فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

 

رؤوس المطالب:

وضع الحروف والهيئات.. 1

المقام الاول: في المعاني الحرفية والهيئات.. 1

المعاني الحرفية. 2

1-مسلك العلامية. 2

2-مسلك الآلية. 6

استدلال صاحب الكفاية “قده” على عدم امكان اخذ اللحاظ الآلي كاللحاظ الاستقلالي في المعنى الموضوع له. 6

3- اختلاف المعنى الحرفي والاسمي.. 13

القول الأول: ايجادية الحروف13

القول الثاني: وضع الحروف للوجود الرابط.. 23

 

 

 

 

وضع الحروف والهيئات

انه قد وقع الخلاف بين الاعلام في ان وضع الحروف والهيئات على معانيها هل هو من قبيل الوضع العام والموضوع له العام -كما هو مختار صاحب الكفاية والمحقق العراقي “قدهما”-، او من قبيل الوضع العام والموضوع له الخاص- كما عليه المشهور-، وتحقيق الكلام في ذلك يتوقف اولا على معرفة معاني الحروف والهيئات ثم التكلم في ان الموضوع له فيها هل يكون عاما او خاصا، فيقع الكلام في مقامين.

المقام الاول: في المعاني الحرفية والهيئات

ولنبدأ بالبحث عن المعاني الحرفية ثم الهيئات

المعاني الحرفية

حيث كان يذكر اهل اللغة من قديم الزمان بإزاء كل حرف معنى معينا، فيقولون مثلا ان “من” موضوعة للابتداء، ولكن كان يلحظ عدم صحة استعمال احدهما في موضع الآخر غالبا، وان كان يصح ذلك في بعض الموارد النادرة كما في قولنا الجالس على السطح والجالس فوق السطح، او قولنا اخذت من الدارهم واخذت بعض الدراهم، اوقولنا زيد كالاسد وزيد مثل الاسد، وقولنا ليت الشباب يعود لنا واتمنى الشباب يعود لنا، ولكن المهم عدم صحة استعمال الحرف مكان الاسم وبالعكس عادة، فلايصح ان يقال” سرت، ابتداء، البصرة “، بدلا عن قولنا “سرت من البصرة ” كما لايصح ان يقال”الى خير من من “، بدلا عن قولنا” الانتهاء خيرمن الابتداء” فحاول الاعلام بيان الفرق بينهما في ضمن بحوث لفظية تحليلية، وقد اختلفوا في ذلك الى ثلاث مسالك رئيسية.

1-مسلك العلامية

المسلك الأول: ان الحروف لم‌توضع لمعنى وانما وضعت لتكون علامة على خصوصية في مدخولاتها، نظير حركات الإعراب التي لم‌توضع لمعنى، وانما وضعت لتكون قرينة على فاعلية مدخولها او مفعوليته ونحو ذلك، فلفظة من مثلا لم‌توضع بإزاء معنى خاص، وانما وضعت لمجرد التنبيه على ان السير في قولنا سرت من البصرة مبتدأ به والبصرة مبتدأ منها.

واورد عليه الأعلام –ومنهم السيد الخوئي “قده”- بان هذه الخصوصيات التي دلت عليه الحروف وحركات الإعراب هي بعينها المعاني التي وضعت الحروف بإزائها، اذ المفروض ان تلك المعاني ليست مما تدل عليه الأسماء، فانحصر ان يكون الدال عليها هو الحروف، وعليه فلامعنى للقول بانها لم‌توضع لمعنى وانما وضعت لكذا، بل هذا يشبه الجمع بين المتناقضين، فبطلان هذا القول من الواضحات الأولية([1]).

اقول: ان أريد من هذا المسلك عدم تأثير الحرف في تكوّن مدلول الجملة فهو باطل جزما، حيث ان لازمه عدم إخلال حذفه بالمعنى كما هو كذلك في حركات الاعراب، وان اريد انه يكشف عن المراد الاستعمالي من مدخوله بان يكون السير مثلا في قولنا السير من البصرة مستعملا في السير الخاص فهو مستلزم للمجاز، على انه خلاف الوجدان حيث لم‌يستعمل لفظ السير الا في معناه الموضوع له، وان اريد انه يكشف عن المراد الجدي من مدخوله ففيه ان الحرف مؤثر في تكون المدلول الاستعمالي للكلام، وقد لايوجد في البين مراد جدي للمتكلم اصلا، وعليه فلا اشكال في كون الحروف دخيلة في زيادة المعنى.

نعم يمكن ان يراد من هذا المسلك معنى معقول، وهو انه لايكون بإزاء الحرف بخصوصها أي جزء من المعنى، وانما تكون الجملة المشتملة على الحرف دالة على المعنى، نظير حرف الالف في اسم الفاعل، او حرف الميم والواو في اسم المفعول، فانها وان أوجبت زيادة المعنى بلااشكال، لكن الدال على المعنى هو مجموع الكلمة، والمدلول يكون بسيطا تصورا، فكذا يقال في المقام بان الحرف في مثل قولنا: السير من البصرة وان اوجب زيادة المعنى على ما كان يستفاد من السير والبصرة، ولكن لايقع بإزاءه اي جزء من المعنى.

وهذا هو الظاهر من المحقق الإيرواني “قده”، حيث قال: التحقيق ان الحروف لاوضع لها اصلا، وانما الوضع للهيئات التركيبية، فان المعنى المستفاد من الجملة المشتملة على الحرف مفهوم بسيط ينحل الى امور متعددة من جملتها الربط، ويتعلق الوضع بمفاهيم هي ذوات ربط في نفسها، ولايمكن لحاظ الربط مستقلا كي يوضع بإزاءه الحرف، فلم يكن حينئذ بدّ من انكار وضع الحروف والالتزام بالوضع للمركبات وضعا نوعيا غير الوضع المتعلق بموادّها، وظني ان حسبان وضع الحروف ناش مما يرى من حصول الاختلاف في المعنى باختلافها فيظن استناد ذلك الى معنى الحروف، غفلة عن ان ذلك غير معقول، وانما الاختلاف المذكور ناش من اختلاف اوضاع المركبات بهيئاتها المتولدة من تخلل الحروف بلاوضع متعلق برقاب الحروف، ولعل هذا معنى قوله (عليه‌السلام): الحرف ما اوجد معنى في غيره، يعني اوجد معنى في متعلقاته بايجاده هيئة خاصة فيها، كان لها بتلك الهيئات وضع يخصها([2]).

فترى انه “قده” انكر وضع الحرف لمعنى وادعى وضع هيئة الجملة المشتملة على الحرف على معنى بسيط، وبالتالي يكون الدال على المعنى هو الجملة بمجموعها، ولايقع اي جزء من المعنى بازاء الحرف.

