فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

المقام الثاني: في استصحاب الزمانيات.. 1

ادله عدم جریان الاستصحاب الزمانيات.. 2

المناقشة الاولى: 2

المناقشة الثانية: 2

جواب صاحب الكفاية “ره” عن المناقشة الاولی.. 2

الجواب الثاني: ما ذكره المحقق النائيني “قده”.. 3

الجواب الثالث: ما ذكره المحقق العراقي “قده”: خمس صور في الامر التدريجي.. 3

الجواب الرابع: ما ذكره السيد الخوئي.. 4

الجواب الخامس: ما ذكره السيد الصدر. 6

الجواب السادس: كون استصحابه من استصحاب القسم الثالث من الكلي.. 8

عدم تيسر اعطاء ضابط دقيق لصدق الوحدة العرفية في الامور التدريجية. 15

الشك في كون الواجب المقيد بوقت خاص على نحو وحدة المطلوب او تعدد المطلوب.. 16

 

موضوع: استصحاب در زمان و… /قسم چهارم کلی /استصحاب

خلاصه مباحث گذشته:

متن خلاصه …

 

 

المقام الثاني: في استصحاب الزمانيات

وأما استصحاب الزمانيات، اي سائر الامور التي تكون تدريجية الوجود مثل الزمان، بحيث لا يوجد الجزء اللاحق الا بعد انعدام الجزء السابق، نظير التكلم والحركة ونزول المطر وخروج دم الحيض، وما شابه ذلك، فقد يناقش في جريان الاستصحاب فيها بعدة مناقشات:

ادله عدم جریان الاستصحاب الزمانيات

المناقشة الاولى:

دعوى كون المشكوك غير المتيقن، فمثلا لو شك في استمرار التكلم، فبالنظر الدقي يكون المتيقن فردا من التكلم وهو التكلم في الزمان السابق، ويكون المشكوك فردا آخر من التكلم، خصوصا مع تخلل الفصل بين تلك الاجزاء كما في الشك في بقاء في التكلم، فانه وان كان العرف بنظره المسامحي يراه بقاء الفرد السابق، الا أنه لا عبرة بهذا النظر العرفي المبني على المسامحة، ولذا يقال بأن ما نقص عن الكر ولو بمقدار قليل لا يكون بحكم الكر، وكذا لو نقص عن اقامة عشرة ايام بدقائق لا يكون بحكم الاقامة.

المناقشة الثانية:

دعوى معارضة استصحاب بقاء التكلم مثلا مع استصحاب عدم ايجاد التكلم الزائد في زمان الشك، نظير ما مر من معارضة استصحاب عدم الجعل الزائد مع استصحاب بقاء المجعول.

جواب صاحب الكفاية “ره” عن المناقشة الاولی

وقد اجيب عن المناقشة الاولى بعدة اجوبة نذكرها جميعا، ثم نذكر ما هو المختار:

الجواب الاول: ما ذكره صاحب الكفاية “ره”: من أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في مثل الحركة و لو بعد تخلل العدم إذا كان يسيراً، لأن المناط في الاستصحاب هو الوحدة العرفية و لا يضر السكون القليل بوحدة الحركة عرفا،كما أنه إذا شك في بقاء قراءة السورة من جهة الشك في اتمامها لسورة معينة فيجري استصحاب الشخص ، ولو شك في بقاءها لترددها بين القصيرة و الطويلة كان‏ من القسم الثاني من استصحاب الكلي، ولو شك في قراءته لسورة أخرى مع القطع بأنه قد تمت قراءة السورة الأولى كان من القسم الثالث من استصحاب الكلي([1]).

الجواب الثاني: ما ذكره المحقق النائيني “قده”

الجواب الثاني: ما ذكره المحقق النائيني “قده” من أن وحدة الامر التدريجي تكون بوحدة مقتضي الحدوث والبقاء، فلو استند حدوث جريان الماء او سيلان الدم الى مادة، قد نفدت يقينا ولكن قامت مادة أخرى مكانها بلا فصل، فيتعدد بذلك جريان الماء وسيلان الدم، وحيث ان المقتضي للفعل الاختياري هو الداعي فمع تغاير داعي الحدوث والبقاء يتعدد التكلم و المشي، ومع وحدة الداعي يعتبر امرا واحدا مستمرا، فلو بدأ شخص بالمشى بداعي رؤية زيد واحتملنا أنه حينما رأى زيدا استمر في مشيه بداع آخر، فلا يجري استصحاب المشي، لتعدد المشي بتعدد الداعي([2]).

