دانلود فایل صوتی جلسه 54 - تاریخ 14021025= 450703
دانلود فایل متنی جلسه 54 - تاریخ 14021025= 450703

فهرست مطالب

فهرست مطالب

الدرس: 54

الأستاذ: الشيخ محمد تقی الشهيدي

المبحث: مباحث القطع

التاريخ: الاثنين، 3 رجب المرجب 1445 ه.ق

 

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين و صلی الله على سيدّنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين

 

فی حجية الامارات

 

كان الکلام في وجوب الجمع بين الحكم الظاهری و الواقعی و دفع شبهة ابن قبة فی کون اجتماعهما من قبیل اجتماع الضدین.

نقلنا الوجه الاول و هو الوجه الذی اختاره الشیخ الانصاری قده من أنه مع وجود حکم ظاهری مخالف، لا یصل الحکم الواقعی الی مرتبة الفعلیة. و مقصوده من مرتبة الفعلیة انقداح الارادة اللزومیة نحو الفعل فی الواجب و انقداح الکراهة اللزومیة عن الفعل فی المحرم. و بهذا ینتفی التضاد، فإن انشاء الوجوب انشاء لأمر اعتباری، و التضاد إنما یکون فی الامور التکوینیة. و روح الوجوب التی هی من الامور النفسانیة التکوینیة لا تتم قبل وصول الوجوب. فأین التضاد؟

و أما بالنسبة الی شبهة نقض الغرض، حیث قال المستشکلون من أن جعل حکم ظاهری مخالف للواقع نقض للغرض.

فالجواب عن هذه الشبهة واضح. فإنا نستکشف من خلال جعل الحکم الظاهری المخالف للحکم الواقعی ضیق غرض المولی من جعل الحکم الواقعی، و لم یتعلق غرضه بالباعثیة اللزومیة أو الزاجریة اللزومیة للحکم الواقعی الا بعد وصوله.

و اما شبهة قبح تفویت المصلحة أو الالقاء فی المفسدة.

فالشیخ الانصاری أجاب عنها بأنه مع انفتاح باب العلم کما فی عصر الائمة علیهم السلام نلتزم بقبح تفویت المصلحة أو الالقاء فی المفسدة. ولأجل ذلک نقول بأن علی الشارع أن یجعل مصلحة سلوکیة فی سلوک الامارة المخالفة للواقع کی ینجبر بها تلک المصلحة الواقعیة الفائتة.

و اما فی حال انسداد باب العلم الوجدانی کما فی عصرنا، ففوت المصلحة عن المکلفین امر قهری، جعل الشارع حکما ظاهریا أو لم یجعل. و إنما الشارع بجعله للحکم الظاهری ینظم فوت المصالح، لا یکون المسائل عشوائی. حسب قیام خبر الثقة أو حسی قیام امارة اخری قد تفوت المصلحة الواقعیة، و هذا لا قبح فیه أبدا.

و اما اجتماع المصلحة و المفسدة فی الفعل.

فاتضح جوابه، الحکم الواقعی ینشأ عن مصلحة فی الفعل فی مورد الوجوب و ینشأ عن مفسدة فی الفعل فی مورد الحرمة. و لکن الحکم الظاهری لا ینشأ عن مصلحة فی ذات الفعل أو عن مفسدة فی ذات الفعل. و إنما تکون المصلحة المقتضیة للوجوب الظاهری فی فرض انفتاح باب العلم تکون هذه المصلحة فی سلوک الامارة و فی فرض الانسداد تکون المصحلة فی نفس جعل الحکم الظاهری. فمرکز المصلحة فی فرض انسداد باب العلم الوجدانی هو جعل الحکم الظاهری و مرکز المصلحة للحکم الواقعی هو ذات الفعل، و لا مانع من اجتماعهما ابدا، لا یؤدی الی اجتماع المصلحة و المفسدة فی ذات الفعل. الوجوب الواقعی ینشأ عن مصلحة فی الفعل، و الحرمة الظاهریة إذا قامت الامارة علی حرمة ما هو واجب واقعا هذه الحرمة الظاهریة تنشأ عن مصلحة فی نفس جعل الحرمة الظاهریة، و لا تنشأ عن مفسدة فی ذات الفعل کی یقال بأن اجتماع المصلحة المفسدة فی ذات الفعل مستحیل.

هذا محصل ما ذکره الشیخ الاعظم فی تقریب الجمع بین الحکم الظاهری و الواقعی.

صاحب الکفایة اورد علیه ایرادین:

الایراد الاول: قال: یا شیخنا الاعظم! إذا لم یکن الحکم الواقعی فعلیا قبل قیام الحجة علیه کما فرضتم، فإذن حینما تقوم الامارة علی حرمة شرب التتن فهذه الحرمة لیست فعلیة. حرمة انشائیة. لأن الحرمة الفعلیة هی حرمة قامت علیها حجة معتبرة. و خبر الثقة لا تدل علی ثبوت حرمة قامت علیها حجة معتبرة، و إنما تدل علی ذات الحرمة. و ذات الحرمة لم تبلغ مرتبة الفعلیة. فإذن هذه الامارة التی دلت علی حرمة شرب التتن لا یجب امتثالها، لأن هذه الامارة لم تقم علی حکم فعلی.

