فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

ادلة برائة الشرعیه. 1

حديث الحجب.. 1

مناقشات.. 2

المختار. 3

حديث الحل.. 3

رواية مسعدة بن صدقة. 3

ضعف سند الروایة. 3

وجوه وثاقة مسعدة بن صدقة. 3

اكثار الأجلاء الرواية عنه. 7

مرسلة معاوية بن عمار. 7

رواية عبد الله بن سنان عن عبد الله‌ بن سليمان.. 7

رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله.. 8

شبهه اتحاد الروایتین.. 8

القرينة المشتركة. 8

القرينة المختصة بالموثقة. 10

القرينة المختصة بصحيحة عبد الله بن سنان. 17

تنبيه: دلالة حدیث الحل فی الشبهة الوجوبية. 18

عدم اختصاص البراءة بالشبهة الحكمية التحريمية شرعا 19

 

 

 

ادلة برائة الشرعیه

حديث الحجب

الرواية الثانية التي استدل بها على البراءة الشرعية هي ما يسمى بحديث الحجب، فقد روى داود بن فرقد عن ابي الحسن زكريا بن يحيى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم([1])، وقد ادعى السيد الخوئي “قده” في دورته الأخيرة في الأصول تمامية سند حديث الحجب، وان اختار ضعف سند حديث الرفع المشتمل على فقرة ما لايعلمون بجميع طرقه([2]).

مناقشات

وفيه اولاً: أن سند حديث الحجب ضعيف، بجهالة ابي الحسن زكريا بن يحيى، ولم يعلم كونه زكريا بن يحيى الواسطي الذي وثقه النجاشي، حيث ان الكشي ذكر ان كنية الواسطي ابو يحيى، فيبعد اتحاده مع ابي الحسن زكريا بن يحيى الذي وقع في سند هذا الحديث.

وثانيا: ان المنقول في الكافي ان ما حجب الله عن العباد فهو موضوع عنهم([3])، ويحتمل ان يراد به أن ما لا يكون مقدورا فهو موضوع عن المكلف، حيث ان الحجب بمعنى المنع، وفي لسان العرب: كل شيء منع شيئا فقد حجبه كما تحجب الإخوة الأم في الإرث.

ودعوى شمول “ما حجب الله” للحكم المجهول غير متجه، لأن ظاهر الوضع والرفع تعلقهما بفعل المكلف، ما لم يكن قرينة على الخلاف، فان كان في الرواية كلمة “علمه” فتكون قرينة على ارادة الحكم المجهول، ولكن بناء على عدم وجودها فيكون مورد الرواية الفعل.

وثالثا: ما يقال من أن اسناد حجب العلم بحكم شرعي اليه تعالى ظاهر في ما لو كان جهل المكلف مستندا الى عدم بيانه، فلا يشمل ما اذا بيَّنه للناس، ولكن خفي عليهم بسبب ظلم الظالمين ومنعهم عن وصوله الى الناس، فتکون نظير ما روي عن امير المؤمنين (عليه السلام) ان الله سكت لكم عن اشياء، ولم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها([4]).

وما كان يحاول به اثبات موضوع البراءة المغياة بعدم صدور البيان من الشارع من التمسك باستصحاب عدم صدور البيان لا يفيد في المقام، لأنه لا يثبت عنوان الحجب.

وفيه أنه حتى لو خفي علينا الواقع بعد بيان الشارع، بسبب ظلم الظالمين او كتمان العالمين، فمع ذلك يصح أن يقال انه تعالى حجب علمه عنّا بعد أن لم ‌يعطنا القدرة على معرفته، نعم لو اريد من العباد العموم المجموعي فينحصر ذلك في عدم تبيين الشارع، لكن الظاهر ولو بمناسبة الحكم والموضوع كونه انحلاليا، فانه ظاهر المقابلة بين الحجب عن العباد والوضع عنهم، فيكون مثل قوله تعالى “اغسلوا وجوهكم” حيث ان ظاهر المقابلة هو أن كل مكلف يغسل وجه نفسه.

المختار

وبما ذكرنا تبين أنه لا اشكال من هذه الجهة في التمسك بالحديث في الشبهة الموضوعية بعد الفحص، فان الحجب أضيف إليه تعالى بما هو الله، وليس مقيَّدا بحيثية كونه مشرِّعا وجاعلا للاحكام.

حديث الحل

ومما استدل به على البراءة روايات الحل، وهي:

رواية مسعدة بن صدقة

1-           رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة([5]).

ضعف سند الروایة

وقد يضعَّف سند الرواية، لأجل عدم ثبوت وثاقة مسعدة بن صدقة، ولكن هناك عدة محاولات لاثبات وثاقته:

وجوه وثاقة مسعدة بن صدقة

منها: كونه من رجال كتاب كامل الزيارات، فيمكن اثبات وثاقته بناء على نظرية التوثيق العام لرجال كامل الزيارات، لما ذکره ابن قولويه في ديباجة الكتاب من أنا قد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشُذّاذ من الرجال يأثر([6]) ذلك عنهم غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم، فقد استظهر منه جماعة كالسيد الخوئي “قده” ان‌ ابن‌ قولويه صاحب الكتاب قد التزم بأن لا يروي الا ما رواه الثقات، ثم عدل عن ذلك الى اختيار اختصاص التوثيق العام بالمشايخ الذين يروي عنهم ‌ابن‌ قولويه بلا واسطة، وذلك لاشتمال هذا الكتاب على الرواية عن غير واحد من الضعفاء، وكذا كثرة اشتمال اسانيد الروايات فيه على الإرسال، فكيف يشهد‌ ابن‌ قولويه بوثاقة من لا يعرفه ابدا، وكثرة ذلك تكون بحد تأبى عن الحمل على التخصيص.

ولكن الظاهر قصور نفس العبارة المذكورة في ديباجة كامل الزيارات عن شمول مشايخ ‌ابن‌قولويه مع الواسطة، حيث انه يكفي في صدق هذه العبارة أن يلتزم ‌ابن ‌قولويه بأن يروي ما وصل اليه بواسطة الثقات، وان روى هؤلاء الثقات عن اشخاص ضعفاء او مجهولين.

ويشهد علي ذلك أن كلامه لا يختص بما ورد عنهم (عليهم‌السلام) في الزيارات حيث ذكر أنّا لا نحيط بجميع ماروي عنهم في هذاالباب، ولا في غيره، فهل يحتمل في حقه انه لم‌ يكن يحيط الا بما رواه مشايخه عن الثقات، ولم يرووا له عن غيرالثقات رواية ابدا، فيكون هذا قرينة علي انه ناظر الي توثيق خصوص مشايخه.

