انسلاب عنوان آلية القمار عنه فيجري استصحاب آليته للقمار.

بل قد يقال في الشطرنج والنرد بحرمتهما مطلقا حتى في فرض العلم بخروجهما عن آلية القمار بالمرة، فذكر السيد الخوئي “قده” أنهما يحرمان مطلقا وخالفه في ذلك السيد الامام وشيخنا الاستاذ “قدهما” في فتاواه الأخيرة -بعد ما كان يختار في بحثه الاستدلالي في ارشاد الطالب حرمتهما مطلقا[41]– وبعض السادة الاعلام “دام ظله” فاختاروا عدم ظهور النهي عنهما في اكثر من كونهما مثالين لآلات القمار، ففي صراط النجاة:

سؤال: إذا خرجت الآلة المعدّة للقمار كالنرد و الشطرنج فرضا عن كونها آلة له، بأن تصير مثلا من آلات الرياضة، فهل يجوز حينذاك اللعب بها من دون رهان أم لا؟.

الخوئي: لا يجوز مطلقا.

التبريزي: إذا خرج عن كونه آلة قمار بحيث لا يقامر به أصلا و لو في‌ بلد ما فلا بأس باللعب به بلا رهان[42].

ولا يخفى أن جواز اللعب بهما من دون رهان على هذا القول الأخير ايضا يختص بفرض العلم بخروجهما عن آلية القمار بالمرة، وقد يقال ان في اثبات خروج الشطرنج عن آلات القمار خرط القتاد[43].

اطلاقات الداله علی حرمة النرد و الشطرنج مطلقا

وتقريب القول بحرمتهما مطلقا ورود اطلاقات في ذلك ما فيه ايضا ففي الكافي عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد[44] عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الشطرنج- فقال دعوا المجوسية لأهلها لعنها الله[45]، وفي موثقة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن اللعب بالشطرنج و النرد[46]، وفي معتبرة حماد بن عيسى قال: دخل رجل من البصريين على أبي الحسن الأول (عليه السلام) فقال له جعلت فداك إني أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج- و لست ألعب بها و لكن أنظر- فقال ما لك و لمجلس لا ينظر الله إلى أهله[47].

وفي مستطرفات السرائر نقلا من كتاب جامع البزنطي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بيع الشطرنج حرام و أكل ثمنه سحت و اتخاذها كفر و اللعب بها شرك و السلام على اللاهي بها معصية و كبيرة موبقة و الخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير لا صلاة له حتى يغسل يده، كما يغسلها من مس لحم الخنزير، و الناظر إليها كالناظر في فرج أمه، و اللاهي بها و الناظر إليها في حال ما يلهى بها، و السلام على اللاهي بها في حالته تلك في الإثم سواء، و من جلس على اللعب بها فقد تبوأ مقعده من النار، و كان عيشه ذلك حسرة عليه في القيامة، و إياك و مجالسة اللاهي و المغرور بلعبها، فإنها من المجالس التي باء أهلها بسخط من الله يتوقعونه في كل ساعة فيعمك معهم[48]، وقد ذكرنا عدم قادحية الجهل بطرق صاحب السرائر الى الكتب التي يروي عنها.

ولذا يقال: انّ حرمة اللعب بالنرد و الشطرنج لا تدور مدار صدق القمار عليهما، لإطلاق أخبار المنع عنهما و عن اللعب بهما و عن بيعهما، و يمنع من انصرافها إلى صورة وجود العوض فقط إذ لا وجه له بعد شيوع اللعب بهما بدونه في تلك الأعصار أيضا بين الخلفاء و الأمراء لعدم اعتنائهم بالأموال، بل كان المهمّ عندهم الغلبة على القرن و كسر شخصيّته، بل لعلّ أخبار المنع بنحو الإطلاق ناظرة إلى ردّهم في قبال من جوّز ذلك من فقهائهم، حيث إنّ المسألة خلافيّة عندهم، ففي الخلاف: اللاعب بالنرد يفسق، و ترد شهادته، و به قال أبو حنيفة و مالك و قال الشافعي -على ما نص عليه أبو إسحاق في الشرح-: أنه مكروه، و ليس بمحظور، و لا يفسق فاعله، و لا ترد شهادته، و هو أشد كراهة من الشطرنج، دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم[49].

