فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

ادلة الاستصحاب.. 2

صحیحة الزرارة الثانیة. 2

اشکالات علی دلالة هذه الصحيحة على الاستصحاب.. 2

الايراد الاول ما ذكره الشيخ الأعظم. 2

اجوبة عن هذا الایراد 2

الجواب الاول: ما في الكفاية. 2

الايراد الثاني : أن مدلول الصحيحة موافق للعامة و مخالف للروايات المعصومین.. 14

کلام محقق العراقی: عدم المانع من جريان أصالة الجد في بيان كبرى الاستصحاب.. 14

مناقشه. 15

عدم صدور الصحیحه تقیتا 17

بیان النتیجه. 19

الايراد الثالث : ما ذكره المحقق العراقي.. 19

جواب محقق الخویی.. 20

مناقشه. 20

الايراد الرابع : استصحاب عدم الركعة الرابعة لا يجري ، لكونه من قبيل الاستصحاب في الفرد المردد 22

مناقشه. 23

الايراد الخامس : ما ذكره السيد الصدر. 23

مناقشه: کفایة وجود اثر سلبي في خلَفية الشك في الاتيان بالرابعة. 24

الايراد السادس : ما في كتاب الاضواء 27

مناقشه. 28

بیان المختار: دلالة الصحيحة على الاستصحاب تامة. 32

 

 

 

ادلة الاستصحاب

صحیحة الزرارة الثانیة

اشکالات علی دلالة هذه الصحيحة على الاستصحاب

ثم انه اورد على دلالة هذه الصحيحة على الاستصحاب عدة ايرادات:

الايراد الاول ما ذكره الشيخ الأعظم

الايراد الاول: ما ذكره الشيخ الأعظم “قده” من انّه لو اريد منها الركعة المتصلة فهذا مذهب العامة فلابد من أن تحمل على التقية، و إن اريد الركعة المفصولة و البناء على الأكثر فهذا على خلاف الاستصحاب، لأن الاستصحاب يوجب الغاء الشك في الاتيان بالرابعة و البناء على عدم الاتيان بها، و اثره الاتيان بالركعة المتصلة، فالمراد من قاعدة البناء على اليقين فيها قاعدة أخرى غير الاستصحاب، و معناها لزوم سلوك طريق يقيني لا مشكوك([1]).

اجوبة عن هذا الایراد

و قد اجيب عن هذا الايراد بعدة اجوبة:

الجواب الاول: ما في الكفاية

ما في الكفاية من أن الاحتياط بإضافة ركعة منفصلة لا ينافي كون المراد من اليقين في الصحيحة اليقين بعدم الركعة المشكوكة فيراد استصحابه، لا قاعدة لزوم تحصيل اليقين، فان أصل الإتيان ب‍الركعة يكون باقتضاء الاستصحاب، غاية الأمر إتيانها منفصلة ينافي إطلاق النهي عن نقض اليقين بالشك، و قد قام الدليل على تقييده في الشك في الركعات و أنه لابد من الاتيان بالركعة المشكوكة منفصلة([2]).

مناقشات

و قد توقش في هذا الجواب بعدة مناقشات:

المناقشة الاولى: عن المحقق الاصفهاني

المناقشة الاولى: ما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” من أن اعتبار وصل الرابعة كسائر شرائطها يكون باطلاق الأدلة الواقعية لا الاستصحاب، و دليل لزوم الاتيان بها منفصلة مقيد لتلك الإطلاقات، لا لإطلاق دليل الاستصحاب، فما في‏ الكفاية من دعوى تقييد إطلاق النقض لا يخلو عن مسامحة([3]).

اشکال

اقول:

لا اشكال في أن جواز ضم ركعة منفصلة يبدأ فيها بتكبيرة الاحرام و يتخلل بينها و بين الصلاة الاصلية التشهد و السلام، لابد أن يثبت كحكم واقعي ثانوي في حال الشك، و يكون مقيدا للاطلاقات الاولية، فلا يمكن أن يتكفل الاستصحاب لاثباته.

و لكن يمكن أن يكون مقصود صاحب الكفاية أن استصحاب عدم الرابعة انما يجري بعد ورود ادلة صلاة الاحتياط بغرض نفي الاجتزاء بالصلاة من دون اضافة ركعة، فلا يجري مثلا للاجتزاء بضم ركعة متصلة، و ان كان الحكم الواقعي في حق الشاك بين الثلاث والأربع مع عدم اتيانه بالرابعة واقعا هو التخيير بين ضم ركعة متصلة او ضم ركعة منفصلة.

المناقشة الثانية: عن المحقق الاصفهاني ایضا

المناقشة الثانية: ما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” ايضا، ومحصله بتوضيح منا أن ما ادعاه صاحب الكفاية من كون دليل صلاة الاحتياط موجبا لتقييد الاستصحاب لا مباينا له، غير متجه، فانه تارة نقول بكون صلاة الاحتياط صلاة مستقلة، لها أمر مستقل، تكون على تقدير نقص الصلاة جابرة لها من حيث مصلحتها و على تقدير التمامية نافلة، و أخرى نقول بكونها جزء الصلاة التي وقع الشك في أثنائها، بحيث يدور أمرها بين وقوعها جزءً حقيقة من الصلاة، على تقدير النقص، و لغواً صرفاً على تقدير التمامية.

فان قلنا بالأول، فالمفروض أن الأمر بصلاة الاحتياط أمر مستقل بصلاة مستقلة، وليس بقاء الأمر الاول، لا واقعاً و لا ظاهراً، فلا يعقل أن يطبق عليه الاستصحاب بعد أن كان مفاده بقاء الأمر الواقعي تعبداً.

و إن قلنا بالثاني فمقتضى جزئيتها كونها مأموراً بها بعين الأمر بالصلاة، إذ لا وجوب استقلالي للجزء الحقيقي، و من الواضح عدم كون الصلاة الواجبة بالوجوب النفسيّ الممكن بقاء أمرها واقعاً بعينه مشتملة على تسليمتين و تكبيرتين، فليس الإشكال من حيث مانعية زيادة التسليم و تكبيرة الاحرام، حتى يقال بتقييد إطلاق أدلة المانعية، و بقاء الأمر بذوات الاجزاء على حالها، بل الإشكال من حيث وجوب هذه الزيادات بنحو الجزئية، التي لا مجال لدخولها في الواجب، الا بتبدل الأمر بما عداها إلى الأمر بما يشتمل عليها، فلا محالة هناك أمر آخر بصلاة مشتملة عليها، إما واقعاً أو ظاهراً و على أي حال لا يعقل عنوان بقاء الأمر الواقعي تعبداً، كما هو مفاد الاستصحاب([4]).

اشکال

و فيه اولا: ان نقض اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة يكون بالاكتفاء بالمتيقن بلا زيادة ركعة، ولا يشترط في صدقه التعبد ببقاء الامر السابق، بل قد يكون اثره ثبوت امر جديد.

وثانيا: ان الظاهر من ادلة صلاة الاحتياط -كما سياتي توضيحه- تعلق الامر من الاول بالجامع بين اربع ركعات متصلات او ثلاث ركعات مع ركعة رابعة منفصلة في حال الشك بين الثلاث و الاربع([5])، وبهذا يقيد الاطلاقات الاولية المقتضية لوجوب الاتيان باربع ركعات متصلات.

وعليه فيكون اثر استصحاب عدم الاتيان بالركعة الرابعة، بقاء الامر بالجامع، ما لم يأت بركعة رابعة منفصلة، ولا يكون اثره اثبات امر جديد، وان كان اثر الاستصحاب قبل قيام ادلة صلاة الاحتياط بقاء الامر باتيان اربع ركعات متصلات فكان يلزم ضم ركعة رابعة متصلة.

و لولا ظهور ادلة صلاة الاحتياط في تعين الركعة المنفصلة ظاهرا و عدم الاجتزاء بضم ركعة أخرى متصلة لكان مقتضى الاستصحاب الاجتزاء بضم ركعة أخرى متصلة، حيث يستصحب عدم الاتيان بالرابعة قبلها و عدم زيادة ركعة بها في الصلاة، الا أن ظهور تلك الادلة في عدم الاجتزاء بها ظاهرا يعني الغاء الاستصحاب بلحاظ الاجتزاء بها، و انما يجتزء بضم ركعة أخرى منفصلة.

و لكنه لا يعني أنه لو اتى بركعة أخرى متصلة رجاء بطلت صلاته واقعا، فانه لا دليل عليه ابدا، فلو اتى بها ثم انكشف له وقوعها في محله اجتزء بها، و هذا يعني كون الحكم الواقعي ما ذكرناه من وجوب الجامع بين اربع ركعات متصلات او ثلاث ركعات مع ركعة رابعة منفصلة حال الشك بين الثلاث و الاربع.

