الدرس 53-258
الأحد – 27 جمادي الثانية 46
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و صلی اللّه علی سيّدنا محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين.
الشيخ و الشيخة
كان الكلام في الشيخ و الشيخة حيث قال صاحب العروة الشيخ و الشيخة اذا تعذر عليهما الصوم أو كان حرجا و مشقة فيجوز لهما الافطار.
استدلوا علی جواز الافطار لهما بقوله تعالی و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين. و تكلمنا عن مفاد هذه الآية و لكن المهم ان اهل البيت عليهم السلام ارشدونا الی ما قد لم نكن نرشد اليه:
ففي صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام في قول الله عز و جل و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال عليه السلام الشيخ الكبير و الذي يأخذه العطاش. و نحوها مرسلة ابن بكير عن بعض اصحابنا عن ابي عبدالله عليه السلام في قول الله عز و جل و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال الذين كانوا يطيقون الصوم فاصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مد. هذه الرواية الثانية تؤيد ذاك المعنی الذي نقلناه عن السدّي و علی الذين يطيقونه اي كانوا يطيقونه ثم عرضهم و طرء عليهم طارئ فصاروا ممن لا يطيقون. و في تفسير العياشي عن سماعة عن ابي بصير قال سألته عن قول الله عز و جل و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع و المريض. و في صحيحة محمد بن مسلم الثانية قال سمعت اباجعفر عليه السلام يقول الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما ان يفطرا في شهر رمضان و يتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام و لا قضاء عليهما فان لم يقدرا فلا شيء عليهما يعني فان لم يقدرا علی الاطعام فلا يجب عليهما الاطعام. أو يراد من هذا الذيل انهم ان لم يقدرا علی الصوم فلا كفارة عليهما فالكفارة تختص بمن كان يقدر علی الصوم مع مشقة شديدة اما الذي لا يقدر علی الصوم فهو لا يجب عليه لا الصوم و لا الكفارة.
رفع وجوب الصوم عن الشيخ و الشيخة في شهر رمضان علی وجه العزيمة
يقع الكلام في ان رفع وجوب الصوم عن الشيخ و الشيخة علی وجه العزيمة أو الرخصة؟
ظاهر العروة انه علی وجه الرخصة لانه قال هكذا: فيجوز لهما الافطار الا ان يوجه كلامه بانه في مقام توهم الحظر لكن جماعة من الاعلام التزموا بان الشيخ الكبير الذي يقدر علی الصوم و هكذا الشيخة الكبيرة صومه صحيح، لا يضر الصوم، شيخ كبير، عمره تسعون سنة، يتحمل المشقة الشديدة و يصوم، اذا ما يقع في حرج يجب عليه الصوم لان القدر المتيقن من الشيخ الكبير الذي لا يجب عليه الصوم من وقع في حرج، هو يقع في حرج و مشقة شديدة و لكنه يحتمل الحرج و يصوم. بعض الاعلام كصاحب الحدائق قالوا بان صومه صحيح و لا يجب عليه الكفارة.
السيد الخوئي قال هذا مو صحيح و ينقل عن صاحب الجواهر ان عدم صحة صوم الشيخ الكبير اذا يقع في حرج لو صام مما افتی به المشهور. و السيد الخوئي يقول هذا الرأي هو الصحيح. الله يرحم استاذنا الشيخ التبريزي قال من رحت للنجف شفت السيد الخوئي ما يصوم يقول انا شيخ كبير، اصلا ما يصح الصوم من عندي لو اصوم، صومي يصير باطل فما كان يصوم. يقول السيد الخوئي صوم الشيخ الكبير باطل حتی لو يصوم يجب عليه الكفارة. لو يصوم بقصد الامر فيكون تشريع محرم.
ما هو منشأ هذا الخلاف بين صاحب الجواهر الذي وافقه السيد الخوئي و صاحب الحدائق؟ صاحب الحدائق يقول ذيل الآية قال و ان تصوموا خير لكم، و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين و ان تصوموا خير لكم، و في مجمع البيان قوله و ان تصوموا خير لكم يعني خير من الافطار و الفدية. السيد الخوئي يقول هذا مو صحيح، الحكم الذي ذكر في حق الشيخ الكبير كان بلسان الغائب و ما بعده بلسان الحاضر و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، هذا حكم الذين لا يطيقون الصوم كالشيخ الكبير، عوفوهم، و ان تصوموا انتم ايها المخاطبون بوجوب الصوم الذي قلنا في حقكم يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام و ان تصوموا خير لكم لا و ان يصوموا خير لهم.
