فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

بسمه تعالی

 

رؤوس المطالب:

موضوع علم الاصول. 1

موضوع العلم. 1

وجه لزوم وحدة موضوع العلم. 1

مناقشات في هذا الوجه. 4

ان تمايز العلوم بتمايز الاغراض و لايلزم وحدة موضوع العلم. 12

 

 

 

موضوع علم الاصول

جرت عادة علماء الاصول على ان يتعرضوا -بمناسبة الكلام حول موضوع علم الاصول- للبحث اولا عن لزوم وحدة موضوع العلم، والبحث ثانيا عن معنى العرض الذاتي والغريب، حيث يقال بان موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، ولأجل ذلك نقدم هذين البحثين على البحث عن تشخيص موضوع علم الاصول.

موضوع العلم

ذكر المشهور انه يلزم ان يكون لكل علم موضوع واحد تكون نسبته الى موضوعات مسائل ذلك العلم نسبة الكلي الى فرده، مثل الكلمة العربية التي هي موضوع علم النحو ونسبتها الى موضوعات مسائله كالمبتدأ والخبر والفاعل والمفعول ونحو ذلك نسبة الكلي الى فرده.

وجه لزوم وحدة موضوع العلم

وقد استدل على لزوم وحدة موضوع العلم بوجهين:

الأول: ان تمايز العلوم بتمايز موضوعاتها فلابد ان يكون لكل علم موضوع واحد والا لتداخلت العلوم فيما بينها.

واورد عليه صاحب الكفاية “قده” بان تمايز العلوم بتمايز الاغراض المترتبة عليها دون تمايز موضوعاتها، والا لزم ان يكون كل باب بل كل مسألة علما مستقلا، لتمايز موضوعه عن موضوع سائر المسائل وهو واضح الفساد.

وأجاب السيد الصدر”قده” عن هذا الإيراد بانه بناء على ما يقولون من ان موضوع العلم هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، ويقولون أيضا ان ما يعرض الشيء اذا كان عارضا ذاتيا لما هو اعم منه كان موضوع العلم هو ذاك الاعم، فاذاً يمكن ان يقال –حسب وجهة نظرهم- ان موضوع كل علم هو ذاك الجامع الذي تعرضه العوارض الذاتية المبحوث عنها في ذلك العلم من دون ان تعرض على ما هو اعم من ذلك الجامع، فموضوعات المسائل في كل علم تندرج تحت جامع ذاتي اعلى يكون منطبقا عليها، ولأجل ذلك لايمكن اعتبار كل من تلك المسائل علما على حدة.

نعم يرد على هذا الدليل انه اشبه بالمصادرة، حيث ان الإذعان بكون تمايز العلوم بتمايز موضوعاتها فرع الاذعان بلزوم وجود موضوع واحد لكل علم يتميز عن موضوع العلوم الأخر([1]).

ويلاحظ على هذا الجواب ان ما ذكره المشهور -من ان موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية مع الالتزام بان المحمول الثابت بموضوع بواسطة اعم ليس عرضا ذاتيا له كقولنا الانسان ماشٍ، حيث ان ثبوت المشي للانسان يكون بواسطة كونه حيوانا- لايمنع من انحلال علم واحد الى علوم متعددة نظير علم الطب الذي كان في السابق علما واحدا يكون الموضوع فيه جامع البدن، وبعد ما تطور علم الطب فالتجأوا الى تقسيمه الى علوم مختلفة كطب العين الذي يكون الموضوع فيه هو العين وطب القلب الذي يكون الموضوع فيه هو القلب، وطب الاسنان الذي يكون الموضوع فيه الاسنان، وهكذا…، فانه بعد اختيار موضوع اخص لعلم الطب وهو العين مثلا فيلزم البحث عن خصوص العوارض الذاتية للعين دون غيرها، فالبحث عما يعرض العين بواسطة اعم يكون بناء على هذا المسلك خارجا عن مسائل علم طب العين، بينما أنه في السابق كان موضوع علم الطب هو البدن وكان يبحث فيه عن عوارضه الذاتية من غير فرق بين ان تكون عوارض العين او غيرها من سائر أعضاء البدن، وعليه فلايمكن تحديد الجامع الذي يكون موضوع العلم الا بملاحظة غرض التدوين، فما ذكره صاحب الكفاية “قده” من ان تمايز العلوم بتمايز الاغراض المترتبة عليها تام جدّا.

