الدرس 52-257
السبت – 26 جمادي الثانية 46
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و صلی اللّه علی سيّدنا محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين.
تتمة المطلب الثانی: تفسير الآية الکريمة: و علی الذين يطيقونه
كان الكلام في تفسير قوله تعالی و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فانه لو كان التعبير و علی الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين لكان المعنی واضح، الشيخ و الشيخة لا يطيقان الصوم يعني الصوم فيه مشقة عليهما مثل ما ورد في حديث الرفع رفع ما لا يطيقون و لكن الآية الكريمة تقول و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين.
فاختلف الاقوال في تفسير هذه الآية الكريمة. طبعا نقل عن ابن عباس انه هكذا كان يقرأ: و علی الذين يطوِّقونه أو يطوَّقونه فدية طعام مسكين، هكذا ورد في تفسير الكشاف و تفسير التبيان. يطوِّقونه يعني يكلفون ارواحهم مثل التعبير بانه يتجشّم، التجشّم يعني يتكلف، و علی الذين يطوقونه اي يتكلفون يعني يصومون و لكن بمشقة شديدة. ان قرأنا و علی الذين يطوَّقونه اي يقلَّدون الصوم، يحمّل عليهم الصوم، نصبا عليهم يقال لهم صوموا يعني مع انه شاق عليهم. لكن القراءة المعروفة و التي لا بد ان نعمل بها لوجوب تحفظ المسلمين للمتن المكتوب للقرآن الكريم هو ان يقرأ هكذا و علی الذين يطيقونه.
الاقوال و النقاش فيها
في تفسير قوله تعالی و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين عدة اقوال:
القول الاول
القول الاول ما عليه كثير من المفسرين من السنة و ذكره في مجمع البيان و لعله مختاره ان الواجب علی الناس كان صوم يوم عاشوراء و صوم ثلاثة ايام من الشهر ثم نسخ فوجب عليهم صوم شهر رمضان ثم نسخ بقوله تعالی و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين يعني من يتمكن من الصوم ميخالف ما يريد يصوم يتصدق بمد من الطعام بدل الصوم فصاروا مخيرين بين صوم شهر رمضان و الفدية. الذي لا يتمكن كالمريض ذاك وحد أو المسافر الذي يتمكن من صوم شهر رمضان الذين يطيقونه يعني يتمكنون منه اذا ما احبوا يصوموا عليهم فدية طعام مسكين. نسبه الفخر الرازي في كتاب مفاتيح الغيب الی اكثر المفسرين. ثم نسخ ذلك بقوله تعالی فمن شهد منكم الشهر فليصمه. و هكذا في الكشاف، علی المطيقين للصيام الذين لا عذر لهم ان افطروا فدية طعام مسكين.
انصافا اذا اريد من قوله تعالی و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ان يبين ان الناس مخيرون بين الصوم و الفدية هل كان هذا التعبير عرفيا: و علی الذين يتمكنون من صوم رمضان فدية طعام مسكين، غير ان يقول و علی الذين يطيقونه و لا يصومون فدية طعام مسكين. بقول مطلق يقول و علی الذين يتمكنون من صوم رمضان فدية طعام مسكين يعني صاموا أو لم يصوموا؟ هذا التعبير ليس عرفيا. مضافا الی انه لم يثبت في التاريخ وقوع النسخ. و نعم ما قال السيد الطباطبائي في تفسير الميزان بعد ما نقل هذا القول و العمري انه ليس الا لعبا بالقرآن و جعلا لآياته عضين و انت اذا تاملت الآيات الثلاث وجدتها كلاما موضوعا علی غرض واحد ذا سياق واحد ثم اذا نزلت هذا الكلام علی ما يروه هذا القائل بالنسخ وجدته مختل السياق متطارد الجمل يدفع بعضها بعضا و ينقض آخره اوله فتارة يقول كتب عليكم الصيام و اخری يقول يجوز علی القادرين منكم الافطار و الفدية و أخری يقول يجب عليكم جميعا الصيام اذا شهدتم الشهر. ثم قال و هذا من افحش الفساد. و اذا اضفت الی هذا النسخ بعد النسخ ما ذكروه من نسخ قوله شهر رمضان ايام معدودات لقوله كتب عليكم الصيام و تاملت معنی الآيات شاهدت عجبا، صدق يعني الالتزام بهذا النسخ المتكرر مما لا شاهد عليه تاريخيا و مستنكر و ان قال به اكثر المفسرين من السنة.
