فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

 

فهرست مطالب:

المحرم الثالث: الغناء. 1

ادلة الحرمة. 2

اختصاص حرمة الغناء بنحو المعهود في زمن بني أمية و بني العباس3

مختار. 4

وجوه اختصاص حرمة الغناء بما اذا اقترن بمحرّم آخر. 5

الوجه الاول: انصراف الأخبار الناهية. 5

الوجه الثاني: الاستدلال بروایة علي بن جعفر و قرب الاسناد 5

الوجه الثالث: الاستدلال برواية علي بن أبي حمزة 10

الوجه الرابع: الاستدلال بصحيحة أبي بصير. 11

الوجه الخامس: الترغيب الى قراءة القرآن بصوت حسن.. 12

تعريف الغناء. 13

اعتبار بطلان مضمون الکلام فی صدق الغناء 15

الاحتمال الاول: تقوم الغناء بكون مضمون الكلام باطلا.. 15

الاحتمال الثاني: ليست مادّة الكلام دخيلة في الغناء 15

الاحتمال الثالث: یکون المضمون مؤثرا في الغناء، الا اذا كانت الكيفية لهویا فتكفي في صدق الغناء 16

عدم اشتمال الکلام على المعاني الصحيحة اصلا.. 16

تطبيق قول الزور على الغناء 17

مستثنيات حرمة الغناء. 22

الاول: الحداء لسوق الإبل.. 23

الثاني: غناء النساء في زف العرائس23

الثالث: الغناء في قراءة القرآن. 23

تقدیم دليل تحريم الغناء على دليل استحباب تحسين الصوت في قراءة القرآن. 24

 

 

 

المحرم الثالث: الغناء

المحرم الثالث: الغناء، ولا ينبغي الاشكال في حرمته وان لم يقترن بمحرمات أخرى، خلافا لما ذهب اليه العامة من عدم حرمته ما لم يقترن بمحرمات أخرى[1]، وقد يظهر ذلك من نسب ذلك الى المحدث الكاشاني “قده” في الوافي، كما سيأتي نقل كلامه، كما نسب ذلك الى السبزواري في الكفاية، الا أنه نسب القول بحرمته الى اجماع علماء الشيعة كما صرح به النراقي في مستنده[2] والشيخ الاعظم في المكاسب، ولعله لعدم قدح مخالفة المحدث الكاشاني والسبزواري في الاجماع الا أن المهم ان هذا الاجماع مدركي وليس تعبديا، فلابد من ملاحظة ما ورد من الروايات في حرمته:

ادلة الحرمة

منها: ما في ورد في تفسير قوله تعالى “واجتنبوا قول الزور” بالغناء، كرواية الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد و محمد بن خالد جميعا عن النضر بن سويد عن درست عن زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عز و جل و اجتنبوا قول الزور قال قول‌الزور الغناء[3].

ودرست هو ابن ابي منصور الواقفي ويمكن اثبات وثاقته برواية ابن ابي عمير كتابه، وقد وثقه السيد الخوئي لرواية علي بن الحسن الطاطري عنه، حيث ان الشيخ ذكر في الفهرست: علي بن الحسن الطاطري‌ الكوفي، كان واقفيا، شديد العناد في مذهبه، صعب العصبية على من خالفه من الإمامية، و له كتب كثيرة في نصرة مذهبه، و له كتب في الفقه، رواها عن الرجال الموثوق بهم و برواياتهم فلأجل ذلك ذكرناها[4]، ولكن في شموله لمشايخه مع الواسطة ومنهم درست تأمل.

وفي مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى و اجتنبوا قول الزور قال قول الزور الغناء، وفي رواية سهل بن زياد عن يحيى بن المبارك عن عبد الله بن جبلة عن سماعة بن مهران عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل فاجتنبوا- الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور قال الغناء، وفي موثقة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الزور- قال منه قول الرجل للذي يغني أحسنت[5].

ومنها: ما ورد في تفسير قوله “الذين لا يشهدون الزور”، كصحيحة محمد بن مسلم و أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل و الذين لا يشهدون الزور قال الغناء[6]، فان المتناسب للزور هو الحرمة وان كانت هذه الآية لا تدل على النهي عن شهادة الزور وانما وردت في مدح عباد الرحمن.

ومنها: ما في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن علي بن إسماعيل (الظاهر أنه الميثمي الذي قال عنه النجاشي كان من وجوه المتكلمين من اصحابنا) عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سمعته يقول الغناء مما وعد الله عليه النار و تلا هذه الآية و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم و يتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين[7].

ومنها: ما رواه سهل عن علي بن الريان عن يونس قال: سألت الخراساني (عليه السلام) عن الغناء و قلت- إن العباسي ذكر عنك أنك ترخص في الغناء- فقال كذب الزنديق ما هكذا- قلت له سألني عن الغناء- فقلت إن رجلا أتى أبا جعفر صلوات الله عليه- فسأله عن الغناء- فقال يا فلان إذا ميز الله بين الحق و الباطل- فأين يكون الغناء- فقال مع الباطل فقال قد حكمت[8].

ومنها: رواية عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الغناء- و قلت إنهم يزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رخص- في أن يقال جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم- فقال كذبوا إن الله عز و جل يقول و ما خلقنا السماء و الأرض و ما بينهما لاعبين- لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين- بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه- فإذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون ثم قال ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس[9].

ومنها: ما رواه في الوسائل عن عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَتَعَمَّدُ الْغِنَاءَ يُجْلَسُ إِلَيْهِ قَالَ لَا[10].

الى غيرذلك من الروايات.

اختصاص حرمة الغناء بنحو المعهود في زمن بني أمية و بني العباس

هذا وقد ذكر المحدث الكاشاني في الوافي أن الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة في الغناء اختصاص حرمة الغناء و ما يتعلق به من الأجر و التعليم و الاستماع و البيع و الشراء كلها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني أمية و بني العباس من دخول الرجال عليهن و تكلمهن بالأباطيل و لعبهن بالملاهي من العيدان و القضيب و غيرها دون ما سوى ذلك‌، كما يشعر به قوله (عليه السلام) في رواية أبي بصير: أجر المغنيّة الّتي تزفّ العرائس ليس به بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال، و على هذا فلا بأس بسماع التغني بالأشعار المتضمنة ذكر الجنة و النار‌، و التشويق إلى دار القرار و وصف نعم اللّه الملك الجبار و ذكر العبادات و الترغيب في الخيرات و الزهد في الفانيات و نحو ذلك كما أشير إليه في حديث الفقيه بقوله (عليه السلام) فذكرتك الجنة و ذلك لأن هذه كلها ذكر اللّه تعالى و ربما تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللّهِ و بالجملة‌ لا يخفى على ذوي الحجى بعد سماع هذه الأخبار تمييز حق الغناء من باطله و أن أكثر ما يتغنى به المتصوفة في محافلهم من قبيل الباطل‌[11].

وذكر في مفاتيح الشرايع: الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة في الغناء، و يقتضيه التوفيق بينها، اختصاص حرمته و حرمة ما يتعلق به من الأجر و التعليم و الاستماع و البيع و الشراء، كلها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني أمية، من دخول الرجال عليهن و استماعهم لصوتهن و تكلمهن بالأباطيل، و لعبهن بالملاهي من العيدان و القضيب و غيرها. و بالجملة ما اشتمل على فعل محرم دون ما سوى ذلك، كما يشعر به قوله عليه السلام “ليست بالتي تدخل عليها الرجال”[12].

و ذكر السبزواري في كفاية الأحكام: ان المذكور في الأخبار الغناء، و المفرد المعرّف باللام لا يدلّ على العموم لغةً، و عمومه إنّما يستنبط من حيث إنّه لا قرينة على إرادة‌ الخاصّ، و ههنا ليس كذلك، لأنّ الشائع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجواري المغنّيات و غيرهنّ في مجالس الفجور و الخمور و العمل بالملاهي و التكلّم بالباطل و إسماعهنّ الرجال و غيرها، فحمل المفرد على تلك الأفراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد، نعم لا ريب في تحريم الغناء على سبيل اللهو و الاقتران بالملاهي و نحوهما، وإن ثبت إجماع في غيره كان متّبعاً، و إلّا بقي حكمه على أصل الإباحة، و طريق الاحتياط واضح[13].

هذا ولكن ذكر المحقق الايرواني أن الظّاهر أن لا خلاف في حرمة الغناء، و من نسب إليهما الخلاف كلامهما صريح في الاعتراف بالمنع، نعم في خصوص ما كان من الغناء في كلام باطل بدعوى انصراف أخبار المنع إلى ما كان متعارفا في تلك الأعصار و هو ما كان في كلام باطل، و قد أضاف إلى ذلك السّبزواري تقييد عموم المنع بخصوص علّته المستشعرة من بعض الأخبار و أنّه اللّهو و من المعلوم أنّ اللّهو مختصّ بالكلام الباطل[14].

مختار

اقول: مجرد التكلم بالباطل اي الكلام المشتمل على المضامين اللهوية كاشعار الجاهلية التي يستد بها في كتب الادب كمغني اللبيب ليس محرما قطعا، مع أن المحدث الكاشاني صرح بأن الغناء المحرم هو ما اقترن بمحرم آخر، نعم ظاهره -كما فهمه السيد الامام “قده”[15]– أنه حينئذ يحرم الغناء ايضا، زائدا على حرمة مقارناته، ومن هنا لا يتوجه اليه ايراد السيد الخوئي “قده” من أنه إذا كان تحريم الغناء إنما هو للعوارض المحرمة كان الاهتمام بالمنع عنه في هذه الروايات لغوا محضا، لورود النهي عن سائر المحرمات بأنفسها[16].

