فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

ادلة برائة الشرعیه. 2

الرواية السادسة: معتبرة عبد الاعلى بن اعين.. 2

مناقشه فی دلالتها 2

سند الروایة. 3

الرواية السابعة: صحيحة عبد الصمد بن بشير. 3

مناقشه فی دلالتها 4

الرواية الثامنة: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج.. 5

ایراد الشیخ علی الدلاله. 5

مناقشه. 6

وجوه عدم تمامية دلالة الصحيحة. 6

الرواية التاسعة: رواية حمزة الطيار. 8

الرواية العاشرة: صحيحة البزنطي.. 8

المختار: أن التامّ سندا ودلالة هو حديث الرفع. 8

الاستدلال بالاستصحاب على البراءة. 9

الأنحاء الثلاثة فی الاستصحاب الدال على البراءة. 9

مناقشات مشتركة بين الأنحاء الثلاثة. 10

المناقشة الاولى: عدم شمول دليل الاستصحاب للشبهات الحكمية. 10

المناقشة الثانية: المستصحب لابد أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي.. 11

المناقشة الثالثة: 13

المناقشة الرابعة: يعتبر في جريان الاستصحاب كون الأثر مترتبا على واقع المستصحب13

کلام السید الخویی ره 14

المناقشات المختصة باستصحاب عدم الجعل.. 15

المناقشة الأولى: عدم حالة سابقة متيقنة لعدم جعل التكليف16

المناقشة الثانية: الجعل والحكم الانشائي فلا يترتب عليه التنجيز او التعذير. 17

کلام السيد الخوئي “قده”.. 18

المناقشة الثالثة: تعارض استصحاب عدم جعل الإلزام باستصحاب عدم جعل الترخيص…. 26

المناقشة الرابعة: 32

تلخیص…. 33

تنبيه: جريان استصحاب عدم جعل التكليف في مورد الشبهة الموضوعية اذا وصلت النوبة الى الاصل الحكمي.. 33

الانحلال في الجعل او المجعول. 34

المناقشات المختصة باستصحاب عدم المجعول. 35

مناقشات فى استصحاب عدم التكليف الثابت قبل البلوغ. 35

المناقشة الأولى: 35

المناقشة الثانية: 36

 

 

 

ادلة برائة الشرعیه

الرواية السادسة: معتبرة عبد الاعلى بن اعين

وهي ما رواه في الكافي عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحجال عن ثعلبة بن ميمون عن عبد الاعلى بن اعين عن ابي عبد الله (عليه السلام) من لم يعرف شيئا هل عليه شيء قال: لا([1]).

وتقريب الاستدلال بها على البراءة أنه يصدق على من لم يعلم حرمة شرب التتن أنه لم يعرف هذا الشيء فليس عليه شيء، ومناسبة كلمة المعرفة والعلم ونحوهما للطريقية الى العمل، دون الموضوعية توجب ظهور الرواية في أن من لم يعرف شيئا حتى يعمل به فهو معذور، فالمناقشة فيها (بأنه يحتمل فيها معنى آخر، وهو ارادة من عجز عن معرفة ما يجب معرفته، كمعرفة الامام (عليه السلام) او جهل بوجوب معرفته فلم يعرفه، فلا ترتبط بمن لم يعرف التكليف الشرعي فلم يعمل به) غير متجهة، فانه لم يفرض في الرواية أنه عجز عن معرفة شيء يجب عليه معرفته، كما لم يفرض جهله بوجوب معرفة شيء يجب عليه معرفته.

مناقشه فی دلالتها

هذا ولكن الاستدلال بهذه الرواية على البراءة لا يخلو من اشكالٍ، اذ من المحتمل كون المراد منها أنه لا شيء على من لا يعرف اي شيء، اي كان من المستضعفين الذين قال الله عنهم “الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ والْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً، فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً([2])، ويمكن أن تكون القرينة على ذلك كيفية تلفظ السائل في الرواية لكلمة “شيئا”.

سند الروایة

هذا وأما سندها فالظاهر تماميته، أما الحجال فهو عبد الله بن محمد الأسدي الذي قال عنه النجاشي أنه ثقة ثقة، ثبت، وقال عنه الشيخ في رجاله أنه ثقة.

وأما ثعلبة بن ميمون فقال عنه النجاشي: كان وجها في أصحابنا، قارئا، فقيها، نحويا، لغويا، راوية، وكان حسن العمل، كثير العبادة والزهد، وقال الكشي: ذكر حمدويه، عن محمد بن عيسى، أن ثعلبة بن ميمون ثقة، خير، فاضل، مقدم، معلوم في العلماء والفقهاء الأجلة، من هذه العصابة.

وأما عبد الاعلى بن اعين العجلي فيمكن توثيقه لأجل رواية صفوان عنه، وقد شهد الشيخ في العدة أن صفوان ممن عرف بانه لا يروي ولا يرسل الا عن ثقة، وأما ما في المعجم من اثبات وثاقته بشهادة المفيد في رسالته العددية بأنه من فقهاء أصحاب الأئمة (عليهم السلام) والأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، والذين لا يطعن عليهم، ولا طريق إلى ذم واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدونة، والمصنفات المشهورة، وكذا بوروده في تفسير القمي، حيث ذکر القمي في ديباجته “أنا ذاكرون ومخبرون ما انتهى الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله علينا طاعتهم([3])” فقد مر منا سابقا فيه أن المفيد لا يريد توصيف جميع رواة أن شهر رمضان قد يتم فيكون ثلاثين يوما وقد ينقص فيكون تسعة وعشرين يوما بهذا الوصف العظيم، بل يريد بيان أن فيهم جماعة كذلك، فلا يدل على وثاقة كل واحد منهم([4])، وأما وروده في تفسير القمي فقد مر منّا مرارا أنه ليس كله تفسير القمي، بل لا نحرز كون الديباجة التي ورد فيها التوثيق العام من كلام القمي، فانه قال بعده بصفحات: حدثنا ابو الفضل العباس قال حدثنا علي بن ابراهيم.

الرواية السابعة: صحيحة عبد الصمد بن بشير

من جملة الروايات التي استدل بها على البراءة قوله (عليه السلام) في صحيحة عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رجلا أعجميا دخل المسجد يلبي‌، وعليه قميصه فقال لأبي عبد الله (عليه السلام) إني كنت رجلا أعمل بيدي واجتمعت لي نفقة فجئت أحج لم أسأل أحدا عن شي‌ء، وأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي وأنزعه من قبل رجلي، وأن حجي فاسد، وأن عليّ بدنة، فقال له متى لبست قميصك أ بعد ما لبيت أم قبل، قال قبل أن ألبي، قال فأخرجه من رأسك، فإنه ليس عليك بدنة، وليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه([5]).

وتقريب الاستدلال بها أن مقتضى اطلاق قوله (عليه السلام) “أي رجل ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه” نفي العقاب عمن ارتكب محرما من غير علم بحرمته، ولازمه العرفي الرخصة في ارتكابه.

مناقشه فی دلالتها

واورد على الاستدلال بهذه الرواية بأن الجهالة الموجبة لأن يركب الانسان شيئا إنّما هي الجهالة بقول مطلق، المناسبة مع الغفلة والجهل المركب، لا مطلق الجهالة الشاملة للشكّ والتردد، فإنّ المتردد الملتفت يتردد في الارتكاب، ويؤيده نظر الامام إلى ما بعد وقوع الارتكاب، فلو كان المقصود جعل البراءة عند الشكّ كان الأولى ملاحظة حالة الجهل، وأنّه هل يجوز له الارتكاب ويحلّ أم لا، فيقول: لا بأس بأن يرتكب، كما في أخبار الحلّ([6]).

وفيه أن من ارتكب الحرام وهو جاهل بحرمته فيصدق في حقه أنه ارتكبه بجهالة، ومقتضى اطلاق أنه لا شيء عليه نفي العقاب.

ولكن قد يورد على الاستدلال بها بأن موردها الجاهل المقصر حيث ذكر ذلك الاعجمي أنه جاء الى الحج، ولم يسأل احدا عن شيء، ولا ريب في عدم شمول دليل البراءة له، ولو لأجل ادلة وجوب التعلم، فتختص الصحيحة بنفي الكفارة وما شابهها، الا أنه يمكن أن يجاب عنه بأن كون مورد الصحيحة الجاهل المقصر لا يوجب عدم انعقاد اطلاق الكبرى المذكورة في جواب الامام (عليه السلام) لنفي عقاب الجاهل القاصر، وانما قيّد هذا الاطلاق لنفي العقاب في مورد الصحيحة، وهذا ليس بمستنكر عرفا، اذ هذا ليس من قبيل تخصيص المورد الذي هو مستهجن، وعليه فلا يبعد تمامية دلالة الصحيحة على البراءة، لكنها لا تدل على أكثر من البراءة بالمعنى الاعم، أي البراءة مع عدم وصول التكليف الواقعي او وجوب الاحتياط.

الرواية الثامنة: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج

ومن جملة الروايات التي استدل بها على البراءة هي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام)([7]) قال: سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة، أ هي ممن لا تحل له أبدا فقال لا، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك، فقلت: بأي الجهالتين يعذر، بجهالته أن ذلك محرم عليه أم بجهالته أنها في عدة، فقال: إحدى الجهالتين أهون من الأخرى، الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه، وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها، فقلت وهو في الأخرى معذور، قال نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها([8]).

والفقرة التي يستدل بها على البراءة قوله “قد يعذر الناس في الجهالة بما هو اعظم من ذلك”، ومقتضى اطلاق المعذورية نفي العقاب عن الجاهل.

ایراد الشیخ علی الدلاله

واورد عليه الشيخ الاعظم “قده” بأن الجهل بكونها في العدة إن كان مع العلم بالعدة في الجملة والشك في انقضائها، فتارة يكون الشكّ في أصل الانقضاء مع العلم بمقدارها فهو شبهة في الموضوع خارج عما نحن فيه، مع أن مقتضى الاستصحاب المركوز في الأذهان عدم الجواز، وأخرى يكون الشكّ في مقدار العدة شرعا فهو شبهة حكمية قد قصَّر في السؤال عنها، وليس معذورا فيها اتفاقا، لاستصحاب بقاء العدة وبقاء أحكامها، فالمراد من المعذورية عدم حرمتها عليه مؤبدا لا نفي المؤاخذة، ويشهد له قوله “نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها”، وكذا يكون مقصّرا مع الجهل بأصل العدة، لوجوب الفحص وأصالة عدم تأثير العقد، خصوصا مع وضوح الحكم بين المسلمين الكاشف عن تقصير الجاهل، هذا إن كان الجاهل ملتفتا شاكّا وإن كان غافلا أو معتقدا للجواز فهو خارج عن مسألة البراءة لعدم قدرته على الاحتياط، وعليه يحمل تعليل معذورية الجاهل بالتحريم بقوله عليه السلام لأنه لايقدر…، وإن كان تخصيص الجاهل بالحرمة بهذا التعليل يدل على قدرة الجاهل بالعدة على الاحتياط فلا يجوز حمله على الغافل، إلا أنه إشكال يرد على الرواية على كل تقدير، ومحصله لزوم التفكيك بين الجهالتين فتدبر فيه وفي دفعه([9]).

مناقشه

هذا وقد وافق بعض الاعلام “قده” على دلالة الصحيحة على البراءة بدعوى أن ظاهر المعذورية في الجهالة هو المعذورية التكليفية أي عدم استحقاق العقاب، ولا ينافيه ما في الصحيحة من بيان المعذورية الوضعية أي عدم ثبوت الحرمة الابدية بينهما، لا في أن يتزوج منها، فانه يعني كون سبب المعذورية الوضعية انما هو المعذورية التكليفية، وذلك لانه (عليه السلام) علل جواز التزويج بعد انقضاء العدة بمعذورية الناس فى الجهالة الظاهرة فى المعذورية التكليفية كما عرفت، ولولا كون العذر التكليفى سببا للعذر الوضعى لما حسن هذا التعليل، هذا مضافا الى أن اهونية الجهالة المنطبقة على الغفلة عن الجهالة المنطبقة على التردد والشك لا تتصور الا بلحاظ قبح العقاب، والا فالعذر الوضعي أي صحة زواجه منها بعد انقضاء عدتها لايتصور فيه اهونية احدى الجهالتين من الأخرى.

واما ما ذكره الشيخ الاعظم “قده” من أنه لا يوجد في المقام مورد يمكن ان يحكم فيه بالمعذورية التكليفية، ففيه أن مورده ما لو شكّ فى كون المرأة فى العدة لاجل الشك فى اصل زواجها من الغير، فيجري استصحاب عدمه، مع أن جريان استصحاب بقاء العدة فيما شك فى انقضاء العدة للشكّ فى مقدارها شرعا مبني على جريان الاستصحاب الموضوعي فى الشبهات المفهومية، وجريان الاصل الحكمى -أي اصالة الفساد- ايضا مبنى على عدم وجود عموم دالّ على جواز نكاح كل امرأة الا ما خرج بالدليل، وعدم جواز التمسك بعموم اوفوا بالعقود، وكلها محل الكلام، مضافا الى أن دعوى كون بناء العقلاء على ترتيب آثار العقد بعد انقضاء المقدار المتيقن ليست مجازفة، فتأمل، فلا اشكال فى صحة الاستدلال بهذه الصحيحة على البراءة([10]).

وجوه عدم تمامية دلالة الصحيحة

اقول: الانصاف عدم تمامية دلالة الصحيحة على البراءة، وذلك اولا: ان المذكور فيها “قد يعذر الناس في الجهالة” و”قد” اذا دخلت على المضارع فتفيد التقليل، ولا ينعقد له اطلاق.