وأما ما حكي عن بعض السادة الاعلام “دام‌ظله” من أن هذه العبارة لاتدلّ حتى على توثيق مشايخ‌ابن‌قولويه بلاواسطة، بل مفادها انه لم‌يورد في كتابه روايات الضعفاء والمجروحين اذا لم‌يكن قد اخرجها الثقات المشهورون بالحديث والعلم المعبر عنهم بنقّاد الأحاديث كابن الوليد وسعدبن عبدالله واضرابهما، واما لو كان قد اخرج بعض هؤلاء الثقات رواية عن الضعفاء والمجروحين فهو يعتمدها ويوردها في كتابه، وان كان الضعفاء والمجروحون من مشايخه الذين يروي عنهم بلاواسطة، فكأنه يكتفي في الاعتماد على روايات الشُذّاذ من الرجال بايرادها من قبل بعض هؤلاء الأعاظم من نقاد الحديث([7]).

وفيه ان المستفاد من عبارة الديباجة أمران لاعلاقة لأحدهما بالآخر، اولهما: أنه لا يروي الا ما وصل اليه من جهة الثقات، وقد ذكرنا أن القدر المتيقن منه توثيق مشايخه بلا واسطة، وثانيهما: أنه لايذكر في كتابه ما رواه غير المشهورين بالحديث والعلم عن الشُذّاذ من الرجال، فلو فرض انه قد يروي عن الشُذّاذ ما رواه المشهورون بالحديث والعلم عنهم لكنه لايعني ذلك إبطال ما التزم به اولاً من أن لا يروي الا ما وصل اليه من جهة الثقات، فلعل روايته عن الشُذّاذ من الرجال اذا كان قد روى عنهم المشهورون بالحديث والعلم تختصّ بالرواية مع الواسطة، ويشهد على ذلك أنه عبّر بقوله روي عن الشُذّاذ، وظاهره انه لم يسمع منهم مباشرة، فلو كان يرويه عنهم لكان يرويه عنهم مع الواسطة.

على ان التعبير بالشُذّاذ من الرجال لايعني تضعيفهم، وانما مقصوده الاعتذار عن عدم روايته لجميع الزيارات التي قد رويت عن الأئمة (عليهم‌السلام)مع انه قد سمى كتابه بكامل الزيارات، ووجه اعتذاره انه لا يحيط بجميع ما روي عنهم (عليهم‌السلام) في ذلك، ولا في غيره، فلعله يوجد حديث عن الأئمة (عليهم‌السلام)، ولكنه لم‌يورده في كتاب كامل الزيارات لعدم احاطته به، حيث ان راويه اشخاص غير مشهورين بالحديث والعلم، وقد رووا ذلك عن الشُذّاذ من الرجال، فالانصاف تمامية ظهور عبارة الديباجة في توثيق مشايخ‌ ابن‌قولويه بلا واسطة.

ومنها: كونه من رجال تفسير القمي، فيمكن اثبات وثاقته بناء على ثبوت التوثيق العام لرجال تفسير القمي، وقد اختار جماعة كصاحب الوسائل والسيدالخوئي “قدهما” وثاقة رجال التفسير حيث ورد في اول ديباجته “نحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم”.

ولكن لم‌ يثبت لنا تمامية مبنى التوثيق العام لرجال هذا التفسير، فان هذا التفسير الموجود بايدينا ليس بكامله تفسير القمي، حيث روي فيه عن جماعة يحصل الاطمئنان عادة بعدم رواية علي‌بن‌ابراهيم القمي عنهم، فانهم ليسوا في طبقة مشايخ علي‌بن‌ابراهيم القمي مثل احمدبن ‌محمد ‌بن‌ سعيد ‌ابن‌عقدة وجماعة آخرون يقرب عددهم من ثلاثين شخصا، وقد ذكر المحقق آغا بزرك الطهراني “قده” اسماءهم في كتاب الذريعة، هذا ومن جهة أخرى أنه قد نقل السيد شرف الدين الحسيني الاسترابادي المتوفى سنة965 في كتاب تأويل الآيات الظاهرة، روايات كثيرة عن تفسير القمي، ولا توجد في هذا التفسير الذي بايدينا، ومع هذا الاضطراب والاختلاف فلا يمكن تصحيح هذا التفسير الموجود بايدينا وانتسابه الى القمي.

هذا والمهمّ انه لا يستفاد من هذا التفسير الموجود بايدينا ان التوثيق العام المذكور في مقدمة التفسير هو من كلام علي‌بن‌ابراهيم القمي، لانه بعد انتهاء هذه المقدمة يقول حدثني ابوالفضل العباس ‌بن‌محمد بن القاسم ‌بن‌حمزة‌ بن‌موسى‌ بن‌جعفر قال حدثنا على ‌بن‌ابراهيم…([8])، فمن المحتمل جدا أن يكون المقدمة لابي‌الفضل العباس او احد تلامذته، ولا اعتبار بتوثيقهما لجهالة امرهما.

وأما ما قد يقال من أن صاحب الوسائل قد نقل هذه العبارة عن تفسير القمي، ولصاحب الوسائل طريق صحيح الى هذا الكتاب، فقد أقمنا في البحث عن سند رواية القطب الراوندي في كتاب التعارض شواهد على عدم طريق حسي لصاحب الوسائل الى النسخ التي كانت بيده، فراجع.

ومنها: ما قد يقال باتحاده مع مسعدة بن زياد الذي الذي وثقه النجاشي بقوله “ثقة عين”، وقد حكى ذلك عن السيد البروجردي “قده”، وأنه قال انه مسعدة بن صدقة بن زياد فقد ينسب الى ابيه، وقد ينسب الى جده، وقد روى في الكافي رواية عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن زياد، لكن من الواضح كونه خطأ قطعا، فيكون “عن” مصحَّف “بن” كما هو المنقول عن بعض نسخ الكافي([9])، وقد اختار بعض الاجلاء “دام ظله” اتحادهما([10])، ويذكر على ذلك شواهد، وقد صُنِّف كتاب في ذلك([11])، ومن جملة تلك الشواهد رواية هارون بن مسلم عن كل منهما، ولكن الذي يبعد اتحادهما ذكرهما متعددا في رجال النجاشي ورجال الشيخ الطوسي وفهرسته، وما ذكر لكل منهما من خصوصيات تختلف عن الآخر، ففي رجال النجاشي: مسعدة بن صدقة العبدي‌ يكنى أبا محمد. قاله ابن فضال وقيل يكنى أبا بشر. روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) له كتب، منها: كتاب خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) أخبرنا ابن شاذان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر قال: حدثنا هارون بن مسلم عنه، ثم قال: مسعدة بن زياد الربعي‌: ثقة، عين، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) له كتاب في الحلال والحرام مبوّب. أخبرنا محمد بن محمد قال: حدثنا أحمد بن محمد الزراري قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال: حدثنا هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد بكتابه.

