فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

التنبيه التاسع: في لزوم كون المستصحب حكما شرعيا أو موضوع حكم شرعي وعدمه. 2

کلام الشيخ الاعظم : لزوم كون المستصحب حكما شرعيا أو موضوع حكم شرعي. 2

الصحیح: انه لا يلزم في الاستصحاب اكثر من كون المستصحب قابلا للتعبد. 2

التنبيه العاشر: الموضوعات المركبة. 3

الصورة الاولى: أن يكون موضوع الاثر الشرعي عنوان تقدم احدهما على الآخر.. 4

الصورة الثانية: أن يكون الاثر الشرعي مترتبا على اتصاف الحادث بكونه متقدما على الحادث الآخر.. 4

الصورة الثالثة: أن يترتب الأثر على اجتماع الجزئين، مع الشك في بقاء احدهما الى زمان وجود الآخر من دون علم بارتفاع ذاك المشكوك فعلا. 5

المناقشة الاولى: 5

المناقشة الثانية: 7

المناقشة الثالثة: 9

المناقشة الرابعة: 11

الصورة الرابعة: تعاقب الحادثين.. 13

اقوال فی المساله. 14

القول الاول: المشهور: جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ دون معلومه. 14

عدم تمامية اركان الاستصحاب في معلوم التاريخ.. 15

هذا هو القول الصحيح.. 15

القول الثاني: حصول التعارض والرجوع الى الاصل الحكمي الذي هو اصل الطهارة 15

القول الثالث: عدم وجود مقتضٍ لجريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ.. 16

التقريب الاول: 16

التقريب الثاني: 20

التقريب الثالث: 20

التقريب الرابع: 22

التقريب الخامس: 29

القول الرابع: ما اختاره السيد الخوئي “قده”.. 29

دلیل عدم جريان الاستصحاب النافي لوجود احد الجزئين في زمان الجزء الآخر. 31

القول الخامس: قصور المقتضي عن جريان الاستصحاب، لكونه من قبيل الاستصحاب في الفرد المردد 35

عدة فروع فقهية لتعاقب الحادثين.. 36

الفرع الاول: 36

الفرع الثاني: 39

الفرع الثالث: 39

الفرع الرابع: 40

الفرع الخامس: 41

 

موضوع: تنبیه نهم /تنبیهات /استصحاب

خلاصه مباحث گذشته:

متن خلاصه …

 

 

التنبيه التاسع: في لزوم كون المستصحب حكما شرعيا أو موضوع حكم شرعي وعدمه

کلام الشيخ الاعظم : لزوم كون المستصحب حكما شرعيا أو موضوع حكم شرعي

ذكر الشيخ الاعظم وصاحب الكفاية “قدهما” وفاقا لما نسب الى المشهور من لزوم كون المستصحب حكما شرعيا أو موضوع حكم شرعي، وقد يقال في وجهه أن مفاد دليل الاستصحاب جعل الحكم المماثل للحكم الواقعي المشكوك.

الصحیح: انه لا يلزم في الاستصحاب اكثر من كون المستصحب قابلا للتعبد

و لكن الصحيح أنه لا يشترط في الاستصحاب -بمقتضى عموم خطاب النهي عن نقض اليقين بالشك- اكثر من وجود اثر عملي لبقاء اليقين السابق من حيث المنجزية والمعذرية لمتيقنه، ولو بلحاظ كونه حجة على الامتثال او عدمه، و ان شئت قلت: لا يلزم في الاستصحاب اكثر من كون المستصحب قابلا للتعبد، و الحكم بوجود الشرط قابل للتعبد، و معنى التعبد به هو الاكتفاء بوجوده التعبدي و حصول الامتثال، و يكون حال استصحاب الشرط حال قاعدة الفراغ و التجاوز في كون كل منهما تصرفا من الشارع، فيكون اثر استصحاب بقاء التستر في الصلاة المعذرية في مقام الامتثال واثر استصحاب عدمه تأكد المنجزية لقاعدة الاشتغال.

وقد يقال ان الاستصحاب الجاري في مقام الامتثال اصل موضوعي، باعتبار أن الامتثال غاية للتكليف فكل تكليف مقيد بقاءً بعدم امتثاله، بنكتة لغوية اعتبار بقاءه لما بعده، وهذا وان كان صحيحا في حد ذاته، لكن لا حاجة الى ادخال هذا المبنى في البحث، وهو ليس من المسلمات فقد انكره في البحوث بدعوى كون الامتثال غاية لفاعلية التكليف ومحركيته لا لنفس التكليف، والظاهر أن مقصوده محركيته العقلية وموضوعها عدم العلم بالامتثال، وقد مر سابقا الجواب عنه.

هذا وقد ذكر في الكفاية بعد ذلك: أنه لو لم يكن المستصحب في زمان حدوثه حكما و لا موضوعا لحكم شرعي، و لكن كان في زمان استصحابه حكما أو موضوعا لحكم شرعي يصح استصحابه، كما في استصحاب عدم التكليف فإنه و إن لم يكن بحكم مجعول في الأزل و لا ذا حكم، إلا أنه حكم مجعول بقاء، لما عرفت من أن نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعا، و كذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم حدوثا، أو كان و لم يكن حكمه فعليا، و له حكم كذلك بقاء، و ذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه و العمل كما إذا قطع بارتفاعه يقينا و وضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا فيه و في تنزيلها بقاء فتوهم اعتبار الأثر سابقا كما ربما يتوهمه الغافل من اعتبار كون المستصحب حكما أو ذا حكم فاسد قطعا فتدبر جيدا([1]).

وما ذكره تام على مبناه، لكن اتضح عدم لزوم كون المستصحب حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعي.

التنبيه العاشر: الموضوعات المركبة

إذا علم بوجود شيء وشك في زمان حدوثه، كما إذا علم بوجود زيد يوم الجمعة و شك في حدوثه يوم الخميس أو يوم الجمعة، فلا اشكال في أنه يجري استصحاب عدم حدوثه يوم الخميس، لكن لا يثبت‏ به تأخر وجوده عن يوم الخميس إن كان هذا العنوان موضوعا لأثر شرعي، لكونه لازما عقليا لعدم حدوثه يوم الخميس، و كذا لا يثبت به حدوثه يوم الجمعة، فان الحدوث عنوان بسيط منتزع عن وجود شيء في زمان وعدم وجوده قبله، وليس عنوانا مركبا منهما حتى يحرز بضم الوجدان الى الاصل.

هذا كله اذا لوحظ الشك في تقدم حدوث شيء او تأخره بالاضافة الى زمان معين، وأما اذا لوحظ الشك في تقدم حدوث شيء و تأخره بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا، كما اذا علم بموت والد وولده، فان كان موت الوالد سابقا على موت ولده كان حكمه ارث الولد منه ولو كان موت الولد سابقا على موت والده كان حكمه ارث والده منه، وكذا اذا كان الامام في حال الركوع فكبّر المأموم تكبيرة الاحرام وركع ورأى أن الامام قد رفع رأسه وشك في انه هل كان ركوعه متقدما على رفع الامام رأسه حتى تصح صلاته او كان متأخرا حتى تبطل صلاته -جماعة كما عليه المشهور او مطلقا كما هو رأي السيد الخوئي- ففيه ثلاث صور:

الصورة الاولى: أن يكون موضوع الاثر الشرعي عنوان تقدم احدهما على الآخر..

أن يكون موضوع الاثر الشرعي عنوان تقدم احدهما على الآخر او كونه قبل الآخر، او عنوان تأخره عنه او كونه بعده او عنوان تقارن وجودهما، فيجري استصحاب عدم هذا العنوان، ولذا ذكرنا أن استصحاب بقاء الامام في الركوع الى زمان ركوع المأموم لا يثبت ما هو الموضوع لصحة صلاة المأموم، وهو ركوعه قبل رفع الامام رأسه من الركوع، ففي صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: في الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبر الرجل و هو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة، وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبرت و ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة و إن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة([2]).

وهكذا لو اسلم الولد الكافر وشك في كون اسلامه قبل قسمة الميراث حتى يرث من ابيه المسلم([3])، او بعدها حتى لا يرث، ففي صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه و إن أسلم و قد قسم فلا ميراث له، ونحوها معتبرة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)([4])

نعم لو كان لوجود كل منهما قبل الآخر اثر شرعي -وعلم بعدم تقارن وجودهما او فرضنا ثبوت اثر لتقارن وجودهما ايضا- فقد يتعارض استصحاب عدم كون هذا قبل ذاك مع استصحاب عدم كون ذاك قبل هذا، وذلك فيما اذا لزم منهما الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال او أدّى جريانهما الى المناقضة في المؤدى.

وهكذا لو ثبت الاثر لكل من وجود احدهما المعين قبل الآخر ووجوده بعده وتقارن وجودهما,

الصورة الثانية: أن يكون الاثر الشرعي مترتبا على اتصاف الحادث بكونه متقدما على الحادث الآخر..

أن يكون الاثر الشرعي مترتبا على اتصاف الحادث بكونه متقدما على الحادث الآخر، أو انصافه بكونه متأخرا عنه او مقارنا معه على نحو مفاد كان الناقصة فقد ذكر صاحب الكفاية أنه لا مورد ههنا للاستصحاب، لعدم اليقين السابق فيه بلا ارتياب، ولكنه غفلة عن مبناه من جريان الاستصحاب في الأعدام الازلية.

الصورة الثالثة: أن يترتب الأثر على اجتماع الجزئين، مع الشك في بقاء احدهما الى زمان وجود الآخر من دون علم بارتفاع ذاك المشكوك فعلا

أن يترتب الأثر على اجتماع الجزئين، مع الشك في بقاء احدهما الى زمان وجود الآخر من دون علم بارتفاع ذاك المشكوك فعلا، كالحكم بنجاسة الماء القليل الملاقي للنجس، فان موضوعه ملاقاة الماء للنجس في زمان قلّته، فلو علم بملاقاة ماء مسبوق بالقلة للنجس مع الشك في قلته فعلا، فالظاهر التسالم على الحكم بنجاسته لتنقيح موضوعه بضم الوجدان -وهو ملاقاته للنجس- الى الاصل -وهو استصحاب قلته الى زمان ملاقاته للنجس- ولكن قد يناقش فيه بعدة مناقشات:

المناقشة الاولى:

ما ذكره السيد الامام “قده” في مثال عموم “يجب اكرام كل عالم” المخصَّص بقوله “لا تكرم العالم الفاسق” من أن موضوع العامّ بحسب الإرادة الجدّية بعد التخصيص يتصوّر على وجوه ثلاثة:

الأوّل: أن يكون القيد المأخوذ فيه على نحو القضية المعدولة بأن يجب اكرام العالم اللا فاسق، او غير الفاسق .

الثاني: أن يكون على نحو القضية السالبة المحمول، بأن يجب اكرام العالم الذي لا يكون فاسقا”.

الثالث: أن يكون على نحو القضية السالبة المحصّلة التي تصدق مع عدم موضوعها، كما لوقال “إذا لم يكن العالم فاسقاً فأكرمه”، لكن حيث يستحيل كون السالبة المحصّلة الصادقة مع انتفاء الموضوع موضوعاً لحكم إيجابي، اذ معناه وجوب الاكرام مع انتفاء فسق العالم ولو بانتفاء موضوعه، فلا محيص عن فرض وجود الموضوع مع القضية السالبة لكن بنحو لا يرجع إلى التقييد و النعت و إلّا يرجع إلى السالبة المحمول.

ثم قال: إذا علمنا أنّ زيداً كان غير فاسق قبل أن يصير عالما، ثم شككنا في بقاء عدالته من حين صيرورته عالما، فلا يمكن حينئذٍ إحراز موضوع العامّ بالأصل و الوجدان، إلّا على القول بالاصل المثبت، فان موضوع الحكم هو العالم المتّصف بعدم كونه فاسقاً، فجزءه عدم نعتي للعالم بما هو عالم، و هو غير مسبوق باليقين، و ما هو مسبوق به هو زيد المتّصف بعدم الفسق لا العالم، و هو ليس جزءه، و استصحاب العدم النعتي لعنوان لا يثبت العدم النعتي لعنوان متّحد معه إلّا بحكم العقل، و هو أصل مثبت، و تعلّق العلم بأنّ زيداً العالم في الحال لم يكن فاسقاً بنحو السلب التحصيلي لا يفيد، لعدم كونه بهذا الاعتبار موضوعاً للحكم([5]).

اقول: لازم ما ذكره أنه لو كان الموضوع مركبا من جزئين ولم يعلم بتقارن وجود الجزئين سابقا فلا يفيد ضم الوجدان الى الاصل، كما لو قال المولى “اكرم العالم العادل” وهذا غريب، ومخالف لمفاد ادلة الاستصحاب حيث ان الامام (عليه السلام) استصحب بقاء الوضوء، لتصحيح الصلاة التي يأتي بها المكلف بعد شكه في الوضوء.

والحل أن الظاهر عرفا من اخذ المركب موضوعا للحكم أخذ واقع الجزءين على نحو التركيب في موضوع الحكم، فقوله “اكرم العالم الذي ليس بفاسق” ظاهر في كون موضوع وجوب الاكرام أن يكون شخص عالما، وثانيهما أن لايكون فاسقا، والجزء الاول محرز بالوجدان والثاني بالاستصحاب.

والحاصل أن المراد من النعتية ليس مجرد ايقاع نسبة ذهنية بين مفهومين ولو بنحوٍ لا يكون لها أيّ حكاية عن الواقع والخارج، لأنه يعتبر مجرد تفنن في التعبير، ولايفهم العرف منه اخذ حيثية اتصاف العالم بكونه عادلا او عدم كونه فاسقا في موضوع الحكم.

نعم ظاهر اخذ عرض شيء وصفا لمحله هو اخذه بما هو نعت له بنكتة أن تشخص العرض حيث يكون بمعروضه العرفي، فلا ريب في احتياجه في وجوده اليه، واستصحاب بقاء طبيعي العرض لايثبت وجود العرض لهذا المحل، الا بنحو الاصل المثبت، كما لو استصحب بقاء العدالة وعلم أنها على تقدير بقاءها تكون باقية في زيد، من دون احراز عدالة زيد سابقا.

هذا وقد ذكر في البحوث تعليقا على كلام المحقق النائيني “قده” أن ما ذكره من كون الموضوع المأخوذ فيه الجوهر وعرضه يكون بمعنى التقييد اي أخذ اتصاف الجوهر بذاك العرض تام على مستوى الظهور العرفي، وان كان يمكن فيه التركيب ايضا بأن يؤخذ الوجود المحمولي للعرض في الموضوع، كما هو الظاهر من أخذ عدم العرض في الموضوع، فانه ظاهر في اخذه بما هو عدم محمولي -اي عدم الاتصاف بالعرض لا النعتي الذي هو الاتصاف بعدم العرض- ولاجل ذلك بنينا على جريان استصحاب العدم الازلي.