وثالثا: انّا لم نفهم وجه تفصيله بين مانعية السلام وتكبيرة الاحرام وجزئيتهما بالالتزام بامكان رفع مانعيتهما مع بقاء الامر السابق بالصلاة بحاله، وأما جعل جزئيتهما فلا يعقل الا بحدوث امر استقلالي جديد بالصلاة المشتملة عليهما.

فان الصحيح أن جعل المانعية مثل جعل الجزئية والشرطية لا يعقل الا بتغير في الامر الاستقلالي بالمركب، كما سيأتي في بحث الاحكام الوضعية.

المناقشة الثالثة: عن المحقق الخوئي

المناقشة الثالثة: ما ذكره السيد الخوئي “قده”، فانه بعد ما نسب الى صاحب الكفاية أنه يقول: ان الصحيحة ساكتة عن كون الركعة الأخرى متصلة أو منفصلة، و انما تدل على عدم جواز نقض اليقين بالشك، و البناء على الأقل، و الإتيان بركعة أخرى بلا قيد الاتصال أو الانفصال، و أخذنا قيد الانفصال من روايات أُخر دالة على وجوب البناء على الأكثر و الإتيان بالمشكوك فيها منفصلة، فمقتضى الجمع بين الصحيحة و هذه الروايات هو تقييد الصحيحة بها و الحكم بوجوب الإتيان بركعة أخرى منفصلة.

اشکال

اورد عليه أن مقتضى أدلة الاستصحاب هو البناء على اليقين السابق و عدم الاعتناء بالشك الطارئ، و فرض وجوده بمنزلة العدم، و لازم ذلك وجوب الإتيان بركعة أخرى متصلة، فليس التنافي بين الصحيحة على تقدير دلالتها على الاستصحاب و بين الروايات الأخر بالإطلاق و التقييد، حتى يجمع بينهما بتقييد الصحيحة بها، بل بالتباين، لدلالة الصحيحة على وجوب الإتيان بركعة أخرى متصلة، و الروايات الأخر على وجوب الإتيان بها منفصلة، فالأخذ بالصحيحة يستلزم رفع اليد عن الروايات الأخر التي عليها اعتماد المذهب([6]).

وفيه أن ما فهمه من عبارة صاحب الكفاية من أن اطلاق الاستصحاب ساكت عن الاتيان بالركعة الأخرى متصلة او منفصلة غير صحيح، فانه صرح في الكفاية بأن اتيان الركعة المنفصلة ينافي اطلاق الاستصحاب، كما ذكر في حاشية الرسائل أنّ مقتضى اطلاق الاستصحاب لزوم البناء على عدم الرابعة، و لزوم الإتيان بركعة أخرى متصلة، و قد قيّد هذا الاطلاق بما دل على لزوم كونها منفصلة، فيكون لزوم البناء على عدم الوقوع بلحاظ خصوص أثر لزوم الإتيان بالرّكعة، لا بلحاظ تمام آثاره([7]).

فيكون مدعى صاحب الكفاية نفس ما اورد عليه السيد الخوئي من أن نتيجته التباين بين مفاد مدلول الصحيحة بناء على دلالتها على الاستصحاب، و ادلة وجوب صلاة الاحتياط، حيث ان مقتضى الاول ضم ركعة متصلة ومقتضى الثاني ضم ركعة منفصلة.

وحينئذ نقول: حتى لو كان مقتضى اطلاق الاستصحاب الذي دلت عليه الصحيحة لزوم الاتيان بركعة أخرى متصلة، كما قبله صاحب الكفاية، فبعد قيام الدليل على لزوم الاتيان بها منفصلة، فلا يطرح الاستصحاب بأصله، و انما يجري لنفي جواز الاكتفاء بتلك الصلاة من دون ضم ركعة أخرى، و انما لا يجري لاثبات وجوب ضم ركعة أخرى متصلة.

و عليه فلا يتم ما قد يقال (من أن اثر الواقع الذي جرى الاستصحاب بلحاظه شيء واحد، و هو لزوم ضم ركعة أخرى متصلة، و لا معنى لحله الى اثرين احدها لزوم ضم ركعة و الآخر لزوم اتصالها، كما لا معنى لكون نتيجة الاستصحاب بعد تقييده لزوم ضم ركعة منفصلة، فانه لابد في الحكم الظاهري من احتمال مطابقته مع الواقع او فقل احتمال وجود ذلك الاثر الذي يراد اثباته او نفيه ظاهرا).

وعليه فما اجاب به صاحب الكفاية عن ايراد الشيخ الاعظم تام.

كون موضوع وجوب صلاة الاحتياط مركبا من الشك بين الثلاث و الاربع و عدم الاتيان بالركعة الرابعة واقعا

الجواب الثاني: ما ذكره المحقق النائيني([8])، و ارتضاه السيد الخوئي([9]) “قدهما” و حاصله أن معنى إجزاء الصلاة الواقعة فيها زيادة التشهد و التسليم عند الشك في الركعات عن الواقع هو توسعة الواقع، بمعنى أن الواجب على المتيقن هو الصلاة بلا زيادة التشهد و التسليم، و على الشاك بين الثلاث و الأربع مثلا، هو الصلاة الواقعة فيها زيادة التشهد و التسليم، لكن مع التقييد بعدم الإتيان بالركعة الرابعة في الواقع، لأن المستفاد من الروايات أن وجوب الإتيان بالركعة المنفصلة على الشاك بين الثلاث و الأربع مختص بما إذا لم يأت بالرابعة في الواقع، فمن شك بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع و تشهد و سلّم ثم لم يأت بالركعة المنفصلة نسيانا أو عمداً، ثم انكشف أنه أتى بالركعة الرابعة ليس عليه شي‏ء، فيكون الموضوع لوجوب الركعة المنفصلة مركبا من جزءين: احدهما كون المكلف شاكاً بين الثلاث و الاربع، و ثانيهما: عدم اتيانه بالرابعة، فإذا شك المكلف بين الثلاث و الأربع، فقد احرز الجزء الاول بالوجدان، و يحرز الجزء الثاني، و هو عدم الإتيان بالرابعة، بالاستصحاب، فيحكم بوجوب الإتيان بالركعة المنفصلة.

و فيه اولا: ان لازم كون الشاك بين الثلاث و الاربع مع عدم اتيانه بالاربع قبل الشك مكلفا بركعة أخرى منفصلة بطلان صلاته فيما لو اتى بالركعة الرابعة متصلة لجهله بالحكم او رجاء، و لو انكشف له بعد الصلاة عدم اتيانه بالرابعة قبل الشك، مع أنه لا موجب لبطلانها واقعا بعد عدم ظهور ادلة صلاة الاحتياط في ذلك، حيث ان مفادها أن نكتتها لزوم احراز الامتثال.

و قد نقل في الدراسات عن السيد الخوئي أنه قال: ان تبدل وظيفة الشاك الى وجوب الركعة المنفصلة ليس على إطلاقه، و إنما هو فيما إذا لم يكن آتيا بالركعة المشكوكة، بداهة صحة صلاة من شك فيها و لم يأت بما هو وظيفته من الركعة المفصولة نسيانا أو عصيانا، أو أتى بها متصلة ثم انكشف مطابقة ما أتى به للواقع، فيستفاد من مجموع ذلك أن من شك بأحد الشكوك الصحيحة و لم يكن في الواقع آتيا بالركعة المشكوكة تبدلت وظيفته بالإتيان بها منفصلة، فموضوع التبدل مركب من الشك و عدم الإتيان بالمشكوك فيه واقعا([10]).

و هذا ينافي الالتزام بوجوب صلاة الاحتياط تعيينا على الشاك مع عدم اتيانه بالرابعة قبل الشك، فلابد من الالتزام بكونه مخيرا واقعا بينها و بين ركعة متصلة و لو من باب أن من لم يأت بالركعة الرابعة المتصلة قبل الشك و بعده يكون مكلفا بوجوب صلاة الاحتياط، و حينئذ فلابد من المنع عن جريان استصحاب عدم الرابعة قبل الشك و عدم زيادة ركعة بركعة أخرى متصلة كحكم ظاهري، و هذا يعني تقييد دليل الاستصحاب، مع أنه انكره في اشكاله على صاحب الكفاية، و ذكر أن الاستصحاب و دليل صلاة الاحتياط متباينان.

