الدرس 74-279
الثلاثاء – 12 شعبان المعظم 46
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و صلی اللّه علی سيّدنا محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين.
كان الكلام في حجية البينة علی ثبوت الهلال.
كان المشهور حجية البينة ما لم يطمئن بخطأها و لكن نقلنا عن صاحب الحدائق انه انكر حجية البينة في الجو الصافي، قال هنا لا بد من حصول العلم بثبوت الهلال.
مناقشة السيد الزنجاني علی السيد الخوئي
كما ذكر السيد الزنجاني انه دائما البينة علی الهلال انما تكون حجة اذا لم يمكن تحصيل العلم بالواقع. اشكل علی السيد الخوئي فقال انتم لا تقبلون هذا المبنی من عندي ميخالف، تقولون بحجية البينة و لو امكن تحصيل العلم ميخالف، لكن انتم شرطتم في حجية البينة ان لا يكون هناك دعوی عدم الرؤية من سائر المستهلين، استندتم الی جملة من الروايات انه اذا ادعی واحد انه رأی الهلال و قال الآخرون لم نر الهلال لا يصدق ذلك الشاهد، انتم اعترفتم بذلك، فاذن لا بد من الفحص، تخابر فلان أو هو يخابرك يقول شيخنا انا شفنا الهلال بعيني و هذا صديقي تعرفه عادل هو ايضا رأی الهلال بعينه، تكتفي بذلك؟ ميصير، هذا من الشبهة المصداقية للمخصص المنفصل فانه خصص حجية البينة بما اذا لم يدع المستهلون الآخرون انهم لم يروا الهلال، انتم قبلتم ذلك، فلا بد من الفحص انه هل يوجد من يقول انا ايضا ذهبت لأستهل لرؤية الهلال أو ماكو هكذا.
هذا مضافا الی ان الشك في ان الآخرين يقولون لم نر الهلال اذا كان مسوغا للاكتفاء بشهادة العدلين الذين شهدا برؤية الهلال انما يكون مسوغ لذلك اذا كان شكا بعد التروّي، ألا تقولون ان الشك في الركعات انما يكون ملاكا للبناء علی الاكثر و نحوه في الصلاة اذا كان شكا بعد التروي، فههنا يخابرني رجلان عدلان يقولان رأينا الهلال و انا اشك في ان جماعة آخرين استهلوا الهلال و لم يروا هل غير أحاول ان يبقی هذا الشك و لا يزول، كيف لا يزول؟ بالفحص، اسأل: اك جماعة آخرين استهلوا الهلال ام لا، حاولوا يروا الهلال ام لا، ما اسأل، اكتفي بشهادة العدلين برؤية الهلال و احكم؟ ميصير.
و حاصل كلام السيد الزنجاني امران: الاول انه لا دليل علی حجية البينة علی رؤية الهلال في فرض تيسر العلم بثبوت الهلال كما بيناه سابقا. الامر الثاني انه حتی علی مسلك المشهور و منهم السيد الخوئي من حجية البينة مطلقا لكن حجية البينة كما اعترفوا به مشروطة بعدم وجود عدد كثير مستهلين للهلال و يقولون لم نر الهلال فلا بد من الفحص حتی نطمئن بعدم وجود عدد آخرين من هذا القبيل.
الجواب عن المناقشة
لو كان المطلب كما ذكره السيد الزنجاني كان قابلا للجواب، اما ما ذكره كإشكال علی المشهور و منهم السيد الخوئي من انه لو شك في وجود عدد آخرين من المستهلين لو سألناهم يقولون حاولنا نری الهلال و لم نر الهلال، يمنع ذلك من الاعتماد علی البينة، هذا مو صحيح لان السيد الخوئي ادعی انه يستفاد من الروايات ان المانع من الاعتماد علی شهادة العدلين حصول الوثوق الشخصي بخطأهما من خلال ان جمعا آخرين قالوا بانا لم نر الهلال، قولهم بانا لم نر الهلال سلب منا الوثوق بل أوجب لنا الوثوق بخطأ هذين الرجلين فاذا لم يحصل لنا الوثوق بخطأ هذين الرجلين لاننا لم نسمع ان هناك جمعا آخرين من المستهلين لم يروا الهلال و بعد لم يحصل لنا الوثوق بخطأ هذين الرجلين.
و ثانيا: لماذا لا نعتمد علی استصحاب عدم استهلال جمع آخرين ممن لم يروا الهلال.
لا تقولوا لماذا الفقهاء يقولون بلزوم الفحص عن المعارض في الفقه و في الرجال.
