بسمه تعالی
رؤوس المطالب:
الجهة الاولى: أدلة في تأكد استحباب الرواتب اليومية. 2
الجهة الثانية: في عدد النوافل اليومية. 3
الروايات الدالة علی عدد النوافل.. 3
الجهة الثالثة: حکم الاتيان بالوتيرة قائما. 10
الجهة الرابعة: فی عدد رکعات صلوة الوتر. 11
الجهة الخامسة: في عدد رکعات نوافل يوم الجمعة. 12
الجهة السادسة: سقوط بعض النوافل في السفر. 12
الدليل الاول: رواية الصدوق.. 14
الدليل الثاني: صحيحة الحلبي.. 19
النوافل
قال صاحب العروة: و أما النوافل فكثيرة، آكدها الرواتب اليومية، و هي في غير يوم الجمعة أربع و ثلاثون ركعة ثمان ركعات قبل الظهر، و ثمان ركعات قبل العصر، و أربع ركعات بعد المغرب، و ركعتان بعد العشاء من جلوس تعدّان بركعة، و يجوز فيهما القيام بل هو الأفضل و إن كان الجلوس أحوط، و تسمى بالوتيرة، و ركعتان قبل صلاة الفجر، و إحدى عشرة ركعة صلاة الليل و هي ثمان ركعات، و الشفع ركعتان، و الوتر ركعة واحدة، وأما في يوم الجمعة فيزاد على الستّ عشر أربع ركعات، فعدد الفرائض سبعة عشر ركعة، و عدد النوافل ضعفها بعد عدِّ الوتيرة بركعة، و عدد مجموع الفرائض و النوافل إحدى و خمسون، هذا و يسقط في السفر نوافل الظهرين و الوتيرة على الأقوى.
الجهة الاولى: أدلة في تأكد استحباب الرواتب اليومية
اقول: يقع الكلام في جهات:
الجهة الاولى: لا اشكال في تأكد استحباب الرواتب اليومية، ويدل عليه روايات كثيرة، بل يستحب قضاءها عند فوتها ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل- ما لا يدري ما هو من كثرتها كيف يصنع- قال فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها- فيكون قد قضى بقدر علمه من ذلك- ثم قال قلت: له فإنه لا يقدر على القضاء- فقال إن كان شغله في طلب معيشة لابد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه و إن كان شغله لجمع الدنيا- و التشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء- و إلا لقي الله و هو مستخف متهاون- مضيع لحرمة رسول الله ص- قلت فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزي أن يتصدق- فسكت مليا ثم قال فليتصدق بصدقة- قلت فما يتصدق قال بقدر طوله- و أدنى ذلك مد لكل مسكين مكان كل صلاة- قلت و كم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين قال لكل ركعتين من صلاة الليل مد و لكل ركعتين من صلاة النهار مد فقلت لا يقدر فقال مد إذا لكل أربع ركعات من صلاة النهار (وزاد في نسخة مد لكل أربع ركعات من صلاة الليل) قلت لا يقدر قال فمد إذا لصلاة الليل و مد لصلاة النهار و الصلاة أفضل- و الصلاة أفضل و الصلاة أفضل[1].
وفي صحيحة ابن أبي عمير عن مرازم قال سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله ع- فقال أصلحك الله إن علي نوافل كثيرة فكيف أصنع- فقال اقضها فقال له إنها أكثر من ذلك- قال اقضها قلت لا أحصيها قال توخ، قال مرازم و كنت مرضت أربعة أشهر لم أتنفل فيها فقلت له أصلحك الله أو جعلت فداك إني مرضت أربعة أشهر لم أصل نافلة فقال ليس عليك قضاء إن المريض ليس كالصحيح كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر فيه[2].
وقد دلت عدة روايات على أن النوافل موجبة لقبول صلاة الفريضة، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن العبد ليرفع له من صلاته نصفها- أو ثلثها أو ربعها أو خمسها- فما يرفع له إلا ما أقبل عليه منها بقلبه- و إنما أمرنا بالنافلة ليتم لهم بها ما نقصوا من الفريضة[3]
وفي معتبرة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما جعلت النافلة ليتم بها ما يفسد من الفريضة[4]،
وقد ذكر السيد الداماد “قده”أنه اذا ضم ذلك الى ما ورد من أن أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة فإن قبلت قبل ما سواها و إن ردّت ردّ ما سواها، ففي موثقة أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ كُلُّ سَهْوٍ فِي الصَّلَاةِ يُطْرَحُ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ يُتِمُّ بِالنَّوَافِلِ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ فَإِنْ قُبِلَتْ قُبِلَ مَا سِوَاهَا إِنَّ الصَّلَاةَ إِذَا ارْتَفَعَتْ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا رَجَعَتْ إِلَى صَاحِبِهَا وَ هِيَ بَيْضَاءُ مُشْرِقَةٌ تَقُولُ حَفِظْتَنِي حَفِظَكَ اللَّهُ وَ إِذَا ارْتَفَعَتْ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا بِغَيْرِ حُدُودِهَا رَجَعَتْ إِلَى صَاحِبِهَا وَ هِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ تَقُولُ ضَيَّعْتَنِي ضَيَّعَكَ اللَّهُ[5]، فمن خلال ذلك يعرف تاكد استحباب النوافل[6]، وان كان الصحيح اختلاف مراتب القبول، فاذا لم يتمم نقصان حضور القلب في الفريضة بالنوافل فتفقد مرتبة من القبول، ولكن من الواضح أنها لا تكون بحيث لا تقبل ما سواها، وقد يكون معنى ان قبلت قبل ما سواها مقبولية الصلاة ولو في الجملة بان لا يكون تارك الصلاة او تكون صلواته كلها فاقدة لشرط القبول كالولاية، والا فلا يحتمل ان من اقترنت واحدة من صلواته بالرياء فلا تقبل منه بقية اعماله كالحج والزكاة والصوم فتأمل.
ومما يدلّ على تاكد استحباب النوافل اليومية شدّة اهتمام الائمة (عليه السلام) بها، ففي معتبرة معمّر بن خلّاد عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: أنّ أبا الحسن عليه السّلام كان إذا اغتم ترك الخمسين[7] فتدل على أن الامام ّ(عليه السّلام) لم يكن يترك النوافل اليومية الا إذا اغتم، كما يعرف اهتمام اصحاب الائمة من خلال اسئلتهم، كما مر في صحيحة ابن ابي عمير عن مرازم.
الجهة الثانية: في عدد النوافل اليومية
الجهة الثانية: في عدد النوافل اليومية، والمشهور أنها في غير يوم الجمعة اربع واربعون ركعة، ثمان ركعات نافلة الليل وركعتا الشفع وركعة الوتر وركعتا نافلة الفجر وثمان ركعات نافلة الظهر وثمان ركعات نافلة العصر واربع ركعات نافلة المغرب وركعة نافلة العشاء ويؤتى بها بركعتين عن جلوس،
الروايات الدالة علی عدد النوافل
وقد اختلفت الروايات في ذلك ويمكن تقسيمها الى طوائف أربع:
الطائفة الأولى:
ما دلت على أن مجموع الفرائض والنوافل إحدى و خمسون ركعة، والنوافل اربع وثلاثون ركعة، وهي روايات كثيرة، منها: صحيحة الفضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في حديث إن الله عز و جل فرض الصلاة- ركعتين ركعتين عشر ركعات- فأضاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الركعتين ركعتين و إلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة- لا يجوز تركهن إلا في سفر و أفرد الركعة في المغرب- فتركها قائمة في السفر و الحضر- فأجاز الله له ذلك كله- فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة- ثم سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) النوافل أربعا و ثلاثين ركعة مثلي الفريضة- فأجاز الله عز و جل له ذلك و الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة- منها ركعتان بعد العتمة- جالسا تعد بركعة مكان الوتر[8]، وفي رواية سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال قلت لأبي الحسن (عليه السلام) إن أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع بعضهم يصلي أربعا و أربعين و بعضهم يصلي خمسين فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو حتى أعمل بمثله- فقال أصلي واحدة و خمسين ركعة ثم قال أمسك و عقد بيده الزوال ثمانية- و أربعا بعد الظهر و أربعا قبل العصر و ركعتين بعد المغرب و ركعتين قبل العشاء الآخرة و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام- و ثمان صلاة الليل و الوتر ثلاثا و ركعتي الفجر- و الفرائض سبع عشرة فذلك إحدى و خمسون[9].
