فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

 

بسمه تعالی

 

رؤوس المطالب:

الجهة الرابعة: في دلالة كلمة الأمر على الوجوب.. 3

وجوه الفرق بين الوجوب والاستحباب.. 3

الوجه الأول: الفرق من حیث المنع من الترك و عدمه. 3

مناقشة. 4

الوجه الثاني: الفرق من حیث الترخيص في الترك و عدمه. 4

مناقشة. 5

الوجه الثالث: الفرق من حیث رضا المولى بالترك و عدمه. 5

مناقشة. 5

الوجه الرابع: الفرق من حیث الصدور. 5

مناقشة. 6

الوجه الخامس: الفرق من حیث الترخيص في الترك عقلا.. 6

مناقشة. 6

الوجه السادس: الفرق من حیث مضمون الخطاب.. 6

مناقشة. 7

الوجه السابع: الفرق من حیث الشدة و الضعف7

مناقشة. 7

الوجه الثامن: الفرق من حیث اطلاق الطلب و عدمه. 8

مناقشة. 8

الوجه المختار. 9

الأقوال الأربعة في اقتضاء مادة الأمر للوجوب.. 9

القول الاول: دلالة مادة الأمر على الوجوب بالوضع. 10

وجه الاول: عدم صدق الأمر في موارد الندب يكون لأجل أنه لايصدر خطاب الندب عن المولى بما هو مولى.. 10

مناقشه. 10

وجه الثانی: التبادر. 11

مناقشة. 11

وجه الثالث: لزوم تخصيص آیات العقاب فی فرض وضع الامر للعموم. 12

مناقشة. 12

وجه الرابع: التمسک بروایة التی امر بالسّواک لاثبات وضع الامر للوجوب.. 14

مناقشة. 14

الوجه الخامس: التمسک بقضية بريرة لاثبات وضع الامر للوجوب.. 15

مناقشة. 15

الوجه السادس: صحة الاحتجاج على العبد بمجرد مخالفة أمر المولى.. 16

مناقشة. 16

فاتضح عدم تمامية القول الاول. 16

القول الثاني: دلالة مادة الأمر على الوجوب بالاطلاق.. 17

وجه الاول: الإرادة الضعيفة مقيدة والإرادة الشديدة مطلقة. 17

مناقشة. 18

الوجه الثانی: مقتضى اطلاق خطاب الأمر حمله على الطلب المقيد بالأمر العدمي وهو عدم الرضا بالترك (الاستحباب) لا بأمر وجودي.. 18

مناقشة. 19

الوجه الثالث: وجود البعث الكاشف عن الارادة الفعلية في جميع الحالات.. 20

مناقشة. 20

الوجه الصحیح: الظهور الانصرافي ناش عن اطلاق خطاب الأمر و عدم احتفافه بما يدل على الترخيص في الترك20

الوجوب لیس مستفادا من الاطلاق ومقدمات الحكمة. 21

القول الثالث: كون مادة الأمر حجة عقلائية على الوجوب.. 22

مناقشة. 22

القول الرابع: كون الوجوب بحكم العقل.. 22

کلام المحقق النائيني قده: 22

کلام السيد الخوئي قده 23

الإيراد الاول: ان موضوع حكم العقل بلزوم الطاعة هو كون طلب المولى ناشئا عن ملاك ملزم. 24

الايراد الثاني: انه يترتب على هذا المبنى نتائج لايلتزم بها في الفقه عادة 24

المناقشة فی الإيراد الاول. 25

المناقشة فی الإيراد الثانی.. 26

عدم تمامية القول الرابع. 29

لاوجه للمنع عن ثبوت حقيقة الوجوب وراء حكم العقل.. 29

المختار: ظهور الأمر في الوجوب بالظهور الانصرافي دون الظهور الوضعي.. 31

الثمرات الفقهية للأقوال الأربعة. 32

الثمرة الأولى: بناء على القول الرابع ، الدليل الدال على الترخيص يكون مقدّما على خطاب الأمر. 32

الثمرة الثانية: بناء على القول الرابع فلايثبت لوازم الملاك اللزومي.. 33

الثمرة الثالثة: في فرض ورود أوامر عديدة فی خطاب واحد وعلم من الخارج استحباب بعضها 34

الثمرة السادسة: فی فرض وجود الامرین و ورد الترخيص في احدهما اجمالا و لم یعلم تفصیلا.. 41

الثمرة السابعة: 42

الثمرة الثامنة: ما لو قامت قرينة على عدم كون المولى في مقام البيان في خطاب الأمر. 43

الثمرة التاسعة: لو ورد خطاب الأمر بمقيد وعلم من الخارج بعدم وجوب قيده 43

الثمرة العاشرة: في فرض تعارض الظهور الوضعي لمادة الأمر و بين ظهور وضعي آخر. 45

 

 

 

الجهة الرابعة: في دلالة كلمة الأمر على الوجوب

الجهة الرابعة: وقع الكلام في ان كلمة الأمر هل تدل على الوجوب بالوضع او بمقدمات الحكمة او انه يكون حجة عقلائية على الوجوب -من دون ان يستند ذلك الى ظاهر الخطاب، فالوجوب وان كان مجعولا شرعيا لكن ليس ظاهر الخطاب كاشفا عنه وانما يكون خطاب الأمر حجة عقلائية عليه- او ان الوجوب ليس مجعولا شرعيا وانما هو حكم العقل فيما اذا صدر البعث من المولى ولم‌يصل ترخيص منه في الترك.

هذا وينبغي أولا تبيين الفرق بين الوجوب والاستحباب، وما قيل او يمكن ان يقال في ذلك عدة وجوه:

وجوه الفرق بين الوجوب والاستحباب

الفرق بين الوجوب والاستحباب

الوجه الأول: الفرق من حیث المنع من الترك و عدمه

الوجه الأول: الوجوب هو طلب الفعل مع المنع من الترك والاستحباب هو طلب الفعل مع عدم المنع من الترك، ونحوه ما يقال من ان الوجوب هو طلب الفعل مع الكراهة النفسانية للترك والاستحباب هو طلب الفعل مع الرضا النفساني بالترك.

مناقشة

وفيه ان المنع من الترك قد يكون على حد المنع الثابت في المكروهات، فاقترانه بطلب الفعل لايوجب كون الطلب وجوبيا، فان المستحب أيضا قد يجتمع فيه طلب الفعل مع هذا النحو من المنع من الترك.

واما ما حكي عن السيد البروجردي قده من انه اورد على هذا الوجه بان معنى كلمة المنع ليس الا طلب الترك، فاذا اضيف الى لفظ الترك صار حاصل معناه طلب ترك الترك وهو عبارة أخرى عن طلب الفعل، فلايعتبر فصلا مقسّما للجنس الذي هو طلب الفعل ايضا([1])، فيرد عليه ان المنع ليس هو طلب الترك وانما هو الزجر، فالمنع من الترك يعنى الزجر من الترك وهو غير طلب الفعل.

