فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

التنبيه الرابع عشر: في لزوم احراز بقاء الموضوع و وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة. 2

التعبير بلزوم احراز بقاء الموضوع.. 3

الاشكال الاول: جعل مرجعية العرف والعقل في قبال مرجعية الشرع. 5

الجواب الاول: ما ذكره صاحب الكفاية. 5

الجواب الثاني: ما ذكره السيد الخوئي “قده”.. 6

الجواب الثالث: ما هو الصحيح.. 7

الاشكال الثاني: ما ذكره السيد الصدر “ره”.. 8

مناقشه. 9

الاشكال الثالث: انما يقع البحث في مرجعية العرف او الشرع، وأما العقل فلا دور له في ذلك…. 12

المرجع في تشخيص كون الحيثية تعليلية او تقييدية هو العرف12

التعبير بلزوم وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة. 14

المرجع في وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة هو العرف15

اشكال عدم احراز بقاء الموضوع في استصحاب الحكم الجزئي.. 18

التنبيه الخامس عشر: استصحاب العدم الازلي.. 19

المحقق النائيني “قده”: عدم جریانه لو كان الموضوع للحكم الشرعي بنحو مفاد كان الناقصة. 19

مناقشه. 20

السيد الامام “قده” :ما هی في حال الوجود ليست موضوعة للقضية المتيقنة الحاكية عن ظرف العدم. 20

مناقشه. 21

مانع الاصلی فی جريان استصحاب العدم الازلي.. 21

تصور استصحاب العدم الازلي في عوارض الوجود 22

16- وجه تقديم الامارة على ارتفاع الحالة السابقة على استصحابها 25

التقريب الاول فی تقديم الأمارات المعتبرة على الاصول. 26

الوجه الاول: 26

الوجه الثاني: 29

الوجه الثالث: 29

الوجه الرابع: ما هو الصحيح.. 29

التقريب الثاني: حكومة دليل حجية الامارة على الاستصحاب.. 30

اشکال صاحب الکفایه. 30

جواب المحقق النایینی: أن الحكومة على قسمين.. 30

فی رد ما ذکره محقق النایینی.. 33

هل یختص تقديم الأمارة على الاستصحاب بالأمارة المخالفة ام لا؟. 38

عدم ثمرة فی البحث عن تقدم الامارة الموافقة على الاصل.. 39

المثال الاول: 39

المثال الثاني: 39

 

موضوع: تنبیه14 /تنبیهات /استصحاب

خلاصه مباحث گذشته:

متن خلاصه …

 

 

التنبيه الرابع عشر: في لزوم احراز بقاء الموضوع و وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة

ذكر الشيخ الاعظم “قده” انه يعتبر في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع، فاورد عليه اولا: بانه قد يكون الاستصحاب بنحو مفاد كان التامة -كاستصحاب وجود زيد- او ليس التامة -كاستصحاب عدم زيد- ولا معنى لاعتبار احراز بقاء الموضوع فيهما حيث انه لو احرز بقاء زيد فلا حاجة حينئذ الى الاستصحاب.

وثانيا: انه لا وجه لاعتبار بقاء الموضوع حتى في ما لو كان الاستصحاب بنحو مفاد كان الناقصة، فلو شككنا في بقاء عدالة زيد، وشككنا ايضا في حياته، او شككنا في بقاء الزوجية بين زيد وبين زوجته وشككنا ايضا في بقاء حياة زوجته، فلا مانع من استصحاب عدالة زيد او زوجيته لامرأته ان ترتب عليه اثر شرعي، كما يقال بأن اثر بقاء زوجيته لها حرمة تزويج اختها.

والظاهر أن مراده “قده” من اعتبار بقاء الموضوع اعتبار وحدة الموضوع، لا بمعنى كفاية وحدة الموضوع وان تغاير المحمول، فان من الواضح عدم جريان الاستصحاب حينئذ، و لا يتوهم احد كفاية اليقين السابق بعدالة زيد سابقا في استصحاب كونه عالما.

ولعله لاجل هذه الاشكالات عبّر صاحب الكفاية باعتبار وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا، ودليل اعتبارها واضح حيث انه بدونها لا يصدق نقض اليقين بالشك او المضي على اليقين.

وعليه فينبغي الكلام حول كل من التعبيرين.

التعبير بلزوم احراز بقاء الموضوع

أما بلحاظ التعبير باحراز بقاء الموضوع فقد وقع الكلام في أن المدار فيه على نظر الشرع او العرف او العقل، وقد يعبّر عن ذلك بأنه حيث يكون جريان الاستصحاب تابعا لكون الحالة والحيثية المفقودة التي كان زوالها موجبا للشك في الحكم حيثية تعليلية لعروض الحكم على موضوعه، والا فلو كانت حيثية تقييدية فمع زوالها يزول موضوع الحكم، فيبحث حينئذ في أن المرجع في تشخيص كونها حيثية تعليلية او تقييدية، هل هو الشرع او العرف او العقل.

فاذا قال الشارع “الماء المتغير نجس” فزال تغير الماء بنفسه وشككنا في بقاء نجاسته، فان لاحظنا الدليل الشرعي فقد أخذ عنوان الماء المتغير في موضوع النجاسة وهذا العنوان لا ينطبق فعلا على الماء الذي زال تغيره، فلا يكون الموضوع باقيا بنظر الشارع، اي بلحاظ موضوع الخطاب الكاشف عن الجعل الشرعي وموضوعه، بخلاف ما اذا كان الخطاب بلسان أنه اذا تغير الماء تنجس، وهذا يعني كون التغير حيثية تقييدية شرعا في الخطاب الاول، وحيثية تعليلية شرعا في الخطاب الثاني.

وان لاحظنا النظر العرفي فالعرف يرى أن معروض النجاسة هو ذات الماء، ويكون تغيره حيثية تعليلية لذلك، فيقول كان هذا الماء نجسا حين تغيره، ويشك الآن في بقاء ذلك، وهذا لا ينافي استظهار العرف من الخطاب كون موضوع الجعل هو عنوان الماء المتغير، لكنه يرى أن المجعول -اي النجاسة العارضة على الشيء الخارجي- انما هو عارض على ذات الماء.

وان لاحظنا النظر العقلي فقد ذكر الشيخ الاعظم “قده” أنه لو كان المرجع بقاء الموضوع بنظر العقل اختص الاستصحاب بموارد الشك في الرافع، كالشك في بقاء الطهارة بعد خروج المذي ففيه أنه لو كان المرجع نظر العقل لم يجر الاستصحاب في الشبهات الحكمية حتى مع الشك في الرافع، كالشك في بقاء الطهارة بعد خروج المذي، لتبدل الموضوع فيه ايضا فان من كان متطهرا هو الذي كان قد توضأ ولم يصدر منه المذي، واسراء الطهارة الى هذا الذي صدر منه المذي يكون اسراء الحكم من موضوع الى موضوع آخر بالنظر العقلي.

ولا يخفى أن مقصود الشيخ من التعبير هنا بالشك في الرافع غير ما هو مقصوده من التعبير به عند تفصيله في جريان الاستصحاب بين الشك في المقتضي و الشك في الرافع، فمقصوده هنا من الشك في الرافع ما اذا شك في كون طرو امر وجودي رافعا شرعا للحكم المجعول على الموضوع، من غير أن يكون رافعا لعنوان الموضوع، فمن صدر منه الوضوء موضوع للحكم بالطهارة ويشك في كون المذي رافعا للطهارة شرعا، بخلاف نجاسة الماء المتغير، حيث يشك في بقاء النجاسة بعد زوال عنوان الموضوع وهو الماء المتغير، مع أنه ليس من قبيل الاستصحاب عند الشك في المقتضي، اذ نجاسة الماء المتغير مما لا تنعدم بمضي الزمان، بل تبقى ببقاء عنوان التغير ويكون زوال التغير رافعا تكوينيا لنجاسته.

هذا وقد اعترض عليه صاحب الكفاية، فقال بناء على كون المرجع في تشخيص بقاء الموضوع هو العقل فلا يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية ابدا، حتى ولو كان الشك في الرافع، لأن منشأ الشك في بقاء الحكم الكلي هو تبدل حالات الموضوع، فالشك في بقاء نجاسة هذا الماء يكون لاجل تبدل حاله من التغير الفعلي الى زوال التغير، والعقل يلحظ جميع تلك الحالات في الموضوع([1]).

وما ذكره متين الا أنه سيأتي أنه لا مجال لطرح مرجعية العقل الا بلحاظ وحدة الوجود الخارجي للموضوع، فانه بعد اعتبار وحدة الوجود الخارجي للموضوع اي المتيقن والمشكوك في جريان الاستصحاب، والا لم يصدق نقض اليقين بالشك، فحينئذ يقع البحث في أن المدار في تشخيص وحدة الوجود الخارجي هل هو العقل او العرف، وأما بقاء العنوان المعروض للحكم، والذي قد يعبر عنه بالحيثية التقييدية للحكم، فلا مجال لطرح كون المرجع فيه العقل، اذ لا معنى لأن يرجع العقل الحيثيته التعليلية في الحكم الشرعي الى الحيثية التقييدية، بعد أن كان امر ذلك في مرحلة الجعل بيد الشارع، كما أن تحديد معروض المجعول كأمر وهمي اعتباري يكون بيد العرف، فاذا قال الشارع “اذا تغير الماء تنجس” فالتغير حيثية تعليلية للحكم بلحاظ عالم الجعل، كما أن العرف يرى أن معروض النجاسة في الخارج هو ذات الماء، فكيف يتحكم العقل ويرى أن العنوان المعروض للحكم هو الماء المتغير، نعم لو كان الماء الذي زال تغيره بنظر العقل موجودا آخر غير ما كان سابقا حين التغير جرى فيه حديث مرجعية نظر العقل، ولكنه ليس كذلك جزما، بعد أن لم يكن تبدل الاعراض كاشفا عن تغاير وجود المحل عقلا.

ثم انه توجد هنا عدة اشكالات:

الاشكال الاول: جعل مرجعية العرف والعقل في قبال مرجعية الشرع

الاشكال الاول: ما اورده المحقق النائيني “قده” على جعل مرجعية العرف والعقل في قبال مرجعية الشرع، حيث قال: انه لا يصح جعل نظر العرف والعقل في قبال نظر الشرع، فان العرف ان كان يستظهر من الخطاب الشرعي بمناسبات الحكم والموضوع كون موضوع النجاسة شرعا هو ذات الماء وان كان المذكور في الخطاب أن الماء المتغير نجس فلا اشكال أنه المتبع وليس في قبال نظر الشرع، بل هو استظهار للموضوع الشرعي، وان كان العرف يستظهر من الخطاب الشرعي كون الموضوع هو الماء المتغير ومع ذلك يستقل بدعوى أن موضوع النجاسة ذات الماء فلا اعتبار لدعواه، اذ الكلام في النجاسة الشرعية التي لابد أن يبيِّن الشارع موضوعها، نعم يمكن أن يكون المقصود تسامح العرف في مقام التطبيق ولكن لا عبرة بمسامحاته.

وهكذا نظر العقل، فان كان العقل يشخص موضوع حكم نفسه فلا علاقة له بتشخيص موضوع حكم الشرع، وان كان كان يشخص موضوع حكم الشرع فيكون كاشفا قطعيا عنه ولا كلام في لزوم اتباعه وتقديمه على نظر العرف الذي هو كاشف ظني استظهاري، لأن الظن النوعي لا يكون حجة مع القطع بالخلاف.

وقد اجيب عنه بعدة اجوبة:

الجواب الاول: ما ذكره صاحب الكفاية

ما ذكره صاحب الكفاية من أنه إذا ورد مثلا “العنب إذا غلى يحرم” كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفا هو خصوص العنب، و لكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم و يتخيلونه من المناسبات بين الحكم و موضوعه يجعلون الموضوع للحرمة ما يعم الزبيب، و يرون العنبية و الزبيبية من حالاته المتبادلة بحيث لو لم يكن الزبيب محكوما بما حكم به العنب كان عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه، و لو كان محكوما به كان من بقاءه و لا ضير في أن يكون الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بسبب ما تخيلوه من الجهات و المناسبات فيما إذا لم تكن بمثابة تصلح قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه، و لا يخفى أن النقض و عدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع، فيكون نقضا بلحاظ موضوع و لا يكون بلحاظ موضوع آخر.

ثم قال إن قضية إطلاق خطاب “لا تنقض” هو أن يكون بلحاظ الموضوع العرفي، فيكون المناط في بقاء الموضوع هو الاتحاد بحسب نظر العرف‏([2]).

وفيه أن الارتكاز العرفي ان كان حول موضوع الحكم العرفي فليس بمهم، لأن الكلام في تشخيص موضوع الحكم الشرعي، وان كان حول موضوع الحكم الشرعي فهذا الارتكاز الذي لا يبلغ حد تغيير الظهور فان كان بمرتبة توجب اجمال الخطاب فهو خلف ما ذكرتم من عدم اجمال فيما يستظهره العرف من الخطاب والا فاي اثر لهذا الارتكاز.

والحاصل أنه حينما يقول الشارع “العنب اذا غلا حرم” وكان العرف يستظهر منه أن الموضوع هو العنب، ولكن يرى بارتكازه أن الموضوع ذات الحبة وكون العنبية والزبيبية من حالاتها، فاي معنى لعدم اتباع ظهور الخطاب، فلا مجال لأن يقع الكلام في أن المتبع هو الاستظهار من الخطاب او الارتكاز العرفي.

اللهم الا أن يكون المقصود أن العرف يستظهر كون موضوع الجعل الشرعي هو الحبة ويفهم من الخطاب ثبوت الحرمة لها عند غليانها في حال عنبيتها، ويكون الجعل بالنسبة الى غليانها حال زبيبيتها مشكوكا، لكنه مضافا الى أنه لا وجه لهذا الاستظهار لموضوع الجعل ليس كلام صاحب الكفاية ظاهرا في هذا المطلب.