نعم لم يفرض السبزواري حرمة مقارنات الغناء بل ذكر أنه لو كان التكلم بالباطل حرم الغناء، وهذا ما التزم به المحقق الايرواني نفسه، حيث قال: حيث ان مفهم الغناء غير واضح فينبغي اعتبار كلّ ما احتمل دخله، و ما عداه مشكوك الحرمة يرجع فيه إلى الأصل، و المتيقّن هو الكلام الباطل في ذاته، و المراد من بطلان الكلام بحسب المعنى هو أن يكون معناه معنى لهويّا يقال به في مقام التلهي لا في مقام الإفادة و الاستفادة كأكثر ما قيل من الشعر في مقام التعشّق و التغزّل فليس الكلام الباطل حراما إلّا أن يشتمل على كيفيّة المد والترجيع والاطراب، و قد تبعنا في اعتبار بطلان الكلام جماعة منهم المحدّث الفيض و المحقّق السبزواري، لكنّهم اعتبروه لا من باب الأخذ بالمتيقّن بل من باب انصراف الأدلة إلى ذلك إذ كان هو الشّائع في عصر الأئمة، ثم قال: كون الكيفيّة لهوية ممّا لا أفهمه فإن الكيفيّة في ذاتها لا تتّصف باللّهو و البطلان بل المدار في الاتصاف باللهويّة هو مدلول الكلام فإن كان الكلام بمدلوله لهوا كان لهوا بأيّة كيفيّة أدّى أو لم يكن لهوا لم يكن لهوا بأيّة كيفيّة أدّى، و ما ذكره الشيخ الانصاري “ره” من أن المحرّم هو ما كان من لحون أهل الفسوق و المعاصي‌، ففيه أنه ليس لأهل الفسوق و المعاصي لحن مخصوص يمتازون به عن أهل الطّاعات نعم أهل الفسوق يتكلّمون بالأقوال الباطلة و ما لا يعني من القول و أهل الطّاعة منزّهون عن ذلك لكن هؤلاء في كلامهم الحقّ و أشعارهم الحكمي يضاهئون أولئك في كلامهم الباطل في كيفيّة الأداء‌[17]

وجوه اختصاص حرمة الغناء بما اذا اقترن بمحرّم آخر

و كيف كان فقد استدل على اختصاص حرمة الغناء بما اذا اقترن بمحرم آخر، بعدة وجوه:

الوجه الاول: انصراف الأخبار الناهية

ما ادعي من انصراف الأخبار الناهية إلى الغناء المتعارف في ذلك الزمان الذي كان مقترنا بالمحرمات الأخرى.

وفيه أنه لا موجب للانصراف بعد تعلق النهي بعنوان الغناء، فانه ظاهر في حرمته بعنوانه مطلقا، واي فرق بين هذه الدعوى ودعوى انصرافها الى ما لو اقترن بشرب الخمر.

الوجه الثاني: الاستدلال بروایة علي بن جعفر و قرب الاسناد

الاستدلال بما رواه في الوسائل عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الأضحى و الفرح؟ قال: لا بأس به ما لم يزمر به[18]، وفي قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر “ما لم يعص به” فيقال انها تدل على جواز الغناء في نفسه ما لم يقترن بحرام كأن يضرب معه في المزمار، حيث لا يحتمل اختصاص جواز الغناء بايام عيد الفطر و الاضحى والفرح.

وقد اجيب عنه بعدة اجوبة:

الجواب الاول: ما ذكره الشيخ الاعظم “قده” من أن ظاهر قوله “ما لم يعص به” تحقّق المعصية بنفس الغناء، فيكون المراد بالغناء مطلق الصوت المشتمل على الترجيع، و هو قد يكون مطرباً ملهياً فيحرم، و قد لا ينتهي إلى ذلك الحد فلا يُعصى به، ومعنى قوله “ما لم يزمر به” عدم الترجيع فيه ترجيع المزمار، أو أنّ المراد من الزمر التغني على سبيل اللهو[19].

اقول: أما ما ذكره من أن ظاهر “ما لم يعص به” تحقق المعصية بنفس الغناء في الجملة، لفقد عرفت أنه مما لا ينكره الكاشاني والسبزواري، وانما دعوى الكاشاني اختصاص حرمته بما لو اقترن بمحرمات أخرى، كما أن حمل الغناء على مطلق الصوت المشتمل على الترجيع خلاف الظاهر، وأما معنى “ما لم يزمر به” فالانصاف أنه غير واضح، فان حمله على ارادة الترجيع فيه او على التغني اللهوي خلاف الظاهر، كما أن ارادة اقترانه بالزمر في المزمار ايضا كذلك، اذ المناسب حينئذ أن يقال ما لم يزمر معه، وقد فسر الزمر في اللغة بزمر المزمار اي النفخ فيه، كما فسر يقال زمّر اي تغنى في القضيب ونفخ فيه[20]، وأما ما في نهاية ابن اثير من قوله “زمّر اذا غنّى”[21]، فان اريد منه مطلق التغني فلا يناسب الرواية اذ يصير معنى أنه لا بأس بالغناء ما لم يتغن به.

وقد ذكر السيد الخوئي “قده” مثل كلام الشيخ “ره” فقال: الظاهر من قوله “ما لم يزمر به” كون الصوت بنفسه صوتا مزماريا، و لحنا رقصيا، كألحان أهل الفسوق: لا أنه صوت يكون في المزمار، و إلا لقال ما لم يكن في المزمار أو بالنفخ في المزمار، و عليه فتدل الرواية على تحقق الغناء بالصوت المزماري، و اللحن الرقصي لا مطلقا، و على هذا يحمل قوله “ما لم يعص به” في رواية قرب الاسناد على تقدير صدورها من المعصوم.

و أما إطلاق الغناء على غير هذا القسم في قول السائل “سألته عن الغناء” و تقرير الامام (عليه السلام) صحة الإطلاق بالجواب عن حكمه ب‍قوله “لا بأس به” فهو كإطلاق نوع أهل اللغة لفظ الغناء على المعنى الأعم[22].

الجواب الثاني: ما ذكره السيد الامام “قده” من أنه يمكن أن يقال بأن مورد صحيحة علي بن جعفر حيث كان الغناء في أيّام الفرح كعيد الفطر و الأضحى و سائر الأعياد لصحيحة عليّ بن جعفر، فمقتضى الصناعة تخصيص دليل حرمة الغناء به، والظاهر أنّ عليّ بن جعفر كان عالما بحرمة الغناء لكن لمّا كانت أيّام العيد و الفرح مناسبة للتلهّي و التفريح في الجملة صارت موجبة لشبهته، و يحتمل أن يكون وجه حصول الشبهة صحيحة أبي بصير المرويّة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في تجويز أجر المغنّية في الأعراس، فاحتمل أنّ سائر أيّام الفرح و الأعياد كذلك فسأل عنه فيها، فأجاب (عليه السلام) بعدم البأس ما لم يعص به، أو‌ ما لم يزمر به.

و بعد عدم جواز حمل ما لم يعص به على ظاهره فإنّه من توضيح الواضح فيه احتمالات: أبعدها ما احتمله الشيخ الأنصاري، و هو أنّ المراد بالسؤال الصوت الحسن الأعمّ من الغناء المحرّم، و بالجواب تجويز قسم منه و هو ما ليس بغناء، و تحريم قسم و هو الغناء، والإنصاف أنّ هذا الحمل يساوق الطرح، و لعلّ ما دعاه على هذا الحمل البعيد بناؤه على تعارضها مع الروايات الكثيرة المستفيضة أو المتواترة، فرأى أنّ التصرّف فيها أوهن من رفع اليد عنها، مع أنّ بينها و بين الروايات جمعا عقلائيّا و هو حمل المطلقات عليها و تجويز الغناء في أيّام الأعياد المقتضية للسرور و الفرح، فقوله: ما لم يعص به أي ما لم يكن سببا لمعصية، أو ما لم يقترن بها، أو ما لم يتّحد معها، كما لو كان التغنّي بالفحش و الكذب و نحوهما من المحرّمات، و الظاهر أنّ المراد بقوله: ما لم يزمر به، ما لم يتغنّ في المزمار، من زمر أو زمّر من التفعيل غنّى بالمزمار، فتدلّ على جواز الغناء في الأعياد دون المزامير مع احتمال أن يكون ما لم يؤزر، فتوافق الأولى.

لكن يشكل العمل بهذه الصحيحة، لعدم قائل ظاهرا باستثنائه فيها، بل عدم نقل احتماله من أحد، مع بُعد تجويزه في العيدين الشريفين المعدّين لطاعة اللّه تعالى و الصلاة و الانقطاع إليه تعالى، كما يظهر من الأدعية و الأذكار و العبادات الواردة فيهما و في الأعياد المذهبيّة بل بعض الأعياد الملّية، و ضعف الرواية المشتملة على قوله “ما لم يعص به” بعبد اللّه بن الحسن المجهول، و إن كان كثير الرواية عن علي بن جعفر، و الظاهر إتقان رواياته، و كيف كان لم يصل الاعتماد عليها بحدّ يمكن تقييد الأدلّة سيّما تلك المطلقات المستفيضة بها، و الرواية الأخرى صحيحة، لكن قوله “ما لم يزمر به” يحتمل وجوها: منها ما تقدّم، و منها ما احتمله الشيخ الأنصاري، أي لم يرجع به ترجيع المزمار، أو لم يتغنّ به على سبيل اللهو، أو لم يقصد منه قصد المزمار، و ليس ظهورها في الأوّل معتدّا به أمكن معه تقييد المطلقات الكثيرة، فالأحوط بل الأقوى عدم استثناء أيّام العيد و الفرح[23].

الجواب الثالث: ما ذكره شيخنا الاستاذ “قده” من أن ما رواه في قرب الاسناد عن على بن جعفر ضعيف السند، لاجل عبد اللّه بن الحسن وأما ما رواه علي بن جعفر في كتابه فدلالته على جواز الغناء الذي لا يزمر به قابل للنقاش، فإنه يحتمل ان يكون المراد بالغناء مطلق مد الصوت، و قيد ما لم يزمر به إشارة الى عدم البلوغ الى حد الغناء المعروف. و هذا الاحتمال و ان كان خلاف الظاهر الا أنه لا بأس به في مقام الجمع، و لو فرض عدم تمامية ما ذكرنا في هذه الصحيحة و صحيحة أبي بصير المتقدمة و وقعت المعا الفهرست (للشيخ الطوسي)؛ ص: 88

علي بن مهزيار الأهوازي‌

رحمه الله جليل القدر، واسع الرواية ثقة، له ثلاثة و ثلاثون كتابا، مثل كتب الحسين بن سعيد، و زيادة كتاب حروف القرآن، و كتاب الأنبياء، و كتاب البشارات، قال أحمد بن أبي عبد الله البرقي إن علي بن مهزيار أخذ مصنفات الحسين بن سعيد و زاد عليها في ثلاثة كتب منها زيادة كثيرة أضعاف ما للحسين بن سعيد، منها كتاب الوضوء، و كتاب الصلاة و كتاب الحج، و سائر ذلك زاد شيئا قليلا، أخبرنا بكتبه و رواياته جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه، و محمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله، و الحميري، و محمد بن يحيى، و أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن العباس بن معروف عنه، إلا كتاب المثالب فإن العباس روى نصفه عنه، و رواها أبو جعفر ابن بابويه عن أبيه، و موسى بن المتوكل عن سعد بن عبد الله، و الحميري عن إبراهيم‌

الفهرست (للشيخ الطوسي)، ص: 89‌

بن مهزيار عن أخيه عن رجاله، و له وفاة أبي ذر رضي الله عنه و حديث بدر، و إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، و رويناه بهذا الإسناد عنه.