وقد ينسب هذا القول الى الشيخ الرضي “ره”، ولكن لايظهر من كلامه ذلك، حيث ذكر ان معنى “من” ومعنى لفظ الابتداء سواء، الا ان الفرق بينهما ان لفظ الابتداء ليس مدلوله مدلول لفظ آخر، بل مدلوله معناه الذي في نفسه مطابقة، ومعنى “من” مدلول لفظ آخر ينضاف ذلك المدلول الى ذلك اللفظ الاصلي، فلهذا جاز الإخبار عن لفظ الابتداء نحو” الانتهاء خير من الابتداء”، و لم‌يجز الإخبار عن لفظة من لان الابتداء الذي هو مدلولها يكون في لفظ آخر فكيف يخبر عن لفظ ليس معناه فيه بل يكون في لفظٍ آخر، وانما يخبر عن الشيء باعتبار المعنى الذي في نفسه مطابقة، فالحرف وحده لامعنى له اصلا، اذ هو كالعلم المنصوب بجنب شيء ليدل على ان في ذلك الشيء فائدة ما، فاذا افرد عن ذلك الشيء بقي غير دال على معنى اصلا([3]).

فترى انه ذكر ان الحرف وحده ليس له معنى، و لم‌يدّع ان الحرف اذا كان في ضمن الجملة لايدل على معنىً، فيمكن ان يختار انَّ بإزاءه معنىً غير مستقل، وما ذكره من ان الحرف وحده ليس له معنى وان كان قد يناقش فيه، حيث يقال بان انكار دلالة الحرف وحده على المعنى خلاف الوجدان العرفي، فاننا لما نسمع لفظة “من” وحدها يخطر ببالنا معنى، كما اننا لو سمعنا لفظة “في” يخطر ببالنا معنى آخر، وكذا لفظة ليت ولعل، فإنّا اذا سمعناهما يخطر في ذهننا لكل منهما معنى يغاير معنى الآخر، ولكنه يختلف مدعى الشيخ الرضي “ره “عن مدعى من يرى عدم دلالة الحرف على المعنى مطلقا ولو كان في ضمن الجملة، وانما هيئة الجملة المشتملة على الحرف تدل على المعنى، كما هو مختار المحقق الايرواني “قده” مطلقا، ومختار البحوث في خصوص الجملة المشتملة على الحرف الدال على النسب الخارجية كالنسبة الابتدائية في قولنا “السير من البصرة “-في قبال الحرف الدال على النسب الذهنية كحرف “بل” الدالّة على النسبة الاضرابية التي لاموطن لهاالاالذهن – فالتزم بأن مدلول جملة “السيرمن البصرة” مثلا بسيط، وانما يكون اشتماله على ثلاثة أجزاء بالتعمل والتحليل العقلي، وتكون الجملة بمجموعها دالة على هذا المعنى الذي هو حصة من السير، وقد يوضع مكان الجملة لفظ المفرد كما في لفظ الفانوس الذي قديقال بانه وضع مكان جملة “نار في الزجاج”.

فبناء على هذا التوجيه لمسلك العلامية فلايكون بطلانه من الواضحات الاولية، وسيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى.

2-مسلك الآلية

المسلك الثاني: اختار جماعة -منهم صاحب الكفاية “قده” -ان المعنى الحرفي والاسمي متحدان بالذات، فلااختلاف في المعنى الموضوع له والمستعمل فيه للفظة “من” و”الابتداء”، وما يرى من عدم صحة استعمال احدهما في موضع الآخر فلأجل اشتراط الواضع ان يكون استعمال لفظة “من” في معنى الابتداء مختصا بلحاظ هذا المعنى حالة لمعنى آخر، كما انه اشترط الواضع ان يكون استعمال لفظ الابتداء مختصا بصورة لحاظ معناه مستقلا، فالمتحصل ان اللحاظ الآلي والاستقلالي خارجان عن حريم المعنى، وانما هما من شؤون الاستعمال.

وقد يستظهر هذا المسلك من كلام الشيخ الرضي “ره” الذي نقلناه آنفا فراجع.

استدلال صاحب الكفاية “قده” على عدم امكان اخذ اللحاظ الآلي كاللحاظ الاستقلالي في المعنى الموضوع له

وقد استدل صاحب الكفاية “قده” على عدم امكان اخذ اللحاظ الآلي كاللحاظ الاستقلالي في المعنى الموضوع له والمستعمل فيه بوجوه:

الوجه الاول:

ان لحاظ المعنى في مقام الاستعمال مما لابد منه، فلو أخذ اللحاظ في ذات المعنى لزم تعلق اللحاظ باللحاظ، وهو باطل لان الالتزام بوجود لحاظين خلاف الوجدان، والالتزام بلحاظ واحد يوجب الخلف، اذ لازم اخذ اللحاظ في المعنى هو تقدم هذا اللحاظ رتبة على اللحاظ الذي يتعلق بالمعنى.

الوجه الثاني:

انه يلزم منه عدم امكان امتثال الأمر فيما لو امر المولى بالسير من البصرة مثلا، حيث يكون السير مقيدا بالابتداء المقيد بكونه ملحوظا آليا في ذهن المولى، فحينئذ لايمكن تحصيله في الخارج، لان المقيد بأمر ذهني لايمكن تحققه في الخارج.

الوجه الثالث:

ان اخذ اللحاظ الآلي في المعنى الحرفي يستلزم اخذ اللحاظ الاستقلالي في المعنى الاسمي -والا لزم صحة استعمال لفظ” الابتداء” مكان لفظة “من”- ويلزم من ذلك كون الموضوع له في الأسماء جزئيا، بعد افتراض تقومه بوجود اللحاظ([4]).

ولكن يرد على الوجه الاول بانه لامانع من الالتزام بان الموضوع له للفظة من مثلا هو معنى الابتداء الملحوظ آليّا، ولكن يتعلق لحاظ المستعمِل بذات معنى الابتداء، وحينئذ فان كان لحاظه له آليا تحقق الجزء الثاني من المعنى الحرفي، وهذا كاف في صحة الاستعمال بعد كون اللحاظ معلوما لدى المستعمل بالعلم الحضوري بل العلم الحصولي الإجمالي.

كما يرد على الوجه الثاني بانه لامانع من الأمر بإيجاد المعنى الملحوظ بالعرض في ذهن المولى، فاذا سار المكلف من البصرة مثلا كان ابتداء سيره الذي هو موجود خارجا ملحوظا بالعرض للمولى، نعم لو كان المراد هو الملحوظ بالذات تم الاشكال لعدم امكان امتثاله ابدا.

كما يردعلى الوجه الثالث- مضافا الى انه لامحذور في الالتزام به-أنه يمكن ان يقال بوضع الاسم للمعنى المقيد بعدم اللحاظ الآلي، فلايكون معنى الاسم مقيدا باللحاظ كي يصير الموضوع له خاصا وجزئيا.

ايرادات على مسلك صاحب الكفاية “قده”

وكيف كان فقد اورد على مسلك صاحب الكفاية “قده” عدة ايرادات:

1- ما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” من انه لو كان المعنى قابلا لكيفيتين في مرحلة وجوده الذهني بان يمكن وجود معنى الابتداء في الذهن تارة بنحو آلي وأخرى بنحو استقلالي كما هو مدعى صاحب الكفاية فلابد ان يكون قابلا لكيفيتين في مرحلة وجوده الخارجي، لان الوجود الذهني يجب ان يكون مطابقا مع الوجود الخارجي بينما ان المعنى الحرفي كالنسبة الابتدائية لايوجد في الخارج الا على نحو واحد، وهو الوجود لافي نفسه، فيجب ان يكون وجوده الذهني كذلك، فلايعقل ان يوجد في الذهن بوجود مستقل([5]).