الوجه الثاني: الفرق من حیث الترخيص في الترك و عدمه

الوجه الثاني: الوجوب هو طلب الفعل مع عدم الترخيص في الترك، والاستحباب هو طلب الفعل مع الترخيص في الترك وهذا ما اختاره السيد البروجردي قده حيث ذكر ان الفرق بين الوجوب والاستحباب يكون بالشدة والضعف لكن لابلحاظ ذات الطلب، بل بلحاظ المقارنات، فاذا اقترن طلب الفعل بالترخيص في الترك فينتزع عنه الاستحباب وان لم‌يقترن بذلك فينتزع عنه الوجوب ويكون موضوعا لحكم العقلاء باستحقاق العقاب على المخالفة([2]).

ونحوه ما ذكره المحقق الحائري قده من ان الوجوب هو ارادة المولى لفعل العبد مع عدم اذنه في الترك والندب هو ارادة المولى له مع اذنه في الترك([3]).

مناقشة

وفيه انه لو علم بعدم تأذي المولى من ترك ما تعلق به طلبه فلايحكم العقل بلزوم امتثاله وان فرض عدم صدور الترخيص في الترك من المولى، فان الترخيص في الترك ليس الا كاشفا عن رضا المولى به وعدم تأذيه من ذلك.

الوجه الثالث: الفرق من حیث رضا المولى بالترك و عدمه

الوجه الثالث: الوجوب هو طلب الفعل مع عدم رضا المولى بالترك والاستحباب هو طلب الفعل مع رضا المولى بالترك.

مناقشة

وفيه ان لازم هذا الوجه كون نسبة الوجوب الى الاستحباب ثبوتا نسبة الاقل الى الاكثر مع انه خلاف الوجدان، فان عدم الرضا بالترك مجرد معرّف لمرتبة من ارادة المولى، وهي كون الارادة حتمية ولزومية، وهي الارادة التي تسدّ ابواب عدم الفعل على المكلف تشريعا ولذا قد يختلف حال المولى حين إبراز الطلب الوجوبي عن حاله حين إبراز الطلب الندبي من حيث كيفية تكلمه ونحو ذلك، ولامعنى لأن يكون ذلك ناشئا عن أمر عدمي وهو عدم الرضا بالترك.

الوجه الرابع: الفرق من حیث الصدور

الوجه الرابع: ما ذكره المحقق الايرواني قده من انه تارة يصدر الطلب من المولى بما هو مولى فيحكم العقل حينئذ بالوجوب، وقد يصدر الطلب منه لابما هو مولى بل بما هو ناصح خبير فيحكم العقل بالندب، فالوجوب هو حكم العقل عند تعلق الارادة المولوية بشيء([4]).

مناقشة

وفيه انه لاوجه للمنع من انقسام الارادة المولوية الى الارادة المولوية الوجوبية والاستحبابية فان الأمر بالمستحباب كصلاة الليل صادر عن المولى بما هو مولى لابما هو ناصح خبير فقط.

الوجه الخامس: الفرق من حیث الترخيص في الترك عقلا

الوجه الخامس: ما ذكره السيد الخوئي قده من ان الوجوب هو حكم العقل فيما اذا اعتبر المولى فعلا في ذمة المكلف ولم‌يرد ترخيص في الترك، فاذا ورد ترخيص منه في الترك فيحكم العقل حينئذ بالاستحباب([5]).

مناقشة

وفيه ان الوجدان شاهد على انقسام الأمر ثبوتا -مع قطع النظر عن حكم العقل بوجوب امتثاله وعدمه- الى أمر وجوبي ناش عن تعلق غرض المولى بالفعل بنحو لايرضى بتركه والى أمر ندبي ناش عن غرض المولى بنحو يرضى بترك الفعل، وسيأتي تفصيل الكلام فيه ان شاء الله‌تعالى.

الوجه السادس: الفرق من حیث مضمون الخطاب

الوجه السادس: ما حكي عن بعض السادة الاعلام دام ظله من ان الوجوب هو استبطان خطاب الأمر للوعيد بالعقاب على الترك، والندب هو استبطان خطاب الأمر للوعد بالثواب على الفعل([6]).

مناقشة

وفيه انه مع الغمض عن الاشكال في مبنى استبطان خطاب الأمر للجزاء ان الوجدان اصدق شاهد على اختلاف تعلق الارادة بفعل الآخرين من حيث كونها شديدة بنحو لايرضى بالترك او ضعيفة يرضى بالترك مع قطع النظر عن مسألة الوعيد بالعقاب او الوعد بالثواب الذي يختص بأمر المولى.

الوجه السابع: الفرق من حیث الشدة و الضعف

الوجه السابع: كون الوجوب والندب امرين اعتباريين ويكون الاختلاف بينهما بالشدة والضعف كالخطّ الطويل والقصير مثلا.

مناقشة

وفيه انه وان لم‌يكن مانع من اختلاف الوجوب والندب في كيفية الاعتبار بان يعتبر مثلا لابدية الفعل تارة ورجحانه أخرى، ولكن لايوجد دليل في موارد استعمال خطاب الأمر على كون الاختلاف بين موارد الوجوب والندب بلحاظ الاختلاف في كيفية الانشاء والاعتبار، على انه يوجد مائز بين الوجوب والندب بلحاظ مبدءهما وهو غرض المولى وارادته في الرتبة السابقة على الاعتبار.

وأما ما حكي عن السيد البروجردي قده من انه اورد على هذا الوجه بان الأمر الاعتباري ليس قابلا للشدة والضعف([7])، ففيه ان الاعتبار وان لم‌يكن قابلا للشدة والضعف الا انه يمكن اعتبار الأمر الشديد او الأمر الضعيف، كما في اختلاف مراتب التعظيم الذي هو من الأمور الاعتبارية، وكذا اختلاف مراتب الطهارة والقذارة فقد ورد في الحديث “واي وضوء انقى من الغسل” و”الناصب لنا اهل البيت انجس من الكلب” وعليه فيصح تعلق الاعتبار بالبعث الشديد او البعث الضعيف، كما ان البعث التكويني ينقسم الى البعث الشديد والبعث الضعيف.

الوجه الثامن: الفرق من حیث اطلاق الطلب و عدمه

الوجه الثامن: ما ذكره شيخنا الاستاذ قده من ان اطلاق الطلب من العالي يكون وجوبا واقتران الطلب من العالي بالترخيص في الترك يكون استحبابا([8]).

مناقشة

ويلاحظ عليه ان المراد من الوجوب ليس هو حكم العقل بلزوم الامتثال، بل مرتبة من الطلب، ولذا يجتمع مع جهل المكلف، فالطلب الصادر من غير العالي ايضا ينقسم الى طلب وجوبي وطلب ندبي.

الوجه التاسع: ما هو الصحيح من ان الوجوب هو البعث الناشئ عن الارادة الشديدة اي الارادة الحتمية التي يسدّ المولى باب العدم على الفعل تشريعا ويعبّر عنها بعدم رضا المولى بالترك، والاستحباب هو البعث الناشئ عن الارادة الضعيفة وهي الارادة التي لاتكون حتمية.