________________________________________
طوسى، ابو جعفر، محمد بن حسن، الفهرست (للشيخ الطوسي)، در يك جلد، المكتبة الرضوية، نجف اشرف – عراق، اول، ه‍ ق

 

الفهرست (للشيخ الطوسي)؛ ص: 89

علي بن إبراهيم بن هاشم‌

القمي، له كتب، منها كتاب التفسير، و كتاب الناسخ و المنسوخ، و كتاب المغازي، و كتاب الشرائع، و كتاب قرب الإسناد، و زاد ابن النديم، كتاب المناقب، و كتاب اختيار القرآن و رواياته، أخبرنا بجميعها جماعة عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي الطبري عن علي بن إبراهيم، و أخبرنا بذلك الشيخ المفيد رحمه الله عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه، و محمد بن الحسن، و حمزة بن محمد العلوي، و محمد بن علي ماجيلويه عن علي بن إبراهيم إلا حديثا واحدا استثناه من كتاب الشرائع في تحريم لحم البعير و قال لا أرويه لأنه محال، و روى أيضا حديث تزويج المأمون أم الفضل من أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام، رويناه بالإسناد الأول.

________________________________________
طوسى، ابو جعفر، محمد بن حسن، الفهرست (للشيخ الطوسي)، در يك جلد، المكتبة الرضوية، نجف اشرف – عراق، اول، ه‍ ق

 

الفهرست (للشيخ الطوسي)؛ ص: 146

محمد بن علي الشلمغاني‌

، يكنى أبا جعفر و يعرف بابن أبي العزاقر، له كتب و روايات، و كان مستقيم الطريقة ثم تغير و ظهرت منه مقالات منكرة‌

الفهرست (للشيخ الطوسي)، ص: 147‌

إلى أن أخذه السلطان فقتله و صلبه ببغداد، و له من الكتب التي عملها في حال الاستقامة كتاب التكليف، أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر ابن بابويه عن أبيه عنه إلا حديثا واحدا منه في باب الشهادات أنه يجوز للرجل أن يشهد لأخيه إذا كان له شاهد واحد من غير علم.

________________________________________
طوسى، ابو جعفر، محمد بن حسن، الفهرست (للشيخ الطوسي)، در يك جلد، المكتبة الرضوية، نجف اشرف – عراق، اول، ه‍ ق

 

رضة بين هذه الطائفة الموافقة للعامة و الطائفة المانعة المخالفة لهم، فالمتعين الأخذ بالمانعة باعتبار أن مخالفة العامة هو المرجح الثاني في باب المعارضة[24].

اقول: الانصاف أن ظاهر رواية علي بن جعفر هو جواز الغناء في نفسه، فانه على تقدير كون جملة الذيل فيها ما في قرب الاسناد من قوله “ما لم يعص به” فالظاهر منها كون الباء للسببية، ويراد منه اختصاص جواز الغناء بما اذا يكن سببا عرفيا للمعصية، بأن تستخدم آلات اللهو لأجله، او يوجب استماع الرجال للصوت المهيج للنساء، ونحو ذلك، وعلى تقدير كون الجملة ما عن كتاب علي بن جعفر من قوله “ما لم يزمر به” هو اختصاص جواز الغناء بما اذا لم يقترن باستخدام المزمار او سائر آلات اللهو، فانه وان كان المناسب لهذا المعنى أن يقال “ما لم يزمر معه” لكن مع ذلك حملها على هذا المعنى اظهر من حملها على أن لا يتغنى به، فانه في قوة أن يقال “لا بأس بالغناء ما لم يتغن به” وهذا مستهجن.

هذا ولا يخفى أنه هذه الرواية حيث تكون رواية واحدة فاختلاف متنها في قرب الاسناد وكتاب علي بن جعفر يوجب الاقتصار على القدر المتيقن منها، الا اذا قلنا بثبوت طريق حسي لصاحب الوسائل الى كتاب علي بن جعفر، فيكون هو الحجة.

فالمهم في الاشكال على هذه الرواية اولاً: الاشكال في سندها، لكون الراوي لما في قرب الاسناد عبد الله بن الحسن، و لم يرد في حقه توثيق، وأما كتاب علي بن جعفر فحيث انه ليس لصاحب الوسائل طريق حسي الى هذا الكتاب ولم يكن من الكتب المشهورة فلا يمكن الاعتماد عليه، وثانيا: انه حيث لا يحتمل الفرق فقهيا وفي العرف المتشرعي بين الغناء في العيدين والفرح وبين الغناء في غيرها بجواز الاول وحرمة الثاني، فيكون مفاد الرواية جواز الغناء مطلقا ما لم يقترن بمحرم آخر، فيتعارض مع الروايات السابقة الدالة على كون الغناء من قول الزور الذي ورد النهي عنه في قوله تعالى “واجتنبوا قول الزور” وليس حملها على الكراهة عرفيا لاباء قول الزور عن كونه مكروها غير محرم، وحينئذ فلابد من ترجيح هذه الروايات لمخالفتها للعامة وموافقتها للشهرة.

ان قلت ان الترجيح بموافقة الشهرة او مخالفة العامة فرع عدم الجمع العرفي بين الخبرين، وفي المقام يوجد جمع عرفي بين الروايات المحرمة للغناء وبين هذه الرواية المرخصة في الغناء غير المقترنة بالمزمار او بمعصية أخرى، بأن نحمل تلك الروايات على حرمة الغناء المقترن بهما وهذا لا يوجب الغاء عنوان الغناء عن موضوعية الحرمة لما مر من أنه لا يعنى حرمة المقارنات بل حرمة الغناء المقترن بها ايضا.

قلت: الانصاف اباء هذه الاطلاقات الكثيرة المحرمة للغناء (وسائل الشيعة؛ ج‌17، ص: 306

عيون اخبار الرضا عن احمد بن زياد بن جعفر الهمذاني عن علي بن ابراهيم عن الريان بن الصلت وفي الكافي عن عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن الريان عن يونس قَالَ: سَأَلْتُ الْخُرَاسَانِيَّ (عليه السلام) عَنِ الْغِنَاءِ وَ قُلْتُ- إِنَّ الْعَبَّاسِيَّ ذَكَرَ عَنْكَ أَنَّكَ تُرَخِّصُ فِي الْغِنَاءِ- فَقَالَ كَذَبَ الزِّنْدِيقُ مَا هَكَذَا- قُلْتُ لَهُ سَأَلَنِي عَنِ الْغِنَاءِ- فَقُلْتُ إِنَّ رَجُلًا أَتَى أَبَا جَعْفَرٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ- فَسَأَلَهُ عَنِ الْغِنَاءِ- فَقَالَ يَا فُلَانُ إِذَا مَيَّزَ اللَّهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ- فَأَيْنَ يَكُونُ الْغِنَاءُ- فَقَالَ مَعَ الْبَاطِلِ فَقَالَ قَدْ حَكَمْتَ.

22607- 14- «7» وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْهَمَذَانِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (عليه السلام) يَوْماً بِخُرَاسَا

________________________________________
عاملى، حرّ، محمد بن حسن، وسائل الشيعة، 30 جلد، مؤسسه آل البيت عليهم السلام، قم – ايران، اول، 1409 ه‍ ق

المعتضدة بالشهرة بل الاجماع لولا مخالفة المحدث الكاشاني عن حملها على حرمة الغناء المقترنة بالمزمار او بمعصية أخرى والتي تعني عملا وعرفا الترخيص في ذات الغناء، فالمهم هو الاشكال السندي على هذه الرواية وترجيح الروايات الدالة على حرمة الغناء بمخالفتها للعامة، وموافقتها للشهرة.

الوجه الثالث: الاستدلال برواية علي بن أبي حمزة

الاستدلال برواية علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن كسب المغنيات فقال التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس و هو قول‌ الله عز و جل و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله[25].

بتقريب أن ظاهرها اختصاص حرمة غناء المغنية ب‍دخول الرجال عليها، وظاهره كونه مثالا لاقترانه بمحرم آخر.

وقد اجاب عنها الشيخ الاعظم “قده” مضافا الى ضعفها سندا بعلي بن أبي حمزة البطائني، لا تدلّ إلّا على كون غناء المغنّية التي يدخل عليها الرجال داخلاً في لهو الحديث في الآية، و عدم دخول غناء التي تدعى إلى الأعراس فيه، و هذا لا يدلّ على دخول ما لم يكن منهما في القسم المباح، اذا كان من لهو الحديث، فإذا فرضنا أنّ المغنّي يغنّي بإشعار باطلة، فدخول هذا في الآية أقرب من خروجه.

و بالجملة فالمذكور في الرواية تقسيم غناء المغنّية باعتبار ما هو الغالب من أنّها تطلب للتغنّي، إمّا في المجالس المختصة بالنساء كما في الأعراس، و إمّا للتغنّي في مجالس الرجال، نعم، الإنصاف أنّه لا يخلو من إشعار بكون المحرّم هو الذي يدخل فيه الرجال على المغنّيات، لكن المنصف لا يرفع اليد عن الإطلاقات لأجل هذا الإشعار، خصوصاً مع معارضته بما هو كالصريح في حرمة غناء المغنّية و لو لخصوص مولاها، ففي رواية سهل عن الوشاء في شراء المغنية أنه قد يكون للرجل الجارية تُلهيه، و ما ثمنها إلّا ثمن الكلب[26] فتأمّل[27].

ولا بأس بما افاده.

و ذكر السيد الامام “قده” أن لازم استظهار اختصاص حرمة الغناء فيها بقسم خاص من الغناء أن تدور حرمته مدار عنوان دخول الرجال و مع عدمه يحلّ و لو بكلمات لهويّة و مقارنات محرّمة، و لا يلتزم به القائل، ثم قال: ان الظاهر منها التعرّض لقسمين من الغناء و عدم تعرّضها لسائر الأقسام، و ليس فيها مفهوم و إلّا لتعارض بين مفهوم الصدر و الذيل، و جعل الجملة الثانية كناية عن عدم دخولهم عليهنّ خلاف الظاهر، فلا تدلّ على مدّعاهم بوجه، نعم، فيها إشعار به لا يقاوم الروايات الدالّة على أنّه بذاته حرام [28].

الوجه الرابع: الاستدلال بصحيحة أبي بصير

الاستدلال بصحيحة أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، و ليست[29] بالتي يدخل عليها الرجال[30]، بدعوى أن ظاهرها تعليل جواز اجرها الكاشف عن جواز غناءها في زف العرائس بعدم دخول الرجال عليها، اي بعدم اقترانه بمحرم آخر، هو جواز الغناء غير المقترن بمحرم آخر مطلقا.