وأما ما ذكره من أنَّ الموضوع المركب من غير العرض و محله يكون بنحو التركيب ما لم يكن قرينة على التقييد فهو وان كان صحيحا، لكن قد يدعى وجود قرينة عامة على التقييد، وهو ما يدل على الربط فيما بين أجزاء الموضوع المركب، و لا أقل من حرف العطف بأَن يقول إذا غسلت يدك بالماء و كان طاهراً زالت النجاسة، و هذا الربط أيضاً مفهوم زائد على ذاتي الجزءين لا يمكن إثباته بالاستصحاب إلّا بالتعويل على الأصل المثبت.

وقرينة خاصة فيما اذا أخذ العرَضان بنحو طولي، لا في عرْضٍ واحد، كما إذا قيل “اغسله بالماء الطاهر” فأخذت طهارة الماء في طول الغسل، لا بمعنى إضافة الغسل إلى الطهارة ليقال لا معنى لعروض عرض على عرض، و أخذ مفهوم آخر كالتقارن بينهما مؤونة زائدة لا دليل عليها، بل بمعنى انَّ الظاهر تعلق الغسل و إضافته إلى الماء الطاهر بما هو طاهر لا إلى ذات الماء فلابد من إثبات تحقق الغسل بالماء الطاهر بما هو طاهر، و هذا لا يثبت باستصحاب طهارة الماء إلّا بالتعويل على الأصل المثبت.

و هذه القرينة قلّما يشذ عنها مورد من الموضوعات المركبة إلّا ما ثبت التقييد فيها بدليل منفصل كالتخصيص.

ثم أجاب عن ذلك بأنَّ الإضافة و الربط بين الجزءين تارة تكون بعنوان من العناوين التي لها ما بإزاء في الخارج و يعتبرها العرف مما يحتمل دخالتها في الحكم، و أخرى لا تكون إلّا لمحض الربط التصوري بين الجزءين و جمعهما في مركب ذهني واحد مع كون النّظر إلى ذاتي الجزءين بحسب المتفاهم العرفي، ففي الحالة الأولى لا محيص عن إثبات ذلك العنوان الثالث زائداً على ذاتي الجزءين فإذا لم تكن له حالة سابقة لم يجد الاستصحاب في ذاتي الجزءين لإثبات الموضوع المركب، و اما في الحالة الثانية فالعرف يلغي بحسب مقام الإثبات كل تلك الإضافات و العلاقات فيما هو موضوع للحكم لبّا و ثبوتاً و يعتبرها مجرد وسائل لإناطة الحكم بذات الاجزاء، و هذا فهم عرفي عام يحكم على جميع الموارد([6]).

ولا بأس بما أفاده.

المناقشة الثانية:

ما قد يقال: من أن الاستصحاب الموضوعي لابدَّ و أَن يثبت الحكم الفعلي المترتب على ذلك الموضوع، ليكون منجزاً، لأنَّ المنجز بحسب الحقيقة هو الحكم الفعلي، و مع كون المستصحب الجزء، فليس له حكم ليتعبد به في دليل الاستصحاب، و ما له حكم و هو المركب ليس مصباً للاستصحاب.

وقد اجاب عنه في البحوث بأن هذا الاعتراض لا أساس له بناء على ما هو المسلك المختار من أنَّ المجعول الفعلي أمر وهمي، و أنَّ المنجزية موضوعها وصول كبرى الجعل و وصول صغراه، ويكفي وصول أحد جزئي الصغرى بالوجدان ووصول جزءها الآخر بالتعبد، لأنَّ إحراز الموضوع بنفسه منجز لا بما هو طريق إلى إثبات الحكم الفعلي المترتب عليه.

و أما بناءً على المنهج المعروف من انَّ المنجز هو الحكم الفعلي، و أنه لابدَّ من إثباته بالاستصحاب إما مباشرة أو بتوسط موضوعه، فلا يوجد جواب فني عنه، فان دعوى أن الحكم بعد وجود أحد جزءي موضوعه وجداناً لا يكون موقوفاً شرعاً إلّا على الجزء الآخر، فيكون حكماً له و منوطاً به في هذه الحالة، مندفعة بأنَّ مجرد تحقق أحد الجزءين خارجاً لا يخرجه عن الموضوعية و إناطة الحكم به شرعاً، و لا ينقلب الحكم إلى كونه حكما للجزء الآخر خاصة، كما انَّ أجزاء الموضوع ليست مثل أجزاء المتعلق حيث ينحل الامر الضمني الى كل منها ويقتضي ايجادها، لوضوح انَّ الحكم لا يتحقق إلّا عند تواجد اجزاء موضوعه جميعاً، فلا معنى لتقسيطه تبعاً لاجزاء الموضوع.

يبقى ما يقال من أن كل جزءٍ، موضوعٌ لحكم تعليقي، وهو أنه لو انضم اليه سائر الأجزاء لثبت الوجوب مثلا، ولكنه -مضافا الى عدم كونه مجعولاً من قبل الشارع، و انما هو امر انتزاعي- حتى لو كان مجعولا شرعا فقد تقدم عدم جريان الاستصحاب التعليقي عند المشهور، كما انه لا يثبت عندنا الحكم الفعلي الا بنحو الاصل المثبت([7]).

اقول: المهم أنه بعد عدم قصور اثباتي في شمول خطاب النهي عن النقض العملي لليقين بالشك لجزء الموضوع مع احراز جزءه الآخر فيكون مقتضاه على مسلك جعل الحكم المماثل، جعل حكم مماثل للواقع الذي هو حكم المركب في المقام، بلسان النهي عن نقض اليقين عملا بالشك، كما في قيام خبر الثقة على جزء الموضوع، وأما على سائر المسالك فلا اشكال في صلاحية هذا الاستصحاب لتنجيز حكم المركب، بعد فراغهم عن اصل صلاحية الاستصحاب الموضوعي لتنجيز الحكم الفعلي.

المناقشة الثالثة:

ما قد يقال في خصوص المركب من ذات المشروط و تقيده بالشرط كاستصحاب الوضوء لاثبات كون الصلاة مع الوضوء من الاصل المثبت، بتقريب أن الفارق بين الجزء والشرط هو اخذ الجزء بنفسه في موضوع الحكم او متعلقه وأما في الشرط فالمأخوذ هو تقيد المشروط به، ولذا اشتهر في مورده “تقيد جزء وقيد خارجي” ولاجل ذلك قد يكون شرط الواجب غير اختياري مثل الصلاة في النهار، مع أن جزء الواجب لابد أن يكون اختياريا حتى يتعلق به الامر الضمني، فيكشف ذلك عن كون الواجب هو اتصاف الصلاة بكونها في النهار، ومن هنا يقال ان استصحاب بقاء الشرط لاثبات اتصاف المشروط به من الاصل المثبت.

وقد أجاب في البحوث عن ذلك بأن العرف حيث لا يرى الطهور عرضا لنفس الصلاة لعدم كونها محلًا له فهو يفهم التركيب بينهما بمعنى كون الصلاة في زمان ويكون المكلف طاهراً و لا يفهم ارتباطاً آخر أكثر من ذلك بين الوصفين و العرضين.

وقد ذكر في البحوث أن الظاهر في الجملة التركيبية المأخوذة موضوعا او متعلقا للحكم كونها مأخوذة على نحو التركيب، نظير عنوان الغسل بالماء والصلاة مع الوضوء، وانما يرفع اليد عنه فيما لو كان شرط الواجب خارجا عن اختيار المكلف كالامر بالصلاة في النهار، فيلتزم بكونه مأخوذا على نحو التقييد، فلايمكن اثباته باستصحاب بقاء القيد([8]).

ونتيجة ما ذكره التفصيل بين ما لو كان المقيد بالقيد غير الاختياري متعلقا للأمر وبين ما لو كان موضوعا للحكم، بحيث لو أمر المولى بغسل الوجه بالماء فيكون من الأمر بالمقيد، واستصحاب كون ما يغسل به ماءا لايثبت تحقق الغسل بالماء، ولكن لو قال “غسل المتنجس بالماء مطهر” فيجدي بحاله استصحاب كون المغسول به ماء.

وكذا التفصيل في متعلق الأمر بين ما لو كان القيد اختياريا كالأمر بالصلاة مع الوضوء او التستر فيكون من الأمر بالمركب وبين ما لو كان القيد غير اختياري فيكون من الأمر بالمقيد.

والانصاف إباء العرف عن قبول هذه التفاصيل، والمهم أن لازم ما ذكره انقلاب الشرط الاختياري المأخوذ في متعلق الأمر جزءا، وهو خلاف المرتكز، على أنه خلاف مبناه من صحة الصلاة مع الساتر المغصوب عمدا، حيث ادعى أن النهي التكليفي عن ذات الشرط لاينافي اطلاق الشرطية([9])، فان معناه ان متعلق النهي هو ذات الشرط ومتعلق الأمر هو التقيد به، فيكون التركيب بينهما انضماميا، ودعوى أنه يكفي في التركيب الانضمامي كون متعلق الامر تقيد المكلف بالتستر ومتعلق النهي ذات التستر، ومع ذلك فيمكن اثبات الامتثال باجراء الاستصحاب في تقيد المكلف بالتستر والوضوء ونحوهما من الشروط الاختيارية غير متجهة، فان شرط التركيب الانضمامي هو امكان الامر الترتبي بالواجب على تقدير عصيان الحرام ولا يمكن الامر بتقيد المكلف بالتستر على تقدير ارتكابه للتستر بالساتر المغصوب، لكونه من طلب الحاصل، فلابد أن يكون الامر متعلقا بتقيد الصلاة بالتستر، والصلاة والتستر وان كانا عرضين مستقلين، لكن لا مانع من الامر بكون احدهما في حال وجود الآخر، ولو تم ما ذكره في البحوث في المقام لزم منه ذهابه الى بطلان الصلاة مع التستر بالساتر المغصوب، حيث يكون التركيب بين متعلق الأمر وهو التستر او تقيد المكلف به وبين متعلق النهي وهو التستر بالساتر المغصوب اتحاديا مع وحدة العنوان بنظره، حيث يرى ان النهي عن الغصب ظاهر في النهي عن العناوين الذاتية كالتستر بمال الغير، فلا يمكن اطلاق الامر مع وجود النهي.

وكيف كان فان القول بكون متعلق الامر بالمقيد بالقيد الاختياري ظاهرا في التركيب خلاف الظاهر جدا، كما لا يمكن الالتزام به في المقيد بالقيد غير الاختياري كالصلاة في النهار.

وقد كنا نجيب عن اشكال مثبتية استصحاب بقاء القيد والشرط لاثبات التقيد بالفرق بين التقيد الحرفي والتقيد الاسمي، ببيان أنه لو كان المأخوذ في الموضوع هو التقيد الإسمي، كما لو تعلق الأمر بإتيان صلاة تتصف بكونها في النهار، فحينئذ لايمكن احراز عنوان اتصاف الصلاة بكونها في النهار بمجرد استصحاب النهار، وأما لو كان المأخوذ في الموضوع التقيد الحرفي كما في مثل الأمر بالصلاة في النهار، فمع الشك في بقاء الوقت يرى العرف أن عدم ترتيب آثار الصلاة في الوقت يكون نقضا لليقين بالشك.

ولكن يرد عليه أنه إن كان من باب خفاء الواسطة بأن كان العرف لا يلحظ بنظره المسامحي عنوانا آخر وراء ذات المقيد وذات القيد، لمكان آلية التقيد الحرفي، ففيه ما مر من عدم دليل على حجية النظر المسامحي العرفي في تشخيص مصاديق نقض اليقين بالشك، ودعوى أنه في موارد خفاء الواسطة اي كون اثر الواسطة الخفية اثرا لنفس المستصحب بالنظر العرفي المسامحي يكون نقض اليقين بالشك صادقا بالنظر العرفي غير المسامحي على عدم ترتيب هذا الاثر مجازفة محضة.

وان كان من باب جلاء الواسطة فقد مر أن المتيقن منه ما اذا كان للمستصحب اثرٌ، يكون النهي عن النقض العملي بالشك شاملا له بلحاظ هذا الاثر، ثم يثبت لازمه الجلي ظاهرا من باب التلازم بين التعبد الظاهري بهما، على أنه لم يثبت اباء العرف عن التفكيك بين التعبد الظاهري باثر نفس اليقين بالشرط كوجوب الصلاة النهارية الذي هو اثر نفس وجود النهار، وبين التعبد الظاهري باثر تحقق الصلاة النهارية.

فينحصر الجواب في دعوى أن تطبيق الامام (عليه السلام) خطاب الاستصحاب على الوضوء في صحيحة زرارة الاولى، وعلى الطهارة من الخبث في صحيحته الثانية لغرض تصحيح الصلاة بضم ظاهر الأدلة من كون الطهارة من الحدث والخبث شرطا في الصلاة، والامر في الطهارة من الخبث اوضح، ولذا لو طهّر جسده او ثوبه بماء مغصوب عمدا فلا اشكال عند احد في صحة تلك الصلاة، وهذا لا يجتمع مع كون الامر الضمني في الصلاة متعلقا بنفس ايجاد الطهارة من الخبث، وهذا يشكل ظهورا في خطاب الاستصحاب في صدق نقض اليقين بالشرط عند عدم ترتيب آثار المقيد به.

المناقشة الرابعة:

ما قد يقال من أن استصحاب بقاء الجزء او الشرط معارض باستصحاب عدم تحقق المجموع فاستصحاب بقاء الوضوء لاثبات كون الصلاة مع الوضوء معارض مع استصحاب عدم المجموع.

وقد أجاب عنها المحقق النائيني “ره” بأن الشك في تحقق المجموع مسبب عن الشك في تحقق الجزء المشكوك فيه، فإذا جرى الاستصحاب فيه، كان حاكما على استصحاب عدم تحقق المجموع.

واورد عليه السيد الخوئي “قده” بأن الاستصحاب السببي إنما يكون حاكما على الاستصحاب المسببي فيما إذا كانت السببية شرعية، كما إذا غسلنا ثوباً متنجساً بماء شك في بقاء طهارته، فان طهارة الماء سبب شرعي لطهارة الثوب المغسول به، فباستصحاب الطهارة في الماء يرتفع الشك في طهارة الثوب، و هذا بخلاف ما إذا كانت السببية عقلية، كما في المقام، فلا حكومة لأحد الأصلين على الآخر.

ثم قال: التحقيق في الجواب أن يقال: إنه إذا كان عنوان المجموع المركب موضوعاً لحكم، فهو لا محالة عنوان بسيط لا يمكن إثباته باستصحاب أحد الجزءين، مع قطع النّظر عن المعارضة، و أما إذا كانت ذوات‏ الأجزاء دخيلة في الحكم و لم يكن لعنوان المجموع دخل فيه، فليس لنا شك في موضوع الحكم، إذ المفروض أن أحد الجزءين محرز بالوجدان، و الآخر محرز بالأصل، والصلاة مع الوضوء من هذا القبيل([10]).