انصافا كلام السيد الخوئي في محله. يمكننا ان نستدل بظهور و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين في وجوب الفدية و الكفارة تعيينا، اذا قيل لشخص عليك فدية لكل يوم شهر رمضان اطلاق هذا يقتضي انه سواء صام أو لم يصم عليه الفدية و هذا يكشف عن بطلان صومه. انا ما اقول هذا الشيخ الكبير لو يتحمل الحرج و يأخذ صوم الاستئجاري ، يريد يقضّي حياته بالصوم الاستئجاري ان صومه الاستئجاري باطل، لا، ما اقول هذا، مقتضی الاطلاقات ان صومه الاستحبابي صحيح اما صومه في شهر رمضان مو صحيح كما يقول السيد الخوئي.
لو تمكن الشيخ الكبير من قضاء الصوم
ثم ان صاحب العروة بعد ذلك قال: لو تمكن الشيخ الكبير من قضاء الصوم بعد ذلك فيجب عليه القضاء. بس في شهر رمضان لان شهر رمضان وقع في ايام الصيف، هذا الشيخ الكبير يقول انا اذا اصوم اقع في حرج و مشقة شديدة و لكن ايام الشتاء اقدر اصوم بلا ايّ حرج صاحب العروة يقول يجب عليه القضاء.
هذا ايضا محل خلاف. اختلف الاعلام اختلافا كبيرا في ان من تمكن بعد شهر رمضان من قضاء الصوم و كان في شهر رمضان ممن لا يطيق الصوم لكبره هل يجب عليه القضاء كما اختاره الكثير من الفقهاء من زمان المحقق الحلي الی الان أو انه لا يجب عليه القضاء كما اختاره الكثير من الفقهاء قبل المحقق الحلي و وافقهم في ذلك السيد الحكيم و السيد الخوئي فقالا بانه لا يجب عليه القضاء.
الادلة الثلاثة للسيد الخوئي لنفي القضاء
السيد الخوئي تمسك لنفي وجوب القضاء علی هذا الشيخ الكبير الذي في شهر رمضان يقول ما صمت لاني لو كنت اصوم اقع في حرج، يقول السيد الخوئي استدل بعدة ادلة علی انه لا يجب عليه القضاء:
الدليل الاول انه لا دليل علی وجوب القضاء لان موضوع وجوب القضاء فوت الفريضة و هذا غير محرز في حق هذا الشيخ الكبير الذي لم يصم لاننا لا نعلم بانه فات منه ملاك ملزم فتجري البراءة عن وجوب القضاء. فان القضاء يجب إما اذا ترك المكلف الصوم الواجب في شهر رمضان و المفروض انه لم يكن واجبا عليه أو فوّت ملاكه أو فقل فات منه ملاك الواجب كما لو أكره شخص علی الافطار، الاكراه لا يرفع ملاك الملزم و لكن المكره معذور، ايضا يجب عليه القضاء، اما الشيخ الكبير الذي رخص في ترك الصوم لانه كان يقع في حرج فلم يفت منه الواجب و لا دليل علی انه فات منه الملاك للواجب فتجري البراءة عن وجوب القضاء.
الدليل الثاني نفس الآية الكريمة. هذه الآية الكريمة قسّمت الناس الی ثلاثة اقسام: الصحيح الحاضر في بلده يجب عليه الاداء، المريض و المسافر يجب عليهما القضاء، من لا يطيق كالشيخ الكبير يجب عليه الفدية، التقسيم قاطع للشركة. اذا قسمنا الجماعة القاعدين في مكان و هم بين علماء و متعلمين و جهال، اما العلماء فيعلمون غيرهم و اما المتعلمون فيتعلمون الفقه من العلماء و اما الجهال فيسألون عن مسائل شرعية، بيّنتُ وظيفة كل صنف من هذه الاصناف الثلاثة. هنا ايضا الله سبحانه و تعالی يقول الناس إما من صنف السالمين الحاضرين في بلدهم فيجب عليهم اداء الصوم في شهر رمضان و إما مسافرون أو مرضی في شهر رمضان فيجب عليهم القضاء و إما لا يطيقون الصوم فيجب عليهم الفدية يعني لا اداء يجب عليهم و لا قضاء.
الدليل الثالث، يقول السيد الخوئي: اصلا صحيحة محمد بن مسلم صريحة في عدم وجوب القضاء فيمن لا يطيق الصوم قال و لا قضاء عليهما، لاحظوا! اقرأ الرواية لكم، صحيحة محمد بن مسلم قال سمعت اباجعفر عليه السلام يقول الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما ان يفطرا في شهر رمضان و يتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام و لا قضاء عليهما. نفت هذه الصحيحة وجوب القضاء في حق الشيخ الكبير و من به داء العطاش و سيأتي حكمه.