و ثانيا: ان جعل هذه الاحكام من انقسامات التكاليف حسب انقسام المكلفين خلاف الظاهر جدا، اذ لازمه أن المكلف يجب عليه اربع ركعات متصلات، فاذا شك يرتفع ذلك الوجوب و يحدث وجوب آخر ضمني بصلاة الاحتياط منضمة الى ما اتى به من ثلاث ركعات مع التشهد و التسليم في آخر الثالثة، فاذا خالف و اتى بالمنافي قبل صلاة الاحتياط يحدث في حقه وجوب ثالث مشابه للوجوب الاول باربع ركعات متصلات و هكذا، و هذا غريب جدا، و كيف يحدث امر استقلالي بمركب مع فرض تحقق بعض اجزاءه سابقا، و لا يعقل جعل الامر الضمني الا في ضمن جعل الامر الاستقلالي بالمركب.

هذا مضافا الى أن وجوب صلاة الاحتياط حيث لا ينشأ من ملاك جديد يحدث بحدوث الشك بين الثلاث والاربع، وانما ينشأ عن قيام الملاك بالجامع فالمناسب له تعلق الامر بالجامع ايضا.

على أنه حيث لا يتعين الاتيان بصلاة الاحتياط من ناحية التكليف بالصلاة، بل لا يتعين مطلقا لعدم دليل واضح على وجوب اتمام الصلاة التي بدأ بها او حرمة قطعها، فقد يكون الواجب هو الجامع بين صلاة الاحتياط والاتيان بصلاة أخرى.

وكيف كان فالظاهر عدم كون الشك موضوعا لحدوث تكليف جديد، بل هناك وجوب واحد متعلق بالجامع بين اربع ركعات متصلات او ركعة منفصلة حال الشك، وكل مكلف مأمور بهذا الجامع، وما في مباحث الاصول من قبول أن العرف يرى تعدد الوجوب وان كان الوجوب واحدا ثبوتا([11])، لعل المقصود منه تسامح العرف الذي لا عبرة به.

مناقشات اخری علی قول محقق النایینی

هذا وقد نوقش في هذا الجواب الذي ذكره المحقق النائيني و تبعه السيد الخوئي من كون موضوع وجوب صلاة الاحتياط مركبا من الشك بين الثلاث و الاربع و عدم الاتيان بالركعة الرابعة واقعا بعدة مناقشات أخرى قابلة للجواب:

المناقشة الاولى:

ما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” من أنه إن كان الأمر بصلاة الاحتياط متعلقاً بمن لم‌ يأت بالركعة الرابعة واقعاً، فلا محالة لا يمكن أن يصير هذا الامر فعليا، إذ فعلية الحكم بوصوله كبرى وصغرى، والمفروض عدم امكان وصول صغراه، اذ لو وصل الى المكلف عدم اتيانه بالركعة الرابعة يرتفع شكه بين الثلاث والأربع، وعليه فحيث لا يعقل أن يكون الأمر الواقعي بصلاة الاحتياط مترتباً على عدم الإتيان بالركعة الرابعة، فلا مجال للتعبد الظاهري الاستصحابي بعدم الاتيان، إذ هو فرع معقولية التكليف الواقعي حتى نحتمله باحتمال ثبوت موضوعه واقعاً([12]).

و فيه اولا: انه يكفي في داعوية الحكم الواقعي تنجزه بقيام الاصل المنجِّز لتحقق موضوعه، ومعه فلا يستحيل جعل هذا الحكم الواقعي، وان شئت قلت: يكفي في امكان جعله امكان تنجزه بحجة استصحابية، او بقاعدة الاشتغال، حيث ان الشك في الاتيان بالركعة الرابعة قبل الشك مجري لقاعدة الاشتغال، ومعه فيرتفع الاشكال، على أن مبنى توقف فعلية الحكم على وصوله ممنوع.

نعم الانصاف عدم عقلائية جعل التكليف مغيىً بعدم العلم به فضلا عن جعله مغيىً بعدم وصوله بطريق معتبر، فان الاثر العقلائي للتكليف هو المحركية على تقدير الوصول، و لكن الامر الواقعي بصلاة الاحتياط ليس مغيىً مباشرة بعدم العلم به، وانما موضوعه مركب من الشك بين الثلاث والاربع وعدم الاتيان بالركعة الرابعة فليس لغوا عرفا.

و ثانيا: انه بناء على تكليف الجميع بالجامع بين اربع ركعات متصلات او ثلاث ركعات مع ركعة منفصلة حال الشك، لا يتم هذا الاشكال، و لعله حاقّ مقصود المحقق النائيني “قده”.

المناقشة الثانية: ما ذكره ايضا من أن الموضوع كما يشهد له أدلة صلاة الاحتياط من شك بين الثلاث و الأربع، من دون تقييده بعدم الاتيان بالرابعة واقعا، نعم حيث أن الغرض منها جبر النقص، فلا محالة لا تكون واجبة مع فرض الاتيان بالركعة الرابعة واقعا، نظير الأوامر الطريقية، لا أن موضوع التكليف متقيد بعدم الإتيان([13]).

و فيه أن الاهمال الثبوتي غير معقول، كما ان اطلاقه كحكم واقعي لفرض الاتيان بالرابعة واقعا خلاف ما ثبت في الفقه من صحة الصلاة و لو لم يأت بصلاة الاحتياط اذا كانت تامة واقعا، فلابد من الالتام بالتقييد.

المناقشة الثالثة: ما قد يقال من أن كون موضوع وجوب صلاة الاحتياط الشاك مع عدم اتيانه بالرابعة واقعا منافٍ لمبنى المحقق النائيني و السيد الخوئي “قدهما” من كون الاستصحاب مصداقا تعبديا للعلم بالواقع، فيقوم استصحاب عدم الاتيان بالركعة الرابعة مقام العلم الوجداني به، و هذا يعني الغاءه للجزء الاول لموضوع وجوب صلاة الاحتياط.

وفيه أنه يمكن التخلص عنه بأن يقال ان مقتضى ادلة صلاة الاحتياط كون موضوعها الشك الوجداني الذي لم تلغه البينة، و لا فرق في ذلك بين كون الغاء الاستصحاب للشك من باب الحكومة -بأن يكون ظاهر دليل الشك الشك الوجداني و يكون دليل الاستصحاب دالا على تنزيل الاستصحاب منزلة العلم و عدم الشك- او من باب الورود بأن يكون الشك في قبال العلم الاعم من العلم الوجداني او الاعتباري، كما هو مقتضى مبانيهما، فانه بناء على الورود ايضا انما يتم الورود لو أخذ في موضوع الحكم الشرعي طبيعي الشك دون خصوص الشك الوجداني المقابل للعلم الوجداني، و الا فمن الواضح عدم الغاء الاستصحاب لهذا الشك، و ان كان مفاده العلم الاعتباري بعدم الاتيان بالرابعة، او يقال بأن مقتضى ادلة صلاة الاحتياط عدم التعبد بالعلم في خصوص الشك في الركعات، فيكون الاستصحاب فيه منجزا للواقع فقط على وزان دليل وجوب الاحتياط، ودليل هذا الاستصحاب نفس صحيحة زرارة الثالثة.

المناقشة الرابعة: ما قد يقال من أن هذا التصوير للأمر بصلاة الاحتياط و ان صح ثبوتا و لكنه لا يصح عرفا حمل الصحيحة عليه، اذ لابد من فرض تبدل الحكم الواقعي اولاً عند الشك بين الثلاث و الاربع مع عدم الاتيان بالرابعة واقعا، ثم يقال بأن الاستصحاب أثبت احد جزئي موضوع هذا الحكم، مع أنه لم يفرض ذلك في الصحيحة، و انما يستفاد منها كون هذا الحكم نتيجة الاستصحاب.

و هذا الاشكال ان تم فيأتي حتى على ما اخترناه من ثبوت تكليف في حق كل مكلف بالجامع بين اربع ركعات متصلات او ثلاث ركعات مع ركعة أخرى منفصلة عند الشك.

و فيه اولا: ما مر من أن غايته أن الاستصحاب في الصحيحة أجري لنفي الاكتفاء بتلك الصلاة مع عدم ضم ركعة أخرى اصلا، و هذا لا يتوقف على ادلة صلاة الاحتياط.

و ثانيا: أن توقف جريان الاستصحاب لاثبات احد جزئي موضوع صلاة الاحتياط ثبوتا لا ينافي دلالة الصحيحة على اقتضاء الاستصحاب لضم ركعة أخرى منفصلة و علينا التخريج الثبوتي على وفقه.

الايراد الثاني : أن مدلول الصحيحة موافق للعامة و مخالف للروايات المعصومین

الايراد الثاني: ما يقال من أن مدلول الصحيحة هو لزوم ضم ركعة متصلة وهذا موافق للعامة ومخالف للروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) من لزوم ضم ركعة منفصلة، فلابد أن تحمل على التقية، ومعه لا مجال للاستدلال بها على الاستصحاب.