وثانيا: ان احتفاف الصحيحة بما يصلح للقرينية وهو قوله “يعذر له أن يتزوجها” يمنع من ظهورها في المعذورية التكليفية، وأما دعوى أن الاهونية والمعذورية الوضعية أي عدم ايجاب العقد حال العدة مع الجهل للحرمة الابدية ليس لها مراتب، فلابد من حمل قوله “احدى الجهالتين اهون من الأخرى” على الاهونية التكليفية أي قبح العقاب، حيث يكون قبح عقاب الجاهل المركب اوضح واشدّ من قبح عقاب الجاهل البسيط، وهكذا قوله -بناء على نقل الوافي والتهذيب والاستبصار- “باي الجهالتين أعذر” أي يكون اشد معذورية([11])، ففيه أنه لا مانع من اختلافهما في المرتبة بلحاظ اقتضاء عفو الشارع عن الحكم بثبوت الحرمة الأبدية.

وثالثا: ان فرض كون الجهالة بأن الله حرم الزواج في العدة بنحو الغفلة او الاعتقاد بالجواز لقوله “و ذلك لانه لا يقدر معها على الاحتياط” يمنع من شموله للجهل البسيط الذي هو مورد أصالة البراءة، وأما فرض الجهل بأنها في العدة فظاهره كما ذكره هذا المستدلّ هو الجهل البسيط بزواجها من الغير بحيث تكون فعلا في العدة منه، وكونه معذورا تكليفا فيه لا يعني معذورية الجاهل في الشبهة الحكمية

هذا وأما دعوى الاضطراب في الصحيحة بأن يقال ان تعليل اهونية فرض الجهل بحرمة الزواج في العدة بعدم قدرته على الاحتياط، بقتضي حمل الجهالة فيه على الغفلة والجهل المركب، وحمل الجهالة في فرض الجهل بكون المرأة في العدة على الجهل البسيط أي التردد، مع أنه لا يختلف الفرضان في تصور الجهل المركب والجهل البسيط في كليهما، فلم يفهم الموجب لاختلاف الفرض فيهما في الرواية، هذا مضافا الى ما يلزمه من استعمال لفظ الجهالة فيها مرة في معنى، ومرة في معنى آخر.

فجوابه أنه -كما ذكر غير واحد من الاعلام- قد استعملت الجهالة فيهما في معنى واحد، وانما الذي اوجب الاختلاف في مصداقهما هو غلبة كون الجهل بكون امرأة في حال العدة من الجهل البسيط، حيث ان من يريد التزوج من امراة يلتفت الى خصوصياتها فيشكّ في كونها خلية ام لا؟، او كونها ذات عدة ام لا؟، وأما الجهل بحرمة الزواج مع المعتدة فالغالب كونه بنحو الغفلة، فانه حكم واضح بين المسلمين ولا يجهله الا من غفل عنه.

الرواية التاسعة: رواية حمزة الطيار

من جملة الروايات التي استدل بها على البراءة ما رواه في الكافي بسند صحيح عن جميل بن دراج عن حمزة بن الطيار عن ابي عبد الله (عليه السلام) ان الله احتج على الناس بما آتاهم وعرفهم([12]).

وتقريب الاستدلال بها على البراءة واضح، لكن يرد عليه مضافا الى ضعف سند الرواية بجهالة حمزة بن الطيار أن دليل وجوب الاحتياط بوصوله يكون واردا عليها، فانه يكون الاحتجاج به احتجاجا بما آتاهم وعرفهم.

الرواية العاشرة: صحيحة البزنطي

من الروايات التي يمكن ان يستدل بها على البراءة صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن المحرم يصيد الصيد بجهالة قال عليه كفارة قلت فإن أصابه خطأ قال وأي شي‌ء الخطأ عندك قلت ترمي هذه النخلة فتصيب نخلة أخرى فقال نعم هذا الخطأ وعليه الكفارة قلت فإنه أخذ طائرا متعمدا فذبحه وهو محرم قال عليه الكفارة قلت جعلت فداك أ لست قلت إن الخطأ والجهالة والعمد ليسوا بسواء، فبأي شي‌ء يفضل المتعمد الجاهل والخاطئ قال إنه أثم ولعب بدينه([13]).

وتقريب الاستدلال بها أن الامام (عليه السلام) نفي صدور الاثم من الجاهل، ودعوى أنه نفي عنه الاثم واللعب بدينه، فلعله ارتكب الاثم وان لم يلعب بدينه، خلاف الظاهر جدا، والفرق بين الاثم وارتكاب الحرام هو أن الاثم هو ارتكاب الحرام من دون عذر، ولكن ارتكاب الحرام اعم منه، فيثبت العذر للجاهل، وهو وان شمل الجاهل المقصر، لكن بدليل وجوب التعلم نرفع اليد عن اطلاقه بالنسبة اليه.

والاستدلال بها وان كان لا يخلو من وجه، لكن قد يقال بأنه يحتمل اشتمال الاثم على صدور الحرام عن عمد، فلا يشمل الحرام الصادر عن الجاهل المقصر وان كان غبر معذور في ارتكابه للحرام.

المختار: أن التامّ سندا ودلالة هو حديث الرفع

هذا تمام الكلام في الروايات التي استدلّ بها على البراءة، وقد عرفت أن التامّ منها سندا ودلالة هو حديث الرفع.

الاستدلال بالاستصحاب على البراءة

من الوجوه التي استدل بها على البراءة هو الاستصحاب، وتقريبه على ثلاثة أنحاء:

الأنحاء الثلاثة فی الاستصحاب الدال على البراءة

1- استصحاب عدم جعل التكليف، وزمان الحالة السابقة المتيقنة فيه هو ما قبل تشريع الدين، وزمان الحالة المشكوكة اللاحقة التي نريد استصحاب عدم الجعل اليها هو ما بعد التشريع، فيقال ان حرمة شرب التتن لم تكن مجعولة قبل ذلك والآن كما كان.

2- استصحاب عدم المجعول بلحاظ الحالة السابقة المتيقنة قبل البلوغ، فيقال انه لم يكن يحرم شرب التتن علينا قبل البلوغ، فنستصحب ذلك الى ما بعد البلوغ.

3- استصحاب عدم المجعول بلحاظ الحالة السابقة المتيقنة قبل تحقق موضوع التكليف، فيما اذا كان للتكليف موضوع حادث، مثال ذلك ما اذا شك في وجوب صلاة الآيات عند حدوث مخوف سماوي او ارضي، فيقال بأنه لم تكن صلاة الآيات واجبة علينا قبل حدوثه، فنستصحب ذلك الى ما بعد حدوثه، نعم بناء على رجوع الواجب المشروط الى الواجب المعلق، كما هو مسلك الشيخ الأعظم “قده” فلا يجري الاستصحاب فيه بالنحو الأخير، الا فيما كان العنوان منطبقا على المكلف، كما لو شك أن من رأى الهلال هل يجب عليه الدعاء أم لا؟، فيقول المكلف: لم يكن الدعاء واجبا عليّ قبل أن أرى الهلال، والآن كما كان، فيختلف عن القيود التي ليست عنوانا منطبقا على المكلف، كما في مثال صلاة الآيات.

هذا في الشبهات الوجوبية، وأما في الشبهات التحريمية فلامجال للاستصحاب بالنحو الأخير فيما ليس لها موضوع خارجي، كما لو شك في حرمة التورية، فانها لو كانت محرمة فتكون فعليتها من حين بلوغ المكلف، وهكذا حرمة شرب التتن، بناء على ما هو الظاهر من عدم كون مثل التتن في تحريم شرب التتن او الخمر في تحريم شرب الخمر موضوع الحرمة، أي بأن يكون مآله الى أنه اذا وجد التتن فيحرم شربه، واذا وجدت الخمر فيحرم شربها، بل من قيود المتعلق، فيحرم على المكلف بمجرد بلوغه حصة خاصة من الشرب، وهو شرب الخمر، ولو لم توجد خمر ابدا، غاية الامر أن من يرى عدم شمول خطاب النهي لمن لا يقدر على العصيان إما بملاك اللغوية او بملاك الانصراف فيرى اختصاص النهي بفرض التمكن من ايجاد الخمر، وقد يذكر كثمرة على عدم كون الخمر موضوعا للحرمة أنه لو علم شخص أنه لو اوجد الخمر أُجبِرَ على شربها حرم عليه ايجادها عقلا بلا اشكال، بينما أنه لو كانت موضوعا للحرمة دخل في بحث تعجيز النفس عن امتثال تكليف مشروط قبل تحقق شرطه، كاراقة ماء الوضوء قبل دخول الوقت، فقد ذهب جماعة من الاعلام كالسيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما” الى جواز ذلك، وان ذكرنا في محله حرمة ذلك عقلا.

مناقشات مشتركة بين الأنحاء الثلاثة

ثم انه توجد عدة مناقشات حول جريان الاستصحاب المنتج نتيجة البراءة، بعضها اشكالات مشتركة بين الأنحاء الثلاثة، وبعضها مختصة باستصحاب عدم الجعل وبعضها مختصة باستصحاب عدم المجعول بالنحو الثاني.

 

أما المناقشات المشتركة، فهي عدة مناقشات:

المناقشة الاولى: عدم شمول دليل الاستصحاب للشبهات الحكمية

المناقشة الاولى: عدم شمول دليل الاستصحاب للشبهات الحكمية، لقصور المقتضي في دليل الاستصحاب، وهذا ما ذهب اليه بعض الأجلاء “دام‌ظله”، بدعوى عدم عرفية توجيه خطاب عام يشتمل على الاستصحاب في الشبهات الحكمية من دون بيان اشتراط جريانه بالفحص واليأس عن الظفر بالدليل، خاصة في زمان الأئمة (عليهم ‌السلام) مما كان يمكن الفحص، ولو بالسؤال عنهم، وقد يؤيد ذلك عدم استدلال الفقهاء قبل والد الشيخ البهائي بعموم روايات الاستصحاب.

الا ان الانصاف عدم قصور المقتضي في شمول دليل الاستصحاب للشبهات الحكمية حيث ان اشتراط جريان الاستصحاب المعذر (دون المنجز) في الشبهات الحكمية بالفحص قد ثبت بالمقيد اللبي المتصل اذا كان ديدن المولى وضع خطاباته في معرض الوصول لا ايصالها الى كل واحد من المكلفين، وأما عدم تنبه العلماء قبل والد الشيخ البهائي فكم له من نظير، كما اتفق ذلك في منزوحات ماء البئر، وعلم الاصول كان مأخوذا من العامة ولم يكن فيه الاستصحاب.

نعم هناك اشكال آخر في جريان استصحاب بقاء الحكم الوجودي، وهو أن استصحاب بقاء الحكم الكلي يكون مبتليً بالمعارض دائما وهو استصحاب عدم الجعل الزائد، فلو شككنا في بقاء نجاسة الماء الذي زال تغيره بنفسه فاستصحاب بقاء نجاسته يكون متعارضا مع استصحاب عدم جعل النجاسة للماء الذي زال تغيره، وهذا هو الاشكال المعروف عن الفاضل النراقي “ره” ووافقه عليه جماعة كالسيد الخوئي “قده” ولكنه لا يأتي هذا الاشكال في استصحاب عدم الحكم.

المناقشة الثانية: المستصحب لابد أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي

المناقشة الثانية: ما حكي عن الشيخ الاعظم “قده” من أن المستصحب لابد أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي، وعدم الحكم ليس حكما شرعيا ولا موضوعا لحكم شرعي.

وقد تعرض صاحب الكفاية لهذا البحث في التنبيه الثامن من تنبيهات الاستصحاب، فقال: لا تفاوت في المستصحب بين أن يكون وجود الحكم، أو عدمه، ضرورة أن أمر نفيه بيد الشارع كثبوته، وعدم إطلاق الحكم على عدم الحكم غير ضائر، إذ ليس هناك ما دلّ على اعتباره، بعد صدق نقض اليقين بالشك برفع اليد عنه، كما هو واضح، فلا وجه للإشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة من التكليف وعدم المنع عن الفعل بما في الرسائل من أن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية، اذ يرد عليه أن عدم استحقاق العقوبة وإن كان غير مجعول، إلا أنه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع، وترتب عدم الاستحقاق مع كونه عقليا على استصحابه إنما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر، فتأمل([14]).

هذا وقد استغرب السيد الخوئي “قده” نسبة القول بعدم جريان استصحاب عدم التكليف لعدم كونه حكما شرعيا ولا موضوعا لحكم شرعي، فقال انه وان نسب صاحب الكفاية هذا القول إليه، لكن الظاهر أن هذه النسبة غير مطابقة للواقع، لأن الشيخ قائل بجريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية، وذكر في جملة التفصيلات في جريان الاستصحاب التفصيل بين الوجود والعدم، ولم يقبله بدعوى أنه لا فرق في جريان الاستصحاب بين الوجود والعدم([15]).

الا أنه كما ذكر في البحوث ان هذا الاستغراب غريب، إذ العدم الأزلي ليس مختصا بالحكم بل يتصور في موضوع الحكم الشرعي كاستصحاب عدم القرشية، فالقول بجريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية لا يعني الالتزام بجريان الاستصحاب في عدم الجعل([16]).

وكيف كان فان تمّ هذا الاشكال المنسوب الى الشيخ في استصحاب عدم التكليف جرى في استصحاب عدم موضوع التكليف بغرض نفي التكليف، كاستصحاب عدم كون هذا المايع خمرا بغرض نفي حرمته.