ولايخفى انه ليس المقصود من غرض التدوين هو الغرض الشخصي للمدونين والذي قد يختلف من شخص الى آخر كاكتساب المال ونحوه، بل المراد منه الغرض الذاتي المترتب على العلم، ولكن حيث ان هناك غرضا اعم وهو صحة البدن مثلا في علم الطب، وغرضا اخص وهو صحة العين مثلا في علم طب العين فتحديد الغرض المترتب على العلم سعة وضيقا يكون بنظر المدونين.

الثاني: ما يقال من ان وحدة كل علم بوحدة الغرض المترتب عليه، فالغرض من علم النحو هو الصيانة من الخطأ في المقال، والغرض من علم المنطق هو الصيانة من الخطأ في الفكر، وحينئذ فقد يدعى بان وحدة الغرض المترتب على مسائل كل علم تكشف لامحالة عن جامع ذاتي بين تلك المسائل، ويكون هذا الغرض الواحد صادرا من ذلك الجامع، فانه لو فرض عدم جامع ذاتي بين تلك المسائل فيعني ذلك صدور الواحد عن الكثير، وهذا غير ممكن لما ثبت في الفلسفة من ان الواحد لايصدر الا من الواحد.

مناقشات في هذا الوجه

وقد نوقش في هذا الوجه بعدة مناقشات:

1- انكار ترتب ذلك الغرض على مسائل العلم، والا لزم ان لايقع في الخارج خطأ في المقال مثلابمجرد ثبوت علم النحو، وانما يترتب غرض الصيانة عن الخطأ في المقال على العلم بمسائل علم النحو، بل على رعاية تلك المسائل وعليه فلاتكون مسائل العلم هي المؤثرة في حصول ذلك الغرض كي يطبق عليها قاعدة ان الواحد لايصدر الا عن الواحد.

وأجاب المحقق العراقي”قده” عن ذلك بانه يمكن تفسير الغرض بنحو يترتب على نفس مسائل العلم بان يراد من الغرض سد باب الخطأ في المقال مثلا من ناحية عدم مسائل علم النحو، اي يكون الغرض هو تمكن الشخص من صيانة المقال عن الخطأ فيكون مسائل النحو علة لهذا التمكن، -وان كان فعلية الصيانة موقوفة على معرفة مسائل علم النحو- وحينئذ يطبق عليها القاعدة.

هذا وذكر انه يمكن ان يقال ان الكلام قبل وجوده يمكن انقسامه الى الكلام المطابق لقواعد النحو والكلام غير المطابق لها، وهذا الانقسام معلول لثبوت قواعد النحو، ولكنه لايجدي في شمول قاعدة ان الواحد لايصدر الا عن الواحد، لان ثبوت قواعد النحو يوجب انقسام الكلام الى الكلام المطابق لقواعد النحو والكلام غير المطابق لها في مرتبة التقرر الماهوي للكلام قبل مرتبة وجوده، فلايكون ذلك من باب التأثير في الوجود كي تجري فيه هذه القاعدة.([2])

اقول:الاصح تقريب البيان الثاني بأن انقسام الكلام او فقل قابليته لاتصافه بكونه مطابقا لقواعد النحو وغيرمطابق له، عبارة عن ملاحظة النسبة بين الكلام وبين قواعد النحو من حيث مطابقته لها وعدمها، فليست نسبة الكلام الى قواعد النحو نسبة الأثر الى المؤثر ابدا.

هذاوقد ذكر السيد الخوئي “قده” ان غرض الصيانة عن الخطأ في المقام مترتب على العلم بمسائل النحو دون نفس تلك المسائل فلابد من فرض جامع ذاتي بين العلم بمسائل علم النحو([3]).