و في سورة المائدة بعد الأمر بالاجتناب عن الخمر و الميسر و عدّهما رجسا من عمل الشيطان قال “إِنَّمٰا يُرِيدُ الشَّيْطٰانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدٰاوَةَ وَ الْبَغْضٰاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ عَنِ الصَّلٰاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ” و من الواضح أنّ إيقاع العداوة و البغضاء و الصدّ عن الذكر و عن الصلاة يترتّبان على مطلق اللعب لا على صورة أخذ العوض فقط. و السّكر الحاصل من الاشتغال بهذه الملاهي لا يقلّ عن السكر الحاصل بالخمر كما يقرّ بذلك أهلها.

نعم ذكر أنّه لولا الأخبار الكثيرة الواردة في تحريم الشطرنج و جعلها قرينا للنرد أمكن الفرق بينهما -كما في المغني- بأنّ المعوّل في النرد على ما يخرجه الكعبتان، فأشبه الأزلام، و المعوّل في الشطرنج على حذق اللاعب و تدبيره، فأشبه المسابقة بالسهام و هو مؤثر جدّا في ارتياض الفكر و ارتقاءه، فيكون من قبيل لعب كرة القدم، حيث يمنع كونه من قبيل القمار الموضوع للغلبة المبني على المصادفة و البخت فقط، بل هو من قبيل المسابقات المتعارفة الموضوعة للتمرّن على الجهاد أو لارتياض البدن و تقويته كالسباق في العدو أو السباحة أو الطفرة أو نحو ذلك، فلا يقال لمن سابق غيره في هذه الأمور: إنّه مقامر، و إن فرض فيها جعل عوض لمن سبق تشويقا، و ربّما يشهد بذلك اتفاقهم على جواز السباق بعوض في إجراء الخيل أو الرمي، مع إباء آية الاجتناب عن الخمر و الميسر بعد عدّهما رجسا من عمل الشيطان من التخصيص.

هذا و لكن التعبد بالأخبار في الشطرنج والنرد يمنع من الفرق بينهما و كذا في الأربعة عشر فإنّه أيضا من قبيل الشطرنج، فتدبّر[50].

والمسألة مشكلة، مع ورود النواهي الغليظة في الشطرنج، وان كان للمنع من ظهورها في اكثر كون النهي عن الشطرنج والنرد بما هما مثالان لآلة القمار لا يخلو من وجه، وان كان لا ينبغي ترك الاحتياط.

وقد يقال بأنه بناء على القول بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية كما عليه السيد الامام “قده” وبعض السادة الاعلام “دام ظله” فحتى لو لم نستظهر من خطاب النهي عن الشطرنج بقاء حرمته بعد خروجه عن آلية القمار ولكن حيث يحتمل بقاء حرمته لاحتمال كون حرمته ولو بقاء بملاك نفسي مستمر الى ما بعد خروجه عن آلية القمار فيمكن استصحاب حرمته، فانه حتى ولو لم تتعلق الحرمة بعنوان الشطرنج في موضوع الجعل بل تعلق باللعب بآلات القمار فمع ذلك يكون معروض الحرمة ذات الشطرنج فيقال بأنه كان يحرم اللعب به سابقا، والآن كما كان، ودعوى أن ما كان متيقنا هو حرمة اللعب بآلات الشطرنج الموجودة في الزمان الذي كان يعلم بكونه آلة القمار، وأما ما صنعت بعد ذلك فيشك في حدوث حرمة اللعب بها، غير متجهة لكون معروض الحرمة طبيعي الشطرنج عرفا وهذا مصداق له، لكن الذي يسهل الخطب أننا اشكلنا في جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.

ثم ان الظاهر شمول حرمة الشطرنج ونحوه للألعاب الكامبيوترية، حتى ولو كان الطرف الآخر لللعب هو الجهاز على الاحوط.

