فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

التنبيه السابع: في استصحاب عدم النسخ.. 1

المقام الاول: في استصحاب عدم نسخ الحكم الثابت في الشريعة الاسلامية. 1

اشکال علی جریان هذا الاستصحاب.. 1

جواب الشيخ الاعظم “قده” عن هذا الإشكال. 2

المطلب الاول: ما هو المستحيل في حقه تعالى فی جعل الحكم. 5

التفصيل في النسخ الحقيقي في الأحكام الشرعية بين الحكم التكليفي والوضعي.. 6

المطلب الثاني: استصحاب عدم النسخ فی الحكم السابق باستصحاب عدم جعل ضده 12

 

موضوع: تنبیه هفتم /استصحاب /اصول

خلاصه مباحث گذشته:

متن خلاصه …

 

 

التنبيه السابع: في استصحاب عدم النسخ

يقع الكلام تارة في استصحاب عدم نسخ الحكم الثابت في الشريعة الاسلامية، وأخرى في استصحاب عدم نسخ حكم الشرايع السابقة، فيكون البحث في مقامين:

المقام الاول: في استصحاب عدم نسخ الحكم الثابت في الشريعة الاسلامية

المقام الاول: في استصحاب عدم نسخ الحكم الثابت في الشريعة الاسلامية، و المعروف جريان استصحاب عدم النسخ، بل عدّه المحدث الأسترآبادي من الضروريات.

اشکال علی جریان هذا الاستصحاب

و قد اشكل على جريان هذا الاستصحاب بأن النسخ المحتمل في الشريعة ليس هو النسخ الحقيقي المتصور في الموالي العرفية، وهو النسخ الثبوتي للجعل، بأن يجعل المولى الحكم الشامل للأزمنة المتأخرة عن زمان النسخ، ثم يلغيه، فانه مستلزم للجهل بالمصالح والمفاسد المستحيل في حقه تعالى، بل هو بمعنى انتهاء امد الحكم، فيكشف عن تضيق الحكم المجعول من الاول، وعدم شموله للمكلفين الذين وجدوا بعد زمان النسخ، وعليه فالمتيقن ثبوت الحكم للمكلفين الموجودين قبل زمان النسخ، فكيف نسري بالاستصحاب هذا الحكم الى المعدومين في ذلك الزمان، فاذا شككنا في نسخ وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة، فالذي يعلم بوجوب صلاة الجمعة عليه هو الذي كان موجوداً في زمان الحضور، و أما المعدوم في زمان الحضور، فيشك في ثبوت وجوب صلاة الجمعة عليه من الأول، فلا يجري الاستصحاب، حيث يعتبر في الاستصحاب وحدة الموضوع، او فقل: وحدة القضية المتيقنة و المشكوكة، و المقام ليس كذلك، لتعدد الموضوع في القضيتين، فان من ثبت في حقه الحكم يقيناً قد انعدم، و المكلف الموجود الشاك في النسخ لم يعلم ثبوت الحكم في حقه من الأول، فالشك بالنسبة إليه شك في ثبوت التكليف لا في بقائه بعد العلم بثبوته، ليكون مورداً للاستصحاب، فيكون إثبات الحكم له إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر.

جواب الشيخ الاعظم “قده” عن هذا الإشكال

و قد أجاب الشيخ الاعظم “قده” عن هذا الإشكال بجوابين:

الجواب الأول:

أنا نفرض الكلام في من أدرك أدرك الزمانين، فيثبت الحكم في حقه بأصالة عدم النسخ، و في حق غيره بقاعدة الاشتراك في التكليف.

مناقشه

و فيه أن تطبيق قاعدة الاشتراك على المقام ان كان بلحاظ الحكم الواقعي فلا تنافي التفكيك في الحكم الظاهري بين موردين متماثلين في الحكم الواقعي، وان كان بلحاظ الحكم الظاهري المستفاد من عموم دليل الاستصحاب فهذا يعني حجية الاستصحاب في حق كليهما، الا أن المفروض تحقق موضوعه في حق احدهما وهو من ادرك زمان الحضور دون الثاني.

الجواب الثاني:

ان توهم دخل خصوصية هؤلاء الأشخاص مبني على أن تكون الأحكام مجعولة على نحو القضايا الخارجية، و ليس الأمر كذلك، فان التحقيق أنها مجعولة على نحو القضايا الحقيقية، فلا دخل لخصوصية الأفراد في ثبوت الحكم لها، بل الحكم ثابت للطبيعة أين ما سرت من الأفراد الموجودة بالفعل و ما يوجد بعد ذلك، فلو كان هذا الشخص موجوداً في زمان الشريعة السابقة، لكان الحكم ثابتاً في حقه بلا إشكال، فموضوع الحكم وهو المكلف يشمله، فيقال: ان المكلف كان يجب عليه صلاة الجمعة في عصر الحضور، فنستصحب بقاء وجوبها عليه.