وأنت ترى أن ما ذكره السيد الخوئي هنا حول الصلاة مع الوضوء من تعلق الامر الضمني بذات الوضوء دون تقيد الصلاة بالوضوء، منافٍ لما ذكره في بحثه الاستدلالي من أن الستر ليس جزءا للصلاة بل هو شرط توصلي لها، والشرط خارج عن تحت الامر، وإنما الداخل تحت الأمر هو تقيد الواجب به فتصح الصلاة في الساتر المغصوب ولو عمدا([11])، على أن ما ذكره لا يتم في الواجب المشروط بشرط غير اختياري كالصلاة في النهار كما تقدم توضيحه.

وقد صرح بعد ذلك في بحث قاعدة الفراغ أن الشرط لا يكون متعلقا للامر بخلاف الجزء، كيف وقد يكون الشرط غير مقدور للمكلف، كالوقت، فمعنى اشتراط الصلاة بالطهارة هو تعلق الامر بالصلاة المتقيدة بالطهارة على نحو يكون التقيد داخلا والقيد خارجا، فالامر قد تعلق بايجادها مقترنة مع الطهارة، ولذا لا تكون نتيجة قاعدة التجاوز عند الشك بعد الصلاة في وجود الطهارة حينها الا التعبد باقتران الصلاة بالطهارة لا التعبد بنفس الطهارة بحيث لا يحتاج الى الوضوء للصلاة اللاحقة([12]).

وقد كنا نقول سابقا: ان العرف يرى عدم ترتيب آثار التقيد الحرفي -الناشء عن الجمع بين الكلمات بتوسط الحروف او الاضافة- عند اليقين السابق بالقيد، كالوضوء او النهار، واليقين الفعلي بوجود ذات المقيد، كالصلاة، نقضا لليقين بالشك، فلا مانع من اجراء استصحاب بقاء القيد لترتيب اثر المقيد، ويكون حاكما على استصحاب عدم المقيد، فانه كلما كانت حالتان ثبوتيتان تكون احديهما ناسخة للأخرى فيكون الأصل الجاري في الحالة الناسخة مقدما عرفا على الأصل الجاري في الحالة المنسوخة بشرط ان لايكون الأصل الجاري في الحالة الناسخة أصلا مثبتا، وهذا هو المفروض في المقام، فان حالة بقاء القيد ناسخة لحالة عدم حصول المقيد، والمفروض أن استصحاب بقاء القيد يكفي لإثبات حصول المقيد، فيكون مقدما عرفا على استصحاب عدم حصول المقيد، نعم لو فرض عدم جريان استصحاب القيد، فتصل النوبة الى جريان استصحاب عدم المقيد.

لكن الجزم به مشكل، والمهم في الجواب عن هذه المناقشة التمسك بصحيحة زرارة الاولى والثانية، ولكن لا يستفاد منهما عدم الاستصحاب لنفي المقيد كالصلاة مع الوضوء الا في حال جريان الاستصحاب في القيد والشرط، فمع عدم جريانه لتوارد الحالتين ونحوه لا مانع من التمسك بعموم دليل الاستصحاب لاجراءه في نفي المقيد.

الصورة الرابعة: تعاقب الحادثين

الصورة الرابعة: أن يترتب الأثر على اجتماع الجزئين، مع الشك في بقاء احدهما الى زمان وجود الآخر والعلم بعدم وجوده فعلا، وهذه هي المسالة المعروفة بتعاقب الحادثين.

وتوجد له أمثلة كثيرة في الفقه:

منها: ما لو صار الماء القليل كرا وعلم بملاقاته للنجس إما قبل حدوث الكرية او بعده، فلو بقيت قلة الماء الى زمان ملاقاته للنجس حكم بنجاسته، ولو بعد تتميمه كرا.

ومنها: ما لو صار الماء الكر قليلا وعلم بملاقاته مع النجس إما قبل حدوث قلته حتى يكون طاهرا او بعده حتى يصير نجسا.

ومنها: ما اذا توضأ وصلى وعلم بأنه صدر منه حدث إما قبل الصلاة او بعدها، فيترتب الحكم بصحة الصلاة على بقاء الطهارة الى زمان الصلاة.

ومنها: ما اذا فسخ احد المتبايعين للبيع، وعلم بتحقق افتراقهما عن مجلس البيع، وشك في كون فسخه قبل افتراقهما او بعده.

ومنها: ما اذا علم برجوع الزوج في الطلاق وانقضاء العدة و شك في أن رجوعه هل كان قبل انقضاء العدة او بعده، فيترتب نفوذ الرجوع على عدم انقضاء العدة الى زمان انشاء الرجوع.

ومنها: ما لو علم بموت الوالد والولد وشك في تقدم موت الوالد على موت الولد، فارث الولد مترتب على بقاء حياة الولد الى زمان موت والده.

الى غير ذلك من الأمثلة، ولنقتصر فعلا على التحقيق حول المثال الاول وهو الشك في بقاء قلة الماء الى زمان ملاقاته للنجس، وفيها ثلاث فروض:

الفرض الاول: الجهل بتاريخ كل من حدوث الكرية وتحقق الملاقاة مع النجس، بأن علمنا بأنه إما حدثت كرية الماء في الساعة الاولى وملاقاته مع النجس في الساعة الثانية، فلم يتنجس، او حدثت الملاقاة في الساعة الاولى وكريته في الساعة الثانية فقد تنجس.

الفرض الثاني: العلم بتاريخ حدوث الكرية والجهل بتاريخ الملاقاة، كما لو علم بأنه في الساعة الثانية صار كرا ولكن لا يدري هل تحققت الملاقاة في الساعة الاولى او في الساعة الثالثة.

الفرض الثالث: العلم بتاريخ الملاقاة والجهل بتاريخ حدوث الكرية، كما لو علم بأنه في الساعة الثانية لاقى النجس، ولكن لا يدري هل حدثت الكرية في الساعة الاولى او في الساعة الثالثة.

ولا يخفى ان المراد من معلوم التاريخ في قبال مجهول التاريخ في كلمات الأعلام لبس هو معلوم التاريخ تفصيلا، بل يشمل ما لو كان معلوم التاريخ نسبيا، اي كان زمان تردده من ناحية المنتهى اضيق من زمان تردد الحادث الآخر، كما لو تردد زمان الملاقاة بين الساعة الثانية والثالثة، وتردد زمان حدوث الكرية بين الساعة الثانية والثالثة والرابعة، فيجري استصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية بلا معارض، وذلك لعدم اختصاص نكتة معلوم التاريخ بمعلوم التاريخ تفصيلا.

اقوال فی المساله

وكيف كان ففي المسألة عدة اقوال:

القول الاول: المشهور: جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ دون معلومه

القول الاول: ما عليه جماعة كالشيخ الاعظم “ره” بل نسب الى المشهور من جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ دون معلومه، ففي الفرض الاول حيث يكون كلا الحادثين مجهولي التاريخ، فيتعارض استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة مع استصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية، ويرجع بعد ذلك الى قاعدة الطهارة، وفي الفرض الثاني يجري استصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية، فيحكم لأجله يطهارة الماء، وفي الفرض الثالث يجري استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة، ولأجله يحكم بنجاسة الماء في الفرض الثالث فقط.

عدم تمامية اركان الاستصحاب في معلوم التاريخ

ومنشأ هذا القول هو دعوى عدم تمامية اركان الاستصحاب في معلوم التاريخ، حيث انه اذا علم مثلا بحدوث الكرية في الساعة الثانية فلا تكون الكرية مشكوكا فيها في اي زمانٍ من الأزمنة، فلا مجال لجريان استصحاب عدم الكرية، وهذا بخلاف ما اذا كانت الكرية مجهولة التاريخ، فيجري استصحاب عدم الكرية الى زمان الملاقاة، وهكذا بالنسبة الى استصحاب عدم الملاقاة، حيث انه اذا كان تاريخ الملاقاة معلوما فلا مجال لجريان استصحاب عدم الملاقاة، بخلاف ما اذا جهل تاريخها فيجري استصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية فيتعارض مع استصحاب عدم الكرية الى زمان الملاقاة.

هذا هو القول الصحيح

وهذا القول هو الصحيح كما سوف يظهر من الاشكالات على سائر الأقوال، الا أنه اورد عليه جمع من الاعلام كصاحب الكفاية بعدم الوجه في المنع من عدم تمامية الشك في معلوم التاريخ، فانه انما يتوجه هذا الاشكال فيما اذا لوحظ الشك بالاضافة الى أجزاء الزمان، مع أنه لابد أن يلحظ بالاضافة الى زمان الحادث الآخر، بعد كونه هو الموضوع للاثر، وبهذا اللحاظ يتم الشك فيه، فلو كان تاريخ حدوث الكرية معلوما، وتاريخ الملاقاة مجهولا، فيصح دعوى الشك في بقاء القلة الى زمان الملاقاة، وبهذا تشكل القول الثاني.

القول الثاني: حصول التعارض والرجوع الى الاصل الحكمي الذي هو اصل الطهارة

القول الثاني: ما اختاره جماعة كبعض السادة الاعلام “دام ظله” من تمامية اركان الاستصحاب في كل من الفروض الثلاث، فيتعارض استصحاب بقاء القلة مثلا الى زمان الملاقاة مع استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة، ثم يرجع الى الاصل الحكمي الذي هو اصل الطهارة.

ولكن يرد على هذا القول اولا: أنه لا يوجد عرفا الا شك واحد، وهو الشك في بقاء مجهول التاريخ الى زمان معلوم التاريخ، فاذا كان تاريخ الكرية مجهولا وتاريخ الملاقاة معلوما، فالعرف يرى أن الشك في شيء واحد، وهو بقاء القلة الى زمان الملاقاة، والتعبير بالشك في وجود الملاقاة في زمان القلة تعبير انتزاعي عن ذاك الشك وليس شكا آخر.

ويشهد على ما ذكرناه أنه لو لاقى الماء المسبوق بالقلة نجسا، فلا يشك احد في اثبات نجاسته باستصحاب بقاء قلته، فهل ترى من نفسك أنك لو اضفت اليه مقدار من الماء فصار كرا، فيتعارض ذاك الاستصحاب مع استصحاب عدم ملاقاته للنجس الى زمان كريته المعلومة اجمالا، وان جهل تاريخ حدوث الكرية، فيحكم بطهارة الماء بعد ما كان يحكم بنجاسته، ان هذا يعد امرا غريبا، وهكذا لو شك في حياة الولد الذي كان مفقودا الى زمان موت والده، فاستصحب بقاء حياته واعطيت حصته لوكيله، فمضى زمان علم بموت الولد عادة، فهل ينقلب الحال ويتعارض ذاك الاستصحاب مع استصحاب عدم موت والده الى زمان موته؟.

وثانيا: انه منافٍ لصحيحة زرارة الثانية، حيث ورد فيها “قلت إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة قال تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته و إن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شي‌ء أوقع عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك([13])” فأجرى الامام (عليه السلام) استصحاب عدم اصابة الدم الى زمان الدخول في الصلاة ولم يجر الاستصحاب المعارض له وهو استصحاب عدم دخوله في الصلاة الى زمان اصابة الدم.

نعم هذه الصحيحة اجتمع مع القول الرابع ايضا، وهو قول السيد الخوئي بجريان الاستصحاب لاثبات احد جزئي الموضوع الى زمان وجود الجزء الآخر من دون جريان استصحاب عدم الآخر في زمان وجود الاول، كما يجتمع مع القول الاول المنكر لجريان الاستصحاب في معلوم التاريخ، وانما استدلنا بها لابطال للقول الثاني.

القول الثالث: عدم وجود مقتضٍ لجريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ

القول الثالث: ما ذهب اليه صاحب الكفاية و محصله أنه حيث يعتبر في جريان الاستصحاب إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، فلا يوجد مقتضٍ لجريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ، وقد ذكرت عدة تقاريب لكلامه:

التقريب الاول:

ما هو ظاهر كلامه من أن هناك ثلاث ساعات: الساعة الاولى: زمان اليقين بكل من القلة وعدم الملاقاة، والساعة الثانية: زمان العلم الاجمالي بحدوث احد حادثين إما الكرية او الملاقاة، والساعة الثالثة: زمان العلم الاجمالي بحدوث الحادث الآخر.

وحيث ان المشكوك هو بقاء القلة الى زمان الملاقاة، فزمان الشك فيه هو زمان الملاقاة، ولا يحرز اتصاله بزمان اليقين بالقلة، لاحتمال كون زمان الملاقاة هو الساعة الثالثة، وهكذا الحال بالنسبة الى استصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية.

والدليل على لزوم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين أنه لولا ذلك لا يحرز كون رفع اليد عن اليقين بهذا الشك من نقض اليقين بالشك.

لا يقال: ان زمان الشك في بقاء القلة هو تمام الساعتين بعد الساعة الاولى وهو متصل بزمان اليقين.

فإنه يقال: نعم و لكنه إذا كان الشك فيه بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان، و المفروض أنه كان الشك فيه بلحاظ إضافته إلى زمان الحادث الآخر، حيث انه الموضوع للاثر، و لا شبهة أن زمان شكه بهذا اللحاظ إنما هو خصوص ساعة حدوث الآخر لا تمام الساعتين.

وبهذا تبين الاشكال في جريان استصحاب عدم معلوم التاريخ، فان المانع عن استصحابه هو شبهة انفصال زمان الشك وهو زمان الملاقاة حيث يشك في وجود القلة حينه، عن زمان اليقين بالقلة، فيجري استصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية بلا معارض.

ثم ذكر أن الفرق بين هذا القول الذي اختاره مع القول الاول هو أنه يستند عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ بناء على مختاره الى قصور المقتضي، لاختلال اركانه، لا الى المعارضة وتظهر الثمرة بينهما في ما لو اختص الأثر بعدم احدهما المعين في زمان الآخر، حيث لا مجال فيه للمعارضة، ويكون الاستصحاب فيما له الأثر جاريا بلا معارض، بخلاف ما لو كان منشأ عدم جريان الاستصحاب قصور المقتضي([14]).

اقول: ان الثمرة بين القولين لا تختص بموارد اختصاص الاثر بعدم احدهما المعين في زمان حدوث الآخر، اذ يكفي في المعارضة جريان استصحاب عدم حدوث الآخر الى زمان وجود ذاك، لغرض نفي ذلك الأثر، كما لو كان الاب كافرا والولد مسلما وماتا مع الجهل بتاريخ موتهما، فيجري استصحاب حياة الولد الى زمان موت ابيه لغرض اثبات ارث الولد، وأما حياة الاب الى زمان موت الولد فلا اثر له في الحكم بارثه من الولد بعد كونه كافرا، ولكن يكفي في المعارضة جريان استصحاب حياة الأب الى زمان موت الولد لغرض نفي موضوع ارث الولد، وهو موت الوالد مع حياة الولد.

وهكذا مثال استصحاب بقاء قلة الماء الى زمان الملاقاة فان استصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية يجري بغرض نفي اثر الاول وهو نجاسة الماء.