الجواب الثاني: ما ذكره السيد الخوئي “قده”

ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن حدوث الحكم يؤخذ من الخطاب الشرعي كقوله “الماء المتغير نجس” فنظر العرف في تشخيص الموضوع مطابق لنظر الشرع، وهو أنه الماء المتغير، الا أنه بعد مرحلة الحدوث اي بعد زوال تغير الماء يقع النزاع في أنه هل يرجع الى الخطاب الشرعي ويلحظ موضوع حدوث الحكم، فلا يجري الاستصحاب في هذا المثال او يرجع الى العرف في تشخيص أنه ان لم يبن المكلف على نجاسة هذا الماء يراه ناقضا لليقين بالشك، فيما اذا لم يكن العنوان مقوما للوجود كما في هذا المثال، فيجري الاستصحاب.

اقول: لم يذكر في هذا الجواب أي توجيه حول أنه كيف يرى العرف أن موضوع النجاسة هو الماء المتغير، والمفروض انتفاء هذا العنوان بعد زوال تغير الماء ومع ذلك يدعي أن عدم البناء على نجاسة هذا الماء نقض لليقين بالشك.

الجواب الثالث: ما هو الصحيح

الجواب الثالث: ما هو الصحيح من أنه تارة يلحظ مقام الجعل الكلي والقانون، وأخرى مقام المجعول اي مقام عروض الحكم على الموضوع الخارجي، فاستظهار العرف من خطاب “الماء المتغير نجس” كون الماء المتغير مأخوذا في موضوع الجعل والقانون لا يمنع من الاستصحاب الجاري في مقام المجعول، حيث يرى العرف أن الموصوف بوصف النجاسة والمعروض له هو ذات الماء لا عنوان الماء المتغير، كما ان معروض الحكم في قوله “العنب يحرم اذا غلى” هو ذات الحبة لا عنوان العنب.

فحيث نريد اجراء استصحاب بقاء المجعول، فلابد أن نلحظ صدق نقض اليقين بالشك على مقام المجعول، ونتَّبع نظر العرف في ذلك، فلو عرفنا نظر الشارع في مقام الجعل، وأن موضوعه هو الماء المتغير، فلا نقع بعد زوال التغير في الاشكال من ناحية بقاء الموضوع، وانما نقع في الاشكال بلحاظ انتفاء الشك في بقاء الحكم السابق، فالشك في بقاء الحكم انما يكون فيما اذا لم نعرف موضوع الجعل الشرعي بالدقة، واحتملنا كون موضوعه الماء الذي حدث فيه التغير.

ولا ينافي ذلك العلم بورود خطاب “الماء المتغير نجس”، اذ نحتمل كون موضوع الجعل ثبوتا أن الماء الذي حدث فيه التغير نجس.

ان قلت: مقتضى أصالة التطابق بين مقام الاثبات والثبوت حينئذ كون الماء المتغير موضوع الجعل ثبوتا.

قلت: مضافا الى أنه قد يكون هذا العنوان مأخوذا في سؤال السائل فالامام (عليه السلام) يبين حكمه، انه قد مر في محله عدم ثبوت اصل عقلائي من هذا القبيل، فلعل ما في الخطاب حصة من الموضوع العام للجعل، فقد يجعل المولى طهارة بول ما أكل لحمه ولكنه يقول “بول الشاة طاهر” ويكون تخصيصه بالذكر إما لكثرة ابتلاء الناس به او لسبب آخر.

ان قلت: اذاً لماذا لا يقال في مثل استحالة الكلب ملحا بمثل ذلك، اي يقال بأنه حيث يحتمل كون ما كان كلبا موضوعا للنجاسة، فيحتمل بقاء نجاسة الملح المستحيل من الكلب، قلت: -مضافا الى أن كون العنوان الذاتي كالكلبية بحدوثه موضوعا للنجاسة خلاف الظاهر، فيختلف عن مثل العنوان العرضي كالتغير- ان المشكل في ذلك أنه لو كان الموضوع في علم الله هو الكلب، لا ما كان كلبا فيعلم او يحتمل عدم كون معروض النجاسة الا عنوان الكلب.

الاشكال الثاني: ما ذكره السيد الصدر “ره”

الاشكال الثاني: ما ذكره السيد الصدر “ره” من أن ما يقال من أن الاستصحاب انما يجري اذا كانت الحيثية المفقودة حيثية تعليلية لا تقييدية غير صحيح، فانه بناء على ما هو المختار من أنه لا يعتبر في الاستصحاب عدا الشك في البقاء، فمع الشك في بقاء النجاسة في الماء الذي زال تغيره يمكن استصحابها، ولو احتملنا كون حيثية التغير حيثية تقييدية، حيث يكفي في الشك في بقاء النجاسة احتمال عدم كون حيثية التغير حيثية تقييدية، ولأجل ذلك نقول انا لو قبلنا ما يقال من أن الحيثيات التعليلية راجعة في نظر العقل الى الحيثيات التقييدية، فمع ذلك فلعل الحيثية التقييدية هو حدوث التغير، فلا يوجد مانع من استصحاب النجاسة.

وان قلنا بأنه يعتبر في الاستصحاب مضافا الى الشك في البقاء احراز أن النجاسة لو كانت موجودة فعلا فهي بقاء للنجاسة السابقة، بدعوى أن التعبد الاستصحابي يتعلّق بما هو بقاء المتيقن، فلابد من احراز كون التعبد بالمشكوك تعبدا بشيء يكون على تقدير وجوده بقاء للمتيقن، فيبقي الاشكال حتى لو كانت الحيثية تعليلية، حيث نحتمل كون التغير حيثية تعليلية للنجاسة حدوثا وبقاء، بحيث لو زال التغير ارتفعت تلك النجاسة، فتكون نجاسة الماء الذي زال تغيره نجاسة جديدة ولم تكن بقاء للنجاسة السابقة.

الا أن المهم عدم دليل على اشتراط احراز كون المشكوك على تقدير وجوده بقاء للمتيقن السابق في جريان الاستصحاب، حيث ان الصحيح أنّ الاستصحاب يثبت بقاء المتيقن بنحو مفاد كان التامّة، نعم لو قلنا بأن الاستصحاب جعل للحكم المماثل، بمعنى أنّ المولى يعبّد بحكمٍ يكون مماثلًا لذلك الحكم المتيقّن، فيقال في المقام: إنّ الذي يعبّدنا المولى به و هو نجاسة الماء بعد زوال تغيّره لم نعلم بمماثلته للحكم المتيقّن، إذ لو كان الحكم المتيقّن مقيّداً بالتغيّر الفعلي فهذا ليس مماثلًا له، و ليست هذه النجاسة التي عبّدنا بها بقاء لتلك النجاسة.

بل نقول: حتى لو فرض اشتراط احراز كون المتعبد به بقاء للمتيقن فيمكن حل الاشكال بالنظر الى عالم المجعول دون الجعل، فانه لو كان التغير حيثية تعليلية حدوثا وبقاء لجعل النجاسة، ولكن وجد جعل آخر لنجاسة الماء الذي زال تغيره، فبعد زوال التغير حيث تكون نجاسة الماء متصلة بالنجاسة قبل زوال التغير، فالعرف يرى استمرار تلك النجاسة، فلو كانت النجاسة موجودة فهي بقاء للنجاسة السابقة في عالم المجعول الذي هو الملحوظ بالنظر العرفي.

فتحصل أنه لا فرق بين كون الحيثية تعليلية او تقييدية في نظر العرف او الشرع او العقل، نعم لا اشكال في اعتبار وحدة الوجود الخارجي للموضوع اي المتيقن والمشكوك في جريان الاستصحاب، فلو تعدّد الوجود الخارجي للمتيقن مع المشكوك لم يجر الاستصحاب([3]).

مناقشه

وفيه اولا: انه كما يستفاد من كلام صاحب الكفاية في المقام اختلاف الاحكام الشرعية، فقد يكون عنوان حيثية تقييدية لحكم، وحيثية تعليلية لحكم آخر، فمثلا في الكلب المستحيل الى الملح يوجد حكمان: النجاسة والملكية، فمعروض النجاسة هو الصورة النوعية الكلبية دون معروض الملكية فانه ذات الجسم، ولذا لا يرى العرف صدق قولنا مشيرا الى هذا الملح “انه كان نجسا” وانما يصح أن يقال “انه كان كلبا وكان الكلب نجسا” بل الامر في الخشب المتنجس المستحيل الى الملح كذلك، مع أن عنوان الخشب لم يؤخذ في موضوع دليل تنجس ملاقي النجس، الا أنه لا يصح عرفا أن يقال ان هذا الملح كان نجسا بل كان خشبا وكان الخشب نجسا، بينما أن العرف يرى صدق أن هذا كان ملكا لزيد.

وعليه فنقول ان كان الملاك في جريان الاستصحاب احراز وحدة وجود الموضوع، مع الشك في بقاء الحكم، فلماذا اختلف حكم النجاسة عن حكم الملكية في مورد استحالة النجس او المتنجس، فانه ان كان وجود الكلب او الخشب المستحيل ملحا غير وجود الملح، فلماذا يجري استصحاب الملكية، وان كان نفس ذلك الوجود مع تبدل الصورة النوعية فلماذا لا يجري استصحاب النجاسة مع اشتراكهما في الشك في البقاء.

فالمراد من الحيثية التعليلية والتقييدية هو ما ذكرناه من أن العرف يرى معروض نجاسة الكلب والخشب الملاقي للنجس هو الصورة الكلبية والخشبية فتكون الصورتان حيثية تقييدية، بينما أنه يرى كون معروض نجاسة الماء المتغير هو ذات الماء فيكون التغير حيثية تعليلية لعروض النجاسة لذات الماء عرفا.

وحينئذ ينفتح المجال أمام البحث عن كون المرجع في تشخيص معروض الحكم هل هو العرف او الشرع، فمن يرى مرجعية الشرع فيفصِّل بين قول الشارع “اذا تغير الماء تنجس” وبين قوله “الماء المتغير نجس” فيجري الاستصحاب في الاول دون الثاني، كما بفصِّل مثل المحقق الثاني “ره” بين استحالة النجس واستحالة المتنجس كاستحالة الخشب ملحا حيث لم يرد عنوان الخشب في موضوع نجاسة ملاقي النجس، بينما أن من يرى مرجعية العرف لا يفصِّل بين هذه الموارد، فيجري الاستصحاب في جميعها.

ومن يرى مرجعية العقل فلابد أن يمنع من استصحاب الكرية مع النقص اليسير في الماء الذي كان كرا، نعم قد تكون مرجعية العقل نافعة بحال الاستصحاب.

وثانيا: ان ما ذكره من أنه لو كان الوجود الخارجي للموضوع واحدا فلا يضر تعدد الجعل في جريان الاستصحاب ففيه ما مر سابقا من أن تعدد الجعل يوجب تعدد المجعول عرفا، فان قوام الجعل بالقانون الذي اعتبره الشارع، فاذا تعدد القانون فالعرف يرى تعدد الحكم والمجعول، فلو قال المولى لعبده يجب عليك القيام مادام زيد في الغرفة، وقال ايضا يجب عليك القيام مادام عمرو في الغرفة، فاذا جاء عمرو الى الغرفة حين خروج زيد منها فجنس وجوب القيام وان كان باقيا، ولكن يتعدد شخص وجوب القيام ولا يكون وجوب القيام عند دخول عمرو بقاء لشخص وجوب القيام السابق، ولذا لو شك في جعل المولى للوجوب الثاني فلا مجال لجريان استصحاب وجوب القيام.

وهكذا لو قال زيد لعمرو “مادام بكر في البلد فانت وكيلي في بيع داري” وقال له ايضا “مادام خالد في البلد فانت وكيلي في بيع داري”، فاذا حضر خالد في البلد حين خرج بكر منه فلا يرى العرف بقاء الوكالة السابقة.

ان قلت: ان كانت نسبة الجعل الى المجعول نسبة السبب الى مسببه فتغاير سبب الحدوث عن سبب البقاء لا يوجب تعدد المسبب، كما أن الحال في السبب والمسبب التكويني كذلك، فلو كان سبب حدوث النار مقدارا من الحطب ونقطع بانعدامه ولكن نحتمل بقاء النار لأجل القاء حطب آخر فلا اشكال في جريان الاستصحاب بناء على جريانه عند الشك في المقتضي، وان كانت نسبة الجعل بمعنى القانون والقضية الانشائية الى المجعول والحكم الفعلي نسبة الكلي والفرد لزم كون الاستصحاب في الشبهات الحكمية من استصحاب القسم الثاني من الكلي، ففي مثال استصحاب نجاسة الماء بعد زوال تغيره يدور امر نجاسته السابقة بين كونها الجعل المضيق اي “الماء المتغير بالفعل نجس” فيكون مرتفعا يقينا، او الجعل الموسع اي “الماء الذي حدث فيه التغير نجس” فيكون باقيا يقينا، نعم لا يوجب ذلك اشكالا في هذا المثال حيث ان صرف وجود نجاسة الماء موضوع للأحكام كحرمة شربه، حيث يكون من استصحاب القسم الثاني من الكلي، نظير ما لو قال المولى “اذا كان انسان في الدار فتصدق بدرهم” بأن كان وجوب التصدق على الفقير مترتبا على كون صرف وجود الانسان في الدار، ولكن يشكل الامر في استصحاب الاحكام التكليفية، كما لو شك في بقاء وجوب اكرام زيد بعد الزوال للشك في كونه الجعل الموسع لوجوب اكرامه من طلوع الشمس الى الغروب او الجعل المضيق لوجوب اكرامه من طلوع الشمس الى الزوال، وحيث ان الاثر المترتب على الحكم التكليفي هو وجوب طاعته عقلا، وهذا الاثر مترتب على كل فرد من افراد الحكم بنحو الانحلال والاستغراق وقد مر أنه يوجب كون استصحاب الجامع بين الحكمين التكليفيين من استصحاب الفرد المردد، بعد فرض العلم بانتفاء احدهما المعين على تقدير حدوثه، حيث لا يصلح حينئذ للتنجز، فيكون استصحاب الجامع بينهما من استصحاب الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله.

قلت: اولا: ان الصحيح جريان استصحاب الفرد المردد، خصوصا فيما لو كان المستصحب حكما متسانحا مترتبا شرعا على العنوان الكلي على نحو المطلق الشمولي، كما لو قال المولى “كلما كان انسان في الدار فتصدق على الفقير بدرهم” بحيث كان وجوب التصدق مترتبا عليه بنحو الانحلال، اي كلما وجد فرد جديد من الانسان ثبت فرد آخر من وجوب التصدق.

