الدرس 89-294
السبت – 20 شوال المكرم 46
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن
الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و صلی اللّه علی سيّدنا محمّد و آله
الطاهرين و لعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين.
تتمة البحث و النقاش في نظرية العدد
كان الكلام فيما ذهب اليه الصدوق من ان شهر رمضان دائما يكون
ثلاثين يوم بخلاف شهر شعبان الذي قبله و شهر شوال الذي بعده. استند في ذلك
الی روايات لا اشكال في دلالتها علی ما اختاره.
في الكافي اورد تلك الروايات و لكن لا يتوهم ان هذا رأي الكليني
حيث ذكر في ديباجة الكافي ان هذا الكتاب مشتمل علی آثار صحيحة عن الصادقين
عليهم السلام لان الكافي ادرج هذه الروايات الدالة علی ان شهر رمضان لا ينقص
ابدا في ذيل باب سماه بباب النادر و قبل ذلك جاب روايات تدل علی ان الشهر لا
يثبت الا برؤية الهلال و اذا رأيتم الهلال فصوموا اذا رأيتموه فافطروا و ليس بالرأي
و لا بالتظني و ليست الرؤية ان يقوم عشرة فيقول واحد هو ذا و ينظر تسعة فلا يرونه
لكن اذا رآه واحد رآه الف. ذكر هذه الروايات التي لا تجتمع و لا تتلائم مع القول
بان شهر شعبان تسع و عشرين يوم، شهر رمضان ثلاثين يوم، شهر شوال تسع و عشرين، ذي
القعدة ثلاثين، ذي الحجة تسع و عشرين و هكذا، هذا لا يحتاج لا الی البينة و
الرؤية و ما شابه ذلك.
ماذا نصنع بهذه الروايات التي استدل بها الشيخ الصدوق؟
الشيخ المفيد في رسالته التي سماها
بالرد علی اصحاب العدد قال هذه روايات شاذة. ناقش في سند رواية حذيفة بن
منصور عن ابي عبدالله عليه السلام قال شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص ابدا، قال:
راوي هذه الرواية محمد بن سنان، هذا الحديث شاذ نادر غير معتمد عليه طريقه محمد بن
سنان و هو مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته و ضعفه و ما كان هذا سبيله لم يعمل
عليه في الدين. الشيخ المفيد في كتاب الارشاد قال محمد بن سنان كان من خاصة الرضا
عليه السلام و ثقاته و اهل الورع من شيعته. هذان لا يجتمعان.
بالنسبة الی الرواية الثانية محمد بن اسماعيل (بن بزيع)
عن بعض اصحابه شهر رمضان لا ينقص ابدا و لا تكون فريضة ناقصة قال: هذا الحديث
مجهول الاسناد، بعض اصحابه مجهول. مضافا الی انه لا معنی لقوله و لا تكون
فريضة ناقصة، هل يعني اذا شهر رمضان تسع و عشرين يوما فتكون الفريضة ناقصة؟ لا تكون
الفريضة ناقصة. هل انتم تصلون في السفر ركعتين فتصير الفريضة ناقصة؟ مضافا
الی انه في هذه الرواية استدل بقوله تعالی و لتكملوا العدة، و لتكملوا
العدة هل يعني ان شهر رمضان ثلاثين يوم؟ من كان مرضا أو علی سفر فعدة من ايام
أخر يريد بكم الله اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة يعني لتكملوا الشهر
اما ان هذا الشهر ثلاثين يوم تسع و عشرين يوم، يقول: الا ان يكون ثلاثين يوم
حتی يصدق و لتكملوا العدة؟
الرواية الثالثة رواية محمد بن
اسماعيل بن بزيع عن محمد بن يعقوب بن شعيب عن ابيه عن ابي عبدالله عليه السلام يقال
هذه الرواية التي ورد فيها قلت لابي عبدالله عليه السلام ان الناس يروون ان رسول
الله صلی الله عليه و آله صام شهر رمضان تسع و عشرين يوم اكثر مما صام ثلاثين
يوما فقال كذبوا ما صام الا تاما و لا تكون الفرائض ناقصة. يقول الشيخ المفيد: هذه
الرواية اولا فيها مشكلة سندية، محمد بن يعقوب بن شعيب لم يرو عن ابيه يعقوب بن شعيب
الا هذه الرواية، مع ان يعقوب بن شعيب من الاعاظم و له روايات كثيرة. مضافا
الی الاشكال السابق و لا تكون الفريضة ناقصة.