ومما ذكرنا تبين الاشكال فيما ذكره السيد الخوئي “قده” من المثال للثمرة بما لو علمنا بموت أخوين لأحدهما ولد دون الآخر، مع الجهل بتاريخ موتهما، فاستصحاب عدم موت الأخ الذي له ولد إلى زمان موت الآخر يترتب عليه إرثه منه، بخلاف استصحاب عدم موت من لا ولد له إلى زمان موت الآخر، فانه لا يترتب عليه أثر، لكون الوارث له ولد و لو كان موته قبل موت من لا ولد له([15])، فانه يكفي في المعارضة جريان استصحاب عدم موت من لا ولد له الى زمان موت من له ولد لنفي ارث من له ولد منه، نعم ما ذكره يتم على مسلكه الذي سنبينِّه في القول الرابع.

وكان ينبغي أن تذكر الثمرة فيما لو كان احد الاستصحابين مبتلىً باشكال المثبتية، كما لو اسلم الولد ومات الوالد وجهل تاريخهما، فاستصحاب عدم اسلام الولد الى زمان موت الوالد ينفي ارثه منه، بينما أن استصحاب عدم موت الاب الى زمان اسلام الولد لا يثبت موته في زمان اسلامه الا بنحو الاصل المثبت.

وكذا لو كان الماء كرا، فعلم بحدوث حالة القلة وملاقاة النجس فيه، وشك في المتقدم والمتأخر منهما، مع الجهل بتاريخهما، فان استصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث القلة حيث لا يثبت ما هو موضوع الاثر وهو الملاقاة في زمان القلة الا بنحو الاصل المثبت، فيجري بناء على القول الاول استصحاب بقاء الكرية الى زمان الملاقاة لنفي موضوع نجاسة الماء بلا معارض، بينما أنه لا يجري على القول الثاني لشبهة انفصال زمان الشك عن زمان اليقين، فلابد في اثبات طهارته من التمسك بالاصل الحكمي، كاستصحاب الطهارة او قاعدتها، وحينئذ يتوجه الاشكال الآتي في جريان الاصل الحكمي في مثله من قبل المحقق النائيني “قده”.

مناقشه

وكيف كان فما ذكره صاحب الكفاية من عدم تمامية اركان الاستصحاب في مجهولي التاريخ لعدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، غير تام.

فانه اولا: تختلف الأمثلة، اذ تارة يكون الغرض من الاستصحاب احراز عدم احدهما قبل زمان حدوث الآخر، وأخرى يكون الغرض احراز عدمه في اول آن حدوث الآخر، ففي مثال العلم بصيرورة الماء كرا وملافاته للنجس، والشك في المتقدم والمتأخر منهما، فحيث ان الاثر وهو نجاسة الماء مترتب على الملاقاة في زمان القلة، فالذي يراد اجراء الاستصحاب فيه هو عدم الملاقاة في زمان القلة لا عدمها الى زمان حدوث الكرية، فانه لو تحققت الملاقاة في اول آن حدوث الكرية فلا يتنجس الماء، وعليه فلا يوجد فيه شبهة الانفصال عن زمان اليقين بعدم الملاقاة وهو الساعة الاولى.

وهذا يختلف عن استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة، فانه يأتي فيه هذا التقريب، لان الموضوع للنجاسة هو القلة وعدم الكرية في زمان الملاقاة، فيقال ان زمان الشك في القلة في زمان الملاقاة يتبع واقع زمان الملاقاة والذي قد يكون هو الساعة الثالثة مع أن زمان اليقين بعدم الملاقاة هو الساعة الاولى.

وهكذا مثال رجوع الزوج وانقضاء العدة الرجعية والشك في المتقدم والمتأخر منهما، فانه لا يرد هذا الاشكال على استصحاب عدم الرجوع في زمان العدة، بخلاف استصحاب بقاء العدة الى زمان الرجوع، فانه يتوجه عليه الاشكال، ولذا يجري استصحاب عدم الرجوع في زمان العدة بلا معارض ويحكم ببينونة الزوجة، بينما أنه على فرض عدم جريانهما او تعارضهما كان المرجع الاصل الحكمي وهو استصحاب بقاء الزوجية، لأن المطلقة الرجعية زوجة.

وثانيا: انه حتى في مثال الشك في القلة في زمان الملاقاة او بقاء العدة الى زمان الرجوع يكون زمان الشك اي المشكوك متصلا بزمان اليقين، فان المشكوك في المثال الاول هو وجود القلة في الساعة الثانية، والى زمان الملاقاة، فهو متصل بزمان اليقين بها من الساعة الاولى، و ان كان الأثر الشرعي وهو نجاسة الماء لا يترتب الا إذا بقيت هذه القلة إلى زمان الملاقاة، فهو نظير ما لو علمنا بعدالة زيد يوم الجمعة وشككنا في عدالته يوم السبت، ثم اجرينا الطلاق عنده يوم الأحد، فعدم ترتب الاثر الفعلي على بقاء عدالته الا في يوم الاحد لا يعني انفصال زمان الشك فيها عن زمان اليقين.

والذي يرشدك الى الخلل في هذا الوجه أنه لو تم، كان فرض العلم بتاريخ الملاقاة والشك في كون حدوث الكرية قبلها او بعدها مبتلى بالاشكال ايضا، حيث ان زمان الشك وان كان معلوما للعلم بكون الملاقاة في الساعة الثانية مثلا، فيكون زمان الشك في القلة عند الملاقاة معلوما، ولكن حيث يعلم اجمالا بحدوث الكرية إما في الساعة الاولى او الثالثة، فيحتمل كون زمان القلة المتيقنة ما قبل الساعة الاولى، فيكون زمانه منفصلا عن زمان الشك، بل لو لوحظ المتيقن بما هو متيقن فيحرز انفصال زمان الشك وهو القلة في زمان الملاقاة عن زمان اليقين بالقلة، لكون زمان اليقين بالقلة ما قبل الساعة الاولى قطعا.

التقريب الثاني:

ما يذكر كاحتمالٍ في كلام صاحب الكفاية، وهو أن يكون مدعاه أن زمان اليقين بالقلة حيث كان هو الساعة الاولى، ويحتمل كون زمان الملاقاة الذي هو زمان الشك في القلة حال الملاقاة هو الساعة الثالث،ة فحينئذ يكون زمان الكرية الساعة الثانية، فيتخلل بين زمان اليقين بالقلة وزمان الشك فيها زمان يوجد فيه اليقين واقعا بالكرية المعلومة بالاجمال وهو الساعة الثانية، ومع هذا الاحتمال يوجد شبهة انفصال زمان الشك في القلة عن زمان اليقين السابق بالقلة باليقين بالكرية.

وفيه أن من الواضح أن العلم الاجمالي بحدوث الكرية إما في الساعة الثانية او الثالثة لا يعنى أن ساعة اليقين بحدوث الكرية هي ساعة حدوث الكرية واقعا، لا عقلا ولا عقلاء، فانه نظير ما لو علم بموت زيد إما اليوم او قبل سنة، فانه لا يصدق حتى بالنظر العرفي فيما لو مات قبل سنة، أن موته قبل سنة كان معلوما واقعا، وان فرض تمامية دعوى كون الواقع هو المعلوم بالنظر العرفي والعقلائي في مورد العلم الاجمالي المنجز الدائر بين المتباينين كالعلم الاجمالي بموت زيد او عمرو، مع أنه لم يتم حتى هناك.

ولو تم هذا التقريب لتوجه الاشكال على ما قبل جريانه من استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة مع الجهل بتاريخ حدوث الكرية والعلم بتاريخ الملاقاة.

التقريب الثالث:

ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن وجه كلام صاحب الكفاية دعوى ظهور كلمة “فاء” في قوله (عليه السلام) “لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت” في لزوم اتصال زمان الشك بزمان اليقين، ثم أجاب عنه بأنه لا يعتبر في الاستصحاب سبق اليقين على الشك، لصحة جريان الاستصحاب مع حدوثهما معاً، و إنما المعتبر تقدم زمان المتيقن على زمان المشكوك فيه، بأن يكون المتيقن هو الحدوث، و المشكوك فيه هو البقاء، نعم يعتبر في جريان الاستصحاب فيه اتصال زمان الشك بزمان اليقين، بمعنى عدم تخلل يقين آخر بينهما، فلو تيقن بالطهارة ثم تيقن بالحدث ثم شك في الطهارة، فيجري استصحاب الحدث، دون استصحاب الطهارة لعدم صدق نقض اليقين بالشك بلحاظها، بل يصدق نقض اليقين باليقين.

و عليه فلا مانع من جريان الاستصحاب في المقام، فانه بعد اليقين بقلة الماء والشك في بقاءها الى زمان الملاقاة لم يتخلل بين اليقين و الشك يقين آخر بعدم القلة حتى يكون فاصلا بين اليقين الأول و الشك، وليس لنا تردد في زمان الشك أصلا، نعم لنا شك في زمان الملاقاة واقعاً، ولكنه لا يضر باستصحاب القلة الى زمان الملاقاة، لتمامية أركانه من اليقين و الشك بلا تخلل يقين آخر بينهما، كيف؟ و لو كان مثل هذا التردد مانعاً عن جريان الاستصحاب، لكان مانعاً عنه في سائر المقامات أيضا، كما إذا علمنا بان زيداً إن شرب السم الفلاني فقد مات قطعاً، و ان لم يشرب فهو حي، فاحتمال شرب السم و عدمه صار منشأ للشك في بقاء حياته، و لا يضر باستصحاب حياته([16]).

اقول: صرح صاحب الكفاية بأنه مع انفصال زمان الشك واليقين لا يصدق نقض اليقين بالشك لأن الشك في القلة في زمان الملاقاة فزمانه زمان الملاقاة، فنظره الى الشك بمعنى المشكوك بالعرض، ولزوم احراز اتصاله بزمان المتيقن، لا الشك بمعنى الحالة النفسانية، ولذا لم يستند الى كلمة الفاء في كلامه، حتى يجاب عنه بعدم خصوصية لاتصال زمان حدوث الشك على زمان حدوث اليقين، بل يمكن حصولهما معا او حصول اليقين بالحدوث بعد الشك في الوجود، وانما استند الى عدم صدق نقض اليقين بالشك .

هذا وقد حكي عن المحقق النائيني “قده” ما يقرب من الوجه المذكور في هذا التقريب، حيث ذكر أن كبرى لزوم احراز اتصال زمان الشك عن زمان اليقين تامة، لكن لا تنطبق هذه الكبرى على المقام، فان شبهة انفصال زمان الشك عن زمان اليقين انما تأتي في مثل ما لو علم بنجاسة انائين في يوم الجمعة ثم علم بتطهير احدهما المعين في يوم السبت ثم تردد ما علم بتطهيره بين الاناء الشرقي والغربي، فان استصحاب نجاسة كل منهما مبتلى بشيهة انفصال زمان الشك عن زمان اليقين بتخلل زمان حصل فيه اليقين بطهارة ذاك الاناءن وهكذا لو علم بتطهير اناء زيد المردد بينهما، وهذا بخلاف ما لو علم بتطهير احدهما لا بعينه، فانه لا يمنع من اتصال زمان اليقين بالشك، والمقام من قبيل الأخير، اذ العلم بحدوث الكرية إما في الساعة الثانية او في الساعة الثالثة لا يمنع من اتصال زمان الشك في القلة بزمان اليقين، فكبرى لزوم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين تامة، الا ان المناقشة في الصغرى([17]).

وفيه أن الكبرى ايضا غير تامة، فانه لا يعتبر في الاستصحاب اكثر من الشك الفعلي في بقاء المتيقن، ولو علم بتخلل يقين بارتفاعه، ثم حصل له الشك الساري في مطابقة اليقين بالارتفاع مع الواقع، فضلا عما اذا احتمل تخلل يقين بالارتفاع.

التقريب الرابع:

قد يذكر تقريب آخر لكلام صاحب الكفاية، يبتني على انكار الاستصحاب في الفرد المردد، حيث يقال أنه مع الجهل بتاريخ حدوث الكرية والملاقاة، فزمان الملاقاة في قولنا “استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة” مشير الى واقع الزمان الذي تحقق فيه الملاقاة، ولعله الساعة الثالثة التي نتيقن بعدم بقاء القلة الى ذلك الزمان، فيكون استصحابه من الشبهة المصداقية لليقين بالخلاف، وهكذا زمان حدوث الكرية في قولنا “استصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية”.

وهذا الوجه هو الذي اختاره المحقق الحائري على ما حكي عنه في مجلس درسه([18]) واختاره السيد الداماد “قده”([19])، ويظهر هذا الوجه من المحقق العراقي “قده” ايضا([20]).

كما اختاره في البحوث فقال: ان الحكم الشرعي مترتب على القلة في واقع زمان الملاقاة بمعنى انَّ كلا الجزءين لوحظا في زمان واحدٍ، دون أَن يقيد أحدهما بزمان الآخر بعنوانه، والا فلو كان الحكم الشرعي مترتبا على القلة في زمان الملاقاة بما هو زمان الملاقاة، فلم يكن يجري استصحاب بقاء القلة في جميع الصور، لأن المفروض تقيدها بزمان الجزء الآخر بهذا العنوان، و هذا التقيد لا يثبت بالاستصحاب، و قد شرطنا منذ البداية في جريان استصحاب الجزء في الموضوعات المركبة عدم أخذ التقيد بين اجزائها في موضوع الحكم.

و عندئذ نقول: ان استصحاب بقاء القلة في فرض الجهل بتاريخ حدوث الكرية والملاقاة إلى زمان الملاقاة ان اريد به بما هو زمان الملاقاة فهذا الزمان بهذا العنوان و ان كان يشك في بقاء القلة إلى حينه، و لكن المفروض عدم كونه موضوعا للاثر، و ان أريد به استصحاب بقاء القلة إلى واقع زمان الملاقاة على نحو يكون قولنا “زمان الملاقاة” مجرد مشير إلى واقع ذلك الزمان فواقع هذا الزمان يحتمل أَن يكون هو الزمان الثالث الذي يعلم به بوجود الكرية قطعا،أي لا يحرز كونه من نقض اليقين بالشك بل لعله من نقض اليقين باليقين و هذا يعني انه شبهة مصداقية لدليل الاستصحاب نظير ما تقدم في وجه المنع عن جريان الاستصحاب في الفرد المردد.

و هذا الاشكال يجري في معلوم التاريخ ايضا كما لو علم تاريخ الملاقاة فاستصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية حيث ان زمان حدوث الكرية لعله هو الساعة الثالثة التي يعلم بتحقق الملاقاة فيها قطعا، بخلاف استصحاب القلة التي مجهول التاريخ مع كون الملاقاة معلوم التاريخ، ونحوه ما لو كانا مجهولي التاريخ ولكن كان زمان التردد في حدوث احدهما اوسع من زمان التردد في حدوث الآخر، فانه لا يبتلى الاستصحاب في ما هو اوسع دائرة بهذا الاشكال كما لو دار زمان حدوث الكرية بين الساعة الاولى والثانية والثالثة وزمان الملاقاة بين الاولى والثانية فقط، فان واقع زمان الملاقاة ايأ ما كان فيحتمل استمرار القلة اليه([21]).