وأما ما اورد عليه السيد البروجردي قده على ما حكي عنه بان الارادة من العلل الداعية على البعث، والمعلول بتمام ذاته متأخر عن العلة ولايمكن ان يكون صدور المعلول عن علته من مقوّمات المعلول وأجزاءه([9])، ففيه ان المدعى كون الوجوب حصة خاصة من البعث وهو البعث الناشئ عن الإرادة الحتمية، ولايتوجه اليه هذا الاشكال، نعم لو كان المدعى انه باستعمال مادة الأمر او صيغته ينشئ -اي يوجد- البعث والارادة الحتمية معا كان مستحيلا، لان المفروض سبق الارادة الحتمية على انشاء البعث وايجاده فلايمكن ان يوجد باستعمال خطاب الأمر البعث ونشوءه عن الارادة الحتمية.

وما ذكره السيد البروجردي قده على ما حكي عنه ايضا من انه لايمكن ان يكون الفرق بين الوجوب والندب بلحاظ علة البعث، بان ينتزع الوجوب عن البعث الإنشائي المعلول عن الإرادة الشديدة، وينتزع الاستحباب عن البعث الإنشائي المعلول للإرادة الضعيفة، لان العلتين المختلفتين لايعقل ان يكون ما صدر منهما متماثلين من جميع الجهات ويكون المائر بين المعلولين منحصرا في كون احدهما منتسبا الى العلة الكذائية والآخر منتسبا الى العلة الأخرى([10]) ففيه انه ليست النسبة بين الارادة الحتمية وبين البعث نسبة العلة المفيضة الى معلولها كي يقال بانه لايعقل ان يكون ما يصدر من العلتين المختلفتين متماثلين من جميع الجهات ويكون المائز بينهما منحصرا في انتساب احدهما الى علة وانتساب الآخر الى علة أخرى، بل العلة المفيضة لخطاب الأمر هو المولى على اي حال.

الوجه المختار

فالصحيح هو تمامية هذا الوجه الأخير، نعم يمكن للمولى ان يميّز بين الوجوب والاستحباب في كيفية الإنشاء والاعتبار أيضا بان ينشئ لابدية الفعل تارة ورجحانه أخرى، ولكن لايظهر من خطاب الأمر هذا النوع من الاختلاف.

الأقوال الأربعة في اقتضاء مادة الأمر للوجوب

وكيف كان فيقع الكلام في الأقوال الأربعة في اقتضاء مادة الأمر للوجوب.

القول الاول: دلالة مادة الأمر على الوجوب بالوضع

اما القول الأول وهو دلالة مادة الأمر على الوجوب بالوضع، فقد اختاره جماعة -منهم صاحب الكفاية قده- واستدل له بعدة وجوه:

وجه الاول: عدم صدق الأمر في موارد الندب يكون لأجل أنه لايصدر خطاب الندب عن المولى بما هو مولى

1-     ما ذكره المحقق الايرواني قده من انه حيث يعتبر في صدق الأمر صدور الطلب من المولى بما هو مولى لابما هو ناصح خبير، فعدم صدق الأمر في موارد الندب يكون لأجل أنه لايصدر خطاب الندب عن المولى بما هو مولى وانما يصدر عنه بما هو ناصح خبير، والا فلو تحققت الإرادة المولوية وجب على العبد إنفاذها، وليس للإرادة مرتبة ضعيفة وشديدة كي يجب انفاذ شديدها دون ضعيفها، نعم للحب مراتب ضعيفة وشديدة، لكن اذا بلغ مرتبة الإرادة كان جميعها في هذه المرتبة شرعا سواء([11]).

مناقشه

ويلاحظ عليه: انه لايوجد أي مانع عقلا ولاعرفا من تعلق البعث المولوي بشيء مع ترخيصه في تركه، كما لو قال الشارع عليكم بصلاة الليل ثم رخص في تركها، ولاوجه لإنكار شدة الطلب وضعفه.

وقد ذكر بعض السادة الأعلام دام ظله على ما حكي عنه ان ما ذكره المحقق الايرواني قده مبني على كون الأمر الصادر من المولى في الخطابات الشرعية متضمنا لربط شخصيته بالعمل بحيث لوتخلف المكلف عن العمل كان هتكا لحرمة المولى، ولكن بناء على ما تقدم من كون ظاهر خطاب الأمر الصادر من الشارع هو كونه متضمنا لربط العمل بالجزاء دون ربط الشخصية، فحينئذ فكما يمكن ان يكون الجزاء هو الوعيد بالعقاب على الترك كذلك يمكن ان يكون الوعد بالثواب على العمل، والوعد بالثواب متحقق في الأمر الندبي([12]).

ولكن مرّ ان الظاهر عرفا خلوّ خطاب الأمر والنهي عن أيّ من ربط الشخصية او استبطان الجزاء.

وجه الثانی: التبادر

2-     ما استدل به صاحب الكفاية من التبادر.

مناقشة

ويلاحظ عليه: انه يمكن ان يكون التبادر ناشئا عن الظهور الاطلاقي، فلايكشف عن استناده الى حاقّ اللفظ، فلو قال الشارع أقيموا صلاة الليل فلايبعد أنه يصدق ان الشارع أمر بذلك وان علم بالترخيص في الترك، والشاهد على ذلك عدم صحة سلب الأمر عن الطلب المولوي الندبي عرفا، فاننا لانحسّ بوجداننا العرفي ايّ تجوز في استعمال كلمة الأمر في المستحبات، مثل ما ورد في معتبرة ابن سنان من ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الناس بنتف الإبط وحلق العانة والغسل والتجرد في إزار ورداء([13])، وكذا قوله: فانطلقي وأرضعيه حولين كاملين كما امرك الله به([14])، وكذا ما ورد من انه لما نزلت الآية (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) سأل جبرئيل عليه‌السلام فقال: لا أدري حتى أسأل ثم رجع فقال: يا محمد إن ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك([15]) وكذا ما ورد في الدعاء من قوله: إنك أمرت بالدعاء وضمنت الإجابة وإنك لا تخلف الميعاد([16]) وقوله: يا محسن قد أتاك المسئ وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسئ، وأنت المحسن([17]).

ويؤيد ما ذكرناه ان كلمة النهي تصدق على النهي الكراهتي حقيقة، والظاهر انه لايوجد اختلاف بين كلمة الأمر وكلمة النهي في هذه الجهات.

نعم لولم ‌يتضمن خطاب المولى أي طلب وبعث نحو الفعل فلايصدق عليه الأمر حقيقة كما لو قال اني احب كذا، او انه حسنٌ، وما شابه ذلك، وقد سبق انه لايعلم كون الأمر مرادفا لكلمة “فرمان ودستور” حتى يقال بانها لاتصدق على الأمر الندبي حقيقة.

