فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

ادلة الاستصحاب.. 1

2-صحيحة زرارة الثانية. 1

موضع الاستدلال فی الصحیحه. 2

المقام الاول: التمسك بالفقرة الثالثة على الاستصحاب.. 3

الاشكال على الاستدلال بالصحيحة. 4

اجوبه عن الاشكال. 4

تنبيهان: 18

التنبيه الاول: كلام صاحب الكفاية حول شرطية احراز الطهارة 18

صاحب الکفایة: شرط الصلاة هو الجامع بين الطهارة الواقعية والظاهرية. 20

التنبيه الثاني: المحقق النائيني : شرطية الطهارة او مانعية النجاسة. 24

اشکال. 24

الكلام حول مانعية النجاسة او شرطية الطهارة 25

 

 

 

ادلة الاستصحاب

2-صحيحة زرارة الثانية

الرواية الثانية: ما رواه الشيخ الطوسي “ره” في التهذيب و الاستبصار باسناده الصحيح عن زرارة، قال: قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له من الماء فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت أن بثوبي شيئا و صليت ثم إني ذكرت بعد ذلك قال تعيد الصلاة و تغسله، قلت: فإني لم أكن رأيت موضعه و علمت أنه قد أصابه‌، فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته، قال تغسله و تعيد، قلت: فإن ظننت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك، فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه([1])، قال: تغسله و لا تعيد الصلاة، قلت: لم ذلك، قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك([2])، ثم شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا، قلت: فإني قد علمت أنه قد أصابه، و لم أدر أين هو فأغسله، قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها، حتى تكون على يقين من طهارتك، قلت: فهل عليّ إن شككت في أنه أصابه شي‌ء أن أنظر فيه([3])، قال: لا و لكنك إنما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك، قلت: إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة، قال: تنقض الصلاة و تعيد، إذا شككت في موضع منه، ثم رأيته، و إن لم تشك ثم رأيته رطبا، قطعت الصلاة و غسلته، ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لعله شي‌ء أوقع عليك([4])، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك([5]).

و قد روى الصدوق في علل الشرايع هذه الرواية -مع اختلاف يسير أشرنا اليه في الهامش- عن ابيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام)([6]).

موضع الاستدلال فی الصحیحه

و تشتمل هذه الصحيحة على ستة أسئلة، و موضع الاستدلال منها السؤال الثالث و السادس، و بقية الأسئلة و اجوبتها واضحة، عدا ما يقال بالنسبة الى السؤال الثاني من أنه كيف خفي على زرارة عدم جواز الصلاة في الثوب الذي علم بوقوع النجاسة عليه و ان لم يجد موضعه بعد طلبه، و قد حمله المحقق العراقي “قده” على فرض غفلته عن نجاسة ثوبه حين الدخول في الصلاة، و الا فكيف يتصور في حق زرارة الإقدام على الدخول في الصلاة مع العلم بنجاسة موضع من ثوبه اجمالا، و يبعد حمله على صورة حصول القطع بالعدم بعد الفحص، و أبعد منه حمله على عدم منجزية هذا العلم الإجمالي بنجاسة موضع من الثوب عنده([7]).

و فيه أن حمله على فرض النسيان بعيد ايضا، و الا لافترضه زرارة في سؤاله، كما افترضه في سؤاله الاول، و يبعد احتمال تعليق هذا السؤال على ذاك السؤال بأن يكون بيان شق آخر لفرض النسيان، و الظاهر جهله بمانعية النجاسة في هذا الفرض الذي لم يكن يتيسر له العلم التفصيلي بها، و أما احتمال كون المقصود من السؤال أنه بعد ما نظر فلم يظفر به حصل له الشك في اصل اصابة النجس، ففيه -مضافا الى عدم مطابقة الامر في الجواب باعادة الصلاة مع ما في الروايات من صحة الصلاة في النجس مع الجهل بنجاسته- أنه لا يتلائم مع التعبير ب‍ “لم أقدر عليه” فان ظاهره عدم إمكان تشخيص موضعه، مع الفراغ عن أصله، لا حصول الشك، نعم لو قال “لم أره” كان لدعوى امكان ارادة حصول الشك به مجال.

و كيف كان فيقع الكلام في مقامين:

المقام الاول: التمسك بالفقرة الثالثة على الاستصحاب.

و المقام الثاني: التمسك بالفقرة السادسة على الاستصحاب.

المقام الاول: التمسك بالفقرة الثالثة على الاستصحاب

أما المقام الاول: فهو البحث حول قوله “قلت: فإن ظننت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه قال تغسله و لا تعيد الصلاة، قلت: لم ذلك، قال لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا” و تقريب الاستدلال به على الاستصحاب واضح.

الاشكال على الاستدلال بالصحيحة

و لكن يوجد فيه اشكال مهم: وهو أن المفروض في السؤال رؤيته بعد الصلاة للنجاسة التي ظنّ قبل الصلاة اصابتها لثوبه، فكيف يعلَّل عدم وجوب اعادة الصلاة بلزوم نقض اليقين بطهارة الثوب بالشك في نجاسته، مع أنه لو وجبت عليه اعادة الصلاة بعد علمه بوقوعها في الثوب النجس، كان من نقض اليقين باليقين، حيث تيقن بأن ثوبه كان نجسا حال الصلاة، بعد ما كان متيقنا بطهارته قبل ذلك، نعم لو علل به جواز دخوله في الصلاة صح الاستناد الى عدم نقض اليقين بالشك.

و التعبير الوارد في كلام الشيخ الاعظم “قده” في تقريب الاشكال أن الاعادة ليست نقضا لأثر الطهارة بالشك، بل هو نقض باليقين، بناء على أن من آثار حصول اليقين بوقوع الصلاة في نجاسة الثوب وجوب اعادتها([8]).

فترى انه اشترط في صدق نقض اليقين باليقين على اعادة الصلاة كون الطهارة من الخبث ركنا تبطل الصلاة بالاخلال بها ولو عن عذر، و قد ذكر بعض السادة الاعلام “دام ظله” أن كون اعادة الصلاة بعد العلم بوقوعها في النجس مصداقا لنقض اليقين باليقين، مبني على كون العلم بوقوع الصلاة في النجس موجبا لوجوب الاعادة، و يتوقف ذلك على كون الطهارة من الخبث ركنا يبطل الصلاة بالاخلال بها، و الا فلا يكون العلم بوقوعها في النجس موجبا للاعادة([9]).

اجوبه عن الاشكال

و فيه اولاً: أن المهم أن ما ذكر في الصحيحة هو النهي عن نقض اليقين بالطهارة بالشك في بقاءها، لا الامر بنقض اليقين باليقين، و من الواضح ان اعادة الصلاة بعد العلم بوقوعها في النجس ليست مصداقا له، فلا يصح تعليله به.

و ثانيا: ان المراد من نقض اليقين باليقين هو نقض اليقين بالطهارة باليقين بزوالها، و حيث انه تيقن بزوالها حال الصلاة فاعادة الصلاة لا محالة تستند الى هذا اليقين اللاحق، و هذا لا ينافي عدم وجوب اعادة الصلاة عليه بلحاظ عدم ركنية الطهارة من الخبث.

و كيف كان فقد يذكر في الجواب عن هذا الاشكال على الاستدلال بالصحيحة على الاستصحاب عدة اجوبة:

الجواب الاول:

ما نقله الشيخ الاعظم “قده” عن بعضٍ، فقال: و ربما يتخيل حسن التعليل لعدم الإعادة بملاحظة اقتضاء امتثال الأمر الظاهري للإجزاء، فيكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلا على تلك القاعدة و كاشفة عنها.

و يقال ان هذا الجواب لشريف العلماء “ره”، وقد اورد عليه الشيخ الاعظم بأن ظاهر قوله “فليس ينبغي” أنه ليس ينبغي لك الإعادة لكونها نقضا، فافهم فإنه لا يخلو عن دقة([10]).

و المحتمل في كلامه احد امرين:

1- أن يكون مقصوده عدم عرفية الاكتفاء في التعليل بذكر الصغرى و حذف الكبرى مع عدم كونها معهودة للمخاطب، حيث ان علة عدم وجوب اعادة الصلاة كبرى اقتضاء الحكم الظاهري للإجزاء، و الاستصحاب الجاري حال الصلاة لبقاء طهارة الثوب محقق لصغراها، فهو نظير أن يقال “يجب القصر في السفر، لأنه يجب فيه الافطار” مع حذف كبرى “كلما افطرت قصرت” او يقال “يجب اكرام زيد لانه يجب اكرام عمرو”، مع حذف كبرى أنه اذا وجب اكرام عمرو وجب اكرام زيد.

نعم قد يكتفى بكون الكبرى المستترة معهودة لدى المخاطب، كما لو قيل لشخص يخاف من زيد “لا تذهب من هذا الطريق فإن فيه زيدا” لكن مورد الصحيحة ليس من هذا القبيل، لعدم احتمال كون إجزاء الحكم الظاهري واضحا لدى زرارة.

2- ان ظاهر الجواب هو تعليل عدم وجوب اعادة الصلاة بعد اليقين بوقوعها في النجس بكون الاعادة نقضا لليقين بالطهارة بالشك فيها، مع أنه ليس كذلك، و انما يكون وجوب الاعادة لا نفس الاعادة ملازما لجواز نقض اليقين بالشك حال الصلاة، اذ لو لم يجز النقض حال الصلاة لم تجب الاعادة، بعد ثبوت كبرى اقتضاء الحكم الظاهري للإجزاء.

نعم لو قال “لأنه لم يكن ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك” كان معناه تعليل عدم وجوب الاعادة بجريان استصحاب الطهارة حال الصلاة، و ليس فيه أية مخالفة لطريقة المحاورة العرفية، فانه يفهم من قوله “لا تعد صلاتك بعد اليقين بوقوعها في النجس لأنه لم يكن ينبغي لك حال الصلاة نقض اليقين بطهارتك بالشك” ثبوت كبرى، و هي أنه كلما جرى استصحاب طهارة الثوب حال الصلاة لم تجب اعادتها، فالعلة نفس جريان الاستصحاب حال الصلاة، و أما نكتة عليته فلا يلزم بيانها كما في سائر موارد التعليل، فيقال: لا تشرب الخمر لاسكاره، من دون أن يبيَّن نكتة علية الاسكار لحرمة الشرب.

و لا يبعد كون مقصود الشيخ هذا البيان، دون البيان الاول، الذي لا يختلف فيه التعبير ب‍ “ليس ينبغي” او “لم يكن ينبغي” و يؤيد ذلك ما نقل عنه في مطارح الانظار من أنه لو كان التعبير “لم يكن ينبغي” كان دليلا على الماضي لا قوله “و ليس ينبغي” فإنّه دليل على الحال([11]).

هذا و أما ما ذكره من أن دعوى كون اثر الطهارة السابقة إجزاء الصلاة معها و عدم وجوب إعادتها، فوجوب الإعادة نقض لآثار الطهارة السابقة، مندفعة، بأن الصحة الواقعية و عدم إعادة الصلاة مع الطهارة المتحققة سابقا من الآثار العقلية غير المجعولة لتلك الطهارة، حيث لا يعقل عدم اجزاءها([12]).

فيرد عليه اولاً: أنه كان المقصود من كون الإجزاء من آثار الطهارة السابقة كونه من آثار الطهارة الواقعية حال الصلاة و يكون الاستصحاب الجاري حال الصلاة لاحراز الطهارة، منزلا منزلتها واقعا في اثر الإجزاء، فهذا عبارة اخرى عن توسعة شرطية الطهارة في الصلاة بأن يصير الشرط هو الجامع بين الطهارة الواقعية والظاهرية حال الصلاة، فيرجع الى الجواب الآتي، و الا فالمفروض اليقين اللاحق بانتفاء الطهارة الواقعية حين الصلاة، فلا يصح التعبير بكون وجوب الاعادة نقضا لآثارها، اذ الملحوظ في الاستصحاب نقض آثار الواقع المستصحب.

و ثانيا: ان الاجزاء من الآثار الشرعية للطهارة الظاهرية حال الصلاة، فان اجزاء الصلاة مع استصحاب الطهارة يعنى كونه غاية شرعا لبقاء وجوب الصلاة، او كون شرط الصلاة شرعا هو الجامع بين الطهارة الواقعية و الظاهرية، فلا وجه لجعله من الآثار غير المجعولة شرعا.

و ثالثا: انه لا فرق في صحة الاكتفاء بالتعليل بجريان استصحاب الطهارة حال الصلاة بين كون الإجزاء من آثاره الشرعية او العقلية، بعد كون الإجزاء من لوازم نفس الاستصحاب دون الواقع المستصحب.

الجواب الثاني:

ما في الكفاية من أن الشرط الفعلي للصلاة حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها و لو بأصلٍ، لا نفسها، فيكون مقتضى الاستصحاب الجاري حال الصلاة بالنسبة الى طهارة الثوب عدم إعادتها، و لو انكشف بعدها وقوعها في النجاسة، كما أن الامر بإعادتها بعد انكشاف وقوعها في النجاسة يكشف عن جواز نقض اليقين بالشك، و عدم حجية الاستصحاب حال الصلاة.