الایراد الثانی: یا شیخنا الاعظم! حینما تقوم الامارة علی حلیة شرب التتن مثلا، ألا تحتملون ثبوت حرمة فعلیة لشرب التتن؟ جازمون بانتفاء الحرمة الفعلیة؟ هذا لا یخلو عن مجازفة. تحتملون ثبوت الحرمة الفعلیة لشرب التتن و مع ذلک تکون الامارة التی قامت علی حلیته حجة؟ هذا یعنی احتمال اجتماع الضدین. الشارع قال: یجوز لک العمل بالامارة الدالة علی حلیة شرب التتن. فأثبت الشارع لنا حلیة ظاهریة لشرب التتن. و نحن نحتملثبوت حرمة فعلیة واقعیة لشرب التتن، أ لیس هذا من احتمال الضدین بعد اعترافکم بالمضادة بین الحرمة الفعلیة الواقعیة و الحلیة الظاهریة. ولأجل ذلک قلتم بأن الحرمة الواقعیة لا تکون فعلیة.

الانصاف عدم تمامیة أیّ من الاشکالین:

أما الاشکال الاول: نقول: یا صاحب الکفایة! ظاهر خطاب یحرم شرب التتن ثبوت حرمة فعلیة له بعد وصوله وجدانا أو تعبدا بأمارة أو اصل. هذا هو الظاهر من دلیل حرمة شرب التتن. فإذا قامت الامارة علی حرمة شرب التتن، فأحد جزئی فعلیة الحرمة یثبت بالتعبد و هو الحرمة الانشائیة و الجزء الثانی لفعلیة الحرمة یثبت بالوجدان. بعد ما کانت الحرمة الفعلیة لشرب التتن مرکبة من جزئین، الجزء الاول الحرمة الانشائیة، و الجزء الثانی قیام الحجة علیها، فالامارة علی الحرمة الانشائیة تثبت الجزء الاول تعبدا و تحقق الجزء الثانی وجدانا. فأین الاشکال؟

مضافا الی أن الاثر العقلائی لحجیة الامارة التنجیز و التعذیر. فإذا دل الدلیل علی حجیة الامارة فبمقتضی دلالة الاقتضاء العرفیة یثبت لنا لزوم امتثال هذا الحکم الذی قامت علیه الامارة. و فرض اثر لقیام الامارة علی الحکم الانشائی لا یخرج خطاب حجة الامارة عن اللغویة العرفیة، فإن اثر حجیة الامارة عرفا هو التنجیز و التعذیر. التنجیز یعنی لزوم الامتثال.

جواب السؤال: لا، الامارة تثبت اثر مؤداها. مؤداها ماذا؟ الحرمة الانشائیة. و هذه الامارة تحقق لنا بالوجدان و الورد الجزء الثانی و هو قیام الحجة علی الحرمة الانشائیة. و سیأتی أن هذا الاشکال من صاحب الکفایة لو لم یندفع يتوجه علی نفس الوجه الثانی الذی یختاره نفس صاحب الکفایة. فانتظروا انا منتظرون.

و اما الاشکال الثانی و هو انه بعد ثبوت الحلیة الظاهریة لشرب التتن إذا قامت الامارة علی حلیته، یکون احتمال ثبوت الحرمة الفعلیة من احتمال الضدین، و احتمال الضدین غیر معقول کالقطع باجتماع الضدین.

والجواب عنه أننا بعد قیام الامارة علی حلیة شرب التتن و حجیة هذه الامارة نقطع بانتفاء الحرمة الفعلیة، فأین احتمال التضاد؟ بعد قطعنا بثبوت الحلیة الظاهریة لشرب التتن نقطع بعدم وجود ضدها و هو الحرمة الفعلیة، و إنما نحتمل الحرمة الانشائیة ولا محذور فیه ابدا.

الوجه الثانی للجواب عن اشکال امتناع اجتماع الحکم الظاهری و الواقعی: ما ذکره صاحب الکفایة.

یقول صاحب الکفایة: أما بالنسبة الی الامارات فنلتزم بأن الامارات حجیتها لیست الا بمعنی منجزیتها ومعذریتها کالقطع. فهل قطعنا بحلیة شرب التتن ینافی الحرمة الفعلیة لشرب التتن واقعا؟ لا، لا ینافی ثبوت الحرمة الفعلیة لشرب التتن لکنها غیر منجزة، لقطعنا بحلیة شرب التتن.

هذا القطع بحلیة شرب التتن معذر، یعنی یمنع من استحقاق العقاب. هذا لا ینافی أنه فی نفس المولی توجد کراهة لزومیة لشرب التتن. لکنه یقول آسف ما اقدر أن اعاقب هذا المکلف، فإنه معذرور. لکنه ارتکب ما اکرهه کراهة لزومیة. مثل ما لو قتل النبی و هو قاطع بأنه عدو النبی. ارتکب ما هو مکروه الهی و یکرهه الله کراهة لزومیة شدیدة، مع ذلک هو معذور لا یمکن أن یعاقب، لأنه قتل النبی باعتقاد أنه عدو النبی. فالامارة مثل القطع لا تستلزم حجیة الامارة ثبوت حکم تکلیفی کی ینافی هذا الحکم التکلیفی ذاک الحکم التکلیفی الواقعی المخالف له.