الجواب الثالث: ما ذكره المحقق العراقي “قده”: خمس صور في الامر التدريجي

الجواب الثالث: ما ذكره المحقق العراقي “قده” من أنه يتصور في الامر التدريجي خمس صور:

الصورة الاولى:

أن يشك في بقاء الامر التدريجي للشك في وصوله الى منتهاه. فيجري فيه الاستصحاب.

الصورة الثانية:

أن يحتمل طرو مانع عن استمراره مع القطع بتمامية مقتضي الاستمرار، كما لو علمنا بكون داعي الشخص التكلم ساعة واحتمال طرو مانع عنه في الاثناء، فيجري فيه الاستصحاب.

الصورة الثالثة:

أن نشك في مقدار استعداده كما لم نعلم مقدار استعداد الرحم لسيلان الدم، فيجري فيه الاستصحاب، لأن الصحيح جريان الاستصحاب مع الشك في المقتضي.

الصورة الرابعة:

أن نعلم بانتفاء العلة المحدثة، ونحتمل وجود علة مبقية قائمة مقام العلة المحدثة، كما لو علمنا بكون داعيه تكلم ساعة واحتملنا طرو داع آخر له في تكلم ساعة أخرى بعدها، و يوجب العلة الجديدة تبدل عنوان الامر التدريجي، كتبدل التكلم من قراءة القرآن الى الدعاء، فلا يجري الاستصحاب لعدم الوحدة العرفية بينهما.

الصورة الخامسة:

نفس الصورة الرابعة، مع اختلاف أن لا يوجب ذلك تبدل العنوان، فيجري الاستصحاب، ولعل منه احتمال استمرار جريان الماء عند العلم بانعدام المنبع الاول واحتمل قيام منبع آخر مكانه([3]).

الجواب الرابع: ما ذكره السيد الخوئي

ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن اجزاء الموجود غير القار اذا كانت متصلة كحركة السيارة فيكون اتصالها مساوقا لوحدتها، وبذلك يصدق كونها باقية ومستمرة، فيتم استصحابها عند الشك في بقاءها.

وأما اذا لم تكن الحركة والجريان والسيلان ونحوها متصلة فلا تتحق الوحدة، وما ذكره في الكفاية من صدق الوحدة العرفية مع تخلل الفصل اليسير ففيه أن بقاء الموضوع في الاستصحاب و إن لم يكن مبنياً على النظر الدقي العقلي، بل على النظر العرفي الذي هو أوسع من نظر العقل في أكثر الموارد، إلا أنه لا فرق بين العقل و العرف في المقام، فالمتحرك إذا سكن و لو قليلا لا يصدق عليه أنه متحرك عرفا، لصدق الساكن عليه حينئذ، و لا يمكن اجتماع عنواني الساكن و المتحرك في نظر العرف أيضا، و عليه فلو تحرك بعد السكون لا يقال عرفا انه متحرك بحركة واحدة، بل يقال إنه متحرك بحركة أخرى غير الأولى، فلو شككنا في الحركة بعد السكون، لا يمكن جريان الاستصحاب، لأن الحركة الأولى قد ارتفعت يقيناً، و الحركة الثانية مشكوكة الحدوث.

نعم قد يؤخذ في موضوع الحكم عنوان لا يضر في صدقه السكون في الجملة، كعنوان المسافر، فان القعود لرفع التعب مثلا، بل النزول في المنازل غير قادح في صدق عنوان المسافر فضلا عن السكون ساعة أو ساعتين، فإذا شك في بقاء السفر لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه و لو بعد السكون، بخلاف ما إذا أخذ عنوان الحركة في موضوع الحكم، فانه لا يجري الاستصحاب بعد السكون، بل يجري فيه استصحاب السكون، و يجري جميع ما ذكرناه في الحركة في مثل الجريان و السيلان.

وفي مثال التكلم وان لم توجد له وحدة حقيقية من جهة تخلل السكوت و لو بقدر التنفس في أثناءه لا محالة بحسب العادة، لكن يكفي في استصحابه أنه توجد وحدة الاعتبارية بين أجزاءها المنفصلة، فتعدُّ عدة من الجملات موجوداً واحداً باعتبار أنها قصيدة واحدة أو سورة واحدة مثلا، فإذا شرع أحد بقراءة قصيدة مثلًا، ثم شككنا في فراغه عنها، لم يكن مانع من جريان استصحابها سواء كان الشك مستنداً إلى الشك في المقتضي، كما إذا كانت القصيدة مرددة بين القصيرة و الطويلة، فلم يعلم أنها كانت قصيرة فهي لم تبق أم هي طويلة فباقية، أو كان الشك مستنداً إلى الشك في الرافع، كما إذا شككنا في حدوث مانع خارجي عن إتمام القصيدة التي بدأ بقراءتها.