وقد ذكر الشيخ في الاستبصار بعد هذه الرواية والرواية السابقة ورواية أخرى عن حكم الخياط عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المغنية التي تزف العرائس لا بأس بكسبها، أن الوجه في هذه الأخبار الرخصة فيمن لا تتكلم بالأباطيل و لا تلعب بالملاهي من العيدان و أشباهها و لا بالقصب و غيره، بل يكون ممن تزف العروس و تتكلم عندها بإنشاد الشعر و القول البعيد من الفحش و الأباطيل فأما من عدا هؤلاء ممن يتغنين بسائر أنواع الملاهي فلا يجوز على حال سواء كان في العرائس أو غيرها[31].

وقد أجاب عنه السيد الامام “قده” بأن فيها على نسخة الواو احتمالات، كاحتمال أن تكون الجملة حالية عن فاعل تزفّ، و المعنى أنّ أجر المغنّية حلال إذا تزفّ العرائس و لم يدخل الرجال على النساء، و أن تكون الجملة بمنزلة التعليل، فتدلّ على عدم حرمة الغناء بذاته و يحرم أجر المغنّية لا للغناء، بل لدخول الرجال و سماع صوتها و رؤية وجهها و سائر حركاتها الملازمة له، و أن يكون المراد بها إفادة حرمة قسم من الغناء، و هو المقارن لدخول الرجال عليهنّ، فعلى الاحتمال الأوّل تدلّ على استثناء قسم خاصّ منه، و هو الذي في العرائس مع الشرط المذكور، و على الثاني تكون الرواية معارضة لجميع الأدلّة على أنّ الغناء حرام و مخالف مضمونها للإجماع، و على الثالث توافق كلام الكاشاني على إشكال، و هو أنّ الظاهر من قوله “و ليست بالتي” كون دخولهم عليهنّ بعنوانه موضوع الحكم، لا عنوانا مشيرا إلى نوع خاصّ من الغناء أو مجالس خاصّة، و هم لا يلتزمون بظاهر الرواية، و لا وجه لحملها على خلاف ظاهرها، و لا ترجيح ظاهر في أحد الاحتمالات المتقدّمة يمكن الاتكال عليه لو لم نقل بترجيح الأوّل حتّى يلتئم بين الأدلّة، أو الاحتمال الثاني في نفسه لو لا مخالفته لما ذكرناه، لأنّ الظاهر من قوله “لا بأس و ليست بالتي يدخل عليها الرجال” أنّ الفساد مترتّب عليه و ليس في الغناء بما هو فساد و لعلّ الحرمة في دخولهم لأجل كونهم أجنبيّا يحرم التغنّي عندهم لا لذات الغناء.

و الإنصاف أنّ طرح الأدلّة الظاهرة الدلالة بمثل هذه الرواية المشتبهة المراد مع اختلاف النسخ غير جائز، سيّما مع مخالفة مضمونها لجميع الأقوال سواء في ذلك نسخة إثبات الواو و إسقاطها[32].

وذكر شيخنا الاستاذ “قده” أنه لابد من حمل قوله “بالتي يدخل عليها الرجال” على العنوان المشير يعني إلى التي تغني في غير الزفاف، و لعل دخول الرجال عليها كان متعارفا في غنائها في غير الزفاف. و يحتمل ان يكون قوله “و ليست” حالا أي التي تزف العرائس لا بأس بكسبها حال عدم دخول الأجانب عليها، و عدم دخولهم من باب المثال و المراد عدم ارتكاب محرم آخر. و لا بأس بالالتزام بجواز الغناء في الأعراس ما لم يقترن بمحرم آخر، حيث أن حل الكسب بعمل يلازم جواز ذلك العمل[33].

الوجه الخامس: الترغيب الى قراءة القرآن بصوت حسن

ما دل على الترغيب الى قراءة القرآن بصوت حسن، فيقال بأنه لا يخلو عادة عن الترجيع المطرب، ففي مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن حماد بن عيسى عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل لا يرى أنه صنع شيئا- في الدعاء و في القراءة حتى يرفع صوته- فقال لا بأس إن علي بن الحسين ع- كان أحسن الناس صوتا بالقرآن- و كان يرفع صوته حتى يسمعه أهل الدار- و إن أبا جعفر (عليه السلام) كان أحسن الناس صوتا بالقرآن- و كان إذا قام من‌ الليل و قرأ رفع صوته- فيمر به مار الطريق من الساقين و غيرهم- فيقومون فيستمعون إلى قراءته[34] وفي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله) لكل شي‌ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن، وفي رواية علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إذا قرأت القرآن- فرفعت صوتي جاءني الشيطان- فقال إنما ترائي بهذا أهلك و الناس- قال يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين- تسمع أهلك و رجع بالقرآن صوتك- فإن الله عز و جل يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا[35]، وفي معاني الأخبار قال (صلى الله عليه وآله) ليس منا من لم يتغن بالقرآن‌[36].

اقول: أما تحسين الصوت بالقران بل الترجيع فيه فهو اعم من الغناء، سواء أخذ الاطراب في تعريف الغناء او اخذ فيه الكيفية اللهوية، وأما الرواية الأخيرة فمع غمض العين عن ضعف سندها بالارسال يحتمل كون المراد منها كما في معاني الأخبار أنه ليس منا من لم يستغن ب‍القرآن، وان كان هذا الاحتمال بعيدا عن لفظ التغني خصوصا مع ما ورد في الخبر من أن القرآن نزل بالحزن فاذا قرأتموه فابكوا، فان لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا[37]، فان اقتران الامر بالتغني بكيفية تحزين الصوت والتباكي فيه يجعله ظاهرا في ارادة التغني في الصوت، لكن يوجد قرينة على كون المراد به مطلق تحسين الصوت، فانه لا يتناسب أن يقول النبي (صلى الله عليه وآله) أن من لم يتغن بالقرآن فليس منا اذ غاية ما يحتمل جواز التغني بالقرآن لا أن من لم يفعل ذلك فليس منهم، مضافا الى معارضة هذه الرواية بما في الكافي عن علي بن محمد عن إبراهيم الأحمر عن عبد الله بن حماد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها و إياكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر فإنه سيجي‌ء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم[38]، وفي رواية عطاء بن أبي رياح عن عبد الله بن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث قال: إن من أشراط الساعة إضاعة الصلوات و اتباع الشهوات و الميل إلى الأهواء … فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله و يتخذونه مزامير و يكون أقوام يتفقهون لغير الله و تكثر أولاد الزنا و يتغنون بالقرآن… و يستحسنون الكوبة و المعازف- و ينكرون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر … فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس[39]، وفي مرسلة الصدوق: سأل رجل علي بن الحسين (عليه السلام) عن شراء جارية لها صوت فقال ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة، يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء فأما الغناء فمحظور[40]، والاستدلال بها مبني على عدم احتمال كون الذيل من كلام الصدوق.

وعليه فلا ينبغي الاشكال في حرمة الغناء وان لم يقترن بمحرم آخر.

تعريف الغناء

بعد ما ثبت حرمة الغناء ينبغي الكلام في تعريف الغناء، ففي القاموس: الغناء من الصوت ما طرِّب به، وفي المصباح المنير “الغناء مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب” وهذا هو المشهور في تعريف الغناء في كلمات الفقهاء، وبناء عليه يخرج الصوت اللهوي الحسن المتضمن لاشعار لهوية مع أنه لا ريب في صدق الغناء عليه، ولذا التجاء في مجمع البحرين أن يقول: الغناء ككساء: الصوت المشتمل على الترجيع المطرب أو ما يسمى بالعرف غناء و إن لم يطرب، سواء كان في شعر أو قرآن أو غيرهما.

وفي لسان العرب: كل من رفع صوته و ولّاه فصوته عند العرب غناء، وعن بعضهم أن الغناء تحسين الصوت، ومن المطمأن أن الغناء لم يكن مجرد تحسين الصوت، والا لم يناسب أن يذكر مصداقا لقول الزور في الروايات، فهل ترى أن تحسين الصوت لقراءة القرآن و المراثي و المدائح يكون من الغناء.

وعليه فمع غمض العين عن عدم حجية قول اللغوي كما ذكرنا في الاصول، ان كلماتهم مضطربة في تفسير الغناء، وقد ذكر المحقق الايرواني “قده” أنه قد اضطربت كلمات الفقهاء و اللغويّين في ذلك و لا عرف حاضر غير متلقّى من أرباب الشّرع يرجع إليه و الأدلّة خالية عن التعرّض للموضوع، و عليه فينبغي اعتبار كلّ ما احتمل دخله، و ما عداه مشكوك الحرمة يرجع فيه إلى الأصل و المتيقّن هو الكلام الباطل في ذاته و بحسب المدلول و المشتمل على المدّ و الترجيع و الإطراب و المراد من بطلان الكلام بحسب المعنى هو أن يكون معناه معنى لهويّا يقال به في مقام التلهي لا في مقام الإفادة و الاستفادة كأكثر ما قيل من الشعر في مقام التعشّق و التغزّل[41]

و نقل السيد الامام “قده” عن الشيخ محمد رضا الاصفهاني صاحب كتاب وقاية الاذهان “ره” أنه ذكر في رسالة الغناء أن الغناء صوت الإنسان الذي من شأنه إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس، و الطرب هو الخفّة التي تعتري الإنسان فتكاد أن تذهب بالعقل و تفعل فعل المسكر لمتعارف الناس أيضا، والمعتبر في الغناء هو تناسب كيفية الصوت، فالصوت الخالي عن التناسب لا يكون غناء و إن أوجب الطرب و قصد به اللهو، والصوت المتناسب غناء و إن كان من أبحٍّ رديّ الصوت و لم يطرب بل أوجب عكس الطرب كما قيل: “اذا غناني القرشي — دعوت الله بالطرش”.

ثم اورد عليه بأنه لا يعتبر في صدق الغناء أن يبلغ الإطراب ذلك الحدّ الذي يذهب العقل، فإنّ للغناء مراتب كثيرة من حيث الحسن و الإطراب، فربّما بلغ فيه غايته كما لو كان الصوت بذاته في كمال الرقّة و الرخامة و كان الصائت ماهرا في البحور الموسيقية، و كان البحر مناسبا له كالبحر الخفيف مثلا، فحينئذ لا يبعد أن يكون مزيلا للعقل، و ربّما لا يكون بتلك المرتبة كما لعلّه كذلك غالبا، و كلمات اللغويّين أيضا لا يساعده، لعدم تقييد مهرة الفنّ بحصول تلك‌ المرتبة، و يرد على ما ذكره من أنّ من الغناء الصوت المتناسب و إن كان من أبحّ رديّ الصوت و لم يطرب بل أوجب عكس الطرب، مخالف لصريح كلامه في الحدّ أنّ الغناء هو ما يكون مطربا، و صريحه ها هنا أنّ من الغناء ما لم يطرب بل أوجب العكس، والصحيح أن الصوت المنكر الرديّ لا يكون غناء عرفا مهما روعي فيه التناسب، و الظاهر أنّ تسمية صوت القرشي بالغناء في ذاك الشعر كان من باب التهكّم و الاستهزاء، كتسمية البخيل بحاتم، و الجبان بالأسد، فالأولى تعريف الغناء بأنّه صوت الإنسان الذي له رقّة و حسن ذاتي و لو في‌ الجملة، و له شأنيّة إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس، و بما ذكرناه تظهر الخدشة في الحدّ المنتسب إلى المشهور، و هو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، فإنّ الغناء لا يتقوّم بالمدّ و لا الترجيع، ففي كثير من أقسامه لا يكون مدّ و لا ترجيع، فتحصّل من ذلك أنّ الغناء ليس مساوقا للصوت اللهوي و الباطل، و لا لألحان أهل الفسوق و الكبائر، بل كثير من الألحان اللهويّة و أهل الفسوق و الأباطيل خارج عن حدّه، و لا يكون في العرف و العادة غناء، و لكلّ طائفة من أهل اللهو و الفسوق و التغنّي شغل خاصّ في عصرنا، و محالّ خاصّة معدّة له، و لشغله و صنعته اسم خاصّ يعرفه أهل تلك الفنون.