ويلاحظ عليه انه لاوجه لافتراض مطابقة عالم الذهن مع عالم الخارج كما مر، فان الذهن قادر على ان يخلق معان مختلفة عن حقيقة واحدة، كما انه اذا رأى من ليس ببصير فقد يتصور انه ليس ببصير على نحو السالبة المحصلة وقد يتصور انه اعمى على نحو عدم الملكة وقد يتصور انه لابصير على نحو الموجبة المعدولة المحمول، ومما يشهد على ذلك ان العرض يكون وجوده في الخارج محتاجا الى الموضوع لكن يوجد في الذهن مستقلا ولذا يقال عنه ان العرض وجوده في نفسه لغيره اي يكون له مفهوم مستقل في الذهن وان كان وجوده في الخارج متقومابالمحل.

نعم يظهر من ذيل كلامه “قده” ان مقصوده هو ان المعنى الحرفي يكون نسبة وليس للنسبة وجود نفسي في الخارج اصلا لأنها غير مستقلة في ذاتها لتقوم ذاتها بطرفي النسبة، بخلاف العرض فان العرض كالبياض مثلا مستقل في ذاته، ولذلك يكون وجوده في نفسه وانما يحتاج في وجوده الخارجي الى المحل، ولأجل ذلك يمكن وجوده في الذهن مستقلا.

ولكنك ترى انه لايشكِّل برهانا على خلاف ما يدعيه صاحب الكفاية من ان النسبية نشأت من كيفية لحاظ المعنى، والا فذات المعنى الحرفي كالمعنى الاسمي.

2- ما ذكره المحقق النائيني “قده” من انه لو كان معنى الحرف والاسم واحدا فلاوجه للمنع من استعمال احدهما في موضع الآخر، حتى لو اشترط الواضع عدم ذلك اذ لاملزم لرعاية ما اشترطه الواضع، بل لو فرض كون الواضع هو الله سبحانه الذي تجب طاعته، فلايوجب التخلف عن شرطه اكثر من العصيان دون بطلان الاستعمال([6]).

وفيه ان مراد صاحب الكفاية هو تقيد العلقة الوضعية بين لفظة “من” ومعنى الابتداء مثلا في الحال الذي يلحظ المستعمل الابتداء حالة في غيره، بنحو لو استعمل احد لفظة ” من” في معنى الابتداء مع لحاظه مستقلا كان اللفظ مهملا، بل هذا التقييد يوجب الضيق التبعي في المعنى الموضوع له، نظير اقتضاء تقيد الهيئة في مثل “ان استطعت فحج” لتضيق المادة تبعا وقهرا.

نعم بناء على كون الوضع هو القرن الأكيد بين تصور اللفظ والمعنى، فلايعقل اختصاص العلقة الوضعية بين اللفظ والمعنى بحالٍ دون حالٍ، فان القرن الأكيد بين تصور اللفظ وتصور المعنى يدور امره بين الوجود والعدم اذلايعقل كون اللفظ سببا للانتقال الى المعنى في حالٍ دون حالٍ الا أن يرجع الى تقييد الدال بكونه اللفظ المصحوب بالقرينة ككونه في حال كذا، وهكذا بناء على ما هو الصحيح من ان القرن الأكيد وان كان نتيجة الوضع لكنه هو الذي يراد التوصل اليه من خلال الوضع، فيلغو تقييد الوضع بما لاينحفظ في مقام القرن الأكيد، فلايصح حينئذ تقيد الوضع بحال دون حال.

3- ما اورده جمع من المحققين -منهم السيد الخوئي “قده” -بانه بناء على مسلك صاحب الكفاية “قده” لايكون استعمال احدهما في موضع الآخر اسوء حالا من الاستعمال المجازي، بل هو اولى بالجواز لكونه استعمالا في المعنى الموضوع له وانما تخلف فيه عن قرار الواضع([7]).

ويجاب عن هذا الإيراد بعدة وجوه:

منها: ما في البحوث من انه في فرض عدم مراعاة قرار الوضع فيكون اللفظ مهملا فيختلف عن الاستعمال المجازي، حيث ان شرط استعمال اللفظ في المعنى المجازي ان يكون له معنى حقيقي كي يستعمل بعلاقته في ذلك المعني المجازي([8]).

ولكن يلاحظ على هذا الجواب انه يكفي في صحة الاستعمال المجازي وضع اللفظ للمعنى ولو في بعض الحالات، الا ترى انه لو تعهد احد بانه متى وضع العمامة عن رأسه في الليل فيريد طلب الإتيان بالماء مثلا، فلامانع من ان يضعها عن رأسه قُبيل الغروب لإبراز طلب الاتيان بالماء مع نصب قرينة على ذلك.

ومنها: ما قد يقال من ان الملاك في صحة الاستعمال المجازي هو النظر العرفي، والمعنى الحرفي والاسمي متباينان بالنظر الساذج العرفي وان كانا متحدين بالنظر العقلي، فلايصح استعمال احدهما في موضع الآخرلعدم العلاقة المصححة له بعد تباين المعنيين عرفا([9]) ولابأس بهذا الجواب.

ومنها: انه بناء على كون الاستعمال المجازي بنحو المجاز الادعائي فيكون واضح الاندفاع، اذ يكون بين استعمال الحرف مكان الاسم او بالعكس وبين الاستعمال المجازي فرقا واضحا.

4- ما ذكره السيد الخوئي “قده” من النقض بالعناوين الطريقية كما في قوله تعالى “فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر” حيث ان تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود لتحقق نفس الفجر ويكون تبينه طريقا محضا، ( فلو أكل او شرب لأجل عدم تبين طلوع الفجر له ثم تبين له طلوع الفجر حين اكله وشربه حكم ببطلان صومه، الا في مورد خاص وهو ما لو نظر الى الأفق فلم ير شيئا، وذلك للنص الخاص)([10]).

وفيه: ان المعنى الحرفي لابد ان يلحظ حالة لمفهوم آخر يكون مدخولا له او سابقا عليه، وأما التبين في الآية الكريمة فقد لوحظ في مقام الإرادة الاستعمالية مستقلا، لاحالة لمفهوم آخر، نعم يستظهر منه العرف ان الحكم متعلق بواقع طلوع الفجر وانما اخذ العلم والتبين في الخطاب لانه طريق الى احراز موضوع الحكم، فيكون نظير الأمر باكرام هذا الجالس، حيث يراه العرف عنوانا مشيرا الى الموضوع الواقعي من دون خصوصية لعنوان الجالس.

5- ما ذكره السيد الخوئي “قده” في تعليقة اجود التقريرات من النقض بالمصدر حيث ان الفارق بينه وبين اسم المصدر انه لوحظ في المصدر حيثية صدوره من الفاعل فيلزم كون المصدر معنى حرفيا([11]).

وفيه ان الاختلاف بين المصدر واسم المصدر ناش عن هيئتهما، فيكون الدال على حيثية الصدور من الفاعل هي هيئة المصدر دون مادته، ولااشكال في ان مدلول الهيئات معان حرفية.

6- ما ذكره السيد الخوئي “قده” ايضا من ان ما ذكره صاحب الكفاية وغيره من كون المعنى الحرفي ملحوظا آليا غير متجه فانه كثيرا ما يكون الغرض الاصلي للتفهيم والتفهم هو المعنى الحرفي، فقد يعلم بان زيدا قد جاء ولكن لايعلم انه هل جاء مع عمرو ام لا، فيسأل عن ذلك، فيجاب انه جاء مع عمرو، وعليه فكيف يجتمع ذلك مع لحاظه آليا([12]).