وثانيا: سبق منّا ان الحكم الشرعي اذا لوحظ كوصف للموضوع الخارجي و يحدث بحدوثه و يبقى ببقاءه، كما هو مقتضى استصحابه، فطوله او قصره لا يوجب تعدد الفرد المجعول عرفا، و انما يوجب الاختلاف في حالاته، فاذا علمنا بأن المولى امر باكرام زيد من طلوع الشمس، فالشك في جعل المولى الزول غاية لهذا الجعل الشخصي المعين او الغروب لا يخرج استصحابه من استصحاب الفرد المعين الى استصحاب الكلي او الفرد المردد.

نعم اذا كانت الشبهة موضوعية كما إذا علم بوجوب الجلوس ساعة إذا جاء زيد و ساعتين إذا جاء خالد و علم بمجي‏ء أحدهما، فنلتزم بعدم كون استصحابه من قبيل استصحاب الفرد المعين الا أنه لا مانع فيه من استصحاب الجامع فانه يقبل التنجيز في المقام، حيث لا تدخل خصوصياته في التنجز، فاستصحاب وجوب الجلوس الحادث في هذا اليوم ينجز الوجوب بقاء ولا يكون من الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله.

وما في البحوث من أن اختلاف الجعل يكون كاختلاف الحيثيات التعليلية للمجعول لا التقييدية، و هذا يعني انَّ المستصحب الملحوظ بالنظر العرفي المسامحي شخصي لا كلي([4])، فقد مر الاشكال عليه بأنه ان كان الحكم الجزئي مسببا عن الجعل الكلي تم ما ذكره من أن كونه مسببا مثلا عن جعل وجوب الجلوس يوم الجمعة الى ساعة او جعل وجوب الجلوس الى ساعتين يوم السبت لا يوجب تعدده عرفا، فان اختلاف السبب لا يوجب تعدد المسبب، لكن لازمه أنه لو وجب الجلوس الى الزوال بسبب مجيء زيد ثم احتمل أن مجيء عمرو صار سببا لاستمرار وجوب الجلوس الى الليل، فيجري استصحاب بقاء وجوب الجلوس، ومن المستبعد التزامه به، والصحيح أنه من استصحاب القسم الثالث من استصحاب الكلي، لما ذكرنا من أن تعدد الجعل يوجب تعدد المجعول عرفا، والسر فيه أن الحكم الجزئي مصداق من مصاديق الجعل الكلي، وليس مسببا عنه، وعليه فلا يكون استصحاب جامع وجوب الجلوس في المثال المذكور من استصحاب الفرد.

الاشكال الثالث: انما يقع البحث في مرجعية العرف او الشرع، وأما العقل فلا دور له في ذلك

الاشكال الثالث: ما يخطر بالبال من أنه بلحاظ اعتبار احراز بقاء الموضوع اي لزوم احراز بقاء الحيثية التقييدية للحكم، لا مجال لطرح كون المرجع فيه العقل، وانما يقع البحث في مرجعية العرف او الشرع، وأما العقل فلا دور له في ذلك، و ما يقال من أن الحيثيات التعليلية للحكم راجعة الى الحيثية التقييدية فانما يتم في الحكم العقلي فيقال الكذب قبيح لكونه موجبا للفساد” وهذا يعني أن ما يوجب الفساد هو القبيح، وأما الحكم الشرعي فلا معنى لأن يرجع العقل حيثيته التعليلية الى الحيثية التقييدية، بعد أن كان امر ذلك في مرحلة الجعل بيد الشارع، كما أن تحديد معروض المجعول كأمر وهمي اعتباري يكون بيد العرف.

نعم يمكن أن يطرح بحث مرجعية العقل في مثل وصف كرية الماء حيث ان المتصف به عقلا مجموع الماء بما فيه ذاك المقدار اليسير الذي اخذنا منه وبذلك شككنا في بقاء كريته، الا أن العرف يتسامح ويرى أن المتصف به هو المجموع المسامحي الذي لا يخل بصدقه اخذ ذلك المقدار اليسير، فيشير العرف اليه ويقول كان هذا كرا، لكن هنا لا مجال للبحث عن مرجعية الشرع، لان كرية هذا الماء ليست من الأحكام الشرعية حتى يرجع في تشخيص موضوعها الى نظر الشارع.

المرجع في تشخيص كون الحيثية تعليلية او تقييدية هو العرف

وكيف كان فالصحيح أن المرجع في تشخيص كون الحيثية المفقودة تعليلية او تقييدية هو العرف، لأن خطاب النهي عن نقض اليقين بالشك ملقى الى العرف، وحيث يرى العرف صدق نقض اليقين بالشك مع رفع اليد عن بقاء الحكم السابق مع بقاء معروضه عرفا فيكون عموم النهي عن نقض اليقين بالشك هو المتبع.

وعليه فلا يجري الاستصحاب في مورد احراز او احتمال عدم بقاء معروض الحكم بالنظر العرفي كما في موارد الاستحالة، او الشك فيها، نعم في مورد الشك في استحالة الأعيان النجسة كالكلب بنحو الشبهة الموضوعية لا مانع من الاستصحاب الموضوعي، فيقال هذا كان كلبا فيستصحب كونه كلبا فيحكم بنجاسته.

وما في كتاب الأضواء من المنع عن جريان الاستصحاب الموضوعي عند الشك في الاستحالة خارجاً، لعدم انحفاظ جسم واحد يمكن أن يشار إليه فيقال بأنّه كان عنباً سابقاً و يشك فيه بقاءً لكي يستصحب([5])، فان كان المقصود المنع من جريانه في الشك في استحالة المتنجس كالخشب فلا بأس به اذ ليس هذا العنوان موضوعا للأثر الشرعي، وأما في عين النجس كالكلب فيستصحب كونه كلبا، واثره الشرعي نجاسته.

هذا وقد ذكر السيد الخوئي “قده” في مصباح الأصول أن المرجع في اتحاد الموضوع في القضيتين و صدق نقض اليقين بالشك فيما كان الحكم ثابتاً بالدليل الشرعي هو العرف، فربما يحكم العرف بكون وصفٍ تمام الموضوع للحكم، فبعد زواله لا يمكن جريان الاستصحاب، كما في العدالة التي هي الموضوع لقبول الشهادة، و الاجتهاد الذي هو الموضوع لجواز التقليد، فلو كان زيد عادلا ثم صار فاسقاً لا يمكن استصحاب قبول شهادته، لأن العرف يرى العدالة تمام الموضوع لقبول الشهادة، و الفسق موضوع آخر في نظرهم، فعدم ترتيب هذا الأثر- أي قبول الشهادة- لا يكون نقضاً لليقين بالشك، و كذا الاجتهاد بالنسبة إلى جواز التقليد، و إن شئت قلت: إن الوصف بالنسبة إلى ثبوت الحكم للموصوف في هذا الفرض من قبيل الواسطة في العروض، ففي الحقيقة نفس الوصف موضوع للحكم، و لأجله يعرض الحكم للموصوف بالعرض.

و ربما يحكم العرف بأن الوصف دخيل في ثبوت الحكم للموصوف و يكون الموصوف هو الموضوع، فالوصف من قبيل الواسطة في الثبوت كالتغير للماء، فانه واسطة لثبوت النجاسة للماء و الموضوع هو الماء لا التغير، فانه يقال في العرف ان الماء تنجس لتغيره، و لا يقال ان المتغير تنجس. ففي مثل ذلك لا إشكال في جريان الاستصحاب فيحكم بنجاسة الماء بعد زوال التغير.

و قد يشك في كون الوصف من القسم الأول لئلا يجري الاستصحاب أو من القسم الثاني ليجري الاستصحاب، كما في المسافر الّذي كان مسافراً في أول الوقت و بلغ إلى وطنه آخره، فمع قطع النّظر عن النصوص الواردة في المقام نشك في أن الواجب عليه التمام أو القصر، فيحتمل كون وصف السفر تمام الموضوع لوجوب القصر، فلا يجري الاستصحاب، و كونه من قبيل الواسطة في الثبوت لوجوب القصر فيستصحب وجوبه، ففي مثل ذلك لا يمكن جريان الاستصحاب أيضا، لعدم إحراز صدق النقض فيه، فيكون التمسك بخطاب النهي عن نقض اليقين بالشك تمسكاً بالعامّ في الشبهة المصداقية.([6]).

وفيه أن مثال المسافر لا ينبغي أن يعد من موارد الشك في كون الحيثية تعليلية او تقييدية، فانه مضافا الى ما ذكره في الفقه من أن من كان مسافرا اول الوقت ثم صار حاضرا اثناء الوقت او بالعكس ففي اول الوقت يكون مخيرا بين القصر في السفر والتمام في الحضر، وهذا يمنع من استصحاب الوجوب التعييني للقصر او التمام، ومع الغمض عن ذلك فلا ريب في صحة ان يقول المسافر الذي صار حاضرا “اني كان يجب عليّ القصر سابقا حينما كنت مسافرا” وهذا يعني أن المعروض لوجوب القصر ذات المكلف، وعليه فالمسافر في اول الوقت اذا كان يجب عليه القصر تعيينا في اول الوقت واحتمل كون السفر في اول الوقت كافيا لبقاء وجوب القصر الى آخر الوقت، فلا ينبغي الاشكال في جريان استصحاب بقاء وجوب القصر في حقه.

التعبير بلزوم وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة

أما بلحاظ التعبير بلزوم وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة او فقل لزوم وحدة الوجود الخارجي للموضوع اي المتيقن والمشكوك فاعتبار ذلك واضح، لعدم صدق نقض اليقين بالشك بدونها وانما الكلام في أن المرجع في تشخيص الوحدة هل هو العرف او العقل، ولا مجال للكلام عن مرجعية الشرع في ذلك، بعد عدم تدخله في الحكم بوحدتهما وعدمها، نعم يمكن الكلام بلحاظ تشكل القضية المتيقنة أنه لو كان المدار على موضوع الجعل الشرعي، واردنا أن نشير الى ماء زال تغيره فنقول ان هذا الماء كان نجسا حين تغيره قطعا ونشك بعد زوال تغيره في كونه نجسا، فنستصحبها، فلابد أن يتبع الخطاب الشرعي، فان كان الخطاب بلسان أن الماء اذا تغير تنجس، صح دون ما اذا كان الخطاب بلسان ان الماء المتغير نجس.

المرجع في وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة هو العرف

هذا وقد يورد على القول بمرجعية العرف في تشخيص بقاء الموضوع بأن العرف انما يكون مرجعا في تشخيص المفاهيم دون المصاديق، فهو يفهم من خطاب “لا تنقض اليقين بالشك” لزوم وحدة المتيقن والمشكوك، والا لم يصدق نقض اليقين بالشك، وحينئذ فلابد من احراز الوحدة بالعقل ولا عبرة بنظر العرف في تشخيص مصداق وحدة المتيقن والمشكوك، خصوصا اذا كان نظره مبنيا على التسامح، كما في مثال دعوى كون هذا الماء كرا سابقا مع انه قد نقص منه ولو مقدار قليل.

والصحيح عندنا كون المتبع هو نظر العرف، دون نظر العقل، فاذا اخذ مقدار قليل من ماء كر فشككنا في بقاء كريته، فبالنظر العقلي يختلف وجود هذه المجموعة من الماء عن المجموعة السابقة التي كنا نعلم بكريتها، بينما أن العرف يرى وحدة وجودهما.

كما أنه قد يكون الموجود الفعلي عين الوجود السابق عقلا، لكن العرف لشدة تغير ظاهره يراه موجودا آخر كما يقال به في الماء المتحول الى البخار وكذا الماء المصعد.

.هذا وقد يورد على القول بمرجعية العرف في تشخيص بقاء الموضوع بأن العرف انما يكون مرجعا في تشخيص المفاهيم دون المصاديق، فهو يفهم من خطاب “لا تنقض اليقين بالشك” لزوم وحدة المتيقن والمشكوك، والا لم يصدق نقض اليقين بالشك، وحينئذ فلابد من احراز الوحدة بالعقل ولا عبرة بنظر العرف في تشخيص مصداق وحدة المتيقن والمشكوك، خصوصا اذا كان نظره مبنيا على التسامح، كما في مثال دعوى كون هذا الماء كرا سابقا مع انه قد نقص منه ولو مقدار قليل.

وقد اجاب عن ذلك في مباحث الاصول بعدة اجوبة:

1- انّه لم يؤخذ في دليل الاستصحاب مفهوم الوحدة، حتّى يقال: إنّ مسامحة العرف في تطبيق هذا المفهوم غير حجّة، وانما يكون مفاده النهي عن نقض اليقين بالشكّ في ذلك المتيقّن، فالشارع لاحظ واقع الواحد، لا أنّه أخذ مفهوم الوحدة، و عندئذ إن كان الشارع حيث يتكلّم بما هو إنسان عرفي، فهو يلحظ واحداً عرفياً، فيكون المدار على الوحدة العرفية دون العقلية.

2- لو سلّمنا أنّ الشارع أخذ مفهوم الوحدة في دليل الاستصحاب، فمن الواضح أنّ هذا المفهوم لم يؤخذ عن طريق ذكر كلمة الوحدة في الدليل، و غاية ما هنا أنّ يدّعى أنّ حذف المتعلّق أو ذكر كلمة النقض مثلًا يدلّ على أخذ مفهوم الوحدة، و عندئذ نقول: إنّ مثل حذف المتعلّق أو كلمة النقض لا يدلّ على أكثر من مفهوم الوحدة العرفية، و إن شئت فقل: إنّ كلمة النقض أو حذف المتعلّق و وحدة السياق لا يدلّ على مفهوم الوحدة، و إنّما يدلّ على مفهوم الاتّفاق في عمدة الأجزاء و الصفات مثلًا، فإنّ ذلك يكفي في تبرير وحدة السياق و استعمال كلمة النقض، كما أنّ‏ الوحدة العقلية لا تكفي لتصحيح ذلك.