ثمّ إنّ مقتضى كلمات كلّ من تصدّى لتحديد الغناء أنّه من كيفيّة الصوت أو الصوت نفسه، و ليست مادّة الكلام دخيلة فيه، و لا فرق في حصوله بين أن يكون الكلام باطلا أو حقّا و حكمة أو قرآنا أو رثاء لمظلوم، و هو واضح لا ينبغي التأمّل فيه[42].

اقول: ما ذكره من عدم صدق الغناء على الصوت الردي فيكفينا الشك في صدقه في التمسك باصل الاباحة، بل لا يعلم بصدق الغناء على كل صوت حسن متناسب من شأنه ايجاد الخفة، كما نشاهده في قراءة بعض القرآء، وصوت بعض الرادودين، وتعريف الغناء بالصوت المتناسب لمجالس اهل اللهو واللعب، كما في بعض الكلمات ايضا غير واضح، فانه كما ذكر المحقق الايرواني “ره” (في مقام الايراد على ما قاله الشيخ الاعظم “ره” من أن الغناء كيفية مناسبة لالحان اهل الفسوق والمعاصي) انه ليس لأهل الفسوق و المعاصي لحن مخصوص يمتازون به عن أهل الطّاعات نعم أهل الفسوق يتكلّمون بالأقوال الباطلة و ما لا يعني من القول و أهل الطّاعة منزّهون عن ذلك لكن هؤلاء في كلامهم الحقّ و أشعارهم الحكمي يضاهئون أولئك في كلامهم الباطل في كيفيّة الأداء.

اعتبار بطلان مضمون الکلام فی صدق الغناء

وعليه فلابد من التأمل في أنه هل يعتبر في صدق الغناء جزما او احتمالا كون مضمون الكلام باطلا، ام لا، وفيه احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الاول: تقوم الغناء بكون مضمون الكلام باطلا

الاحتمال الاول: ما ذهب اليه جماعة من تقوم الغناء بكون مضمون الكلام باطلا، وقد ذكر المحقق الايرواني “قده” أنه ليس لأهل الفسوق و المعاصي لحن مخصوص يمتازون به عن أهل الطّاعات، كما أنّ الكيفيّة في ذاتها لا تتّصف باللّهو و البطلان بل المدار في الاتصاف باللهويّة هو مدلول الكلام، فإن كان الكلام بمدلوله لهوا كان لهوا بأيّة كيفيّة أدّي، و ان لم يكن لهوا لم يكن لهوا بأيّة كيفيّة أدّي[43].

الاحتمال الثاني: ليست مادّة الكلام دخيلة في الغناء

الاحتمال الثاني: ما ذكره جماعة من أن الغناء كيفيّة الصوت و ليست مادّة الكلام دخيلة فيه، فلا فرق في حصوله بين أن يكون الكلام باطلا أو حقّا، بل ذكر السيد الامام “قده” أنه واضح لا ينبغي التأمّل فيه.

كما ذكر شيخنا الاستاذ “قده” أنه لا ينبغي التأمل في كون الغناء عرفا هي الكيفية للصوت، و لا دخل في صدقه لبطلان معنى الكلام و عدمه، و لذا من سمع من بعيد صوتا يكون فيه الترجيع الخاص المناسب للرقص و ضرب الأوتار يحكم بأنه غناء، و ان لم يتميز عنده مواد الكلام و لعل هذا هو المراد من قولهم بأنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، بان يكون مرادهم تطويل الصوت بنحو خاص اى تطويله بترجيعه و ترديده في الحلق، بنحو يقتضي الطرب أى يناسبه، و الطرب حالة تعرض النفس من شدة الفرح أو الحزن و حقيقته خروج النفس عن اعتدالها و لذا ربما يفعل الإنسان‌ في ذلك الحال ما لا يفعله في غيره، و يشهد على ما ذكرنا- من كون الغناء هي كيفية الصوت من غير دخل لمعنى الكلام فيه- موثقة عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الغناء- و قلت إنهم يزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رخص في أن يقال جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم- فقال كذبوا إن الله عز و جل يقول و ما خلقنا السماء و الأرض و ما بينهما لاعبين- لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين- بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه- فإذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون ثم قال ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس[44]، حيث أن الكلام المنكر الوارد فيها ليس باطلا من جهة المعنى[45].

الاحتمال الثالث: یکون المضمون مؤثرا في الغناء، الا اذا كانت الكيفية لهویا فتكفي في صدق الغناء

الاحتمال الثالث: ان يكون المضمون اللهوي والباطل مؤثرا في صدق الغناء، الا اذا كانت الكيفية شديدة اللهو فتكفي في صدق الغناء ولو كان في الاشعار الحقة او القرآن، وهذا هو الظاهر من كلام السيد الخوئي “قده” حيث ذكر أن الغناء المحرم عبارة عن الصوت المرجع فيه على سبيل اللهو و الباطل و الإضلال عن الحق سواء تحقق في كلام باطل أم في كلام حق، و سماه في الصحاح بالسماع، و يعبر عنه في لغة الفرس بكلمة: دو بيت و سرود و آوازه خواندن، و يصدق عليه في العرف أنه قول زور و صوت لهوي، فكل صوت كان صوتا لهويا و معدودا في الخارج من ألحان أهل الفسوق و المعاصي فهو غناء محرم.

وهذا الضابط يتحقق بأحد أمرين:

عدم اشتمال الکلام على المعاني الصحيحة اصلا

الأول: أن تكون الأصوات المتصفة بصفة الغناء مقترنة بكلام لا يعد عند العقلاء إلا باطلا، لعدم اشتماله على المعاني الصحيحة، بحيث يكون لكل واحد من اللحن و بطلان المادة مدخل في تحقق معنى السماع و الغناء، و مثاله الألفاظ المصوغة على هيئة خاصة المشتملة على الأوزان و السجع والقافية، و المعاني المهيجة للشهوة الباطلة و العشق الحيواني من دون أن تشتمل على غرض عقلائي، و عليه فلو وجد اللحن المذكور في كلام له معنى صحيح عند العقلاء لما كان غناء.

تطبيق قول الزور على الغناء

الثاني: أن يكون الصوت بنفسه مصداقا للغناء و قول الزور و اللهو المحرم، كألحان أهل الفسوق و الكبائر التي لا تصلح إلا للرقص و الطرب، سواء تحققت بكلمات باطلة أم تحققت بكلمات مشتملة على المعاني الراقية، كالقرآن و نهج البلاغة و الأدعية[46]

اقول: المظنون وان كان هو تمامية القول الأخير بحسب المعنى العرفي، لكن قد يقال بأن مفهوم الغناء ليس بواضح لنا حتى نتأكد من انطباقه على الصوت المطرب واللهوي في كلام حق، مهما اشتدت لهويته وكان مثيرا للشهوة شأنا، ولا نعلم ما يرادفه بالفارسية حتى نتأمل فيه، ولعله لا يوجد له مرادف فارسي اصلا، وما مر من شيخنا الاستاذ من أننا نحكم بكون صوت غناءا ولو سمعناه من بعيد ولم نفهم معناه، او كان بلغة اجنبية لا نعرفها، ففيه أن من المحتمل كونه لأجل الانس الحاصل في ذهننا بين كيفية صوت ومحتوى الكلام، هذا مضافا الى أنه لو احرز كونه عناء فقد يقال بعدم دليل على حرمته، حيث يقال ب‍أن عمدة دليل حرمة الغناء الروايات الواردة في تفسير آية “واجتنبوا قول الزور” و آية “ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله” وظاهر تطبيق قول الزور في الآية الاولى على الغناء في الروايات هو كون مضمونه باطلا، فان ظاهره كون الزور مقولا لا كيفية القول، والا لقال “القول الزور” ففي كتاب المكاسب للشيخ الاعظم أنه قد يقال: ان تطبيق قول الزور على الغناء قرينة على كون المراد به الكلام الباطل لا الكيفية في الصوت مطلقا و يؤيد كون المراد بالغناء فيها هو الكلام الباطل، صحيحة حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن قول الزور؟ قال منه قول الرجل للذي يغني أحسنت[47]، فإن قوله أحسنت باعتبار تضمنه مدح الفاعل على فعله الحرام باطل، وكذا ما ورد في تفسير لهو الحديث، وهو رواية ابن أبي عمير عن مهران بن محمّد عن الحسن بن هارون (لم يوثق) قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله و هو ممّا قال اللّه عزّ و جلّ: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ، ورواية علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن كسب المغنيات فقال التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس و هو قول‌ الله عز و جل و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله[48]، بناء على كون اضافة اللهو الى الحديث من إضافة الصفة إلى موصوفها، حيث ان كون الحديث لهوا عبارة أخرى عن بطلان معناه نعم لو كانت إضافته إليه من اضافة المظروف الى ظرفه المعبر عن ذلك في علم الأدب بكون الإضافة بمعنى “في” فيعم الغناء في الكلام الصحيح، وكذا ما ورد في تفسير “والذين لا يشهدون الزور”من أنه الغناء، فإنّ مشاهد الزور التي مدح اللّه تعالى من لا يشهدها، هي مجالس التغنّي بالأباطيل من الكلام، فالإنصاف، أنّها لا تدلّ على حرمة نفس الكيفيّة إلّا من حيث إشعار “لَهوَ الحديثِ” بكون اللهو على إطلاقه مبغوضاً للّه تعالى[49].