الفرض الثالث: اللعب مع الرهان بغير آلات القمار

الفرض الثالث: اللعب مع الرهان بغير آلات القمار، كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل و على المصارعة و على نطاح الكبش وصراع البقر ومهارشة الديك ومضاربتها والمراهنة على الطيور و على الطفرة، و نحو ذلك ممّا عدّوها في باب السبق و الرماية من أفراد غير ما نصّ على جوازه.

وقد ذكر الشيخ الاعظم “قده” أن الظاهر الإلحاق بالقِمار في الحرمة و الفساد، و صرّح العلّامة الطباطبائي “ره” في مصابيحه بعدم الخلاف في الحرمة و الفساد، و هو ظاهر كلّ من نفى الخلاف في تحريم المسابقة فيما عدا المنصوص مع العوض و جعل محلّ الخلاف فيها بدون العوض، فإنّ ظاهر ذلك أنّ محلّ الخلاف هنا هو محلّ الوفاق هناك، و من المعلوم أنّه ليس هنا إلّا الحرمة التكليفية، دون خصوص الفساد.

اقول: وذكر صاحب الرياض: لا يصح المسابقة في غيرها أي غير الثلاثة المزبورة، بل يحرم مع العوض، بإجماعنا، كما في المهذب و التنقيح و المسالك و عن‌ التذكرة و هو الحجة، مضافاً إلى أنه قمار منهي عنه في الشريعة[51].

ادلة الحرمة

وقد استدل على ذلك بعدة روايات:

منها: ما في من لا يحضره الفقيه قال: قال الصادق (عليه السلام) إن الملائكة لتنفر عند الرهان- و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل[52].

ومنها: ما رواه الصدوق باسناده[53] عن العلاء بن سيابة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام- قال لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق- قلت فإن من قبلنا يقولون قال عمر هو شيطان- فقال سبحان الله أ ما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال- إن الملائكة لتنفر عند «4» الرهان- و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل- فإنها تحضره الملائكة- و قد سابق رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسامة بن زيد و أجرى الخيل[54].

ومنها: ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن موسى (مشترك) عن أحمد بن الحسن عن أبيه عن علي بن عقبة (وثقه النجاشي) عن موسى بن النميري (وثقه النجاشي) عن العلاء بن سيابة (يمكن اثبات وثاقته لرواية ابن ابي عمير عنه وقد وثقه السيد الخوئي لوروده في تفسير القمي) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام- و لا بأس بشهادة المراهن عليه- فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أجرى الخيل و سابق- و كان يقول إن الملائكة تحضر الرهان- في الخف و الحافر و الريش- و ما سوى ذلك فهو قمار حرام[55].

ومنها: ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا سبق إلا في حافر أو نصل أو خف[56].

ومنها ما في البحار عن كتاب زيد النرسي، قال سمعته يقول إياكم و مجالسة اللعان فإن الملائكة لتنفر عند اللعان و كذلك تنفر عند الرهان و إياكم و الرهان إلا رهان الخف و الحافر و الريش[57]، وزيد النرسي وان كان ثقة لرواية ابن ابي عمير كتابه، لكن الاشكال في ثبوت هذا الكتاب الذي نقل عنه المجلسي “ره” في البحار.

ومنها” معتبرة معمّر بن خلّاد: كلّ ما قومر عليه فهو ميسر.

حيث استظهر الشيخ الاعظم منها حرمة اللعب مع الرهان ولو بغير ما تعارف القمار به، ثم قال: و مع هذه الروايات الظاهرة بل الصريحة في التحريم المعتضدة بدعوى عدم الخلاف في الحكم ممّن تقدّم فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين (وهو صاحب الجواهر) اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدّة للقِمار، و أمّا الرهان على المغالبة بغيرها فليس فيه إلّا فساد المعاملة و عدم تملّك الرهن، فيحرم التصرّف فيه؛ لأنّه أكل مال بالباطل، و لا معصية من جهة العمل كما في القِمار، بل لو أخذ الرهن هنا بعنوان الوفاء بالعهد، الذي هو نذر لا كفّارة له مع طيب النفس من الباذل لا بعنوان أنّ المقامرة المذكورة أوجبته و ألزمته أمكن القول بجوازه[58]، و قد عرفت من الأخبار إطلاق القِمار عليه، و كونه موجباً للعن الملائكة و تنفّرهم، و أنّه من المَيسِر المقرون بالخمر.