هذا وقد اجاب صاحب الكفاية عن الاشكال الذي نسبه الى الشيخ الاعظم “قده” كما مرّ بأنه يكفي في الاستصحاب أن يكون امر المستصحب بيد الشارع وضعا ورفعا، والصحيح عدم دليل على اعتبار ذلك ايضا، بل يكفي ترتب اثر عملي على الاستصحاب، وان لم يكن امر المستصحب بيد الشارع، وذلك كما في الاستصحاب الجاري في مرحلة امتثال تكليف شرعي، كاستصحاب بقاء شرط الواجب كستر العورة في الصلاة، فان المستصحب وهو وجود ستر العورة تكوينا ليس امره بيد الشارع رفعا ووضعا، ولا يقاس بموضوع الحكم الشرعي، فان امره بلحاظ ترتب الاثر الشرعي على وجوده بيد الشارع، وأما شرط الواجب فليس الحكم الشرعي وهو الوجوب مترتبا على وجوده، فيكفي ترتب الاثر العقلي على التعبد الظاهري بوجوده، وهو معذورية المكلف في الاكتفاء به في مقام امتثال الواجب، كما أن اثر التعبد الظاهري بعدمه هو المنجزية وعدم جواز الاكتفاء عقلا به، ولا حاجة في تصحيح جريان هذا الاستصحاب الى توسيط مبنى المشهور من كون عدم الامتثال موضوعا لبقاء الوجوب، حيث ان بقاء التكليف عند المشهور مغيى بعدم الامتثال، فانه يجري الاستصحاب في مرحلة الامتثال حتى لو لم نقبل كون الامتثال غاية للتكليف ومسقطا له، وقلنا بأنه انما يرفع فاعليته ومحركيته دون فعليته كما هو مختار البحوث.

وأما ما ذكره صاحب الكفاية من أن عدم استحقاق العقاب لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر، فغير متجه، لأن عدم المنع واقعا لا يستتبع عدم استحقاق العقاب بعد كون الصحيح استحقاق العقاب على التجري، فالمتجه أن يقال انه اثر قيام الحجة على عدم التكليف، فلا محذور في ترتبه على استصحاب عدم التكليف، ولا يقاس باللوازم العقلية للمستصحب حيث لا يثبتها الاستصحاب.

ثم انه حکی عن بعض السادة الاعلام “دام ظله” أنه اجاب عن الاشكال المنسوب الى الشيخ الاعظم بأنه بناء على المبنى الصحيح من استبطان خطاب امر المولى ونهيه على الوعيد على المخالفة، فقوله “لاتشرب التتن” في قوة قوله “لا تشرب التتن والا عاقبتك” فيكون تكليف المولى متضمنا لحكم جزائي، واستصحاب عدم التكليف ينفي هذا الحكم الجزائي.

وفيه -مع الغمض عن مناقشتنا في المبنى- أن الوعيد بالعقاب حتى لو اعتبرناه حكما شرعيا فمع ذلك ليس موضوعه مخالفة التكليف، فان قوله “لا تشرب التتن والا عاقبتك” يعني أنه ان شربت التتن عاقبتك، فيكون كلا من النهي والوعيد حكمين على شرب التتن، هذا مضافا الى أن الكاشف عن هذا المدلول الالتزامي ليس الا العرف، وهو لا يستظهر الوعيد بالعقاب على ذات الفعل او مخالفة التكليف ما لم يكن هناك وصول للنهي، وحينئذ فمع عدم وصوله يعلم بانتفاء هذا الحكم الجزائي، فلا يبقى مجال لنفيه تعبدا باستصحاب عدم النهي.

المناقشة الثالثة:

ما هو الظاهر من أن اشكال الشيخ الأعظم “ره” هو أن التامين من العقاب إما يكون نتيجة التمسك بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، او نتيجة اثبات الترخيص الشرعي في الفعل، فان اريد التأمين من العقاب بنكتة قبح العقاب بلا بيان، فيكفي الشكّ، ولا حاجة الى ملاحظة عدم التكليف سابقا واستصحاب ذلك، وان اريد التأمين من العقاب بنكتة اثبات الترخيص الشرعي في ارتكاب الفعل، فاستصحاب عدم التكليف لا يثبت ذلك، الا بناء على حجية مثبتاته([17]).

ولا يتم حينئذ النقض عليه باستصحاب عدم موضوع التكليف كاستصحاب عدم خمرية مايع، حيث قد يقال بأنه يثبت الاباحة الشرعية الثابتة لكل مايع ليس بخمر مثلا، نعم يرد على ما ذكره انه يكفي في التأمين من العقاب تعبد الشارع ظاهرا بعدم التكليف، وهذا ليس في مستوى التامين من العقاب بنكتة قبح العقاب بلا بيان، حتى يلغو التعبد به، بل في مستوى آكد واوضح لعامة المكلفين، نظير التعبد بالبراءة الشرعية مع وجود البراءة العقلية.

المناقشة الرابعة: يعتبر في جريان الاستصحاب كون الأثر مترتبا على واقع المستصحب

ما ذكره المحقق النائيني “قده” من أنه يعتبر في جريان الاستصحاب كون الأثر مترتبا على واقع المستصحب، وأما لو كان مترتبا على مجرد الشك في الواقع، أو على الأعمّ من الشكّ في الواقع ومن الواقع، فلا يجري الاستصحاب، مثلا لو فسّرنا التشريع المحرم بإدخال ما لم يعلم انه من الدين في الدين، أو بالأعمّ منه ومن إدخال ما ليس من الدين في الدين، فبمجرد الشك في مشروعية شي‏ء، يترتب عليه حرمة اسناده إلى المولى، فإجراء استصحاب عدم المشروعية لإثبات حرمة الاسناد لغو محض، لأنه تحصيل للحاصل، بل من أردأ أنحائه، فانه من قبيل احراز ما هو محرز وجدانا بالتعبد.

والمقام من هذا القبيل، فان الأثر المترقب من استصحاب عدم التكليف، وهو التأمين من العقاب مترتب على مجرد الشكّ في التكليف، وذلك بمقتضى بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، فهذا الاثر ثابت بالوجدان بمجرد الشكّ في التكليف، ويكون اثباته باستصحاب عدم التكليف من تحصيل الحاصل([18]).

کلام السید الخویی ره

وقد اجاب السيد الخوئي “قده” عن هذه المناقشة بأن ما ذكره انما يتم لو كان الأثر مترتبا على خصوص الشكّ في الواقع، وأما إذا كان الأثر أثرا للأعم من الواقع ومن الشكّ فيه فلا مانع من أن يعبّدنا الشارع بالواقع ليترتب عليه ذلك الأثر، والسر في ذلك أن جريان الاستصحاب يرفع موضوع الشك، ويوجب وصول الواقع إلى المكلف، فهو بحكم الشارع يكون محرزا للواقع، والأثر أثر الواقع، وليس معه شكّ ليكون من تحصيل الحاصل، ولا من أردأ اقسامه، نعم لو لم يجر الاستصحاب كان الشك موجودا، والأثر مترتبا عليه، فترتب الأثر على الشكّ فرع‏ عدم جريان الاستصحاب، فكيف يمكن أن يكون مانعا عن جريانه، وكما صحّ للشارع جعل الأمارة على عدم حرمة شي‏ء، مع أن أصالة الحلّ كافية لإثباته، صحّ له جعل استصحاب عدم المنع أيضا، ومن هنا لم يستشكل أحد في التمسك باستصحاب الطهارة المتيقنة، مع أن قاعدة الطهارة بنفسها كافية لإثباتها، وبالجملة يتوقف جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو أصالة البراءة الشرعية على تحقق موضوعهما، وهو عدم البيان، فكما انهما لا يجريان مع بيان التكليف، لا يجريان مع بيان عدمه، والاستصحاب يصلح أن يكون بيانا لعدم التكليف، فيرتفع به موضوع قبح العقاب بلا بيان، ويكون سابقا عليه في الرتبة([19]).

ملاحظات

اقول: هنا ملاحظات:

الملاحظة الاولى: ان اشكال جريان استصحاب عدم التكليف في فرض ترتب الاثر المترقب على مجرد الشكّ في التكليف فقط دون الاعمّ ليس هو كونه موجبا لتحصيل الحاصل، وانما هو عدم ترتب أثر للمستصحب حتى يجري الاستصحاب بلحاظه.

الملاحظة الثانية: ان التأمين من العقاب وان لم يكن اثر واقع عدم التكليف، كما مر بيانه، ولكن لا يعني ذلك أنه اثر مجرد الشك في الواقع فقط، بل يترتب هذا الاثر على استصحاب عدم التكليف ايضا، فهو اثر كل من الشكّ في التكليف واستصحاب عدم التكليف، وبهذا اللحاظ يمكن تطبيق ما ذكره المحقق النائيني “قده” من أن اجراء الاستصحاب لغرض التأمين من العقاب تحصيل للحاصل، اذ هذا الاثر حاصل بمجرد الشك في التكليف، لكن التعبير عنه بأنه من تحصيل ما هو حاصل وجدانا بالتعبد غير صحيح، لأن هذا الاثر اثر وجداني للاستصحاب، وليس من قبيل ترتب اثر شرعي على واقع المستصحب وعلى الشك فيه، حيث يكون نتيجة الاستصحاب اثبات ذلك الاثر تعبدا، لا وجدانا.

الملاحظة الثالثة: ان الأثر المترتب على الشك في التكليف واستصحاب عدم التكليف وان كان هو التامين من العقاب، لكن التأمين الثابت بالاستصحاب يكون اوضح واقوى ملاكا، من التأمين الثابت بمجرد الشكّ، فان قبح العقاب بنكتة بيان المولى -بمقتضى دليل استصحاب عدم التكليف- لعدم اهتمامه بالتكليف المشكوك اوضح واشدّ من قبح العقاب بنكتة عدم البيان على التكليف، فلا يكون هذا الاستصحاب لغوا وبلا أثر، كما أن قبح العقاب -عند جعل البراءة الشرعية- بنكتة بيان المولى لرضاه بارتكاب المشكوك اوضح واشدّ من قبح العقاب بنكتة عدم البيان على التكليف، ولذا التزم المحقق النائيني “قده” وغيره بامكان جعل البراءة الشرعية مع وجود البراءة العقلية ايضا، ولا حاجة الى ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن بيان الشارع لعدم التكليف ظاهرا يرفع موضوع قبح العقاب بلا بيان، فانه غير متجه، لأن الرافع لقبح العقاب بلا بيان هو البيان على وجود التكليف، لا البيان على عدمه.

وبهذا تبين اندفاع المناقشات المشتركة.

المناقشات المختصة باستصحاب عدم الجعل

وأما المناقشات المختصة باستصحاب عدم الجعل، فهي عدة مناقشات:

المناقشة الأولى: عدم حالة سابقة متيقنة لعدم جعل التكليف

ما يخطر بالبال من عدم حالة سابقة متيقنة لعدم جعل التكليف، وذلك لأن انشاء التكاليف ليس الا ابرازا لارادته تعالى، او فقل: ابراز لتعلق غرضه اللزومي بفعل العبد، وما هو الموضوع لحكم العقل بالطاعة هو غرضه وارادته تعالى، وهي روح التكليف، واحتمال كون ارادته تعالى ازلية كافٍ في عدم جريان استصحاب عدم ارادته بشيء لعدم اليقين بالحالة السابقة.

وما ورد في صحيحة عاصم ‌بن ‌حميد عن ‌ابي‌ عبدالله (عليه‌السلام) قال قلت له: لم ‌يزل الله مريدا؟، قال ان المريد لا يكون الا لمراد معه، لم‌ يزل الله عالما قادرا ثم أراد، وصحيحة محمد ‌بن ‌مسلم عن ‌ابي ‌عبدالله (عليه‌السلام) المشية محدثة([20])، فالظاهر منهما الارادة التكوينية التي تساوق صرف القدرة في ايجاد الفعل، ويؤيده التعبير بان المريد لا يكون الا لمراد معه، وأن الله لم ‌يزل قادرا ثم أراد، كما يؤيده ما ورد في صحيحة صفوان‌ بن ‌يحيى قال قلت لابي ‌الحسن (عليه‌السلام) أخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق، فقال الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، وأما من الله تعالى فإرادته إحداثه، لا غير ذلك، لأنه لا يروّي، ولا يهمّ، ولا يتفكر، وكذا صحيحة عمر ‌بن‌ أذينة عن‌ ابي‌ عبدالله (عليه‌السلام) ان الله خلق المشية بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشية([21]).

وعليه فحيث ان استصحاب عدم جعل الحرمة لا ينفي روح الحرمة، وهو ارادته تعالى للترك، فنحتاج الى اجراء الاستصحاب في نفس عدم ارادته تعالى، والمفروض عدم تمامية اركان الاستصحاب فيها، بل حيث لايترتب اثر عملي على استصحاب عدم جعل الحرمة ما لم يؤمّن عن روحها، فيلغو جريانه.

ان قلت: ان دليل الاستصحاب مثل دليل البراءة ينفي جعل التكليف بما له من الروح، والا يلزم لغوية نفي الجعل بدون التأمين عن روحه.

قلت: يوجد فرق بين دليل البراءة وبين دليل الاستصحاب، فان دليل البراءة اذا لم‌يؤمّن من روح التكليف المجهول يكون لغوا محضا، ولكن دليل الاستصحاب ليس كذلك، لانه لم‌ يرد في خصوص استصحاب عدم جعل التكليف، بل له موارد أخر لا يبتلى باشكال عدم تمامية اركان الاستصحاب في روحه، فلا تتم دلالة الاقتضاء في دليل الاستصحاب اذ لا يلغو بدون ذلك.

هذا وقد يعمم الاشكال الذي ذكرناه حول الحكم التكليفي الى مطلق جعله تعالى ولو للاحكام الوضعية، حيث ان الجعل لا يتقوم بالابراز بالخطاب حتى يقال بأن الخطاب حادث لا محالة، وانما هو الاعتبار القائم بالنفس، فيحتمل كون الاعتبار فعلا صادرا من المولى ازلا، الا أن الانصاف أن الظاهر العرفي من خطابات الجعل الإلهي كونه حادثا، ولو لأجل تقوم الجعل بالابراز، فلا يقال ان الله جعل الصلاة او افترضها او امر بها او حرم الربا او نهي عنه الا بعد الابراز، ويشهد على كون الجعل حادثا مرسلة أبان بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى إلى أن قال ثم افترض عليه فيها الصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله وزاده الوضوء وأحل له المغنم والفي‌ء وجعل له الأرض مسجدا وطهورا([22])، وفي صحيحة داود بن‌ فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون([23]).