وذكر الشيخ في رجاله في اصحاب ابي جعفر (عليه السلام): مسعدة بن صدقة، عامي، ثم ذكر: مسعدة بن زياد، كما ذكر في اصحاب ابي عبد الله (عليه السلام) مسعدة بن صدقة العبسي‌ (العبدي ظ) البصري، أبو محمد، ثم ذكر: مسعدة بن زياد الكوفي، وذكر في الفهرست: مسعدة بن صدقة‌، له كتاب، و‌مسعدة بن اليسع‌، له كتاب، و‌مسعدة بن زياد‌، له كتاب، و‌مسعدة بن الفرج الربعي‌، له كتاب، أخبرنا بذلك كله جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن الحسن عن عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم عنهم.

فترى أنه ذكر عن ابن صدقة أنه بصري وعن ابن زياد أنه كوفي، وذكر أن للاول كتبا منها كتاب خطب امير المؤمنين، وللثاني كتاب الحلال والحرام، وأما تعبير النجاشي عن الاول بالعبدي وعن الثاني بالربعي فان الامر في الروايات بعكس ذلك، حيث ورد فيها توصيف مسعدة بن صدقة بالربعي وهو الموافق لما في مشيخة الفقيه، وكذا توصيف مسعدة بن زياد بالعبدي، وقد يجعل هذا التبادل في اوصافهما قرينة على اتحادهما، لكنه كما مرّ مشكل جدا.

اكثار الأجلاء الرواية عنه

فالعمدة في اثبات وثاقة مسعدة بن صدقة اكثار الأجلاء الرواية عنه في الأحكام الشرعية الإلزامية مع عدم ورود قدح في وثاقته، وهذا يورث الاطمئنان بوثاقته لديهم.

مرسلة معاوية بن عمار

2-           مرسلة معاوية بن عمار عن رجل من أصحابنا قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فسأله رجل عن الجبن فقال أبو جعفر (عليه السلام) إنه لطعام يعجبني، فسأخبرك عن الجبن وغيره، كل شي‌ء فيه الحلال والحرام، فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام فتدعه بعينه([12]). لكن الرواية مرسلة، ولعل من ارسل عنه هو عبد الله بن سليمان بقرينة الرواية الآتية، وهو لم ‌يثبت توثيقه.

رواية عبد الله بن سنان عن عبد الله‌ بن سليمان

3- رواية عبد الله بن سنان عن عبد الله‌ بن سليمان قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن فقال لقد سألتني عن طعام يعجبني، ثم أعطى الغلام درهما، فقال يا غلام ابتع لنا جبنا ثم دعا بالغداء، فتغدينا معه فأتي بالجبن فأكل، وأكلنا، فلما فرغنا من الغداء، قلت ما تقول في الجبن، قال أ ولم ترني آكله، قلت بلى، ولكني أحبّ أن أسمعه منك، فقال سأخبرك عن الجبن وغيره، كلّ ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه([13]).

ولكن سند الرواية لا يخلو عن اشكال، لعدم ورود توثيق في حق عبد الله بن سليمان.

رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله

3-           رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه([14]).

شبهه اتحاد الروایتین

وهذه الرواية سندها تام، والاشكال بأنه بعد اتحاد مضمونها مع الرواية السابقة التي رواها نفس عبد الله بن سنان عن عبد الله بن سليمان، فيحتمل قويا سقط اسم عبد الله بن سليمان عن سندها، مدفوع، بأن المروي عنه في هذه الرواية هو الامام الصادق (عليه السلام)، بينما أن المروي عنه في الرواية السابقة الامام الباقر (عليه السلام).

وقد استدلّ الشيخ الأعظم “ره” على البراءة في الشبهة الحكمية برواية عبد اللَّه بن سليمان ورواية عبد اللَّه بن سنان دون رواية مسعدة بن صدقة، ولعله رآها مختصة بالشبهات الموضوعية فلم يستدلّ بها على البراءة في الشبهة الحكمية، بينما أن صاحب الكفاية “ره” تمسك للبراءة في الشبهة الحكمية برواية مسعدة بن صدقة، دون تلك الروايتين، ولعله لاجل اختصاصهما بالشبهات الموضوعية، والصحيح اختصاص الجميع بالشبهات المصداقية.

وتوجد على ذلك قرينة مشتركة، وقرينة مختصة بكل واحدة من هذه الروايات.

القرينة المشتركة

أما القرينة المشتركة فهي وجود لفظ “بعينه” في تلك الروايات، فان الظاهر منه كون غاية الحلّ هو العلم التفصيلي بالحرام، وعدم كفاية العلم الاجمالي بوجود حرام في ما ايدي الناس، والذي يكون من الشبهة غير المحصورة، او يكون بعض اطرافها خارجا عن محل الابتلاء، ومن الواضح أن هذا يوجب انصراف الرواية الى الشبهات الموضوعية.

وقد حكي عن المحقق النائيني “قده” أنه قال: انّ معرفة الشي‏ء بعينه إنّما يكون في الموضوعات الخارجية، ولا معنى لأن يقال: حتى تعرف الحكم بعينه([15]).

ولكن قد يجاب عن ذلك اولاً: بأن لفظ “بعينه” يصلح ان يكون للتأكيد، كما يقال “لا تفعل كذا حتى تلقى زيدا بعينه” للتأكيد على عدم كفاية لقاء غيره كلقاء من يتعلق به كوالده او ولده، فيراد في الموثقة التأكيد على أن الرافع لقاعدة الحل في مشكوك الحرمة انما هو معرفة أنه حرام، فلا يكفي معرفة كون شيئ آخر حراما، مما يكون هذا المشكوك من مقارناته وتوابعه، وهذا يأتي حتى في الشبهة البدوية.