ودعوى أن مقتضى ذلك أن يكون علة عدم إعادة الصلاة حينئذ بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة هو استصحاب الطهارة حال الصلاة، وهذا خلاف ظاهر التعليل في كون العلة الطهارة الواقعية المحرزة بالاستصحاب، ضرورة أن نتيجة قوله “لأنك كنت على يقين من طهارتك، و ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك” أنه على الطهارة لا أنه مستصحبها، -اي ترتيب اثر الطهارة لا ترتيب اثر استصحاب الطهارة- مندفعة بأن التعليل إنما هو بلحاظ حال الزمان الذي لم ينكشف له نجاسة ثوبه، لنكتة التنبيه على حجية الاستصحاب، مع وضوح استلزام ذلك لأن يكون المجدي بعد الانكشاف هو ذاك الاستصحاب، لا الطهارة، و إلا لما كانت الإعادة نقضا لليقين بالشك كما عرفت في الإشكال([13]).

و حاصل جوابه أن تعليل عدم وجوب اعادة الصلاة بعدم جواز نقض اليقين بالشك، كان بلحاظ تحقق شرط الصلاة بالاستصحاب حال الصلاة، حيث ان شرطها هو الجامع بين الطهارة الواقعية او الظاهرية للثوب، والعدول عن قاعدة الطهارة الى استصحاب الطهارة مع أنها الأنسب حيث يكفي فيها الشك في النجاسة من دون لزوم يقين سابق بالطهارة، إما لأجل تعليم كبرى الاستصحاب، او لأجل أن الاستصحاب لا يفترق عن قاعدة الطهارة الا في فرض توارد الحالتين، وهو فرض نادر، فذكر الاستصحاب احترازا عن فرض سبق اليقين بالنجاسة.

ایراد علی الجواب الثانی

و يورد على هذا الجواب ايضا نفس ما اورد على جواب الشيخ الاعظم “قده” من عدم عرفية الاعتماد في التعليل على كبرى ليست مذكورة و لا واضحة، و هي كون شرط الصلاة هو الجامع بين الطهارة الواقعية و الظاهرية.

نعم لو كانت العبارة هكذا “لأنه لم يكن ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك” لم يكن خلاف الظاهر كما مر في توضيح الايراد على الجواب الاول.

وبذلك تبين الاشكال فيما ذكره المحقق العراقي “قده” من أنه قد يدّعى أن التعليل انما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الخلاف أعني حال الإتيان بالصلاة، كما يقتضيه أيضا ظهور القضية في الماضوية، للتنبيه على كون العلة لعدم الإعادة موضوعية استصحاب الطهارة في حال الصلاة في صحة الصلاة، و لكن هذه الدعوى مدفوعة، بأن ذلك انما يوجب حسن التعليل بالاستصحاب، إذا كانت كبرى موضوعية استصحاب الطهارة في حال الصلاة في صحة الصلاة مرتكزة في ذهن السائل، و لكنه ليس كذلك لكون المرتكز في الأذهان كونه طريقيا محضا، فلا يفيد التعليل المزبور شيئا و لو كان ذلك بلحاظ الحال السابق لا الحال الفعلي، فانه مع انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة، يتوجه الإشكال بأن الإعادة تكون من نقض اليقين باليقين لا بالشك([14]).

فانه يرد عليه أن قوله (عليه السلام) “ولا ينبغي لك…” ظاهر في الحال، وأن اعادة الصلاة بعد انكشاف وقوعها في النجس نقض لليقين بالشك، والا فلو كان بصيغة الماضي اي “ولم يكن ينبغي لك…” لم يكن فيه أية مخالفة للظاهر، اذ مفاده أن علة عدم الاعادة جريان استصحاب الطهارة حال الصلاة، ولا حاجة الى تبيين نكتة عليته.

وحيث تبيّن اشتراك هذا الجواب مع الجواب السابق في عدم عرفية تعليل عدم الاعادة بأنه لا ينبغي نقض اليقين بالشك، مع الاعتماد على كبرى محذوفة، فيقال بأنه لا يوجد ميزة لهذا الجواب على الجواب السابق، فلا يوجد منشأ لاختيار صاحب الكفاية “قده” لهذا الوجه، مع اشكاله على الوجه السابق بأنه بناء عليه تكون علة عدم وجوب الاعادة إنما هو اقتضاء الخطاب الظاهري الثابت حال الصلاة للإجزاء، لا لزوم نقض اليقين بالشك، اللهم إلا أن يقال إن التعليل بلزوم النقض إنما هو بملاحظة ضميمة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء، بتقريب أن الإعادة لو قيل بوجوبها كانت موجبة لنقض اليقين بالشك في الطهارة قبل الانكشاف و عدم حرمته شرعا و إلا لزم عدم اقتضاء ذاك الأمر له كما لا يخفى مع اقتضائه شرعا أو عقلا فتأمل([15]).

وقد يدافع عن صاحب الكفاية في عدوله عن وجه الشيخ الاعظم الى الوجه الذي ذكره بنفسه بأنه ذكر في اول بحث الإجزاء أن ما يجري لإحراز تحقق متعلق التكليف، فان كان بلسان تحقق شرطه او جزءه كأصالة الطهارة في الثوب والجسد بالنسبة الى شرطية طهارتهما في الصلاة، وكذا اصالة الحل في الحيوان الذي يصلى في جلده بالنسبة الى شرطيته في الصلاة، فيكون دليل اصالة الطهارة والحل حاكما على دليل الشرطية ومبينا لتوسعة دائرة الشرط، وكونه اعم من الطهارة الواقعية او الظاهرية.

وقد أضاف أن ما ذكر من اقتضاء اصالة الطهارة والحل للإجزاء يجري في استصحاب الطهارة والحل في وجه قوي، والظاهر ان مراده من الوجه القوي مسلك تنزيل المستصحب منزلة الواقع، فيكون استصحاب الطهارة مثلا في قوة قوله “ما علمت بطهارته سابقا فهو طاهر”، في قبال مسلك جعل المنجزية والمعذرية او مسلك التعبد ببقاء اليقين في الاستصحاب([16]).

وهذا يعني تكفل خطاب الاستصحاب لاثبات كل من صغرى الطهارة الظاهرية حال الصلاة وتبيين كبرى شرطية الجامع بين الطهارة الواقعية والظاهرية، من دون حاجة الى تقدير كبرى محذوفة، فان تم هذا الاستظهار من خطاب استصحاب الطهارة، فيقال بأنه يمكن الاكتفاء ببيانه في تبيين توسعة شرط طهارة الثوب في الصلاة لما هو اعم من طهارته الواقعية او الظاهرية حال الصلاة، لكن مر في محله عدم تمامية هذا المسلك، مضافا الى أنه لا يدفع اشكال ظهور التعليل في كون الاعادة مصداقا لنقض اليقين بالشك، لا أن وجوب الاعادة ملازم مع عدم حرمة نقض اليقين بالطهارة بالشك حال الصلاة.

تعلیقة المحقق النائيني و السيد الخوئي “قدهما” على جواب الشيخ الاعظم

و كيف كان فقد علّق كل من المحقق النائيني و السيد الخوئي “قدهما” على جواب الشيخ الاعظم و جواب صاحب الكفاية “قدهما”.

أما المحقق النائيني “قده” فذكر أن كلا الجوابين تامان، حيث ان تعليل عدم وجوب اعادة الصلاة بالاستصحاب، يصح بفرض كبرى محذوفة تكون هي العلّة في الحقيقة، على وجه يكون المورد من صغرياتها، و هي إما كبرى إجزاء الحكم الظاهري، او كون الشرط هو الأعم من الطهارة الواقعية و الظاهرية، فيكون التعليل بالاستصحاب تعليلا بما هو المحقّق للعلّة، و هي إحراز الطهارة أو اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء([17]).

و يلاحظ عليه أن ما ذكره من عرفية حذف الكبرى التي هي العلة في الحقيقة انما يتم في مثل “لا تشرب الخمر لأنه مسكر” فان هنا كبرى محذوفة، و هي “و كل مسكر حرام” فان هذه الكبرى تستفاد من بيان حرمة الخمر مع تعليل ذلك باسكاره، و حيث ان العرف يلغي خصوصية المورد فيفهم منه حرمة كل مسكر، و انطباقه على حرمة الخمر واضحة، و اين هذا من قوله “من شك في نجاسة ثوبه فصلّى ثم علم بتلك النجاسة لا يعيد صلاته، لأنه لا يجوز نقض اليقين بالشك”، فانه بعد كون مقتضي اعادة الصلاة اليقين بوقوعها في النجاسة فيكون من نقض اليقين باليقين، فلابد من تعليل عدم وجوب الاعادة بأنه كان يحرم عليه حين الصلاة نقض اليقين بالشك، لا تعليله بأنه لا يجوز أن ينقض اليقين بالشك، فان ظاهره كون الاعادة بنفسها مصداقا لنقض اليقين بالشك، فلابد من ارتكاب خلاف الظاهر في ارجاع ذلك الى أنه لو وجبت اعادة الصلاة فيلزم من ذلك جواز نقض اليقين بالشك اي عدم جريان الاستصحاب اثناء الصلاة، لأن جريان الاستصحاب حال الصلاة يقتضي عدم الاعادة من حيث اقتضاءه توسعة شرطية الطهارة، او اقتضاء الحكم الظاهري للاجزاء.

و أما السيد الخوئي “قده” فذكر أن كلا الجوابين و ان كانا تامين، لكن مرجع الجواب الاول الى الثاني، فان مرجع الإجزاء الى كون شرط الصلاة الاعم من الطهارة الواقعية او الظاهرية([18]).

و فيه أنه يمكن كون الشرط هو الطهارة الواقعية، و يكون الاجزاء من باب مسقطية غير الواجب للواجب، كما التزم به صاحب الكفاية في الاتمام في موضع القصر و نحوه.

ثم ان ما ذكره صاحب الكفاية حول كون الشرط احراز الطهارة سيأتي الكلام فيه قريبا ان شاء الله.

الجواب الثالث: (المحقق العراقي)

ما ذكره جماعة من أن قوله “ثم رأيت فيه” ليس ظاهرا في علمه بكون النجاسة المرئية بعد الصلاة نفس النجاسة المظنونة قبل الصلاة، و يشهد لذلك اختلاف التعبير فيه عن السؤال الذي قبله حيث ورد فيه قوله “فصلّيت فوجدته”، و حينئذ فيكون انطباق النهي عن نقض اليقين بالشك بلحاظ ما بعد الصلاة لنفي وجوب اعادتها.

وقد اختار المحقق العراقي “قده” هذا الجواب([19])، كما ذكر المحقق الايرواني “ره” أن حلّ التهافت بين السؤال الثالث في الصحيحة و بين السؤال الثاني الذي حكم فيه الامام (عليه السلام) باعادة الصلاة يكون بحمل السؤال الثالث على احتمال كون النجاسة المرئية غير النجاسة المظنونة، إذ جواب السؤال الثاني نصّ في الإعادة فيما إذا رأى ما أصاب أوّلاً، فيحمل الظاهر على النصّ([20]).

كما ادعى السيد الداماد و بعض الاعلام في المنتقى و صاحب مباني الاحكام و السيد الصدر “قدهم” انحصار دفع الاشكال بذلك([21])، نعم قد يقال بأنه حينئذ لا ينحصر تخريج النهي عن نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها بقاعدة الاستصحاب، بل يحتمل ارادة قاعدة اليقين منه، و ذلك بدلالة قوله “فنظرت فلم أر شيئا” على حصول اليقين له بعدم اصابة النجاسة لثوبه، فيزول هذا اليقين برؤية النجاسة بعد الصلاة.

نعم لو كان المراد من قوله “فرأيت فيه” رؤية تلك النجاسة المظنونة، كان ذلك كافيا لنفي احتمال افتراض حصول اليقين له بالطهارة اثناء الصلاة، فينتفي احتمال ارادة قاعدة اليقين، اذ صريح الصحيحة وجود الشك في الطهارة في زمانٍ إما اثناء الصلاة او بعدها، فاذا لم يكن بعدها فلابد أن يكون حينها، و هنا يصدق في حقه عدم نقض اليقين بالشك بمعنى الاستصحاب بلحاظ حال الصلاة لأنه كان عالما بالطهارة قبل الصلاة شاكا فيها حين العمل و ان انكشف له خلاف ذلك بعد الصلاة و أما قاعدة اليقين فلا تصدق في حقه لعدم حصول اليقين بالطهارة حين الصلاة بحسب الفرض.

ایراد علی الجواب الثالث

و يرد على هذا الجواب أن صريح عبارة العلل “ثم طلبت فرأيته فيه بعد الصلاة([22])” كون النجاسة المرئية نفس النجاسة المظنونة، بل ظاهر نقل التهذيب “ظننت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه” هو ذلك، فان ظاهره حذف مفعول “رأيت” للاكتفاء بذكره في السابق، و لو كان مقصود زرارة ابداء احتمال كون النجاسة المرئية غير النجاسة المظنونة قبل الصلاة، كان المناسب أن يقول “… فرأيت فيه نجاسة لا أدري هل هي النجاسة المظنونة او نجاسة جديدة”.