3- لو افترضنا أخذ مفهوم الوحدة و لو بأن يقال: إنّ وحدة السياق مثلًا تدلّ على أخذ هذا المفهوم لكنّنا نقول مع ذلك إنّ العبرة بالوحدة العرفية دون العقلية، و ذلك لأنّ نظر العرف في مقام التطبيق قد يوجب توسعة المفهوم او ضيقه، نظير عدم صدق مفهوم الدم لما لا يرى الا بالمجهر، فهنا نقول: إنّ مفهوم الوحدة قد وسّع في نظر العرف، فيشمل الوحدة العرفية حقيقةً، كما إنّه ضيّق في نظر العرف، فلا تشمل الوحدة التي تكون عقلية فلسفية فحسب و لا تكون عرفية.

4- أنّنا لو افترضنا أخذ مفهوم الوحدة و افترضنا أنّ نظر العرف في مقام التطبيق لم يسر إلى المفهوم، قلنا مع ذلك: إنّ نظر العرف في مقام تطبيق الوحدة ولو كان تسامحيا بنظر العقل لكنه سنخ مسامحة لا يعترف العرف بما هو عرف بأنّها مسامحة، بخلاف مسامحته في ما يقلّ عن الفرسخ بشبر، فلو سُئل العرف أنّ هذا الجبل هل هو عين الجبل الذي كان قبل مئات‏ السنين بالضبط يقول: نعم، هو عينه بالضبط، في حين أنّنا نعلم بتبدّل كثير من أجزائه، و هذا النوع من المسامحة- بالرغم من فرض عدم سرايته إلى المفهوم- يؤثّر في فهم المقصود من الألفاظ، و يكون حجّة.

5- لو سلّمنا خروج المصاديق العرفية للوحدة من باب المداليل اللفظية، قلنا: إنّه باعتبار أنّ مسامحة العرف هنا سنخ مسامحة لا يلتفت هو إليها، و لا يعتبرها مسامحة ينعقد في المقام إطلاق مقامي، فإنّ الشارع لو لم يكن يرضى بإجراء الاستصحاب في موارد الوحدة العرفية لكان عليه أن ينبّه على ذلك، لأنّ العرف بطبعه سوف يعمل بدليل الاستصحاب في تلك الموارد، و كذلك ينعقد الإطلاق المقامي لإخراج الموارد التي تكون الوحدة فيها عقلية فحسب، من باب أنّ العرف لو خلّي و طبعه لما أجرى الاستصحاب في تلك الموارد، فلو لم يكن الشارع راضياً بذلك لكان عليه التنبيه، فهذا الوجه يثبت المدّعى بكلا جانبيه([7]).

وما ذكره متين جدا، والمتحصل أن العرف يستظهر من عنوان نقض اليقين بالشك معنى ينطبق على ما يكون المشكوك متحدا عرفا مع المتيقن، مضافا الى أنه لو كان نظر العرف في تشخيص المصداق بحيث لا يعترف بخطأه، وليس ناشئا عن جهل في امر تكويني، مثل تخيله حركة الشمس حول الارض، فمقتضى الاطلاق المقامي للخطاب الملقى الى العرف مرجعية العرف في تشخيص المصداق.

هذا وقد يقال بأن خطاب النهي عن نقض اليقين بالشك في الاستصحاب مبني على التسامح والا فمتعلق اليقين غير متعلق الشك حيث ان اليقين تعلق بالحدوث والشك تعلق بالبقاء، وفيه ان القرينة على التسامح في الغاء حيث الحدوث والبقاء لا تكشف عن المسامحة في تشخيص وحدة المتيقن والمشكوك من سائر الجهات.

هذا وقد ذكر في البحوث بعد ما قال بأن المعتبر في جريان الاستصحاب وحدة الوجود الخارجي للمتيقن والمشكوك، فلو تعدّد الوجود الخارجي للمتيقن مع المشكوك لم يجر الاستصحاب، فرع عليه أنه لأجل ذلك لا يجري الاستصحاب في موردين:

1- مورد الاستحالة حيث انها توجب التعدّد في الوجود، فالكلب كان وجوداً ارتفع، و الملح وجود آخر طارئ، و يكفي الشكّ في وحدة الوجود لعدم جريان الاستصحاب، فإنّ المقصود بالاستصحاب إثبات الحكم لهذا الموجود في حين أنّنا عندئذ نشكّ في أنّ هذا الموجود كان الحكم ثابتاً له سابقاً.

2- ما إذا كانت الحيثية المفقودة بنفسها موضوعاً للحكم و لو احتمالاً، بأن يقال مثلاً: إنّ موضوع الحكم في قلّد العالم، و أعط الزكاة للفقير ليس هو العالم و الفقير، بل العلم و الفقر، فمرجع جواز تقليد العالم إلى جواز أخذ العلم منه، و قد فرض زوال العلم، و مرجع وجوب إعطاء الزكاة للفقير إلى وجوب سدّ فقره بالزكاة و قد زال الفقر، فعندئذ لا يجري الاستصحاب لتعدّد الموضوع([8]).

اقول: أما الاستثناء الاول فقد مر أن عدم جريان الاستصحاب في الاستحالة انما هو لأجل ززوال العنوان المعروض للحكم عرفا، فيوجب أن لا يصدق عليه انه كان نجسا، وان صدق أنه كان كلبا نجسا مثلا، نعم مثال تعدد الوجود هو الماء المصعد فانه غير الماء الاول عرفا.

وأما الاستثناء الثاني فوجهه أنه ان احرز كون الحيثية التعليلية كالتغير دخيلة في الجعل حدوثا وبقاء، بحيث لو كان الحكم موجود فعلا فهو حكم آخر ويكون بجعل جديد فلا شك في بقاء الحكم السابق كي يستصحب.

ولعل مثال “قلد العالم” او “أعط الزكاة للفقير” من هذا القبيل، حيث يعلم بدخل العلم حدوثا وبقاء في هذا الحكم بتقليد العالم بحيث لو زال علمه لم يبق هذا الحكم وكذا يعلم بدخل الفقر حدوثا وبقاء في جواز اعطاء الزكاة الى الفقير، بحيث لو جاز اعطاء الزكاة الى الفقير السابق بملاك آخر كملاك سهم سبيل الله او التقية فهو حكم آخر غير الحكم السابق، وأما ما مر عن البحوث من أن ظاهرهما الامر باخذ العلم من العالم و سد فقر الفقير، ففيه ان لازمه كون استصحاب بقاء علمه او فقره لاثبات كون اخذ كلامه الجديد اخذ علمه واعطاء الزكاة اليه سد فقره من الاصل المثبت.

اشكال عدم احراز بقاء الموضوع في استصحاب الحكم الجزئي

ادعى السيد الخوئي “قده” عدم جريان الاستصحاب في الحكم الجزئي لكون جريانه مبتلى بالشك في بقاء الموضوع دائما، فلا يحرز وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة فيها([9])، كما ذكر نظير ذلك في الاستصحاب الحكمي في الشبهات المفهومية، فينحصر جريان الاستصحاب في موضوع الحكم الشرعي في الشبهات الموضوعية.

ولكن تبين مما ذكرنا التفصيل بين ما لو كان العنوان المشكوك حيثية تقييدية بنظر العرف، اي كان هو المعروض للحكم بنظره فلا يجري الاستصحاب، وبين ما لو كان حيثية تعليلية، كالتغير، ومن الغريب أنه لم يناقش في جريان استصحاب نجاسة الماء الذي علم بزوال تغيره من حيث هو مع غمض العين عن ابتلاءه بالمعارضة مع استصحاب عدم الجعل الزائد، حيث قال: انه يحرز عدم كون التغير من العناوين المقومة للموضوع، بل من اوصافه([10])، ولكنه ناقش فيه عند الشك في زوال التغير بنحو الشبهة الموضوعية او المفهومية.

التنبيه الخامس عشر: استصحاب العدم الازلي

نحن وان تعرضنا تبعا للأعلام للبحث عن استصحاب العدم الازلي في مباحث العام والخاص، بلحاظ تنقيحه لموضوع العام في الشبهة المصداقية لمخصصه، كما في قوله “كل امرأة تحيض الى خمسين سنة الا أن تكون امرأة من قريش” بلحاظ الشك في قرشية امرأة، لكن حيث انه من شؤون البحث عن الاستصحاب، فلا بأس أن نذكر ملخص الكلام فيه.

فنقول: ذهب الشيخ الاعظم وصاحب الكفاية “قده” الى جريانه، ووافقه في ذلك جماعة منهم السيد الخوئي “قده”.

المحقق النائيني “قده”: عدم جریانه لو كان الموضوع للحكم الشرعي بنحو مفاد كان الناقصة

وخالف في ذلك المحقق النائيني “قده” فيما لو كان الموضوع للحكم الشرعي بنحو مفاد كان الناقصة كما اذا ورد في الخطاب “يحرم اكرام العالم الأموي” او مفاد ليس الناقصة كما لو ورد “يجب اكرام العالم الذي ليس بأموي” فلا يجري استصحاب عدم كون زيد العالم امويا، لعدم حالة سابقة متيقنة له، لأنه قبل وجوده لم‌يكن يصدق في حقه أنه ليس بأموي.

وأما استصحاب عدم وجود الأموية بنحو العدم المحمولي، فانه وان كان لامانع منه في نفسه، إلا انه لايثبت أنه ليس بأموي إلا على القول بالأصل المثبت، فان استصحاب مفاد كان او ليس التامتين لايثبت مفاد كان او ليس الناقصتين الا بنحو الاصل المثبت، ولذا لو علم بوجود ماء كر في الحوض وشك في بقاءه فاستصحابه بنحو مفاد كان التامة لايثبت مفاد كان الناقصة أي أن الماء الموجود في الحوض فعلا كر، بعد احتمال كون هذا الماء ماءا جديدا غير الماء السابق، وكذا لو شك في كون العالم الموجود في الدار امويا فاستصحاب عدم العالم الاموي في الدار بنحو مفاد ليس التامة لايثبت مفاد ليس الناقصة أي أن هذا العالم ليس امويا.

وهذا معنى قولنا ان الوجود والعدم المحموليين مغايران للوجود والعدم النعتيين، لابمعنى ان في الخارج عدمين ووجودين أحدهما محمولي والآخر نعتي، ضرورة ان في الخارج ليس الا عدم واحد، ووجود كذلك، ولكنهما يختلفان باختلاف اللحاظ والاعتبار، فتارة يلحظ وجود العرض أو عدمه في نفسه ويعبر عنه بالوجود أو العدم المحمولي، وأخرى يلحظ وجوده أو عدمه منتسبا إلى موضوعه، ويعبر عنه بالوجود أو العدم النعتي ([11]).

مناقشه

والانصاف أن هذا المقدار من البيان لا يمنع من جريان استصحاب العدم الازلي، فان مفاد ليس الناقصة وان كان ظاهرا عرفا في السالبة بانتفاء المحمول، كما اذا قيل “لم يكن هذا الجدار ابيض قبل سنة”، لكنه لا يعني كون استعمالها في السالبة بانتفاء الموضوع غلطا، خاصة اذا كان مع القرينة، فيقال “هذا الجدار قبل وجوده لم‌يكن ابيض ولا اسود”، فان ما يحتاج الى وجود الموضوع هو الاتصاف بالعرض، وأما عدم الاتصاف بالعرض فلايحتاج الى وجود الموضوع، نعم لو كان الملحوظ في القضية هو الاتصاف بعدم العرض، كما في قولنا الجدار غير ابيض، او انه لاابيض، او انه هو الذي ليس بابيض، فمن الواضح احتياجه الى الموضوع، لكن الظاهر من السالبة المحصلة كقولنا “ليس الجدار بابيض” هو سلب الاتصاف لاالاتصاف بالسلب.

وعليه فيقال انه اذا شك في اتصاف شيء بوصف من بدء وجوده كما لو شك في كون حجرا اسود من بدء وجوده فيقال “هذا الحجر لم‌يكن قبل وجوده اسود” كما لم‌يكن ابيض، ونشك في أنه بعد وجوده اسود ام لا، فنستصحب عدم كونه اسود الى ما بعد وجوده، فنرتب عليه الاثر الشرعي للحجر الذي ليس باسود، فان ظاهر قولنا “الحجر الذي ليس باسود” هو كون الموضوع مركبا من جزئين وجود الحجر، وعدم كونه اسود، والاول محرز بالوجدان والثاني بالاستصحاب، واستخدام كلمة “الذي” ليس ظاهرا عرفا في اخذ عنوان الاتصاف بعدم كونه اسود في موضوع الحكم، لأنه يحتاج الى مؤونة زائدة عرفا، بل استخدامها لغرض التأليف بين مفردات الكلام، كما هو كذلك في اشباهها.

السيد الامام “قده” :ما هی في حال الوجود ليست موضوعة للقضية المتيقنة الحاكية عن ظرف العدم

ثم انه مما ذكرناه تبين الاشكال فيما ذكره السيد الامام “قده” في مقام انكار استصحاب العدم الازلي من أن القول بأن هذه المرأة لم‌تكن قرشية قبل وجودها قول كاذب، إذ لاماهية قبل الوجود، والمعدوم المطلق لايمكن الإشارة إليه لاحسا ولاعقلا، فلاتكون هذه المرأة قبل وجودها هذه المرأة، بل تلك الإشارة من مخترعات الخيال وأكاذيبها، فلاتتحد القضية المتيقنة مع القضية المشكوك فيها، وصحة الاستصحاب منوطة بوحدتهما، فالمرأة المشار إليها في حال وجودها ليست موضوعة للقضية المتيقنة الحاكية عن ظرف العدم، لما عرفت ان القضايا السالبة لاتحكى عن النسبة والوجود الرابط، فلاتكون للنسبة السلبية واقعية حتى تكون القضية حاكية عنها، فانتساب هذه المرأة إلى قريش مسلوب أزلا، بمعنى مسلوبية كل واحد من اجزاء القضية أعني هذه المرأة وقريش والانتساب، لابمعنى مسلوبية الانتساب عن هذه المرأة إلى قريش([12]).