وثانيا: انه لو فرض كون ظاهر هذا اللفظ بيان لزوم العلم التفصيلي، وعدم كفاية العلم الاجمالي بالحرام، فلا يوجب ذلك اختصاص الموثقة بالشبهات الموضوعية، بل يكون مقتضى عمومها جريان قاعدة الحل حتى في الشبهات الحكمية المقرونة بالعلم الاجمالي، وحينئذ فان قلنا بامتناع الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال او قلنا بانصراف دليل الترخيص عنه عقلاء، فلابد من الالتزام بخروج الشبهة المحصورة التي تكون جميع اطرافها داخلة تحت ابتلاء المكلف عن هذا العموم، ولا فرق في ذلك بين الشبهات الموضوعية والحكمية، او الالتزام بكون الترخيص في ارتكاب اطراف العلم الاجمالي مشروطا بعدم ارتكاب جميع الأطراف.

اقول: الانصاف عدم تمامية أي من الجوابين، أما الجواب الأول فلأن ظاهر التعبير بمعرفة أنه حرام بعينه هو بيان عدم كفاية العلم الاجمالي بالحرام، واحتمال كونه احترازا عن معرفة كون المشكوك من توابع الحرام خلاف الظاهر جدا، فانه لا يحتمل عرفا كون ذلك رافعا لقاعدة الحلّ فيه، حتى يبيّن عدمه، فلا يقاس بمثال “لا تفعل كذا حتى تلقى زيدا بعينه”، كما أن احتمال احترازيته عن الظنّ خلاف الظاهر، فان الظاهر رجوع الضمير في “بعينه” الى الشيء لا الى العلم والمعرفة.

وأما ما قد یقال من أن عدم ذكر كلمة بعينه في ذيل موثقة مسعدة بن صدقة في قوله “و الاشياء كلها على هذا –أي على الحلية- حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة” قرينة على كونها في الصدر للتاكيد، والا فلو اريد به الاحتراز لكان ينبغي المجيء به في الذيل ايضا، فيرد عليه ان ظاهر قوله “حتى تعلم أنه حرام” هو العلم التفصيلي فكون الاتيان بلفظة “بعينه” للاحتراز عن العلم الاجمالي لا يعني أنه لو لم يأت بها لكان الكلام ظاهرا في الاعم من العلم الاجمالي والتفصيلي، بل اثر الاتيان بهذه اللفظة التنصيص على عدم كفاية العلم الاجمالي، فلا يضر خلو الذيل عنه، خصوصا مع عدم اشتمال الذيل أي قوله “حتى يستبين لك غير ذلك” على العلم بالحرام، كي يكون صالحا للتاكيد بلفظة “بعينه” وانما يشتمل على العلم بالحرمة، فيختلف عن قوله “حتى تعلم أنه حرام”.

وأما الجواب الثاني فلأنه لا يبعد أن تكون غلبة الابتلاء بالشبهات الموضوعية التحريمية بنحو الشبهة غير المحصورة او المحصورة التي يكون بعض اطرافها خارجا عن محل الابتلاء موجبة لقوة احتمال أن يراد من لفظ “بعينه” الاحتراز من تلك الشبهات، فلا ينعقد ظهور في الموثقة بالنسبة الى الشبهات الحكمية.

القرينة المختصة بالموثقة

وأما القرينة المختصة بالموثقة فهي أمران:

احدهما: كون تمام الامثلة فيها من الشبهات الموضوعية، فانها مما يصلح للقرينية لأن يكون الغرض من بيانها كونها لتبيين القاعدة، لا مجرد ذكر أمثلة، فلا ينعقد العموم في الرواية للشبهات الحكمية.

وثانيهما: ورود لفظ “البينة” فيها في قوله “والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة” حيث يقال بظهوره في شهادة عدلين، ولا اشكال أن موردها الموضوعات، والا ففي الاحكام الكلية لا خصوصية لشهادة عدلين جزما.

وقد اجاب السيد الخوئي “قده” عن هذه القرينة بأنه لم‌ يظهر من رواية مسعدة ارادة شهادة عدلين من لفظ البينة، بل الظاهر منه مطلق ما يبيِّن الواقع، كما ورد في قوله تعالى: لم ‌يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين منفكّين حتى تأتيهم البينة([16])، وكما ورد من أن اكل الربا بعد البينة من الكبائر([17])، ومن مصاديق البينة خبر الثقة في الأحكام، بل الموضوعات.

وقد اورد عليه بأنه لا ينبغي الاشكال في ظهور كلمة البينة الصادرة عن الصادق والائمة المتأخرين (عليهم‌السلام) في ارادة شهادة عدلين، كما يظهر ذلك بالتتبع في الروايات([18]).

اقول: اليك جملة من الروايات:

1- اذا رأيتم الهلال فأفطروا، او شهد عليه بينة عدل من المسلمين([19]).

2- ولم تجئكم فيه بينة رؤية فلا تصوموا([20]).

3- رجل كان له مال فأدانه بغير بينة، يقول الله عزوجل أ لم آمرك بالشهادة([21]).

4- لأن إقرارها على نفسها بمنزلة البينة([22]).

5- انماجعلت البينة في النكاح من أجل المواريث([23]).

6- ان البينة بينة الرجل، ولا تقبل بينة المرأة([24]).

7- ان قامت لها بينة عدل([25]).

8- ان كان لها بينة فشهدت([26]).

9- أ رأيت إن أقامت بينة الى كم كانت تحتاج، فقلت شاهدين([27]).

10- إن كانت عليه بينة عادلة([28]).

11- الرجل يأتي القوم فيدعي دارا في أيديهم ويقيم البينة ويقيم الذي في يده الدار البينة أنه ورثها عن أبيه قال:أكثرهم بينة يستحلف وتدفع اليه([29]).

12- اقام كل واحد منهما بينة سواءً في العدد([30]).

13- أ لك بينة او برهان([31]).

14- عن أَبي عبد اللَّه (عليه‌السلام) قال أُتِيَ عمر بن الخطّاب بجارية قد شهدوا عليها أَنها بغت، وكان من قصَّتها أنها كانت عند رجل، وكان الرَّجل كثيراً ما يغيب عن أهله فشبّت اليتيمة فتخّوفت المرأة أن يتزوَّجها زوجها، فدعت نسوة حتّى أمسكوها، فأَخذت عذرتها بإصبعها، فلمَّا قدم زوجها من غيبته رمت المرأة اليتِيمة بالفاحشة، وأقامت البينة من جاراتها اللاتي ساعدنها على ذلك([32]).