نعم لو ادعينا ظهور “ثم رأيت فيه” بقرينة تقابله مع قوله في السؤال الثاني “فلما صليت وجدته” في عدم العلم بكونها نفس النجاسة المظنونة كان من قبيل تعارض النص و الظاهر من متكلمين فيقال بتساقطهما و معه فلا يمكن لهؤلاء الاعلام الاستدلال به على الاستصحاب، و لكنه ليس كذلك، فانه ظاهر في رؤية النجاسة المظنونة، فهو نظير أن يقال “اگر گمان بکند خون به لباسش افتاده و نگاه بکند چیزی نبیند، ونماز بخواند آنگاه ببیند” حيث لا ريب في ظهوره في استتار ضمير يرجع الى الدم المظنون، و الاختلاف بين السؤالين باظهار الضمير في قوله “وجدته” و عدمه هنا مجرد تفنن في التعبير عرفا لا أكثر.

و ما في البحوث من أن تغيير التعبير حيث قال “فرأيت فيه” و لم يقل “فرأيته فيه” بنفسه شاهد على إرادة أصل الرؤية للنجاسة من دون العلم بكونها هي النجاسة السابقة، و يؤيده مجي‏ء هذه النكتة في كلام الإمام (عليه السلام) في ذيل الرواية([23])“.

فلم يفهم وجهه، فان ما ورد في ذيل الرواية في قوله “قلت إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة قال تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته و إن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شي‌ء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك” و ان فرض الامام احتمال وقوعه بعد دخوله في الصلاة، لكن مورده عدم سبق شكه، في قبال سبق شكه فيه قبل الصلاة ثم رؤيته، مع ان المذكور فيه “رأيته” و قد قبل ظهوره في رؤية النجاسة السابقة لو سبق الظن بها او الشك فيها، و هذا هو المفروض في هذه الفقرة الأخيرة، في قبال ما لو لم يشك فيه ثم وجده رطبا.

و من الغريب ما في كتاب الاضواء من أنّ جملة “فرأيته فيه” في كتاب العلل أيضاً ليست ظاهرة في أكثر من رؤية النجاسة، فالظاهر من الحديث الاحتمال و الشك لا اليقين بسبق النجاسة، بل حيث انّ ظهور الصحيحة في الاستصحاب مما لا يمكن انكاره، لأنّها صريحة في ذلك، فإذا لم نتمكن من احراز تطبيقه كان هذا بنفسه دليلاً على أنّ الامام افترض عدم اليقين بوقوع الصلاة في النجاسة في سؤال السائل، و لو بأن يريد أن يقول له “إنّ علمك بسبق النجاسة غير دقيق و أنّك حيث رأيت النجاسة بعد الصلاة فلعلّ صلاتك كانت مع الطهارة و لا ينبغي لك نقض اليقين بالشك” فالحاصل استفادة كبرى الاستصحاب من الرواية ليست بالظهور بل بالصراحة، فلا يختلّ مثل هذه الدلالة بمجرد ذلك([24]).

فانه يرد عليه أن حمل ما في العلل من قوله “فطلبت فرأيته فيه بعد الصلاة” على رؤية جنس نجاسة لا يعلم بكونها هي تلك النجاسة المظنونة خلاف الظاهر جدا، و مثله استظهار أن الامام (عليه السلام) حاول بهذا البيان ازالة يقين السائل بسبق النجاسة، و ابداء الشك في ذهنه، حتى لو كان ظاهر كلام السائل يقينه به، فانه لا يتلائم مع اجابة الامام (عليه السلام) له اولاً بعدم وجوب الاعادة، ثم بعد أن اتفق ان سأله زرارة عن علة عدم وجوبها يحاول ابداء الشك و ازالة اليقين بوقوع الصلاة في النجاسة.

ثم انه قد يورد على هذا الجواب الثالث، أنه لا يوجب التخلص من محذور مخالفة التعليل لمورد السؤال، فانه الاستناد في نفي وجوب اعادة الصلاة في الشك المستمر من الصلاة الى الآن في نجاسة الثوب حالها الى الاستصحاب الذي هو حكم ظاهري لا يتناسب مع ما هو المنصوص و المتسالم فقهيا من صحة الصلاة واقعا فيما لو شك و فحص و لم يجد شيئا، ثم علم بعد الصلاة بوقوعها في النجاسة، فلا يصح الاستناد في عدم وجوب اعادة الصلاة الى عدم جواز نقض اليقين بالشك اي بالاستصحاب الجاري بعد الصلاة لاثبات طهارة ثوبه حال الصلاة.

و فيه أنه لو كان الاجتزاء بالصلاة في النجاسة المجهولة من باب الاجتزاء بالفرد الناقص كما في سائر موارد الاخلال بالسنة اي غير الاركان، وقد يكون الحكم الواقعي هو استحباب اعادة الصلاة مع انكشاف كونها في النجس.

فلا مانع عرفا من تعليل عدم الاعادة بالاصل المحرز للفرد الكامل، و لو بغرض تعليم جريان ذلك الاصل المحرز كقاعدة عامة، كتعليل عدم الاعتناء بالشك في الاذان و الاقامة بعد تكبيرة الاحرام او الشك في القراءة بعد الركوع بجريان قاعدة التجاوز مع عدم الحاجة اليها لصحة الصلاة واقعا مع ترك الاذان و الاقامة و لو عمدا او نسيان القراءة، و ان امكن أن يقال فيهما بكون اثر قاعدة التجاوز عدم استحباب قطع الصلاة لاتيان الاذان و الاقامة او عدم استحباب او وجوب سجدتي السهو لنسيان القراءة.

و قد يقال بأن صحة الصلاة واقعا في النجاسة المجهولة حيث ثبتت بدليل منفصل فلا يضر ذلك بظهور الصحيحة في الاستصحاب و لا يمنع منه مجرد استبعاد من هذا القبيل.

الجواب الرابع:

ما في الكفاية من أن اجمال كيفية انطباق الاستصحاب على مورد الصحيحة لا يمنع من التمسك بظهور النهي عن نقض اليقين بالشك، فان العجز عن حلّ الاشكال لا يكاد يوجب إشكالا في دلالتها على الاستصحاب، فإن الاشكال لازم على كل حال، كان مفاد الصحيحة الاستصحاب أو قاعدة اليقين مع بداهة عدم خروجه منهما، فتأمل جيدا([25]).

ایراد علی الجواب الرابع

و قد اورد عليه ايرادان:

الايراد الاول: ما يقال من أنه لو كان منشأ استظهار كون النهي عن نقض اليقين بالشك فيها بمعنى الاستصحاب ظهور “ثم رأيت فيه” في رؤية النجاسة المظنونة، فيقال بأنه حينئذ لا يوجد شك بعد الصلاة، و ينحصر الشك بالشك حال الصلاة، و من الواضح أنه لا مجال فيه الا للاستصحاب دون قاعدة اليقين، فلو كان حلّ مشكلة عدم التطابق و التهافت بين السؤال و الجواب بحمل الرؤية على رؤية نجاسةٍ لا يعلم بكونها هي النجاسة المظنونة، فيزول منشأ استظهار الاستصحاب من الصحيحة.

و هذا الاشكال لا بأس به، الا أن الصحيح أن منشأ ظهور الصحيحة في الاستصحاب دون قاعدة اليقين هو قصور التعبير ب‍ “ظننت أنه اصابه فنظرت فلم أر شيئا” في بيان حصول اليقين حين الصلاة بطهارة ثوبه، حتى يرِّكز عليه الامام (عليه السلام) في قوله “انك كنت على يقين من طهارتك” فلا يقاس بقول زرارة “فهل عليّ ان شككت أن انظر فيه” حيث فهم منه الامام (علي السلام) أن النظر بعد الشك يكون بغرض حصول اليقين بالطهارة، فأجابه بقوله “لا، انما تريد أن تُذهب الشك الذي وقع في نفسك” فانه يختلف عن اخبار زرارة بأنه نظر بعد ظن الاصابة فلم ير شيئا، فلو كان قد حصل له اليقين بعدم الاصابة لقال “فنظرت فلم يكن شيء” او قال “فنظرت فرأيت أنه لم يصبه”.

مضافا الى أن قوة ظهور “ثم رأيت فيه” في رؤية النجاسة المظنونة، -حتى لو لم يثبت نقل العلل والا فالموجود في العلل “ثم طلبت فرأيته فيه بعد الصلاة”- والتعبير بأني طلبت ظاهر في بقاء شكه الموجب لطلبه بعد الصلاة.

ثم ان عدم التناسب العرفي بين نفي وجوب الاعادة و بين تعليله بعدم جواز نقض اليقين بالشك، لا يوجب الاجمال عرفا في الصحيحة من جهة بقاء شكه حال الصلاة، فيحمل العرف نقض اليقين بالشك على اجراء الاستصحاب بلحاظ حال الصلاة.

الايراد الثاني: ما في البحوث من أن التهافت بين السؤال و الجواب يكون بمثابة أمارة عقلائية على خلل في نقل الراوي، و حجية خبر الثقة مشروطة بعدمها.

و فيه أنه ان كان المراد من الامارة العقلائية ما يورث الوثوق النوعي بخطأ الراوي فنسلم بكون حجيته على خلاف ارتكاز العقلاء، بحيث يوجب انصراف دليل حجية خبر الثقة او شهادة العدلين عن هذا الفرض، و لكن حصول الوثوق النوعي بالخلل في نقل زرارة بمجرد عدم تطابق السؤال و الجواب ممنوع، و ان كان المراد منها ما يورث الظن النوعي به، (و لعله المناسب لما علل به في ابحاثه وهن سند الخبر باعراض المشهور عنه، مع عدم وهن دلالته بمجرد اعراضهم عنها) فمضافا الى عدم تمامية صغراه في المقام، لا نسلم به كبرويا، لاطلاق دليل حجية خبر الثقة، كقوله “العمري و ابنه ثقتان فما اديا اليك عني فعني يؤديان و ما قالا لك عني فعني يؤديان فاسمع لهما و أطع فانهما الثقتان المأمونان” و كذا دليل حجية البينة في الموضوعات، و لا يوجد ارتكاز عقلائي على عدم الحجية مع الظن النوعي بالخلاف بحيث يوجب انصراف دليل الحجية.

الجواب الخامس:

ان وضوح عدم انطباق نقض اليقين بالشك على اعادة الصلاة بعد زوال الشك في الطهارة حال الصلاة بطرو اليقين بعد الصلاة بنجاسة الثوب حالها يوجب ظهور الصحيحة في أن الامام (عليه السلام) طبق الاستصحاب على حال الصلاة، و انما عبَّر بأنه ليس ينبغي لك، و لم يقل “و لم يكن ينبغي لك” لبيان أن وظيفته دائما هو عدم نقض اليقين بالشك كلما تحقق موضوعه، و هذا النحو من البيان ان فرض عدم عرفيته الا أنه يتعين بالنظر العرفي حمل الصحيحة عليه، لكون الاحتمالات الأخر بعيدة عن مساق الرواية كل البعد.

تنبيهان:

التنبيه الاول: كلام صاحب الكفاية حول شرطية احراز الطهارة

التنبيه الاول: ذكر صاحب الكفاية أن شرط الصلاة احراز الطهارة، فاستصحاب طهارة الثوب حال الصلاة يحقق الشرط وان كان نجسا واقعا.

ثم اورد اشكالا على نفسه: وهو أنه قد يقال: انه لا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة، فإنها إذا لم تكن شرطا، فلا تكون موضوعا لحكم شرعي، و ليست بحكم شرعي([26])، و لابد في الاستصحاب من كون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي.

وقد أجاب عنه اولا: بأن الطهارة و إن لم تكن شرطا فعلا إلا أنها غير منعزلة عن الشرطية رأسا، بل هي شرط واقعي اقتضائي، كما هو قضية التوفيق بين بعض الإطلاقات الاولية و مثل خطاب الاستصحاب.

وثانيا: انه يكفي كونها من قيود الشرط، حيث إن الشرط هو إحراز الطهارة الواقعية بخصوصها.

ولكن يندفع جوابه الاول: بأنه ان كان مقصوده أن الطهارة الواقعية كانت شرطا لولا التوسعة الثابتة بدليل الاستصحاب و نحوه، فالمهم عدم كونها شرطا بالفعل، فليست موضوعا للاثر الشرعي فعلا، و ما قد يقال من أنها شرط على تقدير وجودها واقعا، و انما يكفي الاحراز على تقدير تخلفها فلم نجد له معنى واضحا، اذ الشرط ما اختلّ المشروط بتركه، فلا معنى لكون شيء شرطا على تقدير وجوده، نعم يمكن أن تكون الصلاة مع الطهارة الواقعية هي الفرد الافضل من الصلاة مع احرازها فقط، و يكون جريان الاستصحاب لأجل احراز امتثال هذا الحكم الاستحبابي.

و يندفع جوابه الثاني: بأن ما هو من قيود الشرط هو عنوان الطهارة الواقعية لا وجودها، حيث ان احرازها تمام الموضوع للشرطية سواء كانت الطهارة موجودة واقعا ام لا، فهو نظير كون تمام الموضوع لجواز الافتاء احراز الحكم الشرعي، سواء كان الحكم الشرعي موجودا واقعا ام لا، فالحكم الشرعي مأخوذ بعنوانه باعتبار كونه المعلوم بالذات، دون واقعه الذي هو المعلوم بالعرض الذي لا يشترط وجوده لامكان كون الاحراز بنحو القطع غير المصيب.