کلام محقق العراقی: عدم المانع من جريان أصالة الجد في بيان كبرى الاستصحاب

وقد اجاب المحقّق العراقي “قده” عن هذا الايراد بأن غايته كونه موجبا للحمل على التقية في تطبيق كبرى الاستصحاب على مورد الشك في الركعات، و لكنه لا يمنع من جريان أصالة الجد في بيان كبرى الاستصحاب، فتكون نظير رواية رفاعة عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم فقلت ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا فقال يا غلام عليّ بالمائدة فأكلت معه و أنا أعلم و الله أنه يوم من شهر رمضان فكان إفطاري يوما و قضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي و لا يعبد الله([14])، حيث ان تطبيق كبرى نفوذ حكم الامام العادل في امر الهلال على ابي العباس السفاح -الخليفة العباسي- و ان كان ناشئا عن التقية، لكن تجري أصالة الجد في بيان الكبرى.

ثم ذكر: ان ما يقال في المقام من منافاة حمل صحيحة زرارة على التقية حتى في مقام التطبيق على المورد لما في صدر الرواية من الظهور في إرادة صلاة الاحتياط على خلاف مذهب العامة، ففيه أنه لا ظهور في صدر الرواية في خلاف التقية بنحو يمنع عن حمل هذه الفقرة على التقية بعد ظهور الجواب فيها في البناء على الأقل الذي هو مقتضى الاستصحاب.

و لو سلم ذلك فلا يكون بأبعد من حمل الشيخ الاعظم لها على لزوم تحصيل اليقين بالاتيان بالوظيفة المقررة في الشك في عدد الركعات، بل يكون الحمل على التقية في تطبيق القاعدة على المورد اقرب من حمل اليقين فيها على تحصيل اليقين بالبراءة بإتيان الوظيفة المعهودة في الشك في عدد الركعات، إذ لا يلزم منه التصرف فيما يقتضيه ظهور قوله “لا تنقض اليقين بالشك” لأن التصرف انما يكون ممحضا في تطبيق القاعدة التي استشهد بها لحكم المورد، لا في أصل كبرى حرمة النقض.

كما أن ما يورد على ما ذكرنا من أن احتمال التقية في تطبيق القاعدة على المورد معارض باحتمالها في أصل بيان الكبرى، و مع الجزم باعمال تقية في البين تسقط أصالة الجهة من الطرفين، و مع سقوطها لا يبقى مجال الاستدلال بأصل الكبرى أيضا، فيدفعه أن تحقق المعارضة بينهما فرع ترتب أثر عملي على أصالة الجهة في التطبيق حتى في فرض صدور الكبرى تقية، و إلّا فبدونه لا تجري فيه الأصل المزبور، و حيث انه لا أثر عملي يترتب عليها في الفرض المزبور فتبقى أصالة الجهة في أصل الكبرى بلا معارض، فتصح الاستدلال بالرواية حينئذ بالنسبة إلى أصل الكبرى([15]).

مناقشه

اقول: كان الصحيح أن يقول المحقق العراقي “قده” انه يعلم تفصيلا بعدم جدية تطبيق ظهور الاستصحاب في الشك في الركعات، و لو لأجل عدم الارادة الجدية في الظهور الكبروي، و معه لا موضوع لأصالة الجد فيه، و الا فالمعارضة في الأمارات لا تتبع الاثر العملي فيها بل يكفي فيها كون المدلول الالتزامي لاحداهما نفي الأخرى.

و لكن يورد على المحقق العراقي اولاً: بأن ما ذكره ان تم فانما يتم فيما لو كان هناك ظهوران مستقلان، فعلم بالتقية في احدهما تفصيلا، وشكّ في الآخر، كما في رواية رفاعة، بينما أنه يوجد في صحيحة زرارة ظهور مطابقي واحد، وهو تطبيق الامام “لا تنقض اليقين بالشك” على الشك في الركعات، واستفادة الكبرى منها تكون بنحو الدلالة الالتزامية، والدلالة الالتزامية تابعة على المسلك الصحيح للدلالة المطابقية في الحجية.

و ثانيا: انه مع وجود قرينة ارتكازية متشرعية شيعية على عدم لزوم ضم الركعة المتصلة، فهذا مما يصلح للقرينية على المنع من انعقاد ظهور النهي عن النقض في الاستصحاب، بل يكفي عندنا احتمال وجود هذا الارتكاز المتشرعي في عدم احراز الظهور.

فالظاهر أن يجاب عن اصل الايراد بظهور الصحيحة في لزوم الركعة المنفصلة، ولا أقل من امكان حملها عليه في مقام الجمع العرفي بحيث يجمع بين التمسك بالاستصحاب وبين لزوم ركعة منفصلة كما بيناه سابقا، فان الظاهر منها كون حكم الفقرة الثانية فيها من حيث اتصال الركعة و انفصالها مثل حكم الفقرة الاولى، و في الفقرة الاولى و ان لم يذكر الانفصال بصراحة حيث لم يرد فيها أنه يسلِّم ثم يأتي بركعتين في الشك بين الاثنين و الاربع، لكن التركيز على أنه يقرأ فيهما فاتحة الكتاب، و قد روى زرارة نفسه روايات تأمر بالتسبيحات الاربعة في الركعتين الأخيرتين، يوجب الظهور للعرف الشيعي في الانفصال، و احتمال كونه في مقام التقية من هذه الجهة ايضا حيث يرى العامة لزوم الفاتحة في الاخيرتين ايضا غير عرفي جدا، مع تبرع الامام ببيانه، و كذا التركيز على أنه ياتي فيهما بركوعين و اربع سجدات -مع أنه لو كان المراد الاتيان بالركعتين الاخيرتين للصلاة لم يكن وجه عرفي لذكر هذه الخصوصيات- لا يبقي مجالا للشك في العرف الشيعي في ظهورها في لزوم الانفصال.

و قد يؤيّد كون الامام بصدد تفهيم زرارة الحكم الواقعي ببيان لا يفهمه العامة ما في كلامه (عليه السلام) في الفقرة الثانية من تكرار الجمل، فاذا صارت الفقرة الاولى واضحة في الانفصال فالظاهر من الصحيحة كون الفقرة الثانية مثلها.

و في الصحيحة قرينة أخرى على كون المراد هي الركعة المنفصلة، و هي قوله “و لا يدخل الشك في اليقين، و لا يخلط أحدهما بالآخر” فان ظاهر عدم خلط الشك باليقين و بالعكس هو الإتيان بالركعة المشكوكة منفصلة عن الركعات المتيقنة.

بل يقال: ان إصرار الإمام على هذا الحكم و بيانه بعبائر مختلفة حيث قال “قام فأضاف إليها ركعة اخرى، و لا شي‏ء عليه، و لا ينقض اليقين بالشكّ، و لا يدخل الشكّ في اليقين، و لا يخلط أحدهما بالآخر، و لكن ينقض الشكّ باليقين، و يتمّ على اليقين، فيبني عليه، و لا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات”، قرينة على عدم التقية، فإنّه من المعلوم أنّ مثل هذا الحرص على البيان و التأكيد لا يكون غالباً إلّا عند بيان الحكم الواقعي، و إذا كان المقصود بيان حكم على خلاف الواقع تقيّة فأيّ داع إلى هذا التكرار و التأكيد على خلاف الواقع([16]).

عدم صدور الصحیحه تقیتا

والحاصل أنه يوجد ظهور قوي للصحيحة في عدم التقية الا بلحاظ العدول الى تعابير قد لا يفهم منها العامة لزوم الانفصال او يكون للامام مخرج في توجيه ما قاله، و لكن الفقيه الشيعي يفهم مقصود الامام حسب الظهور لديه فقد ورد عنهم “لا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا([17])، و عن غيبة النعماني “إنا و الله لا نعدّ الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له فيعرف اللحن‌([18])، فلا ينبغي أن تعدّ هذه الصحيحة من جملة الروايات الظاهرة في البناء على الاقل، و ان لم تكن على هذا الفرض مخالفة للمذهب ايضا لامكان حملها على التخيير كما صنعه الصدوق، و ان كان التخيير خلاف المشهور.