و أمّا ما ذكره من جواز أخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد، فلم أفهم معناه، لأنّ العهد الذي تضمّنه العقد الفاسد لا معنى لاستحباب الوفاء به؛ إذ لا يستحبّ ترتيب آثار الملك على ما لم يحصل فيه سبب تملّك، إلّا أن يراد صورة الوفاء، بأن يملّكه تمليكاً جديداً بعد الغلبة في اللعب، لكن حِلّ الأكل على هذا الوجه جارٍ في القِمار المحرّم أيضاً، غاية الأمر الفرق بينهما بأنّ الوفاء لا يستحبّ في المحرّم، لكنّ الكلام في تصرف المبذول له بعد التمليك الجديد، لا في فعل الباذل و أنّه يستحب له أو لا.

و كيف كان، فلا أظنّ الحكم بحرمة الفعل مضافاً إلى الفساد محلّ إشكال، بل و لا محلّ خلاف،

نعم، في صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام: أنّه قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل آكَلَ و أصحابٌ له شاةً، فقال: إن أكلتموها فهي لكم، و إن لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا، فقضى فيه: أنّ ذلك باطل، لا شي‌ء في المؤاكلة من الطعام ما قلّ منه أو كثر، و منع غرامة فيه[59] و ظاهرها من حيث عدم ردع الإمام عليه السلام عن فعل مثل هذا أنّه ليس بحرام، إلّا أنّه لا يترتّب عليه الأثر. لكن هذا وارد على تقدير القول بالبطلان و عدم التحريم؛ لأنّ التصرف في هذا المال مع فساد المعاملة حرام أيضاً، فتأمّل[60].

وقد ذكر السيد الخوئي “قده” أن الظاهر أنه لا خلاف في الجملة بين الشيعة و أكثر العامة في حرمة المراهنة على اللعب مطلقا و إن كان بغير الآلات المعدة للقمار.

وقد استدل بصدق مفهوم القمار عليه بغير عناية، فان الظاهر من أهل العرف و اللغة أن القمار هو الرهن على اللعب بأي شي‌ء كان. و تفسيره باللعب بالآلات المعدة للقمار دور ظاهر، و يدل على ما ذكرناه ترادف كلمة القمار في لغة الفرس لكلمة “برد و بأخت” بأي نحو تحقق، و من أوضح أفراده في هذا الزمان اوراق اليانصيب “بليط بخت آزمائي” و إذا صدق عليه مفهوم القمار شملته المطلقات الدالة على حرمة القمار و الميسر.

هذا مضافا الى الروايات الكثيرة الظاهرة في حرمة الرهان على المسابقة في غير الموارد المنصوصة: لكن جميعه ضعيف السند.

و أما الاستدلال على عدم الحرمة التكليفية بصحيحة محمد بن قيس ففيه أنها أجنبية عن المقام، و إنما هي مسوقة لبيان حكم عقد المؤاكلة في الطعام، فان مالك الشاة قد أباحها لأشخاص معينين بشرط متأخر، و هو‌ قوله إن أكلتموها فهي لكم، و اشترط عليهم الضمان إذا تخلف الشرط المذكور، و قد حكم الامام (عليه السلام) بفساد هذه المعاملة، و عدم ترتب الأثر عليها ب‍قوله لا شي‌ء في المؤاكلة[61].

وقد اورد السيد الامام “قده” على دعوى صدق القمار عرفا على مطلق اللعب برهن، بالجزم بعدم صدقه على المغالبة مع الرهان في الكتابة او القراءة او الركض و نحو ذلك، و كلمات اللغويّين مختلفة، فربّما يظهر من إطلاق بعضهم كصاحب القاموس و منتهى الإرب و محكيّ لسان العرب أنّه مطلق المغالبة برهن، لكن صريح مجمع البحرين و ظاهر المنجد أنّ للآلات المعهودة دخالة في الصدق، و لا يبعد استظهار الدخالة من غيرهما، كصاحب الصحاح و أقرب الموارد، فلا يمكن استفادة صدقه على ما ذكر من كلماتهم لو لم نقل بالعكس.