اقول: هذا البيان وان كان لا يخلو من دقة، لكن حمل كلام صاحب الكفاية عليه غير متجه، لمنافاته مع تعبيره بأن الاستصحاب في مجهولي التاريخ مبتلى بشبهة انفصال زمان الشك عن زمان اليقين، بل كان لابد من التعبير بكونه من شبهة نقض اليقين باليقين، مضافا الى أنه ذكر بعد ذلك حكم توارد الحالتين فقال: كما انقدح أنه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب حالتان متضادتان‏ كالطهارة و النجاسة و شك في ثبوتهما و انتفائهما للشك في المقدم و المؤخر منهما و ذلك لعدم إحراز الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما و ترددها بين الحالتين و أنه ليس من تعارض الاستصحابين‏([22])، فمنع من جريان الاستصحاب في توارد الحالتين مع الجهل بتاريخهما لكونه من شبهة انفصال زمان اليقين عن الشك، ومن الواضح أنه ليس من قبيل استصحاب الفرد المردد وشبهة نقض اليقين باليقين.

هذا ومن جهة أخرى لا يتناسب ما في البحوث من الجمع بين ما افاده اولاً من أنه لو كان بنحو التقييد لم يمكن استصحاب القلة، لأن المتيقن ذات القلة لا القلة المقيدة بكونها في زمان الملاقاة، وبين ما افاده بعد ذلك من أنه لو لوحظ زمان الملاقاة بنحو التقييد اي زمان الملاقاة بما هو زمان الملاقاة امكن استصحاب ذات القلة الى زمان الملاقاة حتى في مجهولي التاريخ، لكنه خلاف ظاهر اخذ زمان الملاقاة بنحو التركيب([23]).

فان الاول ناظر الى كون الموضوع هو القلة المقيدة بكونها في زمان الملاقاة فيكون المستصحب هو القلة المقيدة والمفروض عدم الحالة السابقة المتيقنة لها، والثاني ناظر الى كون الموضوع ذات القلة، ولكن يكون ظرفها الزمان المضاف الى الملاقاة، فيكون المستصحب ذات القلة ولكن ظرف استصحابها الى زمان الملاقاة بما هو زمان الملاقاة، ولعل نكتة الجمع بينهما أنه ان التزم بالتركيب فلابد من الالتزام به حتى بالنسبة الى زمان الملاقاة وان ادعي كون ظاهره التقييد فيكون الامر في الاول -اي القلة المقيدة بكونها في زمان الملاقاة ايضا- كذلك.

ويرد عليه اولا: ما مر في الاشكال على التقريب الاول من أن الأمثلة تختلف، ففي هذا المثال المعروف وهو العلم بحدوث الكرية والملاقاة والشك في المتقدم والمتأخر منهما لا يأتي هذا التقريب ايضا، فان آخر زمان يحتمل فيه القلة وهو ما قبل الساعة الثالثة مما يحتمل فيه استمرار عدم الملاقاة، حيث ان الساعة الثالثة هي الزمان الذي يعلم بانتقاض عدم الملاقاة فيه لا قبل هذه الساعة، فلا يكون استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة من استصحاب الفرد المردد، نعم يتوجه هذا الاشكال على استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة، وهكذا مثال رجوع الزوج وانقضاء العدة الرجعية والشك في المتقدم والمتأخر منهما، فانه لا يرد هذا الاشكال على استصحاب عدم الرجوع في زمان العدة، بخلاف استصحاب بقاء العدة الى زمان الرجوع، فانه يتوجه عليه الاشكال، كما مر توضيحه في ذيل التقريب الاول.

وثانيا: ان هذا الاشكال مبني على انكار استصحاب الفرد المردد، ولكن الصحيح جريانه، نعم من بنكر جريانه فلابد من التزامه بالاشكال.

ومما ذكرناه تبين الاشكال في ما يحاول أن يجاب عن هذا التقريب الرابع من قبل المنكرين للاستصحاب في الفرد المردد، كالسيد الامام “قده” وبعض الاعلام في كتاب الأضواء:

أما السيد الامام “قده” فبعد ما نقل هذا التقريب عن المحقق الحائري “ره”، اورد عليه بوجود فرق واضح بين استصحاب عدم القلة إلى الساعة الثالثة، و بين استصحاب عدم القلة الى زمان الملاقاة مع النجس، فان اركان الاستصحاب وان لم تتم في الاول، لكنها تامة في الثاني والشاهد عليه أنه لو أخبرت البينة بأن الكرية لم تتحقق الى الساعة الثالثة فنكذِّبها للعلم بالخلاف، ولكن لو أخبرت بأن الكرية لم تتحقق الى زمان الملاقاة مع النجس نصدِّقها و نحكم بأن الملاقاة حدثت في الساعة الثانية والكرية حدثت في الساعة الثالثة، و كذا لو كانت لوازم الاستصحاب حجة، و هذا دليل على أن مفاد استصحاب القلة الى زمان الملاقاة ليس جرّ المستصحب إلى الساعة الثالثة حتى يكون من نقض اليقين باليقين، بل مفاده عدم حصول الكرية في زمان تحقق الملاقاة، ويكون هذا الاستصحاب ترجيحا لاحتمال حدوث الملاقاة في الساعة الثانية والكرية في الساعة الثالثة، نعم حيث لا يكون الأصل المثبت حجة فلا يترتب الأثر الا على نفس عنوان وجود القة وعدم حدوث الكرية في زمان الملاقاة للنجس، و ليس ذلك الا من نقض اليقين بالشك([24]).

ولكنه “قده” لم يتعرض لحاقّ اشكال المحقق الحائري “قده” من أن استصحاب القلة الى عنوان زمان الملاقاة من قبيل استصحاب الفرد المردد كما صرح به المحقق الداماد “قده”، اذ يستظهر من الأدلة أن موضوع النجاسة هو القلة في واقع زمان الملاقاة، لا كون القلة في عنوان زمان الملاقاة، فان هذا مقتضى ظهور ما دل على أن الماء القليل الملاقي للنجس نجس، فانه ظاهر في التركيب، والا فلو حمل على التقييد (اي العنوان البسيط المنتزع عن اجتماع اجزاء الموضوع) فلا يختص ذلك بعنوان زمان الملاقاة، بل يكون الموضوع القلة المتقيدة بكونها في زمان الملاقاة وحينئذ فلا يجري استصحاب بقاء القلة ابدا، حتى لو كان تاريخ الملاقاة معلوما، اذا ما علم بوجوده سابقا هو ذات القلة لا القلة المقيدة بزمان الملاقاة، وحينئذ لم يتم فتواه كغيره من الاعلام بأن الماء المستصحب القلة اذا لاقى النجس يتنجس، والمفروض أن السيد الامام “قده” ينكر جريان الاستصحاب في الفرد المردد، ولذا ذكر انه لو وجد جلدا مطروحا لا يدري أنه جلد الشاة المعلوم كونها مذكاة او جلد الشاة المعلوم كونها ميتة، فلا يجري استصحاب عدم تذكية صاحب هذا الجلد([25]).

وان شئت فقس المقام بما لو قال المولى “أكرم ولد العادل” فعلمنا بأن زيدا قبل وجود ولد له كان عادلا، فيقال هذا ولد شخص بالوجدان وذاك الشخص عادل بالاستصحاب، وهذا يعني أن عنوان ولد العادل عنوان مركب من ولد شخص وكون ذاك الشخص عادلا، والا فلو كان عنوانا مقيَّدا كان استصحاب كون زيد عادلا اصلا مثبتا بالنسبة الى اثبات كون ولده ولد العادل، وحينئذ فلو تردد ولد بين كونه ولد زيد الذي علمنا بزوال عدالته او ولد عمرو الذي علمنا ببقاء عدالته فاستصحاب كون هذا الولد ولد العادل يكون من الاستصحاب في الفرد المردد، والمدعى أن المقام من هذا القبيل.

وأما بعض الاعلام فقد ذكر في كتاب الأضواء: أنّا نجري الاستصحاب بلحاظ واقع زمان الملاقاة، و لكن من خلال عنوان زمان الملاقاة بأن نشير به إلى ذات معنونه الخارجي مع إلغاء تقيده بالملاقاة، و الذي من خلال هذا العنوان المشير يشك وجداناً في بقاء القلة فيه و عدمه، و لو من جهة تردده بين فردين من الزمان، لا شك في شي‏ء منهما، إذا لوحظا بعنوانيهما التفصيليين، نظير ما لو شككنا في طهارة اناء زيد المردد بين إناءين يقطع بنجاسة أحدهما و طهارة الآخر تفصيلًا، فإذا كان اناء زيد نجساً سابقاً و كانت نجاسته فعلًا موضوعاً لأثر شرعي، كما إذا نذر وجوب التصدق إذا كان نجساً، جرى استصحاب بقاء نجاسة اناء زيد على إجماله لترتيب ذاك الأثر، و لكن لا بما انّه اناء زيد لوضوح عدم أخذ اضافته لزيد لا في موضوع النجاسة المستصحبة و لا في موضوع الأثر الآخر، لأنّه مترتب على نجاسة اناءٍ يكون لزيد بنحو التركيب بحسب الفرض([26])، بل اناء زيد مشير إلى واقع ذاك الاناء الخارجي الموضوع لهذا الحكم و الأثر الشرعي، و لا ينبغي أن يقال بأنّه إذا كان هذا العنوان مشيراً إلى واقع أحد الإناءين في الخارج فحيث لا شك في شي‏ء منهما من ناحية الطهارة و النجاسة فلا موضوع للاستصحاب.

و تمام النكتة في أنّ أخذ العنوان المقيد مشيراً في موارد التركيب لا يكون إلّا بمعنى الغاء خصوصية التقييد فيه لا كونه مشيراً إلى العناوين التفصيلية التي لا شك بلحاظها، بل المشار إليه هو المطابق و المعنون الخارجي المردد لا العناوين الاخرى التفصيلية، و حيث انّه مشكوك بهذا العنوان الإجمالي المشير فيمكن أن يكون هو مركب الاستصحاب بمقتضى إطلاق دليله.

و قد ذكر السيد الخوئي “قده” أمثلة عديدة لجريان الاستصحاب في حق مشكوك يحتمل انطباقه على ما يقطع بانتقاضه بعنوان تفصيلي، كما إذا تردد المقلَّد بين كونه زيدا المعلوم موته وعمرو المعلوم حياته، فإنّه لا إشكال في جريان استصحاب حياة المقلَّد، و عدم وجوب الرجوع إلى غيره أو عدم انتقال تركته([27]).

اقول: كيف يتلائم هذا البيان مع ما تبنّاه مرارا من انكار جريان الاستصحاب في الفرد المردد([28])، فان العنوان المشير وهو الزمان المضاف الى الملاقاة، وان كان قد تم فيه اركان الاستصحاب حيث يشك في بقاء القلة الى ذلك الزمان، لكن من ينكر الاستصحاب في الفرد المردد يدعي أنه حيث لا يكون هذا العنوان المشير موضوعا للاثر بل الواقع المشار اليه موضوع للاثر، فان المفروض أنه بناء على التركيب يكون عنوان ملاقاة الماء القليل للنجس مركبا من كون الماء قليلا في زمان، وكون ذلك الزمان زمان الملاقاة، او فقل: الملاقاة في زمان ويكون ذلك الزمان زمان القلة، والمفروض أن واقع زمان الملاقاة لو كان هو الساعة الثالثة فالقلة منتفية حينه، فلم تتم اركان الاستصحاب فيه على هذا التقدير.

وهكذا مثال كون نجاسة اناء زيد، موضوعا للاثر، فان الموضوع لما كان هو وجود اناء وكونه نجسا وكونه اناء زيد فلا يصح ان يضاف النجاسة الى اناء زيد بما هو اناء زيد والا لكان خلف التركيب، فيكون المستصحب كون ذات الاناء نجسا وهو مما لم يتم فيه اركان الاستصحاب بناء على عدم قبول الاستصحاب في الفرد المردد، لتردده بين الفرد المقطوع الطهارة والفرد المقطوع النجاسة، فانه نظير ما لو قال المولى لعبده “ان زارك عالم عادل فتصدق” فزار العبد شخصان يعلم أن احدهما عالم ولكن يقطع بزوال عدالة احدهما المعين وبقاء عدالة الآخر، فان استصحاب عدالة العالم من الاستصحاب في الفرد المردد، بعد أن لم يؤخذ في الموضوع اتصاف العالم بما هو عالم بالعدالة، بل كان الموضوع زيارة شخص ويكون عالما وعادلا.

وأما مثال السيد الخوئي فلا اشكال في كونه من استصحاب الفرد المردد، لكون موضوع جواز التقليد الانسان الذي يكون له وصف الاعلمية والحياة، واستصحاب كون ذاك الانسان حيّا استصحاب في الفرد المردد، لأنه ان كان مشيرا الى زيد فهو حي قطعا، وان كان مشيرا الى عمرو فهو ميت قطعا، نعم كان السيد الخوئي قائلا بجريانه.

ولو كان المقصود من هذا البيان محاولة اثبات جريان الاستصحاب في الفرد المردد كان من المناسب بيانه بصراحة، مع أنا ذكرنا أنه انكر جريانه في سائر كلماته.

فالانصاف تمامية هذا التقريب الرابع على مبنى انكار الاستصحاب في الفرد المردد، نعم من يرى جريان الاستصحاب في الفرد المردد كالسيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما” وقد وافقناهما في ذلك فلا اشكال في البين، وأما من ينكر جريان الاستصحاب في الفرد المردد فلا يبقى له مجال لانكار هذا التقريب، الا أن يدعى ظهور قوله “اذا كان الماء قليلا في زمان ملاقاته مع النجس فيتنجس” في اخذ وجود القلة في زمان الملاقاة، بنحو التقييد، ولكن لازمه أن يرى كون الموضوع هو القلة المتقيدة بزمان الملاقاة، ومعه فلا يجري استصحاب بقاء القلة مع العلم بتاريخ الملاقاة ايضا بل ومع الشك في استمرار القلة الى الزمان الفعلي، لأنه لا حالة سابقة متيقنة للقلة المتقيدة بزمان الملاقاة، وانما الحالة السابقة المتيقنة لذات القلة، فالظاهر كونه مركبا من وجود القلة في زمانٍ وكون ذلك الزمان زمان الملاقاة.

التقريب الخامس:

ما في مصباح الاصول من أنه ربما يقال من أن الشك في بقاء القلة في زمان الملاقاة حيث لا يتحقق إلا بعد اليقين بالملاقاة، لأن الشك في حدوث الكرية حين الملاقاة لا يعرض إلا بعد اليقين بالملاقاة، وقد فرض حصول هذا اليقين في الساعة الثالثة، وفي هذا الزمان يعلم بوجود الكرية، فلا محالة ينفصل زمان الشك عن زمان اليقين.