ويلاحظ عليه: انه انما يتم هذا الايراد لو اريد من كون المعنى الحرفي ملحوظا آليا هو عدم كونه ملتفتا اليه تفصيلا، ولكنه ليس كذلك، بل المراد منه كونه ملحوظا بما هو حالة لمفهوم آخر، لابما هو في نفسه كما صرح به صاحب الكفاية “قده”، فالمعنى الحرفي وان كان مندكا وتابعا في وجوده الذهني للمفهوم الاسمي لكن يمكن تعلق الغرض الاصلي بتفهيمه وتفهمه.

هذا واما ما حكي عن السيد الصدر “قده” من أنه حيث لايمكن لحاظ المعنى الحرفي مستقلا، ففي الامثلة التي يكون الغرض الاصلي للتفهيم والتفهم هوالمعنى الحرفي فاما ان يكون الملحوظ مفهوما اسميا منتزعا عن المعنى الحرفي فيكون الملحوظ في قوله “هل جاء زيد مع عمرو” أنه هل كان مجيئه مقترنا مع مجيئ عمرو، او يحمل على انه يسئل عن وجود حصة من المجيئ وهو المجيئ مع عمرو([13]) فهو خلاف المرتكز العرفي.

7- انه بناء على عدم تبعية الدلالة الوضعية للإرادة كما هو مختار صاحب الكفاية “قده” فلو سمع من تموج الهواء او من النائم جملة السير من البصرة، فلااشكال في انها تدل على معنى مغاير لما لو سمع منه “السير، الابتدا، البصرة” فهذا يدل على اختلاف المعنيين في حد ذاتهما، بعد فرض عدم لحاظ المتكلم للمعنى ابدا، فضلا عن كون لحاظه آليا او استقلاليا.

8- ان المعنى الحرفي مما يحتاج اليه في ايجاد الربط بين مفردات الجملة، فلابد ان يكون المعنى الحرفي عين الربط والا احتاج الى رابط آخر يربطه بمفردات الجملة، وأما المفهوم الاسمي كمفهوم الابتداء فلايمكن ان يكون رابطا بين مفردات الجملة، وهذا يكشف عن مغايرة المعنى الحرفي مع المعنى الاسمي ذاتا.

3- اختلاف المعنى الحرفي والاسمي

المسلك الثالث: وهو اختلاف المعنى الحرفي والاسمي، فقد اختلف اصحاب هذا المسلك في تصويره على اقوال.

القول الأول: ايجادية الحروف

ما اختاره المحقق النائيني “قده” من كون المعنى الحرفي ايجاديا والمعنى الاسمي اخطاريا، فانه عند التلفظ بالأسماء -كلفظ الماء-يخطر معانيها في الذهن، سواء كانت في ضمن تركيب كلامي ام كانت وحدها، بخلاف الحروف فانها بنفسها لاتوجب خطور معانيها في ذهن المخاطب مالم تكن في ضمن تركيب كلامي، والحروف باجمعها ايجادية بمعنى انها توجد الربط الكلامي بين مفهومين لاربط بينهما كلفظ زيد والدار، فكلمة “في” توجد الربط الظرفي بينهما في مقام الاستعمال وهذه النسبة الظرفية الكلامية تحكي عن النسبة الظرفية الخارجية فتطابقها فيما كان الخبر صادقا وتخالفها فيماكان الخبركاذبا والمطابقة بينهما ليست كمطابقة الكلي وفرده، بل كمطابقة فرد مع فرد آخر بحيث تكون النسبة بينهما كنسبة الظل مع ذي الظل، فالمعنى الحرفي هو النسبة الظلية الكلامية التي قد تطابق النسبة الخارجية وقد تخالفها.

وظهر من ذلك ان المعاني الحرفية معان غير مستقلة في نفسها لتقوم ذاتها بالمفاهيم الاسمية الاستقلالية فالمعنى الحرفي في عالم الذهن كالعرض في عالم الخارج، فكما ان العرض في عالم الخارج ليس له استقلال في الوجود، لتقوم وجوده بوجود موضوعه فكذلك المعنى الحرفي ليس له استقلال في عالم الذهن لتقومه بمفهوم آخر، ولذا لو سُمعت لفظة “في” وحدها من دون ذكر طرفيها فلايخطر اي معنى منها في الذهن، فلاواقع للمعاني الحرفية في غير التراكيب الكلامية بخلاف المفاهيم الاسمية، فانها مفاهيم متقررة في عالم مفهوميتها، سواء استعمل اللفظ فيها ام لا، ومن جهة أخرى ان المعنى الحرفي غير ملتفت اليه حال الاستعمال، وان الملتفت اليه هي المعاني الاسمية الاستقلالية.

ثم ان الفرق بين معنى لفظ النسبة والربط وبين معنى الحروف هو الفرق بين المفهوم والحقيقة، فكما ان الانسان قد يحتاج الى حقيقة الماء مثلا فلايفيده تصور المفهوم، كذلك قد يحتاج الى مفهوم الماء فلايفيده الحقيقة، كما اذا سئل عن الماء الخارجي انه ما هو؟ فانه لايفيد بحال السائل إتيان ماء آخر في الخارج، بل لابد من الجواب بانه ماء، فلايغني كل من المفهوم او الحقيقة عن الآخر، فكذلك قد نحتاج الى حقيقة الربط بين كلمتين فلايفيد قولنا “زيد الربط الدار”، كما قد نحتاج الى مفهوم الربط فلايفيد قولنا “في متقومة بطرفين”، بل لابد ان يقال “ان الربط الظرفي غاية البينونة بينهما لايصح استعمال احدهما في موضع الآخر.

وماذكرناه من كون الحروف بأجمعها ايجادية لاينافي انقسامها بلحاظ آخر الى حروف نسبية وهي ماتحكي عن النسب الخارجية كحروف الجروحروف انشائية كحروف التشبيه والنداء والتمني ونحوها فانهافي مقام الاستعمال توجد فردا منها في الخارج فاذا قيل “زيدكالاسد” فيوجد تشبيه بهذا الاستعمال([14]).

وقد فهم جماعة – منهم السيد الخوئي “قده”- من كلامه انه يدعي وضع الحروف لايجاد الربط الكلامي وانه لاواقع لها في غير التركيب الكلامي، فأوردوا عليه بانه لااشكال في تحقق الربط في الكلام بواسطة الحروف وانه لولاها لما كانت مفردات الجملة مرتبطا بعضها ببعض، الا ان الربط المذكور انما هو من جهة دلالة الحروف على معانيها التي وضعت لها، والكلام فعلا في تشخيص تلك المعاني التي بوجود الدال عليها يكون الكلام بعضه مربوطا ببعض، فعدم كون معاني الحروف اخطارية لايساوق عدم معنى لها غير ايجاد الربط الكلامي، وانما يعني عدم كون معانيها استقلالية([15]).

ولكن لايبعد ان يكون مراده ان المعنى الحرفي -الذي لااشكال في كونه ثابتا في الذهن قبل التلفظ بالكلام- من سنخ الوجود ولاتقرر له الا في مرحلة الوجود الذهني لمدلول الكلام، بينما ان المعنى الاسمي له تقرر في مرتبة سابقة وبقطع النظر عن مرحلة الوجود الذهني.