الشيخ الصدوق ذكر اكثر من ثلاث روايات،
الشيخ المفيد اقتصر علی هذه الروايات الثلاثة و لكن في من لا يحضره الفقيه
ذكر روايتين اخريين: و سأل ابوبصير اباعبدالله عليه السلام عن قول الله عز و جل و
لتكملوا العدة قال ثلاثين يوم و روي عن ياسر الخادم قال قلت للرضا عليه السلام هل يكون
شهر رمضان تسع و عشرين يوما فقال ان شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين يوما ابدا. فتكون
الروايات خمسة لا ثلاثة.
لكن هذه الروايات و ان كانت مستفيضة
و نقاش الشيخ المفيد في سند هذه الروايات الثلاثة لا يجدي بعد استفاضة هذه الروايات،
لكن اولا: بعد ما علمنا ان هذه الروايات مخالفة للواقع التكويني و لم يؤيد مضمون
هذه الروايات احد من علماء النجوم لا قديما و لا حديثا فاني ذكرت لكم ان الشهر
القمري صحيح تسع و عشرين يوم و اثنا عشر ساعة و اربع و اربعين دقيقة دائما أو غالبا
ففي حد ذاته لا مانع من ان ينتهي دور الشهر القمري في شهر مثلا رجب في اثناء
النهار و لكن الهلال لا بد ان يری حين غروب الشمس فيكون شهر رجب ثلاثين يوم
و لكن هذا المقدار الذي تولد فيه الهلال و حسب من تتمة شهر رجب لانه تولد الهلال في
اثناء النهار و لكن لم يری الهلال الا في غروب الشمس هذا المقدار الذي تولد
فيه الهلال في عالم التكوين يكون من الهلال الجديد فاذا مضی تسع و عشرين يوم
فيعني مضی تسع و عشرين يوم و نصف هذا اليوم الذي كان محسوبا من شهر رجب فيمكن
ان يكون شهر شعبان تسع و عشرين و هكذا. و لكن القمر له منازل، و القمر قدرناه
منازل، قد يبتعد عن الارض بكثير و قد يقترب من الارض، جهات مختلفة تؤثر في قابلية الهلال
للرؤية، ليس مجرد تلك الحركة الدائرية حول الارض، و لاجل ذلك قد لا يمكن رؤية الهلال
بالتلسكوبات. شهران متصلان يكون كل منهما ثلاثين يوم أو شهران متصلان يكون كل
منهما تسع و عشرين يوم يمكن ان يری الهلال هذا يختلف باختلاف منازل القمر.
لم يؤيد نظرية الصدوق احد من
العلماء المتخصصين في قضايا النجوم و الفلك. و ابوريحان البيروني الذي كان هو
اخصائيا في هذا المجال اثبت ذلك ان هذه الروايات كاذبة و احتمل علی ما روي
عنه ان هذه الروايات تزوير من اصحاب ابي الخطاب الملعون الذي قال عنه الامام دسّ في
كتب اصحاب أبي احاديث كثيرة. فواضح جدا ان هذه الروايات تخالف الواقع و نقطع بكونها
مزورة علی الامام عليه السلام خصوصا مع ما وجد فيها من كلمات لا تتناسب مع
الامام عليه السلام، الفريضة لاتكون ناقصة، ان الله يقول و لتكملوا العدة و
اشباه ذلك.