کلام السيد الخوئي

و اورد عليه السيد الخوئي “قده” بأن جعل الأحكام على نحو القضايا الحقيقية معناه عدم دخل خصوصية الافراد في ثبوت الحكم، ولا ينفي ذلك احتمال اختصاص الحكم بعنوان من ادرك الحضور، فنشك في جعل الحكم للمكلف المعدوم في زمان الحضور، ويكون الشك بالنسبة اليه شكا في اصل الحكم في حقه، فلا مجال لجريان الاستصحاب حينئذ إلا على نحو الاستصحاب التعليقي، بأن يقال: لو كان هذا المكلف موجوداً في ذلك الزمان لكان هذا الحكم ثابتاً في حقه، و الآن كما كان، لكنك قد عرفت عدم حجية الاستصحاب التعليقي، فالتحقيق أن هذا الإشكال لا دافع له، و أن استصحاب عدم النسخ مما لا أساس له، فان كان لدليل الحكم عموم أو إطلاق يستفاد منه استمرار الحكم، فهو المتبع، و إلا فان دل دليل من الخارج على استمرار الحكم كما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن حريز، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللٰه عليه السلام عن الحلال والحرام، فقال: حلال محمد حلال أبدا إلىٰ‌يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إلىٰ يوم القيامة، لايكون غيره ولا يجي‌ء غيره([1])، فيؤخذ به، و إلا فلا يمكن إثبات الاستمرار باستصحاب عدم النسخ، لاشكال عدم احراز وحدة الموضوع([2]).

هذا مضافا الى أنه حتى لو فرض وحدة الموضوع، فيبقى الاشكال العام في جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، من ابتلاء استصحاب بقاء المجعول بالمعارضة مع استصحاب عدم الجعل الزائد، بل لا يجري استصحاب بقاء المجعول فيه في حد ذاته، لأن الحكم انحلالي بلحاظ افراد المكلفين، فان من علم بوجوب صلاة الجمعة عليه، غير هذا الذي يشك في وجوبها عليه ويكون استصحاب جامع الوجوب يكون من قبيل استصحاب القسم الثالث من الكلي، بل الامر كذلك بالنسبة الى صلاة الجمعة، حتى بالنسبة الى المكلف الذي ادرك زمان الحضور، فان ما هو المعلوم هو وجوبها في الجمعات السابقة التي كانت في زمان الحضور وأما وجوبها في الجمعات اللاحقة فهو مشكوك الحدوث، واستصحاب وجوب جامع صلاة الجمعة يكون من قبيل استصحاب القسم الثالث.

و قد ذكر نظير هذا الاشكال في مثال استصحاب حرمة وطء الحائض، لأن الحرمة في الزمان الاول و هو زمان نزول دم الحيض غير الحرمة في الزمان الثاني و هو زمان انقطاع حيضها و قبل اغتسالها، فيختص جريان استصحاب بقاء الحكم مع قطع النظر عن معارضته باستصحاب عدم الجعل الزائد بما اذا كان الحكم واحدا مستمرا كنجاسة الماء من زمان تغيره الى زمان زوال تغيره([3]).

هنا مطالب

اقول: هنا مطالب:

المطلب الاول: ما هو المستحيل في حقه تعالى فی جعل الحكم

ذكر في البحوث بالنسبة الى ما ادعاه المشهور من استحالة النسخ الحقيقي في الحكم الشرعي: أن ما هو المستحيل في حقه تعالى انما هو جعل الحكم الممتد بما له من مبادئ الحكم من الإرادة و الكراهة، ثم نسخه، لأنّه يساوق البداء الحقيقي المستحيل عليه تعالى، وأما جعل الحكم بنحو ممتدّ إلى يوم القيامة، ثمّ نسخه بعد ذلك فليس بمستحيل، فحينئذ اذا شك في النسخ فيستصحب بقاء الجعل، اي بقاء المجعول الكلي، فانه له بقاءا عقلائيا الى أن ينسخ، ولا يأتي فيه اشكال الشيخ الاعظم “قده” من عدم احراز وحدة الموضوع، كما لا يأتي فيه اشكال معارضة استصحاب بقاء المجعول مع استصحاب عدم الجعل الزائد، للعلم بحدوث الجعل الزائد، وانما يحتمل نسخه، نعم يأتي فيه اشكال مثبتية استصحاب بقاء الجعل لحدوث المجعول في حق المكلف الذي وجد في زمان احتمال النسخ، والجواب عنه أن الصحيح كفاية قيام الحجة على الجعل مع العلم بصغراه في التنجيز العقلي، من دون حاجة الى اثبات المجعول، ويأتي فيه ايضا شبهة معارضة استصحاب بقاء الجعل مع استصحاب عدم المجعول، والجواب عنها نظير ما تقدم في بحث معارضة الاستصحاب التعليقي مع الاستصحاب التنجيزي([4]).