و كذا الكلام في الصلاة، فانها و إن كانت مركبة من أشياء مختلفة، فبعضها من مقولة الكيف المسموع كالقراءة، و بعضها من مقولة الوضع كالركوع، و هكذا إلا أن لها وحدة اعتبارية، فان الشارع قد اعتبر عدة أشياء شيئاً واحداً، و سماه بالصلاة، فإذا شرع أحد في الصلاة، و شككنا في الفراغ عنها، لم يكن مانع من جريان استصحابها، و الحكم ببقاءها، سواء كان الشك في المقتضي، كما إذا كان الشك في بقاء الصلاة لكون الصلاة مرددة بين الثنائية و الرباعية مثلا، أو كان الشك في الرافع، كما إذا شككنا في بقائها لاحتمال حدوث قاطع كالرعاف مثلا([4]).

الجواب الخامس: ما ذكره السيد الصدر

الجواب الخامس: ما ذكره السيد الصدر “قده” من أن مناشئ الوحدة في الامور التدريجية تكون احد امور اربعة:

1- الاتّصال الحقيقي، فالحركة باعتبار اتّصالها عقلًا و عرفاً تعتبر أمراً واحداً و يجري فيها الاستصحاب.

2- الاتّصال بالنظر العرفي الكاذب و غير المطابق للواقع، فإنّ هذا أيضاً يحقّق الوحدة التي تشترط في الاستصحاب من قبيل ما إذا فرضنا أنّ عقربة الساعة في دورانها و حركتها لها وقفات و سكنات ضئيلة لا ترى بالنظر السطحي، و بما أنّ هذه الوقفات و السكنات لا تلحظ عرفاً لا ترى الحركة إلّا واحدة ممتدة متّصلة، و بذلك تتحقّق الوحدة المعتبرة، و لا يتصوّر أنّ هذا من باب اشتباه العرف و خطئه في تشخيص المصداق، و هو غير متّبع، و إنّما المتّبع نظر العرف في المفاهيم، فإنّ هذه القاعدة لو سلّمت بشكل عام لا يسلّم بها في المقام بالخصوص؛ لأنّ اعتبار الوحدة في جريان الاستصحاب ليس من باب الفهم العرفي للوحدة و التعدد، حتى لا يكون نظره محكّماً في تشخيص مصداقها، و إنّما هو بنكتة صدق مفهوم نقض اليقين بالشك عرفا.

3- الاتّصال الادّعائي العرفي، بأن يوسّع في المفهوم بحيث يعمّ تخلل العدم الواقع في البين الذي يدركه بنظره السطحي، ومنه مفهوم التكلم والخطابة، فانه يقال “خطب أو تكلّم فلان ساعة كاملة” مع أنّه إذا اريد استثناء الوقفات المتخللة لكان الزمان أقلّ من ساعة في المثال، فيكون لا محالة شيئاً واحداً عرفاً له حدوث و بقاء.

4- ما اذا كان يتكرّر العمل و لو بفواصل زمنية واسعة، غير أنّ التكرار المتواصل و التعاقب المستمرّ يؤدّي إلى أن يعتبر العرف وحدة بلحاظ هذه الوقائع المتعدّدة، يجعل لها حدوثاً واحداً و بقاءً لذلك الأمر الواحد، كما إذا اعتاد أن يباحث شخص في كلّ يوم، أو اعتاد على المشي فجر كلّ يوم، فإنّ زمن البحث أو المشي لا يقاس‏ بالزمن المتخلل بين البحثين و الواقعتين، لكنّه مع ذلك يرى العرف أن هنالك أمراً واحداً هو الدرس المستمر المتواصل، أو المشي كذلك، يعبّر عن ذلك بأنّه ما زال يدرس و أنّه باق على عمله و مشيه.

وما قد يقال من أنّ استصحاب بقاء هذا البحث مثلًا معارض باستصحاب عدم البحث الثابت قبل هذا الوقت المعين ففيه أنّ الشي‏ء المشكوك لو كانت له حالة سابقة مركّبة، أي: كانت لحالته السابقة حالةٌ و صفةٌ سابقة أيضاً، يكون الجاري هو الاستصحاب بلحاظ تلك الحالة السابقة الثانية، لا الاولى.