وجه الثالث: لزوم تخصيص آیات العقاب فی فرض وضع الامر للعموم

3-     ما قد يستدل بما ورد في ان من خالف أمره تعالى وأمر رسوله يكون مستحقا للعقاب كقوله تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم([18])، فلو كان الأمر شاملا للطلب الاستحبابي لزم تخصيص عموم هذه الآيات والروايات، والالتزام بالتخصيص مناف لأصالة العموم.

مناقشة

ويلاحظ عليه اولا: ان الاستدلال بذلك مبني على جريان اصالة عدم التخصيص لإثبات التخصص، كما لو ورد في خطاب انه يجب اكرام كل عالم ثم علم بعدم وجوب اكرام زيد وشكّ في انه هل هو عالم حتى يكون خروجه عن العموم على نحو التخصيص او انه جاهل فيكون خروجه على نحو التخصص، فمبنى الشيخ الأعظم قده هو جريان اصالة عدم التخصيص لإثبات أنه جاهل فيترتب عليه أحكامه، ولكن ناقش فيه جماعة منهم صاحب الكفاية بعدم إحراز قيام السيرة العقلائية على اجراء عدم التخصيص في مثله مما يعلم بالإرادة الجدية وانه لايجب اكرام زيد، ولكنه يشك في كيفية الإرادة وأنها هل من باب التخصيص او التخصص، وفي المقام أيضا يعلم بخروج الطلب الاستحبابي عن العموم الدال على ان من خالف الأمر يكون مستحقا للعقاب ولكن لاندري هل خروجه عنه من باب التخصص وانه ليس بأمر حقيقة او من باب التخصيص وانه أمر لايستحق العقاب على مخالفته، والصحيح عدم جريان اصالة عدم التخصيص في مثله لإثبات التخصص.

وثانيا: انه لوفرض جريان اصالة عدم التخصيص لإثبات التخصص فانما يختص ذلك بما اذا دار أمر ذلك الفرد بين خروجه عن عموم العام بمخصص منفصل او بالتخصص، كما في مثال وجوب اكرام كل عالم حيث عُلم من الخارج بخروج زيد عن هذا العموم، فانه يقال حينئذ ان قوله يجب اكرام كل عالم يكون ظاهرا –بنحو قضية عكس الحمل- في ان من لم‌يجب اكرامه فليس بعالم، وحيث ان زيدا لايجب اكرامه فيستكشف من ذلك عدم كونه عالما، ومن الواضح ان هذا الظهور لاينعقد فيما اذا دار أمر الفرد بين خروجه عن عموم العام بمخصص متصل او بالتخصص، والمقام من هذا القبيل، لانه توجد قرينة لبية متصلة في الخطاب الدالّ على ان المخالف للأمر يستحق العقاب في انه لايشمل الطلب الندبي حيث لايحتمل فيه العقاب، وحينئذ فلايكون في خروج الطلب الندبي عن الحكم المذكور أيّ خلاف للظهور ومؤونة زائدة سواء كان خروجه من باب التخصيص او التخصص، حيث ان ظهور هذا الخطاب لم‌ينعقد بالنسبة الى عقاب من يخالف الطلب الندبي ولو كان يصدق عليه الأمر حقيقة، ولعله لأجل ذلك لم‌يستدل بذلك صاحب الكفاية وانما ذكره كتأييد.

وأما ما ذكره بعض الاعلام قده من انه بعد ما رخّص الشارع في ترك المستحب فلايصدق عليه عنوان مخالفة الأمر، وان صدق عليه الأمر في حدّ ذاته([19]) ففيه انه لولا ظهور الأمر في الوجوب لم‌يكن وجه للمنع عن صدق مخالفة الأمر على تركه، الا ترى انه يصدق على ترك المستحب مخالفة الطلب والبعث ونحو ذلك.

وجه الرابع: التمسک بروایة التی امر بالسّواک لاثبات وضع الامر للوجوب

4-     ما قد يستدل بمثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: لولا ان اشق على امتي لأمرتهم بالسواك([20])، فانه لاريب في استحباب السواك فيكون المراد من عدم الأمر به هو عدم إيجابه.

مناقشة

وفيه اولا: ان التعبير الوارد في الفقيه وان كان هو ذلك، ولكن المنقول في فقه الرضا عليه‌السلام: “لأوجبت([21])” وفي دعائم الاسلام: “لفرضت([22])” وسند رواية الفقيه مرسل لااعتبار به، وان كان من المرسلات الجزمية للصدوق، الا ان يراد الاستدلال باستعمال الراوي بعد الوثوق بكونه عارفا باللغة.

وثانيا: ان دلالة الحديث على ان المراد من الأمر فيه هو الإيجاب وان كانت مما لم‌تنكر، لكن لم‌يعلم استناد ذلك الى المدلول الوضعي، بل ولاالى مدلوله الاطلاقي، فلعلها لأجل احتفافه بالقرينة الدالة على ذلك وهو قوله:”لولا ان أشقّ”، حيث انه لامشقة في الأمر الاستحبابي.

الوجه الخامس: التمسک بقضية بريرة لاثبات وضع الامر للوجوب

5-     ما ورد في قضية بريرة ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال لبريرة: تصالحي زوجك وارجعي إليه، فقالت له: أتأمرني يا رسول الله، فقال: لا وإنما أنا شافع([23]) وتقريب الاستدلال انه لولم‌يكن الأمر حقيقة في الوجوب لم‌يرتكز في ذهن بريرة انه لو كان النبي يأمرها بذلك لكان يجب عليها القبول.

مناقشة

وفيه اولا: ان من المحتمل كون بريرة مستعدة لامتثال أمر النبي ولو كان ندبيا، فقالت للنبي أن هذا أمر منك حتى امتثله او مجرد شفاعة.

وثانيا: إنه لو فرض دلالة هذه الرواية على ظهور الأمر في الوجوب لكنها لاتدلّ على كون منشأ دلالتها الوضع، فلعلّ منشأها مقدمات الحكمة.

وثالثا: ان هذا المضمون لم‌يرد من طرقنا وانما هو مذكور في مثل سنن ابي داود، والوارد من طرقنا: عن سماعة قال: ذكر أن بريرة مولاة عائشة كان لها زوج عبد، فلما أعتقت قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله: اختاري إن شئت أقمت مع زوجك وإن شئت لا([24])، الا ان يراد الاستدلال بالاستعمال في الرواية، لأنها حتى اذا لم‌تصدر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلااقل من صدورها من شخص عارف باللغة، فالمهم ما مرّ من الجوابين السابقين.

الوجه السادس: صحة الاحتجاج على العبد بمجرد مخالفة أمر المولى

6-     ما ذكره في الكفاية من صحة الاحتجاج على العبد بمجرد مخالفة أمر المولى كما في قوله تعالى ما منعك الاّ تسجد اذ امرتك([25]).

مناقشة

وفيه ان صحة الاحتجاج على العبد بمجرد مخالفته لأمر مولاه لاتكشف عن ظهور الأمر في الوجوب فضلا عن كونه ظهورا وضعيا، اذ تجتمع مع كون الأمر حجة عقلائية على الوجوب او كون الوجوب بحكم العقل.