مناقشه

اذ يرد عليه أنه بعد وجود هذه المرأة يمكن الاشارة اليها، ولذا لااشكال في الاخبار عن عدم وجود هذه المرأة سابقا بنحو مفاد ليس التامة والتي تدل على سلب الوجود عن ماهية، فيمكن الاخبار ايضا عن انها لم‌تكن قرشية قبل وجودها، وهكذا في سائر عوارض الوجود فيقال مثلا: هذا الحجر لم‌يكن موجودا سابقا فلم‌يكن اسود، ولا ابيض.

مانع الاصلی فی جريان استصحاب العدم الازلي

والذي يمنعنا من التصديق بجريان استصحاب العدم الازلي هو أن الظاهر من القضية السالبة المحصلة حيث يكون هو السالبة بانتفاء المحمول، وحينئذ فلابد من ملاحظة أن الحالة السابقة التي هي السالبة بانتفاء الموضوع هل تكون مباينة معها عرفا ام لا، فقد يقال بأن العرف يرى أن القضية السالبة بانتفاء المحمول قضية بسيطة مباينة مع القضية السالبة بانتفاء الموضوع، وأن عدم كون هذا الجسم ابيض بعد وجوده، غير عدم ذلك قبل وجوده عرفا، وان كان بالدقة العقلية استمرارا لذلك العدم، فليست القضية السالبة بانتفاء المحمول مركبة من جزءين: احدهما نفس القضية السالبة الموجودة في السالبة بانتفاء الموضوع، وثانيهما وجود الموضوع، حتى يدعى احراز الجزء الاول بالاصل والثاني بالوجدان، بل هي قضية بسيطة عرفا، وهذا ان لم‌يكن معلوما عرفا فلا اقل من كونه محتملا، فيمنع من جريان الاستصحاب في العدم الازلي.

ولعل هذا هو الذي يوجب أن يستغرب العرف جريان هذا الاستصحاب حينما يلفت نظره اليه، بحيث يمنع من فهمه شمول قوله “انك كنت على يقين من ذلك فشككت، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ابدا” له او يتردد فيه، وليس من المصاديق التي لو لفت نظره اليها لقبل شمول عموم الخطاب له.

او يقال ان الحالة السابقة بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ليست مما يلتفت اليها العرف، بل لايعتبرها العرف حالة سابقة للشيء، وهذا يوجب انصراف خطاب الاستصحاب عنها، وما قد يقال من أن العرف يكون مرجعا في تشخيص المفاهيم، دون تعيين المصاديق([13])، ففيه أن المدعى كون ما ذكر موجبا لخفاء الصدق وانصراف الخطاب عنه.

نعم لو كان موضوع الخطاب مثلا وجود بياض الحجر بنحو مفاد كان التامة او عدم وجوده بنحو مفاد ليس التامة فلا يبعد جريان استصحاب عدم بياضه ولو شك في ذلك من بدء تكونه، لكن يشكل اثبات أنه ليس بابيض بذلك، بعد فهم العرف ولو بنظره الدقي تباينهما مفهوما وعنوانا.

تصور استصحاب العدم الازلي في عوارض الوجود

ثم لايخفى أن استصحاب العدم الازلي على فرض قبوله، انما يتصور في عوارض الوجود، فلو كان الوصف من عوارض الماهية، فلا ‌يتصور لها حالة سابقة متيقنة حتى تستصحب، وهذا مثل الزوجية والفردية في الأعداد، فكل عدد من الازل اما زوج او فرد، فلايصح أن يقال عدد الاربعة قبل وجوده لم‌يكن زوجا، حتي يستصحب ذلك في فرض الشك، وهكذا امكان الماهية، فان الانسان ممكن وجد ام لم‌يوجد، وكذا حسن شيء وقبحه، فان الكذب قبيح وجد ام لم‌يوجد، فعدم وجوده يعني عدم وجود القبيح لاعدم قبحه، وهكذا كون الشرط مخالفا لحكم الله، فان شرط الكذب مخالف لحكم الله ولو قبل اشتراطه، الا أن يلحظ ذلك بالنسبة، الى زمان عدم تحريم الكذب فيقال ان شرط الكذب لم‌يكن مخالفا لحكم الله قبل تحريمه للكذب فيجري استصحاب عدمه النعتي بنحو السالبة بانتفاء المحمول، فلو تم ما احتملناه من ازلية الاحكام التكليفية، فكان صدور الكذب من البالغ العاقل من الازل مبغوضا الهيا، فلايتصور لعدم مخالفة شرط الكذب مع الاهل مثلا لحكم الله تعالى حالة سابقة متيقنة كي تستصحب.

ولكن عمم في المستمسك هذا المطلب الى الذات والذاتيات، فمنع من جريان استصحاب العدم الازلي لنفي كرية ماء يشك في كريته من بدء تكونه، بدعوى أن الكرية ليست من عوارض وجود الماء عرفا بنحو تصدق في الأزل السالبة بانتفاء الموضوع، فإنها نحو سعة في مرتبة الماهية، فلايصح أن تشير الى كر من الماء وتقول هذا قبل وجوده لم‌يكن كرا، كما لايصح أن تقول هؤلاء العشرة من الرجال قبل وجودهم لم‌يكونوا بعشرة، وهذا المثقال من الدقيق قبل وجوده لم‌يكن بمثقال([14]).

كما منع لاجل ذلك من استصحاب عدم كون الشبح المرئي من بعيد انسانا او انثى، لانه عرفا من الذاتيات، فلايتم ما عن الشهيد “ره” من جريان أصالة عدم كون الخنثى امرأة([15]).

ويرد عليه (مع غمض العين عن المناقشة الصغروية في مثال كرية الماء، فانها ناشئة عن اتصال افراد من الماء بمقدار يصل الى وزن كذا او مساحة كذا، فهي عارضة على وجود الافراد المتجمعة من الماء، وليست سعة لمرتبة من الماهية، أي ليس الماء الكر ماهية خاصة في قبال ما لو نصِّف الى نصفين مثلا) ان ما ذكره خلط بين الحمل الاولي والحمل الشايع فاننا حينما نشك في كون جرم خاص دما ام لا، فتارة نلحظ ماهيته فلايصح أن نقول ان ماهية هذا الشيء لم‌تكن ماهية الدم قبل وجودها، فان ماهية هذا الشيء من الازل إما دم او ليس بدم، وهذا هو المراد من الحمل الاولي، وأخرى نلحظ وجوده فنقول ان هذا لم‌يكن مصداقا للدم قبل وجوده، وهذا هو الحمل الشايع، ولامحذور في أن يقال هذا قبل وجوده لم‌يكن دما ولاغيره، كما يشار الى الانسان فيقال هذا قبل وجوده لم‌يكن مصداقا للرجل ولاللمرأة، هذا وقد افتى “قده” بحرمة السمك الذي يشك في كونه ذا فلس([16])، فقد يقال حينئذ بأن انقسام السمك الى ما له فلس وما ليس له فلس منوِّع له، يعني ان كان نوع السمك نوعا له فلس فيحل اكله، وان كان صغيرا لم‌ينشأ له فلس، والا فيحرم أكله، فحينئذ يكون جريان استصحاب العدم الازلي لنفي كونه ذا فلس مبنيا على قبول جريانه في العناوين الذاتية.

هذا كله بلحاظ جربان استصحاب العدم الازلي في حد نفسه، فان بني على قبوله فيقع الكلام بعدئذ في أنه كما ينفى به حكم الخاص، كما لو ورد “يحرم اكرام العالم الأموي” و شك في حرمة اكرام زيد للشك في كونه امويا، فهل يثبت به وجوب اكرامه الذي هو حكم العام المخصص به في قوله “اكرم كل عالم”، فقد ذكرنا في محله أنه يوجد اشكال اثباتي في ذلك، وهو أنه لايظهر عرفا من الخطاب المنفصل أن موضوع الحكم في المراد الجدي من العام مركب من جزءين: احدهما وجود موضوع العام، وثانيهما عدم اتصافه بعنوان المخصص، بأن يكون موضوع وجوب الاكرام من كان عالما ولم‌يكن امويا، فلعل موضوعه هو العالم غير الاموي، وهذا يعني كون الموضوع هو العالم المتصف بعدم كونه امويا، وهذا مما لايثبت باستصحاب عدم اتصافه بكونه امويا قبل وجوده الا بناء على حجية الاصل المثبت.

الا أن الانصاف عدم تمامية هذا الاشكال، اذ الظاهر من المخصص المنفصل او ما يكون كالاستثناء من المتصل أن المأخوذ في موضوع العام هو عدم كون المرأة قرشية مثلا، وهذا في المخصص المتصل واضح، مثل قوله “كل امرأة تحيض الى خمسين سنة الا أن تكون امرأة من قريش” والظاهر أنه المتفاهم عرفا من المخصص المنفصل ايضا، كما لو ورد في خطاب “كل امرأة تحيض الى خمسين سنة” وورد في خطاب منفصل “القرشية تحيض الى ستين سنة” فان العرف يحتج بما هو المذكور في خطابات المولى، فلايعتنى باحتمال أن الملحوظ في المراد الجدي للعام هو المرأة غير القرشية.

نعم يبقى اشكال ذكرناه في بحث حجية الظواهر وهو ان جواز النقل بالمعنى كما هو منصوص، بل شياع النقل بالمعنى في الروايات، كما يساعده الاعتبار، ويشهد عليه اختلاف التعابير فيها، يمنع من احراز العنوان المأخوذ في كلام الشارع، فلعل الوارد في كلام الشارع هو أن كل امرأة غير قرشية تحيض الى خمسين سنة، ولكن الراوي لكلامه نقله بالمعنى فقال “كل امرأة ليست بقرشية تحيض الى خمسين سنة” وهكذا في الخطاب المنفصل الدال على أن القرشية تحيض الى ستين سنة، فانه يحتمل عرفا أن الشارع قال: كل امرأة غير قرشية تحيض الى خمسين سنة، والقرشية تحيض الى ستين سنة، ولكن الراوي اكتفى ببيان الجملة الثانية، وهذا الاختلاف بين نقل الراوي وكلام الشارع الحاصل من النقل بالمعنى او التقطيع مما لايمكن نفيه بوثاقة الرواي او أصالة عدم خطأه، بعد عدم كونه مما يلتفت اليه الانسان العرفي حين نقله لكلام الآخرين، واذا علم بخروج افراد معنون عن العام ولم‌يعلم العنوان الخارج، فيكون من الموارد التي علم بخروج فرد وشك في كيفية خروجه، حيث لم‌يثبت بناء العقلاء على نفي تخصيصه بالعنوان الذي لايمكن معه اجراء الاستصحاب لالحاق الفرد المشكوك بالعام، مثل ما ورد الأمر بغسل الميت، ثم ورد في خطابٍ “ان غسل الميت المسلم واجب” وورد في خطاب آخر “غسل الميت الكافر غير واجب” ثم وجدنا ميتا مشكوك الاسلام، فلم‌يثبت بناء العقلاء على نفي التخصيص بعنوان المسلم، كي يمكن التمسك بالعام بعد اجراء استصحاب عدم كفره بنحو استصحاب العدم الازلي.

فالمتحصل هو الاشكال في جريان الاستصحاب في العدم الازلي لنفي حكم الخاص، فضلا عن جريانه لتنقيح موضوع العام وترتيب حكمه.

16- وجه تقديم الامارة على ارتفاع الحالة السابقة على استصحابها

التنبيه السادس عشر: لا اشكال عادة في تقديم الامارة المعتبرة على ارتفاع الحالة السابقة على استصحابها، كما لو قامت بينة على نجاسة الثوب، وان ذكر المحقق الايرواني “قده” في حاشيته على الكفاية أنّه لا وجه لتقديم دليل الأمارة على دليل الأصل بقول مطلق، بل لابدّ في كلّ مورد من ملاحظة دليل ذلك المورد، فربّما يقدم دليل الأمارة و ربّما يعكس، و ربّما يحصل التعارض المنتهي إلى التساقط، و الضابط انّ كلّ دليل كان بلسان تنزيل الظن أو الشك منزلة اليقين أو تنزيل المؤدّى منزلة الواقع، سواء كان بمناط الكشف عن الواقع أو بمناط التعبد، يقدم على ما ليس بذلك اللسان بل كان بلسان جعل الوظيفة في موضوع الشك، و إن كانت حكمة التعبد هو الكشف، و إذا كان كلا الدليلين من هذه الجهة بلسان واحد لم يقدم أحدهما على الآخر، و حصل التعارض بينهما، و من ذلك يظهر أنّ دليل الأصل ربّما يكون حاكما على دليل الأمارة، و ذلك فيما إذا كان دليل الأصل بلسان انّ اليقين حاصل، كما في دليل الاستصحاب، و كان دليل الأمارة مجرد التعبد، و إن كان بمناط الكشف .

ولكنه ذكر في كتاب الاصول في علم الاصول: أنه لا إشكال في تقديم الأمارات على الأصول، و منه الاستصحاب، و البحث في كيفيّة التقديم فقط علمي، ثم منع من كون وجه التقديم الورود وكذا منع من الحكومة في بعض ادلة حجية الأمارة كبعض ادلة حجية خبر الثقة مثل آية النبأ او النفر، حيث انهما ليستا بلسان تنزيل الظنّ منزلة اليقين، و لا بلسان تنزيل المؤدّى منزلة الواقع بخلاف رواية “لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا” او رواية “ما قال عنّي فعنّي يقول” ثم تمسك بوجه الاخصية العرفية لدليل حجية الأمارة[1].

كما أنه لا اشكال في عدم تقدم الأمارة غير المعتبرة على الاستصحاب، لشمول اطلاق النهي عن نقض اليقين بالشك وانه ينقض بيقين بآخر، له، واطلاق الشك يشمل فرض الظن بالارتفاع، كما هو المفروض في مورد صحيحة زرارة الأولى حيث ورد فيها أنه ظن أنه نام فاجابه الامام بأنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن أنه نام والا فلا ينقض يقينه بالشك.

التقريب الاول فی تقديم الأمارات المعتبرة على الاصول

وكيف كان فتوجد في وجه تقديم الأمارات المعتبرة على الاصول عدة تقريبات:

التقريب الاول: ما اختاره جماعة من ورودها عليه، وتقريب ذلك بعدة وجوه:

الوجه الاول:

ما ذكره صاحب الكفاية من أن رفع اليد عن اليقين السابق بسبب أمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين بالشك، بل باليقين بلزوم العمل بالحجة.