المناقشة الثانية: الجعل والحكم الانشائي فلا يترتب عليه التنجيز او التعذير

ما ذكره المحقق النائيني “قده” من أن الاثر المطلوب من جريان الاستصحاب وهو التنجيز او التعذير لا يترتب الا على الحكم الفعلي، وهو المعبر عنه بالمجعول، وأما الجعل والحكم الانشائي فلا يترتب عليه التنجيز او التعذير، فان ما يكون محركا للعبد وباعثا أو زاجرا له إنما هو التكليف الفعلي، لا الحكم الإنشائي، حيث لا تترتب عليه الآثار الشرعية، ولا الآثار العقلية من وجوب الإطاعة وحرمة المعصية مع العلم به، فضلا عن التعبد به بالاستصحاب، فانه إذا علمنا بأن الشارع جعل وجوب الزكاة على مالك النصاب، لا يترتب على هذا الجعل أثر، ما لم تتحقق ملكية النصاب في الخارج، وعليه فلا يترتب الأثر العملي على استصحاب عدم الجعل، اذ لو اريد منه نفي التنجيز او التعذير مباشرة، فهو غير معقول، لأنهما ليسا اثر الجعل حتى يمكن نفيهما باستصحاب عدم الجعل، بل هما اثر المجعول، وان اريد نفيهما من خلال نفي المجعول باستصحاب عدم الجعل، فيكون من الاصل المثبت، اذ مآل الحكم الانشائي الذي هو قضية حقيقية انشائية الى قضية شرطية، كقولنا ” ان ملك المكلف النصاب وجب عليه الزكاة” فكما أن اثبات الوجوب الفعلي للزكاة على المكلف المالك للنصاب باستصحاب تلك القضية الشرطية يكون من الأصل المثبت كاثبات الوجود الفعلي لأيّ جزاءٍ، باستصحاب القضية الشرطية، كذلك نفي الوجوب الفعلي للزكاة باستصحاب عدم تلك القضية الشرطية، فلابد من اجراء الاستصحاب في نفس وجود الجزاء.

کلام السيد الخوئي “قده”

واجاب عنه السيد الخوئي “قده” في المقام أولاً: بالنقض باستصحاب عدم النسخ وبقاء الجعل الذي لا خلاف في جريانه، فلو كان نفي الحكم الفعلي باستصحاب عدم الجعل من الأصل المثبت، كان إثبات الحكم الفعلي باستصحاب بقاء الجعل وعدم النسخ أيضا كذلك.

وثانيا: بالحلّ، وهو أن الإنشاء عندنا هو إبراز الاعتبار، والاعتبار كما يمكن تعلقه بأمر فعلي، كذلك يمكن تعلقه بأمر متأخر مقيد بقيود، فليس جعل الحكم وإنشاءه الا عبارة عن اعتبار شي‏ء على ذمة المكلف في ظرف خاص، ويتحقق المعتبر بمجرد الاعتبار، بل هما امر واحد حقيقة، والفرق بينهما اعتباري، كالوجود والإيجاد، فالحكم الفعلي هو الحكم الإنشائي مع فرض تحقق قيوده المأخوذة فيه، وعليه فاستصحاب الحكم الإنشائي أو عدمه هو استصحاب الحكم الفعلي أو عدمه، نعم مجرد ثبوت الحكم في عالم الاعتبار لا يترتب عليه وجوب الإطاعة بحكم العقل قبل تحقق موضوعه في الخارج، وليس ذلك إلا من جهة أن الاعتبار قد تعلق بظرف وجود الموضوع على نحو القضية الحقيقية من أول الأمر، فمع عدم تحقق الموضوع لا يكون حكم وتكليف على المكلف، وبعد تحقق الموضوع خارجا لا يكون المحرك إلا نفس الاعتبار السابق لا امر آخر يسمى بالحكم الفعلي([24]).

مناقشه

اقول: الصحيح عدم تمامية مناقشة المحقق النائيني “قده” وينبغي أن نذكر لتوضيح هذا البحث عدة نكات:

النكتة الاولى: ان الصحيح أن الحكم التكليفي الذي هو مفاد خطاب الأمر والنهي ليس من الاعتباريات والجعليات، بأن يكون معنى الأمر اعتبار الفعل على ذمة المكلف ومعنى النهي اعتبار حرمان المكلف عن الفعل، كما هو مختار السيد الخوئي “قده” او يكون معنى الامر اعتبار البعث نحو الفعل ومعنى النهي اعتبار الزجر عنه، كما هو مختار جماعة منهم شيخنا الاستاذ “قده”، بل مفاد الأمر ابراز ارادة المولى لفعل العبد، ومفاد النهي ابرازه لارادة المولى لتركه، فليسا من الاعتباريات والجعليات، وان كانا من الإنشائيات، فان النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق، فكل أمر اعتباري انشائي، وليس كل أمر انشائي باعتباري، حيث يتقوم الأمر الاعتباري بعملية ادعاء الوجود، كادعاء ما ليس باسد اسدا، ولكن قد لا تكون الجملة الإنشائية من هذا القبيل، وذلك مثل جملة التمني والترجي، فانهما وان كانتا من الجمل الإنشائية في قبال الجمل الخبرية، لكنهما خاليتان عن أي ادعاء، وانما وضعتا لابراز التمني او الترجي، والأمر من هذا القبيل حيث انه وضع لابراز ارادة الآمر الفعل من المأمور، فهو خارج عن دائرة الاعتباريات والجعليات، وبذلك يرتفع موضوع هذا البحث.

النكتة الثانية: انه قد يطلق الجعل على عملية الجعل والانشاء، وهي عملية تكوينية توجد آنامّا في نفس المولى وتنعدم، وليس لها بقاء واستمرار، وقد يطلق ويراد به المجعول الكلي الذي يعبر عنه بالحكم الانشائي، فلا ينبغي خلط احدهما بالآخر، كما وقع ذلك في الكلمات المنقولة عن السيد الخوئي “قده” حيث ذكر اولاً في تفسير الانشاء والاعتبار (أن الاعتبار كما يمكن تعلقه بأمر فعلى، كذلك يمكن تعلقه بأمر استقبالي، فليس جعل الحكم وإنشاءه الا عبارة عن اعتبار شي‏ء على ذمة المكلف في ظرف خاص، ويتحقق المعتبر بمجرد الاعتبار، بل هما امر واحد حقيقة، والفرق بينهما اعتباري كالوجود والإيجاد) ومن الواضح أنه ناظر الى عملية الجعل.

وهذا هو الذي قال عنه في موضعٍ آخر: انّ الاعتبار بما أنّه من الامور النفسانية ذات الاضافة كالعلم والشوق وما شاكلهما من الصفات الحقيقية التي تكون كذلك، فلا مانع من تعلّقه بأمر متأخر ، نظير العلم، فإنّه كما يتعلق بأمر حالي كذلك يتعلّق بأمر استقبالي، فيمكن تأخر المعتبر عن الاعتبار، بأن يكون الاعتبار حالياً والمعتبر أمراً متأخراً، كاعتبار وجوب الصوم على زيد غداً أو نحو ذلك، فالتفكيك بين الاعتبار والمعتبر لا محذور فيه أصلًا، ولا يقاس ذلك بالتفكيك بين الايجاد والوجود في التكوينيات أصلًا، وممّا يشهد لما ذكرناه: صحة الوصية التمليكية، فلو قال الموصي هذه الدار لزيد بعد وفاتي، فلا شبهة في تحقق الملكية للموصى له بعد وفاته، مع أنّ الاعتبار فعلي، ومن البديهي أنّ هذا ليس إلّا من ناحية أنّ الموصي اعتبر فعلًا الملكية للموصى له في ظرف الوفاة([25]).

ونظيره ما قال في بحث الاستصحاب من أن الاعتبار إنما هو بمنزلة التصور، فكما أن التصور تارة يتعلق بمتصور حالي، وأخرى بمتصور استقبالي، فكذا الاعتبار تارة يتعلق بأمر حالي، وأخرى يتعلق بأمر استقبالي بحيث يكون الاعتبار والإبراز في الحال، والمعتبر في الاستقبال كالواجبات المشروطة قبل تحقق الشرط، فان الاعتبار فيها حالي، والمعتبر وهو الوجوب استقبالي، لعدم تحققه إلا بعد تحقق الشرط، ونظيرها الوصية، فان اعتبار الملكية في موردها حالي، إلا أن المعتبر أمر استقبالي، وهي الملكية بعد الوفاة([26]).

لكن قوله في المقام بعد ذلك “فالحكم الفعلي هو الحكم الانشائي مع تحقق موضوعه” ناظر الى بيان اتحاد الجعل بمعنى المجعول الكلي الانشائي مع الحكم الفعلي، فليس المراد من الجعل والاعتبار في كلامه بمعنى واحد.

والاشكالات التي تثار حول كلمانه أنه كيف يتمّ ما ادعاه من اتحاد الاعتبار والمعتبر، فان عملية الجعل والاعتبار عملية تكوينية نفسانية ذات اضافة -على حد تعبيره- فكيف تكون متحدة مع المعتبر الذي لا يوجد الا بوجود اعتباري، على أنه قد يقال ان عملية الجعل والاعتبار علة لوجود المعتبر، ودعوى اتحادهما يشبه دعوى اتحاد العلة والمعلول.

وكيف يتلائم ما ادعاه من أن المعتبر يتحقق بوجود الاعتبار مع قوله بأنه بمكن تعلق الاعتبار بأمر استقبالي كاعتبار الموصي ملكية زيد لداره بعد وفاته، فانه يعني عدم تحقق المعتبر وهو الملكية بمجرد انشاء الوصية بل يتوقف تحققه على تحقق الموضوع وهو وفاة الموصي، وقد صرح في كلامه الذي نقلناه عن المحاضرات بامکان تأخر المعتبر عن الاعتبار، بأن يكون الاعتبار حالياً والمعتبر أمراً متأخراً، كاعتبار وجوب الصوم على زيد غداً أو نحو ذلك، فالتفكيك بين الاعتبار والمعتبر لا محذور فيه أصلًا، ولا يقاس ذلك بالتفكيك بين الايجاد والوجود في التكوينيات.

فما ادعاه من أن الحكم الفعلي نفس الحكم الانشائي مع تحقق موضوعه، قد يتراءى كونه منافيا لما ذكره من أن المعتبر انما يتحقق في ظرف وجود موضوعه، فانه اذا لم يتحقق قبله فكيف يكون عين الحكم الانشائي الذي يفرض تحققه بمجرد الجعل والاعتبار، وعليه فلابد من حل هذه المشكلات، كي تندفع مناقشة المحقق النائيني.

النكتة الثالثة: يمكن الجواب عن مناقشة المحقق النائيني من مثبتية الاستصحاب الجاري في مرحلة الجعل لتنقيح حال المجعول، بأنه ان اريد من الجعل عملية الجعل، فشبهة مثبتية استصحاب عدمه هي أن عملية الجعل علة عرفية لثبوت المجعول، فلا يمكن نفي المجعول باستصحاب عدم عملية الجعل الا بنحو الأصل المثبت، اذ يكون نظير نفي المعلول باستصحاب نفي علته التامة، والجواب عن هذه الشبهة هو أن استصحاب عدم جعل الشارع لحكمٍ يكفي عرفا لنفي ذلك الحكم، فان نسبة عملية الجعل الى المجعول ليست نسبة العلة الى المعلول، فان علة المجعول هو الجاعل، بل نسبتها اليه نسبة الايجاد الى الوجود، وعليه فاستصحاب عدم ايحاب الشارع قطع يد السارق يكفي عرفا لنفي وجوبه، نظير استصحاب عدم ولادة امرأة لإثبات عدم ولد لها، او استصحاب عدم ايجاد شيء لنفي وجوده.

وان اريد من الجعل المجعول الكلي والقضية الانشائية، كما هو المصرح به في كلمات المحقق النائيني فيمكن الجواب عنه بجوابين:

الجواب الاول: ما يستفاد من كلمات السيد الصدر “قده” ومحصله بتوضيح منّا أن الجعل بمعنى المجعول الكلي قد ينظر إليه بالنظر الدقي الفلسفي، فيرى صورة ذهنية قائمة بنفس المولى، وأخرى ينظر إليه بالنظر العرفي، كما هو الصحيح الذي يجب حمل خطاب الاستصحاب كسائر الخطابات عليه، فيرى كونه وصفا للموضوع الكلي بما أن هذا الموضوع فانٍ في الخارج، ويحدث الحكم بحدوثه ويبقي ببقاءه، والمراد أنه يرى حدوث هذا الحكم بالحدوث العنواني لموضوعه ويبقى ببقاءه العنواني، من دون حاجة الى تحقق وجوده الخارجي، فحينما انشأ الشارع نجاسة الماء المتعير، فيقول العرف “الماء المتغير لم يكن نجسا شرعا قبل ذلك والآن صار نجسا” مع أنه قد لا يوجد ماء متغير خارجا، وعليه فلا يرى العرف المجعول الكلي الا وصفا للموضوع الكلي وحادثا بحدوثه، فاستصحاب عدم الجعل لا يعني الا استصحاب عدم وجود الحكم عقيب وجود موضوعه او فقل عدم وجود الجزاء عقيب وجود شرطه.