واما استشهاده باحتجاجه تعالى في قوله “ما منعك الاّ تسجد اذ امرتك” ففيه انه لايكشف الا عن صحة الاحتجاج بخطاب الأمر المتوجه منه تعالى الى الملائكة بما فيهم ابليس بالسجود لآدم، ولعل خطاب الأمر المتوجه اليهم الذي كان بصيغة الأمردون مادته -حيث ورد في عدة من الآيات انه قال لهم: “اسجدوا لآدم([26])“- كان محفوفا بقرينة تدل على كونه امرا وجوبيا، فلاتدل الآية على الظهور الاطلاقي لخطاب الأمر في الوجوب فضلا عن الظهور الوضعي.

فاتضح عدم تمامية القول الاول

فاتضح عدم تمامية القول الاول وهو القول بوضع مادة الأمر على الوجوب.

وقد استدل المحقق العراقي قده على عدم تمامية هذا القول بصحة تقسيم الأمر الى الوجوب والاستحباب، ولكن الجواب عنه انه توجد قرينة على ارادة الاعم في المقسم، وصحة الاستعمال في معنى لاتستلزم كونه على نحو الحقيقة نظير قولهم الماء إما مطلق او مضاف مع ان الماء لايصدق على المضاف الا مجازا.

القول الثاني: دلالة مادة الأمر على الوجوب بالاطلاق

واما القول الثاني وهو دلالة مادة الأمر على الوجوب بالاطلاق ومقدمات الحكمة فقد اختاره جماعة آخرون منهم المحقق العراقي قده، حيث ذهبوا الى دلالة مادة الأمر على الوجوب بالاطلاق ومقدمات الحكمة، مع ان معناها بحسب الوضع هو مطلق البعث سواء كان وجوبيا او ندبيا.

وقد ذكرت عدة وجوه لتقريب انعقاد الدلالة الاطلاقية لمادة الأمر على الوجوب:

وجه الاول: الإرادة الضعيفة مقيدة والإرادة الشديدة مطلقة

1- ما ذكره المحقق العراقي قده من ان مادة الأمر –وكذا صيغة الأمر- تدل على إرادة المولى لفعل العبد وحيث ان الإرادة المتعلقة بالواجبات تكون شديدة بينما ان الإرادة المتعلقة بالمستحبات تكون ضعيفة، ومن جهة أخرى ان الإرادة الشديدة ليست مركبة من الإرادة وغير الإرادة بل كلها إرادة، بخلاف الإرادة الضعيفة فانها مركبة من الإرادة وعدم هذه المرتبة الشديدة، فلو كانت الإرادة الضعيفة مقصودة من خطاب الأمر فلابد من وجود دالّ آخر غير خطاب الأمر ليدلّ على حدّها العدمي، حيث ان خطاب الأمر لايدل الا على ذات الإرادة، فعليه ان لم‌يوجد دالّ آخر على عدم كون الإرادة شديدة فينعقد الظهور الاطلاقي لخطاب الأمر في الإرادة الشديدة اي الوجوب([27]).

ولايخفى ان هذا الوجه يبتني على تسلّم تعلق إرادة المولى بفعل العبد، وقد أنكره جماعة منهم السيد الخوئي قده، بدعوى ان الإرادة لاتتعلق الا بالفعل الاختياري، حيث ان الإرادة بمعنى صرف القدرة في ايجاد الفعل، وليس فعل الغير تحت اختيار المولى بما هو مشرِّع، نعم يمكن تعلق شوق المولى بفعل العبد لكنه لاصلة بينه وبين الحكم الشرعي أبدا([28])، ولكن ذكرنا في محله ان ارادة المولى بفعل العبد ليست بمعنى صرف القدرة في إيجاد الفعل ولا بمعنى تعلق شوقه به، حيث أنه قد يطلب المولى شيئا لايشتاق اليه أبدا نظير طلبه دفع الأفسد بالفاسد، وانما إرادة المولى تكون بمعنى تعلق غرضه بفعل العبد او فقل تعلق طلبه النفساني به، وهذا ما نحسّه بوجداننا حينما نأمر أحدا بشيء.

مناقشة

فالمهم في الإيراد على هذا الوجه انه لو تمّ ما ذكر من كون الإرادة الضعيفة مقيدة والإرادة الشديدة مطلقة فانما يتمّ بالنظر الدقي العقلي دون النظر العرفي، فانه بالنظر العرفي تكون الإرادة الشديدة ايضا ارادة مع خصوصية زائدة وهي التي يعبر عنها بعدم رضا المولى بالترك، كما ان الارادة الضعيفة ارادة مع خصوصية زائدة وهي رضا المولى بالترك، والمدار في جريان مقدمات الحكمة لنفي القيد الزائد هو النظر العرفي دون العقلي، والشاهد على ذلك انه لو أخبر احد بوجود الضوء في الغرفة فهل يكون مقتضى اطلاق كلامه وجود الضوء الشديد؟.

الوجه الثانی: مقتضى اطلاق خطاب الأمر حمله على الطلب المقيد بالأمر العدمي وهو عدم الرضا بالترك (الاستحباب) لا بأمر وجودي

2- ما قد يقال من ان الوجوب هو الطلب غير المقرون بالرضا في الترك والاستحباب هو الطلب المقرون بالرضا بالترك، فالوجوب مقيد بامر عدمي والاستحباب مقيد بامر وجودي، وكل ما كان الكلام دالاّ على معنى وتردّد أمر ذاك المعنى بين تقيده بأمر عدمي او تقيده بأمر وجودي، فحيث ان العرف يرى ان الثاني بحاجة الى البيان الزائد، فاذا سكت المولى عنه فمقتضى اصالة الاطلاق حمله على الأول، وعليه فيكون مقتضى اطلاق خطاب الأمر حمله على الطلب المقيد بالأمر العدمي وهو عدم الرضا بالترك.

مناقشة

وفيه اولا: ان ما مرّ من ان عدم الرضا بالترك يشير الى مرتبة من الإرادة وهي الإرادة التي تسدّ أبواب عدم الفعل على المكلف تشريعا، فيكون الوجوب متقوما بامر وجودي وهو وجود هذه المرتبة من الإرادة.

وثانيا: ان ما ادعي من انه كلما تردد أمر المعنى بين تقيده بقيد عدمي او قيد وجودي فمقتضى الاطلاق هو تقيده بالقيد العدمي ممنوع جدّا، ولذا ترى انه لو دار الأمر بين تقييد خطاب الأمر باكرام زيد بعدم اقتران اكرامه باكرام عمرو او تقييده باقترانه به فالعرف لايقدم الاول بموجب كونه تقييدا بامر عدمي، نعم لو كان المراد أنه كلما دار أمر المعنى بين عدم اقترانه بلحاظ شيء زائد وبين اقترانه به فيرى العرف كون الثاني بحاجة الى بيان زائد دون الأول فيحمل الاطلاق عليه، لم‌يتوجه اليه هذا النقض، ولكن هذه الكبرى أيضا غير واضحة وان كان يظهر من المحقق الحائري قده الالتزام بها([29])، فانه مادام الوجوب ينتزع عن خصوصية زائدة على طلب الفعل فيكون اثباته بحاجة الى مؤونة زائدة.