نقول: هناك عملية الاستنباط تقتضي ذلك. العلم الاجمالي بوجود معارض لبعض الاخبار و لبعض التوثيقات موجود مضافا الی ان عملية الاستنباط تقتضي الفحص و الا لو شهد عدلان بان هذا الثوب طهر هل يجب علينا الفحص عن المعارض لشهادتهما؟ لو شهد عدلان بان هذا الامام عادل يجوز الصلاة خلفه هل يجب علينا الفحص عن وجود الشاهدين الآخرين بفسق هذا الامام؟ من يقول بذلك؟ حتی في الشهادة علی الاعلمية، شهد عندنا عدلان من اهل الخبرة أو عدل واحد من اهل الخبرة أو فقل ثقة واحد من اهل الخبرة كما يقول السيد الخوئي و السيد السيستاني فحصّلنا الشهادة علی اعلمية زيد من المراجع هل يجب علينا الفحص؟ نخابر هذا العالم شهد فلان الذي هو من اهل الخبرة باعلمية زيد هل انتم تشهدون بعدم اعلميته؟ يقول لا، نخابر غيره هل انت تشهد بعدم اعملية زيد؟ يقول لا، هل يجب علیّ ذلك؟ من اين؟ اولا: اطلاق دليل الحجية يشمل شهادة هذين الخبرين أو هذا الخبير الثقة باعلمية زيد مادام لم يصل المعارض. و ثانيا: استصحب عدم المعارض.
کلام صاحب الحدائق
فالمشكلة اذا كان مجرد ما ذكره السيد الزنجاني كانت تنحل لكن المشكلة اعظم من ذلك. انا انقل كلام صاحب الحدائق في المقام، صاحب الحدائق ممن ذهب الی انه في الجو الصافي لا تكفي البينة من داخل البلد، طبعا الجو صافي بعد، لا تكفي البينة بل لا بد من حصول الوثوق و العلم بثبوت الهلال و يقول هذا مو رأيي فقط، هذا رأي الشيخ الطوسي في المبسوط و النهاية. يقول الشيخ في المبسوط اذا كان في السماء علة يعني غيم مثلا و شهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته وجب الصوم و ان لم يكن هناك علة لم تقبل الا شهادة القسامة، القسامة يعني خمسون رجل من قرائب المقتول يحلفون بان القاتل هو فلان، لم تقبل الا شهادة القسامة خمسون رجلا من البلد أو خارجه، كما قال الشيخ الطوسي في النهاية ان لم يكن في السماء علة و طلب فلم ير لم يجب الصوم الا ان يشهد خمسون انهم رأوا. و نقل ذلك عن ابن البراج في المهذب كما ان الصدوق قال في المقنع و اعلم انه لا يجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا، عدد القسامة، و يجوز شهادة عدلين اذا كانا من خارج البلد أو كان بالبلد علة و قال ابو الصلاح الحلبي يقوم مقام الرؤية شهادة رجلين عدلين في الغيم و في الصحو اي في الجو الصافي اخبار خمسين رجلا.
يقول صاحب الحدائق هذا النظر هو الذي يكون مقتضی الجمع بين الروايات. ففي صحيحة ابراهيم الخزاز عن ابي عبدالله عليه السلام قلت له كم يجزئ في رؤية الهلال قال ان شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني و ليس رؤية الهلال لان يقوم عدة فيقول واحد رأيته و يقول الآخرون لم نره اذا رآه واحد رآه مأة و اذا رآه مأة رآه الف و لا يجوز في رؤية الهلال اذا لم يكن في السماء علة اقل من شهادة خمسين و اذا كانت في السماء علة قبلت شهادة عدلين يدخلان و يخرجان من مصر. الرواية صريحة : اذا لم يكن في السماء علة اقل من شهادة خمسين. و رواية حبيب الخزاعي لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة و انما تجوز شهادة رجلين اذا كانا من خارج مصر و كان بالمصر علة فاخبرا بانهما رأياه و اخبرا عن قوم صاموا للرؤية.
يقول صاحب الحدائق: المحقق الحلي في المعتبر قال: اشتراط خمسين نفر لا يوجد في حكم من احكام الشريعة الا في القسامة في اثبات القتل و شهادة خمسين رجل تفيد العلم؟ لا و انما تفيد الظن و الظن موجود في شهادة العدلين و بالجملة فانه مخالف لما عليه عمل المسلمين كافة فكان ساقطا. العلامة الحلي ايضا اجاب عن الروايتين بعدم صحة سندهما مع ان صحيحة ابراهيم الخزاز لا اشكال في سندها.