وهكذا يلحظ العرف كلي المستطيع، فيقول بأنه لم يكن يجب عليه العمرة المفردة قبل البعثة، فيجري استصحاب عدم وجوبها عليه الى الآن، وليس نفي الفعلية وهو عدم وجوب العمرة على المستطيع الخارجي بعد تحقق هذا الموضوع لازما له، كي يكون من الاصل المثبت، بل هو هو، وان شئت قلت: ان التنجز وان كان اثر قيام الحجة على الحكم الجزئي الثابت للمكلف بعد انطباق الموضوع عليه، بأن يصير المكلف مستطيعا خارجا، لكن نسبة المجعول الكلي الذي هو الحكم الثابت للطبيعة الى الحكم الجزئي الثابت للفرد ليست نسبة اللازم والملزوم او السبب الى المسبب، بل نسبة الكلي الى افراده، فحينما نلحظ المجعول الكلي نقول “ان المستطيع للعمرة المفردة لا يجب عليه العمرة” وهذا عنوان متحد مع عدم وجوب العمرة على هذا الفرد من المستطيع خارجا، ويكون من نفي وصف الفرد باستصحاب عدم وصف الكلي، وليست النسبة بينهما نسبة اللازم والملزوم والسبب والمسبب، بل الكلي والفرد، كما أنه لو كانت الحالة السابقة هو وجوب العمرة المفردة على المستطيع في اوائل البعثة فنقول: المستطيع كان يجب عليه العمرة المفردة سابقا والآن كما كان، ويكون اثبات وجوب العمرة على زيد المستطيع فعلا من اثبات وصف الفرد باستصحاب بقاء وصف الكلي.

والحاصل أن استصحاب عدم الحكم لطبيعي الموضوع –و هو الذي يعبر عنه باستصحاب عدم الجعل- كافٍ لنفي وصف الفرد، بلا حاجة الى اجراء الاستصحاب المباشر لنفي حكم الفرد، ولذا قد لا يجري استصحاب نفي حكم الفرد، كما لو شك في نجاسة الكافر الكتابي حيث يكون استصحاب عدم نجاسته من العدم الازلي الذي لا يقول به كثير من الأعلام، ولكن يكفي استصحاب عدم كون الكافر الكتابي نجسا قبل البعثة لنفي نجاسة الكتابي الذي وُلد فعلا.

نعم كفاية هذا الاستصحاب تتوقف على دفع شبهةٍ، وهي أن نجاسة الكافر على تقدير ثبوتها انحلالية، فيكون هذا الاستصحاب لاثبات عدم كون هذا الفرد من الكافر -الذي وجد بعد زمان الشك في تشريع نجاسة الكفار- نجساً مبتلى باشكال كونه من قبيل استصحاب القسم الثالث من الكلي، حيث ان اليقين متعلق بعدم نجاسة الكفار الذين كانوا موجودين قبل زمان التشريع، والشك الفعلي متعلق بنجاسة الكفار الذين ولدوا بعد زمان التشريع، وقد التزم السيد الخوئي “قده” بهذا الاشكال بالنسبة الى استصحاب بقاء الجعل، لاثبات المجعول في الأفراد الحادثة بعد زمان الشك في ارتفاع الجعل([27])، ولا يتلائم ذلك مع نقضه في المقام على المحقق النائيني “قده” باستصحاب بقاء الجعل.

ولكن الظاهر اندفاع هذه الشبهة، فان انحلالية الحكم يمكن لحاظها في مرحلة استصحاب عدم الجعل او بقاء الجعل ايضا ولو بالنظر العرفي، فيقال: كل فرد من افراد الكافر لم يكن نجسا قبل البعثة، ثم صار بعد البعثة كل فرد من افراد الكافر غير الكتابي نجسا، فانه لا اشكال في عرفيته، فكذلك يقال بأنه يشك في أن كل فرد من افراد الكافر الكتابي هل صار نجسا بعد البعثة فيستصحب عدمه، وهذا متحد عرفا مع التعبد بعدم نجاسة هذا الفرد من الكتابي الموجود فعلا، وان كان لو لوحظ هذا الفرد الموجود موضوعا للاستصحاب كانت النجاسة وصفا ذاتيا له وكان استصحاب عدمها من استصحاب العدم الأزلي.

وكيف كان فبهذا التقريب يتم دعوى اتحاد الحكم الانشائي مع الحكم الفعلي، والظاهر أن هذا الجواب هو مقصود السيد الصدر “قده” في المقام من انكار امر وراء الجعل وتحقق موضوعه مما يسمى بالمجعول، أي مقصوده أن ما يترتب على وجود الموضوع في الخارج بالنظر العرفي ليست نسبته الى الجعل بمعنى المجعول الكلي نسبة اللازم الى الملزوم، بل نسبة الجزئي الى الكلي، فهما متحدان، والا فكيف يمكن انكار المجعول الذي يترتب على وجود الموضوع في الخارج، فانه مضافا الى مخالفته للوجدان العرفي منافٍ لتصريحه في بحث الاستصحاب بجريان استصحاب الحكم الجزئي، فلو لم يكن شيء وراء الجعل الكلي الذي لا شكّ فيه والموضوع المفروض عدم جريان الاستصحاب فيه فكيف يجري استصحاب الحكم الجزئي، ولذا ذكر هناك أن لحاظ الحكم والجعل بالنظر العرفي كما يقتضي تصور الحدوث والبقاء لحصص المجعول بهذا الجعل في الشبهة الحكمية، كذلك يقتضي ان يكون هناك ثبوت للمجعول وفعلية عند تحقق موضوعه في الخارج، لأن الملاحِظ من خلال العنوان يرى المعنون في الخارج، فكأن هناك امرا يتحقق بتحقق الموضوع ويزول بزواله خارجا، وهذا وان كان مجرد أمر اعتباري ووهمي لا حقيقي إلّا انه يكفي لصدق دليل الاستصحاب وجريانه فيه، وان شئت قلت: ان المجعول وان كان امرا وهميا لا حقيقيا إلّا ان هذا الأمر الاعتباري وفي طول اعتباره وجعله يكون له حدوث وبقاء حقيقي فينطبق عليه دليل الاستصحاب حقيقة([28]).

الجواب الثاني: ما هو الصحيح من أن لحاظ الجعل بمعنى المجعول الكلي -كنجاسة الماء المتغير- بالنظر العرفي يكون بنحوين: احدهما: ما مرّ في الجواب الاول، وثانيهما: لحاظ ثبوت هذا القانون والكبرى الشرعية في عالم الشرع، فان الشارع حينما يجعل النجاسة للماء المتغير ويقول ان الماء المتغير نجس فيرى العرف ان لهذه القضية ثبوتا اعتباريا في الشرع، ويكون حدوثها بعملية الانشاء والجعل، وبقاءها بعدم النسخ، وهذا لحاظ عرفي ايضا، ولا علاقة له بلحاظ الجعل بما هو صورة ذهنية قائمة بنفس المولى، بينما أنه في اللحاظ الاول يرى النجاسة في المثال المذكور وصفا عارضا -بنحو مفاد كان الناقصة- على الموضوع الخارجي وهو الماء المتغير، بحيث يحدث هذا الوصف بحدوث التغير ويبقى ببقاءه.

وهكذا في مثال “ان جاءك زيد فيجب اكرامه” فكما يمكن لحاظ الجزاء في هذه القضية الشرطية فيرى حدوث وجوب اكرام زيد عقيب مجيئه فاذا شك في جعله فيقال لم يكن سابقا يوجد وجوب اكرام زيد عقيب مجيئه فالآن كما كان، فكذلك يمكن لحاظ هذه القضية الشرطية برمتها بنحو مفاد كان التامة فبعد تشريع هذه القضية نقول: الآن صدر من المولى حكم انه ان جاء زيد فيجب اكرامه.

ولا يخفى أن ما ذكرناه لا يعني تعدد المجعول، بل المجعول واحد دائما، وانما الاختلاف في كيفية لحاظه عرفا، فالشارع حينما يعتبر النجاسة للماء المتغير فتارة يلحظ العرف حكم النجاسة وصفا حادثا للماء المتغير من حين وجود الماء المتغير، وباقيا ببقاء تغيره، وأخرى يلحظ حكم نجاسة الماء المتغير بتمامه بما هو قانون من قوانين الشرع وحادثا حين تشريعه وباقيا بعدم نسخه.

والجواب عن شبهة مثبتية استصحاب عدم الجعل بهذا اللحاظ الثاني لنفي الحكم الفعلي، هو أن التفكيك بين التعبد الظاهري فيهما غير معقول عرفا، فيكون التعبد الظاهري بعدم الوجوب العمرة المفردة على المستطيع الموجود في الخارج، لازما بيّنا للتعبد الظاهري بعدم الجعل أي عدم قانون وجوب العمرة على المستطيع، فيكون من لوازم نفس الاصل، واشكال المثبتية يختص باثبات لوازم الواقع بالاصل، ولو لم يرتِّب المكلف آثار عدم الحكم الفعلي عند الشك في الجعل عدّ عرفا ناقضا ليقينه السابق بعدم الجعل بالشك في حدوثه، وهذا يعني امكان اثبات عدم المجعول الفعلي باستصحاب عدم الحكم الإنشائي، ويشهد على ذلك أنه لو شك في نسخ الحكم الانشائي السابق، فالظاهر أنه لا يتوقف العرف في اجراء استصحاب بقاء هذا الحكم الانشائي وعدم نسخه فيحرز به الحكم الفعلي للموضوع الحادث بعد الشك في النسخ، ولا ينبغي دعوى كون اثباته به يكون من الأصل المثبت.

ثم انه بقيت شبهة طرحناها كاشكال على السيد الخوئي “قده” وهي أنه كيف ادعى اتحاد الاعتبار والمعتبر مع أن الاعتبار موجود تكوينا بخلاف المعتبر وحلّ الشبهة يكون بأحد وجهين:

1- أن يقال -كما عليه السيد الصدر “قده”- بأن المعتبر بالذات أي ما هو المعتبر بالنظر التصديقي العقلي ايضا موجود حقيقة في نفس الجاعل والمعتبر، وما يوجد بوجود وهمي اعتباري هو المعتبر بالعرض أي المعتبر بالنظر التصوري العرفي، وما يتبع البرهان العقلي من لزوم كون وعاء الاعتبار والمعتبر واحدا هو ما يكون معتبرا بالنظر العقلي، وهذا نظير العلم والمعلوم، فان العلم (أي القطع سواء اصاب الواقع او اخطأ) وان كان من الصفات ذات الاضافة فلايعقل وجوده بلامعلوم ومقطوع موجود في زمان العلم، ولكنه يختص بالمعلوم بالذات، دون المعلوم بالعرض الذي هو المعلوم بالنظر العرفي، فانه لااشكال في عدم لزوم وجوده في زمان العلم، لامكان تعلقه بعدم شيء او بوجود شيء استقبالي، ومنه ما عن امير المؤمنين (عليه السلام) في وصفه تعالى “عالم اذ لامعلوم” بل في مورد القطع المخطأ الذي لايختلف في خصوصياته النفسانية عن القطع المصيب لايوجد مقطوع ابدا.

فاذا اعتبر الموصي ملكية زيد لداره بعد وفاته فالمعتبر بالذات أي بالنظر العقلي هو الصورة الموجودة في ذهن الموصي من هذه الملكية وموضوع الملكية هو الصورة الذهنية من زيد، وأما ثبوت الملكية لزيد الخارجي بعد وفاة الموصي فانما هو بالنظر الوهمي العرفي فليس هو المعتبر حقيقة، بل معتبر بالعرض والمجاز، فما يكون متحدا مع الاعتبار ونسبته اليه نسبة الايجاد الى الوجود هو المعتبر بالذات، نعم الاعتبار بالنظر العرفي يتعلق بالمعتبر بالعرض، ولكن العرف لايقبل اتحاده مع عملية الاعتبار بعد عدم بقاء هذه العملية بخلاف المعتبر بالعرض الذي له بقاء واستمرار.

2- ما ذكرناه في مجالات مختلفة من أن طرف الاعتبار يمكن أن يكون هو الخارج، وانما يكون لحاظه واسطة في اعتبار وجوده، ولذا قلنا في أسماء الأعلام أنه لايبعد أن يكون الموضوع له فيها هو الوجود الخارجي للشيئ، فالوالد حينما يسمي ولده باسم عليّ فيكون لحاظ الولد واسطة في اعتباره هذا الاسم علامة على هذا المولود الخارجي، كذلك المنصوب للقضاء بالنظر العقلي ايضا هو الوجود الخارجي لمن يراد نصبه للقضاء، وانما يكون لحاظه وتصوره واسطة في الثبوت- وهكذا المبعوث اليه في خطاب الامر، بناء على كون مفاده اعتبار البعث او اعتبار الفعل في ذمة المكلف، هو الوجود الخارجي للفعل فيتصور المولى هذا الوجود الخارجي ويعتبر البعث نحوه، فان اعتبار البعث نحو شيء لايحتاج الى اكثر من تصوره ولايلزم وجوده بالفعل.

فيختلف عن مثل العلم اوالحب الذي هو صفة تكوينية ذات اضافة فتحتاج عقلا الى طرف الاضافة في نفس موطن تحققها، وعليه فاذا قال الشارع “الماء المتغير نجس” فلامانع من أن يقال ان ما يراد اعتبار وجوده هو نجاسة الماء المعتبر الخارجي، لاالصورة الذهنية للماء المتغير التي وجدت في ذهن الحاكم، وهكذا يعتبر الموصي من الآن ملكية زيد لداره عقيب وفاته، فليس موطن الادعاء والتقدير الا بعد وفاته، فمالم تتحقق وفاته لاتوجد ملكية زيد بوجودها المناسب لها وهو الوجود الوهمي العرفي الذي يتصف به الأمر الاعتباري عقيب تحقق موضوعه، ولامانع من انفكاك هذا المعتبر بالذات عن عملية اعتباره، اذ ليست العلاقة بينهما علاقة الايجاد والوجود التكويني، ولا يحتاج الاعتبار الذي هو ادعاء الوجود الى وجود المعتبر بالفعل، بل الى لحاظه وتصوره.

المناقشة الثالثة: تعارض استصحاب عدم جعل الإلزام باستصحاب عدم جعل الترخيص

المناقشة الثالثة: ما يقال من أن استصحاب عدم جعل الإلزام معارض باستصحاب عدم جعل الترخيص، فانا نعلم إجمالا بجعل أحد الأمرين، فيسقطان بالمعارضة.