وبذلك اتضح الاشكال فيما ذكره شيخنا الاستاذ قده من ان الفرق بين الوجوب والاستحباب في اطلاق الطلب، فانه لايكون في مورد الوجوب الترخيص في الترك بخلاف مورد الاستحباب حيث ان الطلب فيه يكون مقيدا بثبوت الترخيص في الترك([30])، فانه ان اراد ان حقيقة الوجوب هو طلب الفعل مع عدم الترخيص في الترك فقد مرّ الاشكال في ذلك سابقا([31])، وان اراد انه يكفي لإثبات الوجوب عدم اقتران الطلب بالترخيص في الترك فيرد عليه انه كيف يمكن إحراز عدم الترخيص في الترك واقعا بمجرد سكوت المولى عنه، الا ان يرجع ذلك الى دعوى الظهور الانصرافي لخطاب الأمر في الطلب الذي لايقترن بالترخيص في الترك واقعا، كما سيأتي بيانه في الوجه الرابع.

الوجه الثالث: وجود البعث الكاشف عن الارادة الفعلية في جميع الحالات

3- ما ذكره بعض الاعلام قده من ان مقتضى اطلاق خطاب الأمر وجود البعث الكاشف عن الارادة الفعلية في جميع الحالات، ومنها حالة مزاحمته لمستحب او مكروه آخر، ومقتضى ذلك هو الوجوب([32]).

مناقشة

وكان ينبغي ان يذكر اطلاق خطاب الأمر لفرض مزاحمته مع واجب آخر لايعلم بأهميته، وكيف كان فالانصاف انه لويتم ظهور خطاب الأمر في الوجوب لم‌يكن وجه لتقديمه على خطاب مستحب آخر.

الوجه الصحیح: الظهور الانصرافي ناش عن اطلاق خطاب الأمر و عدم احتفافه بما يدل على الترخيص في الترك

4- ما هو الصحيح من انه حيث يشتمل لفظ الأمر على إبراز الإرادة بفعل الغير فمقتضى الظهور الانصرافي خاصة فيما اذا صدر خطاب الأمر من المولى ان هذه الإرادة لاتنفك عن الفعل كما ان الإرادة التكوينية لاتنفكّ عن الفعل، فكأن عضلات العبد مما تتحرك بإرادة المولى وتكون تابعة لها، وانما الفرق بينهما في تخلل اختيار العبد وارادته فيما اذا تعلقت ارادة المولى بصدور الفعل عنه باختياره، ولذا تسمّى بالإرادة التشريعية، ويجري نظير هذا البيان بلحاظ دلالة خطاب الأمر على البعث والطلب، حيث يقال ان الظاهر الانصرافي من البعث الى فعل هو البعث الذي لاينفك عن الانبعاث نحو ذلك الفعل، كما ان البعث التكويني لاينفك عن الانبعاث.

وهذا الظهور الانصرافي ناش عن اطلاق خطاب الأمر وعدم احتفافه بما يدل على الترخيص في الترك، نظير انصراف لفظ زيد مثلا الى زيد المشهور في البلد دون غيره، فانه ظهور انصرافي ناش عن الاطلاق، وهذا لايختص بخطاب الأمر بل لو قال المولى لعبده مثلا “أريد ان تقوم” فالعرف يفهم من اطلاقه ان ارادته لذلك تكون بنحو لاينفكّ عنها المراد اذا كان العبد في مقام الانقياد، كما يفهم من قول المولى “اريد ان اقوم” أنه لايتخلف عنه القيام مع فرض بقاء ارادته.

فالظاهر تمامية القول بدلالة مادة الأمر على الوجوب بالاطلاق او فقل بالظهور الانصرافي.

وهذا الاطلاق يختلف عن اطلاق المتعلق في مثل خطاب الأمر بعتق رقبة، حيث انه يوجب التوسعة واللابشرطية عن الخصوصيات، بينما ان الاطلاق في المقام يوجب التضييق وانصراف خطاب الأمر الى الوجوب، نظير انصراف لفظ زيد عند اطلاقه الى الرجل المشهور في البلد، نعم ليس منشأ الانصراف في المقام كثرة الاستعمال، ولكنه ليس بمهمّ لعدم دليل على انحصار سبب الانصراف بها.

الوجوب لیس مستفادا من الاطلاق ومقدمات الحكمة

وبذلك اتضح الاشكال فيما ذكره السيد الإمام قده من ان القول بكون الوجوب مستفادا من الاطلاق ومقدمات الحكمة غير تامّ، لان مقتضى الاطلاق ومقدمات الحكمة هو إرادة الجامع لابشرط من الخصوصيات كما انه مقتضى مقدمات الحكمة في انصباب الحكم على الطبيعة مع عدم تقييدها بقيد زائد مثل قوله اعتق رقبة، فلو كان المعنى الموضوع له للأمر هو جامع الطلب فلامعنى لاقتضاء مقدمات الحكمة لإرادة حصة من الطلب وهو الطلب الوجوبي، والقول بكون الوجوب مستفادا من انصراف خطاب الأمر الى البعث الناشئ من الإرادة الحتمية فمما لاينبغي الاصغاء اليه، اذ السبب الوحيد للانصراف هو كثرة الاستعمال فيه بحيث يوجوب استيناس الذهن وهي مفقودة([33]).

القول الثالث: كون مادة الأمر حجة عقلائية على الوجوب

واما القول الثالث وهو كون مادة الأمر في خطاب المولى حجة عقلائية على الوجوب.

مناقشة

ولكن يلاحظ عليه ان الظاهر كون الحجية العقلائية ناشئة عن ظهور الخطاب في الوجوب، والشاهد على ذلك أنه لو كان خطاب الأمر محفوفا بما يوجب إجماله واحتمال احتفافه بالترخيص في الترك كما لو فرض ان الراوي تردد في احتفاف الخطاب بالترخيص في الترك او فرض اختلاف النسخ واشتمال بعضها على الترخيص في الترك فلايرى العقلاء حجيته على الوجوب بحيث يمنع عن الرجوع الى البراءة.

القول الرابع: كون الوجوب بحكم العقل

واما القول الرابع وهو كون الوجوب حكم العقل فقد اختاره المحقق النائيني والسيد الخوئي قدهما،

کلام المحقق النائيني قده:

فذكر المحقق النائيني قده ان مفاد مادة الأمر هو الطلب كما ان مفاد صيغة الأمر هو النسبة الإيقاعية بين الفعل والمخاطب، فيكون مفاد صيغة الأمر هو ايقاع الفعل على ذمته، وتكون صيغة إفعل من مصاديق الأمر ونسبتها الى الأمر نسبة المصداق الى المفهوم، فيكون لفظ الأمر في الدلالة على الوجوب كدلالة صيغة الأمر على الوجوب، والتفكيك بينهما في ذلك وان كان امرا ممكنا بالنظر البدوي بان يقال بدلالة صيغة الأمر على الوجوب دون مادة الأمر او بالعكس، الا أنه خلاف التحقيق لما ستعرف من ان دلالة صيغة الأمر على الوجوب انما هو بوجه يشبه الانصراف وان لم‌يكن انصرافا حقيقة، فلامحالة تدل مادة الأمر على الوجوب ايضا بتلك الدلالة([34]).