فالصحيح في الجواب عن هذا الاشكال أن يقال اولا: انه يمكن اجراء استصحاب الطهارة بغرض ترتيب سائر آثارها كعدم تنجس ملاقيه، ثم يترتب عليه اثر صحة الصلاة قهرا.

وثانيا: انه حيث يكون ثبوت الطهارة الواقعية عدلا لاحراز الطهارة، فالشرط هو الجامع بين الطهارة الواقعية او احراز الطهارة في حال الالتفات وعدم الغفلة، و لذا يجتزء بصلاة من انكشف له طهارة ثوبه واقعا مع أنه قد صلى في ثوب مستصحب النجاسة، او ثوبٍ يكون طرفا لعلم اجمالي منجز بالنجاسة، فيمكن اجراء الاستصحاب بلحاظ كونه محرزا لاحد مصداقي الشرط، بل لعله المصداق الافضل، فانه يكفي في جريان الاستصحاب أن يكون مثبتا لمصداق من مصاديق جامع الشرط، فهو نظير استصحاب كون من يطعمه فقيرا في مقام الكفارة التي هي الجامع بين اطعام الفقير او الصوم، و يكفي كون الاستصحاب مثبتا للامتثال او نافيا له، و لا يجب أن يكون المستصحب حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعي، بل لا يكفي ذلك ما لم يترتب على جريان الاستصحاب اثر عملي، و الا لكان يكفي كون الطهارة حكما شرعيا على ما هو الصحيح، وليست من الامور التكوينية التي كشف عنها الشارع، كما سنبين ذلك في ذيل الاستصحاب في الاحكام الوضعية.

صاحب الکفایة: شرط الصلاة هو الجامع بين الطهارة الواقعية والظاهرية

هذا وقد ذكر صاحب الكفاية في بحث الإجزاء أن شرط الصلاة هو الجامع بين الطهارة الواقعية والظاهرية، ولكنه لو تم فلابد أن يختص بغير الغافل والجاهل المركب حيث تصح صلاتهما في النجس بمقتضى حديث لا تعاد، و اطلاق الروايات الواردة في صحة صلاة من صلى في النجس وهو لا يعلم به.

مناقشات محقق العراقي علی کلام الکفایة

وكيف كان فقد اورد عليه المحقق العراقي “قده” ايرادين:

الايراد الاول: انه يمتنع كون الشرط في أمثال المقام هو الجامع بين الطهارة الواقعية و الاستصحابية، فانه مع تأخر الاستصحاب عن المستصحب رتبة يستحيل قابلية الجامع للانطباق على ما يتحقق من قبل نفس الاستصحاب المتأخر عنه رتبة([27]).

اقول: يمكن دفع هذا الايراد اولاً: بأن الطهارة الظاهرية و ان كانت متأخرة عن الشك في الطهارة الواقعية، لكن ليس الشك في الطهارة الواقعية متأخرا رتبة عن الطهارة الواقعية، لعدم توقفه عليها و لو في نظر الشاك، فليست الطهارة الظاهرية في طول الطهارة الواقعية.

و ثانيا: لا مانع من كون شرط الصلاة جامع الطهارة، من دون لحاظ خصوصيات افرادها من كون الطهارة الظاهرية في طول الطهارة الواقعية.

و ثالثا: ان لحاظ خصوصية فردين طوليين كالعلة والمعلول بعد أن كان معقولا، فلا مانع من لحاظ جامع انتزاعي بين الخصوصيتين.

الايراد الثاني: ما ذكره من أنه بعد ما ثبت أن الطهارة الخبثية بنفسها ليست من الأحكام الشرعية لكونها من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع، فلابد من ملاحظة ترتب الاثر الشرعي عليها، و حينئذ يقال بعدم صحة جريان استصحاب الطهارة، لا بنحو استصحاب فرد الطهارة الواقعية، اي استصحابها بعوارضها الفردية، ولا بنحو استصحاب الحصة، اي استصحاب وجود طبيعة الطهارة في ضمن الطهارة الواقعية، و لا بنحو استصحاب جامع الطهارة.

أما عدم جريان استصحاب الفرد، فلأن مقتضى شرطية الجامع بين الطهارتين هو خروج الخصوصية الفردية للطهارة الواقعية عن موضوع الشرطية، فلا يصح تطبيق الاستصحاب عليها بخصوصياتها الفردية لعدم ترتب أثر عملي على تلك الخصوصيات، كي يصح إدخالها في الاستصحاب الذي هو تعبّد بالآثار، و تنجيز لها أو تعذير عنها.

و أما عدم اجراء استصحاب الحصة فيها، فلوضوح أن مثل هذه الحصة، اي وجود طبيعي الطهارة في ضمن الطهارة الواقعية، انما يترتب عليها الأثر العملي في فرض سبق وجودها على الحصة الأخرى من جامع الطهارة، و هي وجود طبيعي الطهارة في ضمن الطهارة الظاهرية الاستصحابية، حتى ينطبق عليها صرف وجود الجامع الموضوع للاثر، و هذا المعنى يلازم مع مطابقة الاستصحاب للواقع، فانه ان فرض مخالفته للواقع، فإما أن يجري الاستصحاب، او لا يجري، فان جرى، فلا يكون للمستصحب اي الحصة من الطهارة في ضمن الطهارة الواقعية أثر عملي، لانطباق صرف وجود جامع الطهارة على الحصة من الطهارة في ضمن الاستصحاب، فيختلّ شرط جريان الاستصحاب من ثبوت الاثر الشرعي للواقع المستصحب، و ان لم يجر، فهذا و ان اوجب أن يكون لكل من الحصتين اثر عملي، لعدم فرض سبق وجود اي من الحصتين، لكنه يوجب محذورا في جريان الاستصحاب، اذ يصير جريانه مشروطا بعدم جريانه و هو محال.

و عليه فترتب الاثر الشرعي على الحصة من الطهارة الواقعية حيث يكون شرطا في جريان استصحابها، و المفروض أن ترتب الاثر عليها فرع سبق وجودها على جريان الاستصحاب فهذا يعني اشتراط جريان الاستصحاب بفرض وجود الطهارة الواقعية اي مطابقة الاستصحاب للواقع، و هو غير معقول، لأن اشتراط التعبد بالحكم الظاهري بفرض مطابقته للواقع يلغي اثره، من المنجزية و المعذرية في فرض الشك.

و أما عدم اجراء الاستصحاب في جامع الطهارة فهو من جهة استحالة انطباق الجامع المستصحب على ما يترتب على نفس استصحابه([28]).

جريان استصحاب فرد الطهارة الواقعية و استصحاب الحصة

اقول: لنا أن نختار جريان استصحاب فرد الطهارة الواقعية، لعدم لغوية جريانه بعد كونه محرزا لحصول فرد من افراد الشرط في مقام الامتثال، كما أن لنا أن نختار جريان استصحاب الحصة، ونجيب عن ايراده بأن نقول: ان معنى اشتراط جريان الاستصحاب بترتب الاثر الشرعي على الواقع انما هو ترتبه عليه على تقدير وجوده، و هذا متحقق في المقام، فان الطهارة الواقعية على فرض وجودها يترتب عليها الاثر الشرعي، فيجري فيها الاستصحاب، من دون أن يكون جريانه مشروطا بثبوت الواقع المستصحب، كما هو الحال في جميع موارد الاستصحاب.

كما أن ما اورده على استصحاب جامع الطهارة، من امتناع شمول المستصحب الما يترتب على استصحابه مما لا وجه له، فاي مانع من أن يكون مثل انطباق “الكذب حرام” على ما يترتب عليه كذبيته، وهو الاخبار بعدم حرمة الكذب.

الا أن يكون مقصوده ما ذكر في کتاب الأضواء من أن ظاهر دلیل الاستصحاب أنه لا يزول به موضوعه وهو الشك الوجداني في بقاء المتيقن، فان قوله “لا تنقض اليقين بالشك” هو النهي عن نقض اليقين بالشك الفعلي لا الشك لولا النهي عن النقض، وحمله على الشك اللولائي خلاف الظاهر ولا يصار اليه الا بقرينة مفقودة في المقام، وهذا لا ينطبق على استصحاب جامع الطهارة، اذ بعد اجراءه يرتفع الشك في وجود هذا الجامع بالعلم الوجداني بتحقق فرد منه وهو الطهارة الاستصحابية([29])، فان كان مقصوده ذلك فهو متين.

منع آخر من جريان استصحاب جامع الطهارة

هذا ويوجد وجه آخر للمنع من جريان استصحاب جامع الطهارة، وهو أنه سيأتي في بحث استصحاب القسم الثالث من الكلي أن ظاهر دليل الاستصحاب التعبد إما ببقاء الفرد او ببقاء الحصة اي الكلي في ضمن الفرد المتيقن السابق تفصيلا او اجمالا، لا الجامع، اي الكلي اللابشرط من كونه في ضمن الفرد المتيقن السابق، ولذا نلتزم بعدم جريان استصحاب القسم الثالث من الكلي، لأن المتيقن السابق هو الكلي في ضمن فرد، وهو مما يعلم بارتفاعه، وما يحتمل وجوده فعلا هو الكلي في ضمن فرد آخر.

التنبيه الثاني: المحقق النائيني : شرطية الطهارة او مانعية النجاسة

التنبيه الثاني: ذكر المحقق النائيني “قده” في المقام أنه لو بني على مانعية العلم بنجاسة الثوب في الصلاة من حيث كونه منجّزا لأحكام النجاسة، دون شرطية الطهارة، فيصحّ التعليل الوارد في الرواية بلا أي تكلّف([30]).

اشکال

و يرد عليه اولاً: أن كبرى اختصاص المانعية بالعلم بالنجاسة ايضا ليست مذكورة و لا واضحة، فيأتي فيه نفس الاشكال السابق الموجّه على التعليل في الصحيحة لعدم اعادة الصلاة بعد رؤية النجاسة في الثوب بعدم جواز نقض اليقين بالشك، فانه لو حمل التعليل على كونه بلحاظ الماضي اي حال الصلاة ارتفع الاشكال و لو على مبنى شرطية طهارة الثوب، و ان حمل على كونه بلحاظ الحال اي حال ما بعد اليقين بوقوع الصلاة في النجاسة، فلا يتطابق التعليل مع حكم عدم وجوب الاعادة، و لو على مبنى مانعية العلم بالنجاسة.

و ثانيا: انه حينئذ يستند عدم وجوب الاعادة الى انتفاء المانع بالوجدان و هو العلم حال الصلاة بالنجاسة او تنجزها حال الصلاة، فلا يوجد وجه لما ذكر في الرواية من التعليل باستصحاب الطهارة حال الصلاة.

و هذا الاشكال واضح فيما اذا كان المانع هو العلم بالنجاسة، و أما اذا كان المانع تنجزها، فقد يقال بأنه يصح الاستناد الى استصحاب الطهارة حال الصلاة، لأجل نفي تنجز النجاسة، اذا قلنا بمسلك حق الطاعة في موارد احتمال ثبوت حكم الزامي من المولى مطلقا او في الشبهات المصداقية كالمقام، بل يمكن الاستناد اليه عرفا لدفع توهم تنجز النجاسة حتى لو تم مبنى البراءة العقلية.

الكلام حول مانعية النجاسة او شرطية الطهارة

ثم انه يقع الكلام حول مانعية النجاسة او شرطية الطهارة في جهات:

الجهة الاولى: المحقق النائيني :كون المانع في الصلاة مركبا من جزءين

حكي عن المحقق النائيني “قده” في فوائد الاصول أن المستفاد من الادلة كون المانع في الصلاة مركبا من جزءين احدهما النجاسة الواقعية و ثانيهما العلم بها او تنجزها، فلو صلى في احد طرفي العلم الاجمالي و انكشف له بعد ذلك كونه طاهرا واقعا اجتزء بصلاته، لانتفاء الجزء الاول من المانع، كما أنه لو صلى في نجس واقعي مع عدم تنجز نجاسته اجتزء بصلاته.

محتملات في مانعية النجاسة

اقول: المحتملات في مانعية النجاسة -بعد عدم كونها من الأركان التي تبطل الصلاة بالاخلال بها- اربعة، ذكر المحقق النائيني “ره” اثنين منها وهما مانعية النجاسة المعلومة او مانعية النجاسة المتنجزة، ويوجد احتمالان آخران:

احدهما: ما اختاره في تعليقة البحوث من مانعية النجاسة التي لم يعلم بعدمها وجدانا او تعبدا([31]).

وفيه أن المستفاد من الروايات صحة الصلاة في النجس مع الغفلة عن نجاسته، فلا حاجة الى العلم بعدم النجاسة وجدانا او تعبدا، كما أنه بناء على مسلك من يرى صحة الصلاة في النجس فيما اذا علم بوقوع دم البيض عليه مثلا ولكن كان جاهلا قاصرا بنجاسته او بمانعيته للصلاة، فلا تشمل المانعية من لم يعلم بعدم النجاسة ولكن كان جاهلا قاصرا بجعل المانعية.