التفصيل في النسخ الحقيقي في الأحكام الشرعية بين الحكم التكليفي والوضعي

اقول: الصحيح هو التفصيل في النسخ الحقيقي في الأحكام الشرعية بين الحكم التكليفي والوضعي، فالحكم التكليفي حيث يتقوم بنشوءه عن الغرض اللزومي، او فقل: الارادة و الكراهة، ولا اثر لمجرد انشاء الامر والنهي الفارغين عن الغرض والروح، فيصح أن يقال باستحالة النسخ الحقيقي فيه، وأما الحكم الوضعي فالصحيح امكان النسخ الحقيقي فيه لكفاية كون المصلحة في جعله، وان كان ظاهر الخطاب الشرعي الدال على الحكم الوضعي المستمر هو كون استمراره ناشئا عن مصلحة في نفس الاستمرار، اي تكون المصلحة في هذا الحكم حدوثا وبقاء، لا في جعله فقط بحيث تكون المصلحة بعد فترةٍ في حكم وضعي مضاد له، فيمكن التمسك بظهور الخطاب الشرعي الوضعي لنفي النسخ الحقيقي فيه، كما يمكن التمسك بظهور الخطاب الشرعي التكليفي لاثبات نشوءه من الارادة او الكراهة، وبذلك ينفى احتمال نسخه، فما ذكره في البحوث من أنه لا يمكن التمسك باطلاق الخطاب لنفي احتمال نسخه الحقيقي، وينحصر نفي احتمال النسخ الحقيقي ب‍أصالة عدم النسخ -الثابتة ببناء العقلاء، مضافا الى روايات الاستصحاب-، فالظاهر عدم تماميته في الاحكام الشرعية كما هو مفروض كلامه، وانما يتم في أحكام الموالي العرفية، وعليه فمع احراز اطلاق الجعل بالنسبة الى زمان الشك في النسخ الحقيقي يمكن التمسك بظهوره في نشوءه عن ارادة المولى، بلا حاجة الى الاستصحاب.

فلابد لأجل الحاجة الى الاستصحاب من فرض عدم ظهور خطاب الجعل في نشوءه عن الارادة، فهنا يوجد احتمالان:

1- أن يقال بأن المنجز ليس هو مجرد الجعل، بل الجعل الذي تكون وراءه ارادة، وبناء على ذلك فمع احتمال النسخ بالمعنى المذكور فلا يكون اليقين السابق بالجعل للزمان الثاني يقيناً بجعل منجز لكي يجري استصحاب بقاءه عند احتمال نسخه.

2- أن يكفي في المنجزية العقلائية قيام الحجة على الجعل مع عدم العلم بانتفاء الارادة والغرض، وهذا هو الموافق للوجدان العقلائي.

فبناء على ذلك ايضا قد يقال بعدم الحاجة الى استصحاب بقاء الجعل، لكفاية العلم بحدوث الجعل المطلق في المنجزية العقلائية مادام يحتمل مطابقته مع ارادة المولى، الا أن يراد من اجراءه تأكيد المنجزية، نعم لو قيل بكون بقاءه الاعتباري دخيلا في منجزيته ‌العقلائية فنحتاج الى اجراء استصحاب بقاءه وعدم نسخه.

هذا وقد حكى في تعليقة المباحث أنه حينما اورد على استاذه بأن استصحاب بقاء الجعل في مورد الشك في النسخ الحقيقي معارَض باستصحاب عدم الارادة الزائدة لصلاة الجمعة في عصر الغيبة مثلا، أجاب عنه بأن المفروض عندنا كفاية احراز الجعل في المنجزية ولو لم نحرز ارادة المولى، والا فلم يجر استصحاب بقاء الجعل في نفسه لعدم ترتب اثر المنجزية عليه([5]).