الطائفة الثانية:
ما دلت على أن مجموع الفرائض والنوافل خمسون ركعة، فتكون النوافل ثلاثا وثلاثين ركعة، ففي صحيحة معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللٰه عليه السلام يقول: كان في وصية النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام أن قال: يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عنّي، ثم قال: اللّٰهم أعنه- إلى أن قال- و السادسة الأخذ بسنتي في صلاتي و صومي و صدقتي، أما الصلاة فالخمسون ركعة[10].
وفي رواية محمد بن سنان عن ابن مسكان عن محمد بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل ما جرت به السنة من الصلاة قال تمام الخمسين[11].
وفي صحيحة حنان قال: سأل عمرو بن حريث أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا جالس فقال له جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال كان النبي (صلى الله عليه وآله) يصلي ثمان ركعات الزوال و أربعاً الأولى و ثماني بعدها و أربعاً العصر و ثلاثاً المغرب و أربعاً بعد المغرب و العشاء الآخرة أربعاً و ثماني صلاة الليل و ثلاثاً الوتر و ركعتي الفجر- و صلاة الغداة ركعتين قلت جعلت فداك- و إن كنت أقوى على أكثر من هذا- يعذبني الله على كثرة الصلاة- فقال لا و لكن يعذب على ترك السنة[12].
وفي مجمع البيان عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السّلام في قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ عَلىٰ صَلٰاتِهِمْ يُحٰافِظُونَ قال: أولئك أصحاب الخمسين صلاة من شيعتنا.
و مورد الاختلاف بين الطائفتين ركعة نافلة العشاء اي ركعتا الوتيرة، وقد ورد في معتبرة حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن صلاة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بالنهار، فقال: و من يطيق ذلك، ثم قال: و لكن ألا أخبرك كيف أصنع أنا، فقلت: بلى، فقال: ثماني ركعات قبل الظهر و ثمان بعدها، قلت: فالمغرب؟ قال: أربع بعدها، قلت: فالعتمة؟ قال: كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله يصلّي العتمة ثم ينام[13].
الطائفة الثالثة:
ما دلّت على أنّ النّوافل سبع و عشرون ركعة، و هي معتبرة زرارة عن أبي عبد اللّٰه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: ما جرت به السنة في الصلاة؟ فقال: ثمان ركعات الزوال، و ركعتان بعد الظهر، و ركعتان قبل العصر، و ركعتان بعد المغرب، و ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر و ركعتا الفجر، قلت: فهذا جميع ما جرت به السنة؟ قال: نعم…[14].
وفی صحیحته الأخرى قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إني رجل تاجر أختلف و أتجر فكيف لي بالزوال و المحافظة على صلاة الزوال و كم تصلى قال تصلي ثماني ركعات إذا زالت الشمس و ركعتين بعد الظهر و ركعتين قبل العصر فهذه اثنتا عشرة ركعة و تصلي بعد المغرب ركعتين و بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و منها ركعتا الفجر فتلك سبع و عشرون ركعة سوى الفريضة و إنما هذا كله تطوع و ليس بمفروض- إن تارك الفريضة كافر و إن تارك هذا ليس بكافر و لكنها معصية لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملا من الخير أن يدوم عليه[15].
وفي صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تصل أقل من أربع و أربعين ركعة[16].
الطائفة الرابعة:
ما دلت على أن النوافل تسع و عشرون ركعة، ففي معتبرة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التطوع بالليل و النهار- فقال الذي يستحب أن لا يقصر عنه- ثمان ركعات عند زوال الشمس- و بعد الظهر ركعتان و قبل العصر ركعتان- و بعد المغرب ركعتان و قبل العتمة ركعتان- و من السحر ثمان ركعات ثم يوتر- و الوتر ثلاث ركعات مفصولة- ثم ركعتان قبل صلاة الفجر- و أحب صلاة الليل إليهم آخر الليل[17].
وفي رواية يحيى بن حبيب (او يحيى بن ابي حبيب) قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله- من الصلاة قال ست و أربعون ركعة فرائضه و نوافله قلت هذه رواية زرارة- قال أ و ترى أحدا كان أصدع بالحق منه[18]، ومع حذف سبعة عشر ركعة الفرائض من ست واربعون ركعة تبقى تسعة وعشرون ركعة نافلة.
وفي مرسلة الصدوق قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لا يصلّي بالنهار شيئا حتى تزول الشمس، و إذا زالت صلّى ثماني ركعات و هي صلاة الأوّابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء و تستجاب الدعاء و تهبّ الرياح و ينظر اللّٰه إلى خلقه، فإذا فاء الفيء ذراعا صلّى الظهر أربعا، و صلّى بعد الظهر ركعتين ثم صلّى ركعتين أخراوين، ثم صلّى العصر أربعا إذا فاء الفيء ذراعا، ثم لا يصلّي بعد العصر شيئا حتّى تئوب الشمس فإذا آبت -و هو أن تغيب- صلّى المغرب ثلاثا و بعد المغرب أربعا، ثم لا يصلّي شيئا حتّى يسقط الشفق فإذا سقط الشفق صلّى العشاء، ثم آوى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله إلى فراشه و لم يصلّ شيئا حتّى يزول نصف الليل، فإذا زال نصف الليل صلّى ثماني ركعات، و أوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات ثم يسلّم و يصلّي ركعتي الفجر قبل الفجر و عنده و بُعَيده، ثم يصلّي ركعتي الصبح و هي الفجر إذا اعترض الفجر و أضاء حسنا، فهذه صلاة رسول اللّٰه صلّى اللٰه عليه و آله التي قبضه اللٰه عز و جل عليها[19].
وقد روى الكشي بسند صحيح عن عبد الله بن زرارة، قال، قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) اقرأ مني على والدك السلام، و قل له إني إنما أعيبك دفاعا مني عنك، فإن الناس و العدو يسارعون إلى كل من قربناه و حمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبه و نقربه، و يرمونه لمحبتنا له و قربه و دنوه منا، و يرون إدخال الأذى عليه و قتله، و يحمدون كل من عبناه نحن و إن نحمد أمره، فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا و لميلك إلينا، و أنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر لمودتك لنا و بميلك إلينا، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك و نقصك، و يكون بذلك منا دافع شرهم عنك، يقول الله جل و عز: أما السفينة فكٰانت لمسٰاكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبهٰا و كٰان ورٰاءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا، فإنك و الله أحب الناس إلي و أحب أصحاب أبي (عليه السلام) حيا و ميتا، فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، و أن من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا ثم يغصبها و أهلها، و رحمة الله عليك حيا و رحمته و رضوانه عليك ميتا، فلا يضيقن صدرك من الذي أمرك أبي (عليه السلام) و أمرتك به، و أتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به، فلا و الله ما أمرناك و لا أمرناه إلا بأمر وسعنا و وسعكم الأخذ به، و لكل ذلك عندنا تصاريف و معان توافق الحق، و لو أذن لنا لعلمتم أن الحق في الذي أمرناكم به، فردوا إلينا الأمر و سلموا لنا و اصبروا لأحكامنا و ارضوا بها، و الذي فرق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه، و هو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها، فإن شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينها لتأمن من فسادها و خوف عدوها في آثار ما يأذن الله، و يأتيها بالأمن من مأمنه و الفرج من عنده، عليكم بالتسليم و الرد إلينا و انتظار أمرنا و أمركم و فرجنا و فرجكم، و عليك بالصلاة الستة و الأربعين، و عليك بالحج أن تهل بالإفراد و تنوي الفسخ إذا قدمت مكة و طفت و سعيت فسخت ما أهللت به و قلبت الحج عمرة أحللت إلى يوم التروية ثم استأنف الإهلال بالحج مفردا إلى منى و تشهد المنافع بعرفات و المزدلفة، فكذلك حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) و هكذا أمر أصحابه أن يفعلوا: أن يفسخوا ما أهلوا به و يقلبوا الحج عمرة، و إنما أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) على إحرامه للسوق الذي ساق معه، فإن السائق قارن و القارن لا يحل حتى يبلغ هديه محله، و محله المنحر بمنى، فإذا بلغ أحل، فهذا الذي أمرناك به حج المتمتع فالزم ذلك و لا يضيقن صدرك، و الذي أتاك به أبو بصير من صلاة إحدى و خمسين، و الإهلال بالتمتع بالعمرة إلى الحج، و ما أمرنا به من أن يهل بالتمتع، فلذلك عندنا معان و تصاريف كذلك ما يسعنا و يسعكم و لا يخالف شيء منه الحق و لا يضاده، و الحمد للٰه رب العٰالمين[20].