ثانيهما: ما اختاره في كتاب الأضواء من مانعية النجاسة التي لا يوجد مؤمن عنها، و ذكر في وجهه أن لازم كون المراد من تنجز النجاسة تنجزها الشأني العلم بعدم المانعية في موارد الشك البدوي، لعدم المنجزية الشأنية بهذا المعنى، فلا موضوع فيها لجريان القاعدة أو استصحاب عدم النجاسة، بل و لا البراءة عن المانعبة بعد العلم بعدم المانعية، و لعلّ الأصح أن يقال ان المانع النجاسة التي لا يوجد مؤمن عنها، و لا مؤمِّن في مورد الشك البدوي مع قطع النظر عن جريان الأصل المؤمّن فيه- سواء قاعدة الطهارة أو استصحاب الطهارة أو البراءة عن المانعية-([32]).

ويرد عليه ايضا أن من علم بموضوع نجاسة الثوب كوقوع دم البيض عليه ولكن كان جاهلا قاصرا بنجاسته او مانعيته للصلاة، فعلى ما اختاره في المنهاج وفاقا للسيد الخوئي “قده” تصح صلاته، مع أنه مع العلم بنجاسته ليس له مؤمن عن هذه النجاسة.

نعم المشهور بطلان صلاته، حيث يشملها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ذكر المني فشدده، فجعله أشد من البول، ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة، فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك، فلم تصبه، ثم صليت فيه، ثم رأيته بعدُ، فلا إعادة عليك و كذلك البول([33])، و أما حديث لا تعاد فهو إما لا يشمل الاخلال بالطهارة من الخبث، لاحتمال اندارجه في الطهور المذكور في عقد المستثنى من الحديث، كما هو مختار البحوث، او أنه معارض مع هذه الصحيحة بالعموم من وجه، فبعد تعارضهما يكون المرجع عموم النهي عن الصلاة في النجس، و قد افتى صاحب العروة “قده” بالبطلان([34]).

نعم اختار بعضهم كالسيد الخوئي “قده” حكومة حديث لا تعاد على صحيحة محمد بن مسلم بدعوى حكومة “لا تعاد الصلاة” على جميع ادلة الاجزاء والشرائط والموانع حتى ما كان بلسان الامر بالاعادة كهذه الصحيحة.

وأما المحقق النائيني “ره” فهو حيث لم يعلِّق على فتوى صاحب العروة “ره” فمعناه ارتضاءه بها، فعلى مسلكه لا بأس بالتعبير بمانعية النجاسة المعلومة او المتنجزة.

وأما ما يقال من أن لازم هذا التعبير عدم الحاجة الى استصحاب الطهارة في الثوب المشكوك، اذ على الاول فمع انتفاء العلم بالنجاسة ينتفي المانع وجدانا، فلا أثر لاستصحاب الطهارة، و دعوى أنه في فرض احتمال قيام الأمارة واقعا على النجاسة و ان لم تصل الى المكلف فيحتمل العلم التعبدي بالنجاسة فنحتاج الى الاستصحاب، مندفعة بأن الامارة غير الواصلة على النجاسة لا توجب بطلان الصلاة بمقتضى اطلاق الروايات.

كما أنه بناء على الثاني و هو كون المانع النجاسة المتنجزة -اي المركب من تنجز النجاسة و ثبوتها واقعا- يقال بأن المراد من تنجز النجاسة تنجزها الشأني، اي لو كانت حكما تكليفيا لكانت تتنجز على المكلف([35])، فبناء على مسلك البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية بعد الفحص التي هي مورد صحيحة زرارة -حيث ورد فيها “فنظرت فلم أر شيئا”- فلا تنجز شأني للنجاسة، فبذلك يحرز عدم المانع في مورد الصحيحة وجدانا، فلا معنى للاستناد في نفي المانع الى استصحاب الطهارة، وهذا مخالف لتمسك الامام (عليه السلام) في صحيحة زرارة باستصحاب الطهارة، نعم بناء على مسلك حق الطاعة فيكون الأصل الأولي هو التنجيز، و لابدّ من مؤمن شرعي لرفعه، فلا مانع من أن يرجع إلى مثل استصحاب الطهارة.

و لكن يمكن الجواب عنه بأن من المحتمل كون نكتة عدم ركنية مانعية النجاسة وكونها ذكرية والتي تؤدي الى مانعية النجاسة المعلومة او المتنجزة، هي جريان الاصل الشرعي واقعا، من استصحاب الطهارة او البراءة عن المانعية، في حق غير الغافل، وان لم يصل هذا الاصل المؤمن الى المكلف، كما لو صلّى في ثوب مشكوك، مع جهله بجريان اصل الطهارة فيه ثم تبين بعد الصلاة كونه نجسا، وهذا هو المقصود من الالتزام بمانعية النجاسة غير المغفول عنها، والتي لا يعلم بعدمها وجدانا او تعبدا، او الالتزام بمانعية النجاسة التي لا مؤمن عنها، فلا منافاة بين مانعية النجاسة المعلومة او المتنجزة وبين الحاجة الى الاصل الشرعي.

على أنه بناء على مانعية النجاسة المتنجزة يمكن أن يقال بصحة الاستناد الى استصحاب الطهارة، و لو لأجل كونه مؤمنا آخر عن النجاسة في عرض البراءة العقلية عنها، و يكون مؤكدا لها و رافعا لشبهة من لديه شبهة من جريانها.

موضوع الاستصحاب الشك في النجاسة، لا الشك في المانعية

ثم ان من الواضح أن موضوع الاستصحاب الشك في النجاسة، لا الشك في المانعية، فلا يتم ما في كتاب الأضواء من دعوى أن البراءة العقلية او الشرعية عن المانعية في موارد الشك البدوي في النجاسة رافعة لموضوع الاستصحاب بنحو الورود، فلا يبقى مجال لحكومة الاستصحاب عليها([36])، ودعوى توقف جريان الاستصحاب على احتمال وجود الاثر ومع جريان البراءة عن المانعية لا يبقى مجال للشك في المانعية لاختصاص المانعية بالنجاسة المتنجزة غير متجهة، فانه يكفي ترتب الاثر ولو في طول جريان الاستصحاب.

هذا ولو التزم فقهيا ببطلان الصلاة فيما صلى في النجس مع الشك فيه من دون فحص، كما ذهب اليه جماعة استنادا الى بعض الروايات، مثل مفهوم ذيل صحيحة محمد بن مسلم السابقة، فتتوسع دائرة المانعية الى ازيد من النجاسة المعلومة او المتنجزة، اذ ليس الفحص فيه واجبا، وانما تجب اعادة الصلاة اذا انكشف كون الصلاة في النجس.

ثمرة كون المانع النجاسة المعلومة او النجاسة المتنجزة

ثم انه ينبغي الكلام حول ثمرة كون المانع النجاسة المعلومة او النجاسة المتنجزة، ويذكر لها ثمرتان:

الثمرة الاولى: ما يقال من أن ثمرة القول بكون المانع النجاسة المعلومة، صحة الصلاة في النجس في موارد الاصول غير المحرزة، كالصلاة في النجس المشكوك بنحو الشبهة الحكمية للنجاسة قبل الفحص، و الصلاة في احد الثوبين المشتبهين، حيث يقال ان الصلاة في النجس الواقعي المجهول او المشتبه ليست صلاة في نجاسة معلومة.

وهذا خلاف الفتاوى المشهورة وخلاف مقتضى الروايات، ولعله لأجل ذلك ينقل عن المحقق النائيني “ره” أنه رجّح مانعية النجاسة المتنجزة.

ولكن الظاهر كما تبين مما سبق أن مراد المحقق النائيني من النجاسة المتنجزة هو تنجز موضوعها، وان جهل الحكم الشرعي جهلا قصوريا، كما أن مراده من النجاسة المعلومة (حسب ما يستفاد من اطلاق روابات المانعية، بل نص بعضها، كصحيحة صفوان بن يحيى أنه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول و لم يدر أيهما هو و حضرت الصلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء كيف يصنع قال يصلي فيهما جميعا([37]) ما يشمل العلم الاجمالي، وعليه فلا يختلف المراد من النجاسة المتنجزة والنجاسة المعلومة، فلا تتم الثمرة الأولى.

الثمرة الثانية: ما ذكره الشيخ الكاظمي “ره” في تعليقة فوائد الاصول، من أنه توجد ثمرة فقهية بين كون الجزء الثاني للمانعية العلم بالنجاسة او تنجزها، و ذلك فيما لو علم إجمالا بنجاسة أحد الثوبين، ثمّ صلّى في كلّ ثوب صلاة، و بعد الصلاتين تبيّن نجاسة كلّ من الثوبين لا خصوص أحدهما، فبناء على أخذ العلم بالنجاسة مانعا من حيث كونه منجّزا لأحكامها تجب إعادة كلّ من الصلاتين، لأنّ العلم الإجمالي بنجاسة أحد الثوبين الذي كان حاصلا قبل الصلاة أوجب تنجّز أحكام النجاسة في كلّ من الثوبين، فتجب إعادة كلّ من الصلاتين لتحقّق موضوع وجوب الإعادة في كلّ منهما، و أمّا بناء على أخذ العلم بالنجاسة مانعا من حيث كونه طريقا، فلا تجب إعادة كلا الصلاتين معاً، لأنّ العلم الإجمالي إنّما كان طريقا إلى نجاسة أحد الثوبين، فلم يتحقّق موضوع وجوب الإعادة إلّا بالنسبة إلى إحدى الصلاتين، فيقع الإشكال حينئذ في تعيين ما تجب اعادتها، لأنّ العلم بالنجاسة لم يتعلّق بواحد معيّن، فلا وجه لوجوب إعادة أحدهما المعيّن، و التخيير في إعادة إحدى الصلاتين لا يخلو عن إشكال([38]).

و لا يخفى أن اشكاله الاخير انما يوجب اعادة الصلاتين معا، فيما اختلفت كيفيتهما خارجا كصلاة الصبح و المغرب([39])، و أما مع اتحادها كما في مثل الصبح الادائية و الصبح القضائية فيجوز أن يكتفي باعادة صلاة واحدة بنية ما في الذمة.

و حكى في اجود التقريرات عن المحقق النائيني “قده” أنه لو علم إجمالا بنجاسة أحد الثوبين فأتى في كل منهما بصلاة مع تمشي قصد القربة منه، ثم انكشف له نجاسة كل منهما، ففيه وجهان: من بطلان كل منهما، و بطلان خصوص الأولى دون الثانية.

ثم قال: التحقيق هو الوجه الثاني، و ذلك لأن المنجز في باب العلم الإجمالي إنما هو العلم المتعلق بالجامع بين الطرفين، و كل من الطرفين لكونه مجهولا يستحيل أن يتنجز بالعلم، و لكن حيث ان نسبة العلم إلى كل منهما متساوية، و تخصيص طرفٍ دون آخر بالتنجز، ترجيح بلا مرجح، فلا محالة حكمنا بوجوب الموافقة القطعية، و إلا فالعلم الإجمالي بنفسه لا يقتضي إلا حرمة المخالفة القطعية، و على ذلك فحيث ان المعلوم بالإجمال في المقام نجاسة واحدة، فلا محالة يكون المتنجز هو الواحد أيضا، و حيث ان المعلوم هو صرف الوجود، فينطبق على أول الوجودات قهرا، فالثوب الأول الذي وقع الصلاة فيه ينطبق عليه المعلوم بالإجمال، و تكون الصلاة الواقعة فيه محكومة بالبطلان، و أما الثوب الثاني فلم تكن نجاسته معلومة، فلذا تصح الصلاة الواقعة فيه، و هكذا الأمر في استحقاق العقاب، فإذا علم بحرمة أحد الكأسين، فشربهما، و انكشف حرمتهما، يكون المنجز و ما يستحق العقاب عليه هو الشرب الأول، لانطباق المعلوم بالإجمال و هو صرف الوجود عليه، دون الثاني.

فإن قلت: سلمنا عدم تنجز الوجود الثاني، لعدم معلوميته بخصوصه، و انطباق المعلوم بالإجمال على أول الوجودات، إلا أن ذلك لا يكفي في صحة الصلاة الثانية، لاشتراطها بالطهارة الواقعية أو إحرازها، و كل منهما مفروض العدم، أما الطهارة الواقعية فواضحة، و أما إحرازها فلمنافاته مع العلم الإجمالي، و مع عدم الشرط يكون الصلاة فاسدة لا محالة.

قلت: إذا فرضنا عدم تنجيز العلم الإجمالي إلا بمقدار المعلوم و هو الوجود الواحد فلا محالة يكون الوجود الآخر محكوما بالأصل أعني به أصالة الطهارة، و حيث ان المفروض انطباق المعلوم بالإجمال على أول الوجودات فيكون المحكوم بالأصل هو الوجود الثاني فطهارته محرزة بالأصل فالصلاة الواقعة فيه واجدة للشرط الذي هو أعم من نفس الطهارة و إحرازها فتأمل([40]).‏

فحاصل ما ذكره في اجود التقريرات بطلان الصلاة الاولى، فحسب، دون الثانية، سواء كان المانع هو العلم بالنجاسة او تنجزها، لأن التنجيز بمقدار العلم و لا علم للمكلف الا بنجاسة واحدة، و حيث ان المعلوم بالاجمال هو صرف الوجود فعلم ببطلان احدى الصلاتين بنحو صرف الوجود، و صرف الوجود ينطبق لا محالة على الوجود الاول.