کلام البحوث: أن للمعنى الحرفي ثلاث خصوصيات

وقد ذكر في البحوث في توضيح ذلك أن للمعنى الحرفي ثلاث خصوصيات:

الاولى: انه حينما نواجه نارا في الموقد فننتزع مفهوما بإزاء النار ومفهوما بإزاء الموقد وهما مفهومان اسمييان، وحيث ان الغرض تعلق بامكان الحكم على الخارج بتوسط ما هو عنوان له وعينه بالحمل الاولي وبالنظر التصوري، فيترتب هذا الغرض على حصول مفهومهما في الذهن من دون حاجة الى ان يكون المفهوم المزبور نارا او موقدا بالحمل الشائع، واما الربط الظرفي الخارجي بينهما فتارة يتعلق الغرض بإحضار عنوان حاك عنه في الذهن فحسب للحكم عليه مثلا، فحينئذ ينتزع الذهن عنوان الربط الظرفي بينهما، فيقال مثلا الربط الظرفي موجود بين النار والموقد، وتارة أخرى يتعلق الغرض بتحقق الربط الحقيقي بين مفهوم النار ومفهوم الموقد في الذهن، وحينئذ فلايكفي إحضار مفهوم الربط، فانه ربط بالحمل الأولي ونحن نحتاج الى ما يربط بينهما واقعا وبالحمل الشائع، فالربط بين مفهوم النار ومفهوم الموقد الموجودين في الذهن يكون بسبب واقع الربط، كما هو كذلك في الربط بين النار والموقد الخارجيين، غاية الأمر ان المرتبطين في الاول موجودان ذهنا وفي الثاني موجودان خارجا، اما الربط بينهما فحقيقي في كلا الموردين، ومعنى ذلك ان الحروف موضوعة بإزاء واقع النسبة والربط دون مفهومها لعدم وفاءه بالغرض المتعلق بايجاد الربط بين مفهومين ذهنيين.

الثانية: ان المعنى الحرفي ليس له تقرر ذاتي الا في طول وجوده، بخلاف المعنى الإسمي، توضيح ذلك: انه في مثال النار في الموقد يكون في البين ثلاث نسب ظرفية، اولها في الخارج وثانيها في ذهن المتكلم وثالثها في ذهن السامع وكل منها متقوم بوجود طرفيها، فالنسبة الظرفية الموجودة في الخارج متقومة في ذاتها بوجود النار والموقد الخارجيين والنسبة الظرفية الموجودة في ذهن المتكلم متقومة في ذاتها بوجود مفهوم النار والموقد في ذهنه، وهكذا النسبة الظرفية الموجودة في ذهن السامع متقومة في ذاتها بوجود مفهوم النار والموقد في ذهنه، فلو اريد إلغاء خصوصية تقومها بهما انعدم ذاتها، فلايتصور جامع ذاتي بين هذه النسب لانه يعتبر في الجامع الذاتي ان ينحفظ الذاتي بين الأفراد مع الغاء خصوصياتها الفردية.

ودعوى ان النسبة الظرفية بين طبيعي النار وطبيعي الموقد جامع للنسب الثلاث المذكورة فغير متجهة، لان واقع النسبة متقوم بوجود الطرفين والنسبة بين المفهومين الموجودين في ذهن المتكلم متقوم بوجودهما في ذهنه، والنسبة بين المفهومين الموجودين في ذهن السامع متقومة بوجودهما في ذهنه، والنسبة الخارجية الظرفية متقومة بوجود النار والموقد الخارجيين، نعم يمكن انتزاع جامع عنواني لتلك النسب ولكنه ليس نسبة بالحمل الشائع، هذا في المعنى الحرفي، وأما المعنى الإسمي كالنار فحيث يبقى ذاته مع تجريده عن الوجود وعدم لحاظه معه، فله تقرر ماهوي في المرتبة السابقة على وجوده.

الثالثة: ان المعنى الحرفي الموجود في ذهن المتكلم والذي هو رابط بين النار والموقد الموجودين في ذهنه حيث لايمكن التحفظ على ذاته بلحاظه مجردا عن تعلقه بطرفيه الموجودين في ذهن المتكلم، فلايمكن لحاظه كعنوان منطبق على الخارج انطباق الكلي على فرده، فعليه تكون حكايته عن الخارج من سنخ حكاية الفرد المماثل عن حكاية فرد مماثل آخر، حيث انه يلحظ طرفاه الموجودان في الذهن فانيين في الخارج ويرى بالنظر التصوري اتحادهما مع الخارج فبتبع ذلك يرى النسبة الذهنية متحدة مع النسبة الخارجية، حيث لاتتعدد النسبة الا بتعدد اطرافها، ولكن الوجود الذهني لمفهوم النار حيث كان يمكن التحفظ على ذاته ولو مع تجريده عقلا عن وجوده الذهني فهو بالنظر التصديقي اي مع الالتفات الى تلبسه بالوجود الذهني وان كان غير الخارج، لكنه بالنظر التصوري اي مع عدم لحاظ تلبسه بالوجود الذهني ولحاظه لحاظا فنائيا تصوريا يكون منطبقا على الخارج انطباق العنوان على معنونه، فيكون بهذا النظر التصوري من قبيل انطباق الكلي على فرده([16]).

والحاصل ان الظاهر من كلام المحقق النائيني “قده” ان مقصوده كون المعنى الحرفي من سنخ الوجود الذهني لاالمفهوم، وليس مقصوده كون الحرف موجدا للربط الكلامي فحسب، وبذلك يندفع جملة من الإيرادت عليه.

منها: ما ذكره المحقق العراقي “قده” ومحصله انه ان كان المتكلم بجملة النار في الموقد قد تصور قبل التلفظ بلفظة “في” مفهوم النار لابشرط عن ارتباطه بالموقد، فلابد من تبدل الصورة الذهنية المطلقة للنار الى صورة ذهنية أخرى مقيدة حينما اراد ايجاد تقيده بالارتباط بالموقد بلفظة “في” وهذا خلاف الوجدان، وان كان قد تصور مفهوم النار المتقيد بارتباطه بالموقد فيكون ايجاد الارتباط بلفظة “في” تحصيلا للحاصل، وعليه فلايمكن ان يكون لفظة “في” موجدة للارتباط بين النار والموقد([17]).

وفيه أن ما ذكره مبني على ارادة المحقق النائيني “قده” كون الحرف موجدا للربط الكلامي، وأما بناء على التقريب الذي ذكرناه – من الحرف دال على معنى من سنخ الوجود الذهني -فلايرد عليه هذا الاشكال، هذا مضافا الى انه يكفي حين التلفظ بلفظ النار تصور الماهية المهملة للنار اي لحاظ هذا المفهوم مع عدم لحاظ شيء آخر معه، فلامانع حينئذ من لحاظ شيء آخر معه بعد ذلك، حيث انه لايخل بما كان سابقا من لحاظ ذات المعنى.

منها: ما حكي عنه ايضا في بدايع الافكار من ان وضع الهيئات على وزان وضع الحروف، وعلى تقدير الالتزام بايجادية الحروف لمعانيها في الكلام يلزم محذور عقلي في الهيئات، وهو انه يوجد في مثل “اضرب” اربع مراتب:

1-مرتبة معنى مادة الضرب.