والصحيح في الجواب عن ايراده أن المعارضة منتفية في المقام على اي تقدير، فانه ان كان موضوع المنجزية العقلائية ما هو الظاهر من قيام الحجة على الجعل مع الاحتمال الوجداني لثبوت ارادة المولى، فلا ينفي استصحاب عدم الارادة هذا السبب كي يعارضه، وان كان موضوعها قيام الحجة على ارادة المولى فاستصحاب بقاء الجعل لا اثر له كي يجري في نفسه ويبتلى بالمعارضة مع استصحاب عدم الارادة الزائدة، نعم امكن حينئذ ايقاع المعارضة بين استصحاب عدم الارادة الزائدة وبين كون هذا الفعل كصلاة الجمعة لا يزال مرادا للمولى ولكنه اشكال عام في جميع الشبهات الحكمية، وان كان موضوعها قيام الحجة على الجعل مع عدم قيام الحجة على انتفاء الارادة فيكون استصحاب عدم الارادة على تقدير جريانه واردا عليه لا معارضا.

هذا وقد يحاول دفع شبهة المعارضة بين استصحاب الجعل وبين استصحاب عدم الارادة الزائدة لما مر منا سابقا من عدم تمامية اركان استصحاب عدم الارادة الزائدة له تعالى، لاحتمال ازلية ارادته، فلا يقين بحالتها السابقة، ولكن لا يكفي هذا المقدار، حيث يمكن التعويض عن استصحاب عدم الارادة الزائدة باجراء اصل البراءة عنها، وليس استصحاب بقاء الجعل حاكما عليها لاختلاف مصبهما، نعم يمكن أن يكون المانع من الرجوع الى البراءة استصحاب كون صلاة الجمعة مثلا مرادة للمولى الى عصر الغيبة، ان لم يتم اركان الاستصحاب في عدم الارادة الزائدة والا تعارض الاستصحابان.

هذا وقد ذكر في كتاب الأضواء أن القول بكفاية قيام الحجة على الجعل مع احتمال وجود الارادة وراءه في منجزيته العقلائية بلا وجه، فلا يتم الجواب عن شبهة معارضة استصحاب بقاء الجعل مع استصحاب عدم الارادة الزائدة، بأنّ استصحاب عدم الإرادة الزائدة لا ينفي التنجيز من ناحية بقاء الجعل، والوجه في عدم تماميته أنّ منجزية الجعل ليست لنفسه، بل لأجل نشوءه من الإرادة، و بنحو الطريقية، فإذا كان في قباله استصحاب نافٍ للارادة الزائدة بلحاظ الزمان الثاني كان مؤمناً، فليس في البين منجزان مستقلان، حتى لا يكون نفي احدهما كافيا في نفي التنجيز الناشء من الآخر، بل العقلاء يوسّعون نفس المنجز العقلي، و هو روح الحكم إلى الجعل الذي له بقاء اعتباري، فإنّ العرف و العقلاء بعد أن كانت طريقتهم و ديدنهم و ارتكازهم على التعامل مع الاعتباريات المولوية و التي له حدوث و بقاء اعتباري معاملة روح الحكم فدليل الاستصحاب محمول على ذلك لا محالة، و بحسب نفس هذه النظرة العقلائية يرى التعارض بين اطلاقي دليل الاستصحاب في المقام أيضاً إذا قبلنا كبرى التعارض في الشبهات الحكمية.

نعم قد يدعى أنّ العرف يرى نسخ الجعل نسخا لنفس الإرادة، و إن كان واقعه تخصيصاً أزمانياً بالدقة، فمع الشك في النسخ يكون إطلاق دليل الاستصحاب شاملاً لبقاء الارادة، فنفس الإرادة السابقة كأنّه يشك في بقائها، فلا يجري استصحاب عدم الارادة الزائدة حتى يقال بمعارضته مع استصحاب بقاء الجعل، الا أن عهدة اثبات هذه الدعاوي على مدعيها([6]).

اقول: يلاحظ عليه اولا: انه اذا تم ما ذكره من أن سبب التنجيز هو الجعل الناشء عن الارادة ومع احتمال عدم نشوءه من الارادة فلا مقتضي للتنجيز، فلا يوجد اثر لاستصحاب بقاء الجعل، ولا تصل النوبة الى معارضته مع استصحاب عدم الارادة الزائدة، فانه إما يكون لخطاب الجعل المطلق ظهور في نشوءه عن الارادة، فينفى به احتمال النسخ، والا لم يجدِ استصحاب الجعل، نعم يمكن استصحاب كون الواجب مرادا للمولى، ولكنه لا يختلف حينئذ هذا الفرض عن فرض الشك في النسخ بمعنى انتهاء امد الحكم.