وقد ذكر السيد الخوئي “قده” ان الظاهر اتفاق الأصحاب على مفاد الطائفة الاولى وكون عدد النوافل اليومية اربعا وثلاثين ركعة، والطائفة الثانية الدالة على كون عدد النوافل ثلاثا وثلاثين ركعة ناظرة الى عدم كون الوتيرة أعني نافلة العشاء من الرواتب بحسب الجعل الأوّلي و بلحاظ أصل التشريع، إما لما في صحيحة الفضيل بن يسار من قوله “ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر” فلم يجمع بين البدل و المبدل منه في العد، أو لما في رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال: ان الركعتين (اي ركعتي وتيرة العشاء) ليستا من الخمسين و إنما هي زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع[21].
وما في معتبرة حماد بن عثمان من أنه كان رسول اللٰه (صلى اللٰه عليه و آله) يصلي العتمة ثم ينام، ومرسلة الصدوق من أن النبي (صلى اللٰه عليه و آله) كان يأوي بعد العشاء الآخرة إلى فراشه و لم يكن يأتي بالوتيرة، وروایة علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من كٰان يؤمن باللٰه و اليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر- قال قلت: تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة- قال نعم إنهما بركعة- فمن صلاهما ثم حدث به حدث مات على وتر- فإن لم يحدث به حدث الموت يصلي الوتر في آخر الليل- فقلت هل صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاتين الركعتين قال لا- قلت و لم قال لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأتيه الوحي- و كان يعلم أنه هل يموت في هذه الليلة أم لا و غيره لا يعلم فمن أجل ذلك لم يصلهما و أمر بهما[22]، لا ينافي استحبابها و كونها من الرواتب، إذ من الجائز أن ذلك من جهة أنها بدل عن نافلة الليل فيحتسب عنها فيما إذا لم يوفّق المكلف لها كما نص عليه في جملة من الأخبار، و حيث ان نافلة الليل كانت واجبة عليه (صلى اللّٰه عليه و آله) و لم يكن هناك احتمال الفوت فلا موضوع للبدل بعد الجزم بإتيان المبدل منه.
فلا ينبغي الإشكال نصاً و فتوى في كون النوافل اليومية اربعا وثلاثين ركعة، وما قد يتراءى من بعض الأخبار ما يوهم خلاف ذلك، كصحيحة زرارة “المذكورة في الطائفة الثالثة” فلأجل مخالفتها مع تلكم النصوص المستفيضة كما عرفت فلابد من التصرف فيها، إما بالحمل على اختلاف مراتب الفضل، فيكون المراد بما جرت به السنة هو الذي استمرت عليه سيرة النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) بحيث لم يكن يأتي بأقل منها اهتماماً بشأنها، أو بالحمل على التقية[23].
اقول: أما ما ذكره من كون الطائفة الثانية ناظرة الى عدم كون الوتيرة من النوافل بحسب الجعل الاولي وفي اصل التشريع، وانما شرّعت مكان الوتر فلم يجمع في تلك الروايات بين البدل والمبدل منه في العد، او أنها زيدت على الخمسين لتصير عدد النوافل ضعف الفرائض، ففيه انه ليس جمعا عرفيا بين الطائفة الاولى والثانية، ولا يرفع التعارض بينهما، فان الطائفة الاولى دلت -كما في صحيحة الفضيل بن يسار- على أنه سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) النوافل أربعا و ثلاثين ركعة مثلي الفريضة، و في رواية البزنطي أن الامام (عليه السلام) كان يأتي باربع وثلاثين ركعة نافلة في كل يوم، وفي صحيحة الفضل بن يسار و الفضل بن عبد الملك و بكير قالوا سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي من التطوع مثلي الفريضة[24]، وفي رواية الفضل بن شاذان “و إنما جعلت السنة أربعا و ثلاثين ركعة لأن الفريضة سبع عشرة فجعلت السنّة مثلي الفريضة كمالا للفريضة[25]، الى غير ذلك من الروايات، بينما ان الطائفة الثانية دلت على أن سنة النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة خمسون ركعة، كما في صحيحة معاوية بن عمار، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصلي خمسين ركعة ويترك وتيرة العشاء،كما في صحيحة حنان، و معتبرة حماد بن عثمان.
نعم ما ذكره يمكن أن يكون مجرد احتمال في تفسير الطائفتين بما يخرهما عن التعارض واقعا، ولكنه غير الجمع العرفي، كما أن هناك احتمالات أخرى من قبيل ما ذكره السيد الداماد “قده” من أن التأمّل في الاخبار يشهد بأنّه كان العامّة يصلّون بعد العشاء ركعتين يحسبونهما من الخمسين بدل صلاة الوتر إن لم يستيقظوا لصلاة الليل، وينسبونه إلى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، وهذا نحو منقصة له، فتصدى الأئمة (عليهم السّلام) لدفع هذه التهمة فأنكروا إتيانه بهذه الصلاة و من باب التقية جعلوا سنّته خمسين ركعة[26]، و يشهد لذلك قوله في موثقة سليمان بن خالد “و لا تعدهما من الخمسين”[27].
وفي البدر الزاهر “يمكن الجمع حينئذ بأن يقال: إنّ عدم ذكر نافلة العشاء في بعض الأخبار يحتمل أن يكون لأجل التقيّة، لترك بعض العامّة لها، و يحتمل أن يكون من جهة أنّ المقصود هو بيان ما ثبت استحبابه أوّلا و بالذّات، و نافلة العشاء لا تكون كذلك، لأنّها مشروعة لصيرورة عدد النافلة ضعف الفريضة، أو لكونها عوضا عن الوتر لو ترك، كما في بعض الأخبار، فلا تكون من النوافل الثابتة بالأصالة”.
ثمَّ انّه ورد في بعض الروايات، ما يدلّ بظاهره على أنّ نافلة الظهر أربع ركعات، و هو ما رواه الحميري في قرب الإسناد، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السّلام، أنّه كان يقول: «إذا زالت الشمس عن كبد السماء، فمن صلّى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الأوّابين، و ذلك بعد نصف النهار» «2». و لكنّها مضافا إلى عدم صحّة سندها، لأن حسين بن علوان من الزيديّة، أنّها لم تكن مذكورة إلّا في كتاب قرب الإسناد، و هو و إن كان مؤلّفه من الإماميّة إلّا أنّ بناءه في ذلك الكتاب ذكر الأخبار الضعيفة أيضا، أضف إلى ذلك كلّه أنّ هذه الرواية محمولة على التقيّة، من جهة موافقتها
لمذهب الحنفيّة، و يؤيّده أنّ فقه الزيديّة موافق لفقه الحنفيّة.