و فيه أن قياس المقام بالامر بصرف الوجود الذي ينطبق على اول وجود الطبيعة، قياس مع الفارق، فان الامر هناك تعلق بايجاد الطبيعة، فيوجدها المكلف في ضمن اول فرد، و يسقط التكليف بامتثاله، بينما أنه في المقام تكون نسبة العلم الاجمالي بنجاسة احد الثوبين متساوية بين كل منهما، و مع نجاستهما واقعا فيكون انطباق المانع على الصلاة الاولى التي اتي بها في احد الثوبين دون الصلاة الثانية ترجيحا بلا مرجح، و إن قصد أنّ الفرد الأول مصداق لصرف الوجود، فينطبق عليه انطباق الكلي على مصداقه، فالثاني أيضاً كذلك، و لا فرق بينهما، و لا يصح قياس المقام بما لو كان طرفا العلم الإجمالي طوليين، كما لو علمنا إجمالًا أنّ زيداً إمّا يصلّي في يوم الجمعة، أو السبت، فصلّى في كلا اليومين، فانه حتى لو قلنا بانطباق العلم على الفرد الأوّل اي صلاته يوم الجمعة، فتكون هي الصلاة المعلومة إجمالاً، و لا تصل النوبة الى انطباق المعلوم بالاجمال على الصلاة الثانية، لكن فيما نحن فيه المانع إمّا هو نجاسة هذا الثوب، أو نجاسة ذاك الثوب، و هما فردان عرْضيان، و نريد أن نعيِّن المانع منهما قبل أن يصلّي المصلّي في أيّ واحد من الثوبين، مع أنا في ذلك المثال ايضا لا نقول بانطباق المعلوم بالاجمال على الفرد الاول، بل هو صالح للانطباق على كل من الصلاتين، و لا اثر للسبق و اللحوق الزماني في ذلك.

کلام محقق الخویی

و قد ذكر السيد الخوئي “قده” أنه لو علم إجمالًا بنجاسة أحد الثوبين فصلى صلاتين في كل من الثوبين، ثم انكشفت نجاسة كلا الثوبين، فقد يقال بأنه على القول بشرطية الطهارة يلزم بطلان كلتا الصلاتين، لوقوعهما مع النجاسة الواقعية مع عدم إحراز الطهارة و لو بالأصل، لتساقط الأصل في الطرفين بالمعارضة، للعلم الإجمالي بنجاسة أحدهما، و كذا على القول بأن المانع هو النجاسة الواقعية، و أما على القول بأن المانع هو إحراز النجاسة، فيحكم بصحة إحدى الصلاتين، لعدم إحراز نجاسة كلا الثوبين قبل الصلاة.

و لكن التحقيق عدم تمامية الثمرة المذكورة، فتصح احدى الصلاتين مطلقا، لما ذكرنا في بحث العلم الإجمالي من أن العلم الإجمالي مانع عن جريان الأصل في كل طرف بخصوصه لأجل المعارضة، و لا مانع من جريان الأصل في أحد الطرفين لا بعينه، إذا كان له أثر عملي، كما في المقام، فنقول بعد العلم بنجاسة أحد الثوبين مع احتمال نجاسة الآخر: إن أحد الثوبين نجس قطعاً، و أما الآخر فالأصل طهارته، فيحكم بصحة إحدى الصلاتين في المثال([41]).

مناقشه

اقول: يقع الكلام تارة بلحاظ ما قبل انكشاف نجاسة كلتا الثوبين، و أخرى بلحاظ ما بعد الانكشاف، أما بلحاظ ما قبل الانكشاف، فحيث ان المهم هو التعبد بعدم اقتران احدى الصلاتين بالمانع، او وجدانها للشرط، فالصحيح أنه تجري اصل الطهارة في الثوب الآخر غير الثوب المعلوم بالاجمال نجاسته، فيكون بحكم ما لو علم وجدانا بنجاسة احدهما اجمالا و طهارة الآخر، و جريان هذا الاصل مما لا مانع منه ثبوتا فيما كان للثوب النجس المعلوم بالاجمال عنوان معين واقعا، كما لو علم اجمالا بوقوع البول على احد الثوبين و شك في وقوع الدم على الآخر، حيث تجري أصالة الطهارة في الثوب الثاني المتعين في علم الله، فتصح الصلاة فيه، و أما اذا لم يكن للثوب المعلوم نجاسته اجمالا واقع معين، بحيث لو كانا نجسين معا كان انطباقه على اي منهما بخصوصه ترجيحا بلا مرجح، فقد منع جمع من الاعلام كالمحقق الاصفهاني “قده” من جريان الاصل في الثوب الآخر غير ما علم اجمالا بنجاسته، بدعوى أنه من الفرد المردد و ليس له وجود، و لكن ذكرنا في محله أنه لا مانع من التمسك باطلاق دليل الاصل بالنسبة اليه، ولأجل توضيح ذلك نذكر مثالا، وهو انه لو علم اجمالا بعد صلاة الظهر والعصر بانه نقص من احديهما ركوعا وشك في الأخرى، ولم يكن للمعلوم بالاجمال أيّة خصوصية ذهنية بحيث لو نقص ركوع كلتيهما لم‌يمكن تعيين ان المعلوم بالاجمال نقص ركوع أي منهما، فانه لامانع من اجراء قاعدة الفراغ في الصلاة الثانية غير ما علم اجمالا ببطلانها، واثره جواز الاكتفاء باعادة صلاة واحدة بنية ما في الذمّة.

والعرف لا يمنع من تعلق الحكم او العلم بالفرد المردد في الخارج، ولذا يقول أعلم ببطلان احدى الصلاتين وأشكّ في بطلان الأخرى، فكما يدعي الشك في بطلان الأخرى، مع أنه لا تعين لها واقعا، فكذلك يراها موضوعا لقاعدة الفراغ، فليس عندنا محذورٌ اثباتي، وأما المحذور الثبوتي وهو عدم وجود الفرد المردد عقلا، فانما يتم لو كان الموضوع بالذات لقاعدة الفراغ هو الخارج، مع انه ليس كذلك، بل الموضوع بالذات لها هو العنوان الذهني وان لوحظ فانيا في الخارج بالنظر التصوري العرفي، كما في سائر موضوعات الأحكام، وعنوان الصلاة الأخرى وان كان بالحمل الاولي فردا مرددا، لكنه بالحمل الشايع موجود ذهني متعين، واثر جريان القاعدة أيضا متعين، وهو جواز الاكتفاء باعادة صلاة بنية ما في الذمّة.

ونظير المقام بيع الكلي في المعين، حيث ان المبيع يعتبر بنظر العرف موجودا في الخارج، ولكن ليس فردا معينا من الافراد الموجودة في الخارج، و ما ادعي هنا في البحوث من عدم جريان الاصل في الفرد المردد فقد عدل عنه في ابحاثه الفقهية و الاصولية المتأخرة.

و عليه ففي المقام ان صلى في كل واحد من الثوبين صلاة، ثم علم بنجاسة كليهما، فان كان قد كرر صلاة واحدة كصلاة الصبح فيهما، فقد أتى بصلاة الصبح في ثوب محرز الطهارة عرفا وجدانا، و هكذا الحال فيما شك في نجاسة الثوب الآخر قد اتى بصلاة الصبح في ثوب طاهر ظاهرا او محرز الطهارة تعبدا، و ان صلى في الاول صلاة صبح ادائية مثلا و في الثاني صلاة صبح قضائية، كان اثر التعبد بطهارة احد الثوبين لا بعينه هو النأمين بالنسبة الى صحة احد الصلاتين لا بعينها، فيكون كما لو علم وجدانا بطهارة احدهما لا بعينه، وعليه فلو اتى بعد ذلك بصلاة واحدة أخرى بنية ما في الذمة في ثوب طاهر كفى، لأن احدى صلاتيه لا بعينها كانت واقعة عرفا في ثوب طاهر ظاهرا، و بضم الصلاة الاخيرة في ثوب طاهر قد اتى بصلاتين صحيحتين، نعم اذا اتي بصلاة الصبح في الثوب الاول و بصلاة المغرب مثلا في الثوب الثاني، فلابد من اعادة كلتا الصلاتين، و وجهه واضح.

تصوير الصحة الواقعية فيما اذا انكشف بعد الصلاتين نجاسة كلا الثوبين

و لكن المهم هو حل مشكلة تصوير الصحة الواقعية فيما اذا انكشف بعد الصلاتين نجاسة كلا الثوبين، فقد ذكر في البحوث اشكالين:

الاشكال الاول:

ان مقتضى اطلاق النهي عن الصلاة في النجس مانعية كلا الثوبين واقعا، و ما دل من الروايات على أن من لم يعلم بكون ثوبه نجسا فصلى فيه ثم علم لا يعيد صلاته، فجميعها واردة في الشبهة البدوية التي تكون نجاسة الثوب فيها مغفولة او مقطوعة العدم، او تكون مجرى لاصل مؤمِّن يجوز الصلاة فيه.

الاشكال الثاني:

لو فرضنا قيام الدليل على دوران المانعية مدار تنجز النجاسة، فان لم يكن للثوب المعلوم نجاسته اجمالا تعين واقعي، وقعنا في محذور ثبوتي، من ناحية كيفية تصوير الحكم الواقعي بصحة احدى الصلاتين بعد انكشاف الخلاف، فانه لو اريد الحكم بصحة احداهما المعينة دون الأخرى فالمفروض أن نسبتهما الى دليل المانعية على حد واحد، و ان اريد الحكم بصحة احداهما لا بعينها فلا وجود خارجي لها لكون ذلك من الفرد المردد، و ان اريد الحكم بصحة كل واحدة منهما كان معناه أن فرض نجاسة كليهما احسن حالا من فرض نجاسة احدهما حيث حكم ببطلان الصلاة فيه، و هو غير محتمل، مضافا الى مخالفته لمنجزية العلم الاجمالي، و وصول احدي النجاستين، و دعوى رجوع ذلك الى تقيد الامر بالصلاة بعدم ايقاعها في هذا الثوب وحده او في الآخر وحده، بل لابد من ايقاعها إما في غيرهما او في كل منهما بنحو الاحتياط و يكون المجموع امتثالا، يدفعها -مضافا الى أنه خلاف ظاهر الدليل بحيث يكون استفادة كون المجموع امتثالا لا يساعد عليها ظاهر الادلة- أنه لا يدفع الاشكال في موارد ايقاع صلاة الظهر مثلا في احد الثوبين، وصلاة العصر في الثوب الآخر، فان لازمه بطلان كلتا الصلاتين لوقوع كل منهما في احد الثوبين فقط، و المفروض تنجز نجاسته([42]).

ثم قال: انه ظهر من مجموع ما تقدم أن الإشكال لا يختص بما إذا أخذ التنجز قيدا في المانعية، بل إذا كان الوصول قيدا فيها أيضا اتجه الإشكال بلحاظ الحكم الواقعي بالصحّة في موارد عدم تعين النجاسة المعلومة بالإجمال و نجاستهما معا، فان نسبة المانعية إلى كل منهما على حد واحد، نعم لا نحتاج إلى إجراء الأصل المؤمن قبل انكشاف الخلاف، إذ لا يعلم بأكثر من نجاسة واحدة، فيعلم عدم مانعية أخرى حتى إذا كان الثاني نجسا([43]).

اقول: أما الاشكال الاول فيبتني على كون الدليل على تصحيح الصلاة في النجس مع عدم تنجز نجاسته الروايات الدالة على أن من لم يعلم أن بثوبه دما فصلّى فيه ثم علم فلا اعادة عليه، فانه لا يشمل المقام، حتى لو كان للثوب المعلوم بالاجمال واقع معين، فجرت أصالة الطهارة في الثوب الآخر، او علم بطهارته وجدانا ثم انكشف له بعد الصلاة نجاسة كلا الثوبين، وان كان الانصاف امكان الغاء الخصوصية عرفا من مورد تلك الروايات الى هذا الفرض الذي يكون للثوب المعلوم بالاجمال واقع معين.

امكان التمسك بحديث لا تعاد لتصحيح الصلاة في النجس مع عدم تنجز نجاسته

والظاهر امكان التمسك بحديث لا تعاد لتصحيح الصلاة في النجس مع عدم تنجز نجاسته، فان الطهور المذكور في عقد المستثنى من الحديث ظاهر في الوضوء و الغسل و التيمم، و ما يظهر منه في بحوثه في الفقه من احتمال كونه بمعنى الطهارة او بمعنى أداة التطهير، فيراد منه الاخلال بشرطية الطهارة او الاخلال باستعمال اداة التطهير فيما يعتبر فيه الطهارة في الصلاة، فيشمل الاخلال بشرطية الطهارة من الخبث([44])، غير متجه، فان الطهور ظاهر فيما يتطهر به، دون المعنى المصدري و هو الطهارة، و ارادة اداة التطهير منه لا يتناسب مع سياق الحديث، فان قوله “لا تعاد الصلاة الا من خمس، الوقت و القبلة و الطهور و الركوع و السجود، و القراءة سنة و السنة لا تنقض الفريضة” ظاهر في عدّ اجزاء الصلاة و شرائطه، لا ادوات تحصيلها، من الماء او التراب، فيكون المقدَّر استعمال الطهور فيما يعتبر فيه الطهارة، فانه خلاف الظاهر جدا، و قد يستشهد على ذلك بأن الفريضة حيث تكون بمعنى ما فرضه الله و قدرّه في كتابه، و لم يرد في الكتاب الكريم حكم شرطية الطهارة من الخبث في الصلاة، و ان كان في هذا الشاهد تأمل، لاحتمال كون قوله تعالى “و ثيابك فطهر” اريد به التطهير للصلاة، كما في الامر بالركوع و السجود الذي اريد به الركوع و السجود في الصلاة، و ان كان يناسب عدم كون الطهارة من الخبث فريضة الروايات الواردة في عدم بطلان الصلاة في الثوب الذي لا يعلم بنجاسته.