ولكن يلاحظ عليه ان الجامع الذاتي بين الصور الذهنية لمسائل علم النحو يلازم وجود جامع ذاتي بين نفس تلك المسائل.

2- ما ذكره السيد الخوئي “قده” في تعليقة اجود التقريرات من ان وحدة الغرض المترتب على مسائل العلم ان كانت وحدة شخصية بان يكون هناك غرض واحد شخصي مترتب على جميع مسائل العلم، فيكون كل مسألة مؤثرة في تحقق ذلك الغرض على وزان جزء العلة، وهذا مما لامحذور فيه ابدا.

وان كانت وحدته نوعية بان يترتب على كل مسألة غرض مستقل لكن تجتمع الاغراض المترتبة على مسائل العلم تحت جامع ذاتي يكون جنسا او فصلا لهاكما هو الصحيح، فلاتنطبق قاعدة الواحد لايصدر الا عن الواحد عليه، حيث ان الواحد النوعي يمكن ان يصدر من علل متباينة، كالحرارة التي تصدر من الشمس والحركة والغضب.

وان كانت وحدته عنوانية بان لايكون جامع ذاتي بينها، بل مجرد جامع انتزاعي، فمن الواضح امكان صدورها عن علل متباينة لعدم جامع ذاتي بينها فكيف بعللها([4]).

هذا وقد حكي عنه في المحاضرات أنه سلم بانطباق القاعدة على الواحد النوعي فذكر ان الواحد النوعي يكشف عن علة واحدة بالنوع، الا انه ادعى ان الغرض المترتب على العلم ليس من هذا القبيل، بل وحدته وحدة عنوانية فحسب([5]).

ولايخفى انه لو فرضنا ان الغرض واحد شخصي مترتب على مجموع مسائل العلم فيلزم فرض تركب هذا الغرض، حتى يكون كل مسألة مؤثرة في جهة منه، فانه لو كان الغرض بسيطا لزم من تركب علته التامة من عدة اجزاء ان يكون البسيط مسانخا مع اجزاء متباينة الذات، ولو فرضنا كون الغرض واحدا نوعيا فقد اختلف الحكماء في انه هل يلزم صدور الواحد النوعي عن الواحد النوعي ام لا، فذكر في الاسفار عدم لزومه، وقد مثل له بالحرارة التي قد تصدر من الحركة واخرى من الشمس وثالثة من الغضب ولاجامع ذاتي بينها لكونها من مقولات متباينة([6])، وتبعه في ذلك السيد الطباطبائي “قده” في نهاية الحكمة.

لكن الانصاف جريان البرهان الذي أقيم على استحالة صدور الواحد الا عن الواحد في الواحد النوعي ايضا، حيث يقال ان المعلول لابد ان يكون متسانخا مع علته والا لأمكن صدور كل شيء من كل شيئ، وحيث لايمكن تسانخ الواحد مع عدة امور متباينة بما هي متباينة فلابد ان يكون صادرا عن جامع مشترك بينها، وهذا معنى قولهم الواحد لايصدر الا عن الواحد، وحينئذ فيقال: ان الجامع النوعي المشترك بين عدة امور واحدة بالنوع لو صدر من علل متباينة بما هي متباينة لزم عدم التسانخ بين العلة والمعلول فلابد ان يكون صادرا عن جامع مشترك نوعي بين تلك العلل، وهذا يعني ان الواحد النوعي لايصدر الا عن واحد نوعي.

واما مثال الحرارة فيمكن ان يقال بان ما عد علة لها ليس علة فاعلة وانما هو مجرد معدّ لها، والمعدّ علة فاعلة للاستعداد، و لم‌يعلم كون حالة استعداد الحرارة واحدا بالنوع في موارد اختلاف المعدات من النار والشمس والغضب.