15- والبينة لا تعرف المتاع([33]).

16 – فانه لم ‌يقم عليه البينة وانما تطوع بالاقرار على نفسه([34]).

17- اذا اقرَّ الزاني المحصن كان اول من يرجمه الإمام ثم النَّاس فإذا قامت عليه البينة كان أَوّل من يرجمه البيِّنة ثم الامام ثم الناس([35]).

18- فجائت البينة فشهدوا عليك([36]).

19- لا تعقل العاقلة الا ماقامت عليه البينة، قال فأتاه رجل فاعترف عنده، فجعله في ماله خاصة ولم يجعل على العاقلة شيئاً([37]).

فترى بوضوح انه اريد من البينة في هذه الروايات شهادة الشهود، وجعلت في قبال الاقرار والبرهان، بل احتمال كون البينة بمعنى شهادة عدلين كافٍ في كونه من احتمال القرينة المتصلة، وأما اصالة عدم النقل فهو غير جار عقلاءا، او مشكوك الجريان فيما علم بالنقل، وشك في تقدمه وتأخره، أما الاستصحاب الشرعي فهو اصل مثبت، حيث انه من استصحاب الظهور التصوري لاثبات الظهور التصديقي لهذا الخطاب.

هذا ويمكن أن يستشهد على عدم كون لفظ البينة بمعنى مطلق ما يبين الواقع، بقوله (عليه السلام) “حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة” فانه لو اريد منه ذلك لم يبق وجه عرفي للتقابل بين الاستبانة وقيام البينة، وحمل الاستبانة على ما لو تبين بنفسه أنه حرام، وحمل قيام البينة على ان يقوم عليه مبين خارجي على انه حرام، بعيد جدّا، وكذا حمل الاستبانة على العلم الوجداني، وحمل البينة على ما يبيِّن الواقع تعبدا، كخبر الثقة ونحوه.

و ربما يستشهد على كون البينة بمعنى شاهدين عدلين بأن الاقرار على الاختية بعد الزواج غير مسموع، وان كان قبل الزواج مسموعا، مع أن الاقرار ما يبيِّن الواقع، فهذا يدل على ان البينة بمعنى شهادة عدلين، ولكن يرد عليه أنه بعد عدم اعتبار هذا الاقرار فهو لم يكن ما يبين الواقع فلم يكن مصداقا للبينة.

هذا كله على تقدير تسليم دلالة هذه الموثقة على قاعدة الحلّ، لكن يوجد هنا شبهة قوية، وهي أن الامثلة التي ذكرت فيها ليست من موارد جريان قاعدة الحلّ، فانه في مثال الثوب المشكوك كونه سرقة فلولا جريان قاعدة اليد لكان مقتضى الاستصحاب الحاكم على قاعدة الحل هو عدم تحقق النقل والانتقال، بل عدم ملكية البايع له، فلا يكفي في حلية تصرف المشتري فيه رضى البايع بتصرفه، ونظيره المثال الثاني، فانه لولا قاعدة اليد في بايع المملوك الذي يريد الانسان شراءه ويحتمل أنه خدع فبيع قهرا، وحجية الاقرار ايضا في ما لو احتمل أنه حر قد باع نفسه، كان مقتضى الاستصحاب عدم ملكيته وحرمة التصرف فيه تصرف المُلّاك، كما أنه في المثال الثالث وهو الشك في كون المرأة التي تزوج بها اخته النسبية او الرضاعية لو لم يكن في البين اصل موضوعي حاكم لكان مقتضى الاصل الحكمي استصحاب عدم تحقق الزوجية واستصحاب حرمة الاستمتاع منها، وهو حاكم على قاعدة الحل، لو فرض جريانها في حد نفسها في الفروج، والاصل الموضوعي الحاكم هو استصحاب عدم كونها اختا نسبية بنحو الاستصحاب في العدم الأزلي او اختا رضاعية بنحو الاستصحاب النعتي (حتى لو احتمل ارتضاعه من امها قبل ولادتها، فان استصحاب عدم ارتضاعه منها يثبت شرعا عدم كونها اختا رضاعية له، بلاحاجة الى استصحاب عدم كونها اختا رضاعية له حتى يقال بكونه استصحابا في العدم الازلي في هذا الفرض).

فليست الحلية في شي‏ء من الأمثلة المذكورة مستندة إلى قاعدة الحل، وهذا يشكِّل قرينة على كون المراد من الحل فيها غير قاعدة الحل، بأن يكون عنوان مشيرا الى سائر القواعد التي تكون نتيجتها الحلية، كقاعدة اليد او الاقرار او الاستصحاب الموضوعي.

ودعوى أنه حيث يكون المسلك الصحيح جريان جميع الأصول الطولية المتوافقة في النتيجة فمع جريان تلك القواعد الأخرى لا مانع من جريان قاعدة الحل ايضا، غير متجهة، فان ظاهر الموثقة أن منشأ الحلية هو قاعدة الحل وحدها، لا القاعدة بضم عدم جريان الأصل الحاكم عليها.

ولأجل هذه الشبهة حكي عن بعض الأعلام “قده” أنه يمكن أن يكون جملة “هو لك” صفة لجملة “كلّ شي‏ء”، فيكون المعنى أنّ كلّ شي‏ء يكون هو لك وتحت يدك، حلال، فاذا كان ثوب تحت يدك، أو عبد تحت يدك، أو امرأة تحت يدك وشككت بأنّ الثوب سرقة أو العبد حرّ، أو المرأة اختك أو رضيعتك فيحكم بكون الثوب والعبد ملكاً لك والمرأة زوجتك بمقتضى يدك عليها([38]).