ان قلت: هذا فرع الاخذ بعموم دليل حجية الامارة للمورد، لكن الكلام في أنه ما هو وجه الأخذ به دون عموم دليل الاستصحاب؟.

قلت: وجهه أن رفع اليد عن عموم دليل حجيتها تخصيص له بلا مخصص، ورفع اليد عن عموم الاستصحاب يكون حينئذ من باب ارتفاع موضوعه بسبب شمول عموم دليل حجية الامارة[1].

و قد اورد عليه السيد الخوئي “قده” بما محصله أنه ان كان المقصود أن النهي تعلق بنقض اليقين استناداً إلى الشك، و مع قيام الأمارة لا يكون النقض مستنداً إلى الشك، بل إلى الأمارة، ففيه اولا: أن المراد من قوله “لا تنقض اليقين بالشك” ليس هو النهي عن نقض اليقين استنادا الى الشك، بحيث لو كان رفع اليد عن الحالة السابقة بداعٍ آخر، كإجابة دعوة المؤمن مثلا لم يحرم النقض، بل المراد حرمة نقض اليقين عند الشك بأي داعٍ كان، و ثانياً: أن المراد من الشك غير اليقين، كما ذكرناه سابقاً، و اختاره صاحب الكفاية أيضا، فيكون مفاد الرواية عدم جواز نقض اليقين بغير اليقين، و نتيجته حصر الناقض في اليقين، فيكون مورد قيام الأمارة مشمولا لحرمة النقض لعدم كونها مفيدة لليقين.

وان كان المقصود أن رفع اليد عن المتيقن السابق لقيام الأمارة على ارتفاعه حیث یکون لأجل اليقين بحجية الأمارة، فيكون من نقض اليقين باليقين، ففیه أن ظاهر قوله “و لكن تنقضه بيقين آخر” كون اليقين الثاني متعلقاً بارتفاع ما تعلق اليقين الأول بحدوثه، ليكون اليقين الثاني ناقضاً لليقين الأول.

بل قوله “لا اي لا یجب علیه الوضوء- حتى يستيقن أنه قد نام” جعل الناقض لليقين بالطهارة اليقين برافعها و هو النوم، و ليس اليقين الثاني في مورد قيام الأمارة متعلقاً بارتفاع ما تعلق به اليقين الأول، بل بشي‏ء آخر و هو حجية الأمارات فلا يكون مصداقاً لنقض اليقين باليقين، بل من نقض اليقين بغير اليقين[1].

و هناک محاولتان للدفاع عن تقريب كلام صاحب الكفاية:

المحاولة الاولى: ما ذكره بعض الاعلام “قده” من أن المقصود باليقين الوارد في بعض أخبار الاستصحاب من قوله “و إنّما ينقضه بيقين آخر” ليس هو اليقين المتعلّق بعين ما تعلّق به اليقين الأوّل، بل مقتضى إطلاقه أنّه كلّ يقين يصلح لأن يكون ناقضاً لحكم اليقين السابق، ومنه اليقين بحجية الأمارة على الخلاف، دون مثل اليقين باستحباب اجابة دعوة المؤمن، فإنّه لا يقتضي نقض اليقين بالحرمة السابقة، إذ استحباب اجابة دعوة المؤمن لا يزاحم حرمة الفعل[1].

وفيه أن الظهور السياقي لقوله في صحيحة زرارة الأولى “ولكن ينقضه بيقين آخر” هو كون اليقين الآخر متعلقا بارتفاع ما تعلق به اليقين السابق، ويؤيده ما في نفس الصحيحة في الجواب عن سؤال أنه هل يجب عليه الوضوء لو ظن أنه نام، من قوله “لا حتى يستيقن أنه نام”، ولو فرض الاجمال في متعلق اليقين السابق، فالمرجع عموم سائر الروايات كصحيحة زرارة الثانية حيث ورد فيها “انك كنت على يقين من طهارتك فشككت ولا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ابدا” وكذا حديث الأربعمأة “من كان على يقين فاصابه شك فليمض على يقينه، فان اليقين لا ينقضه الشك”.

والشاهد على عدم تمامية هذا البيان أن لازمه ورود قاعدة الطهارة على استصحاب بقاء النجاسة وورود قاعدة الحل على استصحاب بقاء التكليف.

المحاولة الثانية: ما حكي عن بعض السادة الاعلام “دام ظله” من أن ظاهر الباء هو السببية، لا المقارنة، بأن يكون معنى نقض اليقين بالشك نقضه في حال الشك، وليس معنى السببية كون الداعي الى نقض اليقين هو الشك، حتى يورد عليه: بأن لازمه جواز نقضه بداعي اجابة دعوة المؤمن، بل معنى نقض اليقين بالشك كون الشك واحتمال الخلاف سببا لعدم التعبد ببقاء اليقين السابق، وهذا لا ينافي كون سائر الحجج سببا لذلك، فيكون خطاب “لا ينقض اليقين بالشك” بصدد بيأن أنه لا يرفع اليد عن التعبد ببقاء اليقين لأجل احتمال الخلاف وليس بصدد بيان أنه لا يرفع اليد عنه لأجل سائر الحجج.

هذا كله مع غمض العين عن تفسيرنا لمفاد “فانه على يقين من وضوءه ولا ينقض اليقين بالشك” بما مر من أنه متيقن بوضوء فعلا تعبدا ولا ينقض يقينه الفعلي الوجداني او التعبدي بالوسوسة، فانه حينئذ لا يبين صغرى التعبد ببقاء اليقين والقدر المتيقن منه فرض عدم قيام الأمارة المعتبرة.

وأما ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن ظاهر لا ينقض اليقين بالشك أنه لا ينقضه بغير اليقين والامارة غير اليقين، ففيه أن تفسير الشك بغير اليقين يعني تفسيره بمطلق احتمال الخلاف ولو كان احتمالا راجحا، واين هذا من كون الأمارة مصداقا للشك، فلا يشمل هذا الخطاب النقض بسبب الأمارة.

وأما ما ذكره من ظهور “ولكن ينقضه بيقين آخر” في الحصر ففيه أن “لكن” ليست من اداة الحصر، بل هي من اداة الاستدراك، ولعل تخصيص اليقين بالذكر لكون مورد الصحيحة انتقاض الوضوء بالنوم وهذا مما لا يقوم حجة ظنية عليه، كما ان ذكر قوله “لا حتى يستيقن أنه نام” لا يدل على كون الناقض لليقين السابق خصوص اليقين اللاحق بارتفاع الحالة السابقة، لأنه جاء بعد ذلك التعبير بقوله “حتى يجيء من ذلك امر بين” وهذا يشمل الأمارة المعتبرة[1].

وما ذكره لا يخلو من وجه، فان ظهور الباء للسببية في حد ذاته امر غير قابل للانكار، والمعنى الآخر للباء هو الظرفية، كما في قوله تعالى “ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا” اي في بكة، وهذا غير محتمل في “لا ينقض اليقين بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر” كما هو واضح.

وما يقال من أن جعل الباء بمعنى السببية لا معنى له الا كون الشك هو الداعي الى نقض اليقين فيتوجه اشكال السيد الخوئي “قده” فيكون ذلك قرينة عرفية على كون المراد الجدي هو عدم نقض اليقين في حال الشك، ففيه أن النهي عن نقض اليقين بالشك ظاهر في كونه ناظرا الى الأشياء التي تصلح أن تكون ناقضة لليقين السابق، فاختار من بينهن الشك ونهى عن جعله ناقضا له، فهو ليس ناظرا عرفا الى كل ما يمكن أن يكون داعيا للمكلف نحو عدم العمل باليقين السابق، فلا يرد عليه الاشكال بأن لازم حمل الباء على السببية دون المقارنة عدم تعلق النهي بنقض اليقين في مورد الشك اذا لم يكن بسبب الشك بل بسبب دعوة المؤمن.

كما أن ما ذكره من عدم ظهور “لكن” في الحصر متين.

الا أن اشكال هذا الوجه أنه لا ينحصر دليل الاستصحاب بخطاب النهي عن نقض اليقين بالشك، فان صدر صحيحة زرارة الاولى ذكر أن الظن بالنوم لايوجب الوضوء حتى يستيقن أنه نام” فيشمل المغيى فرض قيام الأمارة على النوم، وتدل الصحيحة على عدم وجوب الوضوء ولو مع قيام الأمارة على النوم.

الوجه الثاني:

ما ذكره شيخنا الاستاذ “قده” من أن جملة “حتى يجيء من ذلك امر بين” حيث تشمل قيام الامارة فبهذا اللحاظ يتم الورود، وفيه أن لفظ البيِّن كلفظ اليقين ظاهر في اليقين الوجداني.

الوجه الثالث:

ما يقال من أن الظاهر من لفظ اليقين كونه مثالا لمطلق الحجة، فكانه قال “لا تنقض الحجة بغير الحجة” فيكون دليل حجية الامارة واردا عليه، وهذا ما اختاره السيد الامام “قده” حيث قال انه بعد ما تعارف اعتماد العقلاء والمتشرعة على الطرق المعتبرة في شتى المجالات فيكون ظاهر قوله “لا تنقض اليقين بالشك” هو “لا تنقض الحجة بغير الحجة” لا بمعنى استعمال لفظ اليقين والشك في ذلك، بل لأجل ان العرف يرى أن ذكره من باب المثال، فانه في كثير من موارد دعوى اليقين بالحالة السابقة لا يوجد يقين وجداني بها، كما في اليقين بالطهارة من الحدث الذي هو مورد صحيحة زرارة الاولى واليقين بالطهارة من الخبث الذي هو مورد صحيحة زرارة الثانية([17]).

اقول: الانصاف أن لفظ اليقين ليس ظاهرا في كونه مثالا لمطلق الكاشف، وما استشهد به من صحيحة زرارة الاولى والثانية على ظهور لفظ اليقين في كونه مثالا لمطلق ما يثبت الواقع ولو شرعا، كالاصول المحرزة نحو الاستصحاب ايضا قابل للمنع، اذ يمكن أن نجعل استعمال لفظ اليقين بالطهارة قرينة على أن الامام (عليه السلام) في الصحيحة الاولى استصحب الطهارة الظاهرية من الحدث، او أنه اجرى استصحاب عدم حدوث النوم، وفي الصحيحة الثانية استصحب عدم اصابة الدم، هذا مضافا الى أنه يحصل للاذهان الساذجة العرفية غير الملتفتة الى الشبهات اليقين بالطهارة عقيب الوضوء او غسل الثوب بالماء.

الوجه الرابع: ما هو الصحيح

الوجه الرابع: ما هو الصحيح من أنه حيث لا ينحصر في المرتكز المتشرعي طرق اثبات الواقع شرعا بالعلم الوجداني فيشكل ذلك قرينة لبية متصلة مانعة من ظهور دليل الاستصحاب في الغاء حجية سائر الحجج، فكأنه قال “اذا شككت ولم يصل امارة معتبرة على الخلاف فاعمل وفق اليقين السابق، وبذلك يتم الورود.

و يمكن تقريب ذلك ببيان آخر، وهو أن العقلاء حيث يوجد عندهم أمارات واصول عملية، ويرون أن الاصول العملية وظيفة ظاهرية في حال التحير في تشخيص الواقع، فيتقدم عليها الأمارات حيث انها طرق وكواشف عقلائية عن الواقع، وهذا الارتكاز يتحكم على خطابات الاصول العملية الشرعية التي منها الاستصحاب، فيوجد تقيد خطاب الاستصحاب بفرض عدم وصول الأمارة المعتبرة على الخلاف.

التقريب الثاني: حكومة دليل حجية الامارة على الاستصحاب

التقريب الثاني: ما اختاره جماعة من حكومة دليل حجية الامارة على الاستصحاب، وهذا ما نسب الى الشيخ الاعظم “ره”.

اشکال صاحب الکفایه

وقد اورد عليه صاحب الكفاية بأن الحكومة تتوقف على كون الدليل الحاكم ناظرا الى مدلول الدليل المحكوم، مثال ذلك حكومة “لا شك لكثير الشك” على ادلة الشكوك، والشاهد عليه أنه لولا ادلة الشكوك كان هذا الخطاب لغوا، ولكن لو فرض عدم وجود دليل الاستصحاب لم يلزم أية لغوية في دليل حجية الأمارة.

كما ذكر ان نتيجة الحكومة تقديم الأمارة المخالفة على الاستصحاب، دون الأمارة الموافقة، لعدم تنافيها مع الاستصحاب، مع أن الأمارة تقدَّم حتى في مسلك الشيخ “ره” على الاستصحاب مطلقا.

جواب المحقق النایینی: أن الحكومة على قسمين

وقد أجاب المحقق النائيني والسيد الخوئي “قدهما” عن ايراد صاحب الكفاية بأن الحكومة على قسمين:

القسم الاول: ما كان الدليل الحاكم مفسرا للدليل المحكوم وناظرا اليه، بحيث لولم يكن الدليل المحكوم موجودا لكان الدليل الحاكم لغوا، كقوله‌ (عليه‌السلام): “لا ربا بين الوالد و الولد” فانه شارح للدليل الدال على حرمة الربا، إذ لو لم‌يرد دليل على حرمة الربا، لكان الحكم بعدم الربا بين الوالد و الولد لغواً.

والحكومة في هذا القسم حكومة اثباتية، ويكون مرجعها لبّا الى تخصيص حكم العام، وان كان بلسان نفي الموضوع، او الى تعميم الحكم لغير موضوعه، وان كان بلسان اثبات الموضوع، وذلك في ما لايكون قابلا للجعل والاعتبار ثبوتا.

القسم الثاني: ما كان الدليل الحاكم رافعا لموضوع الدليل المحكوم او محققا له، وان لم‌يكن شارحا له، كحكومة الأمارات على الأصول الشرعية: من البراءة و الاستصحاب و قاعدة الفراغ و غيرها، فان أدلة الأمارات لا تكون ناظرة إلى أدلة الأصول و شارحة لها، والشاهد على ذلك أنه لو لم‌تكن الأصول مجعولة، فمع ذلك لايكون جعل الأمارات لغوا، فان الخبر مثلا حجة، سواء كان الاستصحاب حجة أم لا، و لا يلزم كون حجية الخبر لغوا على تقدير عدم حجية الاستصحاب، إلا أن الأمارات موجبة لارتفاع موضوع الأصول بالتعبد الشرعي، فان الموضوع المأخوذ في دليل الاستصحاب هو الشك، و أما كون المكلف شاكا أو غير شاك، فهو خارج عن مفادها، و الأمارات ترفع الشك بالتعبد الشرعي، و تجعل المكلف عالما تعبديا و ان كان شاكا وجدانيا فلا يبقى موضوع للاستصحاب.