هذا والمهم في الجواب عن هذا الوجه الثاني لوحدة موضوع العلم هو ان الغرض المترتب على مسائل العلم ليس واحدا بالنوع بل هو واحد بالعنوان، فالغرض المترتب على مسألة ان الفاعل مرفوع هو صيانة المقال عن الخطأ من حيث اعراب الفاعل، كما ان الغرض المترتب على مسألة ان المفعول منصوب هو صيانة المقال عن الخطأ من حيث اعراب المفعول، والغرض المترتب على مسالة ان الحرف مبني هو صيانة المقال عن الخطأ من حيث بناء الحرف وهكذا، ولاتجري قاعدة ان الواحد لايصدر الا عن الواحد في الواحد بالعنوان جزما لافتراض عدم جامع ذاتي في الآثار، كي يحتاج الى فرض وجود جامع ذاتي في المؤثرات.

هذا ولايخفى ان لازم تطبيق قاعدة الواحد لايصدر الا عن الواحد على الغرض المرتب على مسائل العلم هو وجود جامع ذاتي بين مسائل العلم لاخصوص موضوعاتها، فلابد من فرض جامع ذاتي بين الموضوعات والمحمولات، ولعل هذا هو مراد السيد الخوئي “قده” من انه بناء عليه يلزم وجود جامع ذاتي بين النسب في تلك المسائل([7])، فانه لايتصور جامع ذاتي بين النسب الا بارجاعه الى فرض جامع ذاتي بين الموضوعات والمحمولات.

هذا ومن جهة أخرى ان البرهان الذي اقيم على قاعدة ان الواحد لايصدر الا عن الواحد لايقتضي الا لزوم التسانخ بين العلة والمعلول ولزوم التسانخ غير لزوم الاشتراك في الجامع الذاتي، الا ترى انه قد يكون الجوهر علة فاعلة للعرض، مع عدم جامع ذاتي بينهما حسب مسلك مشهور الفلاسفة، وحينئذ فلايوجد اي دليل على لزوم جامع ذاتي بين المعلول وعلته، فضلا عن لزوم جامع ذاتي بين علل شيء واحد([8]).

وقد يقال بان مستند هذه القاعدة هو ان فاقد الشيء لايكون معطيا له، ولذا تختص هذه القاعدة بالعلة المفيضة التي يجب ان تكون واجدة لكمال معلولها، فلو فرض صدور معلول عن علتين لزم وجدانهما معا لكمال ذلك المعلول، فالعلة المفيضة تكون في الحقيقة هو الكمال المشترك بين علتين، وأما في العلة الطبيعية والمعد فلابرهان على لزوم سنخيتهما مع المعلول او المستعد، بل يحتاج اثبات ذلك الى التجربة([9]).

ويلاحظ عليه: انه لابرهان على ان فاقد الشيء لايكون معطيا له، اذ يكفي في العلة المفيضة ان يكون له سلطنة على ايجاد الشيئ، ولايحتاج ان تكون واجدة له لابحده بعد عدم كونه ترشحا منه، ولذا يصدر منه تعالى خلق الاجسام، ولاحاجة الى التكلف في توجيهه، فمستند قاعدة ان الواحد لايصدر الا عن الواحد هو لزوم السنخية بين العلة ومعلولها، والا لصدر كل شيء من كل شيئ، ويجري ذلك في كل علة فاعلة ومنها المعد بالنسبة الى حالة الاستعداد، نعم ذكرنا ان السنخية بين العلة ومعلولها لاتقتضي وجود جامع ذاتي بينهما.

ثم ان السيد الخوئي “قده” اورد نقضا على دعوى لزوم وحدة موضوع العلم بمثل علم الفقه، فذكر انه لايعقل افتراض وجود موضوع واحد جامع بين موضوعات مسائله، اما لكونها قضايا جعلية اعتبارية فلايعقل في حقها جامع حقيقي واما باعتبار ان موضوعاتها من مقولات متباينة لاتقبل الجامع الذاتي، لان بعضها من الجوهر كالماء والدم وبعضها من العرض كالقراءة التي هي كيف مسموع والقيام والركوع الذي هو من مقولة الوضع، وبعضها من الترك كترك المفطرات للصوم ولاجامع ذاتي بين المقولات العشر فكيف بين الوجود والعدم([10]).