ففي مثال الدرس و إن كانت الحالة السابقة قبل الدرس المشكوك هي العدم غير أنّ هذا العدم حالته سابقاً أنّه كان ينتقض بالوجود في كلّ يوم سابق و تخلل الوجود بين العدم في هذا اليوم و العدم في الأيّام السابقة لا يضرّ بالوحدة العرفية كما قلنا، فتكون الحالة السابقة المعتبرة في مثل هذا هي حالة انتقاض العدم بالوجود، لا حالة العدم، فلا معارضة في البين.

فيتلخّص من كلّ ما ذكر: أنّ هنالك مناشئ اربعة لتحقّق الوحدة العرفية في الامور التدريجية، نعم ربما يعرض في البين مانع آخر يخل بالوحدة بنكتة مستقلّة، بحيث يحدث في البين عنوان جديد يرى أنّه موضوع آخر غير الأوّل و إن كان منشأ الوحدة بالنظر الدقّي موجوداً، مثلاً إذا انتقل الباحث إلى كلام آخر غير بحثي‏ كالمجاملات و التعارفات في المجلس بعد انتهاء البحث، فمثل هذه توجب أن يرى العرف انتهاء موضوع و بدء أمر و كلام جديد مستقل منفصل، فلا يجري الاستصحاب عند الشكّ في بقاء الحركة في كلام جديد مثلًا. فإنّ هذا يرى عند العرف فرداً جديداً يشكّ في حدوثه، و لا يرى نفس الأمر الأوّل و بقاءه، و لهذا يكون جريان استصحاب الحركة أو الكلام من استصحاب القسم الثالث من الكلي الذي لم يكن جارياً([5]).

الجواب السادس: كون استصحابه من استصحاب القسم الثالث من الكلي

ما ذكره بعض السادة الاعلام “دام ظله” من أن الاستصحاب في الامور التدريجية يتوقف على الوحدة فيها والوحدة إما وحدة حقيقية ناشئة من الاتصال، كما في الزمان، وبعض الحركات، وإما وحدة اعتبارية بين وجودات منفصلة، والوحدة الاعتبارية تنشأ من عدة امور:

1- وحدة العنوان، مثل قراءة القرآن، فلو بدأ بقراءة الشعر بعد انتهاءه من قراءة القرآن فالعرف لا يعتبرهما قراءة واحدة.

2- وحدة الداعي فلو كان داعي المتكلم من كلامه الوعظ ثم صار له داع الى تعقيبه بالبحث العلمي فلا يعتبرهما العرف تكلما واحدا.

3- وحدة المقتضي: فلو خرج الدم من رحم امرأة فلو تحول من نشوءه من عرق خاص منه الى نشوءه من عرق آخر فلا يعتبرهما العرف خروجا واحدا للدم ولذا يكون دم استحاضة بعد ما كان الدم الاول حيضا.

ثم قال: في مثال السفر ان كان الشخص في حال الحركة المستمرة التي لا توقف في أثناءها فوحدته حقيقية، وان كان له توقف في اثناءها فوحدته تكون اعتبارية ويختص اعتبار الوحدة له بوحدة الغرض والداعي فان علمنا بكون غرضه السفر من النجف زيارة الحسين (عليه السلام) ولكن احتملنا أنه بدا له أن يسافر من كربلا الى بغداد لغرض آخر فلا يجري استصحاب بقاء سفره، لأن هذا يعتبر سفرا جديدا فيكون استصحابه من استصحاب القسم الثالث من الكلي، كما افادة المحقق النائيني “قده”.

مناقشات

اقول: الانصاف عدم تيسر اعطاء ضابط معين لصدق الوحدة في الامر التدريجي، نعم مع الاتصال الحقيقي فالوحدة ثابتة عادة، وأما مع عدم الاتصال الحقيقي فلابد من احراز صدق الوحدة الفردية في اجراء الاستصحاب، فانه لابد من احتمال بقاء نفس الموجود السابق عرفا، فلو شككنا في ان العرف هل يرى الشك شكا في بقاء الموجود السابق او يراه شكا في حدوث فرد آخر ولو من نوعه فلا يجري الاستصحاب.

وما ذكرنا من عدم تيسر ضابط معين، يظهر بالنظر الى الأجوبة التي نقلناها عن هؤلاء الاعلام.