وقد ذكر في بحث دلالة صيغة الأمر على الوجوب ان الصيغة متى صدرت من المولى فالعقل يحكم بلزوم امتثاله لاقتضاء المولوية والعبودية، ولايصح الاعتذار عن الترك بمجرد احتمال كون المصلحة غير لزومية الا اذا كانت هناك قرينة متصلة او منفصلة على كونها غير لزومية، فالوجوب انما هو بحكم العقل ومن لوازم صدور الصيغة من المولى لامن المداليل اللفظية([35]).

کلام السيد الخوئي قده

وقد ذكر السيد الخوئي قده ان دعوى وضع مادة الأمر للطلب الوجوبي -كما هو مقتضى القول الأول- او وضعها للجامع بين الطلب الوجوبي والندبي واستفادة الطلب الوجوبي من مقدمات الحكمة -كما هو مقتضى القول الثاني- تبتني على نظرية المشهور في الإنشاء وأنه إيجاد المعنى باللفظ، وأما على ما حققناه من ان الإنشاء عبارة عن اعتبار أمر نفساني وإبرازه في الخارج بمبرز، فتكون مادة الأمر قد وضعت للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني فلاتدل على الوجوب لاوضعا ولااطلاقا، نعم ان العقل يدرك –بمقتضى قضية العبودية والرقية- لزوم الخروج عن عهدة ما أمر به المولى ما لم‌ينصب قرينة على الترخيص في تركه، فلو أمر بشيء ولم‌ينصب قرينة على جواز تركه فالعقل يحكم بوجوب إتيانه في الخارج قضاء لحق العبودية وأداء لوظيفة المولوية وتحصيلا للأمن من العقاب، ولانعني بالوجوب الا إدراك العقل لابدية الخروج عن عهدته فيما اذا لم‌يحرز من الداخل او من الخارج ما يدل على جواز تركه([36]).

وقد اورد عليه في البحوث بإيرادين:

الإيراد الاول: ان موضوع حكم العقل بلزوم الطاعة هو كون طلب المولى ناشئا عن ملاك ملزم

الإيراد الاول: ان موضوع حكم العقل بلزوم الطاعة هو كون طلب المولى ناشئا عن ملاك ملزم، والشاهد على ذلك أنه لو علم المكلف بان المولى لايتأذى بترك العبد ما طلبه المولى لأجل ضعف ملاكه فلاريب في عدم حكم العقل بوجوب امتثاله، مع انه لم‌يصدر من المولى ترخيص في الترك، والكاشف عن كون الطلب ناشئا عن ملاك ملزم ليس الا الخطاب اللفظي.

الايراد الثاني: انه يترتب على هذا المبنى نتائج لايلتزم بها في الفقه عادة

الايراد الثاني: انه يترتب على هذا المبنى نتائج لايلتزم بها في الفقه عادة:

منها: أنه لو ورد في خطابٍ الأمر بإكرام الفقيه، كقوله آمرك بإكرام الفقيه او قوله أكرم الفقيه، وورد في خطاب آخر لابأس بترك إكرام العالم، فبناء الفقهاء والارتكاز العرفي على تقييد الخطاب الثاني بغير الفقيه لكون الخطاب الاول اخص موضوعا منه، مع انه بناء على هذا القول فلاتوجد أية منافاة بين الخطابين كي يجمع بينهما، وانما المنافاة بين الخطاب الثاني وبين حكم العقل بوجوب إكرام الفقيه، ولاريب في ان حكم العقل معلق على عدم ورود الترخيص في تركه، ولاوجه لدعوى ان حكم العقل بالوجوب على وزان دلالة اللفظ عليه في ان الترخيص الذي يراد تقديمه عليه يلزم ان يكون قابلا للتقديم على الدليل اللفظي الظاهر في الوجوب.

ومنها: أنه لو شك في الترخيص في الترك بخطاب منفصل فيلزم عدم وجوب امتثال خطاب الأمر، اذ لو فرض كون حكم العقل بالوجوب معلقا على عدم الترخيص المتصل بخطاب الأمر فلازمه عدم صحة صدور الترخيص المنفصل من الشارع، حيث يكون منافيا للحكم العقلي التنجيزي؛ وأما افتراض تعليق حكم العقل بالوجوب على عدم العلم بترخيص الشارع في الترك متصلا كان او منفصلا فهو خروج عن دائرة النزاع، اذ الوجوب المبحوث عنه في المقام هو الوجوب الواقعي المشترك بين العالم والجاهل لاالوجوب الظاهري، فيتعين ان يكون حكم العقل بالوجوب معلقا على عدم ورود ترخيص متصل او منفصل، فمع الشك في صدور الترخيص المنفصل يلزم جريان البرائة، مع غمض العين عن التمسك باستصحاب عدم الترخيص المنفصل، لان الكلام في مقتضى حكم العقل من حيث هوهو، دون التمسك بالاستصحاب، مع ان البناء الفقهي والعقلائي على استفادة الوجوب من خطاب الأمر مالم يحرز الترخيص في الترك([37]).

المناقشة فی الإيراد الاول

اقول: أما الإيراد الاول فيمكن الجواب عنه بانه لامانع من الالتزام بكون موضوع حكم العقل بالوجوب هو وصول خطاب البعث من المولى مع عدم العلم برضا المولى بالترك، فان علم رضاه بالترك فلايحكم العقل بالوجوب وان لم‌ينشأ المولى الترخيص في الترك، وأما كون هذا الوجوب ثابتا في حقّ من جهل بالترخيص في الترك مع صدوره من المولى واقعا فلامحذور في الالتزام به، الا ان يكون هذا منبِّها وجدانيا على خطأ هذا القول، حيث ان من الواضح انه ينقسم بعث المولى واقعا الى بعث لزومي وهو ما يكون بنحو لايرضى بتركه وبعث غير لزومي وهو ما يكون بنحو يرضى بتركه.

المناقشة فی الإيراد الثانی

واما الإيراد الثاني فيظهر من السيد الخوئي قده في موضعٍ انه التزم بتقديم الخطاب العام الدال على الترخيص على الخطاب الخاص المشتمل على الأمر، حيث ذكر أنه حتى لو كان الظاهر من قوله تعالى “يا ايها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم والذي لم‌يبلغوا الحلم منكم([38])” هو أمر الصبي بالاستئذان، ولكن حيث ان الوجوب غير مستفاد من صيغة الأمر وانما هو مستفاد من حكم العقل بلزوم اطاعة المولى اذا لم‌يرد ترخيص، فمع ثبوت الترخيص في مورد الصبي بمقتضى حديث رفع القلم عنه فلامجال للقول بالوجوب[s1] ([39]).