فالكلام عن المعارضة يكون مع الاغماض عن ذلك، كما يظهر من تعبيره بأن العقلاء يوسّعون نفس المنجز العقلي، و هو روح الحكم إلى الجعل الذي له بقاء اعتباري، وبهذا البيان ايضا حاول أن ينفي كونهما منجزين مستقلين، فكأن العقلاء ينظرون الى الجعل كأنه هو الارادة، فيتعارض استصحاب عدم الارادة الزائدة مع استصحاب الجعل، على وزان تعارض استصحاب عدم الجعل الزائد مع استصحاب بقاء المجعول، بناء على القول بتعارضهما، ولكن يرد عليه أنه ان كان توسع العقلاء بمعنى اعتبار العقلاء المنجزية لقيام الحجة على الجعل مع الاحتمال الوجداني للارادة مضافا الى منجزية قيام الحجة على نفس الارادة، فاستصحاب عدم الارادة الزائدة لا ينفى هذا السبب كما أن استصحاب عدم اصل الارادة لم يكن ينفيه، وان كان المنجز العقلائي هو قيام الحجة على الجعل مع عدم قيام الحجة على انتفاء الارادة فاستصحاب عدم الارادة يكون واردا عليه، وينفي التنجيز.

وثانيا: ان التنظير لتعارض استصحاب بقاء الجعل مع استصحاب عدم الارادة الزائدة بالتعارض المدعى بين استصحاب عدم الجعل الزائد مع استصحاب بقاء المجعول، لا يخلو من اشكال، فانه يعني أن من ينكر هذا التعارض -كاستاذه “قده” وقد تبعه هو في ذلك- ينكر التعارض في المقام ايضا، مع أن الجواب عن التعارض هناك كان ببيان أن الملحوظ عرفا هو الجعل بالحمل الاولي، اي كوصف من اوصاف الموضوع، -لا بالحمل الشايع، اي كحالة نفسية للمولى عارضة على الصورة الذهنية للموضوع- والحالة السابقة فيه في موارد الشك في بقاء المجعول كنجاسة الماء الذي زال تغيره وجودية، لا عدمية، فلا مجال لاستصحاب عدم الجعل بهذا المعنى، قهذا البيان لا يأتي في المقام، لاختلاف مصب الاستصحابين.

وثالثا: ان ما ذكره أخيرا كدعوىً عرفية، -وان ذكر أن عهدة اثباتها على مدعيها- من أنّ العرف يرى نسخ الجعل نسخا لنفس الإرادة، و إن كان واقعه تخصيصاً أزمانياً بالدقة، فمع الشك في النسخ يكون إطلاق دليل الاستصحاب شاملاً لبقاء الارادة، فنفس الإرادة السابقة كأنّه يشك في بقائها.

فإن كان المراد به غفلة العرف عن عالم ارادة المولى، بأن يقال -كما مر منا سابقا في بحث الاستصحاب في الشبهات الحكمية- من وجود غفلة نوعية عرفية في موارد الجعل والقانون الالهي في التكاليف عن روح التكليف و هو ارادة الله، و عن ازليتها، فيتعامل العرف معه معاملة جعل غيره، فيصح ان يقال بجريان استصحاب بقاء الجعل مع الشك في النسخ الحقيقي للجعل بلا معارض، ولكنه لا يتلائم مع قوله “ان العرف يرى نسخ الجعل نسخا لنفس الارادة”، فانه يعني عدم غفلة العرف عنها، كما لا يتلائم مع اجراءه الاستصحاب في الارادة، دون عدم الارادة الزائدة، كما لا يبقى معه مجال للتمسك باطلاق الجعل لنفي نسخ الارادة حيث يصير نظير التمسك به لنفي النسخ الحقيقي بالنسبة الى الجعل والذي قد مر المنع منه.

وان كان المراد به معاملة العرف معها معاملة الجعل الذي يكون قابلا للجعل المطلق من الله سبحانه وان كان سينسخ بعد ذلك، كما هو المتلائم مع قوله ذاك، فهو خلاف الوجدان ايضا، اذ لا معنى لرؤية العرف المتشرعي نسخ الارادة بالنسبة اليه تعالى، فان من الواضح استحالته، لامتناع حصول البداء في ارادته تعالى.

وكيف كان ففرض الشك في النسخ الحقيقي في الحكم الشرعي بأن يعلم بالجعل المطلق ويشك في نشؤءه فيما اذا كان حكما تكليفيا عن ارادة المولى بقاء، ونشؤء الحكم الوضعي عن مصلحة في بقاء المجعول فرض لا واقع له، فانه لا يعلم بالجعل المطلق عادة الا من طريق خطاب ظاهر في استمرار الحكم ويكون ظاهرا عادة في نشوءه عن الارادة، بل فرض المصلحة في جعل مطلق فارغ عن الارادة يكاد يلحق بانياب اغوال.