فهذه الادلة الثلاثة تنفي وجوب القضاء عمن كان في شهر رمضان شيخا كبيرا لو صام يقع في حرج و ان كان بعد ذلك قد يتقوی أو انه في الشتاء النهار قصير و الجو بارد ما يقع في ايّ مشكلة أو انه الشتاء فالواحد في السوئد، النهار هناك بين ساعتين الی ثلاث ساعة اصلا هذا الشيخ الكبير يقول في حالة الاعتيادية انا ما اجوع، عادي ساعتين ثلاث ساعات حتی الاطفال الصغار يقدرون يصومون. السيد الخوئي يقول: لا، ابد مو واجب عليك، بهذه الادلة الثلاثة اثبت في حقك انه لا يجب عليك القضاء.
المناقشة
قد يناقش في ادلة السيد الخوئي:
اما الدليل الاول يقال بان العبادة من صوم أو صلاة العرف يشخّص ان لها ملاك يفوت من العاجز. مثلا الحائض ما تصلي ألا يصح ان تقول هذه المرأة فاتت مني مصلحة الصلاة؟ الصلاة بها مصلحة، اقم الصلاة لذكري. و لاجل ذلك في نهج البلاغة ورد مما يحتاج الی تأويل قال النساء نواقص الايمان لقعودهن عن الصلاة في ايام الحيض. حرمان من مصلحة الصلاة خب. و هكذا الحرمان من مصلحة الصوم، الصوم به مصلحة لانه عبادة، اك احد ما يحتاج الی عبادة الله؟ فاشلون نقول بانه لم يفت من هذا الشخص مصلحة الصوم؟ ففات منه الملاك. اذا كان دعوی السيد الخوئي صحيحة من ان السبب لوجوب القضاء احد امرين: إما فوت الواجب الفعلي أو فوت ملاكه، نقول فوت ملاكه محرز بالنظر العرفي و سيأتي منا انه لا دليل علی وجوب القضاء عند فوت الملاك مطلقا، هذا اشكال علی السيد الخوئي لكن دعوی السيد الخوئي ان فوت الملاك سبب لوجوب القضاء و لكن لا دليل علی فوت الملاك من الشيخ الكبير هذا مو صحيح، العرف يقول فات منه الملاك لان ملاك الصوم هو التقرب الی الله، كتب عليكم الصيام كما كتب علی الذين من قبلكم لعلكم تتقون.
اما دليله الثاني يقال يا سيدنا! و علی الذين يطيقونه هل المقصود منه يطيقون صوم رمضان أو يطيقون الصوم سواء اداءه أو قضاءه؟ الضمير يرجع الی ماذا؟ كتب عليكم الصيام كما كتب علی الذين من قبلكم لعلكم تتقون ايام معدودات فمن كان منكم مريضا أو علی سفر فعدة من ايام أخر يعني الصحيح يؤدي الصوم و المريض و المسافر يقضي في ايام أخر و علی الذين يطيقون هذا الصوم يعني يطيقون صوم الاداء أو لا، يطيقون صوم الاداء، يطيقون اي لا يطيقون اي يشق عليهم، يشق عليهم صوم الاداء و القضاء معا. السيد الخوئي يقول الضمير راجع الی صوم الاداء في شهر رمضان، من اين؟ بعد ان ذكر القضاء قبل ذلك ايضا.
و اما بالنسبة الی صحيحة محمد بن مسلم فقد يقال بان هذه الصحيحة ناظرة الی مفاد الآية الكريمة فلعل هذه الصحيحة تشير الی ان من كان في اداء الصوم مشقة عليه لكبر سنه و في قضاء الصوم في نفس تلك السنة حرج عليه يعني كان الصوم حرجيا في حقه الی ان مضت تلك السنة هنا لا يجب عليه القضاء كما ذكر ذلك بعضهم مثل المريض الذي يستمر به المرض الی آخر السنة فالواحد كان مريضا في شهر رمضان، ما صام و استمر مرضه الی السنة القادمة لا يجب عليه القضاء، عليه الفدية، فلعل المقصود من هذه الصحيحة صحيحة محمد بن مسلم الاشارة الي مفاد الآية و مفاد الآية ان من لا يطيق الصوم لا اداءا و لا قضاءا في تلك السنة يعني الشيخ الكبير الذي يشق عليه الصوم اداءا و قضاءا في تلك السنة بعد ذلك لا يجب عليه القضاء.
تاملوا في هذه الاشكالات علی السيد الخوئي هل يمكن الاجابة عنها و الدفاع عن هذا المرجع العظيم ام لا. سنتكلم عن ذلك في الليلة القادمة ان شاء الله.
و الحمد لله رب العالمين.