2-مرتبة لفظ مادة الضرب وهذه المرتبة متأخرة عن مرتبة معنى مادة الضرب تأخرالدال عن مدلوله.

3-مرتبة هيئة الأمر وهي متأخرة عن المادة تأخر العارض عن معروضه.

4-مرتبة معنى الهيئة اي الطلب الإنشائي، وهي متأخرة عن الهيئة تأخر المعلول عن علته، وحيث ان معنى الهيئة موجودة في ضمن معنى المادة لعدم استقلالها فهو من مشخصات وجود معنى المادة في ضمن “اضرب”، ويكون مقوما له، وحينئذ فلابد ان يكون في مرتبته فيلزم حينئذ تقدم معنى الهيئة على نفسه بثلاث رتب، وتقدم الشيء على نفسه محال، وكذا يلزم تقدمه عن مرتبة علته اي هيئة الأمر برتبتين، وهذا خلف.

وفيه اولا: انه مبني على تفسيره لكلام المحقق النائيني من ان الحرف ليس له معنى وانما يوجد الربط الكلامي فحسب، ولايتم بناء على التقريب الذي ذكرناه، فانه بناء على هذا التقريب يكون لفظة “اضرب” حاكية عن مادة الضرب المتقيدة بالنسبة الطلبية، وليس شيء من مدلولها الموجود في ذهن المتكلم متأخرا عن مادة اللفظ وهيئته.

وثانيا: لايتم هذا الاشكال حتى على تفسيره، لان ما هو في المرتبة الاولى هو معنى المادة بذاته، وما هو في المرتبة الرابعة هو معنى المادة المتقيد بمعنى الهيئة، فما في المرتبة الأولى ليس متقوما بمعنى الهيئة حتى يلزم الخلف.

ومنها: ما حكي عنه ايضا في بدايع الافكار من انه لو لم‌تكن الحروف دالة على معنى بل كانت موجودة للربط الكلامي فقط فلايوجد دال يدل على النسبة الخارجية بين زيد والدار في قولنا زيد في الدار، وهذا يوجب نقص الكلام بلحاظ دلالته على المدلول بالعرض.

وفيه مضافا الى عدم ورود هذا الاشكال على التقريب الذي ذكرناه، فقد يجاب عنه بان الربط الظرفي الكلامي يحكي عن الربط الظرفي الخارجي على نحو حكاية الفرد المماثل عن مماثله وان لم‌يكن على نحو حكاية المفهوم الذهني عن مصداقه.

ومنها: ما حكي عنه ايضا في بدايع الافكارمن انه في مثل قول الآمر: “سِر من البصرة ” فحيث فرض كون الربط الابتدائي إيجاديا فيكون في صقع ايجاد الطلب ويتحد معه رتبة، وحيث انه داخل في المطلوب لافتراض كونه قيدا فيه، والمطلوب متقدم على الطلب رتبة تقدم المعروض على عارضه، فيلزم كون الربط الابتدائي في رتبة المطلوب مع انا فرضنا كونه في رتبة الطلب الذي هو متأخر عن المطلوب، وهذا خلف.

وفيه اولا: انه مبني على تفسيره المتقدم لكلام المحقق النائيني “قده” الذي مرالنقاش فيه.

وثانيا: ان ما هو قيد المطلوب هو الربط الابتدائي الخارجي بين السير والبصرة، فانه هو الذي يريد المولى من المكلف ان يوجده، فلاعلاقة له بايجاد الربط الكلامي الذي هو في صقع الطلب، فانه فعل المولى نفسه بما انه متكلم بهذا الكلام.

وثالثا: ان كون إيجاد الربط الابتدائي في صقع إيجاد الطلب لايقتضي اتحادهما في الرتبة وانما يقتضي تقارنهما زمانا.

ورابعا: ان كون الربط الابتدائي في رتبة الطلب لايقتضي تأخر الربط الابتدائي عن المطلوب الا بناء على ما قد يدعى من ان المساوي مع المتأخر متأخر، وهو غير صحيح، لان التقدم والتأخر الرتبي لايكون جزافا وانما يتبع الملاك، فالحرارة متأخرة عن النار تأخر المعلول عن علته، ولكنه لايقتضي تأخر البرودة ايضا -التي هي متحدة رتبة مع الحرارة – عن النار رتبة، لعدم اي ملاك يقتضي ذلك.

والحاصل أنه بناء على التقريب الذي ذكرناه لكلام المحقق النائيني” “قده” “من ان الحرف تدل على معنى من سنخ الوجودالذهني لايردعليه ايّ من الايرادات السابقة.

نعم يرد على ماذكره المحقق النائيني “قده” اولا: ان الوجدان اصدق شاهد على ان المعنى الحرفي من سنخ المفهوم الذي يطرأ عليه الوجود الذهني، ولاينافي ذلك افتراض كونه مفهوما غير مستقل، فمفهوم جملة “السير من البصرة” لايتعدد بتعدد وجوده الذهني تارة في ذهن المتكلم واخرى في ذهن السامع بعد افتراض عدم تغير طرفي هذا المعنى الحرفي وهو مفهوم السير ومفهوم البصرة، ومما يؤيد ذلك استبعاد كون هذه الجملة خالية عما يربط بين مفرداتها في مرتبة تقررها المفهومي.

وثانيا: ان تقسيمه الحروف الى حروف إنشائية وحروف نسبية تحكي عن النسب الخارجية تقسيم ناقص، لانتقاضه بمثل لام التعريف في قولنا “الرجل” فانها ليست انشائية ولاحاكية عن النسبة بين الشيئين، نعم لاينتقض بمثل حروف العطف كالواو (مثل قولنا الحرارة والبرودة لاتجتمعان) وأو والفاء وثم، فانها وان كانت لاتحكي عن نسب خارجية الا انها انشائية لانها توجد فردا من العطف.

وثالثا: ما حكي عن بعض السادة الأعلام “دام‌ظله” من ان الحروف الإنشائية مثل ليت ولعل لاتوجد الربط الكلامي، وانما هيئة الجملة توجد ذلك، فانه لايحسّ وجدانا بالفرق بين قولنا “ليت زيدا قائم “وبين قولنا “أتمنى ان زيدا قائم”، ولابأس بما أفاده.

ورابعا: ما ذكره السيد الخوئي “قده” من ان ما قاله المحقق النائيني “قده”- وفاقا للمشهور- من كون المعنى الحرفي ملحوظا آليا مخالف للوجدان، حيث انه قد يتعلق الغرض الاصلي في التفهيم والتفهم بنفس هذا المعنى الحرفي، كما في قولنا -ركب زيد على الدابة – في مقام الجواب عن السؤال عن كيفية ركوب زيد([18]).

وفيه ما مر من ان كون المعنى الحرفي معنى اندكاكيا متقوما بوجود الطرفين لاينافي تعلق الغرض الاصلي بتفهيمه وتفهمه.