المطلب الثاني: استصحاب عدم النسخ فی الحكم السابق باستصحاب عدم جعل ضده

قد يحصل في موارد الشك في النسخ، العلم بأن الحكم السابق لو كان مغيى فانما هو مغيى بعدم جعل ضده، بأن قال الشارع مثلا “هذا الفعل حلال الى أن يجعل له الحرمة”، وقد مر أن هذا معقول ثبوتا، وليس لغوا، وحينئذ لا مانع من احراز بقاءه باستصحاب عدم جعل ضده، وهذا الاستصحاب وان كان من الاستصحاب في الشبهة الحكمية لكنه استصحاب لعدم الحكم، ولا اشكال فيه فبذلك ننقح موضوع بقاء الحكم المغيى به.

ولكن حيث يحتمل كون الحكم السابق مغيى بزمان معين لا بعدم جعل ضده، فهذا الفرض كفرض النسخ الحقيقي مجرد فرض ثبوتي، فالمهم هو الكلام حول الفرض المتعارف وهو الشك في النسخ المجازي الراجع الى الشك في سعة المجعول وضيقه، كسائر الشبهات الحكمية، اي کان الحكم مقیَّدا بزمان معيَّن، و كان الخطاب الناسخ كاشفا عن تضيق الجعل من الاول، والظاهر تمامية ما ذكره السيد الخوئي “قده” من ورود اشكال عدم احراز وحدة الموضوع.

هذ وقد حكي عن المحقّق النائيني “قده” أنّه قال: القضية ليست خارجية حتّى يفترض أنّ موضوعها خصوص اولئك الأشخاص الذين كانوا في العصر الأوّل، و إنّما القضية مجعولة بنحو القضية الحقيقية([7]).

فاورد عليه السيد الصدر “قده” على ما حكي عنه بأن نكتة حلّ الإشكال ليست هى كون القضية حقيقية لا خارجية، بل النكتة هي أنّ موضوع الحكم هو الطبيعة، إذ لو فرض الموضوع هو الأفراد، فحتّى لو كانت القضية حقيقية يكون الإشكال ثابتاً، لأنّ الموضوع متعدّد لا محالة بتعدّد الأفراد، فيكون اليقين بلحاظ بعض الأفراد و الشكّ بلحاظ بعض آخر، و هذا بخلاف ما لو كان موضوع الحكم هو الطبيعة، و عندئذ تكون القضية حقيقية حتماً، فإنّه في هذا الفرض لم يحصل أيّ تغيّر في موضوع الحكم، فيجري استصحاب ثبوت الحكم على الطبيعة، و لعلّ هذا هو مقصود الشيخ الأعظم “قده” حيث عبّر بأنّ القضية هنا طبيعية، و لا دخل لخصوصية الأفراد، و بناءً على هذا الذي ذكرناه قد يشكل الاستصحاب إذا كان لسان دليل الحكم هو لسان العموم لا الإطلاق، فإنّ الموضوع عندئذ هو الأفراد، إلّا إذا ادّعي رجوع العموم من هذه الناحية بنظر العرف إلى الإطلاق، أي: إنّ العرف يفهم أنّ الحكم للطبيعة، و هذه الدعوى صحيحة([8]).

وفيه أن الموضوع في مقام الثبوت لو كان عنوان افراد المكلفين فلا مانع من الاستصحاب ايضا، فيقال انه كان في زمان الحضور يجب على كل فرد من افراد المكلفين أن يصلي الجمعة، ونشك في بقاء الوجوب فعلا، فلا فرق بين كون الموضوع طبيعي المكلف او عنوان افراد المكلفين، الا ان المشكلة هي عدم احراز كون الموضوع طبيعة المكلف او افراد المكلفين، فلعل الموضوع حصة من طبيعة المكلف، اي المكلف في زمان الحضور.

نعم لو کان حدوث الحكم مدلولا لخطاب لفظي ظاهر في كون الموضوع طبيعي المكلف فيمكن الاستناد اليه في تشخيص الموضوع، ويرتفع الاشكال على استصحاب الحكم من هذه الجهة.

المطلب الثالث:

قد يقال بأنه حتى لو كان موضوع جعل وجوب صلاة الجمعة هو المكلف المدرك لزمان الحضور، فمع ذلك يصح عرفا ان يقال أنه في زمان الحضور كان يجب صلاة الجمعة على المكلفين، حيث ان المعروض العرفي لهذا الحكم في زمان الحضور هو ذات المكلف، نظير ما مر منا في متعلقات الاحكام كوجوب الصلاة في النهار من أن العرف يرى أن معروض الوجوب ذات الصلاة، فيقول ان الصلاة كانت واجبة في النهار ونشك بعد مضي النهار في وجوبها وان كان متعلق الجعل هو الصلاة في النهار، فان المدار في متعلق الوجوب كموضوع الاحكام على معروض الحكم بالنظر العرفي دون مقام الجعل، وبهذا يجاب عن شبهة احتمال كون موضوع الجعل المكلف المدرك لزمان الحضور.