هذا اولا.

و ثانیا: لو فرضنا أن الحجیة إما بمعنی جعل الحکم المماثل کما یقول به المشهور، أو تستلزم جعل الحکم المماثل، تستلزم ثبوت جعل حکم تکلیفی. فإذا کانت الامارة علی حلیة شرب التتن حجة فهذه الحجیة تستلزم ترخیص ظاهری لارتکاب شرب التتن. أو إذا قامت الامارة علی وجوب شرب التتن، لو قبلنا أن حجیة هذه الامارة بمعنی وجوب شرب التتن ظاهرا أو تستلزم هذا الوجوب، هذا الوجوب الظاهری لا ینشأ عن ارادة لزومیة للمولی بالنسبة الی شرب التتن. ابدا. و لا ینشأ هذا الوجوب الظاهری عن مصلحة فی شرب التتن. ابدا. هذا الوجوب الظاهری ینشأ عن ملاک طریقی، یعنی المصلحة فی نفس جعل هذا الوجوب من دون أن ینشأ عن ارادة لزومیة نحو شرب التتن، و من دون أن ینشأ عن مصلحة فی نفس شرب التتن. المصلحة تمام المصلحة فی جعل هذا الوجوب. فلا یتنافی مع الحرمة الواقعیة لشرب التتن التی تنشأ عن کراهة لزومیة فی نفس المولی نحو شرب التتن و عن مفسدة کامنة فی شرب التتن. فانحلّ الاشکال.

ثم قال: و لکن ماذا أصنع بالنسبة الی اصالة الحل أو استصحاب الحل؟ لا یأتی لا الجواب الاول و لا الجواب الثانی الذین ذکرتهما بالنسبة الی اصالة الحل. لماذا؟

لأنه حینما تجری اصالة الحل فی شرب التتن، یعنی ذلک أن الشارع یأذن لک فی ارتکاب شرب التتن. بینما أن خبر الثقة علی حلیة شرب التتن لم یکن یتضمن أیّ اذن من الشارع فی شرب التتن، و إنما کان مجرد معذر. یؤمنک من العقاب فقط. اما قاعدة الحل لا. قاعدة الحل تقول: عبدی أنا ارضی أن تشرب التتن، أرضی أن تدخن تمسکا بقاعدة الحل، اذنت لک فی ذلک. هذا معنی کل شیء لک حلال حتی تعلم أنه حرام بعینه فتدعه. و الاذن فی ارتکاب شرب التتن لا یجتمع مع الکراهة اللزومیة الواقعیة لشرب التتن بنحو لا یرضی الشارع بارتکابه. هذان لا یجتمعان.

فقاعدة الحل لا تجتمع مع حرمة الفعلیة الواقعیة لشرب التتن.

لکن نلتزم بثبوت حرمة فعلیة لشرب التتن ما لم یأذن الشارع فی ارتکابه.

کأن صاحب الکفایة یری أن هذا هو الفارق بین کلامه و بین کلام الشیخ الانصاری. فالشیخ الانصاری یقول: الحرمة الفعلیة لشرب التتن لا تثبت الا بعد قیام الحجة. صاحب الکفایة یقول لا، الحرمة الواقعیة لشرب التتن ثابتة ما لم یأذن الشارع فی شرب التتن. فقاعدة الحل تأذن فی ارتکاب شرب التتن، فلا تکون الحرمة الواقعیة فعلیة مطلقة، و إنما هی فعلیة مقیدة بما لم یأذن الشارع فی ارتکابه. فارتفعت المضادة. لأنه مع اذن الشارع فی الارتکاب لا تکون الحرمة الواقعیة حرمة فعلیة مطلقة.

هذا محصل الوجه الثانی الذی اختاره صاحب الکفایة لدفع شبهة امتناع اجتماع الحکم الظاهری و الواقعی.

و اول ما فیه أنه مناقض لمبانیه، کما ذکر المحقق المشکینی أن صاحب الکفایة هنا فصّل بین الامارة و اصالة الحل، بینما أنه فی بحث الاجزاء قال: الحکم الواقعی لیس فعلیا الا إذا قامت حجة مصیبة علیه. و هکذا فی بحث الاجتهاد و التقلید. یعنی فی النصف حکی حکایة ینافی ما ذکره فی اول الکفایة و ما ذکره فی خاتمة الکفایة.

لیس مهما، کم قال بعض الاعلام أنا فی کل یوم رجل، افرض صاحب الکفایة فی هذا الیوم رجل یختلف عن صاحب الکفایة فی سائر المجالات، فنتکلم علی ضوء ما ذکره هنا.

و بقیة الکلام فی اللیلة القادمة إن شاء الله.