و ما ذكرناه من قوة ظهور الصحيحة في عدم التقية لا ينافي احتمالات ثبوتية قد تطرح في المقام، من قبيل ما ذكره بعض السادة الاعلام “دام ظله” من أن ابتداء الامام (عليه السلام) بالفقرة الثانية لا ينافي صدورها تقية، فانه قد يحتم الموقف على الانسان ان يبتدء بما فيه التقية من غير سبق سؤال، و قد وقع نظير ذلك في صحيحة حمران قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) إن في كتاب علي (عليه السلام) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم قال زرارة قلت له هذا ما لا يكون اتقاك عدو الله أقتدي به قال حمران كيف اتقاني و أنا لم أسأله هو الذي ابتدأني و قال في كتاب علي (عليه السلام) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم كيف يكون في هذا منه تقية قال قلت قد اتقاك و هذا ما لا يجوز حتى قضي أنا اجتمعنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له حمران أصلحك الله حدثت هذا الحديث الذي حدثتني به أن في كتاب علي (عليه السلام) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم فقال هذا لا يكون عدو الله فاسق لا ينبغي لنا أن نقتدي به و لا نصلي معه فقال أبو عبد الله (عليه السلام) في كتاب علي (عليه السلام) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم و لا تقومن من مقعدك حتى تصلي ركعتين أخريين قلت فأكون قد صليت أربعا لنفسي لم أقتد به فقال نعم قال فسكت و سكت صاحبي و رضينا([19]).

ثم قال: ملخص الكلام أنه يقال في جواب ابن بابويه و ابن الجنيد ان ما ادعيتموه من أن الصحيحة ظاهرة في الاتصال وان كان صحيحا، الا أن الظاهر ليس بحجة، للقرائن الموجودة فيها و لحن الكلام يدل على ذلك، و يقال في جواب من ادعى أنها ظاهرة في الانفصال، ان ما فهمتموه من أن الوظيفة من هي الاتيان بالركعات منفصلة هو الصحيح و ان كان استظهاركم غير صحيح([20]).

و لعل مقصوده لا يختلف عن مقصود غيره من ظهور الصحيحة في العرف الشيعي الملتفت الى القرائن في ارادة الركعة المنفصلة، او يدعي الوثوق بمراده الجدي و لو لم يكن ظهور، الا أنه مشكل.

بیان النتیجه

فتلخص مما ذكرنا أن مقتضى الاستصحاب بملاحظة الاخبار الخاصة هو الإتيان بالركعة المنفصلة، لا الإتيان بالركعة المتصلة، حتى يكون العمل به مخالفاً للمذهب.

الايراد الثالث : ما ذكره المحقق العراقي

الايراد الثالث: ما ذكره المحقق العراقي “قده” من أنه حتى مع قطع النظر عن مذهب الامامية من لزوم صلاة الاحتياط عند الشك في الركعات لا يمكن اثبات كفاية الاتيان بركعة أخرى متصلة بالاستصحاب، لأن الواجب هو كون التشهد و السلام في الركعة الرابعة، و استصحاب عدم الاتيان بالرابعة قبل الشك لا يثبت كون ما يؤتى به من التشهد و السلام بعد اضافة ركعةٍ في الركعة الرابعة الا بنحو الاصل المثبت([21]).

جواب محقق الخویی

و اجاب عنه السيد الخوئي “قده” اولا: انه لم يدلّ أي دليل على لزوم الاتيان بهما في الركعة الرابعة، و انما المستفاد من الادلة لزوم الترتيب اي لزوم كونهما بعدها و هذا محرز بالوجدان، و ثانيا: ان استصحاب كون المكلف في الركعة الرابعة يثبت كونهما في الركعة الرابعة([22]).

مناقشه

و يلاحظ على جوابه الاول أن ما ذكره المحقق العراقي موافق لما هو الوارد في موثقة ابي بصير “فاذا جلست فی الرابعة فقل…([23])، و يلاحظ على جوابه الثاني أن استصحاب كونه في الركعة معارض باستصحاب عدم كونه في الركعة الرابعة، حيث انه كما يعلم اجمالا بكونه في الركعة الرابعة إما في الركعة السابقة على الشك او الركعة الاحقة عليه يعلم بعدم كونه فيها في احداهما، و قد قبل المعارضة في مثله في كتاب الصوم([24]).

هذا بناء على المسلك الصحيح من تعارض الاستصحاب في مثله من موارد توارد الحالتين، و أما بناء على مسلك صاحب الكفاية و صاحب العروة فيستند المنع من جريان استصحاب كونه في الركعة الرابعة و استصحاب عدمه الى قصور المقتضي، و هو عدم احراز اتصال زمان اليقين بزمان الشك، كما سيأتي توضيحه في بحث الاستصحاب في مورد توارد الحالتين.

هذا و قد يناقش في ما ذكره من جريان استصحاب كونه في الركعة الرابعة بأنه لا يثبت كون الركعة التي بيده ركعة رابعة، فلا يثبت كون التشهد والسلام فيها، نظير أن استصحاب بقاء الماء الكر في الحوض لا يثبت كرية هذا الماء الموجود فيه فعلا، مع احتمال انعدام ذلك الماء و وجود ماء جديد في الحوض، و بشكل عام ان الاستصحاب بنحو مفاد كان التامة لا يثبت مفاد كان الناقصة.

و لكن يمكن الجواب عن هذه المناقشة بأن الظاهر من لزوم التشهد و السلام في الركعة الرابعة الامر بواقع التقارن بينهما، حيث ان الركعة ليست ظرفا عرفيا للتشهد و السلام، فيختلف المقام عن موارد الظرفية الحقيقية العرفية ككون الشخص في الخيمة حيث ان استصحاب بقاء الخيمة في مكانٍ لا يثبت أن من وقف في ذلك المكان فيكون في الخيمة.

فالاولى أن يقال اولا: ان الوارد في موثقة ابي بصير و ان كان هو الامر بالتشهد في الرابعة لكن العرف لا يستظهر منه اكثر من الترتيب و لزوم كون التشهد بعد الرابعة.

و ثانيا: يكفي في تقريب دلالة الصحيحة على الاستصحاب جريان الاستصحاب لنفي الاجتزاء بالصلاة من دون ضم ركعة أخرى اليها، بل مرّ أنه على الاحتمال الثاني الذي قويناه في معنى الصحيحة من جريان استصحاب عدم الاتيان بالصلاة الصحيحة و كون مفاد الصحيحة أن الرافع له الاتيان بركعة أخرى منفصلة فالامر واضح، و ما قيل من كونه حينئذ في الرتبة المتاخرة عن تشريع صلاة الاحتياط فقد مر الجواب عنه.

و ثالثا:‏ ان حجية عدم الاصل المثبت لاجل انتفاء الدليل، و مع دلالة الصحيحة عليها في خصوص المقام نلتزم به حذرا من محذور لغوية التطبيق في كلام الامام (علیه السلام).

و قد تعرض المحقق العراقي “قده” لهذا الجواب الاخير و حاول رده (بأن هذا الجواب يستلزم سقوط الاستصحاب بنحو مفاد كان التامة، لأنه اذا كشف‏ التعبد برابعية الركعة الأخرى في المرتبة السابقة عن التطبيق المزبور فيرتفع الشك تعبداً في وجود الرابعة، فلا يبقى فيه شك حتى يجري فيه الاستصحاب، فيلزم من جريان استصحاب العدم في الركعة الرابعة عدم جريانه و هو محال، و لا يقاس ذلك بسائر المثبتات كنبات اللحية بالقياس إلى الحياة، فان كشف التنزيل فيها في الرتبة السابقة على التطبيق على الحياة لا يقتضى رفع الشك بالنسبة إلى الحياة، بل الشك فيها بعد على حاله فيجري فيها الاستصحاب، بخلاف المقام فان كشف تنزيل رابعته الموجود في المرتبة السابقة على التطبيق يقتضى رفع الشك عن وجود الرابعة تعبدا، و معه لا يجري فيه الاستصحاب)

و فيه -مضافا الى أن التعبد الظاهري بكون التشهد في الرابعة لا يحتاج ثبوتا الى التعبد بكون الركعة المضافة رابعة، كما أن التعبد الظاهري بالاثر الشرعي لنبات لحية زيد باستصحاب حياته لا يحتاج ثبوتا الى التعبد بنبات لحيته- أن التعبد في الرتبة السابقة على استصحاب عدم الاتيان بالرابعة بكون الركعة التي يأتي بها بعد الشك ركعة رابعة على تقدير عدم الاتيان بالرابعة قبلها يكون من التعبد الاستصحابي المشروط، وهذا لا يغني عن جريان الاستصحاب لاثبات شرطه، كما أن الامر في نبات اللحية ايضا كذلك، فانه لو فرض توقف اثبات استصحاب حياة زيد لنبات لحيته على التعبد بنبات لحيته بنحو غير مشروط بحياة زيد لغى جريان استصحاب حياة زيد.