وأما ما ورد في رواية جابر من أن الميسر كلّ ما تقومر عليه حتّى الكعاب و الجوز، حيث جعل اللعب بالكعاب والجوز من القمار ففيه أنّ عدّ اللعب بالجوز (وكذا البيض في بعض الروايات) من القمار، لعلّه لأجل تعارف اتّخاذهما آلة للقمار، و أين هذا ممّا لا يكون كذلك، مع أنّ الإطلاق أعمّ، و دعوى إرادة مطلق المغالبة من قوله “كلّ ما قومر عليه” كما ترى، فإنّها بلا دليل، و إطلاق القمار أحيانا على مطلق المغالبة أو على المغالبة في التفاخر كما يظهر من بعض اللغويّين لا يوجب حمل الأخبار عليه، مع أنّ الظاهر من الجوهري في‌ الصحاح أنّ المستعمل في غلبة التفاخر من قمر يقمر بضمّ الميم، و في المغالبة في اللعب بكسرها.‌

ونحوها رواية الكافي عن الحسين بن محمد عن محمد بن أحمد النهدي عن يعقوب بن يزيد عن عبد الله بن جبلة عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الصبيان يلعبون بالجوز- و البيض و يقامرون فقال- لا تأكل منه فإنه حرام[62]، على أن إلاستعمال أعم من الحقيقة.

و أما رواية العلاء بن سيابة “إنّ الملائكة تحضر الرهان في الخفّ و الحافر و الريش، و ما سوى ذلك فهو قمار حرام” فهي على خلاف المطلوب أدلّ، لأنّ الظاهر منها أنّ المسابقة في المذكورات ليست قمارا و أنّ غيرها قمار حرام، مع أنّ الصدق في جميعها سواء، فلا محالة تحمل الرواية على الإلحاق الحكمي، و تنزيل غير القمار منزلته.

و احتمال أن يكون المراد أنّ غير المذكورات قمار حرام و هي قمار غير حرام بعيد جدّا، بعد إباء الآية الكريمة من التخصيص مضافا إلى أنّ الاستعمال أعمّ، فالإنصاف أنّ الاستدلال للحكم بصدق عنواني القمار و الميسر عليه في غير محلّه.

كما أنّ الاستدلال له بقوله تعالى “إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ …” تارة بأن يقال: إنّ عطف الأزلام على الميسر ظاهر في كونه عنوانا مقابلا له فيكون الاستقسام بالأزلام محرّما لا بعنوان القمار، و بإلغاء الخصوصيّة منها عرفا يستفاد الحكم في مطلق استنقاذ المال باللعب، فإنّ الظاهر المتفاهم منه أنّ كون الأزلام رجسا من عمل الشيطان ليس لخصوصيّة في القداح و لا في عددها و لا في الجزور الّتي كانوا يقتسمونها، بل لاستنقاذ المال بوجه غير مستقيم كالتجارة و نحوها بتوسط الأزلام و نحوها.

و أخرى بقوله “إِنَّمٰا يُرِيدُ الشَّيْطٰانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدٰاوَةَ وَ الْبَغْضٰاءَ”‌ بدعوى أنّ ما يوجب ذلك يكون من عمل الشيطان و يجب الاجتناب عنه واللعب بالرهان ولو بغير آلات القمار كذلك، غير وجيه، لأنّ استظهار مغايرة اللعب بالأزلام مع القمار بمجرّد العطف مع عدّ اللغويّين الأزلام قمار العرب، غير صحيح. و تخصيصه بالذكر لعلّه لأجل التعارف بينهم، لا لأشدّية حرمته من غيرها حتّى يقال: إنّ الشطرنج كأنّه أشدّ كما يظهر من التأكيد و التشديد في أمره، و إلغاء الخصوصيّة و إن يمكن بالنسبة إلى بعض الآلات، كتبديل الأزلام بالأوراق و نحوها، لكن بالنسبة إلى مطلق اللعب برهن غير ممكن، كالقراءة و الخطّ و المصارعة و نحوها، و ذيل الآية ليس تعليلا حتّى يدلّ على حكم غير المورد.