و ثانيا: هناك روايات كثيرة جدا تصرح
بان شهر رمضان كسائر الشهور يصيبها ما يصيب سائر الشهور قد يتم و قد ينقص. قرأنا
جملة من تلك الروايات و جاء بها الشيخ المفيد في كتابه. و ابن طاوس نقل ان الشيخ
المفيد في بدايه امره كان رأيه مثل رأي الصدوق لكنه افتهم انه مو صحيح فوافق الشيخ
ابن قولويه صاحب كامل الزيارات في ان شهر رمضان قد يتم و قد ينقص. ابن طاوس ينسب
الی الشيخ المفيد انه كان سابقا يری رأي الصدوق، لم يثبت ذلك بشكل
واضح. علی اي حال جمع الشيخ المفيد في رسالته روايات كثيرة اقرأ جملة منها:
صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام ان شهر رمضان يصيبه
ما يصيب الشهور من النقصان فاذا صمت تسع و عشرين يوما ثم تغيمت السماء فاتم العدة ثلاثين.
صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام قال قال امير
المؤمنين عليه السلام اذا رأيتم الهلال فافطروا أو شهد عليه عدول من المسلمين و ان
لم تروا الهلال الا في وسط النهار أو آخره فاتموا الصيام الی الليل و اذا غم
عليكم فعدوا ثلاثين يوما ثم افطروا. يعني شهر رمضان يقبل ان يكون تسع و عشرين يوم
و لكن اذا غم عليكم السماء و لم تروا الهلال فاتموا ثلاثين يوما.
موثقة عمار عن ابي عبدالله عليه السلام: يصيب شهر رمضان ما يصيب
الشهور من النقصان يكون ثلاثين يوما و يكون تسع و عشرين يوما.
صحيحة منصور بن حازم: صم لرؤية الهلال و افطر لرؤيته فان
شهد عندك شاهدان مؤمنان بانهما رأياه فاقضه. اذا كان شهر شعبان تسع و عشرين يوم و
شهر رمضان ثلاثين يوم و شهر شوال تسع و عشرين يوم و شهر ذي القعدة ثلاثين يوم بعد
الانسان ما يشتبه، اصلا ما يحتاج الی رؤية الهلال بينما ان هذه الرواية تقول
افطر لرؤية الهلال و افطر لرؤيته فان شهد عندك شاهدان مؤمنان فاقض.
و في رواية يونس بن يعقوب قال قلت لابي عبدالله عليه السلام
اني صمت شهر رمضان علی رؤية الهلال تسع و عشرين يوما و ما قضيت فقال لي و
انا قد صمته تسع و عشرين يوما و ما قضيت.
و في رواية ابي مخلد أو ابي مخلّد عن ابي جعفر محمد بن
علی عليهما السلام اذا كان يوم الشك و لم يجئكم ثبْت بالرؤية يعني لم يثبت
عندكم الرؤية فلا تصوموا و قال ان رسول الله صلی الله عليه و آله ان السنة اثنا
عشر يوما منها اربعة حرم رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و محرم ثلاثة اشهر متواليات
و واحد فرد يعني شهر رجب و شهر رمضان منها يعني من تلك الشهور الاثنا عشر مفروض فيه
الصيام فصوموا للرؤية و افطروا للرؤية فاذا خفي الشهر فاتموا ثلاثين يوما.
و في رواية عبد الاعلی بن اعين عن ابي عبدالله عليه
السلام قال سمعته يقول اذا صمت لرؤية الهلال و افطرت لرؤيته فقد اكملت الشهر و ان لم
تصم الا تسع و عشرين يوما.
و في موثقة سماعة قال صيام شهر رمضان بالرؤية و ليس بالظن و
قد يكون شهر رمضان تسع و عشرين يوما و قد يكون ثلاثين يوما يصيبه ما يصيب الشهور
من النقصان و التمام.