كما أنه بناء على مسلك صاحب الكفاية يمكن التمسك بدليل قاعدة الطهارة او استصحابها بناء على حكومته او وروده على دليل شرطية الطهارة من الخبث في الصلاة.

جواب عن الاشکال الثانی

و أما الاشكال الثاني فيمكن دفعه بأنه كما لا مانع عقلا من كون فعلٍ امتثالا لاحد تكليفين لا بعينه، كما لو كان عليه قضاء صوم من السنة السابقة و قضاء صوم من هذه السنة، فصام يوما بنية القضاء من دون تعيين، و حيث انه لم يتعين كون فعله امتثالا لهذا التكليف بعينه او ذاك التكليف بعينه، بل كان امتثالا لأحدهما لا بعينه، فتبقى فعلية كلا التكليفين ما لم يأت بقضاء صوم يوم آخر، كما أنه بناء على كون الامتثال مسقطا لفاعلية التكليف و محركيته، فتبقى فاعلية كليهما نحو الاتيان بقضاء صوم يوم آخر.

كما لا مانع من كون احد فعلين لا بعينه امتثالا لتكليف كما لو أمر المولى باكرام أحد شخصين لابعينه ونهى عن اكرام الآخر فأكرمهما المكلف في زمان واحد فانه يكون إكرام أحدهما لابعينه مصداقا للواجب وإكرام الآخر لابعينه مصداقا للحرام، و من هذا القبيل ما لو كرر صلاة صبحه مثلا في كل من الثوبين النجسين واقعا مع علمه الاجمالي بنجاسة احدهما لا بعينه فقط.

فكذلك لا يوجد مانع من كون احد فعلين لا بعينه امتثالا لاحد تكليفين لا بعينه، فالصلاة مشروطة بكون الثوب طاهرا إما واقعا او ظاهرا، بلا فرق بين الصلاة الاولى التي صلاها في الثوب الاول او الصلاة الثانية التي صلاها في الثوب الثاني، و لكن الشارع حينما حكم بكون احد الثوبين لا بعينه طاهرا ظاهرا، فيعني ذلك عرفا كون احدى الصلاتين صلاة في ثوب طاهر ظاهري، و بذلك يتحقق امتثال احد التكليفين لا بعينه، و معه فتبقى فعلية كلا التكليفين او فاعليتهما بالنسبة الى الاتيان بصلاة أخرى في ثوب طاهر بنية ما في الذمة.

الجهة الثانية: المحقق الاصفهاني “قده”: لا فرق بين شرطية الطهارة و مانعية النجاسة

ذكر المحقق الاصفهاني “قده” أنه لا فرق بين شرطية الطهارة و مانعية النجاسة، حيث ان الطهارة ليست الا عدم النجاسة، فمرجع شرطية الطهارة الى شرطية عدم النجاسة، و مآلها الى مانعية النجاسة([45]).

مناقشات

و فيه اولاً: أن الطهارة الشرعية امر وجودي، حيث تتضمن امرا وجوديا و هو اعتبار الطهارة.

و ثانيا: ان الطهارة التكوينية ايضا ليست عدما محضا، بل هي من قبيل عدم الملكة، كالعمى في مقابل البصر، فهي اتصاف المحل القابل بعدم النجاسة، او من قبيل عنوان الفوت الذي يختلف عن عدم الاتيان، فيمكن جعلها شرطا للواجب، و لا يختص الشرط في التشريعيات بما يكون دخيلا في تأثير المقتضي في المقتضى بأن يكون متمما لفاعلية الفاعل او قابلية القابل، فانه خاص بالشرط التكويني.

هذا و قد ذكر في البحوث أنه اذا كان المانع الثوب النجس، بأن تكون نجاسة الثوب حيثية تعليلية لكون الثوب هو المبطل للصلاة، فيختلف عن كون الشرط الثوب الطاهر، فانه أمر وجودي في مقابل الثوب النجس، و لو فرض كون الطهارة أمراً عدمياً، نعم لو كان المانع نجاسة الثوب او كون الثوب نجسا فينحصر الجواب في دعوى أن الطهارة ليست عدما محضا([46]).

و فيه أنه لا يحتمل فقهيا كون الشرط الثوب الطاهر، فانه لو لبس المصلي ثوبين، احدهما طاهر و الآخر نجس، بطلت صلاته بلا اشكال، نعم يحتمل شرطية كون ثوب المصلي طاهرا، و مآله حسب دعوى المحقق الاصفهاني الى شرطية عدم كون ثوبه نجسا.

الجهة الثالثة: السيد الخوئي : لا توجد أية ثمرة عملية للنزاع بين شرطية الطهارة او مانعية النجاسة

ذكر السيد الخوئي “قده” أنه لا توجد أية ثمرة عملية للنزاع بين شرطية الطهارة او مانعية النجاسة، و مانعية العلم بالنجاسة او مانعية تنجز النجاسة، فان شرطية الطهارة ايضا حسب ما يستفاد من حديث لاتعاد و الروايات الخاصة ذُكرية، اي تختص بفرض العلم بالنجاسة دون الجهل بها([47]).

مناقشه

و فيه أنه يمكن تصوير الثمرة العملية فيما لم يجر اصل مثبت لطهارة ثوب مشكوك الطهارة، و لكن جرت اصالة البراءة عن مانعيته في الصلاة، و يمكن ان نذكر له موردين:

موارد جریان اصالة البراءة عن مانعيته في الصلاة

المورد الاول: ما لو علم اجمالا بنجاسة تراب او نجاسة ثوب، فانه حيث يشترط في جواز السجود او التيمم بالتراب كونه طاهرا، فتتعارض اصالة الطهارة فيه بالمعارضة مع أصالة الطهارة في الثوب، و بناء على مانعية الثوب النجس تجري البراءة عن مانعية هذا الثوب بلا معارض، لكونها خطابا مختصا، و قد مرّ في بحث الاشتغال سلامة الخطاب المختص الجاري في احد طرفي العلم الاجمالي عن المعارضة، لكون الخطاب المشترك مثل خطاب اصالة الطهارة في المقام مبتلى بالتعارض الداخلي الموجب لاجماله، و المجمل لا يعارض المبين.

المورد الثاني: مورد الشك في النجاسة الذاتية، كما في دوران الامر بين كون الثوب طاهرا او متخذا من شعر الكلب او الخنزير، حيث يقال بعدم شمول دليل قاعدة الطهارة و هو قوله (عليه السلام) في موثقة عمار “كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر” له، لاحتمال كون “قذر” بصيغة الفعل الماضي لا الصفة المشبهة، و من الواضح قصور التعبير بأن الشيء قد قذُر، عن الشمول للنجاسة الثابتة للشيء من بدء وجوده و تكونه، فانه حينئذ لا تجري فيه أصالة الطهارة و انما تجري البراءة عن المانعية، و قد يقال بأن هذه الثمرة الثانية مجرد فرضٍ، لجريان استصحاب العدم الازلي لنفي كون المشكوك شعر الكلب او الخنزير، فيثبت به طهارته، و يجاب عنه بالمنع من جريانه في العناوين الذاتية([48]).

اقول: حتى لو فرض جريان استصحاب العدم الازلي مطلقا، امكن افتراض كون الشبهة حكمية كما لو شككنا في صدق الخنزير عرفا على المتولد من الشاة و الخنزير، و من الواضح أنه لا مجال فيه للاستصحاب الموضوعي.

شرائط جريان البراءة عن المانعية

هذا و لا يخفى أن جريان البراءة عن المانعية موقوف على امرين:

الالتزام بانحلال المانعية بعدد افراد المانع

الامر الاول: الالتزام بانحلال المانعية بعدد افراد المانع، كي يكون الشك في كون فرد مصداقا للمانع موجبا للشك في انحلال المانعية بالنسبة اليه، فتجري البراءة عنها، و منشأ انحلال المانعية ظهور خطاب النهي الضمني في الانحلال بنفس نكتة ظهور خطاب النهي الاستقلالي كخطاب النهي عن الكذب وشرب الخمر في الانحلال.

و قد مر أن نكتته ظهور النهي في قيام المفسدة بكل فرد من افراد متعلق النهي، ولذا لو أضطر او أكره على ايجاد فرد من المانع كالصلاة مع ابتلاءه بنجاسة يده، فالظاهر عرفا وفقهيا أنه لا يجوز له تنجيس جميع جسده، فهذا يكشف عن انحلالية المانعية والا فلو كان المانع هو صرف وجود نجاسة الجسد فالمفروض اضطراره الى ايقاع الصلاة فيها.

البراءة عن المانعية تتوقف على كون نجاسة الثوب حيثية تعليلية لثبوت المانعية

الامر الثاني: ما في البحوث من أن البراءة عن المانعية تتوقف على كون نجاسة الثوب حيثية تعليلية لثبوت المانعية لذلك الثوب، بأن يقول الشارع “صل و لا يكن ثوبك نجسا” فاذا شك في نجاسة ثوب معين فيشك في مانعيته في الصلاة، فتجري البراءة عنها، و أما لو كان المانع نجاسة الثوب بنحو كان التامة، بأن قال المولى “صل مع عدم نجاسة ثوبك” او كان المانع لبس الثوب النجس، بأن قال المولى “صل مع عدم لبس الثوب النجس” فتكون الصلاة في الثوب المشكوك النجاسة من الشك في وجود ما يعلم بمانعيته، لا من الشك في المانعية، حتى تجري البراءة عنها([49]).

وما ذكره متين جدا، وما قد يقال من أنه لا مانع من اجراء البراءة عن مانعية وصف هذا الثوب من حيث الطهارة و النجاسة، و كذا البراءة عن وصف هذا اللبس من حيث كونه لبسا للثوب النجس و عدمه، ففيه أن المهم أن مانعية نجاسة هذا الثوب معلومة اي يعلم بتقيد الصلاة بعدم نجاسة الثوب، وانما يشك في وجود المانع فلا معنى للبراءة عن المانعية.

ومن هنا اتضح ان ما يخطر بالبال من عدم جريان البراءة عن المانعية في مثال الامر بالاتيان بماء ليس بمالح، او وجوب الوضوء بماء ليس بنجس، وأنه اذا شك في مالحية الماء الذي أتى به او طهارة الماء الذي توضأ به ولم يجر أصل يثبت به عدم مالحية الماء و طهارته لجهة من الجهات، فيكون شكا في الامتثال، فتجري قاعدة الاشتغال، فوجهه هو أن الشك فيه في وجود المانع، والا فمانعية مالحية الماء او نجاسته معلومة لا شك فيها.

الجهة الرابعة: ظهور الروایات فی شرطية الطهارة

استظهر السيد الخوئي “قده” من الروايات شرطية الطهارة، حيث ورد في صحيحة زرارة “لا صلاة الا بطهور، و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة احجار، بذلك جرت السنة من رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) و أما البول فإنه لابد من غسله([50])، بدعوى أن ذيلها قرينة على كون المراد من الطهور في صدرها الاعم من الطهارة من الحدث و الخبث([51]).

و لكن يمكن الاشكال في دلالتها بأن مجرد الجمع بين حكم شرطية الطهور في الصلاة و حكم الاستنجاء لا يدل على كون ذكر الاستنجاء بلحاظ كونه محصلا للطهور بمعنى الطهارة، فقد مر أن الطهور ليس ظاهرا في معنى الطهارة، بل الظاهر منه ما يتطهر به، و ظاهره الوضوء و الغسل و التيمم، و الجامع بين الفقرتين ما يشترط في الصلاة، و ان أبيت الا عن ظهور الصحيحة في كون الاستنجاء مندرجا في الطهور، فيمكن أن يكون المراد منه أنه لا صلاة الا باستعمال الطهور، و منه استعمال الماء لتطهير مخرج البول او الغائط او الاحجار لتطهير مخرج الغائط.

و قد يستشهد على عدم كون الطهور في هذه الصحيحة بمعنى الطهارة بما ورد في ذيلها من قوله “و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار” فان المجزي لابد من مجزٍ عنه، و ليس هو الطهارة، لأن الأحجار لا تجزي عنها، و انما تُحققها، بل هو الماء المطهر، فان الأحجار تجزي عنه([52]).

و لكنه غير متجه، فان الوارد في الرواية إجزاء الاحجار عن الاستنجاء كما يقال “يجزيك من اكرام العالم اعطاء هدية اليه” فيكون من قبيل إجزاء الفرد الأدون عن الطبيعي، و ان كان المراد أنه يجزي في الاستنجاء ثلاثة احجار، فالإجزاء بمعنى الكفاية، اي يكفيك ذلك، و لا يحتاج الى لحاظ المجزء عنه، و لو فرض لزوم لحاظه فلا يلزم أن يكون نفس ما اريد من لفظ الطهور في الصحيحة، فهل ترى ركاكة او خلاف ظاهر في أن يقال “لا صلاة الا بطهارة، و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة احجار”.