وذكر السيد الامام “قده” نظير ذلك، حيث قال: أنه يمكن أن يقال: إنّ‌ المراد منه أنّ كلّ شي‌ء هو لك أي يختصّ بك بأن يكون تحت يدك أو تحتك، فهو حلال، لا سيّما وأنه لم يقل “كل شيء فهو لك حلال”، وحينئذٍ تندرج الأمثلة المذكورة تحت هذه الكبرى، وعليه فتكون الرواية أجنبيّة عن أصل الحلّ([39])، وذكر ايضا: لعلّ منشأ الحكم فيها قاعدة اليد، فإنّها لاتنحصر على مورد الشكّ في ملكيّة الأعيان، بل الاستيلاء واليد على كلّ شي‌ء أمارة عقلائيّة على ملكيّته له بالمعنى الأعم، فمن استولى على موقوفة بعنوان التولية عليها ويعمل عملها معها يبني العقلاء على ولايته وأن يده واستيلاءه أمارة عليها، ومن استولى على امرأة استيلاء زواج يحكم العقلاء بكونها زوجته ويعمل معها معاملة زوجيّته الواقعيّة من غير اعتناء باحتمال أنّها أخته أو رضيعته، وهذا بالنسبة إلى استيلاء الغير واضح، والظاهر أنّه كذلك لو شكّ المستولي بعد استيلائه، سيّما مع معاملته مع‌ المستولى عليه معاملة الملكيّة أو الزوجيّة، فمن كانت تحته امرأة يعامل معها معاملة الزواج، ثمّ شكّ في أنّها أخته أو رضيعته لا يعتني به، لأنّ الاستيلاء الزواجي كاشف عن زوجيّته، ولو اعتنى بشكّه يعدّ مخالفا لطريقة العقلاء، وكيف كان ليس شي‌ء من الأمثلة مورد جريان أصالة الحلّ([40]).

والانصاف أن ما ذكره خلاف ظاهر قوله “كل شيء هو لك حلال”، خاصة بقرينة ما ورد في ذيلها من قوله “و الأشياء كلها على هذا…”، حيث لم يقل “والاشياء التي هي لك على هذا”، كما لم نعرف وجه استشهاده بأنه لم يقل “كل شيء فهو لك حلال” فان الفاء انما تدخل على الجزاء المذكور عقيب الشرط كقوله “كل شيء يطير فلا باس ببوله” دون المحمول لموضوع مدخول لاداة العموم، كما في قوله تعالى “و كل انسان الزمناه طائره في عنقه” و”كل من عليها فانٍ”.

وذكر في البحوث ايضا أن الذي يقوى في النفس أن المقصود النظر إلى مرحلة البقاء وأن ما أخذه المكلف وكان حلالا له على أساس قاعدة شرعية يبقى حلالا، ولا ينبغي ان يوسوس فيه وفي مناشئ حصوله حتى يستبين خلافه أو تقوم به البينة، وبهذا تكون أجنبية عن البراءة([41]).

وفيه أن مآل ما ذكره الى التأكيد على العمل بسائر القواعد المقتضية للحل وعدم الوسوسة، وهذا خلاف الظاهر جدا.

هذا وقد ذكر صاحب الكفاية في حاشيته على الرسائل في الجواب عن هذه الشبهة أن ذكر هذه الأمثلة في الموثقة ليس من باب ذكر مصاديق قاعدة الحل، وانما من باب ذكر نظائر لتلك القاعدة فهو من باب التنظير لا التطبيق.

وفيه أن هذا خلاف الظاهر جدا كما لايخفى، لأنه لايناسب ذكر كبرىً، ثم بيان أن ذلك مثل كذا وكذا، مع عدم كون تلك الأمثلة مصاديق لها، بل كانت مصاديق لكبرى أخرى غير مذكورة في الخطاب، و لا يتم ما قد يقال من جريان قاعدة الحل في عَرض جريان قاعدة اليد واستصحاب عدم الرضاع، حيث ان ظاهر الموثقة ان الذي يحلّ المشكل هو قاعدة الحلّ، مع أنه على هذا القول يكون جريان القاعدة الحل فرع جريان قاعدة اليد النافي للاستصحاب المخالف.

ولا يخفى ان اجمال التمثيل يوجب الاجمال في صدر الرواية.

والصحيح في الجواب عن هذه الشبهة أن يقال: ان الموثقة في مقام ابراز حلية ناتجة من قواعد مختلفة جارية في الشبهات الموضوعية التحريمية، ويكون موارد جريان الاصل الحاكم على قاعدة الحلّ بمنزلة المخصص لهذه الموثقة.

وهذا قريب مما ذكره المحقق العراقي “قده” من انه انما يتم الاشكال لو كان مفاد الموثقة إنشاء الحلية في الأمثلة المذكورة بعنوان قاعدة الحل في مشكوك الحرمة، وإلّا فبناء على كونها بصدد الاخبار عن إنشاءات الحلية في الموارد المزبورة بعنوانات مختلفة من قاعدة اليد والاستصحاب ونحوهما من العناوين التي منها عنوان مشكوك الحل، غير انه جمع الكل ببيان واحد فلا يرد اشكال([42]).

وقد اورد عليه في البحوث بأنه خلاف الظاهر، لا لمجرد ظهور الجملة في الإنشاء لا الاخبار، بل من أجل قوة ظهورها في أنها في مقام إعطاء قاعدة كلية بنكتة واحدة للتطبيق على‏ الموارد المختلفة بحيث يستفيد السامع منها في مجال التطبيق، وهذا لا يناسب مع كون القضية إخبارية تجمع قواعد متعددة لايمكن ان يرجع إليها المكلف في مجال التطبيق، وعلى فهم المحقق العراقي “قده” لا يمكن أن يستفاد من الرواية قاعدة الحلّ، اذ ليست في مقام جعل الحلية لمشكوك الحرمة، كما أنه ليس في تلك الأمثلة ما يكون موردا لقاعدة الحل([43]).

وفيه أن ظاهر الروايات الواردة عن الأئمة (عليهم السلام) ليس هو انشاء الحكم، وانما هو بيان الحكم المنشأ من قبله تعالى، والحكاية عنه، وأما ما ذكره من كونه خلاف ظاهر كون مفادها حكما واحدا وبنكتة واحدة، فهو ولو تم في نفسه، لكن يرفع اليد عن هذا الظهور لاقتران الخطاب بتلك الأمثلة، فلا يقاس المقام بما سيأتي في الاستدلال بالبراءة باستصحاب عدم التكليف من أنه بناء على مسلك من يرى حكومة اصل الاستصحاب على اصل البراءة، ولو كانا متوافقين في النتيجة، كما عليه السيد الخوئي “قده”، فقد يقال بأنه لا يبقى للدليل الدال على أصل البراءة، كحديث الرفع، الا مورد نادر كتوارد الحالتين، وقد اجاب عنه السيد الخوئي “قده” بأن حديث الرفع لا يدلّ على اكثر من التأمين في الشبهات، ولا يبيِّن نكتة ذلك، ولعل نكتته في أغلب الموارد هو التأمين بنكتة الاستصحاب([44])، واورد عليه في البحوث بأن هذا خلاف ظاهر أدلة البراءة، فانها قوية الدلالة على أن التأمين المجعول فيها انما هو بملاك الشكّ وعدم العلم بالتكليف لا بملاك سبق عدم التكليف([45]).