كما أن الروايات التي استدلّ بها الشيخ الأعظم كرواية ياسر الخادم عن الرضا- عليه السّلام- قال: سألته عن الميسر؟ قال: التفل من كلّ شي‌ء قال: و التفل ما يخرج بين المتراهنين من الدرهم و غيره، و‌بمعتبرة معمّر بن خلّاد “كلّ ما قومر عليه فهو ميسر” ‌فالإنصاف عدم دلالتهما على المطلوب، فإنّ رواية ياسر تدلّ على حرمة ما يخرج بين المتراهنين، و كذا معتبرة معمر بن خلاد، فإنّ ما قومر‌ عليه هو المجعول بين المتقامرين، و حرمته لا تدلّ على حرمة العمل و لو كان المقامرة بمعنى المغالبة فيها، مع أنّه غير مسلّم بل الظاهر منها و ممّا عبرت بمثلها هو القمار المعروف.

ثم قال: فالعمدة في المقام روايات باب السبق و الرماية كقوله “إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخفّ و الريش و النصل و قد سابق رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أسامة بن زيد و أجرى الخيل” و المناقشة في دلالتها تارة بأنّ الرهان يمكن أن يكون جمع الرهن و هو المال المرهون، أو مصدرا بمعنى جعل المال رهنا لا بمعنى السباق و اللعب، و أخرى بأنّ نفار الملائكة و لعنها لا يلازمان الحرمة و لا يدلان عليها، لإمكان نفارهم عن المكروهات أو بعضها سيّما مثل اللعب و اللهو ممّا ينافي قداستهم، و أمّا اللعن فقد ورد في المكروهات أيضا كأنّها في غير محلّها، لقوّة ظهور الرواية في الرهان بمعنى السبق سيّما مع استشهاده بمسابقة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أسامة بن زيد، بل هو دليل على أنّ المستثنى السباق بالمذكورات، فإنّه لو كان المراد المال المرهون أو جعل الرهن دون المسابقة لما كان لاستشهاده بالسباق وجه و كان عليه الاستشهاد بجعل النبي الرهن، فإذا كان المستثنى ما ذكر يكشف عن المستثنى منه، فلا إشكال من هذه الجهة.

و أمّا لعن الملائكة و كذا لعن اللّه ورسوله فالظاهر منه أنّ العمل الموجب له محرّم، و استعماله أحيانا في مورد الكراهة، كما‌ عن أبي الحسن موسى- عليه السّلام- قال: لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثلاثة: الآكل زاده وحده، و النائم في بيت وحده، و الراكب في الفلاة وحده، و‌ قد ورد في الدوابّ “لا تلعنوها، فإنّ اللّه لعن لاعنها” لا ينافي ظهوره في الحرمة، و قد ورد مادّة اللعن قرب أربعين موردا في القرآن الكريم لا يكون مورد منها في أمر مكروه أو شخص مرتكب له، بل غالب استعماله في موارد التشديد على المحرّمات أو الأشخاص المرتكب لها أو الكفّار و المنافقين و الشيطان و أمثالهم، فلا شبهة في ظهوره في الحرمة.

ولا يبعد الاستدلال على المطلوب بقوله تعالى “لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ” بأن يقال: إنّه بعد معلومية أنّ الظاهر كون الأكل كناية، عن تحصيل الأموال بالباطل، فيكون النهي متعلّقا‌ بسبب تحصيلها، فيكون المعنى: لا يجوز تحصيل المال بالأسباب الباطلة كالقمار و البخس و السرقة و نحوها، والشاهد على هذا التفسير دن التفسير بكونه كناية عن النهي عن التصرف فيها لما ورد في تفسيرها من الروايات كصحيحة زياد بن عيسى، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله عزّ و جلّ “وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ” فقال: كانت قريش يقامر الرجل بأهله و ماله، فنهاهم اللّه عزّ و جلّ عن ذلك” فإنّ الظاهر منها أنّ اللّه- تعالى- نهاهم عن القمار بالمعنى المصدري، لا عن التصرّف في الأموال.