وقد اجاب عنه السيد الخوئي “قده” اولاً: أنه يحتمل أن يكون الترخيص الشرعي ثابتا بعنوان عام‏ لكل مورد لم يجعل الإلزام فيه بخصوصه، كما كان عمل الأصحاب على ذلك في صدر الإسلام، ويستفاد أيضا من ردعه (صلى اللَّه عليه وآله) أصحابه عن كثرة السؤال في قصة الحج‏ ونحوها، وقوله “إذا أمرتكم بشي‏ء فأتوا منه ما استطعتم ” وعليه فيكون استصحاب عدم جعل الإلزام مثبتا لموضوع الترخيص، فيكون اصلا موضوعيا حاكما على استصحاب عدم جعل الترخيص.

وثانيا: لا مانع من جريان كلا الاستصحابين بعد ما لم يلزم منه مخالفة عملية للتكليف الإلزامي، فإذا ثبت عدم جعل الإلزام وعدم الترخيص بمقتضى الاستصحابين، كفى ذلك في نفي العقاب، لأن استحقاقه مترتب على ثبوت المنع، ولا يحتاج نفيه إلى ثبوت الترخيص، فإذا ثبت عدم المنع ينتفي العقاب ولو لم يثبت الترخيص، نعم الآثار الخاصة المترتبة على عنوان الإباحة لا تترتب على استصحاب عدم جعل الإلزام، فإذا فرض مورد كان الأثر الشرعي مترتبا على الإباحة لا مناص فيه من الرجوع إلى أصالة الإباحة، ولا يكفي فيه الرجوع إلى استصحاب عدم المنع كما هو ظاهر.

اقول: أما الجواب الاول فقد يورد عليه أنه وان مر في البحث حول مفاد حديث “كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي” أنه يمكن جعل الحلية لكل شيء مغيىً بعدم جعل الحرمة له، بل جعل الحلية لكل شيء لم يجعل له الحرمة، (و ان ادعى هو هناك وفاقا للمحقق الاصفهاني”قده” امتناع الثاني) لكن لا دليل عليه ابدا، أما ما اشار اليه فهو ما روى في صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: خطبنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أيّها الناس قد فرض عليكم الحجّ فحجّوا، فقال رجل: أكلّ عام يا رسول اللّه؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً قال: لو قلت نعم لوجب ولما استطعتم، ثمّ قال: ذروني ما تركتكم، فإنّما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشي‏ء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شي‏ء فدعوه ، ولكن مضافا الى ضعف سنده لا يستفاد منه أكثر من عدم لزوم السؤال عما سكت عنه النبي (صلى الله عليه وآله) ولا يستفاد منه جعل الحلية لما لم يجعل له الحرمة، وهكذا حديث “كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي” مضافا الى ضعف سنده لم يظهر منه كون مفاده حلية كل شيء الى أن يجعل له الحرمة، او كون مفاده حلية كل شيء الى أن يصدر من الشارع خطاب النهي عنه، بل يحتمل كونه بيانا للاباحة الظاهرية الى أن يصل النهي عنه.

هذا وقد حكى في المباحث أن السيد الخوئي “قده” استدل شفهيا على مبناه من جعل الحلية لكل شيء مغياة بعدم حرمته، بحديث “كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي” فلما اعترض عليه بانه على مبناكم لا يعقل تقيد الحكم بعدم ضده، اجاب بأنه لا مانع من تقيد الحلية بعدم النهي عنه وهو بيان الحرمة لا نفس الحرمة، كما تمسك بقوله “اسكتوا عما سكت الله عنه” وكان ينبغي للسيد الخوئي “قده” أن يجيب بأنه لا مانع بنظره من جعل الحلية مغياة بعدم جعل الحرمة له، وهذا ليس من اشتراط حدوث الحلية بعدم الحرمة، وكيف كان فتمسكه بما في نهج البلاغة من قوله “ان الله سكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها ” ايضا غير تامّ، فانه مضافا الى عدم تمامية سنده لا يدل على جعل الحلية الى أن يصدر فيه خطاب النهي وانما ينهى عن التكلف وجعل النفس في الضيق لمجرد احتمال كون الفعل مبغوضا في علم الله، واين هذا من جعل الحلية لكل شيء مشروطا بعدم النهي عنه او مغيىً بعدمه.

وأما الجواب الثاني ففيه أنه بناء على مسلكه من قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي فيكون اثر استصحاب عدم جعل الحلية جواز الاخبار بعدم جعل الحلية واقعا وهذا يؤدي الى المعارضة بينه وبين استصحاب عدم جعل الحرمة بعد العلم الاجمالي بجعل احديهما، حيث يعلم اجمالا بأنه إما يكون الاخبار بعدم جعل الحلية لشرب التتن كذبا محرما، او يكون ارتكابه محرما كما يكون الاخبار بعدم جعل الحرمة له ايضا كذبا محرما، فيلزم من الجمع بين الاستصحابين الترخيص في المعصية.

ان قلت: ان حكومة الاستصحاب على دليل حرمة الاخبار بغير علم حكومة واقعية، حيث تنتفي معه حرمة الاخبار واقعا، فلا يلزم من جريان الاستصحابين في طرفي العلم الاجمالي ترخيص في المخالفة القطعية لحرمة الاخبار بغيرعلم.

قلت: اولاً: ان جواز الاخبار في طرفي العلم الاجمالي يؤدي الى امر غريب عرفا، حيث انه لو اخبر عن عدم جعل الحلية والحرمة لشرب التتن يكون محرَّما، لعلمه بكذب هذا الخبر، ولكن يجوز له أن يخبر مرة بعدم جعل الحلية له وأخرى بعدم جعل الحرمة له، كما يجوز له أن يخبر في نفس الوقت بجعل احديهما، لعلمه الوجداني به، وغرابة ذلك يوجب عدم امكان الجمع عرفا بين استصحاب عدم جعل الحلية بغرض جواز الاخبار، وبين استصحاب عدم جعل الحرمة بلحاظ جواز الاخبار والارتكاب.

وثانياً: ان حكومة الاستصحاب على حرمة الاخبار بغير علم وان كانت حكومة واقعية، أي يوجب الحكم بجواز الاخبار واقعا، فلا يلزم من جريانه في كلا طرفي العلم الاجمالي الترخيص في المخالفة القطعية لحرمة الاخبار في احدهما واقعا من ناحية حرمة الاخبار بغير علم، لكن لا حكومة للاستصحاب على حرمة الكذب واقعا، فيلزم من جواز الاخبار في كلا طرفي العلم الاجمالي الترخيص في الكذب المحرم، لأن احد الاخبارين كذب قطعا، وحينئذ فقد تسري المعارضة بين الاستصحابين الى الاثر الترخيصي لأحدهما، كما في مثال استصحاب عدم جعل الحرمة في الشبهة البدوية حيث يقال بمعارضته مع استصحاب عدم جعل الحلية له حيث يعلم اجمالا إما أن ارتكاب الفعل محرم او أن الاخبار عن عدم جعل الحلية له كذب محرم.

وقد يجاب عن هذا الاشكال الثاني بأن انتساب صدور الكذب الى الشخص فيما كان اخباره مخالفا للواقع متقوم بأن لا يكون عالما بمطابقة خبره للواقع، فلو توهم شخص مجيء زيد فاخبر به، فلا يقال “انه قد كذب” وبناء على اعتبار الاستصحاب علما ببقاء المتيقن فيكون حاكما على موضوع حرمة الكذب حكومة واقعية.

ولكن يندفع هذا الجواب بأن مفهوم الكذب ليس مركبا من الاخبار المخالف للواقع وعدم العلم بمطابقته للواقع، وانما هو مفهوم بسيط منتزع منهما، وليس ظاهر دليل اعتبار الاستصحاب علما حكومته الواقعية على دليل حرمة الكذب بلحاظ منشأ انتزاعه.

الا أن الذي يسهل الخطب عدم تمامية مسلك قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي، وحينئذ نقول بعدم جريان استصحاب عدم جعل الاباحة، حيث لا يترتب عليه اثر عملي، بعد أن لم يكن يتنجز به لزوم الاجتناب عن شرب التتن، اذ لا يثبت به جعل الحرمة له الا بنحو الاصل المثبت، فيجري استصحاب عدم جعل الحرمة له بلامعارض.

هذا وقد يقال بأن هذا الاشكال لا يتوقف على قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي، بل لو لم نقل بذلك فاستصحاب عدم كذبية الاخبار بعدم جعل الحلية للفعل المشكوك، يكون له حكومة ظاهرية على دليل حرمة الكذب، وبذلك يتعارض مع استصحاب عدم جعل الحرمة، كما تتعارض أصالة البراءة فيهما، حيث يلزم من جريانهما الترخيص في المخالفة القطعية العملية للعلم الاجمالي إما بحرمة الفعل عليه او حرمة اخباره بعدم جعل الحلية له من باب حرمة الكذب.

وفيه أن هذا العلم الاجمالي منحلّ بالعلم التفصيلي بكون اخباره بعدم جعل الحلية حراما قطعا لكونه قولا على الله بغير علم، وقد قال تعالى “حرم عليكم…ان تقولوا على الله ما لا تعلمون” بل المستفاد من بعض الروايات حرمة القول بغير علم مطلقا، نعم لو كان مخالفا للواقع فتكون حرمته اشد لكونه كذبا وافتراء على الله، ولكن الظاهر ان النفي الظاهري لشدة الحرمة ليس له اثر عملي حتى يجري بلحاظه الاصل العملي.

فلا يتجه ما افيد في كتاب الاضواء (من أنه لو قيل بأنّ حرمة الكذب موضوعها عدم المطابقة مع الواقع جرى استصحاب عدم الاباحة لنفي حرمة اسناد عدم جعل الحلية إلى الشارع بملاك حرمة الكذب بلا حاجة إلى القول بقيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي، فيعارض استصحاب عدم الحرمة بلحاظ التأمين عن الارتكاب إذ يعلم امّا بحرمة الارتكاب أو حرمة اسناد عدم الاباحة إلى الشارع لكونه كذباً لأنّه يعلم اجمالًا بجعل الاباحة أو الحرمة للفعل المذكور بحسب الفرض فيقع التعارض بين الاستصحابين، إذ يلزم منهما المخالفة العملية ولا تجري البراءة عن الحرمة أيضاً لنفس النكتة، والتخلص عن هذا الاشكال يتوقف على القول بأنّ حرمة الكذب موضوعها عدم العلم بالواقع، لا عدم الواقع([29]) .

اضف الى ما ذكرناه ان استصحاب عدم جعل الحلية لنفي كون الاخبار بعدم جعلها كذبا من الاصل المثبت، لان عنوان الكذب عنوان بسيط منتزع عن جزئين: الاخبار بشيء وعدم كونه مطابقا للواقع، ومن جهة اخرى ان احتمال كون الكذب شاملا للقول بغيرعلم وان كان مطابقا للواقع ليس عرفيا، ولذا لم يلتزم هو ولا غيره بكون القول بغير علم على الله من مفطرات الصوم.

وما قد يقال من ان ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه نهي عن قذف من ليس على الاسلام فان ايسر ما يكون أن يكون قد كذب([30]) فانه لو لم يكن القول بغير علم كذبا ولو من باب التعبد كان هو ايسر ما يكون بعد كونه محرما، لاحتمال كون ما يقذف به الكافر مطابقا للواقع، وفيه مضافا الى ان الاستعمال اعم من الحقيقة، فلعله يدل على أن القول بغير علم في اتهام الكافر بشيء لا يكون محرما مستقلا في قبال الكذب، وان كان حراما طريقيا من باب العلم الاجمالي بكون الاخبار بوجوده او بعدمه كذبا، واين هذا من القول بغير علم على الله الذي دل على حرمته القرآن الكريم.

ويمكن المنع عن العلم الاجمالى بجعل الحلية او الحرمة لشرب التتن مثلا، لعدم احراز كون حلية ما ليس بحرام انشاء للاباحة والرخصة دائما، فلعلها عدم الحرمة لكن لا عن اهمال، بل عن رضىً بارتكاب ذلك الفعل، فانه لا يظهر من مثل قوله (عليه السلام)” ما من شيء الا وفيه كتاب او سنة” او قوله “انما الامور ثلاثة: حلال بيِّن وحرام بيِّن وشبهات بين ذلك” أكثر من ذلك.

هذا وقد حكي عن السيد الخوئي”قده” أنه ذكر جوابا نقضيا عن المناقشة الثالثة، فقال انه لو كان مجرد العلم الاجمالي بمخالفة بعض الأدلة والاصول للواقع، من دون اداء جريانها للترخيص في المخالفة القطعية العملية للتكليف المعلوم بالاجمال موجبا لتساقط تلك الأدلة والاصول بلحاظ اثر جواز الاخبار، لمنع كل فقيه عن الإفتاء في تمام الفقه رأسا؛ لأن الفقيه بعد أن ينتهي من استنباطاته في الفقه يعلم إجمالا أن نتيجة تلك الأدلة والاصول في بعض الموارد تكون مخالفة للواقع، وحيث لا يمكن الالتزام بهذا النقض يستكشف عدم تمامية المناقشة.

اقول: لو سلمنا حصول علم اجمالي من هذا القبيل للمجتهد بعد فراغه من استنباط جميع الاحكام بالخلاف فلا يحدث الاشكال في موارد جريان الاصل غير المحرز كالبراءة او الاحتياط حيث لا يفتي فيها الفقيه الا بالحكم الظاهري، نظير فتواه بجريان الحكم الظاهري الترخيصي في حق كل من واجدي المني في ثوب مشترك، مع علمه بمخالفة احد الحكمين الظاهريين للواقع، ولو كان العلم الاجمالي في دائرة الأمارات تعمق الاشكال، لأن المدلول الالتزامي لكل أمارة يعلم اجمالا بكذبها او كذب أمارة أخرى هو أن الكاذب هو الأمارة الثانية، وحيث ان المشهور حجية مثبتات الأمارات مطلقا، فيؤدي ذلك الى التناقض في مدلول الحجتين، فلا يمكن شمول دليل الحجية لهما معا، ولا فرق في ذلك بين القول بجواز الاخبار بالواقع استنادا الى الأمارة وبين القول بعدمه.