يقول صاحب الحدائق: لا يخفی ما في هذه الاجوبة من المجازفة الناشئ عن ضيق الخناق يريدون يؤيدون المشهور و يأوّلون صحيحة ابراهيم الخزاز أو رواية حبيب الخزاعي بتأويلات بعيدة. ثم اقول الذي يظهر لي في الجمع بين هذه الاخبار هو ان من استدل به علی القول المشهور من الاكتفاء في ثبوت الهلال بالعدلين مطلقا غير خال من الاجمال و ليس بنص و لا ظاهر فيما ذكروا فان غاية ما تدل عليه هذا الاخبار ثبوت الهلال بشهادة العدلين في الجملة لا مطلقا فان المستفاد من الاخبار الكثيرة هو انه متي كانت السماء صاحيا خالية من العلة جو صافي و توجه الناس الی النظر الی الهلال و كان ثمة هلال فانه لا يختص بنظري واحد من عشرة و لا عشرة من مأة بل اذا رآه واحد رآه الف لان المفروض سلامة الرائي و عيونهم متعارفة و سلامة المرئي لان الافق صافي فظاهر هذه الاخبار انه لا بد ان تبلغ الرؤية الی حد الشياع الموجب للعلم فلا يكتفی فيها بالظن المنهي عنه في تلك الاخبار و شهادة العدلين غاية ما تفيده هو الظن و الظن هنا مما منعت منه الاخبار للتمكن من تحصيل العلم و اليقين فحينئذ لا بد من تحصيل العلم و قد دل خبر الخزاز و الحبيب ان اقل ما يحصل به العلم الخمسون فذكر الخمسين هنا انما خرج مخرج التمثيل و المبالغة فيمن يحصل بخبرهم العلم و سياق صحيحة الخزاز ظاهر فيما ذكرناه حيث انه لما سأله السائل كم يجزئ في رؤية الهلال اجابه بان شهر رمضان فريضة لا تؤدی الا باليقين لا بالظن و ليست الرؤية ان يقوم عدة فيقول واحد رأيته و يقول آخرون لم نره بل اذا رآه واحد رآه الف فلا يجوز في الرؤية المترتب عليها العلم اقل من خمسين. هذا مضمون خبر الخزاز و هو صحيح صريح عار من النقص و القصور. و اما اذا كان في السماء علة مانعا من الرؤية فانه يتعذر العلم و اليقين في هذا الحال فيكتفی بالشاهدين.
انصافا هذا الاشكال قوي.
الاشکال المختار علی السيد الخوئي
ما يدعيه السيد الخوئي من ان صحيحة ابراهيم الخزاز لا يظهر منها اكثر من انه لا يعتنی بعدد كثيرة الشهود بثبوت الهلال الا اذا كان بينهم شاهدان عدلان. أليس هذا خلاف مفاد صحيحة الخزاز، صحيحة الخزاز فصّل بينما اذا كان في السماء علة و بينما ما اذا لم يكن في السماء علة، اذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين و اذا لم يكن في السماء علة لا يجوز اقل من شهادة خمسين، يقول السيد الخوئي عدد الخمسين لا خصوصية له، افرض لا خصوصية له و لكنه مبالغة في سبب حصول اليقين و الغاء حجية شهادة عدلين.
و اما ما ذكره السيد الخوئي من انه لو فرض معارضة صحيحة ابراهيم الخزاز مع الروايات الدالة علی حجية البينة مطلقا في امر الهلال فيكون المرجع عمومات حجية البينة. اولا: ماكو تعارض، يوجد جمع عرفي بين هذه الروايات، لا اجيز في الهلال الا شهادة عدلين، قابل للحمل علی انه الامام يقول لا اجيز في الهلال شهادة غير العدلين شهادة النساء شهادة عدل واحد شهادة الفساق، لا اجيز شهادتهم، كثير من الناس فسقة يوالون غير ولي الله، أتباع الجبت و الطاغوت، انما اجيز في الهلال شهادة عدلين لكن متي اجيز شهادتهما؟ انا ما انكر، الاطلاق موجود، لو كنا نحن و قوله عليه السلام لا اجيز في الهلال الا شهادة عدلين انا لا استشكل مثل السيد الزنجاني في ان المستثنی لا اطلاق له، لا، له اطلاق، لا تكرم الا العالم ظاهره انه يجوز اكرام العالم مطلقا، لا اجيز في الهلال الا شهادة عدلين اطلاقه يقتضي ان تكون شهادة العدلين معتبرة مطلقا لكن انا اقول هذا الاطلاق قابل للتقييد، مثل صحيحة ابراهيم الخزاز.
و لو فرض تعارض هذه الصحيحة مع تلك الروايات فاذا فرض عدم امكان جمع عرفي بينها هنا لا بد ان ندخل في بحث و هو انه هل تلك الروايات الدالة علی حجية البينة من السنة القطعية فيكون خبر ابراهيم الخزاز خبرا شاذا نادرا ام لا و هكذا بعد تعارض هذه الروايات و فرض عدم كون هذا الخبر شاذا نادرا و تلك الاخبار الدالة علی حجية البينة من السنة القطعية فهل هناك اطلاق في حجية البينة نرجع اليه؟ انا خطر ببالي عدم وجود اطلاق لقضية الهلال فان غاية ما نلغي الخصوصية عن حجية البينة في الحدود و نحوها حجية البينة فيما يخفی عادة علی كثير من الناس، رجلان رأيا ان زيدا قتل عمرا، رجلان سمعا من زيد انه تكلم بكلام أوجب ارتداده أو شرب الخمر و نحو ذلك، اما الهلال في الجو الصافي لعل الشارع يقول انا ما اكتفي بالبينة، جو صافي و الهلال موجود في الافق ليش اعتمد علی البينة و بقية الناس يقدرون علی رؤية الهلال؟ الغاء الخصوصية الی حجية البينة في امر الهلال صعب و لاجل ذلك انا خطر ببالي ان كلام صاحب الحدائق وفق الموازين لكن يحتاج البحث الی تأمل اكثر، نتكلم عن ذلك في ليلة الاحد ان شاء الله.
و الحمد لله رب العالمين.