و نحوها‌ رواية العيّاشي عن أسباط بن سالم، قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فجاء رجل فقال: أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ قال: «يعني بذلك القمار، و قريب منها رواية محمّد بن عيسى‌ و أظهر منها‌ رواية العيّاشي عن محمّد بن عليّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ- يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ قال: نهى عن القمار و كانت قريش يقامر الرجل بأهله و ماله، فنهاهم اللّه عن ذلك، و يؤيّده استثناء التجارة عن تراض. فكأنّه قال: لا يجوز استنقاذ الأموال بشي‌ء من الأسباب الباطلة، لكن لابدّ و أن يكون بنحو التجارة عن تراض.

و الإنصاف أنّ الاستدلال بالآية لا يخلو من وجه، و إن لا يخلو من مناقشة بأن يقال: إنّ غاية ما يمكن إثبات دخوله في الآية القمار، لورود روايات فيه يصحّ اسناد بعضها، فحينئذ يمكن أن يكون النهي عن الأكل كناية عن تحصيل المال بأسباب كالقمار مقابل التجارة، لا كالسرقة و الخيانة. فمع تعلّق النهي بالتحصيل بالأسباب أو بالأسباب لا يستفاد منه الحرمة التكليفيّة، لظهوره في الإرشاد إلى البطلان و عدم السببيّة، كسائر الموارد من الأشباه و النظائر.

نعم لو قام دليل على دخول السرقة و الظلم و نحوهما فيها لأمكن الاستدلال بها بما تقدّم.

مضافا إلى إمكان أن يقال: إنّ القمار الوارد في الأخبار المفسّرة بمعنى الرهن، فعليه يمكن حفظ ظهور الآية في دلالتها على حرمة التصرّف في الأموال الحاصلة بالباطل، بل لقائل أن يقول: إنّ إدخال القمار في الآية تعبّديّ لا مفاد لها كتفسير الأوثان بالشطرنج، فلا يجوز رفع اليد عن ظاهرها بدخول مصداق تعبّديّ فيها لا يعلم كيفيّة إرادته و دخوله[63].

هذا وقد استدل شيخنا الاستاذ “قده” على حرمة اللعب بغير آلات القمار مع الرهان بما ورد من لعن الملائكة صاحب الرهان، فان اللعن و ان أمكن ان يراد منه معنى يناسب كراهة الفعل ايضا، كما في لعن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) آكل زاده وحده، و النائم في بيته وحده، و الراكب في الفلاة وحده، إلا أن ظاهره مع عدم القرينة على الخلاف حرمة الفعل، و إذا كان نفس اللعب مع الرهن محرما، كان أخذ الغالب العوض فاسدا، حيث أنه من أخذ العوض على اللعب المحرم، مع أنه لا يبعد صدق القمار على اللعب المزبور، حيث ان اسناد الآلات الى القمار كإسناد سائر الآلات إلى سائر الأفعال، كآلات القتل و الفتح و القرض الى غير ذلك و كما أنه لم تؤخذ الآلات في مفاهيم تلك الأفعال، كذلك لم تؤخذ الآلة في مفهوم القمار، و يؤيد ذلك ملاحظة كلام اللغويين، و ما تقدم مثل رواية جابر الدالة على أن الميسر كل ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز، حيث لا يعد الكعاب و الجوز من آلات القمار. نعم لا بد في صدق القمار من كون الفعل الذي عين العوض على الغالب فيه لعبا، فلا يطلق القمار بمعناه الظاهر عند العرف على بعض الأفعال التي لا تعد من اللعب، حتى فيما إذا عين للغالب فيها عوض كالمسابقة على النجارة أو البناية أو الكتابة و نحوها من الصناعات، و لكن عدم صدقه عليها لا يمنع عن الالتزام بحرمة الرهان فيها ايضا، على ما استظهرناه من رواية العلاء ابن سيابة[64].