أما ما ذكره صاحب الكفاية، من كفاية الوحدة العرفية حتى في مثل الحركة والجريان، فهو وان كان صحيحا، بمعنى أن تخلل العدم في الحركة والجريان ونحوهما لا يمنع من صدق بقاء مفهوم الحركة عرفا، فان المفهوم العرفي لبقاء الامر التدريجي مما أشرب فيه تخلل العدم بمقدار لا يخل بالوحدة العرفية، كحركة عقربة الساعة، نعم لا ريب في أن العرف يلتفت ويعترف في آن سكون عقربة الساعة بسكونها، ولكن لا يرى ذلك مانعا عن صدق استمرار الحركة بما اشرب فيها هذه السكونات اليسيرة، كما أن الامر في التكلم كذلك فالعرف مع اعترافه بآن سكوت المتكلم يسيرا، لكن لا يرى ذلك مانعا من صدق أنه لا يزال يتكلم او أنه تكلم ساعة، والحاصل أنه حيث كانت هذه الحركة بالنظر العرفي موجودا واحدا مستمرا فقد اشرب فيه هذه السكونات، بحيث لا تتنافى عرفا مع استمرار الحركة العرفية، فتتصف عقربة الساعة حين ذلك السكون باستمرار الحركة العرفية بذاك المعنى الذي اشرب فيه هذه السكونات، والا ففرض اتصافها بعدم الحركة عرفا في ذاك الآن مساوق لتعدد الحركة، مع أنه يقال انها لا تزال تتحرك، وعليه فلا يرد عليه اشكال السيد الخوئي “قده”.

لكن المهم أن ما ذكره صاحب الكفاية لا يعطي ضابطا معينا لصدق الوحدة العرفية في موارد عدم الاتصال الحقيقي، ولذا ترى أن استمرار الاتصال لا يصدق عرفا في ما لو كان الماء الكر يتصل بالحوض الصغير لحظة وينقطع عنه لحظة، فانه لو كان الحوض الصغير ملاقيا للنجس في لحظة الانقطاع يتنجس به، لأنه لا يصدق اتصاله بالماء الكر.

على أن ما ذكره صاحب الكفاية حول قراءة السورة من أنه لو بدأ شخص بقراءة سورة وشككنا في أنه قرأ سورة أخرى بعدها فلا يمكننا أن نستصحب قراءته للقرآن الا بنحو القسم الثالث من الكلي والذي لا نقول به، يرد عليه أن العرف يراه من الشك في بقاء قراءة القرآن، ويكون استصحابه من قبيل استصحاب الشخص، نعم لا يثبت به أنه قرأ سورتين مثلا، كما لا يثبت باستصحاب بقاء الطواف تحقق سبعة اشواط.

وأما ما ذكره المحقق النائيني “قده” فيرد عليه أنه ليس بجامع ولا مانع، فانه قد يتعدد الداعي والمقتضي، ولكن لا يوجب تعدد الفعل التدريجي عرفا، بل هو بقاء للوجود السابق بداع ومقتضٍ جديد، فلو بدأ شخص بالكلام من زوال الشمس واستمر في تكلمه لأجل حضور شخص في المجلس في الاثناء، فيقال: انه لا يزال يتكلم منذ زوال الشمس، كما أنه في مثال جريان الماء لأجل مادة جديدة او حركة الجسم بسبب محرك آخر غير المحرك الاول يعتبر جريانا مستمرا وحركة مستمرة.

كما أنه قد يتحد الداعي ولكن يكون الموجود بقاء فردا آخر، كما لو استؤجر شخص على مجموع قراءة القرآن وقراءة الدعاء فلا تعدان قراءة واحدة.

نعم لا يتم النقض الذي اورد عليه السيد الخوئي “قده” حيث قال: ان لازمه أنه لو بقي المصلي في حال السجود في الصلاة بداعي الاستراحة فتبطل صلاته بزيادة السجدة([6])، فان المحقق النائيني لم يدع ذلك مطلقا وانما ادعاه في خصوص الامور غير القارة، فلا يتم النقض بالسجود

وما ذكره بعض السادة الاعلام “دام ظله” من أنه انما يتم النقض لو كان السجود بمعنى الاعتماد على الارض، وأما لو كان بمعنى هيئة خاصة في الشخص فهو من الامور القارة، ففيه أن الاعتماد على الارض ايضا ليس من الامور التدريجية.

وأما ما ذكره المحقق العراقي “قده” فكأنه قبل من المحقق النائيني “قده” كفاية وحدة المقتضي والداعي في وحدة الامر التدريجي، وانما ادعى امكان وحدة الامر التدريجي مع تعدد مقتضي الحدوث والبقاء، فيرد عليه ما اوردناه على المحقق النائيني من أنه قد يتحد الداعي ولكن يكون الموجود بقاء فردا آخر، كما لو استؤجر شخص على مجموع قراءة القرآن وقراءة الدعاء او على خطابتين متصلتين فلا تعدان قراءة واحدة او خطابة واحدة، نعم لم ينكر المحقق العراقي أنه قد لا يوجب وجود داعٍ آخر في بقاء التكلم صيرورته فردا آخر من التكلم كما لو استمر في قراءته للقرآن او خطابته او مشيه بداع آخر جديد.