ولكن يمكن ان يجاب عنه بما ذكره السيد البروجردي “قده” من ان المهم وحدة موضوع العلم بحسب الطبع دون موضوعه بحسب التدوين، فان الموضوع بحسب التدوين قد يختلف عما هو الموضوع بحسب الطبع، فان الموضوع بحسب الطبع هو ما يكون معلوما ويطلب معرفة حالاته او مصاديقه المجهولة، فالموضوع لعلم الفلسفة هو الموجود ويطلب فيه معرفة مصاديقه وان كان هذا الموضوع بحسب الطبع محمولا بحسب التدوين، فيقال الجوهر موجود والعرض موجود وهكذا، وكذا الموضوع لعلم الاصول هو الحجة ويطلب فيه معرفة مصاديقها المجهولة وان كان بحسب ظاهر القضية محمولا، فيقال الظاهر حجة وخبر الثقة حجة وهكذا، ولامحذور في صيرورة الموضوع بحسب الطبع محمولا بلحاظ التدوين، اذ كل من الموضوع والمحمول لمكان اختلافهما مفهوما واتحادهما خارجا يكونان من العرض المنطقي للآخر([11]).

وحينئذ فقد يقال بانه لما كان موضوع علم الفقه بحسب الطبع هو الحكم الشرعي وهو بنفسه يكون موضوعا لمسائل علم الفقه، حيث يقال ان الحكم الشرعي في الخمر هو النجاسة والحكم الشرعي في الماء هو الطهارة وهكذا، فيكون هذا هو المقصود من فرض الجامع الذاتي بين موضوعات المسائل، ولاحاجة الى فرض جامع مقولي يكون جنسا حقيقيا لتلك الموضوعات،

وعليه فلايتم ما ذكره السيد الخوئي “قده” من ان الحكم الشرعي أمر اعتباري ولاجامع مقولي بين الامور الاعتبارية.

وقد اجاب في البحوث عن ايراد السيد الخوئي “قده” بان نفس عملية اعتبار الحكم الشرعي أمر تكويني، مضافا الى ان مبادي الحكم من الحب والبغض امور نفسانية تكوينية وهي التي تشكل روح الحكم،([12]) ولايخفى ان ماذكره من ان مبادئ الحكم من الحب والبغض امور نفسانية تكوينية لو تم فانما يتم في الاحكام التكليفية دون الاحكام الوضعية.

هذا وقد ذكرفي البحوث ان المرتكز هو ان لكل علم موضوعا يوحِّد بحوثه في محور واحد، بنحو يتميز عن علوم أخرى وهذه الوحدة ثابتة ارتكازا ووجدانا لكل علم في مرتبة اسبق من مرتبة تدوينه، والمراد من موضوع العلم الذي ندعي كونه واحداليس هو الموضوع بحسب التدوين بل هوالموضوع بحسب الطبع، الذي قد يكون محمولا بحسب التدوين او يكون بحسب الظاهرغرض التدوين، فصحة البدن التي تعد غرض تدوين علم الطب هي الموضوع لعلم الطب واقعا ويبحث فيه عن حالاتها من نشوءها او اختلالها من أي سبب، كما ان موضوع علم الفقه هو الحكم الشرعي ويدور علم الفقه حوله، وكذا موضوع علم الاصول الأدلة المشتركة في الاستدلال الفقهي ويدور الكلام فيه حول دليليتها([13]).

ولكن الانصاف عدم دليل على هذه التكلفات فان غاية ما يلزم هو كون موضوعات مسائل العلم الواحد امورا متسانخة في حصول الغرض الذي دون العلم لاجله، فلابد ان تكون الموضوعات واحدة بالسنخ لابالنوع.

ان تمايز العلوم بتمايز الاغراض و لايلزم وحدة موضوع العلم

فتحصل ان تمايز العلوم بتمايز الاغراض التي دوِّن العلم لاجلها كما عليه صاحب الكفاية “قده”، ولايلزم وحدة موضوع العلم ابدا.