ثم اجاب عنه بأنه يعني احراز انفصال زمان الشك عن زمان اليقين، وهو غير مدعى صاحب الكفاية من الشك في الانفصال، على أن معنى اتصال الشك باليقين عدم تخلل يقين آخر بينهما، و ليس في المقام يقين آخر فاصل بين اليقين الأول و الشك، حتى يكون من نقض اليقين باليقين، لأن اليقين الآخر متعلق بوجود الكرية فعلا، و هو ليس بناقض لليقين الأول بعدم الكرية في زمان الملاقاة، لعدم كونه متعلقاً بعين ما تعلق به اليقين الأول، لأن متعلق اليقين الأول حدوثا و متعلق الشك بقاءً هو عدم الكرية حين الملاقاة، و متعلق هذا اليقين هو وجود الكرية فعلًا، فلا يرتبط أحدهما بالآخر([29]).

ولا بأس بما افاده، فانه قد صرح صاحب الكفاية أنه حيث يكون الموضوع للاثر هو القلة في زمان الملاقاة فيكون الاستصحاب بلحاظ الشك فيه، و زمانه واقع زمان الملاقاة، فنظره الى الشك بمعنى المشكوك بالعرض، ولزوم احراز اتصاله بزمان المتيقن، لا الشك بمعنى الحالة النفسانية، على أن الشك في القلة في زمان الملاقاة لا يتبع العلم بالملاقاة، وانما غايته ان يتبع واقع الملاقاة، فلا يتم هذا التقريب.

وبما ذكرناه تبين عدم تمامية اي من التقاريب لكلام صاحب الكفاية.

القول الرابع: ما اختاره السيد الخوئي “قده”

القول الرابع: ما اختاره السيد الخوئي “قده” من أنه وان تم منشأ القول الثاني من اقتضاء كل من مجهولي التاريخ وكذا مجهول التاريخ ومعلوم التاريخ لجريان الاستصحاب، وهذا قد يؤدي الى معارضة الاستصحابين، كما في مثال العلم بموت الوالد والولد، والشك في المتقدم والمتأخر منهما، حيث ان الاثر الشرعي لحياة الوالد الى زمان موت ولده ارثه من ولده، كما أن الاثر الشرعي لحياة ولده الى زمان موته هو ارثه من والده، فيتعارض استصحاب حياة كل منهما وعدم موته الى زمان موت الآخر.

لكن اذا كان هناك اثر شرعي واحد مترتب على ثبوت احدهما في زمان وجود الآخر، فيجري استصحاب بقاءه الى زمان وجود الآخر، فيثبت به الاثر الشرعي بلا معارض، ففي مثال العلم بحدوث الكرية والملاقاة يجري استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة، من غير فرق بين فرض الجهل بتاريخهما او العلم بتاريخ الكرية والجهل بتاريخ الملاقاة او العلم بتاريخ الملاقاة والجهل بتاريخ الكرية، وأما استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة فلا مقتضي لجريانه.

وذكر في تقريب ذلك اشكالا نقضيا وحليا:

أما الاشكال النقضي: فهو أنه لو جري مثل هذا الاستصحاب وتعارض مع استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة، لتمت المعارضة في نفس صحيحة زرارة الاولى بين استصحاب الوضوء الذي أجراه الامام (عليه السلام) عادة لغرض احراز كون الصلاة في زمان الوضوء، وبين استصحاب عدم الصلاة في زمان الوضوء.

و أما الاشكال الحلي فهو أن الموضوع للحكم حيث يكون مركبا من واقع جزئين، وهما قلة الماء وملاقاته للنجس مثلا، فبعد احراز ملاقاته للنجس فليس لدينا الا شك واحد في وجود الجزء الآخر وهو القلة في زمان الملاقاة، والمفروض جريان الاستصحاب لاثباته، وأما استصحاب عدم الماقاة في زمان القلة فهو استصحاب لنفي مجموع الجزئين من حيث المجموع وهو ليس موضوعا للاثر الشرعي، كما أن عنوان الصلاة مع الوضوء لم يكن موضوعا للاثر بما هو مجموع، ولذا لم يجر الا استصحاب جزءه المشكوك وهو بقاء الوضوء بعد العلم الوجداني بوجود جزءه الآخر وهو الصلاة([30]).

وقد التزم بهذا البيان في فروع كثيرة مذكورة في الفقه لتعاقب الحادثين، سنذكر جملة منها في آخر البحث، ففي مثال العلم بحدوث الكرية والملاقاة ذكر أنه يحكم بنجاسة الماء مطلقا لاستصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة بلا أن يعارضه استصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية، حتى اذا علم تاريخ حدوث الكرية وجهل تاريخ الملاقاة، بينما أنه على القول الاول والثالث يحكم بطهارة الماء في فرض الجهل بتاريخ الكرية والملاقاة لمعارضة الاستصحابين ووصول النوبة الى استصحاب الطهارة او قاعدتها، ويحكم بطهارة الماء في فرض الجهل بتاريخ الملاقاة والعلم بتاريخ حدوث الكرية لاستصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية، وانما يحكم بنجاسة الماء في فرض العلم بتاريخ الملاقاة والجهل بتاريخ الكرية، لاستصحاب بقاء القلة الى زمان حدوث الكرية، بينما أنه على القول الثاني فبعد تعارض الاستصحابين الموضوعيين يحكم بطهارة الماء لاستصحاب الطهارة او قاعدتها.

وكيف كان فيرد عليه عدم تمامية اشكاله النقضي والحلي معا، أما اشكاله النقضي فلأنه لم يفرض في صحيحة زرارة العلم بوقوع الحدث إما قبل الصلاة او بعدها، فلا يقاس به تعاقب الحادثين، ولو قيس به فلابد من الاكتفاء بخصوص فرض العلم بتاريخ الصلاة والجهل بتاريخ الحدث، لأنه في مورد الصحيحة يعلم بتاريخ الصلاة.

وأما اشكاله الحلي ففيه أنه كيف يكون استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة من الاستصحاب في واقع جزء الموضوع المركب، ويكون استصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية استصحابا في المجموع ولا يكون استصحابا لنفي واقع الجزء الآخر للموضوع المركب، خصوصا فيما اذا علم بتاريخ حدوث الكرية وجهل تاريخ الملاقاة، فان المستصحب ليس هو عدم الملاقاة المقيدة بكونها في زمان القلة بل هو ذات عدم الملاقاة، وانما يراد من الاستصحاب جرّ هذا العدم وامتداده الى زمان حدوث الكرية، لغرض نفي احد جزئي موضوع النجاسة.

و الحاصل ان استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة في المقام نظير ما ذكره السيد الخوئي بنفسه في الفقه في مائين قليلين نعلم بصيرورة احدهما كرا، فوقعت نجاسة في أحدهما غیر المعيّن، من أنه يجري استصحاب عدم ملاقاة النجس للقليل الواقعي، و لا يعارضه استصحاب قلة الماء الملاقي للنجس، إذ لا يثبت بذلك ملاقاة النجس للقليل ليحكم بانفعاله، ثم قال: لو سلم جريانه فتقع بينهما المعارضة ويرجع الى قاعدة الطهارة([31]).

فترى أنه فصّل بين فرض العلم بملاقاة احد مائين مسبوقين بالقلة من غير علم بكرية احدهما، فاجرى فيه استصحاب بقاء قلة الملاقي للنجس، وبين فرض العلم بكرية احدهما فأجرى فيه استصحاب عدم ملاقاة النجس للقليل الواقعي مع أنه بناء على كلامه في المقام يقال بأن الملاقاة للنجس محرزة بالوجدان والاستصحاب يحرز الجزء الآخر و هو القلة.

دلیل عدم جريان الاستصحاب النافي لوجود احد الجزئين في زمان الجزء الآخر

نعم قد يذكر وجهان فنيّان في تقريب عدم جريان الاستصحاب النافي لوجود احد الجزئين في زمان الجزء الآخر:

احدهما: ما في البحوث من أن جزء الموضوع هو الطبيعي كطبيعي الملاقاة، وهذا معلوم بالوجدان، ونفي اثر هذا الطبيعي والجامع باستصحاب عدم فرد منه وهو الملاقاة في زمان القلة، بضم العلم بعدم ترتب الاثر على وجود فرد آخر منه -و هو الملاقاة في زمان الكرية- لاقترانه بانتفاء الجزء الآخر يكون من الاصل المثبت، نظير مثبتية نفي صرف وجود كون الحيوان في الدار باستصحاب عدم الفيل فيها بضم العلم الوجداني بعدم البق، ودعوى أن جزء الموضوع هو حصة من الملاقاة وهي الملاقاة في زمان القلة، يعني كون الموضوع على وجه التقييد خلاف الظاهر([32]).

وفيه اولا: أنه ليس معنى التركيب انفصال كل جزء من أجزاء الموضوع عن سائر الأجزاء، بالمرة، فانه خلاف الوجدان العرفي، بل يوجد بينهما تقيد حرفي، فالموضوع للنجاسة هو الملاقاة والقلة في زمان واحد، او فقل الملاقاة في زمان القلة واستصحاب القيد لاثبات المقيد الحرفي او استصحاب عدمه لنفي المقيد الحرفي قد استفيد من صحيحة زرارة الاولى، وهذا يكفي في جريان الاستصحاب المذكور من دون أن يكون اصلا مثبتا.

وثانيا: ان الملاقاة قبل زمان حدوث الكرية جزء موضوع للحكم بالنجاسة من ذلك الزمان الى الزمان الفعلي، كما أن الملاقاة بعد زمان حدوث الكرية جزء موضوع للحكم بالنجاسة من هذا الزمان، فلا يقاس بما اذا كان الاثر ثابتا لصرف الوجود و الجامع.

ونظير المقام ما اذا علم بصدور سب النبي (صلى الله عليه وآله) من شخص يعلم بجنونه يوم الجمعة، فان استصحاب عدم صدور السب منه الى يوم الجمعة وان كان نافيا لفرد من السب، لا لصرف وجوده، ولكن كون سب النبي سببا لوجوب القتل انحلالي، بمعنى أن كل سب سبب لوجوب القتل من زمانه ما لم يحدث وجوب القتل بسبب فرد سابق، واين هذا من سببية صرف الوجود.

وما في كتاب الاضواء من دعوى أن ما يراد اثباته او نفيه بالاصل في مورد تعاقب الحادثين في مثال العلم الاجمالي بحدوث الكرية والملاقاة هو نجاسة الماء حكم في الزمان الفعلي وهو مسبب عن جامع الملاقاة الاعم من الفرد الاول والثاني([33])، ففيه أن هذا لا ينافي كون كل فرد من الملاقاة موضوعا لحدوث النجاسة ما لم يحدث نجاسة قبله، وهذا يوجب الفرق بين المقام وبين ما لو ترتب الاثر على وجود جامع الحيوان في الدار الاعم من البق والفيل.

ومما يشهد على ما ذكرناه أنه لو شك في فرد من ملاقاة الماء المستصحب القلة مع نجس فاستصحبنا عدمها، ثم بعد أن علمنا بأنه صار كرا في زمان متأخر علمنا بفرد آخر من ملاقاته بعد ذلك للنجس فلا يتوهم احد كون استصحاب عدم الفرد من الملاقاة في زمان القلة اصلا مثبتا لنفي حدوث صرف وجود الملاقاة.

نعم نتيجة هذا الوجه الذي اختاره في البحوث اوسع من مدعى السيد الخوئي، فان مدعاه في تعاقب الحادثين كان هو أنه لو علم وجدانا بوجود احد الجزئين للموضوع المركب، واستصحب بقاء الجزء الثاني الى زمان تحققه، فلا يجري استصحاب عدم تحقق الجزء الاول في زمان وجود الجزء الثاني، كما لو علم بأنه صلى وأحدث ولم يعلم المتقدم والمتأخر منهما فان تحقق الصلاة معلوم بالوجدان ويستصحب بقاء الوضوء الى زمانها فلا مجال لجريان استصحاب عدم الصلاة في زمان الوضوء، فلو علم بانه صلى وتوضأ ولايعلم المتقدم منهما والمتأخر، ووصلت النوبة الى الاستصحاب، فيجري استصحاب عدم الوضوء الى زمان الصلاة، بينما أن الوجه المذكور في البحوث يشمله فان جزء الموضوع للأثر هو الجامع و طبيعي الوضوء وهو معلوم بالوجدان، وانما يراد نفي اثره بضم استصحاب عدم فرد منه وهو الوضوء في زمان الصلاة الى العلم بعدم ترتب الاثر في الوضوء بعدها لانتفاء الجزء الثاني للموضوع.

وهكذا لو علم في ماء مسبوق بالكرية بحدوث القلة والملاقاة للنجس، ولايعلم المتقدم منهما والمتأخر، وفرضنا أن الحكم الشرعي هو طهارة كل ماء ليس ملاقيا للنجس وهو قليل، فيناء على كلام السيد الخوئي يجري استصحاب عدم قلة الماء الى زمان الملاقاة وبه ينفي موضوع النجاسة ويثبت نقيضه وهو الموضوع العام للطهارة، ووجه جريان هذا الاستصحاب بنظره عدم دخول مثل هذا الفرض في الاستصحاب الذي منع من جريانه وهو الاستصحاب النافي لتحقق الجزء المعلوم بالوجدان في زمان الجزء الآخر الذي جرى استصحاب وجوده الى زمان ذلك الجزء المعلوم، اذ لا يجري في المقام استصحاب بقاء الملاقاة الى زمان القلة.

ولكن يأتي فيه اشكال البحوث، حيث ان استصحاب الكرية الى زمان الملاقاة ليس الا اصلا نافيا لموضوع المخصص وهو قلة الماء في زمان الملاقاة، وقد مر منه كونه اصلا مثبتا بعد جريانه لنفي فرد من جزء الموضوع الذي هو جامع القلة، وهذا الفرد هو قلة الماء في زمان الملاقاة، بضم ذلك الى العلم بعدم ترتب الأثر على فرد آخر منه وهو القلة في زمان عدم الملاقاة، نعم لو كانت الكرية في زمان الملاقاة موضوعا لحكم شرعي خاص وهو الطهارة المطلقة المستمرة الى ما بعد الملاقاة للنجس، وكان استصحاب الكرية لاثبات هذا الاثر لا لنفي موضوع النجاسة لم يمنع بيان البحوث عن استصحاب بقاء الكرية، كما صرح في البحوث بذلك، الا أنه استظهر من الروايات أن الحكم الشرعي ليس الا أن كل ماء طاهر بالفعل الا الماء القليل الملاقي للنجس.

وأما لو كان جزء الموضوع المركب للحكم الشرعي عدم شيء الى زمان وجود الجزء الآخر، وفرض تعاقب الحادثين فيه، كما لو علم بوجود ذات المانع عن المركب وشك في تقدم وجوده حتى يتصف بالمانعية او تأخره حتى لا يتصف بذلك، كما لو علم بأنه قطع رأس الذبيحة ولايدري هل قطع رأسها وهي لم تزهق روحها بعدُ حتى تكون مانعة عن تذكيتها بناء على القول بمانعيته او قطع رأسها بعد ذلك، فيجري استصحاب عدم قطع رأسها الى زمان زهوق روحها من دون فرق بين بيان السيد الخوئي وبيان البحوث، فان المفروض فيه أن جزء موضوع التذكية جامع عدم قطع راسها وهو قابل للاحراز باستصحاب العدم، فيختلف عما لو كان جزء الموضوع لحرمة الاكل مثلا جامع قطع الرأس، فاريد استصحاب عدمه، فانه هنا يأتي اشكال البحوث.