والحكومة في هذا القسم حكومة ثبوتية، وتكون بجعل فردٍ مصداقا لموضوع الحكم او رفع كونه مصداقا له، وهذا مثل العلم حيث يكون مصداق العلم قابلا للجعل والاعتبار ثبوتا، من دون حاجة الى لحاظ حكمه، بل من دون حاجة الى ثبوت حكم شرعي له، فيترتب عليه آثاره([18]).

اقول: ان كان اليقين المأخوذ عدمه في موضوع الاستصحاب ظاهرا في الأعم من اليقين الوجداني والتعبدي، فدليل اعتبار خبر الثقة علما ويقينا بالواقع يكون واردا عليه لا حاكما، فيكون نظير ما لو ورد في الخطاب الشرعي أن لوليّ البنت أن يزوج بنته، فاذا كان العرف يرى أن الام وليّ البنت بعد وفاة ابيها، ولم يردع الشارع عنه فيحقق فرداّ لذلك الخطاب التعبدي الشرعي، مع أن ظاهر الخطاب هو من كان وليا بنظر الشارع.

وان كان ظاهرا في خصوص اليقين الوجداني، كما هو المفروض في كلامهما، فلابد في حكومة دليل اعتبار خبر الثقة علما، من كونه ناظرا الى دليل الاستصحاب وشارحا له، على حد القسم الأول من الحكومة، نعم حيث لايختص اثر اعتبار خبر الثقة علما بالآثار الشرعية للعلم، بل يكون موجبا لثبوت الآثار العقلية من المنجزية والمعذرية المترتبة على قيام الحجة على التكليف، فلايلزم من انتفاء الخطابات الدالة على الآثار الشرعية للعلم لغوية هذا الخطاب الحاكم الدال على اعتبار خبر الثقة علما.

والمهم أنه لم يحرز كون مثل خبر الثقة او الاقرار او الظهور علما اعتباريا على الرغم من الاحتمال الوجداني العقلائي في نفس المكلف من كونها مخالفة للواقع، أما بلحاظ التعبد الشرعي فلم يقم أي دليل شرعي على اعتبار الأمارة علما، كما تقدم منا مرارا، وأما بحاظ الارتكاز العقلائي فاننا لا نحس بوجداننا العقلائي ذلك، وليس في العقلاء أحكام عقلائية يؤخذ فيها القطع موضوعا بنحو واضح بحيث تنعقد سيرتهم على معاملة الأمارات في تلك الأحكام معاملة القطع الموضوعي، حتى نستكشف من ذلك اعتبارهم الأمارة علما، ومثل جواز الاخبار او القضاء لعل موضوعه عندهم هو مطلق الحجة والأمارة.

نعم لو ثبت كون الأمارة علما ويقينا بالواقع في ارتكاز العقلاء فلا يبعد أن يقال بوروده ولو بضم عدم ردعه على مثل خطاب الاستصحاب، حيث ان ظاهر اخذ العلم واليقين في الخطاب الشرعي مطلق العلم واليقين ولو كان علما ويقينا عقلائيا ما لم يردع عنه الشارع، الا أنه لا يناسب التعبير عن ذلك بالحكومة، لأن الخطاب الحاكم لابد أن يصدر ممن صدر عنه الخطاب المحكوم.

وأما لو فرض عدم ظهور لفظ العلم واليقين في الاعم من العلم واليقين الوجداني والاعتباري فعدم ردع الشارع عن اعتبار العقلاء كون خبر الثقة علما لا يكشف عن كفايته لثبوت الاحكام الشرعية التعبدية التي لايعرف موضوعها الا من قبل الشارع كالاستصحاب، وكيف يمكن للعقلاء ان يتحكموا على الشارع في تحديد موضوع حكمه، وانما يعقل بلحاظ الاحكام العقلائية الثابتة للقطع الموضوعي، فان شأن كل مشرِّع أن يتصرف في دائرة تشريع نفسه، و هذا نظير ما لو كان مفاد الخطاب الشرعي ثبوت حكم للأخ، كالارث، وكان هناك ماهية اعتبارية للأخوة تثبت بعقد الأخوة وغيره، فما دام لم يستفد من خطاب شرعي تنزيله منزلة الاخوة الحقيقية في جميع احكامها، فلا يمكن ترتيب تلك الاحكام عليها بعد أن كان ظاهر دليلها الاخوة الحقيقية، بل يثبت لها القدر المتيقن من الاحكام، كحرمة هجره.

نعم لو كان ارتكاز كون خير الثقة علما صار بحيث لو لم يردع الشارع عنه رتب الناس ولو لغفلتهم النوعية الاحكام الشرعية الثايتة للقطع الموضوعي على قيام الأمارة علم يشكل خطرا على اغراض المولى تمت الحكومة، لكن اثبات ذلك مشكل جدا.

ثم لا يخفى عدم تمامية ما استدل به صاحب الكفاية على عدم حكومة الامارة على الاستصحاب، من أن ضابط الحكومة لزوم لغوية الخطاب الحاكم لولا المحكوم، فانه قد لا يتوقف الخطاب الحاكم على وجود خطاب شرعي محكوم، لوجود اثر عقلي لموضوع الخطاب المحكوم، لكن اطلاق التنزيل في الخطاب الحاكم يقتضي حكومته على الخطاب المشتمل على الاحكام الشرعية لموضوع الخطاب المحكوم، مثال ذلك قوله (عليه السلام) انما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه” فان الشك موضوع لاحكام عقلية كلزوم الاحتياط في الشك في الامتثال، ويعبر عنه بقاعدة الاشتغال، ولكن الظاهر انعقاد الاطلاق له لنفي الاحكام الشرعية للشك، كبطلان الصلاة في الشك في الركعتين الاوليين او لزوم البناء على الاكثر في الشك في الأخيرتين، ولذا أفتى بعضهم كالسيد الصدر “ره” أنه لو شك في حال التشهد الاول بين كونه في الركعة الاولى او الثانية يبني على كونه في الركعة الثانية، وكذا لو شك في التشهد الثاني في الركعات يبني على كونه في الركعة الأخيرة([19]).

وسيأتي في باب التعارض تفصيل الكلام في الحكومة واقسامها وأحكامها.

ثم انه قد يستشكل على مثل المحقق النائيني والسيد الخوئي “قدهما” بأن مسلكهما في الاستصحاب ايضا اعتبار كون اليقين بالحدوث يقينا بالبقاء، ومعه فكما تصلح الأمارة على ارتفاع الحالة السابقة للحكومة على الاستصحاب برفع موضوعه وهو الشك في البقاء تعبدا، كذلك يصلح الاستصحاب للحكومة على تلك الأمارة برفع موضوعها وهو الشك في مطابقتها للواقع، فلا مرجح لحكومة الأمارة على الاستصحاب.

فی رد ما ذکره محقق النایینی

ويجاب عنه بعدة اجوبه:

الجواب الاول: ما ذكره المحقق النائيني “قده” من أن الشك ليس موضوعا لحجية الأمارة وانما هو مورد لها بخلاف المجعول في الاستصحاب، وهذا يوجب تقدم الأمارة على الاستصحاب.

وقد اورد عليه السيد الخوئي “قده” بأنه لا معنى لكون الشك موردا لحجية الأمارة الا تقيد الموضوع بها ثبوتا، بعد امتناع الاطلاق والاهمال.

و هذا الايراد في محله، وما قد يقال من أن كون الشك في الأمارات موردا للحكم يعني كونه قيدا للحكم بحجيتها، فاذا كان الشك موضوعا في الاستصحاب كانت الأمارة حاكمة عليه لأن الحكومة على الموضوع مقدمة على الحكومة على الحكم، كتقدم الجمع الموضوعي على الجمع الحكمي، ففيه أن معنى تقدم الجمع الموضوعي على الحكمي أن أخصية موضوع خطاب عن موضوع خطاب آخر مثل أخصية “لا تكرم العالم الفاسق” موضوعا من “يجوز اكرام العالم” توجب تقدمه على عمومه في مقام الجمع العرفي، وان كان الحكم المخالف للعام مستفادا من اطلاق الهيئة في محمول الخاص، ولا علاقة له بدعوى حكومة “من قام عنده خبر الثقة على شيء فهو عالم به مادام لم يعلم بالخلاف” على قوله “من كان عالما بشيء فشك فليس بشاك، بل هو عالم ببقاءه” فانه بلا وجه، يعد أن كانت النسبة بين موضوع الخطابين العموم والخصوص من وجه.

الجواب الثاني: ما هو المحكي عن المحقق النائيني ايضا من أن المجعول في الأمارة حيث كاشفية العلم وفي الاستصحاب حيث الجري العلمي وفق العلم، فيكون الاول حاكما على الثاني من دون عكس.

وفيه أنه لا فرق بين أن يقال خبر الثقة علم بالواقع، او يقال “يجب ترتيب آثار العلم ببقاء المتيقن السابق”، حيث يصلح كل منهما للحكومة على الآخر.

الجواب الثالث: ما يقال من أنه حيث لم يؤخذ في موضوع الدليل اللفظي لحجية الأمارة عنوان الشك، (اذ لم يتم الاستدلال على حجية خبر الثقة او فتوى الفقيه بقوله تعالى “فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون”)، بخلاف دليل الاستصحاب، فمجرد عدم شمول دليل حجية الامارة لفرض العلم الوجداني، لا يقتضي اخذ عنوان الشك او عدم العلم في موضوعه، فانه يحتمل عرفا كون المأخوذ فيه ثبوتا عنوان آخر ملازم لعدم العلم الوجداني كعنوان امكان جعل الحجية فيه، فيخرج عنه خصوص العلم الوجداني، وحينئذ يقال بأن لا مجال لحكومة التعبد بالعلم ببقاء المتيقن على حجية الأمارة لعدم دليل على أخذ عنوان الشك او عدم العلم فيه ثبوتا.

وقد يورد على هذا الوجه بأنه كما سبق في مباحث القطع يمكن جعل الحجية للقطع شرعا كما يمكن سلب الحجية عنه فيمكن جعل الحجية للأمارة في مورد العلم الوجداني، فقد ذكر هناك أن حجية القطع في بعض الأحيان قد لا تكون واضحة كما لو كان مستندا الى سبب غير متعارف، كالقطع الناشء من مثل الرؤيا، او الوسوسة، او من محاسبات لا يلتفت اليها الذهن العرفي، مثل القطع التفصيلي بنجاسة الكأس الموضوع في ماء الشرب العام في الأزمنة القديمة، او نجاسة المكان المسقوف التي يمشي منه الناس، فيجعل الحجية له.

وأما سلب الحجية عن القطع فلا اشكال في أنه يمكن للشارع النهي عن سلوك سبب خاص، كالقياس لتحصيل القطع، ويكون هذا النهي طريقيا أي بغرض نفي معذريته في فرض الخطأ، فيستحق العقاب على مخالفة التكليف الواقعي ولو حصل له القطع بعدمه.

وأما في غير هذا الفرض فقد منع عنه المشهور، ولكن يمكن أن يقال انه ان كان المراد من التكليف هو الحكم الالزامي المتضمن للغرض اللزومي أي الغرض الذي لا يرضى المولى بخلافه، فمن الواضح أن الترخيص في الارتكاب لا يجتمع مع فرض احتمال التكليف بهذا المعنى، لكونه من قبيل احتمال اجتماع الضدين، فكيف يجتمع مع القطع به، وان كان المراد من التكليف الحكم الالزامي الذي قد يجتمع مع رضى المولى بخلافه، لأجل قصور في الكاشفية وجدانا كما في حال الشك، او قصور في الكاشفية عقلاء، كما في حال القطع الناشئ عن مناشئ غير عقلائية، مثل الرؤيا، والوسوسة، ومحاسبات لا يلتفت اليها الذهن العرفي، مثل القطع التفصيلي بنجاسة الكأس الموضوع في ماء الشرب العام في الأزمنة القديمة، او نجاسة المكان المسقوف التي يمشي منه الناس، فيمكن اجتماع هذا الحكم الالزامي مع الترخيص في الخلاف، ومع ورود هذا الترخيص لا يحكم العقل بلزوم متابعة القطع، فالاقوى هو امكان جعل حكم طريقي ترخيصي في مورد القطع بالتكليف في موارد قصور كاشفيته عقلاء كالقطع الناشئ عن الرؤيا، او شرعا كالقطع الناشئ عن القياس.

نعم جعل حكم ظاهري الزامي في مورد القطع بالترخيص في موارد قصور الكاشفية، ان لم يرجع الى النهي عن سلوك مقدمات خاصة لتحصيل القطع، كما لو حصل له القطع من الرؤيا مثلا فحيث انه لا يحتمل مبغوضية ما قطع فيه بالترخيص فلو فرض خطأه وثبوت التكليف واقعا فلا يصلح التكليف الواقعي المقطوع عدمه للتنجز عقلا.

ومعه فيمكن جعل الحجية او أي حكم ظاهري في مورد العلم، فلا يصلح التقييد بامكان جعل الحجية لعدم شمولها لمورد العلم الوجداني.

و لكن الظاهر عدم تمامية هذا الايراد، لأن المراد هو الامكان او فقل الاحتمال العرفي والعقلائي، ولا يمكن عرفا جعل الحكم الظاهري في موارد القطع خصوصا اذا كان ناشئا عن مناشئ عقلائية، فان كان هناك مورد يحتمل فيه جعل الحجية للأمارة المخالفة للقطع، كما في القطع الناشء عن الوسوسة فالالتزام بشمول دليل حجية الأمارة له لا يستتيع محذورا في المقام.