القول الثاني
القول الثاني: ما اختاره جماعة من ان المراد من قوله و علی الذين يطيقونه يعني علی الذين يصعب عليهم الصوم و يذهب الصوم بطاقتهم يعني يشق عليهم يعني كل طاقته يكون يصرفها علی هذا الصوم و هذا ما ذكره السيد الخوئي و هكذا اختاره السيد الطباطبائي في الميزان قال الاطاقة كما ذكره بعضهم صرف تمام الطاقة في الفعل و لازمه وقوع الفعل بجهد. و الفخر الرازي ايضا اشار الی هذا المعنی بعنوان احد الاقوال، قيل انه نزلت هذه الآية في حق الشيخ الهرم ثم قال الوسع اسم لمن كان قادرا علی الشيء علی وجه السهولة اما الطاقة فهو اسم لمن كان قادرا علی الشيء مع الشدة و المشقة فقوله و علی الذين يطيقونه اي علی الذين يقدرون علی الصوم مع الشدة و المشقة. و هكذا ذكر الزمخشري في الكشاف هذا المعنی بعنوان احد الاقوال.
السيد الخوئي نسب هذا المعنی الی لسان العرب و قال فرق بين طاق الشيء و اطاقه، طاق الشيء اي تمكن منه و اطاق الشيء اي شق عليه لكن نحن لم نفهم من لسان العرب هذا المعنی مع انه يفصّل بين الطاقة و الاطاقة. و ذكر الشيخ الطوسي في تفسير البيان قوله تعالی و علی الذين يطيقونه يقال طاق يطوق طاقة و هي القوة و اطاقه اطاقة ايضا اذا قوي عليه.
فهذا القول الثاني و ان كان اذا اخترنا من دون شاهد لغوي لكان امرا محتملا و يتناسب مع الآية لكن لم نجد مشابها لهذا التعبير في اللغة العربية. انت اذا تريد تقول يشق علیّ ذلك ابد ما تقول انا اطيق ذلك.
القول الثالث
القول الثالث ما نقل عن السدّي ما ادري احد من المفسرين، قال معنی الآية و علی الذين كانوا يطيقونه، هسه ما يطيقون، صاروا كبرانين، ايام شبابهم كانوا يطيقون، هسه لا، و علی الذين يطيقونه يعني علی الذين كانون يطيقونه و هسه ما يطيقون فدية طعام مسكين. و روي عن ابي عبدالله عليه السلام ان معناه و علی الذين يطيقون الصوم ثم اصابهم كبر أو عطاش فعليهم كل يوم مد، هذا الرواية مروي بسند مرسل عن الامام الصادق عليه السلام.
لكن هذا توجيه بعد، يعني تصرف في ظهور الآية، و علی الذين كانوا يطيقونه، هسه ما يطيقون.
القول الرابع
القول الرابع ما رواه علی بن ابراهيم القمي في تفسيره قال و علی الذين يطيقونه فدية من مرض في شهر رمضان فافطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتی جاء شهر رمضان الآخر فعليه ان يقضي و يتصدق لكل يوم مدا من الطعام يعني علی الذين يطيقونه يعني افطروا من مرض أو سفر و اطاقوا ان يصوموا في السنة الاولی و لكن لم يصوموا فعليهم فدية طعام مسكين.
هذا ايضا ليس موافقا لظاهر الآية.
القول الخامس
القول الخامس ما ذكره الرازي في كتاب مفاتيح الغيب تفسير الرازي الجزء 5 صفحة 249 فقال قال بعضهم ان هذا راجع الی المسافر و المريض، المسافر و المريض قد يكون ممن لا يطيق الصوم، اصلا ما يقدر يصوم، لا انه يقدر مع مشقة، اذا ابد ما يقدر يصوم فليس عليه الا القضاء، و اما اذا يقدر يصوم مع مشقة فيجب عليه الفدية و القضاء و من كان مريضا أو علی سفر فعدة من ايام أخر و علی الذين يطيقونه من هؤلاء المرضی و المسافرين مضافا الی القضاء فدية طعام مسكين.
هذا خلاف ما وردنا من الروايات من ان المراد من الذين يطيقونه الشيخ و الشيخة و ذو العطاش.
القول السادس
القول السادس ما يقال من ان الحرف النفي محذوف، تقرأون هذه الآية الكريمة في سورة يوسف تالله تفتأ تذكر يوسف حتی تكون حرضا أو تكون من الهالكين تالله تفتأ يعني لا تفتأ يعني لا تزال، تفتأ يعني تزال، تالله تفتأ اي لا تفتأ اي لا تزال تذكر يوسف حتی تكون حرضا أو تكون من الهالكين. فيقال بان المراد من الآية و علی الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين لكن حرف النفي حذف كما انه قد يعطی بحرف النفي زائدة، لا اقسم بهذا البلد و انت حل بهذا البلد، لا اقسم بيوم القيامة و لا اقسم بالنفس اللوامة اي اقسم.