ثانيهما: ما في كتاب الأضواء من أنه حيث يعلم بوجود ملاقاة معلومة بالاجمال في هذا الماء، و مقتضى الاستصحاب بقاء القلة في زمانها أيضاً فان اريد من استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة نفي صرف وجود الملاقاة حتى المنطبق على هذا الفرد فهذا لا حالة سابقة عدمية له، كيف و هو محرز الوجود، و إن اريد نفي صرف الوجود في سائر الحصص في أزمنة القلة فهذا لازمه العقلي انتفاء مطلق صرف الوجود لذاتي الجزءين و عدم تحققهما بتلك الملاقاة المعلومة اجمالًا، والحاصل أن نفي الملاقاة في أزمنة القلّة لا ينفي تحقق ذات الجزءين في زمان الملاقاة المعلومة بالاجمال، بل في هذا الزمان بالعكس يجري استصحاب محرز لتحقق صرف وجود الجزءين فيه([34]).

ويرد عليه أنه لا يوجد أي مانع في مثال الماء المسبوق بالقلة مثلا من اجراء استصحاب عدم حدوث تلك الملاقاة المعلومة بالاجمال الى زمان حدوث الكرية بنحو ليس التامة، ولا يتم ما ذكره من أن استصحاب عدم الملاقاة في ازمنة القلة لا ينقح حال هذه الملاقاة، وأما ما ذكره من عدم كون الفرد من الملاقاة وهو الملاقاة في ازمنة القلة موضوعا للاثر الفعلي فقد مر الجواب عنه.

ثم ان نتيجة هذا البيان الذي ذكره صاحب كتاب الأضواء، بضم ما مرّ منه من امكان جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ هي القول الرابع.

هذا وكما ذكر في كتاب الأضواء: تظهر ثمرة الفرق بين بيانه وبيان البحوث في مثال الماء المسبوق بالكرية حيث ان استصحاب الكرية وعدم القلة الى زمان الملاقاة المعلومة بالاجمال منقح لحال تلك الملاقاة المعلومة بالاجمال، فيختلف عن مثال استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلّة في مثال الماء المسبوق بالقلة، فإنّه لا ينفي تحقّق صرف وجود القلّة في زمن الملاقاة المعلومة بالاجمال([35]).

القول الخامس: قصور المقتضي عن جريان الاستصحاب، لكونه من قبيل الاستصحاب في الفرد المردد

القول الخامس: ما اختاره في البحوث من قصور المقتضي عن جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ، وكذا في معلوم التاريخ، لكونه من قبيل الاستصحاب في الفرد المردد كما تقدم توضيحه في التقريب الرابع للقول الثالث، مع مناقشتنا عليه مبنىً، بل بناءً في مثل استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة او استصحاب عدم الرجوع في زمان العدة، حيث قلنا بأنه لا يأتي فيهما اشكال الفرد المردد.

وأما في مجهول التاريخ مع العلم بتاريخ الحادث الآخر ولو نسبيا، فلابد من التفصيل بين ما لو كان الاستصحاب جاريا لاثبات وجود جزء الموضوع للاثر الشرعي، وبين ما لو كان جاريا لنفيه، فيصح جريان الاستصحاب في الاول، دون الثاني، وقد سبق آنفا ذكر بيانه حول هذا التفصيل مع جوابه، كما مر ذكر بيان الأضواء مع جوابه

هذا تمام الاقوال في هذه المسألة.

فقد تقدم أن الظاهر من تلك الاقوال هو القول الاول المنسوب الى المشهور، وهو معارضة الاستصحاب في مجهولي التاريخ وعدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ، فيجري في ما اذا كان احدهما مجهول التاريخ بلا معارض.

عدة فروع فقهية لتعاقب الحادثين

الفرع الاول:

ما تكلمنا عنه في أثناء البحث وهو ما اذا كان الماء مسبوقا بالقلة فعلم بحدوث كريته وملاقاته مع النجس، وشك في المتقدم منهما والمتأخر فعلى القول الاول يفصَّل بين فرض العلم بتاريخ الملاقاة مع الجهل بتاريخ حدوث الكرية فيحكم بنجاسته في هذا الفرض، عملا باستصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة، وبين فرض العلم بتاريخ حدوث الكرية والجهل بتاريخ الملاقاة فيحكم بطهارته عملا باستصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية، وبين فرض الجهل بتاريخهما حيث يتعارض فيه استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة مع استصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية، فيرجع فيه الى الاصل الحكمي وهو استصحاب الطهارة او قاعدتها.

ولكن قد يمنع عن الرجوع الى اصل الطهارة في هذا الفرض الأخير لما ذكره المحقق النائيني “قده” من الحكم بوجوب الاجتناب عن هذا الماء، لما تبنّاه في خصوص ما لو كان العام متضمنا لحكم الزامي، والخاص متضمنا لحكم ترخيصي مترتب على عنوان وجودي، كما لو قال المولى لعبده “لاتدخل عليّ احدا الا من كان صديقي” فالعقلاء لايعذرون العبد لو ادخل على المولى من يشك في كونه صديق المولى تمسكا بالبراءة([36]).

فذكر ان العام دل على وجوب الاجتناب عن ماء ملاقٍ للنجس، وقد خرج منه عنوان خاص، وهو الماء الكر الملاقي للنجس، فاذا علم بكون ماءٍ ملاقيا للنجس، وشك في كونه قليلا او كرا من دون اصل موضوعي يعيِّن كونه كرا او قليلا، كما في مورد توارد الحالتين.

وفيه اولا: أن المبنى غير متجه، فان العرف لايرى منعا من التمسك بمثل قوله “رفع ما لايعلمون” او قوله “كل شيء حلال” في مثل ما لو توارد حالة الصداقة وعدم الصداقة بالنسبة الى من اريد ادخاله في الدار، بحيث لايجري استصحاب عدم كون الداخل صديق المولى، الا اذا كان البيت ملك المولى بحيث يحتاج التصرف فيه في بناء العقلاء الى احراز الاذن.

ودعوى استظهار العرف من الخطاب كون الحكم الالزامي ثابتا للفرد المشكوك واقعا بأن يكون المستثنى من العام هو ما علم كونه معنونا بعنوان الخاص خلاف الظاهر من كون التخصيص واردا على العنوان الواقعي، كما أن ما يظهر من المحقق النائيني “قده” من دعوى انعقاد مدلول التزامي عرفي في لزوم الاحتياط في مورد الشك مما لا شاهد له الا ما يدعى من وجود سيرة عقلائية على الاحتياط فيه ولكنه دعوى بلا دليل.

وعليه فلا مانع من التمسك باصل الطهارة في الماء الملاقي للنجس المشكوك كونه قليلا او كرا من دون اصل موضوعي يعيِّن كونه كرا او قليلا كما في مورد توارد الحالتين.

وثانيا: انه يمكن أن يقال ان العام في ملاقاة الماء للنجس عنوان ترخيصي، وهو ما دل على أن كل ماء طاهر، خرج منه الماء القليل الملاقي للنجس، ففي رواية حريز “كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ منه واشرب”.

وأما على القول الثاني فبمقتضى المعارضة بين الاستصحابين مطلقا، سواء في مجهولي التاريخ او ما كان تاريخ الملاقاة معلوما، وتاريخ حدوث الكرية مجهولا، او بالعكس، تصل النوبة الى الأصل الحكمي، وقد تبين أنه اصل الطهارة.

ونتيجة القول الثالث كالقول الاول، الا أنه في مجهولي التاريخ ان كان تقريب كلام صاحب الكفاية فيه هو التقريب الاول من كون عدم جريان استصحاب مجهولي التاريخ لأجل شبهة انفصال زمان الشك عن زمان اليقين فقد تبين مما مرّ أن لازمه جريان استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة، لعدم تأتي شبهة انفصال زمان الشك فيه بخلاف استصحاب القلة الى زمان الملاقاة.

وهكذا الامر حسب التقريب الرابع كما مر توضيحه، ولكن لا تختلف النتيجة بذلك، حيث يكون الحكم الظاهري فيه الطهارة، لعدم جريان الاصل الموضوعي المثبت للنجاسة وهو استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة.

وأما القول الرابع الذي اختاره السيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما” فنتيجته الحكم بالنجاسة لجريان استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة بلا معارض، كما التزم به السيد الخوئي “قده”، وأما استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة، فقد مر منه أنه استصحاب لنفي جزء الموضوع المركب للنجاسة، فيكون اصلا مثبتا.

وقد يدعى أن المستفاد من الادلة أن الماء الكر موضوع للاعتصام و الطهارة المطلقة لما بعد الملاقاة مع النجس، لدلالة مثل قوله “اذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء” على ذلك، وقد خرج منه ما اذا لاقى النجس قبل زمان كريته، فيكون استصحاب عدم الملاقاة قبل زمان كريته اصلا محرزا لموضوع اعتصام الكر، ولا يكون جاريا لنفي موضوع النجاسة فقط، كي يكون من الاصل المثبت، فيكون متعارضا مع استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة، فيكون المرجع اصل الطهارة.

ويدفع هذه الدعوى أنه لا يستفاد من الادلة اكثر من أن الماء الملاقي للنجس نجس الا ما كان كرا في زمان الملاقاة كما ورد “الماء الذي شرب منه الكلب لا يشرب منه الا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه” فاستصحاب قلته وعدم كريته حال الملاقاة بنفيه لموضوع الطهارة الفعلية يثبت موضوع النجاسة الفعلية، وهو كل ماء لم يكن كرا حال الملاقاة مع النجس، فالحاصل أن الاعتصام لم يثبت كونه حكما شرعيا آخر، غير الحكم بالطهارة الفعلية للماء الكر بعد ملاقاته للنجس، وموضوع هذا الحكم هو الماء الذي لم يتحقق فيه موضوع النجاسة وهو القلة في زمان الملاقاة، على أنه حتى لو كان حكما آخر ثبت للماء الكر فشرطه عدم تحقق ملاقاته مع النجس في زمان قلته دون عدم تحقق ملاقاته قبل زمان حدوث كريته.

نعم لو فرض أنه استفيد من دليل اعتصام الكرّ كونه مجعولا مستقلا وراء الحكم بالطهارة الفعلية، بشرط أَن لا يكون ملاقياً مع النجاسة قبل كريته فحينئذ يجري استصحاب عدم الملاقاة قبل الكريّة لإحراز موضوع الطهارة المطلقة فيكون معارضاً مع استصحاب عدم الكريّة إلى حين الملاقاة لكونهما معاً حينئذ من استصحاب جزء الموضوع إلى حين تحقق الجزء الآخر لا الاستصحاب النافي للحكم ليكون مثبتاً.

هذا وقد يقال ايضا بأنَّ موضوع انفعال الماء بملاقاة النجس إن كان مركبا من ملاقاة النجس للماء مع قلة الماء امكن اثبات موضوع النجاسة بضم استصحاب القلة الى وجدانية الملاقاة، ولكن يحتمل كونه مركباً من ملاقاة النجس و عدم كون ملاقاته ملاقاةً للكر، ولا يمكن نفي موضوع الانفعال بناءً على هذا الوجه باستصحاب عدم كون الملاقاة ملاقاة للكر، لأن نفي هذا الجزء انما يكون بإثبات نقيضه أي انَّ الملاقاة ملاقاة للكر، و هذا لا حالة سابقة له و لا يمكن إثباته باستصحاب عدم وقوع الملاقاة مادام الماء قليلاً إلّا بنحو مثبت، بل بناءً على جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية يجري استصحاب عدم كون هذه الملاقاة ملاقاة للكر فيكون مثبتاً للنجاسة أيضاً.

ولكن يرد عليه أن الظاهر من مثل موثقة أبي بصير “و لا يُشرب سؤر الكلب إلّا أَن يكون حوضاً كبيراً يستقى منه” تركب موضوع الانفعال من ملاقاة النجس للماء و قلة الماء، فلا يتم احتمال كون موضوع الانفعال مركبا من ملاقاة الماء للنجس وعدم كونها ملاقاة للكر.

وأما القول الخامس الذي هو مختار البحوث، فنتيجته الحكم بطهارة الماء الا في فرض العلم بتاريخ الملاقاة والجهل بتاريخ الكرية، وأما في فرض العلم بتاريخ الكرية والجهل بتاريخ الملاقاة فلا يجري استصحاب بقاء القلة الى زمان الملاقاة لكونه معلوم التاريخ، و لا استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة لما مر منه من أنه اصل مثبت فيكون المرجع أصالة الطهارة كما أنه المرجع في فرض الجهل بتاريخ كليهما.

الفرع الثاني:

لو كان ماء كرا سابقا ثم علم بأنه حدثت فيه القلة والملاقاة، فلا يجري استصحاب عدم الملاقاة في زمان الكرية ولو لأجل أنه لا يثبت به تحقق الملاقاة في زمان القلة الا بنحو الاصل المثبت، يبقى استصحاب بقاء الكرية الى زمان الملاقاة فان كان تاريخ حدوث القلة معلوما فلا يجري هذا الاستصحاب بناء على القول الاول والثالث، بخلاف ما اذا كان تاريخه مجهولا، الا أن مقتضى الاصل الحكمي طهارته خلافا للمحقق النائيني “قده” على نا تقدم بيان مبناه.

وأما على القول الثاني والرابع فلا مانع من جريانه ولو كان معلوم التاريخ، وأما على القول الخامس فقد ذكر في البحوث أنها انما يجري في فرض كونه مجهول التاريخ اذا تم المبنى الفقهي القائل بكون الكر موضوعا للحكم بالاعتصام والطهارة المطلقة لما بعد الملاقاة مع النجس، حيث يكون استصحاب كرية الماء الى زمان ملاقاته للنجس منقحا لموضوع الحكم باعتصامه.

ولكنه خلاف ظاهر الادلة، فان الظاهر منها الحكم بطهارة كل ماء الا الماء القليل الملاقي للنجس، وحينئذ فيكون جريان استصحاب الكرية وعدم القلة الى زمان الملاقاة لنفي جزء موضوع النجاسة وهو جامع القلة من الاصل المثبت كما مر توضيحه([37]).

وما ذكره متين على مبناه من مثيتية الاصل النافي لجزء الموضوع في تعاقب الحادثين، فانه يكفي عدم ظهور ما دل على أن الكر لا ينجسه شيء وأنه لا يشرب سؤر الكلب الا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه، في أكثر من بيان طهارة كل ماء ليس ماء فليلا ملاقيا للنجس، الا ان المهم عدم تمامية مبناه.