والا فلو اقتصر على موضوع الجعل فحتى لو قال الشارع “يجب على المكلفين صلاة الجمعة مادام زمان الحضور” فلا يجدي بحال الاستصحاب، حيث ان ما عدا قيود المتعلق راجع ثبوتا الى قيد الموضوع، فلا يختلف عما لو قال “المكلف المدرك لزمان الحضور يجب عليه صلاة الجمعة”.

وفيه أنه لو كان موضوع جعل وجوب صلاة الجمعة هو المكلف المتصف بوصف خاص كادرك زمان الحضور فيكون معروض الوجوب هو المكلف في حال اتصافه بوصف كونه ادراكه لزمان الحضور، فلا يجدي الاستصحاب الا في حق مكلف زال عنه هذا الوصف بعد أن كان متصفا به دون من لم يكن متصفا به اصلا، واين هذا من مثال متعلق الوجوب، حيث يصح أن يقال مثلا، ان الصلاة كانت واجبة في النهار، والفرق بينهما أن موضوع الوجوب كالمكلف يلحظ فانيا في مكلف موجود، فلابد أن يلحظ في عروض الوجوب عليه اتصافه بذلك الوصف كادراكه زمان الحضور، بينما ان متعلق الوجوب يلحظ فانيا في فعلٍ مع قطع النظر عن وجوده، وانما يطلب ايجاده، فلا يحتاج استصحاب بقاء وجوبه الى لحاظ وجود وصف كونه في النهار، بل يرى كون النهار ظرفا للوجوب فقط، فيقال ان الصلاة كانت واجبة في النهار، فيستصحب وجوبها، ولا يصح أن يقال ان المكلف كان يجب عليه الجمعة في زمان الحضور، بل يقال كان يجب عليه الجمعة في حال ادراكه لزمان الحضور، فلا يجدي بحال مكلف لم يسبق منه ذلك، فهو نظير ما لو كان القدر المتيقن وجوب اكرام مسلم عاصر القرن الاول الهجري فلا يجدي استصحابه بالنسبة الى مسلم ولد في القرن الثاني.

وأما ما ذكر من أن مرجع قوله “المكلف يجب عليه الجمعة في زمان الحضور” الى قوله “المكلف المدرك في زمان الحضور يجب عليه الجمعة” فهو ممنوع اذ ليس معنى قيد الموضوع الا كونه مفروض الوجود في الحكم لا أخذه وصفا للموضوع في مقام ثبوت الجعل.

المطلب الرابع:

لو فرض كون الموضوع طبيعي المكلف فيرتفع عن جريان استصحاب حكمه اشكال عدم وحدة الموضوع، ولكن يبقى اشكال كونه استصحابا في الشبهة الحكمية إما من ناحية عدم اطلاق دليل الاستصحاب له او من ناحية ابتلاءه بالمعارضة مع استصحاب عدم الجعل الزائد.

وأما اشكال السيد الخوئي في استصحاب بقاء المجعول في موارد انحلالية الحكم فقد أجبنا عنه سابقا بأن الظاهر كفاية وحدة عملية الجعل في الحكم الانحلالي بلحاظ الافراد الطولية الناشئة من اختلاف الزمان، في كون استصحابه من قبيل استصحاب الفرد دون القسم الثالث من الكلي، و ان فرض كون الخطاب بنحو العموم بأن قيل “كل فرد من افراد وطء الزوجة حرام حال حيضها” فانه يقال باحتمال استمرار هذه الحرمة الى ما بعد انقطاع الدم و قبل اغتسالها.

وأما ما ذكره في البحوث من أن اثبات حدوث المجعول في الفرد الحادث بعد زمان الشك في النسخ باستصحاب الجعل يكون من الاصل المثبت، ولكن لا حاجة اليه، لكفاية قيام الحجة على كبرى الجعل مع احراز صغراها في التنجيز العقلي، ففيه ما مر من أن علاقة المجعول مع ذلك الجعل الكلي علاقة الفرد مع الكلي لا اللازم والملزوم، فلا يكون اثباته به من الاصل المثبت، والا لكان هناك شبهة في الاثر الشرعي حيث يستظهر كونه مترتبا على المجعول الفعلي كطهارة ماء الوضوء او طهارة الثوب في الصلاة.