بالنسبة الی لا اقسم عرفي يعني معناه انه ما يحتاج ان احلف، هذا التعبير عرفي يقول انا ما احلف بالحسين اني ما سويت هكذا ما احلف بالعباس اني ما سويت هكذا، اما حذف حرف النفي خلاف الظاهر يعني اذا انجبرنا نقول به ميخالف لكن لا يتعين ذلك.
القول السابع
القول السابع ان نقول و علی الذين يطيقونه بقرينة السياق ناظر الی من لم يصمه لعذر بقرينة قوله فدية طعام مسكين، و ان تصوموا خير لكم، فهنا ثلاث طواف، الطائفة الاولی الذين ليس لهم عذر ليسوا مرضی و لا مسافرين و لا كبرانين، يصومون، الطائفة الثانية المرضی و المسافرون عليهم القضاء، الطائفة الثالثة الذين لا يصومون لعذر و لكنهم يطيقون ان يصومون، يقدرون يصومون و لكن لا يصومون لعذر، الذي ما يصوم و ليس بمريض و ليس بمسافر يتمكن من الصوم و ما يصوم لعذر، عليه فدية طعام مسكين، من هو الذي لا يصوم لعذر مع انه يقدر علی الصوم؟ هو الذي صار شيخا أو شيخة أو كان ذا عطاش أو كان طفلا استوی صار بالغ لكنه يشق عليه الصوم يفطر لعذر مع انه يقدر ان يصوم و لاجل ذلك الشيخ الذي لا يقدر ان يصوم ليس عليه كفارة. هذا مذكور في فتاوی السيد الخوئي و السيد السيستاني، الشيخ الذي يشق عليه الصوم اذا ما صام يجب عليه الكفارة و اما الشيخ الذي ابد ما يقدر يصوم، عرفا يقولون انت ما تقدر تصوم، لا يجب عليه لا الصوم و لا الكفارة.
المختار
هذه احتمالات لا يسعني ان ارجّح القول الثاني الذي ذكره السيد الخوئي و اختاره السيد الطباطبائي و ورد في بعض الكلمات نقلنا عن الفخر الرازي و عن الزمخشري. و هو ان نقول علی الذين يطيقونه اي يذهب الصوم بطاقتهم اي اذا صاموا يصومون بجهد و مشقة. هذا تفسير يتلائم مع الذوق و لكن لم نجد له شاهدا في سائر الاستعمالات و لكن علی اي حال بعد ما عرفنا ان المقصود من هذه الآية ما ينطبق علی الشيخ و الشيخة و ذو العطاش نفهم إما ان نختار هذا المعنی بعد بطلان القول بالنسخ، هم تاريخيا هم بلحاظ السياق، و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين هذا كيف يتلائم مع التخيير؟ ما قال و علی الذين يطيقونه لا بأس ان يصوموا و لكن عليهم فدية، ما قال هكذا، هذا ليس لسان التخيير. فالقول الاول باطل و هو الالتزام بالنسخ. و القول الثاني و هو قول السيد الخوئي لم نجد له شاهدا من الاستعمالات لكن إما ان نقول بان السياق يكون قرينة علی هذا المعنی أو نقول بحذف حرف النفي أو نقول بما قال به السيد الزنجاني من انه يستفاد من السياق علی الذين يطيقونه المقصود منه من افطروا لعذر، طبعا في قبال المرضی و المسافرين من افطر لعذر و هو يطيق ان يصوم ينحصروا فيمن صار شيخا أو شيخة أو ذا عطاش فلم يصم لمشقة الصوم عليه من دون ان يضر به أو يكون مسافرا. و علی اي حال المهم وضوح المقصود من هذه الآية حسب ما وردنا من اهل البيت عليهم السلام و انما يعرف القرآن من خوطب به. نشكر الله علی ما هدانا لولاية اهل البيت عليهم السلام و الا نصرنا عميان و من كان في هذه اعمي فهو في الآخرة اعمی و اضل سبيلا. ان لم نفهم معنی الآية مو مهم و انما يعرف القرآن من خوطب به فنتبرك بروايات اهل البيت عليهم السلام بالنسبة الي تفسير هذه الآية و نتكلم عن ذلك في ليالي القادمة ان شاء الله.
و الحمد لله رب العالمين.