وقد اورد عليه كثير من الاعلام بأن ما ذكر لا يلازم كون الغناء متقوما بكون مضمون الكلام باطلا، فقد ذكر المحقق الايرواني “ره” أن تفسير قول الزور بالغناء لا يقتضي أن يكون الغناء من مقولة الكلام لصحّة هذا التفسير و إن كان الغناء من كيفيّة الكلام، لاتّحادهما خارجا، فإذا كانت الكيفيّة زورا باطلا صدق أنّ الكلام زورا باطل، وكون قول “أحسنت” من قول الزّور بلحاظ مدلوله لا يقتضي أن يكون مصداقية الغناء له ايضا بهذا اللحاظ، فلعلّ قول الزّور كلمة عامّة تصدق تارة بلحاظ المدلول و أخرى بلحاظ الدّال و بلحاظ كيفيّة أداء الألفاظ‌، كما أن لهو الحديث بناءً على أنّ الإضافة من إضافة الصّفة إلى الموصوف لا تدل على أن الغناء من مقولة الكلام، فلعلّ صفة لهويّته هي صفة غنائيّته و كيفية أداء ألفاظه، نعم إذا كانت الإضافة بيانيّة دلّت على أنّ الغناء من اللّهو الّذي هو الحديث فيأتي فيها من الكلام ما تقدم في الطائفة الأولى فإنّه يمكن أن يوصف الحديث بكونه لهوا باعتبار الكيفية اللهويّة، كما أنه ‌إن أراد أنّ مشاهد الزّور في الخارج كانت كذلك فذلك لا يقتضي تخصيص الآية بها و إن أراد أن خصوص هذا العنوان هو المقصود فتلك مصادرة بالمطلوب‌[50]

اقول: الانصاف أن ظهور قول الزور في كون المقول زورا وانحرافا عن الحق يوجب أن يكون ما دل على أن الغناء من قول الزور مجملا بالنسبة الى ما كان مضمون الكلام حقا، بل يكفي في ذك احتمال كون قول الزور ظاهرا في ذلك كما هو المستفاد من اللغة، ففي مفردات الراغب، و قوله: تَزٰاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ، أي تميل، و قيل لِلْكَذِبِ: زُورٌ، لكونه مائلا عن جهته، و يسمّى الصّنم زُوراً لكون ذلك كذبا و ميلا عن الحقّ، و في كتاب العين: الزور قول الكذب، و شهادة الباطل، وفي كتاب المحيط: الزَّوْرُ: وَسْطُ الصَّدْرِ، و الزَّوَرُ: مَيلٌ فيه، وزَوَّرْتُ الشَّيْ‌ءَ: عَوَّجْته و أمَلْته عن جِهَتِه، والزُّوْرُ: الكَذِبُ، و ما يُعْبَدُ من دُوْنِ اللّهِ.

وعليه فلا يصح الاستدلال بالروايات الدالة على قول الزور الغناء على حرمة الصوت اللهوي في كلام حق، كما أن الرواية التي طبَّقت لهو الحديث في قوله تعالى “ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله” يشكل اطلاقها له، فان المتيقن من لهو الحديث هو الحديث اللهوي اي ما كان من حيث كونه حديثا لهويا لا من حيث كيفية الصوت التي قد يؤدى بها الكلام المشتمل على المضامين الحقة.

ومن هنا تبين الاشكال فيما ذكره السيد الامام “قده” في المقام، فانه قال: الظاهر المتفاهم من عنوان قول الزور هو القول الباطل باعتبار مدلوله كالكذب و شهادة الباطل و الافتراء، و الغناء كما عرفت من كيفيّة الصوت، و هو عنوان مغاير لعنوان الكلام و القول، و لكن فسّرت الآية بالغناء وبقول القائل للمغنّي “أحسنت” مع أنّ قول أحسنت ليس بنفسه باطلا و زورا، و إنّما أطلق عليه باعتبار تحسين الغناء، والارجح أن يقال انه اريد بقول الزور القول المشتمل على الباطل، إمّا نحو اشتمال الكلام على مدلوله، أو نحو اشتمال الموصوف على صفته و إضافة القول إلى الزور لاتّحاده معه اتّحاد الصفة مع الموصوف، فالقول زور باعتبار اشتمال مدلوله على الباطل و زور باعتبار صفته و هو الصوت الخاصّ، فيكون كل من الغناء، و الكلام المشتمل على المضمون الباطل من قول الزور، فان الظاهر من الروايات أنّ قول الزور هو الغناء أو هو من قول الزور، و مع قيام القرينة العقليّة بأنّه ليس من مقولة القول فقد يرفع اليد عن ظاهر جميع الأخبار المفسّرة الدالّة على أنّ الغناء الذي هو صوت خاصّ هو قول الزور بتمام مصاديقه، و حملها على قسم خاصّ متحقّق مع كلام خاصّ مدلوله الباطل و الزور كما احتمله الشيخ و اختاره، ولا ينحفظ معه ظهور الآية أيضا، فإنّ ظاهرها حرمة قول الزور، و الحمل على الغناء في الكلام الباطل حمل على غير مدلولها بحسب فهم العرف. بل هو حملها على قسم خاصّ منه، تأمّل.

و لكن الأقرب حفظ ظهور الأخبار و حملها على الغناء بالمعنى الحقيقي المعروف مع‌ حفظ ظاهر الآية من حيث تعميمها بالنسبة إلى جميع الأقوال الباطلة، و لو فرضت المناقشة فيما ذكرناه فلا أقلّ من دخول الغناء تعبّدا فيه، و مقتضى إطلاق الأدلّة أنّه بذاته و بلا قيدٍ قول الزور.

ان قلت: إنّ قول الزور إن كان مطلق الباطل المقابل للحقّ، و المراد بالباطل ما لا يكون فيه غرض عقلائي و ما لا دخالة له في المعاش و المعاد، فلا شبهة في عدم حرمته بهذا الإطلاق و بهذا العرض العريض، فيدور الأمر بين حفظ ظهور هيئة الأمر في قوله وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ في الوجوب، و تقييد قول الزور بقسم خاصّ و هو المحرّمات الشرعيّة، فتكون الآية لبيان إجمال ما فصّل في الشريعة من المحرّمات، كقوله تعالى “وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ” بناء على أنّ المراد بها المحرّمات، و بين حفظ إطلاق قول الزور و حمل الأمر على الرجحان المطلق، و لا ترجيح للأوّل إن لم نقل أنّه للثاني، لشيوع استعمال الأمر في غير الوجوب و بعد رفع اليد عن الإطلاق، و عليه فلا تدل الأخبار الدالّة على أنّ قول الزور الغناء، على حرمة الغناء.

قلت: انّ سياق الآية و ذكر قوله “وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ” في تلو “فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ” يوجب قوّة ظهور الأمر في الوجوب سيّما مع إشعار مادّة الاجتناب بذلك، فيصير قرينة على أنّ المراد من قول الزور ليس مطلق القول الباطل، مضافا إلى إمكان أن يقال: إنّ قول الزور ليس مطلق القول الباطل بالمعنى المتقدّم، بل باطل خاصّ عرفا كالكذب و الافتراء و السخريّة و نحوها، فلا يقال عرفا لمطلق القول الذي لا دخالة له في المعاد و المعاش أنّه قول الزور، بل لعلّه لا يكون باطلا[51].

اقول: المهم أن ظهور قول الزور في كون مضمون الكلام باطلا وانحرافا عن الحق يوجب عدم اطلاق الغناء في الروايات المفسرة لقول الزور بالغناء للغناء في كلام حق، ودخل كيفية الصوت في حرمته لعدم كون الكلام المشتمل على المضامين اللهوية حراما باطلاقه، لا يعني الغاء دخل لهوية مضمون الكلام في تطبيق قول الزور عليه.

وهكذا بالنسبة الى آية لهو الحديث وتطبيقها في الروايات على الغناء، فان الظاهر كون اضافة اللهو الى الحديث من إضافة الصفة إلى موصوفها، حيث ان كون الحديث لهوا عبارة أخرى عن بطلان معناه، وكون إضافته إليه من اضافة المظروف الى ظرفه المعبر عن ذلك في علم الأدب بكون الإضافة بمعنى “في” فيعم الغناء في الكلام الصحيح، فخلاف الظاهر.

وقد ذكر السيد الامام “قده” أنه قد يقال: الظاهر من الآية أنّ لهو الحديث قسمان، و المحرّم منه هو ما يشترى و تكون الغاية به إضلال الناس عن سبيل اللّه، و غاية ما تدلّ الروايات هو كون الغناء داخلا فيها، و مقتضاه أن يكون الغناء قسمين: محرّم هو ما يوجب الإضلال و محلّل هو غيره، و لكن يمكن أن يجاب عنه بأنّ المراد بالإضلال عن سبيل اللّه ليس خصوص الإضلال عن العقائد، بل كلّ شي‌ء يوجب ترك واجب أو فعل محرّم يكون صادّا عن سبيل اللّه و مضلّا عنه، فلو تعلّم أحد أحاديث لهوية ليحدّثها على قوم يوجب تحديثها و لو اقتضاءً ترك‌ معروف أو فعل منكر، يصدق عليه أنّه اشترى لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه.

فحينئذ نقول: لولا الروايات المفسّرة كان ظاهر الآية حرمة اشتراء لهو الحديث، أي الأخبار الموجبة بمدلولها لإلهاء الناس و إضلالهم عن سبيل اللّه، فلم تكن شاملة للغناء الذي هو من كيفيّات الصوت و لا دخل له بمدلول الحديث و مضمونه، لكن بعد تفسيرها به و دخوله فيها بالتقريب المتقدّم في آية الاجتناب عن قول الزور يصدق على من تعلّم الغناء للتغنّي أنّه اشترى لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه، إمّا لأنّه بنفسه حرام و بإيجاده يخرج المغنّي و السامع عن سبيل اللّه، و إمّا لأنّه بذاته مع تجريده عن معاني الألفاظ و مع سماعه و عدم فهم المعنى ممّا يترتّب عليه و لو اقتضاء الصدّ عن سبيل اللّه و الغفلة عن ذكر اللّه و ربّما ينجرّ به إلى فعل الكبائر و ترك الواجبات كما‌ عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) “الغناء رقيّة الزنا[52]،و مع العلم بأنّ ذلك من مقتضيات ذات الغناء و تعلّمه للتغنّي، يصدق أنّه تعلّم للإضلال، أي تعلّم ما يترتّب عليه ذلك، فلا يقال: إنّ التغنّي بالمواعظ و القرآن لا يترتّب عليه ذلك، لأنّ هذا من مقتضيات نفس الغناء لو جرّد عن مداليل الألفاظ، و المفروض أنّ الغناء بذاته داخل في الآية كما هو مفاد الأخبار، مع أنّ مقتضى إطلاق الأخبار أنّ مطلق الغناء داخل في الآية و أوعد اللّه‌ عليه النار، مع أنّه قلّما يتّفق لشخص أن يكون غاية تعلّمه للغناء أو تغنّيه، الإضلال عن سبيل اللّه و الصدّ عنه، فعليه يكون عدّ الغناء من الآية بنحو الإطلاق على الاحتمال المتقدّم في الإشكال كحمل المطلق على الفرد النادر جدّا، فقوله “الغناء ممّا وعد اللّه عليه النار”‌ في الآية مع عدم دخوله فيها إلّا ما هو نادر كالمعدوم يعدّ مستهجنا قبيحا، فلابدّ و أن تحمل اللام على النتيجة أعمّ من كونها غاية أولا، كقوله تعالى “فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً” و كقول الشاعر “لدوا للموت و ابنوا للخراب” و الإنصاف عدم التأمل في دلالة هذه الرواية والروايات الواردة في تطبيق “واجتنبوا عن قول الزور” على الغناء على حرمة الغناء بذاته، نعم في دلالة ما ورد في تطبيق قوله “وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ”‌ على الغناء، كصحيحة ابن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله “وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّور” قال هو الغناء[53]، على حرمة الغناء تأمّل و إشكال[54].