وأما ما ذكره من أنه بناء على ما ذكره المحقق العراقي “ره” فلا يوجد عموم في الرواية يرجع اليه لاثبات الحلية في مشكوك الحرمة، اذا لم‌ يجر في موردٍ قاعدة ثابتة بدليل آخر، فهذا مما لم ‌يفهم وجهه، فان نفس الرواية دليل اثباتي على وجود قاعدة ما في جميع موارد مشكوك الحرمة تكون نتيجتها الحلية الظاهرية، نعم لو كان هناك اصل منجز للتكليف يكون حاكما على قاعدة الحلّ فلأجله نرفع اليد عن عموم الحلية الظاهرية في مشكوك الحرمة كما في استصحاب عدم تذكية الحيوان المشكوك تذكيته او استصحاب عدم كون السمك ذا فلس –بناء على جريان الاستصحاب في العدم الازلي- او استصحاب عدم اذن المالك في التصرف في ملكه او استصحاب عدم بيعه، ونحو ذلك.

فالحاصل تمامية دلالة موثقة مسعدة على ثبوت أصالة الحلّ في مشكوك الحرمة، وان كانت مختصة بالشبهات الموضوعية.

هذا كله بلحاظ القرائن المختصة بموثقة مسعدة بن صدقة الموجبة لاختصاصها بالشبهات الموضوعية.

القرينة المختصة بصحيحة عبد الله بن سنان

وأما القرينة المختصة بصحيحة عبد الله بن سنان الموجبة لاختصاصها بالشبهة الموضوعية ما يقال من أن قوله “كل شيء فيه حلال وحرام” ظاهر في التقسيم الفعلي كالجبنّ الذي يعلم الانسان عادة بوجود قسم حرام منه في السوق بالفعل، وهو ما استخدم فيه النجس، وقسم حلال، وهو ما لم يستخدم فيه النجس، ويشكّ في كون هذا الفرد المبتلى به هل هو من القسم الحرام او القسم الحلال، فلا يشمل الشبهة الحكمية، كشرب التتن المشكوك الحرمة، وحمله على الترديد والاشتباه بأن يمكن أن يكون المشكوك حراما او حلالا خلاف الظاهر.

وما يقال من شموله لمثل الشك في حرمة لحم الارنب حيث ان اللحم له قسم حرام كلحم الخنزير، وقسم حلال كلحم الشاة، ويشك في لحم الارنب أنه هل هو من القسم الحلال او الحرام، وحينئذ فبالغاء الخصوصية يتعدى الى سائر موارد الشبهة الحكمية، ففيه أن ظاهر الحديث أن يكون منشأ الشك هو وجود حرام وحلال في افراد طبيعةٍ خارجا، ويشكّ في كون ما ابتلي به من الحرام ام لا، بينما أن منشأ الشك في حرمة لحم الارنب فقد النصّ، دون انقسام اللحم بالفعل الى الحرام والحلال.

وما يقال من أنه قد يكون منشأ الشك في الشبهة الحكمية ايضا قد يكون انقسام الطبيعة الى الحرام والحلال، وذلك كما في مورد اجمال عنوان القسم الحرام والحلال من طبيعة مثل ما لو دل الدليل على جواز اكرام العالم العادل وحرمة اكرام العالم الفاسق، وشكّ في كون مرتكب الصغيرة فاسقا او عادلا، فإن انقسام العالم إلى من يحرم اكرامه ومن يجوز اكرامه صار منشأ للشك في حرمة اكرام العالم المرتكب للصغيرة، فاذا ثبت جريان قاعدة الحل في هذا القسم من الشبهات الحكمية فيتعدى الى بقية اقسام الشبهة الحكمية بعدم الفصل.

فيرد عليه أن هذا الفرض لأجل ندرته لا يمنع من ظهور قوله “فيه حلال وحرام” في اشتباه الحرام بغيره خارجا وبنحو الشبهة الموضوعية.

هذا وقد ذكر المحقق النائيني “قده” أن الشيئية تساوق الوجود، فظاهر لفظ الشي‏ء هو الموجود الخارجي، وحيث لا يمكن انقسام الموجود الخارجي إلى الحلال والحرام، فلا محالة يكون المراد من التقسيم الترديد، فيكون المراد من قوله “فيه حلال وحرام” هو احتمال الحلية والحرمة، فيشمل الشبهة الحكمية أيضا.

واجاب عنه السيد الخوئي “قده” أولاً: بأن لفظ الشي‏ء موضوع للمفهوم المبهم العام لا للموجود الخارجي، ولذا يستعمل في المعدومات، بل في المستحيلات، فيقال هذا شي‏ء معدوم، وهذا شي‏ء مستحيل.

وثانيا: انه على تقدير التنزل وتسليم أن المراد منه الموجود الخارجي نلتزم بالاستخدام في الضمير في قوله “فيه حلال وحرام” فيكون المراد أن كل موجود خارجي، في نوعه يكون قسم حلال وقسم حرام، فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام منه بعينه، والقرينة على هذا الاستخدام هو نفس التقسيم، باعتبار أن الموجود الخارجي غير قابل للتقسيم، فلا محالة يكون المراد انقسام نوعه، فتكون الرواية مختصة بالشبهات الموضوعية([46]).

اقول: الظاهر من الرواية معنى آخر غير الترديد وغير انقسام نوعه، وهو انقسام نفسه، فلوحظت افراد الطبيعة كأنها أجزاء لشيء واحد، فالأجبان الموجودة في السوق لوحظت كأنها شيء واحد، وباعتبار ذلك قيل: حيث ان الجبن شيء فيه حلال وحرام فهو أي الجبن حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه، والقرينة على ذلك ظهور “فيه حلال وحرام” و”الحرام منه” على احتواء ما يحكم بحليته الظاهرية على الحرام والحلال بالفعل، فتكون الرواية واردة في مورد العلم الاجمالي، وان لزم حملها بموجب المقيد اللبي المتصل من حكم العقل او ارتكاز العقلاء او بموجب المقيد اللفظي المنفصل -كموثقة عمار حيث قال (عليه السلام) في ماءين وقع في احدهما قذر: يهريقهما ويتيمم- على الشبهة غير المحصورة او الشبهة المحصورة التي يكون بعض اطرافها خارجا عن محل الابتلاء.