ولعل السيد الخوئي “قده” كان نظره الى حصول العلم الاجمالي بالخلاف في دائرة الاعم من الأمارات والاصول المحرزة التي تكون مجوزة للافتاء بالواقع على وفقها وتنحصر في الشبهات الحكمية بالاستصحاب فبناء على مسلكه من اختصاص الاستصحاب المعتبر باستصحاب عدم التكليف، فيكون مقتضي حجية مثبتات الأمارة كون المخالفة للواقع في ضمن موارد جريان هذا الاستصحاب، فان كانت هذه الاستصحابات تجري في حق مكلف واحد فيتعمق الاشكال، حيث يكون جريانها مستلزما للترخيص في المخالفة القطعية العملية، وهو قبيح بنظره وان كانت الشبهة غير محصورة (وان كان الصحيح عندنا عدم تنجز التكليف المعلوم بالاجمال في الشبهات غير المحصورة) وان لم يجتمع جريانها في حق مكلف واحد، فيكون نظير ما لو علم المجتهد بثبوت تكليفٍ إما في حق الرجال او في حق النساء فتتوقف المعارضة بين استصحاب عدم التكليف في حق كل منهما على القول بكون اثر الاستصحاب هو جواز الاخبار والافتاء بالواقع على وفقه، وغاية ما يلزم من النقض هو الالتزام بسقوط الاستصحابين الجاريين في حق المجتهد بلحاظ اثر جواز الافتاء، وحينئذ فلابد أن يفتي بالحكم الظاهري الترخيصي الجاري في حق كل من الرجل والمرأة.

نعم قد يشكل جريان الاستصحاب في حقهما ايضا، وهذا فيما اذا علما اجمالا بثبوت هذا التكليف في حق احدهما، حيث ان الرجل مثلا يعلم إما بأن هذا التكليف ثابت في حقه او أنه يحرم عليه الاخبار بعدم ثبوت التكليف في حق المرأة، فيتعارض جريان استصحاب عدم تكليفه لغرض نفي تنجزه عليه مع جريان استصحاب عدم تكليفها لغرض جواز اخباره به، فينحصر الاصل الترخيصي النافي لتنجز التكليف في حق كل منهما بالاصل الذي لا يترتب عليه جواز الاخبار بالواقع كأصل البراءة الشرعية او العقلية.

وأما بناء على مسلك المشهور من جريان استصحاب بقاء التكليف فتكون نتيجة العلم الاجمالي بالخلاف في دائرة الاعم من الامارات والاستصحاب بضم كون لازم الأمارات حينئذ كون المخالفة للواقع في دائرة الاستصحاب هي وقوع العلم الاجمالي بمخالفة احد الاستصحابات التي اجراها المجتهد للواقع، فتتعارض الاستصحابات التى اجراها المجتهد بغرض جواز الافتاء، ولكن يمكنه أن يفتي بالحكم الظاهري الاستصحابي الذي يجري في حق كل مكلف، ولو بنحو التقليد الطولي، أي يبين المجتهد له حدوث التكليف سابقا، حتى يتم في حقه اركان الاستصحاب، ومن هنا اتضح أن ما اورده من النقض ليس شيئا لا يمكن الالتزام به.

هذا وقد ذكر في المباحث أنه لو كان مراد السيد الخوئي “قده” من العلم الاجمالي بالخلاف هو الاطمئنان الاجمالي الذي يجتمع مع الاحتمال الضعيف بالعدم، فليس بحجة، لأن مدرك حجية الاطمئنان هو السيرة العقلائية، ولا يوجد مثل هذه السيرة في اطمئنان إجمالي ذي أطراف غير محصورة، والاطمئنان في المقام من هذا القبيل، فإنّه إنّما نشأ هذا الاطمئنان بالخلاف من تجمّع احتمالات الخلاف من أطراف كثيرة جدا.

بل لو حصل للمجتهد قطع اجمالي بالخلاف في دائرة الامارات والاستصحاب في الشبهات الحكمية الذي مرّ أنه عند السيد الخوئي “قده” منحصر بالاستصحاب النافي للتكليف، فلازم الامارات وان كان هو أن المخالفة للواقع تكون في دائرة الاستصحاب، فلو كان هذا اللازم حجة فيؤدي ذلك الى الحجة الاجمالية على مخالفة احد الاستصحابات الترخيصية للواقع، فيتعمق الاشكال لاداءه الى الترخيص في المخالفة العملية، الا أن حجية لوازم الامارة حيث تكون ببناء العقلاء فلنا أن نمنع من انعقاد بناءهم على حجية اللازم ايضا في مثل المقام، لان هذا اللازم ثابت بنحو الاطمئنان الاجمالي الحاصل من تجمع الاحتمال في الشبهة غير المحصورة، وعليه فيرتفع الاشكال([31]).

ولا بأس بما افاده، نعم ظهر مما سبق أن مجرد علم المجتهد بمخالفة بعض الاستصحابات النافية للتكليف للواقع لا يوجب كون جريانها مستلزما للترخيص في المخالفة العملية بل لابد أن يكون العلم الاجمالي بالتكليف حاصلا في حقّ مكلف واحد حتى يتعارض استصحاب عدم التكليف في اطرافه.

وكيف كان فقد تبين عدم تمامية المناقشة الثالثة للمنع من كون اثر الاستصحاب جواز الاخبار عن الواقع وللمنع من العلم الاجمالي بجعل الحلية او الحرمة لكل شيء، لاحتمال كون الحلية هو عدم الحرمة.

المناقشة الرابعة:

ما عن المحقق النائيني “ره” من أن الحالة السابقة المتيقنة لعدم الجعل عدم قبل الشرع، فيكون عدما غير منتسب الى الشارع، والعدم المشكوك هو العدم المنتسب الى الشارع، واستصحاب العدم الاول لاثبات العدم الثاني يكون من الاصل المثبت.

وقد اجاب عنه السيد الخوئي “قده” اولا: أن المستصحب انما هو العدم المنتسب الى الشارع بعد ورود الشرع فقد مضى من الشريعة زمان لم يكن الحكم المشكوك مجعولا يقينا، فيستصحب.

وثانيا: ان الانتساب يثبت بنفس الاستصحاب([32]).

اقول: أما جوابه الاول فانما يجدي لو احرز التدرج في تشريع جميع الاحكام، ولكنه غير محرز، فلعل التدرج كان في البيان ولو في الجملة، وأما جوابه الثاني ففيه أن مدعى المحقق النائيني “ره” هو أن المؤمن من العقاب هو لزوم كون المتعبد به هو العدم المنتسب الى الشارع، وما ذكره السيد الخوئي انما هو انتساب التعبد بالعدم الى الشارع، واين هذا من كون المتعبد به هو العدم المنتسب اليه.

فالصحيح أن يقال في الجواب عن المناقشة بأن المنجز لما كان هو جعله تعالى للتكليف فنستصحب عدم جعله ويترتب عليه نفي هذا التنجز، وعدم جعله للتكليف عدم منتسب اليه، مضافا الى أنه يكفي لنفي التنجز نفي التكليف المنتسب اليه تعالى بنحو يكون الانتساب قيدا للمنفي لا النفي.

تلخیص

وبذلك تبين عدم تمامية أي من هذه المناقشات، عدا المناقشة الاولى من عدم العلم بسبق عدم جعل التكليف بلحاظ أن روحه وواقعه هو تعلق ارادة الله تعالى وغرضه بفعل صادر من المكلف الواجد لوصف كذا، فلعل غرضه تعلق من الازل بترك المكلف المسلم لشرب التتن مثلا، فلم يتحقق فيه يقين سابق بالعدم كي يستصحب.

تنبيه: جريان استصحاب عدم جعل التكليف في مورد الشبهة الموضوعية اذا وصلت النوبة الى الاصل الحكمي

وقع الكلام في جريان استصحاب عدم جعل التكليف في مورد الشبهة الموضوعية اذا وصلت النوبة الى الاصل الحكمي، فقد ذكر السيد الخوئي أنه لا مانع من ذلك، لأنه بعد كون الحكم المجعول متكثرا ومنحلا بعدد افراد الطبيعة، فيتكثر الجعل لا محالة، فيكون الشكّ في خمرية مايع مستلزما للشك في جعل الحرمة له([33]).

وانكر في البحوث جريان استصحاب عدم الجعل في الحكم الجزئي المشكوك لانكاره الانحلال في الجعل، وانما الانحلال في المجعول بالعرض أي الحكم الفعلي الذي يكون وجوده بعد وجود الموضوع خارجا.

والظاهر تمامية ما ذكره السيد الخوئي “قده”، توضيح ذلك أن المراد من الجعل ان كان هو المجعول الكلي كقانون أن الخمر حرام كما هو الظاهر، فانه مما لا يشك في وجوده، ولا يتوسع هذا القانون بكثرة افراده، كما لا يتضيق بقلتها، فينحصر أن يكون المراد منه عملية الجعل، فيقال بأن حرمة هذا المايع المشكوك على تقدير كونه خمرا ليست مما توجد بلا ايجاد، فلا محالة جعل الشارع لها هو الموجد لها، فيستصحب عدم جعله، وقد مر أن نفي المجعول باستصحاب عدم عملية جعله ليس من الاصل المثبت.

الانحلال في الجعل او المجعول

وما في البحوث من انكار الانحلال في الجعل، وانما الانحلال في المجعول بالعرض، ففيه اولا: ان معنى الانحلال في الجعل ليس هو تكثر عملية الجعل التي هي عملية تكوينية، وانما هو كون الجعل على نحو الوضع العام والموضوع له الخاص، فالمقام نظير ما لو قال الزعيم في يوم الغدير “وضعت اسم عليّ على المولود في هذا اليوم في هذا البلد”، وشككنا ان ابن زيد كان مولودا في ذلك اليوم أم لا، فنستصحب عدم وضع اسم عليّ له، وقد ذكرنا في محله أن الفارق بين النهي عن صرف الوجود والنهي عن مطلق الوجود لا يكون جزافا وبدون منشأ في كيفية الجعل، فقد ينهى المولى عبده عن التكلم ويكون ملاكه هو كون تكلمه موجبا لمعرفة العدوّ مكانه بحيث لو تكلم مرة فسكت بعد ذلك لم‌ ينفع شيئا، وقد ينهى عنه ويكون ملاكه كون التكلم مضرّا بصحته بحيث يكون تركه بعد التكلم الاول مطلوبا ايضا، فانه لو لم‌ يوجد فرق بينهما في جعل المولى ولحاظه، فكيف تتحقق انحلالية المجعول بالعرض في الثاني دون الاول، من دون اختلاف في نحوي الجعل، وإرجاع الفرق بينهما في أن متعلق النهي في الاول هو اول وجود التكلم وفي الثاني هو وجود التكلم خلاف الوجدان العرفي.

نعم لو أريد من الجعل العملية التكوينية في الجعل فلا اشكال في كونها عملية واحدة من غير فرق بين العام والمطلق، وانما المدعى انحلال ما تعلق به عملية الجعل حتى في لحاظ الجاعل، كما ان العملية التكوينية في الوضع العام والموضوع له الخاص واحدة، وانما الانحلال في متعلقها، ففي مثال وضع اسم علي للمولود في هذا اليوم يكون كل فرد بحياله هو الموضوع له لهذا الاسم بخلاف الوضع العام والموضوع له العام كلفظ النار، فان كل فرد من النار يكون مصداقا للمعنى الكلي الموضوع له لهذا اللفظ.

وثانيا: ان انحلال المجعول بالعرض مما لا ريب فيه، وحيث ان عملية الجعل تتعلق به عرفا، كما أن الحب يتعلق بالمحبوب بالعرض والعلم يتعلق بالمعلوم بالعرض أي الخارج، فالمجعول الجزئي لا محالة يكون موجودا بجعله، فيستصحب عدم جعله.

هذا كله في المناقشات المختصة باستصحاب عدم جعل التكليف.

المناقشات المختصة باستصحاب عدم المجعول

وأما المناقشات المختصة باستصحاب عدم المجعول فتختصّ بما اذا كان استصحاب عدم التكليف بلحاظ الحالة السابقة قبل الشرائط العامة كالبلوغ، وأما بلحاظ الحالة السابقة العدمية قبل تحقق الشرائط الخاصة كالاستطاعة للعمرة المفردة حيث يحتمل وجوب العمرة المفردة على من استطاع اليها، فلا يوجد فيه اية مناقشة عدا المناقشات المشتركة التي مرّ اندفاعها، فيقول المستطيع مثلاً: اني لم يكن يجب علي العمرة المفردة قبل استطاعتي، ولم يكن يريد الله منيّ ذلك واشكّ بعد استطاعتي في ذلك فأستصحبه، فان ارادته تعالى لو تعلقت بعمرة المستطيع وقلنا بكونها ازلية، لكن ما لم ينطبق عنوان المستطيع على شخص فيصح أن يقول “لم يكن الله يريد مني العمرة قبل استطاعتي” نعم مرّ أنه في المحرمات لا دليل على كون مثل الخمر في قوله “لا تشرب الخمر” موضوعا للحرمة أي مما انيطت الحرمة بوجوده، فتكون حرمة هذه الحصة من الشرب وهي شرب الخمر فعلية من اول بلوغ المكلف وان لم يوجد خمر ابدا، فيختلف عن العنوان المنطبق على نفس المكلف، كحرمة الجماع مثلاً على المحرم، فانه يصح أن يقول المحرم انه قبل أن احرم لم يكن يحرم علي ذلك.