اقول: ما ذكره كون كون اللام في “ليضل” للعاقبة تام، لكن المهم ما مر من كون ظاهر لهو الحديث هو الحديث الذي يكون من حيث انه حديث لهوا لا من حيث انه صوت، فلا اطلاق للروايات المفسرة للهو الحديث بالغناء بما يكون في كلام حق.

ولكن الانصاف أن الدليل لا ينحصر بما ذكر، بل يوجد ما يستفاد منه شمول حرمة الغناء لما اشتمل على كلام ليس بباطل ولهوي، والعمدة رواية عبد الأعلى، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الغناء و قلت إنهم يزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رخص في أن يقال “جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم” فقال كذبوا إن الله عز و جل يقول: و ما خلقنا السماء و الأرض و ما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون، ثم قال: ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس[55].

فان قولهم “جئناكم جئناكم…” ليس كلاما لهويا وباطلا، ولكن اطلق الغناء عليه في الرواية ولو في الجملة وظاهر الرواية حرمته، والقدر المتيقن هو ما أدي بصوت مناسب لاثارة الشهوة الحيوانية، ولعلهم كانوا يقولون ذلك في العرائس، نعم قد يناقش في سندها بأنه وان كان المنصرف منه هو عبد الاعلى بن اعين العجلي، الا أنه لم يرد في حقه توثيق خاص، وقد استند السيد الخوئي “قده” في توثيقه الى عدّ الشيخ المفيد في رسالته العددية اياه، من الفقهاء و الرؤساء الاعلام المأخوذ عنهم الحلال و الحرام، و الفتيا و الأحكام، و الذين لا يطعن عليهم، و لا طريق إلى ذم واحد منهم، و هم أصحاب الأصول المدونة، و المصنفات المشهورة، ولكن قد مر منا مرارا الاشكال فيه، فانه ذكر في رسالته العددية اولاً أن الروايات التي تمسك بها اصحاب أن شهر رمضان لايكون اقل من ثلاثين يوما شاذة قد طعن نقاد الآثار من الشيعة في سندها، فمن ذلك ما رواه محمد بن سنان “شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا” و محمد بن سنان مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته و ضعفه و ما كان هذا سبيله لم يعمل عليه في الدين[56]، ثم قال: أما رواة حديث أن شهر رمضان يكون تسعة و عشرين يوما و يكون ثلاثين يوما‌ هم فقهاء أصحاب الأئمة (عليهم السلام) والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الأحكام الذين لا يطعن عليهم و لا طريق إلى ذم واحد منهم و هم أصحاب الأصول المدونة و المصنفات المشهورة، فممن روي عن أبي جعفر الباقر هو محمد بن مسلم، ومحمد بن قيس، وروى محمد بن سنان عن أبي الجارود[57]، ثم ذكر روايات رواة آخرين لا يحتمل في حق عدة منهم هذه الاوصاف الجليلة، بل هذا ابو الجارود رئيس الفرقة الزيدية الجارودية، وقد ذكر محمد بن سنان ايضا مع أنه طعن فيه قبل صفحات طعنا عظيما، فيفهم منه أن نظره كان الى مجموع الرواة لهذه الاحاديث من حيث المجموع، لاالى كل واحد واحد منهم.

الا أنه يمكن اثبات وثاقته برواية صفوان عنه[58]، وقد قال الشيخ الطوسي في حقه أنه ممن عرف بأنه لا يروي ولا يرسل الا عن ثقة، ولا ينافيه نقل صفوان عنه رواية أخرى بواسطة ابن مسكان[59]، فانه كان من أصحاب ابي عبد الله (عليه السلام) وقد نقل صفوان عنهم كثيرا.

ويؤيد ذلك الروايات السابقة الواردة في ذم التغني بالقرآن كرواية الكافي عن علي بن محمد عن إبراهيم الأحمر عن عبد الله بن حماد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها و إياكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر فإنه سيجي‌ء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم[60]، الا أن سنده ضعيف بابراهيم الاحمر حيث ضعفه الشيخ فقال في رجاله: إبراهيم بن إسحاق أبو إسحاق الأحمري النهاوندي، كان ضعيفا في حديثه، متهما في دينه، وقال النجاشي: كان ضعيفا في حديثه، متهوما.

وفي رواية عطاء بن أبي رياح عن عبد الله بن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث قال: إن من أشراط الساعة إضاعة الصلوات و اتباع الشهوات و الميل إلى الأهواء … فعندها يكون أقوام يتغنون بالقرآن… فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس[61]، وسندها ايضا ضعيف لوجود مجاهيل[62].

لكن كما اشرنا اليه لا يستفاد من رواية عبد الاعلى او هاتين الروايتين هذا اكثر من امكان التغني في الكلام غير الباطل، لكن حيث لا اطلاق له فالمتيقن ما كان بكيفية مثيرة شأنا للشهوة الحيوانية والرقص، نعم لو كان الكلام باطلا فالظاهر صدق الغناء عليه ولو لم تكن الكيفية كذلك بل كانت مجرد تحسين الصوت بنحو يكون فيه شأنية الطرب.

ولو احرز صدق الغناء على ما يكون في كلام ليس بباطل فقد يتمسك لاثبات حرمته باطلاق ما رواه في الوسائل عن عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَتَعَمَّدُ الْغِنَاءَ يُجْلَسُ إِلَيْهِ قَالَ لَا[63]، ولكنه مضافا الى ما مر من الاشكال في سنده فقد يقال بعدم كونه في مقام البيان من ناحية حرمة الغناء بل جعلها مفروغا عنها، وانما سأل عن حكم الجلوس الى من يرتكب هذا العمل المحرم.

كما يتمسك بما رواه سهل بن زياد عن علي بن الريان (بن الصلت الاشعري القمي وقد وثقه النجاشي) عن يونس قال: سألت الخراساني (عليه السلام) عن الغناء و قلت- إن العباسي ذكر عنك أنك ترخص في الغناء- فقال كذب الزنديق ما هكذا- قلت له سألني عن الغناء- فقلت إن رجلا أتى أبا جعفر صلوات الله عليه- فسأله عن الغناء- فقال يا فلان إذا ميز الله بين الحق و الباطل- فأين يكون الغناء- فقال مع الباطل فقال قد حكمت[64]، ولكن الاشكال في سند الرواية من حيث سهل بن زياد.

وكيف كان فالظاهر صدق الغناء وحرمته في ما كان الكلام غير باطل ايضا فيما كان مثيرا شأنا للشهوة والرقص.

مستثنيات حرمة الغناء

يقع الكلام في ما ذكروه من المستثنيات لحرمة الغناء وهي عدة امور:

الاول: الحداء لسوق الإبل

الاول: الحداء لسوق الإبل، فعن المشهور استثناءه عن حرمة الغناء، لكنه ممنوع، لعدم الدليل عليه، الا ما روي في كتب العامة من أنّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال لعبد اللّه ابن رواحة، حرّك بالنوق، فاندفع يرتجز، و كان عبد اللّه جيّد الحداء[65]، و هذا مضافا الى ضعف السند، لا دلالة فيه على كون الحداء الذي جوّزه النبي غناء.

الثاني: غناء النساء في زف العرائس

الثاني: استثناء غناء النساء في زف العرائس، و قد استثناه جمع كثير من الأصحاب، ويمكن الاستدلال له برواية علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن كسب المغنيات فقال التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس و هو قول‌ الله عز و جل و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله[66]، وصحيحة أبي بصير “أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، و ليست بالتي يدخل عليها الرجال” ودعوى معارضتها مع رواية عبد الاعلى السابقة بتقريب ان المتيقن منها تغني النساء في قول “جئناكم…” وكون المرجع بعد ذلك اطلاق دليل حرمة الغناء مدفوعة بالمنع من كون القدر المتيقن منها تغني النساء في زف العرائس مع عدم دخول الرجال عليهن.

ثم إن استثناء غناء النساء للنساء في زف العرائس وان كان ظاهرا في التغني المباشر لكن لا يبعد الغاء الخصوصية منه الى استماع الشريط في مجلس زف العرائس، وكيف كان فالمهم اختصاص جوازه بما اذا لم يشتمل على محرم آخر كالتغني بكلام يدعو الى الحرام او كان مقترنا باستعمال آلات الملاهي، كما ان الظاهر كون اشتراط جوازه بعدم دخول الرجال تعبدي لاطلاق صحيحة ابي بصير ولو لم ينطبق على ذلك عنوان محرم مستقل كما لو كانوا محارم، فالظاهر عدم تمامية ما عن السيد الخوئي “قده” من قوله “هذا فيما لم يطرأ عليه عنوان آخر محرم، و إلا كان حراما، كالتكلم بالأباطيل و الكذب و ضرب الأوتار و دخول الرجال عليهن و غيرها من الأمور المحرمة”[67].

الثالث: الغناء في قراءة القرآن

الثالث: ما قد يقال من جواز الغناء في قراءة القرآن، فذكر المحقق السبزواري: صرّح المحقّق و جماعة ممّن تأخّر عنه بتحريم الغناء و لو كان في القرآن، لكن غير واحد من الأخبار يدلّ على جوازه، بل استحبابه في القرآن بناءً على دلالة الروايات على جواز حسن الصوت و التحزين و الترجيع في القرآن، بل استحبابه، و الظاهر أنّ شيئاً منها لا يوجد بدون الغناء على ما استفيد من كلام أهل اللغة و غيرهم، و فصّلناه في بعض رسائلنا[68].

و فيه أنه كما تقدم سابقا لا تدل تلك الروايات على جواز الغناء في القرآن، بل كان بعضها صريحا في النهي عن قراءة القرآن بألحان أهل الفسوق و الكبائر الذين يرجعون القرآن ترجيع الغناء.