و كيف كان فالرواية غير قابلة للاستناد خصوصا مع معارضتها للأخبار الكثيرة المستفيضة، بل المتواترة، نعم قد عرفت الاختلاف بين الروايات في نافلة العصر و المغرب، و عرفت أيضا أنّ طريق الجمع بينها هو الحمل على مراتب الفضيلة.
ثمَّ إنّه قد ورد في الأخبار الكثيرة التي تقدّم بعضها، أنّ نافلة العشاء ركعتان من جلوس، تعدّان بركعة من قيام «1»، و هي بهذه الكيفيّة من متفرّدات الإماميّة و لم يقل به أحد من العامّة، لأنّهم بين من ينكرها رأسا، و يذهب إلى عدم مشروعيّتها، و بين من يقول بأنّها ركعتان من قيام، و بين قائل بأنّها ثمان ركعات، أربع منها قبل فريضتها، و أربع بعدها كأبي حنيفة و من تبعه «2».
وأما ما ورد من ترك النبي (صلى الله عليه وآله) للوتيرة، فالروايات فيه متعارضة، فان المستفاد من صحيحة الفضل بن يسار و الفضل بن عبد الملك و بكير “قالوا سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي من التطوع مثلي الفريضة” هو اتيانه بها، والا لم تكن صلاة تطوعه مثلي الفريضة، وحملها على العدد التقريبي خلاف الظاهر جدا، ويناسب ذلك ما ورد في رواية البزنطي أن الامام (عليه السلام) كان يأتي باربع وثلاثين ركعة نافلة في كل يوم، وكذا صحيحة الفضيل بن يسار “سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) النوافل أربعا و ثلاثين ركعة مثلي الفريضة” وان كان قد يقال بامكان حمل هذه الصحيحة على امر النبي امته بالوتيرة من دون أن يأتي بنفسه بها، وقد حاول صاحب الوسائل رفع تعارض هذه الروايات بحملها على أنه كان يأتي النبي بها احيانا ويتركه احيانا[28]، وهذا ايضا خلاف الظاهر العرفي من الروايات حيث انها تأبى عن هذا الحمل.
فالمهم في المقام في تقديم الطائفة الاولى على الطائفة الثانية التسالم وعدم الخلاف بين الاصحاب، في كون وتيرة العشاء من النوافل اليومية، و قد ورد في جملة من الروايات التأكيد عليها، ففي صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر[29].
هذا كله بلحاظ معارضة الطائفة الثانية مع الطائفة الاولى، وأما الطائفة الثالثة فما عدا صحيحة زرارة الاولى قابلة للحمل على مراتب الفضل، ففي صحيحته الثانية طلب من الامام بيان النوافل بقدر ما يسعه مع ما عليه من الاشتغال بالتجارة، وكذا صحيحة ابن سنان حيث نهت عن الاقل من اربع واربعين، فالمهم هو الصحيحة الاولى لزرارة، حيث حصرت جميع السنة في سبعة وعشرين ركعة نافلة، وتأبى عن الحمل على اختلاف مراتب الفضل، فهي رواية شاذة معارضة مع الأخبار المشهورة رواية وفتوى فتكون من الشاذ النادر التي ورد في مقبولة ابن حنظلة الامر بطرحها والاخذ بما اشتهر بين الاصحاب، وأما الطائفة الرابعة فليس فيها ما يستقر فيه التعارض غير مرسلة الصدوق، لامكان حمل ما عدا المرسلة على اختلاف مراتب الفضل، والمرسلة ضعيفة سندا مضافا الى شذوذها كصحيحة زرارة، فالاقوى كون النوافل اليومية اربعا وثلاثين ركعة وبضهما الى سبعة عشر ركعة الفريضة يصير المجموع احدى وخمسين ركعة.
الجهة الثالثة: حکم الاتيان بالوتيرة قائما
الجهة الثالثة: ذكر صاحب العروة جواز الاتيان بالوتيرة قائما بل ذكر انه افضل وان كان الجلوس احوط[30]، ولم يعلق عليه كثير من الاعلام وانما علق السيد البروجردي “ره” على قوله “الجلوس احوط” لا يترك، وعلق السيد الخوئي “ره” على قوله “يجوز فيهما القيام” فيه اشكال بل الاظهر عدم جوازه، و يستدل للحكم بافضليته بروايتين:
1- معتبرة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: … و ركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائماً أو قاعداً، و القيام أفضل، و لا تعدّهما من الخمسين.
2- معتبرة الحارث بن المغيرة … و ركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصليهما و هو قاعد و أنا أُصليهما و أنا قائم … [31]، فان الاختلاف بين الصادق و أبيه (عليهما السلام) في الكيفية مستند إلى صعوبة القيام الناشئة من كبر السن و عظم جثته الشريفة كما أُشير إليه في رواية حنان بن سدير عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أ تصلي النوافل و أنت قاعد؟ فقال: ما أُصليها إلا و أنا قاعد منذ حملت هذا اللحم و ما بلغت هذا السن[32]. و أما الصادق (عليه السلام) فحيث لم يكن كذلك اختار القيام لأفضليته.
و لكن الظاهر تعين الجلوس في الوتيرة، لما تقدم في صحيحة الفضيل بن يسار من قوله “ركعتان بعد العتمة- جالسا تعد بركعة مكان الوتر” و في صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السلام) اصلي… ركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام” وتأكيد الرضا (عليه السلام) على أنه كان يصليهما عن قيام مع أنه لم يكن جسيما مثل ابي جعفر (عليه السلام) يدل على عدم افضيلته، ويشهد على ما ذكرناه ما ورد من كون النوافل ضعف الفريضة وان وتيرة العشاء تعد ركعة واحدة، يعني ان ركعتين عن جلوس في قوة ركعة واحدة عن قيام، فلو كان يجوز او يستحب الاتيان بهما عن قيام كانتا ركعتين وصارت النوافل خمسا واربعين ركعة.
و أما الروايتان المزبورتان فكما ذكر السيد الخوئي “قده” فالظاهر أنهما ناظرتان إلى صلاة أُخرى تستحب بعد العشاء غير الوتيرة، و لا تحسبان من النوافل المرتّبة و لا تعدّان منها كما صرّح بذلك في ذيل موثقة سليمان بن خالد و هما اللتان يستحب فيهما القيام و قراءة مائة آية، ويدل على ما ذكرناه رواية الحجّال عن ابي عبد الله قال كان أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) يصلي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية و لا يحتسب بهما، و ركعتين و هو جالس يقرأ فيهما بقل هو اللّٰه أحد، و قل يا أيها الكافرون[33]، و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول: لا تصل أقل من أربع و أربعين ركعة، قال: و رأيته يصلي بعد العتمة أربع ركعات[34]، فلا يتم ما ذكره المحقق الهمداني “ره” عند تعرضه لهذه الصحيحة من أنه لم يعرف وجه هذه الأربع ركعات و لعلها صلاة جعفر (عليه السلام)[35].
الجهة الرابعة: فی عدد رکعات صلوة الوتر
الجهة الرابعة: ان كون ركعتين بعد ثمان ركعات من صلاة الليل شفعا وركعة وترا هو المشهور بين المتأخرين، لكن قد يقال كما في الحدائق[36] بأن الوتر ثلاث ركعات، استنادا الى بعض الروايات مثل صحيحة حنان “و ثلاثاً الوتر” ومعتبرة ابي بصير “و من السحر ثمان ركعات ثم يوتر و الوتر ثلاث ركعات مفصولة” وفي رواية سهل بن زياد عن البزنطي “والوتر ثلاثا” وثمرته عدم مشروعية ركعة الوتر فقط بل لابد من ضم ركعتي الشفع اليها و ترتب احكام الوتر وفضيلته علي تمام الثلاث ركعات، وقد جعل صاحب الحدائق ثمرته عدم مشروعية القنوت في صلاة الشفع، و لا يخفى أن كون ركعتي الشفع مفصولتين عن ركعة الوتر بالسلام من المسلمات عند الشيعة، وانما ذهب جمهور العامة الى الوصل[37]
هذا ولكن قد اطلق الوتر على الركعة الأخيرة في عدة من الروايات: منها: صحيحة الفضيل بن يسار “ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر”، فإنّ البدلية إنما تتم عرفا لو أُريد من الوتر الركعة الواحدة، والا فلو أُريد الثلاث لكانت الركعتان عن جلوس بدلًا عن ثلاث ركعات عن قيام، وهو خلاف الظاهر جدا، ومنها: ما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) و فيها: …و الشفع و الوتر ثلاث ركعات تسلّم بعد الركعتين ….[38]و منها: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام) … و الشفع ركعتان و الوتر ركعة …[39].