وقبل أن نبدأ بذكر المناقشات المختصة باستصحاب عدم التكليف قبل البلوغ، لا بأس ان نشير الى أن المناقشة المشتركة التي مرّت عن الشيخ الأعظم من أن استصحاب عدم التكليف لا يصلح لنفي العقاب قد تدفع في المقام -كما في مصباح الاصول- بتبديل استصحاب عدم التكليف الى استصحاب الترخيص الثابت في حق الصبي، ولكنه مبني على استفادة الترخيص الشرعي من مثل حديث رفع القلم، وهذا ممنوع، بل غايته اهمال حال الصبي، كما هو الحال في الصبي غير المميز والمجنون.

مناقشات فى استصحاب عدم التكليف الثابت قبل البلوغ

وكيف كان فقد اورد على استصحاب عدم التكليف الثابت قبل البلوغ مناقشتان:

المناقشة الأولى:

ما ذكره المحقق النائيني “قده” من أن الثابت قبل البلوغ انما هو عدم التكليف في مورد غير قابل له، كما في الحيوانات، ومثل ذلك لا يحتمل بقاؤه بعد البلوغ، وانما المحتمل فيه عدم التكليف في المورد القابل له، فلا معنى للتمسك بالاستصحاب، وبعبارة أخرى العدم الثابت قبل البلوغ عدم محمولي وغير منتسب إلى الشارع، والعدم بعد البلوغ عدم نعتي منتسب إلى الشارع، وإثبات العدم النعتيّ باستصحاب العدم المحمولي مبني على القول بالأصل المثبت، ولا نقول به.

وفيه أولا: ان عدم التكليف في الصبي غير المميز وان كان كما ذكر، إلّا انه ليس كذلك في المميز، فانه قابل للتكليف، وانما رفعه الشارع عنه امتنانا، نعم لا يتمّ جوابنا هذا في المجنون اذا افاق بعد بلوغه، او الصبي الذي صار مميزا بعد بلوغه.

وثانيا: ان استمرار عدم التكليف الى زمان يصير الصبي قابلا للتكليف استمرار لشخص ذلك العدم، فان العدم لا يتعدد بتعدد ملاكاته، مثل عدم احتراق القطنة اذا كان مستندا سابقا الى رطوبتها، ثم بعد أن جفّت احتملنا عدم احتراقها لانطفاء النار، فانه لا مانع من جريان استصحاب عدم احتراقها، فان عدم الاحتراق لا يتعدد بتعدد مناشئه.

وأما أن عدم تكليف الصبي غير القابل للتكليف ليس عدما منتسبا الى الشارع، فلم نفهم وجهه، فانه يقال على أي حال: ان الشارع لم يكلف الصبي غير المميز، ولو لاجل عدم قابليته للتكليف، على أنه مرّ أن المهم لنفي التنجز نفي التكليف المنتسب الى الشارع، على أن يكون الانتساب قيدا للمنفي لا النفي.

وأما ما ذكره السيد الخوئي “قده” في الجواب عن المحقق النائيني (من أن العدم المتيقن وغير منتسب إلى الشارع، إلّا انه يثبت انتسابه إليه بنفس الاستصحاب، فان الانتساب من الآثار المترتبة على نفس الاستصحاب، لا من آثار المستصحب، ليكون إثباته بالاستصحاب مبنيا على القول بالأصل المثبت) فقد مرّ منّا المناقشة فيه.

المناقشة الثانية:

ما ذكره الشيخ الأعظم “ره” من أنه حيث يشترط العلم ببقاء الموضوع في الاستصحاب فلا يجري الاستصحاب في المقام، فان موضوع عدم التكليف في السابق ومناطه هو الصغير غير القابل للتكليف فاسراءه الى البالغ القابل للتكليف أشبه بالقياس من الاستصحاب فتأمل([34]).

وقد ذكر السيد الخوئي “قده” أنه حيث يعتبر في جريان الاستصحاب اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة، ليصدق نقض اليقين بالشك عند عدم ترتيب الأثر حين الشك، فلا يجري الاستصحاب في المقام، إذ الترخيص المتيقن ثابت لعنوان الصبي على ما هو ظاهر قوله “رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم” وهو مرتفع بارتفاع موضوعه والمشكوك فيه هو الترخيص لموضوع آخر، وهو البالغ، فلا مجال لجريان الاستصحاب.

ثم ذكر أن الإنصاف ورود هذا الإشكال على الاستدلال بالاستصحاب في المقام، وتوضيحه أن العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام على ثلاثة أقسام:

1- ان يكون العنوان مقوما للموضوع بنظر العرف، بحيث لو ثبت الحكم مع انتفاء العنوان عدّ حكما جديدا لموضوع آخر، لا بقاء الحكم للموضوع الأول، كما في جواز التقليد، فان موضوعه العالم، ولو زال عنه العلم وصار جاهلا يكون موضوعا آخر، إذ العلم مقوِّم لموضوع جواز التقليد في نظر العرف، وفي مثل ذلك لا مجال لجريان الاستصحاب، لعدم صدق نقص اليقين بالشك على عدم ترتيب الأثر السابق حين الشك، فلا يكون مشمولاً لأدلة الاستصحاب.

2- أن يكون العنوان من الحالات وغير مقوِّم للموضوع في نظر العرف، كما إذا قال المولى أكرم هذا القائم مثلا، فان العرف يرى القيام‏ والقعود من الحالات، بحيث لو ثبت وجوب الإكرام حال جلوسه كان بقاء للحكم الأول، لا حدوث حكم جديد لموضوع آخر، ولا إشكال في جريان الاستصحاب في هذا القسم لو فرض الشك في بقاء الحكم.

3- أن يشك في كون العنوان مقوما للموضوع وعدمه، كعنوان التغير المأخوذ في نجاسة الماء المتغير، فبعد زوال التغير يشكّ في بقاء النجاسة، لعدم العلم بأن التغير مقوِّم لموضوع الحكم بالنجاسة أو من قبيل الحالات، وبعبارة أخرى يشك في ان حدوث التغير هل هو علة لحدوث النجاسة للماء وبقائها، بحيث لا يكون بقاؤها منوطا ببقائه، أو علة لحدوث النجاسة فقط؟، بحيث تكون النجاسة دائرة مدار التغير حدوثا وبقاء، أي وجودا وعدما.

ولا يجري الاستصحاب في هذا القسم كما في القسم الأول، إذ مع الشك في بقاء الموضوع لم يحرز اتحاد القضيتين، فلم يحرز صدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عن الحكم السابق، فيكون التمسك بأدلة الاستصحاب من قبيل التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية.

إذا عرفت ذلك، ظهر لك عدم صحة التمسك بالاستصحاب في المقام، لأن عنوان الصبي المأخوذ في موضوع عدم التكليف او الحكم بالترخيص مقوم للموضوع في نظر العرف، ولا أقل من احتمال ذلك، ومعه لا مجال لجريان الاستصحاب بعد زواله بعروض البلوغ([35]).

وفيه اولا: ان المناقشة في بقاء موضوع عدم التكليف قبل البلوغ، خلاف الوجدان، فانه لا يشكّ العرف في أنه يصحّ للبالغ أن يقول لم يكن يحرم عليّ شرب الحليب قبل البلوغ، وعدم حرمته عليّ باقٍ الى ما بعد بلوغي، كما يصحّ أن يقول لم يكن يحرم عليّ شرب التتن قبل البلوغ، والآن أشكّ في أن عدم حرمته عليّ باقٍ الى ما بعد بلوغي، ولو اصرّ احد على الاشكال من ناحية الشك في بقاء الموضوع، فبناء على مسلك من يرى جريان الاستصحاب في الأعدام الازلية، كالشيخ الأعظم والسيد الخوئي “قدهما” فبامكانه أن يستصحب عدم التكليف في حق البالغ، اذ ليس حال سبق صغره باسوء حالا مما لو فرض وجوده بنحو خلق الساعة.

وثانيا: انه لو فرض كون مفاد حديث رفع القلم ثبوت الترخيص الشرعي في حق الصبي مطلقا، فنحن وان كنا نقبل أن الصباوة حيثية تقييدية وعنوان مقوِّم للترخيص الناشيء من رفع القلم، لكن أمر ترخيص الصبي في شرب التتن مثلا دائر بين كونه ترخيصا ناشئا من رفع القلم او ترخيصا ثابتا للكل، فنستصحب بقاء هذا الترخيص، وغايته أنه يكون من قبيل الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي، وذلك لأن حديث رفع القلم ليس ظاهرا في افادة ترخيص شرعي آخر في حق الصبي بالنسبة الى المباحات، بحيث يثبت فيها اباحتان في حقه، اباحة بملاك صباوته، واباحة أخرى مستفادة من كون الفعل مباحا على الكلّ، نعم لو كان الحديث ظاهرا في ذلك لكان استصحاب الترخيص بعد البلوغ من قبيل الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي.

هذا كله بناء على استفادة الترخيص في حق الصبي المميز، لكنه ممنوع، لعدم دلالة حديث “رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم” على ثبوت الترخيص، بل ذكرنا في محله أنه لا يستفاد منه عدم تكليف الصبي المميز، بل يحتمل كون المراد منه رفع قلم كتابة السيئات، وهو كناية عن رفع المؤاخذة، كما ورد في بعض الروايات أن الغلام اذا بلغ كتبتت عليه السيئات وعوقب، وحينئذ فمقتضى القاعدة لولا الاجماع على الخلاف أن التكاليف التي اطلاقها يشمل الصبي المميز كغالب الخطابات التحريمية فلا موجب لتقييدها بالبالغين، وتترتب عليه ثمرات مهمة منها حرمة تسبيب الصبي المميز الى الحرام بترغيبه او امره به وما شابه ذلك، وحينئذ فتكون الحالة السابقة المتيقنة هي عدم التكليف في حال كونه صبيا غير مميز.

ثم ان ما ذکره السيد الخوئي “قده” من تقسيم العناوين الى ثلاثة اقسام، وأنه اذا شكّ في كون عنوان مقوما لحكم فلا يجري الاستصحاب ففيه أن العنوان المقوِّم تارة يكون مقوِّما للموضوع، واخرى مقوِّما للحكم، والاول مثل الصورة النوعية التي تكون مقوِّمة لموضوع النجاسة، ولذا لو استحال الكلب ملحا او الخشب المتنجس رمادا، فيحكم بطهارته لعدم صدق أنه كان نجسا، بل اذا تبدّل الى شيء شكّ في أنه هل يمنع من صدق أنه كان نجسا أم لا؟، فيكون من الشبهة المصداقية لنقض اليقين بالشكّ، وهذا بخلاف ما لو كان العنوان مقوِّما للحكم، كعنوان المجتهد الذي هو عنوان مقوم لجواز التقليد، أي اذا ثبت جواز التقليد بعد زوال اجتهاد شخص فيكون حكما آخر غير الحكم السابق، ولكنه لا ينافي أن معروض الحكم عرفا هو ذات الشخص، ولذا يشار الى من زال عنه وصف الاجتهاد، فيقال: كان هذا سابقا واجب التقليد والآن صار محرم التقليد، فلو شكّ في هذا الفرض في كون عنوان مقوِّما للحكم فيجري استصحاب بقاء الحكم بالنسبة الى هذا الشخص.

 

 



[1] – الکافی ج1ص399

[2] – النساء الآية 67، 98، 99

[3] معجم رجال الحديث ج10 ص276

[4] – راجع ص 214

[5] – وسائل الشيعة ج‌12 ص 488

[6] – اضواء وآراء ج‏2 ص389

[7] – فی التهذيب (عن ابی عبد الله علیه السلام)

[8] – وسائل الشيعة ج‌20 ص 451

[9] – فرائد الاصول ج‏1 ص328

[10] – المحاضرات ( مباحث اصول الفقه ) ج‏2 ص230

[11] – وليس من “أٌعذِر” بمعنى اصل المعذورية، اذ المعذورية من الفعل الثلاثي المجرد، فيقال “عذره الله، فالعبد معذور، بل هو من افعل التفصيل من الفعل المجهول، فانه قد ورد استعمال افعل التفضيل من المجهول، ففي الصحيفة السجادية: اختم لنا بالتي هي احمد عاقبة، اي اشد محمودة، او في علل الشرائع عن امير المؤمنين علي عليه السلام ان يوسف اختار السجن فالوصي اعذر، …، او في تحف العقول من كذب من غير علم اعذر ممن كذب على علم وان كان لا عذر في شيء من الكذب.

[12] – الکافی ج1ص162

[13] – وسائل الشيعة ج‌13 ص 69

[14] – كفاية الأصول ص417

[15] – مصباح الاصول ج 2ص292

[16] – بحوث فی علم الاصول ج5ص68

[17] – فرائد الاصول ج‏1 ص337

[18] – أجود التقريرات: 2- 190- 191

[19] – دراسات في علم الأصول، ج‏3، ص: 266

[20] – التوحيد ص417

[21] – انظر الروايات في كتاب الكافي باب الإرادة انها من صفات الفعل ج1ص109

[22] – وسائل الشيعة ج‌1 ص 17

[23] – وسائل الشيعة ج1ص134

[24] – مصباح الاصول ج 2ص290 ودراسات في علم الأصول ج‏3 ص 271

[25] – محاضرات فى اصول الفقه ج‏2 ص146

[26] – مصباح الاصول ج3ص46

[27] – مصباح الاصول ج3ص148

[28] بحوث في علم الأصول ج‏6 ص 147

[29] – الاضواء والآراء ج2ص392

[30] – وسائل الشيعة ج28ص173

[31] – مباحث الاصول ج5 ص206

[32] – مصباح الاصول ج2ص289

[33] مصباح الاصول ج2ص290

[34] – فرائد الاصول ج‏1 ص338

[35] – دراسات في علم الأصول ج‏3 ص 267مصباح الأصول ج‏1 ص 296