وأما ما ذكره بعض الأعلام “قده” بانه في هذا المثال (اي قولنا ركب زيد على الدابة ) يكون السؤال في الحقيقة عن الطرف الآخر للنسبة اي ما ركب عليه زيد، لاعن نفس النسبة، نعم هناك مثال آخر أقرب للاستشهاد، وهو ما اذا رأينا شخصا في الطريق بين البصرة والكوفة و لم‌نعلم انه آت من البصرة ام ذاهب اليها فسئلناه” امن البصرة ام اليها”، فان السؤال ههنا يتعين ان يكون عن النسبة بين السير والبصرة وانها هي النسبة الابتدائية او الانتهائية، لاعن احد طرفيها لكونه معلوما والمجهول هو النسبة ولكن هذا المثال قابل للمناقشة ايضا بوجهين:

الاول: ما هو المقرر في علم العربية، من تعلق الجار بعامل مقدر، فالسؤال عنه لاعن النسبة، فيكون السؤال في قوة أن يقال” اتجيئ من البصرة ام تذهب اليها”.

الثاني: انه بعد ما عرفت ان النسبة من المعاني الآلية المغفولة عنها حال الاستعمال امتنع ان يتعلق به الالتفات واللحاظ الاستقلالي فلابد من حمل ما ظاهره تعلق الالتفات بالنسبة على غير ظاهره –كأن يكون الملحوظ هو العنوان الانتزاعي كعنوان النسبة الابتدائية مثلا-([19]).

وفيه ان هذين الوجهين خلاف الفهم العرفي جدا، فانه لايخطر بالبال عند سماع مثل قوله “ركب زيد على الدابة ” او قوله” أمن البصرة ام اليها” او قوله “هذا عليك لا لك”، المعنى المقدر او العنوان الانتزاعي.

القول الثاني: وضع الحروف للوجود الرابط

ما نسب الى المحقق الاصفهاني “قده” من أنه ادعى وضع الحروف للوجود الرابط الخارجي، بيان ذلك ان الفلاسفة قسّموا وجود الممكنات الى ثلاثة اقسام.

1-ما كان وجوده في نفسه ولنفسه وهو وجود الجوهر، فان وجوده يكون في نفسه حيث يمكن تصوره في الذهن باستقلاله، كما ان وجوده يكون لنفسه حيث لايحتاج الى موضوع.

2-ما كان وجوده في نفسه ولغيره وهو وجود العرض، فان وجوده يكون في نفسه حيث يمكن تصوره في الذهن باستقلاله، كما أن وجوده لغيره حيث ان وجوده في الخارج يحتاج الى وجود موضوعه، ويسمى العرض بالوجود الرابطي في الاصطلاح.

3- ما كان وجوده في غيره ولغيره وهو الوجود الرابط، ففي مثال بياض الجسم يوجد جوهر وهو الجسم وعرض وهو البياض ووجود رابط بينهما، وهذا الوجود الرابط لايوجد الا بتبع وجود طرفيه، والفرق بين الوجود الرابط وبين الوجود الرابطي هو ان الوجود الرابط بذاته متقوم بطرفيه لابوجوده فقط، واما الوجود الرابطي فان ذاته غير متقومة بطرفيه حيث توجد في الذهن مستقلا، وانما يلزم قيام وجوده الخارجي بالجوهر، وقد وضعت الاسماء على الجواهر والأعراض (وكذا على العناوين الانتزاعية كعنوان النسبة والربط) واما الحروف فقد وضعت للكون الرابط.

وقد اورد السيد الخوئي “قده” عليه اولا: بانه لايمكن ان يكون الموضوع له هو الوجود الرابط الخارجي، حيث انه لابد ان يكون المعنى الموضوع له مفهوما قابلا للانتقال الى الذهن، والوجود الخارجي لايمكن انتقاله الى الذهن، اذ كيف يعرض الوجود الذهني للوجود الخارجي مع انهما متقابلان والمقابل لايقبل المقابل، كما انه لايمكن ان يكون الموضوع له هو الوجود الذهني لامتناع وجوده ثانيا في الذهن لان المماثل لايقبل المماثل.

وثانيا: انه لو كان الأمر كما ذكره لزم عدم صحة استعمال الحروف في موارد يستحيل فيها الوجود الرابط الخارجي كما في قولنا الوجود لله تعالى واجب، وحيث لايحتمل الفرق بين المراد منها وبين المراد من سائر الاستعمالات فالمعنى في الجميع واحد، ولايمكن ان يكون هو الوجود الرابط الخارجي.

وثالثا: انه لاموجب للالتزام بالوجود الرابط الخارجي، لعدم برهان يقتضي ذلك عدا ما يقال من انه قد يعلم بوجود جوهر وعرض، ويشك في وجود العرض لذلك الجوهر فحيث يلزم تغاير المعلوم والمشكوك فيلزم ان يكون وجود العرض للجوهر غير وجود الجوهر ووجود العرض، ولكنه مخدوش لان اللازم تغاير الصورة الذهنية للمعلوم والمشكوك، الاترى انه قد يشك في وجود وصف له تعالى فيكون ذاته تعالى معلوما ووصفه مشكوكا مع كون اوصافه عين ذاته، وكذا قد يعلم بوجود شيء ولايعلم ماهيته مع ان الوجود والماهية متحدان خارجا، ولايتحقق وجود رابط بينهما([20]).

اقول: يرد على ما ذكره السيد الخوئي “قده” أن من لاحظ كلمات المحقق الاصفهاني “قده” يشاهد انه يرى ان وضع الحروف بإزاء واقع النسبة والربط المتقوم ذاته بوجود طرفيه خارجا او ذهنا من دون اخذ وجود طرفيه في الخارج او الذهن في المعنى، فقد ذكر مانصه:

ان الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي كالفرق بين الوجود المحمولي والوجود الرابط، وهذا لاينافي ما اخترناه من ان طرفي العلقة الوضعية طبيعي اللفظ وطبيعي المعنى، دون الموجود الذهني او الخارجي منهما لان الوضع للانتقال وهو نحو وجود ادراكي والمماثل لايقبل المماثل والمقابل لايقبل المقابل، فان المراد هناك عدم دخل الوجود العيني والوجود الذهني في الموضوع والموضوع له وان كان الموضوع له ماهية شخصية كما في الاعلام، فالنسبة الحقيقية وان كانت متقومة بطرفيها الموجودين عينا او ذهنا الا ان الموضوع له ذات تلك النسبة المتقومة بهما من دون دخل لوجود طرفيها في كونها طرف العلقة الوضعية وان كان لهما دخل في ثبوتها في حد ذاتها، فلاينتقل اليها الا بالانتقال الى طرفيها([21]).

ولذا ذكر ان المعنى الحرفي نظير الوجود الرابط، و لم‌يقل انه عينه، كما صرح في حاشيته على الكفاية ان الوجود الرابط يختص بمفاد الهليات المركبة الايجابية ولكن في نفس الوقت التزم بثبوت النسبة في مفاد الهليات البسيطة، وهذايدل على انه يرى الفرق بين الوجود الرابط والنسبة كما ذكر ان النسبة في الهلية المركبة الايجابية بمعنى “ثبوت شيء لشيء” وفي الهلية البسيطة بمعنى “كون هذا ذاك” كما ان النسبة قد تكون من النسب الخاصة المقومة للاعراض النسبية ككون الشيء في المكان اوفي الزمان اوغيرذلك([22])وعليه فالاشكالات الثلاثة مندفعة من اصلها.