الجهة الخامسة: في عدد رکعات نوافل يوم الجمعة
الجهة الخامسة: ذكر صاحب العروة أنه في يوم الجمعة يزاد على الستّ عشر أربع ركعات، وما ذكره موافق لما في صحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن التطوع يوم الجمعة، قال: ست ركعات في صدر النهار، و ست ركعات قبل الزوال، و ركعتان إذا زالت، و ست ركعات بعد الجمعة، فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة[40]، وهذا هو المشهور، ولكن في صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال: ست ركعات بكرة و ست بعد ذلك، اثنتا عشرة ركعة، و ست ركعات بعد ذلك، ثماني عشرة ركعة، و ركعتان بعد الزوال، فهذه عشرون ركعة، و ركعتان بعد العصر فهذه ثنتان و عشرون ركعة[41]، و في صحيحة سعيد الأعرج سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة النافلة يوم الجمعة- فقال ست عشرة ركعة قبل العصر- ثم قال و كان علي (عليه السلام) يقول ما زاد فهو خير- و قال إن شاء رجل- أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار- و ست ركعات نصف النهار- و يصلي الظهر- و يصلي معها أربعة ثم يصلي العصر[42]، ولعله لأجلها حكي عن الصدوقين القول بكون يوم الجمعة كسائر الأيام، ولكنه لا وجه له، بعد كون الاختلاف في هذه الأخبار محمولا على اختلاف مراتب الفضل، فالافضل هو زيادة ست ركعات، ويليه في الفضل زيادة اربع ركعات.
الجهة السادسة: سقوط بعض النوافل في السفر
الجهة السادسة: ذكر صاحب العروة (أنه يسقط في السفر نوافل الظهرين والوتيرة على الاقوى) أما سقوط نوافل الظهرين فمما لا خلاف فيه و لا إشكال، و تدل عليه روايات كثيرة، منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الصلاة تطوّعاً في السفر، قال: لا تصلّ قبل الركعتين و لا بعدهما شيئاً نهاراً[43]، وظاهر هذه الروايات العزيمة اي عدم المشروعية، وسقوط الامر بها رأسا، لا الرخصة في العبادات والتي تعني بقاء الامر بها مع التخفيف، وفي رواية ابي يحيى الحناط قال سألت ابا عبد الله عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال (عليه السلام) يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة[44]، كما لا إشكال في عدم سقوط نوافل ما لا تقصير فيه كالفجر و المغرب و كذا نافلة الليل، و يدلُّ عليه مضافاً إلى إطلاق الادلة بعض الروايات الخاصة ، ففي معتبرة ابي بصير في نافلة المغرب “لا تدعهنّ في سفر و لا حضر[45].
و في موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر و ركعتا الفجر في السفر و الحضر[46].
و صحيحة محمد بن مسلم قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): صلّ صلاة الليل و الوتر و ركعتين في المحمل[47].
ولكن وقع الخلاف في سقوط نافلة العشاء في السفر، فذهب المشهور الى سقوطها، وقد ادعى في السرائر عليه الإجماع عليه[48]، واستدلوا على ذلك بمثل صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلا المغرب ثلاث، وفي رواية ابي يحيى الحناط (لم يوثق في الرجال وان روى عنه ابن ابي عمير عن الحسن بن محبوب عنه) سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة[49].
ادلة عدم السقوط
و لكن ذهب جماعة منهم الشيخ الطوسي “ره” في النهاية[50] إلى عدم السقوط، و يستدل له بعدة ادلة:
الدليل الاول: رواية الصدوق
الدليل الاول: رواية الصدوق في الفقيه والعلل والعيون عن الفضل بن شاذان في رسالة علله عن الرضا (عليه السلام) “و إنما صارت العتمة مقصورة و ليس تترك ركعتاها، لأن الركعتين ليستا من الخمسين، و إنما هي زيادة في الخمسين تطوعاً ليتمّ بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع[51].
ودلالتها واضحة انما الكلام في سندها، وسندها ما ذكره الصدوق في مشيخة الفقيه بقوله “و ما کان فیه من العلل التی ذکرها الفضل بن شاذان عن الرضا (علیه السلام) فقد رویته عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس عن علی بن محمد بن قتیبة النیسابوری عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام)”.
ورواها فی کتاب علل الشرایع و عیون اخبار الرضا بهذا السند كما رواها ايضا في كتاب عيون اخبار الرضا عن الحاکم ابی محمد جعفر بن نعیم بن شاذان عن عمّه ابی عبد الله محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان([52]).
وقد نوقش في سندها بمناقشتين:
المناقشة الاولى: ما ذكره جمع من الفقهاء كصاحب المدارك والسيد الخوئي من عدم ثبوت وثاقة عبد الواحد بن محمد بن عبدوس وعلي بن محمد بن قتيبة [53]، هذا بالنسبة الى الطريق الاول، وأما وثاقة جعفر بن نعيم بن شاذان ومحمد بن شاذان في الطريق الثاني فمن الواضح عدم ثبوتها.
ولكن يمكن تصحيح سند الصدوق الى كتاب العلل لفضل بن شاذان بوجوه ثلاثة:
الوجه الاول: تصحيح السند الاول باثبات وثاقة عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، وعلي بن محمد بن قتيبة.
أما عبد الواحد بن محمد بن عبدوس فلكونه شيخ الصدوق الذی اکثر الحدیث عنه وترضی له أكثر من مرة، وقد قال فی اول الفقیه انّه یذکر فیه الروايات التي یفتی بها وتکون حجة بینه و بین ربه، فنحن لاندعی انّ کلّما کان حجة عند الصدوق فيكون حجة لنا، فلعل الحجة عنده كغيره من القدماء کانت هي الخبر الموثوق الصدور، ولعل الصدوق اعتمد على قرائن اوجبت وثوقه بصدور الحدیث بحيث لووصلت الينا تلك القرائن لمتفد الوثوق لنا، او كان يرى حجية خبر كل امامي ممدوح، بينما أننا لانرى ذلك، بل المدعى أن اکثار الصدوق الحدیث عن ابن عبدوس في الفقيه بضم ما ذكر من أنه انما يورد ما كانت حجة بینه و بین ربّه یورث الاطمئنان بانّه کان معتمداً عند الصدوق، خاصة مع ضم ما مر من أنه ترضى له كثيرا.
هذا وقد نقل الشیخ فی الفهرست كتاب العلل لفضل بن شاذان: عن المفید، عن محمد بن علی بن الحسین بن بابویه، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن احمد بن ادریس عن علی بن محمد بن قتیبة، عنه، وهذا الطريق لايشتمل على ابن عبدوس بل على احمد بن ادریس الذي هو من الاجلاء.
و اماّ علی بن محمد بن قتیبة فيمكن اثبات وثاقته بعدة وجوه:
منها: أنه قد اعتمد عليه العلاّمة الحلی “ره” حيث ادرجه في القسم الاول من رجاله، فقال: علي بن محمد بن قتيبة، و يعرف بالقتيبي النيسابوري أبو الحسن، تلميذ الفضل بن شاذان فاضل عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال[54].