الايراد الرابع : استصحاب عدم الركعة الرابعة لا يجري ، لكونه من قبيل الاستصحاب في الفرد المردد

الايراد الرابع: ما ذكره المحقق العراقي “قده” ايضا من أن استصحاب عدم الركعة الرابعة لا يجري في حد ذاته، لكونه من قبيل الاستصحاب في الفرد المردد، فان الذي تعلق به اليقين و الشك انما هو عنوان الرکعة الرابعة المرددة بين ركعتين، و لكنّه بهذا العنوان ليس له أثر شرعي حتى يجري فيه الاستصحاب، إذ الأثر انما يكون لواقع ما هو الركعة الرابعة الذي ينتزع عنه هذا العنوان يدور امره بين ما هو معلوم الوجود و ما هو معلوم العدم، إذ هو على تقدير كونه ما بيده من الركعة يقطع بوجوده، و على تقدير كونه غيره الذي أمر الإمام (عليه السلام) بالقيام إليه يقطع بعدم وجوده، فعلى التقديرين لا شك فيه حتى يجري فيه الاستصحاب([25]).

مناقشه

و فيه انه إن تمّ ما ذكره من كون الحكم هنا للواقع لا للعنوان، كفى في ردّه أن يقال بأن الواقع مشكوك، اذ يشك في الاتيان بواقع الركعة الرابعة للشك في الاتيان بذوات الركعات الأربع، إذ هو إنّما يتذكّر أنه أتى بثلاث ركعات، ويشك في الاتيان بركعة أخرى، فيستصحب عدمها، و الفرد المردد انما يكون فيما لو ترتب الاثر على الفرد و دار امر الفرد بين ما هو مقطوع العدم كالبق و بين ما هو مقطوع الوجود او محتمله على تقدير حدوثه كالفيل، و ليس المقام من هذا القبيل، للشك في واقع الركعة الرابعة.

هذا مضافا الى أن غاية ما ذكر عدم استفادة جريان هذا الاستصحاب من اطلاقات ادلة الاستصحاب، لا من مثل هذه الصحيحة التي ظاهرها تطبيق الاستصحاب على المقام.

الايراد الخامس : ما ذكره السيد الصدر

الايراد الخامس: ما ذكره السيد الصدر “قده” و محصله أن مشكلة عدم انطباق الاستصحاب على مورد الصحيحة مشكلة اثباتية و استظهارية و ليست ثبوتية، و یستفاد من الكلمات المنقولة عنه في المقام عدة تقريبات:

1- ما في المباحث من أنّ مفاد دليل الاستصحاب اي قوله “لا تنقض اليقين بالشكّ” هو الامر بجعل الشكّ خَلَفاً لليقين في تحريكه نحو ما كان يحرّك اليقين إليه، و عدم رفع اليد عمّا كان يحرّك اليقين إليه لو كان باقياً، و هذا المعنى لدليل الاستصحاب لا ينطبق في مورد يكون الحكم مع الشكّ مختلفا عن اليقين، كما في المقام، فاليقين لو كان، لكان يحرّك نحو الأتيان بركعة متصلة، و الشكّ يحرّك نحو الاتيان بركعة منفصلة.

و قد نُقل عنه في البحوث جواب عن هذا الاشكال على ضوء تصوير المحقق النائيني “قده” من أن صدق خلَفية الشك لليقين حيث يكون بلحاظ اثر المتيقن لا أثر اليقين، و المستصحب هنا و هو عدم الاتيان بالركعة الرابعة جزء الموضوع لوجوب الركعة المنفصلة اي موضوع لقضية شرطية مفادها أنه كلما تحقق جزءه الآخر و هو الشك وجبت ركعة منفصلة، و اليقين السابق بهذا الجزء له اقتضاء التحريك بمقداره، و انما لم يكن تحريكه فعليا لعدم توفر الجزء الآخر و هو الشك حين وجود اليقين، فالخلَفية بلحاظ اثر المتيقن و هو عدم الاتيان بالرابعة الذي هو احد جزئي موضوع وجوب صلاة الاحتياط محفوظ([26]).

و لكن نقل عنه في مباحث الأصول أنه لم يقبل ذلك، بدعوى أن الظاهر عندي أن هذا المقدار لا يكفي في صدق الخلَفية عرفاً بحيث يبقى الاستصحاب‏ في المقام داخلاً تحت إطلاق “لا تنقض اليقين بالشكّ”([27]).

مناقشه: کفایة وجود اثر سلبي في خلَفية الشك في الاتيان بالرابعة

اقول: يكفي في خلَفية الشك في الاتيان بالرابعة لليقين بعدمه وجود اثر سلبي، و هو عدم جواز الاكتفاء بهذه الصلاة من دون ضم ركعة أخرى اليها، و بهذا يتم خلَفية الشك لليقين، بل لا يوجد هنا اثر ايجابي للاستصحاب، فانه لو قيل بتعلق الامر بالجامع بين اربع ركعات متصلات و بين ثلاث ركعات و ركعة منفصلة حال الشك، فاثر الاستصحاب نفي تحقق العدل الاول قبل الشك، و قد ألغى الشارع جريانه لغرض الاكتفاء بركعة متصلة بعد الشك، فيلزم عقلاً الاتيان بالعدل الثاني في مقام الامتثال، و بناء على كون الشك بين الثلاث و الاربع مع عدم الاتيان بالركعة الرابعة موضوعا لوجوب ركعة منفصلة فحيث ان مقابله و هو فرض الاتيان بالركعة الرابعة موضوع لجواز الاكتفاء واقعا بهذه الصلاة من دون ضم ركعة أخرى، فلا يراد من الاستصحاب الا نفي هذا الجواز و أما عدم مانعية التشهد و السلام فمعلوم بالوجدان بمجرد الشك بين الثلاث و الاربع و لا يحتاج الى الاصل.

2- ما في المباحث من أن نتيجة الاستصحاب حيث يلزم أن يكون بقاء الاثر السابق، فتصوير الامر بالجامع من الاول بين اربع ركعات متصلات مع عدم الشك في الركعات و بين ثلاث ركعات متصلات مع ركعة منفصلة في حال الشك بين الثلاث و الاربع، و ان كان يكفي في كون استصحاب عدم الاتيان بالرابعة بلحاظ بقاء الاثر السابق، لكنه انما يتم ذلك بالدقة العقلية لا بالنظر العرفي، حيث يرى العرف كون الشك موجبا لزوال الحكم السابق و حدوث اثر حكم جديد، فان تغير الحكم في المقام ليس فقط بلحاظ صيرورة الركعة بشرط شي‏ء بالنسبة الى التشهد و السلام و تكبيرة الاحرام بعد أن كانت بشرط لا، بل هنا فرق آخر، و هو أنّ الركعة قبل الشكّ كان يتعيّن فيها كونها من قيام، و أمّا الآن فنحن مخيّرون بين إتيان ركعة من قيام او إتيان ركعتين من جلوس، و أيضاً لم تكن القراءة متعيّنة قبل الشك، بل كان المكلّف مخيّراً بينها و بين التسبيحات الاربعة، و الآن أصبحت متعيّنة([28]).

و فيه اولاً: ان الاثر الذي يراد ترتيبه باستصحاب عدم الاتيان بالركعة الرابعة هو نفي اثر سابق و هو الاجتزاء بالصلاة المشكوكة النقص بلا ضم ركعة، لا اكثر من ذلك.

و ثانيا: انه لا مانع من احراز بقاء الامر بالجامع او الامر بضم ركعة منفصلة بهذا الاستصحاب، و العرف يراه اثرا ثابتا مع قطع النظر عن الاستصحاب.

3- انه يرد على كل من تصوير الامر بالجامع و تصوير المحقق النائيني “قده” من كون الشك بين الثلاث و الأربع مع عدم الاتيان بالرابعة واقعا موضوعا لوجوب ركعة منفصلة أنه يظهر من الاستصحاب الحكم ببقاء الأثر المعلوم أثريّته في نفسه، أي: بغضّ النظر عن دليل الاستصحاب، لا الأثر الذي يستنبط من دليل الاستصحاب ([29]).

و نحوه ما في البحوث من أن الحكم بالركعة المنفصلة بخصوصياتها بعد أن لم يكن بملاك الاستصحاب و عدم نقض اليقين بالشك و ظاهر الصحيحة انها مستنبط من كبرى عدم نقض اليقين بالشك فهذا انما يناسب مع إرادة قاعدة البناء على اليقين الذي هو حكم واقعي لا قاعدة الاستصحاب الّذي هو حكم ظاهري فان هذه الظاهرية غير محفوظة هنا إلّا بلحاظ ذات الركعة لا الخصوصيات الكثيرة الأخرى([30]).