نعم سند ما دل على حرمة التغني بالقرآن ضعيف، وحينئذ فقد يقال بأن اطلاق استحباب تحسين الصوت في قراءة القرآن يتعارض مع اطلاق تحريم الغناء وبعد معارضتهما فالمرجع اصل البراءة عن حرمة الغناء بالقرآن، وقد أشكل عليه الشيخ الاعظم “قده” بما حاصله أن أدلة الأحكام غير الإلزامية لا نقاوم أدلة الأحكام الإلزامية. و الوجه في ذلك أن الفعل إنما يتصف بالحكم غير الإلزامي إذا خلا في طبعه عما يقتضي الوجوب أو الحرمة، و مثاله أن إجابة دعوة المؤمن و قضاء حاجته و إدخال السرور في قلبه و كشف كربته من الأمور المستحبة في نفسها، و لكن إذا استلزم امتثالها ترك واجب أو إيجاد حرام، تخرج عن الاستحباب، و تكون محرمة.

وقد اورد عليه السيد الخوئي “قده” بأن قضاء حاجة المؤمن و إجابة دعوته و إدخال السرور في قلبه و نحو ذلك مقيد بعدم ترك الواجب، و فعل الحرام، لما ورد من أنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق. فتقديم دليل الوجوب أو الحرمة في هذه الصورة على أدلة الأمور المذكورة و إن كان مسلما إلا انه لدليل خارجي، كما أنه قد يكون دليل الحكم غير الالزامي ظاهرا في العنوان الاولي في نفسه كدليل حلية لحم الشاة الظاهر في حليته في حد نفسه، ودليل حرمة لحم الجلال او المغصوب، فلا معارضة بينهما، وأما اذا كان دليل الحكم غير الإلزامي مطلقا فيتعارض مع دليل الحكم الالزامي بالعموم من وجه، والمقام من هذا القبيل، نعم لابد من ترجيح ما دل على حرمة الغناء، لكونه مخالفا للعامة، و يترك ما دل على الجواز لموافقته لهم[69].

تقدیم دليل تحريم الغناء على دليل استحباب تحسين الصوت في قراءة القرآن

اقول: الانصاف أن العرف يري كون دليل تحريم الغناء مقدما عرفا على دليل استحباب تحسين الصوت في قراءة القرآن، حيث يستظهر من الثاني كون تحسين الصوت فيها مرغوبا فيه بهذا العنوان، وهذا لا ينافي حرمة عنوان آخر وهو عنوان الغناء.

أما ما ذكره من ترجيح دليل حرمة الغناء لمخالفته للعامة ففيه أن الرجوع الى المرجحات في تعارض الدليلين بالعموم من وجه عنده مختص بما اذا كانت دلالة كليهما بالوضع، فلو كان دلالة أحدهما بالوضع والثاني بالاطلاق فيتقدم الأول على الثاني، واذا كانت دلالة كليهما بالاطلاق فلايكون تعارضهما من تعارض الخبرين، كما لو ورد في خطاب اكرم عالم وورد في خطاب آخر لاتكرم الفاسق، فان مدلول الخبر ليس الا ثبوت الحكم للطبيعة المهملة، واما اطلاقه فهو خارج عن مدلول اللفظ ويثبت بحكم العقل عند تمامية مقدمات الحكمة، فالخبران ليسا متعارضين فلايشملها أدلة الترجيح، حيث ان موضوعها الخبران المتعارضان، وكذا ينتفي حكم العقل فيهما بالاطلاق، اذ يلزم من حكمه بذلك في كليهما الجمع بين الضدين، وفي أحدهما دون الآخر الترجيح بلامرجح([70]).

والمقام من قبيل تعارض اطلاق الدليلين، فلا يتم ما ذكره من ترجيح دليل حرمة الغناء لمخالفته للعامة، حسب مبانيه، وان كان الصحيح عندنا أنه لا فرق بين العموم والاطلاق، فان لازم ما ذكره عدم صدق اختلاف الحديثين على مثل قوله “لابأس ببيع العذرة” مع قوله “ثمن العذرة سحت” حيث ان مدلولهما الوضعي ثبوت كل من الحكمين على نحو القضية المهملة، ولامحذور في ذلك عقلا، وانما التنافي بينهما ينشأ من اطلاقهما، مع انه لاريب في صدق اختلاف الحديثين عليهما فيشملهما أدلة الترجيح، وهذا هو دأبه‌ “قده” في الفقه.

والحل أن مقدمات الحكمة توجب الظهور الاطلاقي، ولهذا يفهم كل انسان عرفي الاطلاق من كلام المتكلم وينسبه الى المتكلم، ولااقل من كون الخطاب المطلق حجة عقلائية على كون المراد الجدي هو الحكم المطلق، وهذا كاف في صدق عنوان اختلاف الحديث عليهما،

وان اراد ما قد يظهر من بعض كلماته([71]) من ان السكوت عن بيان التقييد هو الدليل على ثبوت الحكم المطلق، والسكوت ليس كلاما فلايكون من تعارض الخبرين واختلاف الحديثين، ففيه أن سكوت المتكلم عن بيان التقييد حيثية تعليلية لصيرورة الخطاب ظاهرا في الاطلاق.

الرابع: ما قد يقال من أن اطلاق التمتع بالزوجة يشمل استماع غناءها فيتعارض مع اطلاق دليل حرمة الغناء فيرجع الى أصل البراءة، وفيه اولا: عدم وجود اطلاق يشمل الاستماع الى تغنيها ولو سلم فلا يكون مجوزا لتغنيها، وثانيا: انه لو فرض اطلاق له فقد ظهر مما مر تقدم دليل حرمة الغناء عليه، ولا يقاس بما افتى به المشهور من جواز رقصها لزوجها مع وجود اطلاق دليل حرمة الرقص وهو قوله (صلى الله عليه وآله) على ما في موثقة السكوني “أنهاكم عن الزفن والمزمار والكوبات والكبرات”، بناء على كون الزفن بمعنى الرقص، كما فسر به في اللغة[72]، فانه يمكن أن يكون وجهه انصرافها عنه بمناسبة الحكم والموضوع، ولولا الانصراف الجزمي او الاحتمالي عنه لكان مقتضى الصناعة الالتزام بشمول الاطلاق له، ولعله لأجل ذلك احتاط بعض الاعلام “قده”[73] وجوبا في تركه.

 



[1] – راجع: الفقه على المذاهب الاربعة ج2ص 42

[2] – مستند الشيعة ج2ص 340

[3] – وسائل الشيعة ج 17ص 303

[4] – الفهرست ص

[5] – وسائل ج17ص 305

[6] – وسائل ج17ص 303

[7] – وسائل ج17ص 304

[8] – وسائل ج17ص 306

[9] – وسائل ج17ص 307

[10] – وسائل ج17ص 312

[11] – الوافي ج17ص 219

[12] – مفاتيح الشرايع ج2ص 21

[13] – كفاية الاحكام ج‌1، ص: 432

 

[14] – حاشية المكاسب ج1ص31

[15] – المكاسب المحرمة ج‌1 ص 317‌

 

[16] – مصباح الفقاهة ج1ص308

[17] – حاشية المكاسب ج1ص 30

[18] – وسائل ج 17ص

[19] – المكاسب ج ص

[20] – تاج العروس ج6ص 468

[21] – النهاية ج2ص 312

[22] – مصباح الفقاهة ج1ص 309

[23] – المكاسب المحرمة ج‌1، ص: 328

[24] – ارشاد الطالب ج1ص 182

[25] – وسائل الشيعة؛ ج‌17، ص: 120

[26] – وسائل ج17ص 124

[27] – المكاسب ج2ص 305

[28] – المكاسب المحرمة ج‌1 ص 326

[29] – هكذا في الوسائل نقلا عن الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب وهو مطابق لما في من لا يحضره الفقيه ج3ص 161 لكن المنقول في الكافي “ليست” بدون واو، راجع الكافي ط دار الحديث ج9ص 662 وكذا في التهذيب ج6ص 357و الاستبصار ج3ص 62

[30] – وسائل الشيعة؛ ج‌17، ص: 120

[31] – الاستبصار ج‌3، ص: 62

[32] – المكاسب المحرمة ج 1ص

[33] – ارشاد الطالب ج 1ص

[34] – وسائل الشيعة ج‌6 ص 209

[35] – وسائل الشيعة، ج‌6، ص: 212‌

[36] – معاني الأخبار ص: 279

[37] – مجمع البحرين ج1ص 321

[38] – وسائل الشيعة ج‌6 ص 210‌

[39] – وسائل الشيعة ج‌17 ص 310

[40] – وسائل الشيعة ج17ص 122

[41] – حاشية المكاسب ج1ص29

[42] – المكاسب المحرمة ج 1ص300

[43] – حاشية المكاسب ج1ص30

[44] – وسائل ج17ص 307

[45] – إرشاد الطالب ج‌1، ص: 179

[46] – مصباح الفقاهة ج1ص 312

[47] – وسائل الشيعة ج17ص309

[48] – وسائل الشيعة؛ ج‌17، ص: 120

[49] – المكاسب ج‌1 ص 287

[50] – حاشية المكاسب ج1ص30

[51] – المكاسب المحرمة ج1ص 308

[52] – مستدرك الوسائل ج13ص314

[53] – وسائل الشيعة ج 17ص

[54] – المكاسب المحرمة ج1ص 312

[55] – وسائل ج17ص 307

[56] – الرد على أصحاب العدد ص 19

[57] – الرد على أصحاب العدد ص 25

[58] – راجع الكافي ج7ص 267

[59] – تهذيب الاحكام ج10ص 187

[60] – وسائل الشيعة ج‌6 ص 210‌

[61] – وسائل الشيعة ج‌17 ص 310

[62] – ولأجل ذلك لم نفهم وجه فتوى بعض السادة الاعلام “دام ظله” بحرمة الغناء في القرآن والذكر والدعاء واحتياطه الوجوبي في الغناء في كلام آخر غير باطل .

[63] – وسائل ج17ص 312

[64] – وسائل ج17ص 306

[65] – سنن البيهقي ج 10ص 227

[66] – وسائل الشيعة؛ ج‌17، ص: 120

[67] – مصباح الفقاهة ج1ص 314

[68] – كفاية الأحكام؛ ج‌1، ص: 428

 

[69] – مصباح الفقاهة ج1ص 316

[70] – مصباح الاصول ج3ص429

[71] معتمد العروة الوثقى كتاب الحج ج2ص203فصل في أقسام الحج م 2

[72] – كما في كتاب العين؛ ج‌7، ص: 372 و المحيط في اللغة؛ ج‌9، ص: 65و الصحاح ج‌5، ص: 2131 معجم مقائيس اللغة؛ ج‌3، ص: 14والنهاية في غريب الحديث و الأثر؛ ج‌2، ص: 305ومجمع البحرين؛ ج‌6، ص: 260

[73] – هو الشيخ البهجة “ره”.