وهذا وان كان من توثيق المتأخرين، والمشهور -كما عليه السيد الخوئي “قده”- عدم اعتباره، للعلم بكونه مبنيا على الحدس والاحتهاد، فلايشمله بناء العقلاء على حجية خبر الثقة، وأما بناءهم على رجوع الجاهل الى العالم واهل الخبرة فيختص بالامور التي تكون حدسية في حد ذاتها كالاجتهاد والاعلمية، لامثل الوثاقة والعدالة ونحوهما مما يكون حسيا في حد ذاته([55]).
ولكن يمكن أن يقال بجواز الاعتماد على توثيقات العلامة (ره) إما بدعوى احتمال استناده الى الحس، لقوة احتمال وجود مستندات وكتب رجالية عنده مما لميصل الينا، فتجري فيه أصالة الحس كما حكي عن بعض السادة الاعلام (دام ظله)([56])، او بدعوى جواز العمل بتوثيق المتأخرين ولو كان حدسيا من باب الرجوع الى اهل الخبرة بعد احتمال عدم وجداننا للمستندات التي كانت موجودة عنده
وما ذكر من ان الظهور او وثاقة الراوي من الامور المحسوسة فلايجوز فيها التقليد انما يصح فيما اذا تيسر للمجتهد تحصيل مقدمات الاستنباط في تلك المسائل، فلو فرضنا ان شهادة الشيخ الطوسي والنجاشي “قدهما” بوثاقة الاشخاص كانت ناشئة عن الحدس والاجتهاد او احتملنا ذلك قويا ولم نعلم ببناء العقلاء في مثله على اجراء اصالة الحس، فاي مانع من الالتزام بكون بناء العقلاء على جواز التقليد في مثله، فيكون كطبيب يفقد مقدمات الاستنباط في مسالة طبية ويرجع الى رأي طبيب كان يوجد لديه مقدمات الاستنباط.
ومنها: أن النجاشی “ره” ذكر فی ترجمته أنه اعتمد علیه ابوعمر الکشی فی کتاب الرجال، وفيه انّ الكشي “ره” لميصرح باعتماده عليه وانما فهم النجاشی ذلك من اكثار الکشی الرواية عنه، وحيث أنه ثبت کثرة روایة الكشي عن الضعفاء كما ذكره النجاشي فلايكشف اكثاره الرواية عن شخص عن وثاقته عنده.
ومنها: أنه نقل الصدوق فی کتاب عیون اخبار الرضا کتاب محض الاسلام الذي روى الفضل بن شاذان أنه كتاب الرضا (عليهالسلام) الذي كتبه للمأمون، وقد نقله الصدوق عن الفضل بن شاذان بثلاثة طرق، ثم ذكر انّ الاصح عندی هو ما رواه عبد الواحد بن عبدوس عن علی بن محمد بن
ولكن الظاهر عدم تمامية هذا الوجه فان الظاهر أن ما ادعاه من اصحّية ما رواه ابن عبدوس عن ابن قتيبة ناظر الى متن الرواية بلحاظ خلوه عن بعض الفقرات الموجودة في الطريقين الآخرين مما لمیکن متلائما مع آراء الصدوق مثل قوله “الفطرة مدان من حنطة وصاع من الشعيروالتمروالزبيب، وان الوضوء مرة مرة فريضة واثنتان اسباغ، وان ذنوب الانبياء صغائرهم موهوبة.
ومنها: ما ذكره بعض الاجلاء (دام ظله) من انّ الراوی لکتاب علی بن محمد بن قتیبة -کما یظهر من كتاب الغیبة- هو احمد بن ادریس القمي الذی كان من الاجلاء ، ولايبعد أن يكون اکثاره الرواية عن علی بن قتیبة كاشفا عن وثاقته عنده، وهذا الوجه غير واضح عندي.
رجال الشيخ الطوسي – الأبواب؛ ص: 429
علي بن محمد القتيبي،
تلميذ الفضل بن شاذان، نيسابوري، فاضل.
رجال النجاشي – فهرست أسماء مصنفي الشيعة؛ ص: 334
قال أبو عمرو: قال القتيبي: كان الفضل بن شاذان رحمه الله يحب العبيدي و يثني عليه و يمدحه و يميل إليه و يقول: ليس في أقرانه مثله. و بحسبك هذا الثناء من الفضل رحمه الله.
ومنها: تطبيق مبنى شيخنا الاستاذ “قده” في المعاريف
الوجه الثاني: يمكن دعوى الوثوق بكون كتاب العلل لفضل بن شاذان من جهة أخرى، وهي أن الصدوق ذكر طريقين الى هذا الكتاب، كما أن الشیخ الطوسی(ره) فی الفهرست ذكر طريقا ثالثا للصدوق الى هذا الكتاب حيث ذكر في ترجمة الفضل بن شاذان: “الفضل بن شاذان النیسابوری، فقیه متکلم جلیل القدر له کتب و مصنفات منها … کتاب العلل…. اخبرنا بروایاته و کتبه هذه أبو عبد الله المفید رحمه الله، عن محمد بن علی بن الحسین بن بابویه، عن حمزة بن محمد العلوی، عن ابی نصر قنبر بن علی بن شاذان، عن ابیه، عنه.
الوجه الثالث: ان الصدوق نقل هذه الرواية في الفقيه وقد ذكر في اول الفقيه أن جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع، وحيث علم من كلماته المتفرقة في الفقيه والعلل والعيون أنه ينقل روايات علل الفضل بن شاذان عن رسالة علل الفضل فهذه شهادة منه بكونها من الكتب المشهورة عليها المعول واليها المرجع.
المناقشة الثانية: ما ذكره بعض السادة الاعلام “دام ظله” من أن كتاب علل الفضل بن شاذان من تصانیفه ولیس کتاب حدیث، وذكر عدة شواهد علی ذلك، منها: أن هذا الكتاب يشتمل على ما يطمئن بعدم كونه من الامام (عليهالسلام)، كقوله “فان قال قائل: فاخبرنی لمکلّف الخلق؟ قیل لعلل: فان قال فاخبرنی عن تلک العلل معروفة موجودة هی ام غیر معروفة ولا موجودة؟ قیل بل هی معروفة موجودة عند أهلها فان قال قائل: أتعرفونها انتم ام لا تعرفونها؟ قیل لهم منها ما نعرفه ومنها ما لا نعرفه…([57])، وكيف يقول الامام (عليهالسلام) نحن لانعرف بعض العلل وهي معروفة عند اهلها، وهل اهلها غير الائمة (عليهمالسلام).
و قد تكرر فيه التعبير بقوله: فان قال قائل… قیل له…وقد ورد فيه أنه قد روي عن بعض الائمه (علیهم السلام) انه قال: لیس من میت یموت الّا خرجت منه الجنابة فلذلک وجب الغسل([58])، وهذا التعبير لايصدر من الامام (عليهالسلام)، مع أن مضمونه خطأ، اذ لو فرض خروج المني من الانسان حين موته فيختص ذلك بالبالغ لأنه لامني للصبي.
بل توجد شواهد علی انّ الفضل بن شاذان لمیدرک الرضا (عليهالسلام) فضلاً عن ان یکون قد سمع منه الحديث مرة بعد مرة وشیئاً بعد شیء، على ما نقله الصدوق عنه.
منها: أنه ذکر النجاشی: الفضل بن شاذان بن الخلیل ابو محمد الازدی النیسابوری، کان ابوه من اصحاب یونس وروی عن ابی جعفر الثانی(عليهالسلام)، وقیل الرضا (عليهالسلام) ایضا، وظاهره انّ والد الفضل کان من اصحاب الامام الجواد (عليهالسلام)، فكيف يكون هو من اصحاب الرضا (عليهالسلام).