الفرع الثالث:

اذا علم بوقوع الصلاة والحدث، وشك في المتقدم والمتأخر منهما، ووصلت النوبة الى الاستصحاب، لعدم جريان قاعدة الفراغ في الصلاة لأجل العلم بالغفلة حال العمل او لمانع آخر، فعلى القول الاول والثالث يجري استصحاب بقاء الوضوء الى زمان الصلاة بلا معارض في فرض العلم بتاريخ الصلاة والجهل بتاريخ الحدث ولابد من اعادة الصلاة في فرض الجهل بتاريخ الصلاة والعلم بتاريخ الحدث لاستصحاب عدم الصلاة في زمان الوضوء وفي فرض الجهل بتاريخهما لقاعدة الاشتغال.

وعلى القول الثاني تحب اعادة الصلاة لقاعدة الاشتغال مطلقا لتعارض الاستصحابين، وعلى القول الرابع يحكم بصحة الصلاة مطلقا لجريان استصحاب بقاء الوضوء الى زمان الصلاة حتى مع العلم بتاريخ الحدث والجهل بتاريخ الصلاة، وعلى القول الخامس يحكم بصحة الصلاة في فرض الجهل بتاريخ الحدث والعلم بتاريخ الصلاة، وتجب اعادة الصلاة في غير هذا الفرض لعدم جريان استصحاب بقاء الوضوء الى زمان الصلاة.

الفرع الرابع:

في خيار المجلس لو علم بفسخ احد المتبايعين للبيع، وافتراقهما عن المجلس، وشك في المتقدم والمتأخر منهما فعلى القول الاول انما يحكم بنفوذ الفسخ في فرض العلم بتاريخه والجهل بتاريخ التفرق، و في فرض الجهل بتاريخهما معا يجري استصحاب بقاء ملكية كل منهما لما انتقل اليه، بعد معارضة الاصل الموضوعي، وفي فرض العلم بتاريخ التفرق والجهل بتاريخ الفسخ يجري الاصل الموضوعي لبقاء الملكية وهو استصحاب عدم الفسخ الى زمان التفرق، وعلى القول الثاني فالمرجع استصحاب بقاء الملكية مطلقا، ويقال بأن نتيجة القول الثالث هو القول الاول، ولكن الصحيح أن يقال انه بحسب التقريب الاول والرابع ففي فرض الجهل بتاريخ كليهما يجري استصحاب عدم الفسخ في زمان بقاء المحلس، دون استصحاب بقاء المجلس الى زمان الفسخ، ونكتة الفرق بينهما أن الفسخ لو كان مقارنا للتفرق لم يكن نافذا فالمهم نفي الفسخ قبله ولا يأتي فيه شبهة انفصال زمان اليقين او استصحاب الفرد المردد كما يظهر مما بيناه سابقا، بخلاف بقاء المحلس فانه لابد من تفارنه مع الفسخ كي يكون الفسخ نافذا، نعم هذا لا يؤثر في النتيجة لأن النتيجة على اي على حال هي الحكم ببقاء الملكية.

وأما على القول الرابع فيجري استصحاب بقاء المجلس وعدم التفرق الى زمان الفسخ فيكون الفسخ نافذا حتى لو علم تاريخ الافتراق وجهل تاريخ الفسخ.

وعلى القول الخامس ففي فرض العلم بتاريخ الفسخ والجهل بتاريخ التفرق يستصحب بقاء المجلس الى زمان الفسخ ويحكم بنفوذه وفي غير هذا الفرض يستصحب بقاء الملكية.

الفرع الخامس:

لو علم برجوع الزوج في الطلاق الرجعي وانقضاء العدة، وشك في المتقدم والمتأخر منهما، فتارة نبني على كون موضوع نفوذ الرجوع، الرجوع قبل انقضاء العدة، استنادا الى ما رواه الصدوق في الفقيه باسناده عن الحسن بن محبوب عن محمد بن القاسم قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) من غشي امرأته بعد انقضاء العدة جلد الحد و إن غشيها قبل انقضاء العدة كان غشيانه إياها رجعة لها‌([38])، حيث يستفاد منه أن الموضوع لنفوذ الرجوع هو كونه قبل انقضاء العدة، و لا يحتمل عرفا الفرق من هذه الجهة بين اقسام الرجوع من الجماع او الرجوع القولي.

وأخرى نبني على ما لعله المشهور من كون موضوع نفوذ الرجوع الرجوع في زمان العدة، وثالثة نشك في أنه ما هو موضوع نفوذ الرجوع.

فعلى المبنى الأول لا يثبت استصحاب بقاء العدة الى زمان الرجوع كون الرجوع قبل انقضاء العدة، كما أن استصحاب بقاء الامام في الركوع الى زمان ركوع المأموم لم يكن يثبت أنه ركع قبل أن يرفع الامام رأسه، وكذا استصحاب عدم الزوال الى قدوم المسافر بلده لم يكن يثبت أنه قدم بلده قبل الزوال، كي يجب عليه أن يصوم، وعليه فيجري استصحاب عدم الرجوع قبل انقضاء العدة، فيحكم بحصول البينونة، وهذا ينتج خلاف ما افتى به السيد الخوئي من الحكم بنفوذ الرجوع مطلقا.

وعلى المبنى الثاني لابد من التفصيل بين الاقوال:

فعلى القول الاول ففي فرض الجهل بتاريخ كليهما يتعارض استصحاب بقاء العدة الى زمان الرجوع مع استصحاب عدم الرجوع الى زمان انقضاء العدة، ويكون المرجع بعد ذلك الاصل الحكمي، بناء على جريان الاستصحاب الحكمي في الشبهات الموضوعية كما هو الصحيح خلافا للسيد الخوئي “قده” والظاهر أنه استصحاب بقاء الزوجية حيث ان الزوجية لا ترتفع الا بعد انقضاء العدة الرجعية مع عدم الرجوع.

وقد يقال بجريان الاستصحاب التعليقي حيث ان اثر الطلاق البينونة المعلقة على انقضاء العدة، ولكنه لم يثبت كونه من الحكم التعليقي الذي يصح اجراء الاستصحاب فيه بأن يكون المجعول شرعا هو الحكم التعليقي هكذا “اذا طلقها فتبين منه اذا انقضت عدتها”.

نعم لو قبل بزوال الزوجية بالطلاق وان بقي احكامها كجواز النظر والاستمتاع وانما الرجوع سبب لعودها كان مقتضى الاصل الحكمي عدم عودها لكن هذا الاحتمال ضعيف.

هذا وفي فرض العلم بتاريخ الرجوع والجهل بتاريخ انقضاء العدة يستصحب عدم انقضاء العدة الى زمان الرجوع فيثبت بقاء الزوجية كما أنه مع العلم بتاريخ انقضاء العدة والجهل بتاريخ الرجوع يستصحب عدم الرجوع الى زمان انقضاء العدة فيثبت به ارتفاع الزوجية.

وأما على القول الثاني فيتعارض الاستصحابان مطلقا، ويكون المرجع الاصل الحكمي، وأما على القول الثالث فيقال بأنه مثل القول الاول، لكن الظاهر أنه حسب التقريب الاول والرابع ففي فرض الجهل بتاريخهما، يجري استصحاب عدم الرجوع في زمان العدة، دون استصحاب بقاء العدة الى زمان الرجوع، لما سبق بيانه، وبذلك يحكم ببقاء الزوجية، وحينئذ فقد تختلف نتيجته عن القول الاول، وذلك بناء على كون الاصل الحكمي نفوذ الطلاق، إما بنحو الاستصحاب التعليقي او بناء على أن الطلاق مزيل للزوجية والرجوع في العدة سبب لعودها، لكن مرّ ان الصحيح كون الاصل الحكمي استصحاب بقاء الزوجية، فلا تختلف النتيجة.

وأما على القول الرابع فيجري استصحاب بقاء العدة الى زمان رجوع الزوج، فيحكم بنفوذ الرجوع حتى لو علم تاريخ انقضاء العدة وجهل تاريخ الرجوع، كما افتى به السيد الخوئي والشيخ الاستاذ “قدهما” في المنهاج([39]).

وعلى القول الخامس فان كان تاريخ الرجوع معلوما، وتاريخ انقضاء العدة مجهولا، جرى استصحاب بقاء العدة الي زمان الرجوع وحكم بنفوذه وان كان تاريخ انقضاء العدة معلوما وتاريخ الرجوع مجهولا او جهل تاريخ كليهما فيجري الاصل الحكمي وهو استصحاب بقاء الزوجية.

وأما على المبنى الثالث وهو الشك في مو ضوع نفوذ الرجوع فلايعلم ما هو الاصل الموضوعي ولابد من الرجوع الى الاصل الحكمي الذي تقدم الكلام فيه، والبحث الفقهي موكول الى محله في الفقه.

 

 



[1] – كفاية الاصول ص418

[2] – وسائل الشيعة؛ ج‌8، ص: 382

[3] – او كان ابوه كافرا ولكن كان له وارث مسلم آخر، حيث يحجب الوارث المسلم عن ارثه، او كان ابوه وسائر الورثة كفارا فاسلامه يجعله الوارث المنحصر ويوجب حجب البقية عن الارث.

[4] – وسائل الشيعة؛ ج‌26، ص: 21

[5] – مناهج الوصول إلى علم الأصول ج‏2 ص264وتهذيب الأصول ج‏2 ص 198

[6] – بحوث في علم الاصول ج6ص 307

[7] – بحوث في علم الاصول ج6ص 305

[8] – بحوث في علم الاصول ج6ص 307

[9] – بحوث في علم الاصول ج3ص48 وقد افتى بذلك في تعليقته على المنهاج راجع منهاج الصالحين ج 1ص 188 والفتاوى الواضحة ص 468

[10] – مصباح الاصول ج3ص179

[11] – موسوعة الامام الخوئي ج12ص309و132 لكنه افتى في المنهاج وفي تعليقته على العروة ببطلان الصلاة في الساتر المغصوب عالما عامدا او جاهلا مقصرا.

[12] – مصباح الاصول ج3ص 272

[13] – تهذيب الأحكام ج‌1 ص421

[14] – كفاية الاصول ص 420

[15] – مصباح الاصول ج3ص182

[16] – مصباح الاصول ج 3ص 194

[17] – فوائد الاصول ج4ص 510

[18] – الرسائل ج1ص197

[19] – المحاضرات ج3ص 114

[20] – ملخص كلامه أن وجه عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ ليس ما افاده صاحب الكفاية من شبهة انفصال زمان الشك عن زمان اليقين باليقين بالانتقاض، بل وجهه أن شأن الاستصحاب جرّ المستصحب و امتداده إلى زمان الشك، لا إلى زمان اليقين بالانتقاض، فان كان منشأ الشك في بقاء شي‏ء إلى زمان وجود غيره، هو الشك في أصل بقاءه في الزمان المتأخر عن زمان اليقين به، مع الجزم بان الزمان المتأخر الذي حكم فيه بامتداد المستصحب و بقاءه فيه هو زمان وجود الآخر، كما في فرض العلم بتاريخ الملاقاة والشك في بقاء القلة الى حينها، فانه لو حكم ببقاء القلة الى ذلك الزمان يجزم بمقارنة بقاءه التعبدي لزمان وجود الآخر، فلا اشكال في جريان الاستصحاب في هذا الفرض، و أما ان كان الشك فيه من جهة الشك في كون الزمان الذي حكم ببقاء المستصحب فيه هو زمان وجود غيره بلحاظ تردد زمان الغير بين الزمانين، فيشك في مقارنة بقاءه التعبدي في زمانٍ مع زمان وجود ذلك الغير، كما في فرض الجهل بتاريخ كل من حدوث الكرية والملاقاة، فان استصحاب بقاء القلة الى زمان الشك لا يثبت مقارنة بقاءه التعبدي مع زمان الملاقاة لاحتمال كون زمان الملاقاة الساعة الثالثة ويعلم بانتقاض الكرية فيها فلا يجري الاستصحاب، لوضوح أن شأن الاستصحاب انما هو مجرد إلغاء الشك من جهة خصوص امتداد المستصحب إلى الزمان المتأخر عن زمان اليقين به، لا إلغاء الشك فيه من جهة الشك في اقتران بقائه التعبدي في زمانٍ مع زمان وجود غيره.

لا يقال: ذلك انما يكون إذا قيس استصحاب القلة بالنسبة إلى الأزمنة التفصيلية، و أما لو قيس ذلك بالنسبة إلى الزمان الواقعي الإجمالي لوجود الملاقاة، فلا قصور في استصحاب بقاء القلة الى هذا الزمان، غاية الأمر يتعارض مع استصحاب عدم الملاقاة الى زمان الكرية، فانه يقال: ان أريد من استصحاب القلة إلى الزمان الإجمالي للملاقاة، جره إلى زمان يشك فيه في انطباق المجمل عليه فهو غير مثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد، لعدم تكفل دليل الأصل لإلغاء الشك من هذه الجهة، و ان أريد جره إلى زمان يقطع فيه بانطباق الزمان الإجمالي عليه بنحو الإجمال، فهو و ان كان مثمراً في التطبيق، و لكنه يحتاج إلى جره في جميع محتملاته من الأزمنة التي منها الزمان الثالث، و هو غير ممكن، و بدون جره كذلك لا يحرز كون البقاء التعبدي مقارناً مع زمان وجود غيره (نهاية الافكار ج4 ق1ص 208).

فانا لا نفهم من كلامه اكثر من الاشكال المذكور في التقريب الرابع.

[21] – بحوث في علم الاصول ج6ص313

[22] – كفاية الاصول ص 421

[23] – بحوث في علم الاصول ج6ص 310

[24] – الرسائل ج1ص 198

[25] – تهذيب الاصول ج 2ص 143

[26] – ولذا لو علم بنجاسة اناء في زمان لم يكن ملكا لزيد، ثم شك في بقاء نجاسته منذ أن صار ملكا لزيد، فانه بضم وجدانيه كونه اناء زيد بالفعل واستصحاب نجاسته يثبت موضوع الحكم مع أنه لو كان عنوان نجاسة اناء زيد ماخوذا على نحو التقييد، اي نجاسة اناء زيد بما هو اناء زيد لم يمكن اثباته بالاستصحاب.

[27] – اضواء و آراء ج‏3 ص325 قاعدة الفراغ والتجاوز ص 135 قراءات فقهية معاصرة ج1ص 182

[28] – اضواء وآراء ج3ص 280

[29] – مصباح الاصول ج3ص 183

[30] – مصباح الاصول ج3ص202

[31] – موسوعة الامام الخوئي ج2ص200

[32] – بحوث في علم الاصول ج6ص 318

[33] – اضواء وآراء ج3ص 224

[34] – اضواء وآراء ج3ص 224

[35] – اضواء وآراء ج3ص 225

[36] اجود التقريرات ج2ص195

[37] – بحوث في علم الاصول ج6ص323

[38] – من لا يحضره الفقيه ج 4ص 27

[39] – منهاج الصالحين للسيد الخوئي ج2ص 297 منهاج الصالحين للشيخ التبريزي ج2ص373