وأما ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أنه اذا تخلل السكون في آنات الحركة فالعرف بنظره الدقي يلتفت الى ذلك ولا عبرة بنظره المسامحي، فهو وان كان متينا جدا، لكن مر أنه قد يكون المفهوم العرفي للامر التدريجي مما اشرب فيه تخلل العدم بمقدار لا يخل بالوحدة العرفية، كحركة عقربة الساعة، او المشي.

وأما ما ذكره من أنه لو شك في أن قارئ القرآن هل بدأ بقراءة سورة قصيرة او سورة طويلة فيجري استصحاب بقاء قراءته للقرآن بنحو القسم الثاني من الكلي، ففيه أن لازمه أنه لو علم بانهاءه قراءة سورة، واحتمل شروعه في قراءة سورة أخرى، أن يكون استصحاب قراءته للقرآن من استصحاب القسم الثالث من الكلي، مع أنه خلاف الوجدان، فان العرف يرى وحدة عرفية لقراءة القرآن، فيمكن استصحاب قراءته للقرآن، بنحو استصحاب الفرد، نعم لو احتملنا أن قارئ القرآن قد اشتغل بعد فراغه من قراءة القرآن بقراءة الاشعار، فلا يجري استصحاب بقاء التكلم، لأنه يعتبر فردا جديدا من التكلم.

وأما ما ذكره السيد الصدر “قده” ففيه مع غمض العين عن المناقشة في مثال القسم الثاني بحركة عقربة الساعة، اذ يلحظ العرف الوقفات المتخللة بالنظر العرفي الدقي غير المسامحي، وهو المعيار في حجية نظر العرف، أن ما ذكره من المنشأ الرابع لازمه الالتزام بأنه لو كان كل يوم في ساعة معينة يتصل الماء الكر بمخزن الماء في البيت الذي هو اقل من الكر، أن يحكم بكرية ماء المخزن ولو مع الشك في يوم ما في اتصاله به او أنه لو كان من عادته أن يتوضأ كل ما أحدث او في كل يوم في ساعة معينة وشك في يوم في ذلك أن يحكم بطهارته، ومن البعيد الالتزام به، فان ما هو متيقن هو جريان العادة واستصحابه لا يثبت الوقوع في هذا اليوم.

نعم ذكر الشيخ الاعظم “قده” كلاما يستفاد منه أنه يوافق مع اجراء الاستصحاب في مثله، حيث قال: إذا ثبت في يومٍ وجوب فعل عند الزوال ثم شككنا في الغد أنه واجب اليوم عند الزوال فلا يحكمون باستصحاب ذلك و لا يبنون على كونه مما شك في استمراره و ارتفاعه بل يحكمون في الغد بأصالة عدم الوجوب قبل الزوال، أمّا لو ثبت ذلك مرارا ثم شك فيه بعد أيام فالظاهر حكمهم بأن هذا الحكم كان مستمرا و شك في ارتفاعه فيستصحب.

و من‏ هنا ترى‏ الأصحاب‏ يتمسكون باستصحاب وجوب التمام عند الشك في حدوث التكليف بالقصر و باستصحاب وجوب العبادة عند شك المرأة في حدوث الحيض لا من جهة أصالة عدم السفر الموجب للقصر و عدم الحيض المقتضي لوجوب العبادة حتى يحكم بوجوب التمام لأنه من آثار عدم السفر الشرعي الموجب للقصر و بوجوب العبادة لأنه من آثار عدم الحيض بل من جهةكون التكليف بالإتمام و بالعبادة عند زوال كل يوم أمرا مستمرا عندهم و إن كان التكليف يتجدد يوما فيوما فهو في كل يوم مسبوق بالعدم فينبغي أن يرجع إلى استصحاب عدمه لا إلى استصحاب وجوده.