و كيف كان فيمكن الاستدلال على شرطية الطهارة بنفس الفقرة الثالثة من صحيحة زرارة “تغسل و لا تعيد الصلاة، قلت: لِمَ ذلك، قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا” و كذا الفقرة الرابعة منها “تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك”.

الا أن الانصاف عدم ظهور مثل هذه التعابير في شرطية الطهارة في قبال مانعية النجاسة، بعد كونها تعابير عرفية تتلائم مع كون الواجب في عالم الجعل هو الصلاة في ثوب ليس نجس، و لذا ورد في عدة روايات أخرى النهي عن الصلاة في الثوب النجس، كموثقة عمار الساباطي “لا تصل في ثوب قد اصابه خمر أو مسكر حتى تغسله” و صحيحة سليمان بن رشيد “من قبل ان الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت”، فلو فرضنا ظهور الطائفة الاولى في شرطية الطهارة فيتعارض مع ظهور الطائفة الثانية في مانعية النجاسة، و مع دوران الامر بين شرطية الطهارة و مانعية النجاسة تصل النوبة الى الاصل العملي فيما اذا وجد له ثمرة عملية و سيأتي توضيحه.

الجهة الخامسة: ما هی مقتضی الاصل عند عدم دلیل لفظی؟

بعد ما ثبت عدم قيام دليل لفظي على أي من شرطية الطهارة او مانعية النجاسة، فتصل النوبة الى الاصل العملي،

کلام محقق النایینی

و قد نقل عن المحقق النائيني “قده” أنه حيث يتضمن اعتبار الشرطية كلفة زائدة، وهي لزوم إحراز الشرط في مقام الامتثال وعدم جواز الرجوع إلى البراءة، بخلاف المانعية، فليس في جعلها كلفة زائدة، فتجري البراءة عن الشرطية بلامعارض، فبحسب النتيجة يعامل في موارد دوران الأمر بين جعل الشرطية او المانعية معاملة العلم بجعل المانعية.

کلام محقق الخویی

و ناقش فيه السيد الخوئي “قده” بأن المهم في جريان البراءة عن حكم مشكوك، كون جعله مستلزما للكلفة في قبال عدم جعله، لا في قبال جعل حكم آخر، وجعل المانعية يستلزم الكلفة في قبال عدم جعلها، لأن جعل المانعية يعني تقييد الواجب بعدم شيء، ففيه كلفة زائدة في قبال اطلاق الواجب، كما أن جعل الشرطية كذلك، وعليه فلو لوحظ الشك في جعل كلّ واحدة منهما مستقلا مع قطع النظر عن جعل الأخرى فهو مورد لجريان البراءة، وبعد العلم الاجمالي بجعل احديهما فتقع المعارضة بين البراءتين، وليس في البين قدر متيقن يقطع به في مقام الجعل والتشريع كي يشك في الزائد على المقدار المعلوم حتى يدفع بالأصل، كما هو الحال في الأقل والأكثر الارتباطيين، نعم تختص الشرطية بخصوصية تمتاز بها عن المانعية، وهي حكم العقل بلزوم الإحراز في مقام الامتثال وعدم جواز الرجوع إلى البراءة بناءً على الشرطية دون المانعية، إلا أنّ هذه الخصوصية أجنبية عن مقام التشريع وغير ملحوظة في مقام الجعل أبداً، بل هي كما عرفت من الآثار المترتبة عليه بحكم العقل ومن شؤون هذا النوع من الاعتبار والجعل، وحيثياته العقلية، ولامساس له بالشارع بوجه، فهذه الكلفة عقلية محضة، ومن الواضح عدم كون الأحكام العقلية مورداً للأُصول العملية لا الشرعية ولا العقلية([53]).

لا اثر للبراءة عن جعل المانعية في فرض العلم الاجمالي بشرطية الطهارة او مانعية النجاسة

اقول: الصحيح ما ذكره المحقق النائيني “قده”، فان البراءة عن جعل المانعية لا اثر لها ابدا في فرض العلم الاجمالي بشرطية الطهارة او مانعية النجاسة، اذ لو كان الغرض منها تصحيح الصلاة في ما يعلم بكونه نجسا، فالمفروض العلم التفصيلي بفسادها، ولو كان الغرض منها تصحيح الصلاة في الثوب المشتبه، فالمفروض أن احتمال جعل المانعية للثوب النجس يسهِّل الطريق لإجراء البراءة عن مانعية الثوب المشتبه، وان شئت قلت: انه لو فرض جريان البراءة عن جعل الشرطية والمانعية معا فحيث ان أثره يختص بفرض الصلاة في الثوب المشتبه، فلا يلزم من جريانهما معا الترخيص في مخالفة العلم الاجمالي.

هذا كله في المقام الاول وهو التمسك بالفقرة الثالثة على الاستصحاب.



[1] – في علل الشرايع بدل “ثم صليت فرأيت فيه” هكذا “ثم طلبت فرأيته فيه بعد الصلاة.

[2] – في علل الشرايع: من نظافتك

[3] – في علل الشرايع: …أن أنظر فيه فأقلبه.‏

[4] – في علل الشرايع: وقع عليك.

[5] – تهذيب الأحكام ج‌1 ص421

[6] – علل الشرائع ج‏2 ص361

[7] – نهاية الأفكار ج‏4قسم‏ ص46

[8] – فرائد الاصول ج2ص 566

[9] – الاستصحاب ص 88

[10] – فرائد الاصول ج2ص566

[11] – مطارح الأنظار ج‏4 ص97

[12] – فرائد الاصول ج 2ص 566

[13] – كفاية الاصول ص 394

[14] – نهاية الأفكار ج‏4قسم‏1 ص 50

[15] – كفاية الاصول ص394

[16] – كفاية الاصول ص86

[17] – فوائد الاصول ج4ص 350

[18] – مصباح الاصول ج3ص 57

[19] – مقالات الاصول ج 2 ص 347

[20] – الاصول في علم الاصول ج 2ص369

[21] – المحاضرات في اصول الفقه ج 3ص33و منتقى الاصول ج 6 ص 105و مباني الاحكام ج3ص 19و بحوث في علم الاصول ج 6 ص 53

[22] – و قد نقل عنه في البحار ج 80 ص 268 كذلك، و هذا يفيد لمثل السيد الخوئي و شيخنا الاستاذ و السيد الصدر “قدهم” ممن يعتمد على نقل صاحب البحار و الوسائل و الوافي لوجود طرق و اسانيد لهم الى كتب الاصحاب، و لكن منعنا عن ذلك في البحث عن سند رواية القطب الراوندي في باب التعارض، فالمهم حصول الوثوق بالمتن المنقول في العلل و البحار.

[23] – بحوث في علم الأصول ج‏6 ص48

[24] – اضواء و آراء ج 3ص 161

[25] – كفاية الاصول ج395

[26] – هذا ظاهر في كون مبنى صاحب الكفاية مثل مبنى الشيخ الاعظم من أن الطهارة و النجاسة امران واقعييان كشف عنهما الشارع.

[27] – نهاية الافكار القسم الرابع من ج 4 ص 50

[28] – نهاية الافكار القسم الرابع من ج 4 ص 50

[29] – أضواء وآراء ج3ص 170

[30] – فوائد الاصول ج4ص 350

[31] – بحوث ج6ص56

[32] – اضواء و آراء ج‏3 ص 163

[33] – وسائل الشيعة ج‌3 ص 478

[34] – العروة الوثقى المحشى ج 1ص87

[35] – ذكر في البحوث كلاما لا بأس بنقله، وهو أنه تترتب عدة محاذير على ارادة التنجز الفعلي:

منها: أن النجاسة بما أنها حكم وضعي فلا يتنجز على المكلف الا الاثر التكليفي المترتب عليها، فان اريد من تنجزها تنجز مانعيتها في الصلاة فيستحيل أخذه في موضوع المانعية، فانه من قبيل أخذ العلم بالحكم في موضوع شخص ذلك الحكم، و ما تخلصنا به عن محذور الاستحالة من اخذ العلم بالجعل في موضوع المجعول لا يأتي في المقام (اذ التنجز ليس له جعل و مجعول كما لا يمكن أخذ تنجز الجعل في موضوع المجعول فانه لا يتنجز الجعل اي الحكم غير البالغ مرتبة الفعلية) و أما اخذ تنجز حكم آخر مترتب على النجاسة في موضوع المانعية فيلزم منه الالتزام بصحّة الصلاة في اللباس النجس عمداً إذا لم يكن له أيّ أثر آخر قابل للتنجيز، أو كان له أثر آخر لكنّ لم يتنجز على المكلف لجهله به، و لا يصح الالتزام به، و لا معنى لعدّ حرمة الدخول في الصلاة أثرا آخر مترتب على نجاسة الثوب دائما، فانه لو اريد حرمته التكليفية فهي ممنوعة، و لو اريد بذلك حرمته الوضعية فهي عبارة اخرى عن المانعيّة، و لو اريد حرمته التشريعية فهي فرع احتمال المانعية، فيجب تصوير المانعية بقطع النظر عن الحرمة التشريعية.

و منها: أنه يلزم من اخذ تنجز النجاسة في المانعية المحذور في عالم التنجيز، فان منجزية العلم التفصيلي فرع تعلّقه بتمام الموضوع في المرتبة السابقة، و المفروض أنّ التنجيز هنا دخيل في الموضوع، فليس العلم بالنجاسة علماً بالتنجيز في المرتبة السابقة، فمنجزية هذا العلم فرع أن يكون علماً بالتنجيز أيضاً، و كونه كذلك فرع المنجزية، فيلزم الدور.

كما أنه لو علم إجمالًا بنجاسة أحد الثوبين فتعارض الاصول حيث يكون في موارد العلم الإجمالي بسبب لزوم المخالفة القطعيّة، فلا يلزم هذا المحذور في المقام، فانه لو جرى الأصلان معاً لم تلزم المخالفة القطعية، بل ارتفع بذلك ما هو دخيل في موضوع التكليف حسب الفرض و هو التنجيز.

و منها: لزوم المحذور في المقام في مرحلة استصحاب النجاسة، و لنوضّح الكلام في المقام في صياغة مبنى جعل الحكم المماثل لحكم الموضوع المستصحب، فنقول: إنّ استصحاب النجاسة يكون استصحابا لجزء الموضوع، و يكون الحكم المماثل الثابت باستصحاب جزء الموضوع هو الحكم المعلّق على تحقّق الجزء الآخر، و هذا ما يكون المحقّق النائيني “ره” مُلزماً به حسب مبانيه و إن لم يلتزم به صريحاً، فالحكم المماثل هنا هو المانعيّة على تقدير الجزء الآخر و هو التنجيز، فالاستصحاب يفيد تنجيز المانعيّة على تقدير التنجيز، و من المعلوم أنّه على تقدير التنجيز لا معنىً للتنجيز مرّة ثانية.

[36] – أضواء وآراء ج3ص 165

[37] – وسائل الشيعة؛ ج‌3، ص: 505

[38] – فوائد الاصول ج‏4 ص344

[39] – و لنفرض المغرب ليوم و العشاء ليوم

[40] – أجود التقريرات ج‏2 ص 368

[41] – مصباح الأصول ج‏2 ص 56

[42] – ذكر في المباحث بدل هذا الاحتمال الأخير احتمالا آخر، و هو فرض جعل المانعية للمجموع، فلا مانع من الصلاة في كل منهما وحده و انما لا تجوز الصلاة فيما لو لبسهما معا في الصلاة، و رده بأن لازمه كون المانعية تخييرية فتجوز الصلاة في كل منهما وحده فيما لو كانا نجسين واقعا، و يكون احسن حالا من فرض طهارة احدهما واقعا، حيث ان المانعية فيه تعيينة.

[43] – بحوث في علم الاصول ج6ص 59

[44] – بحوث في شرح العروة الوثقى ج 4ص233

[45] – نهاية الدراية ج5 ص72

[46] – بحوث في علم الاصول ج 6ص 53

[47] – مصباح الاصول ج3ص 55

[48] – مباحث الاصول ج 5 ص 86 و لکن ذکر فی بحوثه في شرح العروة الوثقى ج 3 ص 47 حول جريان استصحاب العدم الازلي في العناوين الذاتية أن التحقيق ان الحيوان اذا تردد بين ان يكون ذئبا أو شاة، أمكن إجراء استصحاب عدم كونه ذئبا، و قد يتوهم: عدم جريان هذه الاستصحابات للإعدام الأزلية في المقام على أساس أن المشكوك عنوان ذاتي و ليس عرضيا، بناء على التفصيل في جريان استصحاب العدم الأزلي بين العناوين الذاتية و غيرها، و يندفع هذا التوهم: بأن موضوع الحكم هو العنوان العرفي للذئب و الشاة مثلا، و لا شك في تقومه بجملة من الخصوصيات العرضية القابلة لاستصحاب العدم الأزلي حتى عند من يقول بالتفصيل المذكور.

و راجع ايضا ج 3 ص 206.

[49] – بحوث في علم الاصول ج6ص 53

[50] – وسائل الشيعة ج1 ص315

[51] – مصباح الاصول ج2 ص 56 موسوعة الامام الخوئي ج 4ص374

[52] – بحوث في شرح العروة الوثقى ج4ص246

[53] – موسوعة الامام الخوئي ج12ص225