 



[1] – ارشاد الطالب ج1ص 222

[2] – صراط النجاة (المحشى للخوئي)، ج‌1، ص: 376‌

[3] صراط النجاة (المحشى للخوئي)، ج‌3، ص: 228‌

[4] – دراسات في المكاسب المحرمة ج2ص 193

[5] – ارشاد الطالب ج1ص222

[6] – وسائل الشيعة ج17ص 323

[7] – وسائل الشيعة ج17ص 165

[8] – وسائل الشيعة ج17ص 165

[9] – وسائل الشيعة، ج‌17، ص: 324‌

[10] – وسائل الشيعة، ج‌17، ص: 324‌

[11] – وسائل الشيعة، ج‌17، ص: 324‌

[12] – وسائل الشيعة؛ ج‌17، ص: 164

[13] – وسائل الشيعة ج17ص 310

[14] – وسائل الشيعة؛ ج‌17، ص: 318

[15] – هكذا في نسخ الكافي على ما في الكافي ط دار الحديث ولكن نقل في هامش الوسائل عن بعض نسخ الكافي “هارون بن صدقة”.

[16] – وسائل الشيعة ج17ص 319

[17] – وسائل الشيعة ج‌17 ص 320‌

[18] – وسائل الشيعة ج17ص 322

[19] – وسائل الشيعة ج‌17 ص 324‌

[20] – وسائل الشيعة؛ ج‌17، ص: 320

[21] – امل الآمل ج1ص83

[22] – رجال الطوسي ص 229

[23] – من لا يحضره الفقيه ج4ص 498

[24] – امل الآمل ج1ص 81

[25] – المكاسب المحرمة ج1 ص 372

[26] – وسائل الشيعة ج‌17 ص 166

[27] – وسائل الشيعة ج17ص 165

[28] – النُهْبَةُ: اسم من النهب والانتهاب، والنهب: الغنيمة، والانتهاب: أن يأخذها من شاء. والنهب أيضاً: الغارة والسلب.

[29] – موسوعة الإمام الخوئي ج‌27 ص 449 وج32 ص 145

[30] – موسوعة الإمام الخوئي؛ ج‌3، ص: 440

[31] – موسوعة الإمام الخوئي؛ ج‌13، ص: 127

[32] – وسائل الشيعة ج‌17 ص 85

[33] – وسائل الشيعة ج17ص 321

[34] – وسائل الشيعة ج17ص 316امالي الشيخ الطوسي226

[35] – وسائل الشيعة ج17ص 319

[36] – المكاسب ج1ص 373

[37] – جامع المدارك ج 3ص 28

[38] جامع المدارك ج‌6، ص: 105

[39] – منهاج الصالحين ج2ص 13

[40] – منهاج الصالحين مع تعاليق الشيخ الوحيد ج3ص 12

[41] – ارشاد الطالب ج 1ص222

[42] – صراط النجاة ج1ص 375

[43] – رساله استفتاءات ج1ص 147

[44] – هكذا في نسخ الكافي على ما في الكافي ط دار الحديث ولكن نقل في هامش الوسائل عن بعض نسخ الكافي “هارون بن صدقة”.

[45] – وسائل الشيعة ج17ص 319

[46] – وسائل الشيعة ج‌17 ص 320‌

[47] – وسائل الشيعة ج17ص 322

[48] – وسائل الشيعة ج‌17 ص 324‌

[49] – الخلاف ج6ص 304

[50] – دراسات في المكاسب المحرمة؛ ج‌2، ص: 194

[51] رياض المسائل ج‌10 ص 237

[52] – وسائل الشيعة؛ ج‌19، ص: 251

[53] – واسناده اليه صحيح فقد قال في المشيخة: ما كان فيه عن العلاء بن سيابة فقد رويته عن أبي- رضي اللّه عنه- عن سعد ابن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبان بن عثمان عن العلاء بن سيابة.

[54] – وسائل الشيعة؛ ج‌27، ص: 413

[55] – وسائل الشيعة؛ ج‌19، ص: 253

[56] – وسائل الشيعة ج ص

[57] – بحار الأنوار؛ ج‌100، ص: 192

[58] – جواهر الكلام ج22ص 109

[59] – وسائل الشيعة ج23ص 192

[60] – كتاب المكاسب ج1ص 377

[61] – مصباح الفقاهة ج‌1 ص 374

[62] – وسائل الشيعة؛ ج‌17، ص: 166

[63] – المكاسب المحرمة ج2ص 23

[64] – إرشاد الطالب ج‌1، ص: 216