و الحاصل أن المعيار حكم العرف بأن الشي‏ء الفلاني كان مستمرا فارتفع و انقطع و أنه مشكوك الانقطاع و لو لا ملاحظة هذا التخيل العرفي لم يصدق على النسخ أنه رفع للحكم الثابت أو لمثله فإن عدم التكليف في وقت الصلاة بالصلاة إلى القبلة المنسوخة دفع في الحقيقة للتكليف لا رفع، و نظير ذلك في غير الأحكام الشرعية ما سيجي‏ء من إجراء الاستصحاب في مثل الكرية و عدمها و في الأمور التدريجية المتجددة شيئا فشيئا و في مثل وجوب الناقص بعد تعذر بعض الأجزاء فيما لا يكون الموضوع فيه باقيا إلا بالمسامحة العرفية([7]).

ومن جهة أخرى يرد على ما ذكره في البحوث أخيرا، أنه لا يتقوم المانع عن جريان الاستصحاب بتبدل العنوان، بل يكفي تبدل الفرد عرفا، كما في مثال فردين متصلين من الخطابة، وهذا الاستثناء الأخير يعني عدم اعطاء ضابط عام لصدق بقاء الفرد في الامر التدريجي، نعم فهم منه امكان بقاءه بأحد المناشئ الاربعة.

وأما ما ذكره بعض السادة الاعلام فنقول: في مثال فردين من الخطابة، وحدة العنوان ثابتة، مضافا الى وحدة الداعي اذا كان له داع واحد عرفا الى المجموع، بل قد يكون الاتصال بين آخر جزءٍ من الخطابة الاولى واول جزء من الخطابة الثانية حقيقيا، ولكن مع ذلك لا يصدق بقاء الفرد السابق من الخطابة وانما هو فرد جديد.

وأما مثال السفر فان اريد منه الابتعاد عن البلد فهو امر قارّ ولا ينثلم وحدته الا بالرجوع الى البلد، وان اريد منه طي المسافة فلا يصدق مع التوقف في الطريق، وهل ترى أنه لو ركب السيارة من النجف بقصد زيارة الحسين (عليه السلام) في كربلاء من داخل السيارة من دون أن تتوقف السيارة ثم بدا له أن يذهب من كربلا الى بغداد، فيصدق أنه سفر واحد، ولكن لو مكث في كربلا يسيرا فهنا يلحظ العرف أنه هل كان داعيه من النجف الذهاب الى بغداد ام عرض له ذلك في كربلا؟، والانصاف أنه بعيد.

والظاهر أن السفر بمعنى الابتعاد عن البلد ولذا نقول فيمن كان كثير السفر لو اقام في بلده مثلا عشرة ايام فحيث انه عند المشهور يقصر في سفره الاول مطلقا او في خصوص المكاري فذهابه وايابه يكون من السفر الاول، خلافا لما عن بضهم من كونه مسيرة ثمانية فراسخ الاولى او ما ذكره شيخنا الاستاذ “قده” من أنه لو كان له مقصد وغرض في اثناء الطريق فينتهي السفر الاول حين الوصول اليه.

عدم تيسر اعطاء ضابط دقيق لصدق الوحدة العرفية في الامور التدريجية

وكيف كان فقد اتضح عدم تيسر اعطاء ضابط دقيق لصدق الوحدة العرفية في الامور التدريجية، ولكن المهم في الجواب عن الاشكال الاول على استصحاب الامور التدريجية، وهو دعوى تغاير المتيقن والمشكوك ما ذكر من كفاية الوحدة العرفية.

وأما الاشكال الثاني وهو معارضة استصحاب بقاء الامر التدريجي كالتكلم والمشي وجريان الماء وسيلان الدم مع استصحاب عدم ايجاده في الآن اللاحق، فجوابه أنه بعد وحدة الامر التدريجي حدوثا وبقاء، فلا يكون الشك الا في بقاء الفرد السابق، فلا معنى لاستصحاب عدم التكلم الزائد مثلا، فان ايجاد هذا الفرد من التكلم معلوم الحدوث، وانما يشك في بقاءه، ولا يقاس المقام بمعارضة استصحاب عدم الجعل الزائد للحكم مع استصحاب بقاء المجعول، كما في الشك في بقاء نجاسة الماء بعد زوال تغيره بنفسه، فان جعل نجاسة الماء بعد زوال تغيره في عرض جعل نجاسة الماء حين تغيره، وليس في طوله وبقاءً له، بخلاف ايجاد التكلم في الآن الثاني امتداد واستمرار لايجاد هذا التكلم في الآن الاول.

وقد يقال في ما اذا تخلل العدم بين اجزاء الامر التدريجي، كحركة عقربة الساعة، بأنه كما يمكن للعرف لحاظ حركتها كأمر تدريجي واحد فيستصحب بقاءها، كذلك يمكن له لحاظ السكون المتخلل فيستصحب هذا السكون، وكلا النظرين عرفييان، وبذلك تتم المعارضة بينهما.