و فيه أن عدم الاجتزاء في الصلاة الرباعية بثلاث ركعات هو الاثر المعلوم اثريته مع قطع النظر عن الاستصحاب، بل بعد فرض قيام دليل وجوب صلاة الاحتياط حال الشك بين الثلاث و الاربع مع عدم الاتيان بالرابعة واقعا يكون جريان الاستصحاب بلحاظ احد جزئي الموضوع لهذا الاثر المعلوم اثريته مع قطع النظر عن الاستصحاب، و ان تبيّن مما مر أن جريان الاستصحاب هنا دائما يكون بلحاظ الاثر السلبي، و يمكن أن يراد النهي عن نقض اليقين السابق بعدم الاتيان بالصلاة الصحيحة بالشك اللاحق فيها إما بالاكتفاء بالصلاة المشكوكة مع عدم ضم ركعة او البناء على الاقل و ضم ركعة متصلة.

و ما ذكره من أن ظاهر صحيحة زرارة كون جميع خصوصيات الركعة التي يجب الاتيان بها بعد الشك من النهي عن نقض اليقين بالشك، ففيه المنع من ظهور الصحيحة في ذلك، بل يمكن أن يكون الملحوظ في النهي عن نقض اليقين بالشك فيها نفي جواز الاكتفاء بالصلاة المشكوكة النقص، و حينئذ لابد من حفظ ظهور النهي عن نقض اليقين بالشك في لزوم البناء على ما كان على يقين به و عدم الاعتداد بالشك في قبال الامر بنقض الشك باليقين، فيتعين كون المراد به الاستصحاب، و أما خصوصية كون الركعة منفصلة فمستفادة من سائر الجمل في الصحيحة و غيرها، كالامر في صدر الصحيحة بقراءة فاتحة الكتاب و كون الركعتين المضافتين مشتملتين على ركوعين و اربع سجدات، مما كان على فرض لزوم وصلهما بالصلاة توضيحا للواضحات بخلاف تعليم كيفية صلاة الاحتياط، و لعل النهي عن ادخال الشك في اليقين و خلط احدهما بالآخر ناظر الى عدم كون الركعة موصولة، كما يمكن أن يكون الملحوظ في النهي عن نقض اليقين بالشك في الصحيحة النهي عن نقض اليقين السابق بعدم الاتيان بالصلاة الصحيحة بالشك اللاحق فيها إما بالبناء على الاكثر و عدم ضم ركعة او البناء على الاقل و ضم ركعة متصلة.

الايراد السادس : ما في كتاب الاضواء

الايراد السادس: و هو ايراد اثباتي ايضا، و هو ما في كتاب الاضواء من أنه يمكن أن يقال: انّ الجمل الأخرى في ذيل الصحيحة لا يمكن أن يحمل اليقين و الشك فيها على اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة المشكوكة الذي هو اليقين الاستصحابي، بل لابد و أن يراد من اليقين فيها اليقين بالفراغ أو صحة العمل أو اليقين بالثلاث ركعات،

فإنّ قوله (عليه السلام) “لا يدخل الشك في اليقين و لا يخلط أحدهما بالآخر و لكن ينقض الشك باليقين و يتم على اليقين فيبني عليه” غير قابل لارادة اليقين الاستصحابي بعدم الاتيان بالركعة الرابعة قطعاً -كما اعترف به السيد الخوئي أيضاً في الدراسات- و إنّما تناسب اليقين بالفراغ أو الصحة أو ارادة المتيقن و المشكوك و عندئذٍ لا يبقى للجملة الاولى “لا ينقض اليقين بالشك” ظهور أيضاً في ارادة اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة، و استصحاب عدم الاتيان لاثبات وجوب الاتيان بأصل الركعة، كيف و هذا لم يكن محتمل العدم لحكم العقل بالاشتغال و لزوم الاتيان به، فإن لم يدّع ظهوره في نفس المراد باليقين في سائر الفقرات فلا أقل من الاجمال.

بل ما في صدر الحديث من قوله مرتين “و لا شي‏ء عليه”، دليل على أنّ النظر ليس إلى أصل وجوب اضافة ركعة، بل كيفيّتها، و لهذا أفاد الامام (عليه السلام) بأنّ الركعة التي يأتي بها تكون بفاتحة الكتاب و انّه إن فعل ذلك لم يكن عليه شي‏ء، لأنّه جاء بالاحتياط و اليقين بالفراغ و عدم زيادة ركعة و لا نقيصتها قطعاً، و أمّا زيادة التشهد و التكبير و السلام المحتمل فهو غير مضر في حال الشك و السهو لكونها ليست من الأركان، فهذا هو المراد من قوله (عليه السلام) مرتين “و لا شي‏ء عليه” كما يشهد بذلك ورود هذا التعبير في سائر روايات البناء على الأكثر.

فكأنّ اللازم حفظ الركعات داخل الصلاة من حيث عدم الزيادة و عدم النقيصة، و ذلك لا يكون إلّا بالركعة المنفصلة و احتمال زيادة الأجزاء غير الركنية غير ضائر، لكونها أذكاراً لا تضرّ زيادتها السهوية في نفسها أو بحكم هذه الروايات([31]).

مناقشه

و فيه أن ظاهر النهي عن نقض اليقين بالشك بعد أن كان هو لزوم البناء على اليقين الموجود عرفا و هو اليقين بعدم الركعة الرابعة، او اليقين بعدم الاتيان بالصلاة الصحيحة، و عدم رفع اليد عنه لاجل الشك فيه لاحقا، فلا يوجد ما يصلح للقرينية على خلاف هذا الظهور، و ما ذكره من أن قوله “لا ينقض اليقين بالشك” لا يصح أن يكون تعليلا لوجوب اصل ضم ركعةٍ، حيث انه مضافا الى وضوح وجوبه عند الكل، لا يتناسب مع قوله مرتين “و لا شيء عليه” الظاهر في كونه بصدد بيان ضم ركعة منفصلة، ففيه أنه لا محذور في كونه بصدد النهي عما قد يميل عوام الناس عملا من البناء على الأكثر و الاكتفاء بالصلاة المشكوكة النقص، بل القول به هو المحكي عن ابي هريرة و انس و الحسن البصري([32])، كما أن من المحتمل كون قوله “و لا شيء عليه” بمعنى نفي الاعادة، في قبال القول بالبطلان المنسوب الى عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو العاص و الاوزاعي([33]).

و أما ما ذكره من كون ارادة الاستصحاب من جملة “لا تنقض اليقين بالشك” منافية للسياق، بعد عدم كون المراد من اليقين و الشك في بقية الفقرات مناسبا للاستصحاب، حيث يتناسب مع اليقين بالامتثال او اليقين بصحة ثلاث ركعات او مع ارادة المتيقن و المشكوك، ففيه أننا و ان كنا نقبل ان حمل جملة “و لايدخل الشك في اليقين و لا يخلط احدهما بالآخر” على الاستصحاب بأن يراد بادخال الشك في اليقين جعله هادما له عملا، و يراد من خلط احدهما بالآخر المعاملة معهما معاملة واحدة بأن يجعل الشك ناقضا لليقين كما أن اليقين ناقض للشك، خلاف الظاهر جدا، خاصة و أنه تكرار للاستصحاب -الذي فهم من النهي عن نقض اليقين بالشك- ببيان أخفى فالظاهر من تلك الجملة كونه كناية عن النهي عن ضم الركعة المتصلة، حيث يوجب ادخال الشك في اليقين كناية عن كونه موجبا لاشتمال صلاته على ما يعلم بجزئيته و هو الركعات الثلاث، و ما يتردد بين مانعيته و جزئيته و هو الركعة الزائدة المتصلة، و بذلك خلط الشك و اليقين في صلاته، لكن اختلاف المراد من الجملتين ليس بمهم، بعد ظهور الصحيحة في العرف المتشرعي الشيعي في الامر بضم ركعة منفصلة، و أنه اذا فعل ذلك لم يكن عليه شيء، فتكون جملة “لا ينقض اليقين بالشك” الظاهرة في لزوم البناء على المقدار المتيقن، بصدد بيان عدم جواز الاكتفاء بالصلاة المشكوكة النقص، و جمله “و لا يدخل الشك في اليقين و لا يخلط احدهما بالآخر”، بصدد بيان لزوم الانفصال.