وهكذا عدّ الشيخ الطوسي فی رجاله الفضل بن شاذان تارة من اصحاب الامام الهادی(عليهالسلام) واخری من اصحاب الامام العسکری(عليهالسلام) ولمیعدّه من اصحاب الامام الجواد(عليهالسلام) فضلاً عن ان یکون من اصحاب الرضا (عليهالسلام).
و الجواب عن هذا الاشكال أن ما ذكر لا يوجب رفع اليد عن الشهادة التي نقلت في كتاب علل الشرايع وعيون أخبار الرضا عن الفضل بن شاذان، حيث قال الصدوق: حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قلت للفضل بن شاذان لما سمعت منه هذه العلل أخبرني عن هذه العلل التي ذكرتها عن الاستنباط والاستخراج وهي من نتائج العقل او هي مما سمعته ورويته؟ فقال لي ما كنت أعلم مراد الله بما فرض ولامراد رسوله (صلى الله عليه وآله) بما شرع وسن، ولاأعلل ذلك من ذات نفسي، بل سمعنا من مولاي ابي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهالسلام) مرة بعد مرة والشيء بعد الشيء فجمعتها، فقلت: فأحدث بها عنك عن الرضا (عليهالسلام) فقال: نعم([59])، واضاف في العيون (وحدثنا الحاكم ابو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري رضي الله عنه عن عمه ابي عبدالله محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان أنه قال: سمعت هذه العلل من مولاي ابي الحسن بن موسى الرضا (عليهماالسلام) فجمعتها متفرقة وألفتها).
كما ذكر الصدوق في مشيخة الفقيه أن ما كان فيه عن الفضل بن شاذان من العلل التي ذكرها عن الرضا (عليهالسلام) فقد رويته عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان النيسابوري عن الرضا (عليهالسلام).
و نحن نقبل انّ کتاب العلل تصنيف فضل بن شاذان، ولکن هذا لا ینافی ان یکون المطالب المذکورة فی الکتاب من الامام الرضا (علیه السلام)، ولو بنحو النقل بالمعنی، الّا ما علم بعدم صدوره من الامام فيكون صادرا من الفضل نفسه، مثل قوله “منها ما لا نعلمه…” وهكذا قوله “فقد نروي عن الائمة” فان قيام القرینة على عدم صدور بعض المطالب من الامام لايوجب أن يرفع اليد عن شهادة الصدوق بصدور المطالب المذكورة فی الکتاب عن الامام الرضا (عليهالسلام) بالنسبة الى بقية المطالب.
و أما ما ذكره من الشواهد على عدم كون الفضل من أصحاب الرضا (عليه السلام) فيرد عليه أنه ثبت بطريق معتبر كون الفضل سمع من الرضا (عليهالسلام) لما تقدم من صحة طریق الصدوق الی الفضل، فما دام لميوجد شاهد قطعی علی انّ الفضل لا یمکن أن يروي عن الرضا (علیه السلام) لا وجه لرفع الید عن هذه الشهادة المعتبرة.
ويؤيد ذلك وجود اربع روایات اخری فی عیون اخبار الرضا عن الفضل بن شاذان أنه قال سمعت ابا الحسن علی بن موسی (علیه السلام)([60]) وروايتين في التوحيد([61])، نعم طريق الصدوق في هذه الروايات نفس احد الطريقين الى كتاب العلل لفضل بن شاذان.
ويشهد على امكان رواية الفضل عن الرضا (عليهالسلام) انّه روى عن حماد بن عیسی (و تبلغ احادیثه 136 حدیثاً) وحماد توفي فی سنة 208 أي سبع سنوات بعد استشهاد الامام الرضا (علیه السلام)، وكان مقيما فی الکوفة، وکذلک روى 316 حدیثا عن صفوان بن یحیی المتوفى سنة 210، وعليه فلابعد فی رواية الفضل عن الرضا (علیه السلام) قبل ذلک بسنوات قلیلة فی موطنه فی نیسابور او طوس قبل أن يسافر الى الكوفة، ولا اقل من وجود الاحتمال العقلائی فی حق الفضل انه ادرک الرضا (علیه السلام)
و أما کلام الشیخ الطوسی فهو ليس نفيا لكون الفضل قد ادرك الرضا (عليهالسلام) فلعل منشأه انّ الشیخ کان دأبه ملاحظة الروايات التي وصلت اليه، ولما لمیکن في شیء منها رواية الفضل عن الرضا (علیه السلام) لمیعده من اصحابه، فشهادة الشیخ بکون الفضل من اصحاب الهادی والعسکری (علیهما السلام) لا تکون شهادة علی عدم کونه من اصحاب الرضا (علیه السلام)، وهكذا الامر بالنسبة الى النجاشی، وما نقله من انّ والد الفضل کان من اصحاب یونس وروی عن ابی جعفر الثانی (علیه السلام) وقیل الرضا (علیه السلام) لا ينافي كون الفضل من اصحاب الرضا (عليهالسلام) لعدم البعد فی عدم نقل الاب من امام لعدم کونه من خاصته ونقل الابن منه ويجوز أن يكون الاختلاف بينهما في السن يسيرا.
اذن سند الرواية تام كدلالتها.
الدليل الثاني: صحيحة الحلبي
الدليل الثاني: صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام): هل قبل العشاء الآخرة و بعدها شيء؟ قال: لا، غير أنّي أُصلي بعدها ركعتين و لست أحسبهما من صلاة الليل[62].
فذكر المحقق الهمداني “ره” أن المستفاد منها أن الركعتين بعد العشاء مستحبتان في نفسهما و ليستا نافلة لها، فلا تشملها ما دل على سقوط نوافل الرباعية في السفر.
وفيه ان من المحتمل كون المراد بها ما مر من استحباب ركعتين بعد نافلة العشاء، واستفدنا من عدة من الروايات أنهما صلاة أُخرى غير وتيرة العشاء يستحب الإتيان بهما مستقلا بعد العشاء الآخرة زائدة على النوافل المرتبة ويستحب بهما عن قيام و يقرأ فيهما مائة آية.
الدليل الثالث:
ما ذكره المحقق الهمداني “ره” أيضاً من أن ما دل باطلاقه على سقوط وتيرة العشاء معارضة في الوتيرة بما دل من صحيحة زرارة وغيرها على أن من كان يؤمن باللّٰه و اليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر، وقد ورد في رواية الصدوق في علل الشرايع قال حدثنا علي بن أحمد قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله عن موسى بن عمران عن عمه الحسين بن يزيد عن علي بن ابي حمزة عن ابي بصير بعدها “قلت: تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال: نعم إنّهما بركعة[63]، و النسبة بينهما عموم من وجه، لكون الطائفة الاولى مختصة بالسفر و مطلقة من حيث النوافل وباطلاقها تشمل نافلة العشاء، على العكس من الطائفة الثانية، حیث انها مختصة بالوتيرة ومطلقة من حيث السفر والحضر، و ليس الإطلاق في الطائفة الاولى أقوى منه في الثانية لو لم يكن الأمر بالعكس لتضمن لسانها نوعا من التأكيد في الإطلاق، حيث دلت على أن الإتيان بها ينبعث عن الايمان بالمبدإ و المعاد غير المختص بوقت دون وقت، بل يمكن القول بأنّ لها نوع حكومة على تلك الأخبار، حيث يفهم منها أن الوتيرة مربوطة بصلاة الليل، و أن الإتيان بها بعد العشاء لأجل وقوعها قبل المبيت لا لارتباطها بالعشاء. و كيف ما كان فبعد التساقط في مادة الاجتماع يرجع إلى إطلاق دليل المشروعية في الوتيرة الذي مقتضاه عدم السقوط في السفر[64].
و اورد عليه السيد الخوئي “قده” أوّلًا: أن الوتر غير الوتيرة، و الموضوع في الطائفة الثانية هو الأوّل، كما أن معنى البيتوتة إنهاء الليل إلى طلوع الفجر، و يكون محصّل النصوص أن من كان يؤمن باللّٰه و اليوم الآخر لا يطلع عليه الفجر إلا بوتر، و الأخبار الواردة في الاهتمام بصلاة الليل بما فيها من الوتر كثيرة جدّاً، وليكن هذا منها.