تنبيه: دلالة حدیث الحل فی الشبهة الوجوبية

ان حديث الحل ان تمت دلالته على البراءة في الشبهات الحكمية، فمورده وان كان هو الشبهة التحريمية، لكن ذكر صاحب الكفاية أنه يتعدى منها الى الشبهة الوجوبية لعدم الفصل، ثم ذكر أنه حيث يكون ترك الواجب محرما فيمكن تطبيق الحديث على ترك مشكوك الوجوب.

عدم اختصاص البراءة بالشبهة الحكمية التحريمية شرعا

اقول: ان التمسك بعدم الفصل هو الصحيح، لعدم احتمال اختصاص البراءة بالشبهة الحكمية التحريمية شرعا، دون الوجوبية، وان كان يحتمل العكس، بأن تختص البراءة بالشبهة الموضوعية التحريمية والشبهة الوجوبية، دون الشبهة الحكمية التحريمية، فيجب فيها الاحتياط، كما قد يستفاد من بعض الروايات، وعليه مشهور الاخباريين كصاحب الوسائل.

ان قلت: ان التمسك بعدم الفصل يعني التمسك بلوازم الدليل، وهذا انما يتم فيما لو كان الدليل من الأمارات، وأما ان كان الدليل من الاصل العملي فيكون اثبات لازمه من الاصل المثبت.

قلت: الدليل على البراءة في الشبهة التحريمية هو رواية مسعدة مثلا، وهي من الامارات التي تكون مثبتاتها حجة، فيثبت بها ما هو لازم تلك البراءة وهو البراءة في الشبهة الوجوبية، وما هو المعروف من عدم حجية لوازم الاصل انما يراد به أن الواقع اذا ثبت بالاصل العملي فلا يثبت به ما هو لازم عقلي للواقع، كما لو كان مواضع وضوءه نجسة وشك بعد الوضوء في أنه هل طهّرها قبله أم لا؟، فقاعدة الفراغ وان اثبتت صحة الوضوء تعبدا لكن لاتثبت لازم صحته الواقعية وهو طهارة جسده، نعم لو كان بين الحكم الظاهري بصحتها والحكم الظاهري بطهارة جسده ملازمة، اثبت دليل الحكم الظاهري الاول -وهو روايات قاعدة الفراغ- الحكم الظاهري الثاني بعد حجية مثبتات تلك الروايات.

وأما تطبيق حديث الحل على ترك الواجب ففيه أن موضوع الحديث هو الشيء ولا يصدق عرفا على ترك الواجب، وان كان ترك الواجب محرما عرفا، وان لم نقل باقتضاء الامر بالشيء للنهي الغيري عن ضده.

هذا ومن جهة أخرى ان الظاهر من الشيء الذي هو موضوع قاعدة الحل هو الأعيان الخارجية، والحرمة وان كانت وصفا للفعل ولكن اذا كانت المنافع المعتد بها للشيء حراما يصح أن يقال ان نفس الشيء حرام

فلا يشمل الشك في حلية فعلٍ كالتورية، ويظهر ذلك من الامثلة المذكورة في رواية مسعدة حيث ورد فيها “و ذلك مثل الثوب…او عبد…او امرأة…، ورواية عمار ورواية عبد الله بن سليمان، حيث ورد فيهما “سأخبرك عن الجبن وغيره”، وأما صحيحة عبد الله بن سنان فهي وان لم تشتمل على مثالٍ، لكن الظاهر اتحاد مضمونها مع روايتي عمار وعبد الله بن سليمان.

 

 



[1] -التوحيد ص413-وسائل الشيعة ج27ص163

[2] – شريط بحث الأصول، الدرس 622

[3] – الكافي ج1ص64

[4] – نهج البلاغة حكمة105

[5] – وسائل الشيعة ج‌17 ص 89

[6] – هكذا في البحار ج1ص75 وهذا اصحّ مما في النسخة المطبوعة من كامل الزيارات من قوله “يؤثر ذلك عنهم”.

[7] – قاعدة لاضرر ص21

[8] – تفسير القمي ج1ص27

[9] – راجع الكافي طبع دار الحديث ج12ص575

[10] – كتاب نكاح ج14ص4650

[11] – رساله احسن الفوائد فى احوال المساعد، مجلة تراثنا، رقم53- 54، ص 180- 240.

[12] – وسائل الشيعة؛ ج‌25، ص: 119

[13] – وسائل الشيعة؛ ج‌25، ص: 117

[14] – وسائل الشيعة، ج‌17، ص: 88‌

[15] – فوائد الاصول ج‏3 ص364

[16] – سورة البينة الآية 1

[17] – الخصال ج2ص411

[18] – بحوث في شرح العروة الوثقى ج2 ص87

[19] -وسائل الشيعة ج10 ص288

[20] -وسائل الشيعة ج10ص298

[21] -وسائل الشيعة ج18ص338

[22] -وسائل الشيعة ج19ص238

[23] -وسائل الشيعة ج20ص 99

[24] -وسائل الشيعة ج20ص299

[25] -وسائل الشيعة ج22ص226

[26] -وسائل الشيعة ج22ص428

[27] -وسائل الشيعة ج26ص214

[28] -وسائل الشيعة ج27 ص245

[29] -وسائل الشيعة ج27 ص250

[30] -وسائل الشيعة ج27ص254

[31] -وسائل الشيعة ج27ص278

[32] -وسائل الشيعة ج27ص277

[33] -وسائل الشيعة ج27ص407

[34] -وسائل الشيعة 28ص41

[35] -وساتئل الشيعة ج28ص99

[36] -وسائل الشيعة ج28ص263

[37] -وسائل الشيعة ج29ص399

[38]– المحجة في تقريرات الحجة ج‏2 ص228، تقرير ابحاث السيد محمد الحجة الكوهكمري “ره”

[39] – كتاب البيع ج‌5 ص 212

[40] – المكاسب المحرمة ج2ص367

[41] – بحوث في علم الاصول ج5ص67

[42] – نهاية الأفكار ج‏3 ص234

[43] – بحوث في علم الأصول ج‏5 ص 66

[44] – دراسات في علم الاصول ج3 ص252

[45] – بحوث في علم الأصول ج 5ص72

[46] – مصباح الأصول، ج‏2، ص: 277