و لو اريد من اليقين في نقض اليقين بالشك اليقين بعدم الامتثال، او فقل بعدم الاتيان بالصلاة الصحيحة بالشك فينهى عن نقضه بالشك فيه إما بنحو البناء على الأكثر و الاكتفاء بالصلاة المشكوكة النقص، او بنحو البناء على الأقل، ثم ضم ركعة ركعة أخرى متصلة، كما هو قول جمهور العامة، و اريد من النهي عن ادخال الشك في اليقين ضم ما يشك في الاجتزاء به الى ثلاث ركعات المتيقنة، بأحد النحوين، كان المقصود الجدي من هذه الجملة و جملة “لا ينقض اليقين بالشك” واحدا، لكن التفنن في التعبير اوجب عدم ركاكة التكرار و لعل التكرار كان بغرض كسر رأي العامة المرسوخ في كثير من الاذهان، و حمل النهي عن نقض اليقين بالشك مضافا الى قوة ظهوره في الاستصحاب موافق لقوله “و لا يعتد بالشك في حال من الحالات” و يؤيد ذلك ذكر قوله “و لكنه ينقض الشك باليقين” في قباله.

بل الظاهر من قوله “و يتم على اليقين فيبني عليه” أنه يتم صلاته بانيا على الاقل الذي هو المتيقن، و حمله على لزوم تحصيل اليقين بالامتثال خلاف الظاهر، و هذا هو الظاهر من صحيحة رفاعة ففي رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة قال يبني على يقينه([34]).

و لأجل ذلك جمع الصدوق بين روايات صلاة الاحتياط (كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام- رجل لا يدري أ ثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا فقال يصلي ركعتين من قيام ثم يسلم ثم يصلي ركعتين و هو جالس‌، و بين مثل رواية علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يشك فلا يدري أ واحدة صلى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته فقال كل ذا فقلت نعم قال فليمض في صلاته و ليتعوذ بالله من الشيطان‌ الرجيم، فإنه يوشك أن يذهب عنه، و رواية سهل بن اليسع في ذلك عن الرضا (عليه السلام) أنه قال يبني على يقينه و يسجد سجدتي السهو بعد التسليم و يتشهد تشهدا خفيفا‌‌، و قد روي أنه يصلي ركعة من قيام و ركعتين من جلوس‌) فقال ليست هذه الأخبار بمختلفة([35]) و صاحب السهو بالخيار بأي خبر منها أخذ فهو مصيب([36])، فترى أنه استظهر من قوله في رواية اليسع “يبني على يقينه” البناء على الاقل.‌

و كيف كان فالظاهر من قوله في الصحيحة “فيبني عليه” أنه يبني على الاقل اي يبني على انه لم يأت بالرابعة ثم ياتي بركعة منفصلة، و ان قد كان قد يسمى ذلك في الروايات بالبناء على الاكثر من حيث اتيانه بالتشهد و التسليم في الركعة التي حصل فيها الشك، كما ورد في رواية موسى بن عمر عن موسى بن عيسى عن مروان بن مسلم عن عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شي‌ء من السهو في الصلاة فقال أ لا أعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء قلت بلى قال إذا سهوت فابن على الأكثر فإذا فرغت و سلمت فقم فصل ما ظننت أنك نقصت فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي‌ء و إن ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت([37])، و الرواية ضعيفة السند بجهالة موسى بن عمر و موسى بن عيسى و مروان بن مسلم، و ان عبر عنها السيد الخوئي “قده” بالموثقة.

بیان المختار: دلالة الصحيحة على الاستصحاب تامة

فالانصاف أن دلالة الصحيحة على الاستصحاب تامة، و احتمال كون المراد من نقض اليقين ترك تحصيل اليقين بالامتثال بعيد غايته، لقوة ظهور نقض اليقين في رفع اليد عن العمل بمقتضى اليقين الموجود عرفا.

و ما ذكرناه من دلالة الصحيحة على كون نكتة تنجز وجوب صلاة الاحتياط على الشاك هو الاستصحاب، و عدم جواز نقضه اليقين بالشك، لا ينافي كون ادلة صلاة الاحتياط متكفلة لبيان وجوبها الظاهري على الشاك، من دون حاجة الى التمسك بدليل الاستصحاب، و ان كان وجوبها الواقعي مختصا بفرض عدم الاتيان بها واقعا.

ثم لا يخفى أن ما ذكره السيد الخوئي “قده” في المقام من ظهور الصحيحة الثالثة لزرارة في الاستصحاب لا ينافي ما ذكره في بحث فروع العلم الاجمالي من أن صحيحة صفوان عن أبي الحسن‌ (عليه السلام) قال: إن كنت لا تدري كم صليت و لم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة([38])، قد دلّت على الغاء الاستصحاب في الصلاة([39])، فان الظاهر أنه ليس مقصوده الغاء الاستصحاب النافي لجواز الاكتفاء بالصلاة مع الشك في نقصان ركعاتها، بل الغاء الاستصحاب المثبت لكفاية ضم ركعة متصلة بل و كفاية ضم الركعة او الركعات المنفصلة، لاقتضاء عموم صحيحة صفوان بطلان الصلاة بالشك المتساوي الطرفين، و يكون ادلة الشكوك الصحيحة بمنزلة المخصص لها([40]).

و يمكن ان يقال بأنه يحتمل كونها بمعنى الشك المحض في عدد الركعات بأن لم يدر أ في الركعة الاولى او الثانية او الثالثة او الرابعة، و يؤيده استبعاد صدور عموم على مبطلية الشك، مع وجود ادلة كثيرة واردة في الشكوك الصحيحة.

هذا تمام الكلام حول الصحيحة الثالثة لزرارة، وقد تحصل أنه لا يبعد تمامية دلالتها على الاستصحاب و عمومها لغير موردها الذي هو الشك في الركعات، خصوصا بقرينة قوله “و لا يعتد بالشك في حال من الحالات”، و يأتي فيه بعض البيانات السابقة على تقريب العموم في صحيحة زرارة الاولى و الثانية.

 

 



[1] – و منه قول علي (عليه السلام) لمعاوية في كتاب له اليه “و أما استواؤنا في الحرب و الرجال فلست بأمضى على الشك مني على اليقين”.

[2] – كفاية الاصول ص396

[3] – نهاية الدراية ج5 ص82

[4] – نهاية الدراية ج5ص83

[5] – هذا التعبير لأجل الاختصار، و الا فلو اردنا أن نفصِّل لكان ينبغي أن نقول: يجب الجامع بين اربع ركعات متصلات يشتمل الركعتان الاخيران على التسبيحات الاربع او الفاتحة و بين ثلاث ركعات مشتملة على التشهد و التسليم في الثالثة مع ركعة منفصلة قائما او ركعتين كذلك جالسا يبدأ فيهما بتكبيرة الاحرام و يقرأ فيهما الغاتحة.

[6] – مصباح الاصول ج3ص 61

[7]– درر الفوائد ص 309

[8] – فوائد الاصول ج4ص ؟؟؟

[9] – مصباح الاصول ج3ص62

[10] دراسات في علم الاصول ج 4ص 34

[11] – مباحث الاصول ج5ص 144

[12] – نهاية الدراية ج‏3 ص95ص83

[13] – نهاية الدراية ج ص 83

[14] – وسائل الشيعة ج‌10 ص 132

[15] – نهاية الافكار ج4 ق1 ص 84

[16] – مباحث الاصول ج5ص 118

[17] – معاني الاخبار ص 2

[18] – مستدرك الوسائل ج‌17 ص 345‌

[19] – تهذيب الأحكام ج‌3 ص 28

[20] – الاستصحاب ص 100

[21]– نهاية الأفكار ج4 ق 1 ص 60

[22] – مصباح الاصول ج 3ص 63

[23] – وسائل الشيعة ج6ص 393

[24] – موسوعة الامام الخوئي ج 22ص130

[25] – نهاية الافكار ج 4 ق1 ص 60

[26] – بحوث في علم الاصول ج6ص 77

[27] – مباحث الاصول ج 5ص 124

[28] – مباحث الاصول ج 5ص 122

[29] – مباحث الاصول ج4ص 125

[30] – بحوث في علم الاصول ج 6ص 75

[31] – اضواء و آراء ج‏3 ص 175

[32] – الخلاف ج 1ص446، المجموع ج4ص 111

[33] – الخلاف ج 1ص 445، المجموع ج4ص 111

[34] – وسائل الشيعة؛ ج‌13، ص: 360

[35] – اي قابلة للحمل على التخيير.

[36] – من لا يحضره الفقيه ج‌1 ص 350‌

[37] – وسائل الشيعة ج‌8 ص 213‌

[38] – وسائل الشيعة ج‌8 ص 226‌

[39] – الدرر الغوالي في فروع العلم الاجمالي ص 33

[40] – راجع: موسوعة الإمام الخوئي ج‌19 ص 155