نعم يرد على هذا الجواب ايرادان آخران:

اولهما: انه لا يتم على مبني انحصار دليل حجية الأمارة كخبر الثقة او الظهور بالدليل غير اللفظي كالسيرة، بل يمكن المنع من اطلاق الادلة اللفظية، لأن المنصرف من قوله تعالى “فتبينوا” هو فرض الشك، كما هو الحال في قوله “العمري ثقتي فما ادى اليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع فانه الثقة المأمون”.

ثانيهما: ان القيد العرفي للاطلاق هو عنوان الشك، لا مثل هذا العنوان غير العرفي.

الجواب الرابع: انه بناء على كون حكومة دليل اعتبار العلم على الاحكام الشرعية للعلم حكومة اثباتية كما هو المختار يكفي في الجواب أن نقول ان هذه الحكومة التي هي من شؤون مقام الاثبات والخطاب، لا تشمل موارد عدم ذكر عنوان الشك في موضوع الخطاب وان دل الدليل اللبّي العقلي او العقلائي على اخذه فيه ثبوتا، كما في دليل حجية الامارة.

بل بناء على كون الحكومة في المقام من القسم الثاني للحكومة، والذي قد ادعي كونها ثبوتية فحكومة دليل اعتبار العلم بالحدوث تختص بما علم كون المأخوذ في الموضوع ولو ثبوتا هو عنوان العلم و لا تشمل الموارد التي يكون المأخوذ في الموضوع ثبوتا عنوان العلم الوجداني، ويحتمل كون القيد الثبوتي في موضوع حجية الأمارة عدم العلم الوجداني، فلا يكون اعتبار العلم بالبقاء في مورد الشك في بقاء المتيقن حاكما عليه.

التقريب الثالث: ما يقال من أن دليل اعتبار الأمارة ان كان هو الخطابات الشرعية، فهي اخص عرفا من عموم الاستصحاب، مثال ذلك دليل حجية خبر الثقة، كقوله (عليه السلام) في صحيحة الحميري “العمري وابنه ثقتان فما اديا اليك فعني يؤديان وما قالا لك عني فعني يقولان فاسمع لهما وأطع فانهما الثقتان المأمونان” فان مورده المتعارف على خلاف الاستصحاب، نعم يفترق عن الاستصحاب بلحاظ شموله لمورد توارد الحالتين او مورد ابتلاء الاستصحاب بالمعارضة في اطراف العلم الاجمالي، ولكن هذه الموارد نادرة فيكون دليل حجية الخبر بمنزلة الاخص.

ان قلت: بعد سقوط استصحاب عدم التكليف في الشبهات الحكمية لأجل العلم الاجمالي الكبير تبقى موارد كثيرة للأمارة الالزامية.

قلت: هذا العلم الاجمالي كان منحلا او غير موجود في زمان المعصومين (علیهم السلام) الذي هو زمان صدور خطاب حجية خبر الثقة، فبلحاظ ذلك الزمان كان خطاب الحجية اخص عرفا، فيقدم على خطاب الاستصحاب.

وان كان دليل حجية الأمارة ارتكاز العقلاء فهو يوجب انصراف عموم دليل الاستصحاب عن التعبد بخلاف ذلك الارتكاز، خصوصا اذا كان الاستصحاب ارتكازيا ايضا([20]).

وقد يورد عليه بأن كون ادلة حجية خبر الثقة اخص مطلقا منه عرفا محل اشكال، لأن كثرة مورد افتراق ادلة حجية خبر الثقة في زمان صدورها مما لا يقبل الانكار، لعدم حجية استصحاب عدم التكليف في غالب الشبهات الحكمية إما لاقترانها بالعلم الاجمالي غير المنحل بوجود تكاليف في الشرع، او لكونها قبل الفحص والسؤال الذي كان ميسورا ولو يواسطةٍ عن المعصومين (عليه السلام)، كما لا يكون استصحاب بقاء التكليف في الشبهات الحكمية حجة، بناء على عدم جريان استصحاب في الشبهات الحكمية.

لكن يمكن دفع هذا الايراد بأن ما ورد في صحيحة الحميري من قول الامام الهادي (عليه السلام) لأحمد بن اسحاق “العمري ثقتي فما أدى اليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع فانه الثقة المأمون” وقول الامام العسكري (عليه السلام) له “العمري وابنه ثقان، فما أديا اليك عني فعني يؤديان وما قالا لك عني فعني يقولان، فاسمع لهما وأطع فانهما الثقتان المأمونان”، مما يأبي عرفا عن الحمل على مورد الشبهة الحكمية المقرونة بعلم اجمالي غير منحلّ الى ذلك الزمان، او الحمل على الشبهة قبل الفحص، اذ لم يكن يتيسر الفحص عادة عن غير طريق خبر الثقة، فان لم يكن حجة لما امكن الفحص بعدُ، ومورد صحيحة الحميري الخبر الدالّ على التكليف، لقوله “فاسمع له وأطع” فالاستصحاب المخالف له هو استصحاب عدم التكليف، ولا يندرج تحت اشكال الاستصحاب في الشبهات الحكمية، حيث ان اشكال المعارضة بين استصحاب بقاء المجعول وعدم الجعل الزائد مختص باستصحاب بقاء الحكم الوجودي.

نعم لو قلنا بقصور المقتضي، اي عدم عموم خطاب الاستصحاب للشبهات الحكمية مطلقا، وكان هناك خطاب واحد يدل بعمومه على حجية خبر الثقة في الاحكام والموضوعات معا، كانت النسبة بين الخطابين العموم والخصوص من وجه، فيتعارضان في خبر الثقة في الموضوعات على خلاف الاستصحاب، لكنه ليس كذلك، لاختصاص مثل صحيحة الحميري بالاحكام كما انه يوجد في الموضوعات أخبار خاصة يستدل بها على خصوص حجية خبر الثقة او البينة في الموضوعات.

فالظاهر تمامية هذا البيان لتقدم دليل حجية الأمارة على دليل الاستصحاب بنكتة الاخصية العرفية، -مضافا الى ما مر منا من تقريب الورود- وأما ما ذكر بالنسبة الى فرض كون دليل حجية أمارة هو الارتكاز العقلائي فبالنسبة الى خبر الثقة الذي هو المهم في المقام نحن وان لم نجزم بثبوت ارتكاز عقلائي على حجيته اذا لم يفد الوثوق، وتمسكنا لاطلاق حجيته بمثل صحيحة الحميري، بعد وثوقنا ب‍ل جزمنا بصدورها، لكن يكفي احتمال وجود هذا الارتكاز في عدم احراز انعقاد العموم في خطاب الاستصحاب بالنسبة الى فرض قيام خبر الثقة، حيث ان الارتكاز على تقدير وجوده يكون بمثابة القرينة اللبية المتصلة، فالشك في الارتكاز مساوق للشك في القرينة اللبية المتصلة، وهو مانع عن احراز الظهور كما سبق في محله .

هل یختص تقديم الأمارة على الاستصحاب بالأمارة المخالفة ام لا؟

ثم ان نتيجة وجوه تقديم الأمارة على الاستصحاب هل هي تقديمها عليه مطلقا ولو كانت موافقة له ام تختص بالأمارة المخالفة، المنسوب الى المشهور هو الاول، وصرّح به الشيخ الاعظم وصاحب الكفاية والسيد الخوئي “قدهم”، والصحيح هو الثاني، وذلك بناء على الوجه الثالث وهو الأخصية واضح، اذ ليست نتيجته الا التقديم في فرض المخالفة والمعارضة، بل الظاهر أن الامر كذلك حتى على الورود والحكومة، فان ما يكون ناقضا لليقين بحدوث الشيء هو اليقين بارتفاعه ويكون اليقين بالامارة على الارتفاع إما داخلا في هذا الناقض وجدانا او حكومة، دون اليقين بالامارة على بقاء هذا الحادث، نعم لو قلنا بكون ركن الاستصحاب الشك في البقاء فعلى مسلك الحكومة لا شك لنا في البقاء تعبدا مع وجود الامارة على البقاء، لكن يقال بأن الظاهر من قوله “لا ينقض اليقين بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر” وقوله “لا، حتى يستيقن أنه نام” هو عدم الخصوصية لعنوان الشك في البقاء، وانما المهم عدم نقض اليقين باحتمال الارتفاع ونقضه باليقين بالارتفاع.

ومما ذكرناه تبين أن اشكال صاحب الكفاية على الشيخ الاعظم “قدهما” من ان الحكومة لا تقتضي تقدم الأمارة الموافقة مع أنه قائل به، يرد على نفس صاحب الكفاية حيث ان الورود ايضا لا يقتضي ذلك، مع انه قائل بالتقديم مطلقا، بل يوجد لتقدم الامارة الموافقة على الاستصحاب بناء على مسلك الحكومة تقريب لا يوجد على مسلك الورود وهو دعوى أن موضوع الاستصحاب هو الشك في البقاء، فيقال حينئذ بحكومة الامارة عليه لالغاءه الشك تعبدا، قانه لا يتم ذلك في الورود الذي اختاره صاحب الكفاية من أن المنهي عنه هو نقض اليقين بسبب الشك، لا بسبب شيء آخر.

عدم ثمرة فی البحث عن تقدم الامارة الموافقة على الاصل

ولا يخفى أن البحث عن تقدم الامارة الموافقة على الاصل ليست له ثمرة عملية، وان ذكر بعض الاعلام “قده” أن ثمرة الورود تظهر في قيام الأمارة في طرفي العلم الاجمالي على خلاف المعلوم بالاجمال، وكان أحد الطرفين موردا للاستصحاب الموافق للأمارة، فانه مع تمامية ورود الأمارة حتى على الاستصحاب الموافق له، فيكون التعارض بين الأمارتين فقط فيتساقطان، فيجري الاستصحاب حينئذ لكونه في طول تلك الأمارة، بناء على سلامة الأصل الطولي عن المعارضة([21]).

وما ذكره قابل للنقاش، ولاجل توضيح النقاش في كلامه نذكر مثالين:

المثال الاول:

لو علم اجمالا بنجاسة احد ماءين وقامت على طهارة كل منهما أمارة، وكان الماء الاول مستصحب الطهارة، ولنفرض عدم كون الماء الثاني مجرى لأصل الطهارة، فان المدلول الالتزامي للأمارة على طهارة الماء الثاني نجاسة الماء الاول، ومن الواضح أن استصحاب طهارته لا يصلح لمعارضة تلك الأمارة، لعدم صلاحية طرفية الاستصحاب لمعارضة الأمارة المخالفة له على جميع المباني، ولو لم يتم مسلك الورود فضلا عن تمامية مسلك ورود الأمارة الموافقة عليه، كما أن وصول النوبة الى الاستصحاب بعد معارضة الامارتين لا يتوقف على المبنى المتنازع فيه من جريان الاصل الطولي في اطراف العلم الاجمالي بلا معارض.

فالمقام نظير جريان استصحاب النجاسة في ثوب متنجس غسل بمايع توارد فيه حالتا الاضافة والاطلاق، فانه لا يتوهم احد طرفيته لمعارضة استصحاب الاطلاق في ذلك المايع، اذ لا معارضة بين الاصل السببي والمسببي، ولا يقاس بمثال الاصول الطولي في مثل اصل الطهارة في ملاقي بعض اطراف الشبهة حيث كان معارضه اصل الطهارة في عدل الملاقى ولم يكن هو حاكما عليه بل كان الحاكم عليه اصل الطهارة في الملاقى بالفتح، لو قلنا بحكومة الاصل السببي الموافق على الاصل المسببي.

المثال الثاني:

لو علم اجمالا بطهارة احد ماءين مثلا، وقامت على نجاسة كل منهما أمارة، وكان احدهما المعين مستصحب النجاسة، فانه بلحاظ المدلول الالتزامي للأمارة على نجاسة الماء الآخر وهو طهارة الماء المستصحب النجاسة يأتي فيه البيان السابق من عدم صلاحية الاستصحاب لمعارضة الامارة المخالفة له، وبلحاظ المدلول المطابقي لتلك الأمارة وهو نجاسة الماء الآخر لا يوجد اي محذور في الجمع بين حجيته وجريان استصحاب نجاسة الماء المستصحب النجاسة.

وعليه فلا تترتب ثمرة عملية على ورود الأمارة الموافقة على الاستصحاب.

هذا كله في وجه تقديم الامارة على الاستصحاب.

 

 



[1] – كفاية الاصول ص 427

[2] – كفاية الاصول ص428

[3] – بحوث في علم الاصول ج6ص 116

[4] – بحوث في علم الاصول ج6ص 256

[5] – أضواء وآراء ج3ص 213

[6] -مصباح الاصول ج3ص31

[7] – مباحث الأصول، ج‏5، ص: 530

[8] – بحوث في علم الاصول ج6ص 119

[9] – مصباح الاصول ج3ص 233

[10] مثل للفرق بين العناوين المقومة والأوصاف بما ذكر في مباحث الفقه من أنه لو قال البائع: بعتك هذا الفرس، فان بان كونه شاة، يكون البيع باطلا، لكون الصورة النوعية مقومة للمبيع، و لو قال: بعتك هذا العبد الكاتب، فانكشف الخلاف فالبيع صحيح، لعدم كون الوصف مقوماً للمبيع بنظر العرف، بل من أوصاف الكمال، فللمشتري الخيار.

اقول: القياس مع الفارق، فانه اذا قال “بعت هذا العنب بكذا” فبان كونه زبيبا بطل البيع، ولكن العنبية بلحاظ الحكم بحرمة الأكل مطلقا او معلقا على الغليان يكون من الاصاوف، حيث يكون المعروض للحكم عرفا ذات الحبة وتكون العنبية من حالاتها.

[11] اجود التقريرات ج2ص 464، رسالة اللباس المشكوك ص 440 و 405

[12] تهذيب الاصول ج2ص31

[13] – منتقى الاصول ج3ص366

[14] – مستمسك العروة الوثقى ج1ص165

[15] – مستمسك العروة ج14ص56

[16] – منهاج الصالحين ج2ص367

[17] – الرسائل ج 1ص 243 و124

[18]فوائد الاصول ج4ص 713 مصباح الاصول ج3ص347 بتوضيح منا

[19] – منهاج الصالحين ج 1ص324

[20] – بحوث في علم الاصول ج6ص 350

[21] – منتقى الأصول ج‏6 ص437