ولو كان مقصود المحقق الاصفهاني”قده” وضع الحروف للوجود الرابط الخارجي ورد عليه اشكالات اشدّ من ذلك، لعدم تصور وجود رابط خارجي في القضية السالبة كقولنا زيد ليس في الدار او لارجل في الدار، وكذا قولنا العدم ثابت للعنقاء والامتناع ثابت للدور، بل يلزم كون الإخبار الكاذب بكون زيد في الدار مهملا لانتفاء معناه وهو الوجود الرابط الخارجي، وهذا واضح البطلان.

لادليل على ثبوت الوجود الرابط بين العرض ومحله

هذا ولابأس ان نذكر باختصار ما هو المختار حول ثبوت الوجود الرابط في الخارج فنقول: انه لادليل على ثبوت الوجود الرابط بين العرض ومحله، فان وجود العرض سنخ وجود متقوم بمحله، فلاحاجة الى وجود رابط يربط بينهما، نعم الربط بين العرض ومحله ثابت في عالم الواقع الذي هو اوسع من عالم الوجود، والشاهد على ان عالم الواقع اوسع من عالم الوجود انه يصح ان يقال “عدم العنقاء له واقعية” ولايصح ان يقال “عدم العنقاء له وجود” كما ان صدق قولنا “اجتماع النقيضين ممتنع” يكون بلحاظ مطابقته مع عالم الواقع، وحينئذ فنقول ارتباط العرض بمحله ليس له وجود وانما له واقعية، وهذا الارتباط يكون ثابتا في عالم الواقع بين المحمول والموضوع حتى في الممتنعات، فيقال “ثبوت الامتناع لاجتماع النقيضين بديهي”.

نعم بالنسبة الى الاعراض النسبية فقد ذكروا في الفلسفة بانها ناشئة من النسبة الخارجية بين شيئين، فعرض الاين مثلا يكون ناشئا من النسبة الظرفية الخارجية بين زيد وبين الدار فيحصل من هذه النسبة هيئة قائمة بزيد وهي كونه مظروفا للدار، وهذا هو عرض الاين، وان تم ما ذكروه فلابد ان يلتزم بحدوث عرض قائم بالدار أيضا وهو كونه ظرفا لزيد([23]).

فبناء على ذلك قد وجد في مثال كون زيد في الدار خمسة أشياء، اي وجد زيد والدار ووجدت النسبة الظرفية بينهما كما وجدت هيئة في زيد وتسمى بعرض الأين ووجدت هيئة في الدار.

ونحن وان كنا لانعترف بالوجود التكوينى للعرض النسبي كعرض الاين([24])، فلاتوجد هيئة في زيد حين كونه في الدار زائدا على وجوده ووجود الدار ووجود النسبة الظرفية بينهما والتي يعبر عنها بكونه في الدار، لكن نقبل بشهادة الوجدان وجود هذه النسبة الظرفية كوجود رابط بين زيد والدار بحيث يكون هذا الوجود الرابط زائدا على وجود زيد والدار ومغايرا لوجودهما ودعوى أن وجود زيد في الدارمثلا تطور من تطورات وجوده، كوجوده في زمان كذا، فليس له وجود مغاير لوجود زيد ووجود الدار، خلاف الوجدان الفطري والعرفي، كدعوى كونه ثابتا في عالم الواقع دون عالم الوجود التكويني نظير كون وجوده مقارنا لحادث كذا اوبعد حادث كذا اوقبل حادث كذا.

وكيف كان فقد تحصل مما ذكرناه ان مقصود المحقق الاصفهاني “قده” هو وضع الحروف لواقع النسبة لاالوجود الرابط الخارجي.

ولكن يرد عليه ان ما ذكره لايتم في جميع الحروف كحرف الاستفهام والتمني والترجي والنداء والقسم ونحو ذلك، فانها غير موضوعة للنسبة وانما وضعت لايجاد مصداق لجملة من العناوين، فحرف “هل” وضع لايجاد مصداق الاستفهام وحرف “ليت” وضع لايجاد التمني النشائي اوفقل لابراز التمني وكذا لام التعريف لم‌توضع للنسبة لتقوم النسبة بطرفين، مضافا الى ماسيأتي من ان حرف “في” مثلا وضع للدلالة على النسبة الظرفية الخارجية دون النسبة الذهنية.

 

 



[1] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص52

[2] – نهاية النهاية ج1ص10

[3] – شرح الكافية في النحو ج1ص10

[4] -كفاية الاصول ص11

[5] – نهاية الدراية ج1ص51

[6] -اجود التقريرات ج1ص 15

[7] -محاضرات في اصول الفقه ج1ص57

[8] – بحوث في علم الاصول ج1ص235

[9] – منتقى الاصول ج1ص94

[10]– محاضرات في اصول الفقه ج1 ص58

[11] -اجود التقريرات ج1ص16

[12]-محاضرات في اصول الفقه ج1ص58

[13] -مباحث الاصول ج1ص133

[14] – اجود التقريرات ج1ص16-21

[15] – تعليقة اجود التقريرات ج1 ص18، محاضرات في اصول الفقه ج1ص61

[16] – بحوث في علم الاصول ج1ص237- 244.

[17] -مقالات الاصول ج1ص93

[18] -محاضرات في اصول الفقه ج1ص67

[19] – منتقى الاصول ج1ص95-100

[20]– محاضرات في اصول الفقه ج1ص70

[21] – بحوث قي الااصول ص26

[22]– نهاية الدراية ج1ص52

[23] – الظاهر انهم لم‌يذكروا حدوث هيئة قائمة بالدار عند كون زيد فيها حتي لايندرج مقولة الاين في مقولة الاضافة، حيث انها هيئة حاصلة للشيئ من نسبة متكررة بينه وبين شيئ آخر كاخوة الاخ او ابوة الاب وبنوة الابن حيث انه يوجد في كل من طرفي النسبة عرض قائم به، فتثبت الاخوة لكل من الاخوين مثلا، وهكذا ذكروا في مقولة الجدة انها هيئة حاصلة لجسم من احاطة شيئ به كهيئة التعمم للرأس مع انه يوجد هيئة في العمامة ايضا من احاطتها بالرأس، وانما لم‌يذكروا هذه الهيئة الحاصلة في العمامة على وزان حصول هيئة في الرأس كي لا تندرج مقولة الجدة في مقولة الاضافة، والمظنون انهم اخذوا هذه المقولات والاعراض من اللغات الدارجة فلم يجدوا ما يدل على هيئة في المحيط وانما وجدوا ما يدل على هيئة في المحاط كالتعمم والتقمص والتنعل وما شابه ذلك.

[24] – بل قد انكر بعض الاعلام من الفلاسفة كالمحقق ملاعلي المدرس الزنوزي”ره” وجود العرض بشكل عام زائدا على وجود الجوهر، فالتزم بان العرض طور من اطوار الجوهر ومرتبة من مراتبه، ولابرهان على ابطال ما ذكره، نعم الوجدان العرفي والفطري يرى وجود العرض غير النسبي زائدا على وجودالجوهر، بل يمكن ان يقال بان كون العرض طورا من أطوار الجوهر منافٍ لما في نهج البلاغة من قوله “(عليه‌السلام) ” (وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير موصوف) حيث يدل على ان اتحاد الذات والصفات من مختصاته تعالى.