ولكن يرد عليه أنه بعد أن كانت هذه الحركة بالنظر العرفي موجودا واحدا مستمرا، فقد اشرب فيه هذه السكونات بحيث لا تتنافى عرفا مع استمرار الحركة العرفية، فلا معنى لاتصاف عقربة الساعة بعدم الحركة العرفية حين ذلك السكون الدقي، وفرض اتصافها بعدم الحركة عرفا في ذاك الآن مساوق لتعدد الحركة، فيرجع الى الاشكال الاول وهو تغاير المتيقن والمشكوك.

الشك في كون الواجب المقيد بوقت خاص على نحو وحدة المطلوب او تعدد المطلوب

ثم انه ذكر صاحب الكفاية أنه اذا شك في كون الامر بالصلاة في النهار مثلا على نحو وحدة المطلوب بحيث يكون القضاء بامر جديد، او على نحو تعدد المطلوب، بحيث ينحل الى امر بطبيعي الصلاة وامر بالصلاة في النهار، فيكون القضاء بالامر الاول فيجري استصحاب بقاء كلي الوجوب بعد خروج الوقت([8]).

ووافقه السيد الخوئي “قده” في ذلك فقال: بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية لا مانع من جريان هذا الاستصحاب، و الوجه في ذلك أن تعلق طبيعي الوجوب بالجامع بين المطلق و المقيد معلوم على الفرض، و التردد إنما هو في أن الطلب متعلق بالمطلق و إيقاعه في الزمان الخاصّ مطلوب آخر ليكون الطلب باقياً بعد مضيه، أو أنه متعلق بالمقيد بالزمان الخاصّ ليكون مرتفعاً بمضيه؟، و عليه فيجري فيه الاستصحاب، و يكون من القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي، و من ثمرات جريان هذا الاستصحاب تبعية القضاء للأداء، و عدم الاحتياج إلى أمر جديد، و ليكن هذا نقضاً على المشهور، حيث إنهم قائلون بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلية([9]).

وفيه أن استصحاب بقاء الوجوب بعد خروج الوقت من قبيل استصحاب القسم الثالث من الكلي، حيث يعلم بارتفاع الفرد المتيقن حدوثه، وهو وجوب الفعل في الوقت، ويشك في حدوث فرد آخر من الوجوب، وهو وجوب طبيعي الفعل او وجوب اتيان الفعل خارج الوقت، والصحيح عدم جريانه.

نعم لو شك في كون الواجب مقيدا بوقت خاص او مطلقا، فبعد خروج ذلك الوقت يمكن استصحاب بقاء الوجوب بناء على جريانه في الشبهات الحكمية.

ان قلت: ان استصحاب بقاء الوجوب بعد خروج الوقت لايثبت كون متعلقه طبيعي الفعل الا بنحو الاصل المثبت وما لم يثبت ذلك فلايصلح لتنجيز الاتيان بالفعل خارج الوقت لعدم جريان استصحاب الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لايقبله، فتجري البرائة عن وجوب طبيعي الفعل بلامعارض، فالمقام نظير ما لو علمنا اجمالا بعد اكرام زيد بانه إما كان يجب اكرامه او يجب اكرام عمرو، فان استصحاب بقاء وجوب احدهما اجمالا يكون جامعا بين ما يقبل التنجيز وهو وجوب اكرام عمرو وما لايقبله وهو وجوب اكرام زيد، حيث انه خرج عن محل الابتلاء باكرامه قبل زمان العلم الاجمالي.

قلت: يمكن الجواب عنه بأن نقول: ان العرف يرى معروض الوجوب ذات الصلاة، فيقول ان الصلاة كانت واجبة في النهار، ونشك بعد مضي النهار في وجوبها، وان كان متعلق الجعل هو الصلاة في النهار، فان المدار في متعلق الوجوب كموضوع الاحكام على معروض الحكم بالنظر العرفي، دون مقام الجعل، كما مر توضيحه في بحث الاستصحاب في الشبهات الحكمية.

 



[1] – كفاية الاصول ص 408

[2] – فوائد الاصول ج 4ص 439بتوضيح منا.

[3] – نهاية الافكار ج4ق1ص 151

[4] – مصباح الاصول ج3ص 128

[5] – مباحث الأصول ج‏5 ص 372

[6] – مصباح الاصول ج 3ص128

[7] – فرائد الاصول ج‏2 ص611

[8] – كفاية الاصول ص 408

[9] – مصباح الاصول ج3ص 134