هذا، واما ما ذكره في المحاضرات من ان تمايز العلوم ليس بتعدد الاغراض مطلقا، فانه قد يراد تبيين ما يميز به مسائل علم لمن يراجعه فهو أمر سهل فبالامكان ان يذكر فهرست اجمالي لموضوعات المسائل، وقد يراد به بيان مناطٍ يراعيه المدوِّن للعلم في درج أية مسألة فيه، فحينئذ يكون الغرض ملاك التمايز في العلوم التي يترتب غرض على معرفتها، كعلم الاصول حيث يكون الغرض منه هو القدرة على استنباط الحكم الشرعي، واما في العلوم التي لايترتب عليها ايّ غرض عدا العلم بها، فقد يكون المائز هو وحدة الموضوع كما لو اقترح علم يبحث فيه عن احوال الكرة الارضية وقد يكون المائز هو وحدة المحمول كما لو اقترح علم يبحث فيه عما تعرضه الحركة فانه وان كان عنوان الموضوع لكن منتزع عن عروض المحمول عليه ولاجامع غيره([14]).

ففيه: لامانع من جعل الملاك لوحدة العلم هو وحدة الغرض الذي دوِّن العلم لاجله ويراد من الغرض ما هو اعم من الغرض الداخلي وهو العلم به اوالغرض الخارجي وهو الغرض المترتب على العلم.

ثم انه ذكر المحقق النائيني “قده” انه قد يورد على كون تمايز العلوم بتمايز الموضوعات ان لازمه اتحاد علم الصرف والنحو لان موضوعهما الكلمة.

فاجاب: ان موضوع علم النحو الكلمة من حيث قابلية لحوق الاعراب والبناء لآخرها؛ وموضوع علم الصرف الكلمة من حيث قابلتها لعروض الصحة والاعتلال([15]).

والظاهر ان مرجع ذلك الى تعدد الغرض المترتب على علم النحو والصرف، فان الغرض من علم النحو هو معرفة حال الكلمة من حيث اعرابها وبناءها، كما ان موضوع علم الصرف هو معرفة حال الكلمة من حيث صحة الكلمة واعتلالها.

هذا وقد اورد السيد الامام “قده” على تعبير صاحب الكفاية “قده” من ان نسبة موضوع العلم الى مسائله نسبة الكلي الى فرده، بانه قد يكون موضوعات المسائل متحدا مفهوما مع موضوع العلم كعلم العرفان حيث ان موضوعه وموضوع مسائله معا هو الله تعالى، كما ان موضوع علم الطب هو البدن وموضوعات مسائله هو اجزاء البدن، فتكون نسبة موضوع علم الطب الى موضوعات مسائله نسبة الكل الى الجزء دون نسبة الكلي الى الجزئي([16])، ولابأس بما افاده.

 

 



[1] – مباحث الاصول ج1ص49

[2] – مقالات الاصول ج1ص34

[3] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص18

[4] – اجود التقريرات ج1ص3

[5] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص22

[6] – الاسفار الاربعة ج2ص211

[7] -اجود التقريرات ج1ص3

[8] – لايخفى ان تطبيق هذه القاعدة عليه تعالى خطأ محض، فان هذه القاعدة لاتتم في الفاعل المختار الذي يكون له سلطنة على الفعل، حيث انه خارج عن قانون السنخية، فيمكن ان يصدر عنه كل شيئ يكون تحت سلطنته ان شاء ذلك، مضافا الى انه تعالى بسيط الحقيقة وبسيط الحقيقة واجد لجميع مراتب الوجود والكمال، فالمعلولات المتباينة تتسانخ كل منها مع حيثية من حيثياته، ويكون سبحانه وتعالى واجدا لكماله بحده.

[9] – تعليقة النهاية ص243

[10] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص21

[11]– نهاية الاصول ص12

[12]– بحوث في علم الاصول ج1ص41

[13] – بحوث في علم الاصول ج1ص41

[14] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص31

[15] – اجود التقريرات ج1ص8

[16] – تهذيب الاصول ج1ص2