و أما نافلة العشاء فلم يطلق عليها لا الوتر و لا الوتيرة في شيء من الأخبار، و إن تداول على ألسنة الفقهاء التعبير عنها بالوتيرة، إذن فلا سبيل للاستدلال بهذه الروايات على استحبابها فضلا عن عدم سقوطها في السفر. نعم فسّرت الوتر بها رواية عن أبي بصير المتقدمة كما سمعت، و من هنا جعلها في الحدائق شارحة لإجمال تلك الأخبار، و لكنها ضعيفة السند، لأنّ أكثر رواتها بين مهمل أو مجهول فلا يعوّل عليها، إذن فالروايات الدالة على السقوط سليمة عن المعارض.
و ثانياً: سلّمنا إرادة الوتيرة من الوتر إلا أنه لا يبعد القول بحكومة نصوص السقوط على الثبوت، نظراً إلى أن الثانية مسوقة لبيان أصل المشروعية، و أن الوتيرة من المستحبات الأكيدة، أما الأُولى النافية للمشروعية و الناطقة بأنه لا شيء قبل المقصورة و لا بعدها مؤيدة بما دل على أنه لو صلحت النافلة في السفر لتمت الفريضة، فهي مسوقة لبيان حكمها في السفر فارغاً عن أصل المشروعية، فهي ناظرة إليها و ما يضاهيها من النوافل المرتّبة و شارحة للمراد منها، و أنها خاصة بغير السفر، فلسانها لسان الشرح و التفسير، فلا جرم تتقدّم عليها تقدّم الحاكم على المحكوم من دون أيّ تعارض في البين[65].
اقول: الظاهر تمامية ايراده الثاني، وأما ايراده الاول فغيرتام، فان ظاهر النهي عن أن يبيت الرجل الا على كذا هو أن يفعله قبل دخوله في البيتوتة، واليتوتة وان كان هو الدخول في الليل كما صرح به في كتاب العين والمحيط وغيرهما فقال في كتاب العين “البيتوتة: دخولك في الليل، تقول: بت أصنع كذا إذا كان بالليل، و بالنهار ظللت. و من فسر بات على النوم فقد أخطأ[66]” لكن الظاهر منها بمناسبة الحكم والموضوع الذهاب الى الفراش للنوم، ويشهد لذلك كثير من الروايات، ففي الحديث: قال أبو جعفر (عليه السلام) ملك موكل يقول من بات عن العشاء الآخرة- إلى نصف الليل فلا أنام الله عينه[67]، وفي المحاسن عن ابن فضال عن ابن بكير عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) قد جعل بيتا في داره- ليس بالصغير و لا بالكبير لصلاته- و كان إذا كان الليل ذهب معه بصبي- لا يبيت معه فيصلي فيه[68]، وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كره أن يبيت الرجل على سطح- ليست عليه حجرة و الرجل و المرأة في ذلك سواء[69]، وفي سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيت في بيت وحده- فقال إني لأكره ذلك و إن اضطر إلى ذلك فلا بأس- و لكن يكثر ذكر الله في منامه ما استطاع[70]، وفي رواية سلام الحناط عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من استغفر الله مائة مرة حين ينام بات و قد تحات عنه الذنوب كلها كما يتحات الورق من الشجر- و يصبح و ليس عليه ذنب[71]، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) ما ينبغي لامرئ مسلم- أن يبيت ليلة إلا و وصيته تحت رأسه[72]، وفي رواية إبراهيم الكرخي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل له أربع نسوة- فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن فيمسهن فإذا بات عند الرابعة في ليلتها لم يمسها- فهل عليه في هذا إثم- قال إنما عليه أن يبيت عندها في ليلتها- و يظل عندها في صبيحتها و ليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك[73]، وفي رواية ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ترك العشاء مهرمة- و ينبغي للرجل إذا أسن أن لا يبيت- إلا و جوفه من الطعام ممتلئ[74]، وفي رواية البرقي في المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ترك العشاء مهرمة- و ينبغي للرجل إذا أسن- أن لا يبيت إلا و جوفه ممتلئ من الطعام[75]، وفي رواية المفضل بن عمر قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) ليلة و هو يتعشى- فقال يا مفضل ادن فكل قلت قد تعشيت- فقال ادن فكل فإنه يستحب للرجل إذا اكتهل- أن لا يبيت إلا و في جوفه طعام حديث فدنوت فأكلت[76]، وفي صحيحة ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا بلغ الرجل خمسين سنة فلا يبيتن و في جوفه شيء من السمن[77].
فالمراد من الوتر في روايات المقام وتيرة العشاء، ويشهد له رواية المثنى عن المفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت أصلي العشاء الآخرة فإذا صليت صليت ركعتين و أنا جالس فقال أما إنها واحدة و لو مت مت على وتر[78].
الدليل الرابع:
ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن الوتيرة خارجة عن موضوع دليل السقوط، إذ لم يثبت كونها نافلة للعشاء ليشملها ما دل على سقوط نوافل المقصورة في السفر، و إنما هي صلاة مستحبة شرّعت بدلًا عن الوتر مخافة فوتها في ظرفها، كما تدل عليه صحيحة فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في حديث … منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر ..» و لعلّه لأجل ذلك عددت النوافل و الفرائض في جملة من النصوص بخمسين ركعة. إذن فلا معارض لما دل على استحبابها المطلق الشامل للسفر و الحضر[79].
وفيه أن الظاهر من صحيحة عبد اللّٰه بن سنان “عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلا المغرب ثلاث” عدم صلاة في السفر بعد العشاء، ولا اشكال في أن الوتيرة كانت صلاة بعد العشاء عرفا، وان فرضنا عدم كونها من النوافل الاصلية التابعة للفرائض.
الدليل الخامس:
ما استدل به ايضا من صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال: سألته عن الصلاة تطوعاً في السفر، قال: لا تصل قبل الركعتين و لا بعدهما شيئاً نهاراً[80]، فإن السؤال كان عن مطلق التطوع في السفر، ولكن الامام (عليه السلام) خص في الجواب نفي مشروعية صلاة التطوع قبل الركعتين وبعدهما بخصوص النوافل النهارية، فيدل بمقتضى مفهوم الوصف على عدم تعلق الحكم بالطبيعي المطلق، بل بحصّة خاصة منها، و إلا لأصبح القيد لغواً، والتقصير في الليل منحصر بالعشاء، ضرورة عدم التقصير في المغرب و الفجر، إذن فالتقييد بالنهارية في الصحيحة كأنه ناظر إلى وتيرة العشاء خاصة للاشارة إلى عدم سقوطها في السفر، وعليه فلا يبعد القول بمشروعية وتيرة العشاء في السفر، الا أن المشهور حيث ذهبوا إلى سقوطها فلا نفتي بالمشروعية، فالأحوط الإتيان بها رجاءً[81].
اقول: الانصاف أنه حتى لو قيل بسقوط وتيرة العشاء فلا يحس بلغوية عرفية في التقييد بقوله نهارا، حيث يرى العرف أنه احتراز عن نوافل المغرب، نعم لو قيد السؤال او الجواب بنوافل الصلوات التي تقصر في السفر ثم قال الامام (عليه السلام) لا تصل قبل الركعتين ولا بعدهما نهارا كان للاستدلال وجه، وكان مقيدا لصحيحة ابن سنان.
والحاصل ان الدليل على مشروعية الوتيرة في السفر منحصر برواية الفضل بن شاذان، وهي معتبرة عندنا فلولا الشهرة على السقوط كان للفتوى بمشروعيتها في السفر وجه قوي كما في نهاية الشيخ “ره”، لا أنه لأجل المشهور يكون مقتضى الاحتياط الاتيان بها رجاءً.