المطلب الخامس:

انه قد يتوسل في اجراء استصحاب عدم النسخ بالاستصحاب التعليقي، فيقال مثلاً “ان هذا المكلف لو وجد في زمان الحضور لوجب عليه صلاة الجمعة” فانه قضية متيقنة، اذ من الواضح أنه لا يحتمل دخل الخصوصيات الفردية لأشخاص المكلفين الذي وجدوا في زمان الحضور، ولكنه يكون من الاستصحاب التعليقي الذي لا ينبغي الالتزام به، فانه من موارد اجراء الاستصحاب التعليقي في الموضوعات، نظير ما لو رمي السهم الى جانب يعلم بأن لو رماه قبل ساعة اليه لقتل زيدا، لعلمه بوجود زيد آنذاك في ذاك الجانب، فيستصحب أنه لو صدر منه هذا الرمى قبل ساعة لقتل زيدا، او فقل: حكم عليه بالقصاص او وجب عليه دية القتل، وبضمه الى علمه بصدور الرمي منه فعلا الى ذاك الجانب هناك، يريد أن يرتب الحكم، فان من الواضح كونه من الاصل المثبت، ولا يقاس بمثل الاستصحاب التعليقي في “العنب اذا غلا حرم” بل ولا في “العنب المغلي حرام”، حيث انه كان يقال فيه بجعل الملازمة بين غليان العنب وحرمته او جعل سببيته له شرعا بنحو الجعل التبعي، وهذا بخلاف المقام حيث ان قوله “من قتل مؤمنا فيجب عليه الدية” غايته كونه منشأ لجعل سببية قتل زيد المؤمن لوجوب الدية، لا جعل سببية الرمي الى هذا الجانب لوجوب الدية وانما كان بينهما سابقا ملازمة اتفاقية لملازمة الرمي اليه قبل ساعة مع قتل زيد.

هذا وقد ذكر في البحوث أنه لو علم بكون المجعول قضية شرطية مفادها أنه إن وجد المكلف في زمان الحضور كان يجب عليه صلاة الجمعة، فيصح استصحاب الحكم التعليقي([9])، ففيه أن الاشكال الذي حاول دفعه وهو عدم احراز بقاء الموضوع لايندفع الا بفرض كون الموضوع هو هو طبيعي المكلف، فلا يختلف حينئذ كون خطابه بنحو القضية الحملية او الشرطية، فالتشبث بالاستصحاب التعليقي انما يكون في فرض كون الموضوع هو المكلف في زمان الحضور.

المطلب السادس:

ان ما ذكره السيد الخوئي من أن المرجع لنفي احتمال النسخ في فرض عدم الاطلاق في نفس دليل الحكم، هو قوله “حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة” فهو وان كان متينا، حيث ان ظاهر هذا الحديث نفي احتمال النسخ الزماني لحكم ثابت في اول الشريعة، وحمله على مجرد بيان خاتمية دين الاسلام وعدم نسخ هذا الدين بدين آخر خلاف اطلاق الحديث، الا أنه ان احتمل ثبوت الحكم لعنوان يختص بزمان النبي (صلى الله عليه وآله) او بزمان الحضور، كما قد يدعى ذلك بالنسبة الى صلاة الجمعة، فيشكل التمسك بهذا الحديث لنفي هذا الاحتمال، فانه لا يدل على اكثر من ثبوت الحكم مع بقاء العنوان الذي أخذ في موضوعه، فلو كان موضوع مشروعية صلاة الجمعة هو المكلف في زمان حضور الامام فلا تستفاد مشروعيتها في حق المكلفين في عصر الغيبة.

 



[1] – الكافي (ط – دار الحديث) ج‌1 ص 147

[2] – مصباح الاصول ج 3ص149

[3] – مصباح الاصول ج3ص38

[4] – بحوث في علم الاصول ج 6ص297

[5] – مباحث الاصول ج5ص 423

[6] – أضواء وآراء ج3ص 319

[7] – فوائد الاصول ج4ص 479

[8] – مباحث الاصول ج5ص 424 وهذا خلاف ما نقل عنه في البحوث: حيث قال: يمكن علاج الإشكال بأنَّ الحكم المشكوك نسخه مجعول على نحو القضية الحقيقية التي تنصبّ فيها الحكم على الموضوع الكلي المقدر الوجود، فيجري الاستصحاب من دون فرق بين كون القضية المجعولة بنحو الإطلاق أو العموم بأَن لوحظ كل فرد فرد موضوعاً للحكم لأنَّ المفروض عدم خصوصية لكل فرد في قبال الافراد الأخرى في القضية الحقيقية (بحوث ج6ص 296).

[9] – بحوث في علم الاصول ج 6ص 296