هذه جملة من تلك الروايات الكثيرة الكثيرة التي تدل
علی ان شهر رمضان قد يكون ناقص و قد يكون تام و هذا هو الموافق لمذهب مشهور
الشيعة و كذا العامة و موافق لما يقول به الاخصائيون في هذا المجال و لا ينبغي تضييع
اوقاتنا في هذا البحث باكثر من ذلك.
البحث عن اشتراط اتحاد الافق
يقع الكلام في مسألة مهمة و هي هذا الخلاف العظيم بين
المشهور الذين يقولون بانه لا بد من رؤية الهلال في بلد المكلف و بين قول من يخالف
المشهور من انه يكفي رؤية الهلال و لو في بلد آخر و هذا ما ذهب اليه جماعة علی
اختلافهم فالسيد الخوئي كان يقول يكفي اشتراط ذلك البلد الذي رؤي فيه الهلال مع
بلدنا في بعض الليل و يريد من الليل من غروب الشمس الی طلوع الشمس.
انا نقلت قبل ايام عن الشيخ الفياض انه ينسب الی السيد
الخوئي انه كان يقول بان الاشتراط في بعض الليل لا بد ان يكون قبل طلوع الفجر يعني
لا بد ان يشاركنا ذلك البلد الذي رؤي فيه الهلال فيما قبل طلوع الفجر، يری
الهلال في بلد قبل ان يطلع الفجر في بلدنا فقلت هذا خلاف صريح كلام السيد الخوئي في
ابحاثه و خلاف مبانيه العامة. و كان في ذهني حسب ما نقل لي بعض الاشخاص ان سماحة الشيخ
جعفر النائيني نسيب السيد الخوئي وافق الشيخ الفياض فيما نسبه الی السيد
الخوئي فخابرني سماحة الشيخ قال لا، انا بالعكس، انا كنت في مجلس استفتاء السيد
الخوئي و كنا نقول بانه يستمر الليل الی طلوع الشمس بلا فرق بين شهر رمضان و
غيره فانا موافق لهذا الذي هو موجود في تقريرات ابحاث السيد الخوئي من انه يكفي
مشاركتنا مع ذلك البلد الذي رؤي فيه الهلال قبل طلوع الشمس و لو دقائق.
السيد الحكيم رحمة الله عليه! سيد سعيد الحكيم، كان يقول لا
بد من مشاركتنا مع ذلك البلد الذي رؤي فيه الهلال في الربع المسكون يعني رؤية الهلال
في امريكا ما تكفي لان امريكا منكشفة بعد عصر الائمة عليهم السلام، هذا ربع المذكون
من الصين الی الاندلس مثلا و من العجيب انه كان يكتفي برؤية الهلال في
استراليا و استراليا ايضا مثل امريكا ما تختلف عن امريكا لم تكن منكشفة ايام الائمة
عليهم السلام. علی اي حال هو يقول لابد من ان يكون ذلك البلد الذي يری
فيه الهلال من الربع المسكون حتی نكتفي برؤية الهلال في ذلك البلد.
الشيخ الوحيد يقول لا بد من مشاركتنا مع ذلك البلد الذي رؤي
فيه الهلال في معظم الليل، في ثلثي الليل مثلا، اقل من هذا لا يكفي.
لا بد ان نتكلم اولا عن اصل المسألة: هل ما ذهب اليه
المشهور و الذي يصر عليه السيد السيستاني و ما يقبل يتنازل عن فتواه بلزوم رؤية الهلال
في بلد المكلف الی الاحتياط الوجوبي، يقول هذا و ليس غيره، هل هذا الرأي الذي
اختاره المشهور و قد يصر عليه السيد السيستاني و السيد الزنجاني و جمع من الاعلام
من انه لا بد من رؤية الهلال في بلد المكلف، هل هذا الرأي الذي اختاره المشهور هو
الصحيح ام لا، الرأي المخالف للمشهور هو الصحيح علی اختلاف مناهجهم؟ نتكلم
حول ذلك ان شاء الله في الليالي القادمة.
و الحمد لله رب العالمين.