ولكن الانصاف ان الالتزام بتقديم الخطاب العام الدالّ على الترخيص على خطاب الأمر خلاف المرتكز العقلائي، فان العقلاء يحتجّون بمثل خطاب “آمرك بإكرام الفقيه” او “اكرم الفقيه” ويقدّمون هذا الخطاب على خطاب الترخيص في ترك اكرام العالم لأخصيته منه موضوعا.

وما ذكره بعض الاعلام دام ظله من ان حكم العقل بالوجوب منوط بعدم وصول الترخيص الذي يكون في إطار القرينة، فلابد في ارتفاع حكم العقل بالوجوب من ورود خطاب الترخيص الذي يكون قرينة عرفية بالنسبة الى خطاب الأمر لامطلقا، ولهذا لايرى العرف تنافيا بين حكم العقل بوجوب اكرام الفقيه في المثال وبين الترخيص في ترك اكرام العالم مطلقا([40]) فلم يظهر له وجه، لانه لو كان الوجوب بحكم العقل الفطري المحض فكل ما كان كاشفا عن ترخيص المولى يكون واردا عليه، ولايكون بينهما اي تناف ولو بدوا فلايحتاج الى جمع عرفي حتى تصل النوبة الى ملاحظة القرينية العرفية، ودعوى ان رافع حكم العقل بالوجوب هو وصول كاشف خاص عن ترخيص المولى لاتخلو عن تحكم واضح، وبذلك يتم الإيراد الثاني على المحقق النائيني والسيد الخوئي قدهما.

نعم لو كان التعبير بدل حكم العقل بالوجوب بحكم العقلاء بالوجوب امكن ان يقال ان حكمهم بوجوب الانبعاث عن البعث يكون معلقا على عدم ورود ترخيص خاص في الترك، فلايكفي ورود ترخيص عام، وما يوجب العدول عن التعبير بحكم العقل الى التعبير بحكم العقلاء هو انه لايوجد حكم من العقل الفطري بلزوم طاعة الموالى العرفية مع ارتكازية لزوم الانبعاث عن بعث المولى العرفي في السيرة العقلائية، فالظاهر ان مستند القائلين بهذا القول هو هذا الارتكاز العقلائي، لاحكم العقل الفطري المختص بالمولى الحقيقي، وبناء العقلاء على لزوم الانبعاث عن البعث الصادر من المولى مع عدم وصول ترخيص في الترك واضح.

ثم انه قد ذكر بعض الأعلام دام ظله في تعليقته على البحوث بانه بناء على القول الرابع اي كون الوجوب بحكم العقل يمكن في اكثر الفروض إحراز الترخيص في الترك بمثل حديث الرفع وحديث الحلّ -بناء على الاكتفاء بالترخيص الظاهري في رفع حكم العقل بالوجوب- او باستصحاب الترخيص الثابت في اول الشرع –بناء على الاكتفاء بمطلق الترخيص لاخصوص ما يكون بعنوان الترخيص في مخالفة الأمر- وهذا مما لايلتزم به في الفقه عادة.

ولكن يلاحظ عليه: ان ما يراد إجراء اصل البراءة بلحاظه ان كان هو الأمر فالمفروض انه معلوم فلايشمله مثل قوله رفع مالايعلمون، وان كان هو الترخيص فلامعنى لجريان البرائة عنه، وان كان هو حكم العقل بالوجوب فمضافا الى عدم معنى لرفعه شرعا لايشك فيه للعلم بتحقق موضوعه وهو خطاب الأمر وعدم العلم بالترخيص في الترك، نعم لو تم الإيراد الأول الذي حكي عن السيد الصدر قده بان يكون موضوع حكم العقل بالوجوب هو الغرض اللزومي او فقل الطلب الذي يتأذى المولى بتركه فيمكن ان يقال بجريان البرائة عن الغرض اللزومي وتأذي المولى من الترك، فيكون ترخيصا في الترك وواردا على حكم العقل بالوجوب الظاهري في فرض عدم العلم بالترخيص في الترك، ولكنه لايكون حينئذ ايرادا آخر على مسلك السيد الخوئي قده زائدا على الإيراد الأول.

وأما استصحاب الترخيص الثابت في اول الشرع فجريانه موقوف على احراز ان حكم جميع الأشياء في اول الشريعة كان هو الإباحة، ولادليل عليه ابدا، فان مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله “قولوا لااله الاالله تفلحوا([41])” لايكون ظاهرا في ان الواجب في اول الشريعة كان هو قبول الاسلام فحسب وكان الناس مرخصي العنان في كل شيء، كما ان السكوت في اول الشريعة عن الردع عن البناءات العقلائية لم‌يكن كاشفا عن امضاء الشارع لها لاحتمال عدم تمكن الشارع عرفا من الردع، على ان هذا الوجه لايتم في غير ما ثبت فيه السيرة العقلائية.

وبناء على ذلك فيمكن اجراء استصحاب عدم الترخيص، وبضمه الى إحراز توجه خطاب الأمر يتأكد حكم العقل بالوجوب، وان كان لايحتاج الى هذا الاستصحاب بعد افتراض ان موضوع حكم العقل بالوجوب –بناء على مسلك السيدالخوئي قده كما صرح به نفسه- هو توجه خطاب الأمر وعدم احراز الترخيص في الترك.

عدم تمامية القول الرابع

هذا والمهم شهادة الوجدان العقلي والعقلائي على عدم تمامية القول الرابع، ولذا ترى انه لو ثبت البعث بدليل لبيّ وتردد بين كونه بعثا مجردا عن الترخيص في الترك او بعثا مقرونا به فلايوجد اي حكم عقلي وعقلائي بلزوم امتثاله بنحو يمنع من الرجوع الى البراءة، وكذا لو شككنا في اقتران خطاب البعث بالترخيص في الترك مثل موارد اختلاف نسخة الحديث، وما قد يقال من اختصاص حكم العقل بالوجوب بما اذا لم‌يقترن خطاب الأمر بما يصلح للقرينية على الترخيص، كما حكي في المحاضرات عن السيد الخوئي قده بالنسبة الى خطاب الأمر عقيب الحظر([42])، وكذا لم‌يحتمل اقتران خطاب الأمر بالقرينة المتصلة على الترخيص، فلايخلو من تأييد لما ذكرناه من أن الوجوب ليس من حكم العقل الفطري، فغايته انه يكون حكم العقلاء.

لاوجه للمنع عن ثبوت حقيقة الوجوب وراء حكم العقل

هذا مضافا الى ما مرّ من انه لاوجه للمنع عن ثبوت حقيقة الوجوب وراء حكم العقل، فانه قد يكون بعث المولى نحو الفعل بنحو لايرضى بالترك وقد يكون بنحو يرضى بالترك، فيكون الوجوب مرتبة واقعية من الحكم الشرعي.

هذا وأما ما ذكره السيد الخوئي قده حول كون مفاد مادة الأمر او صيغته من انه ابراز اعتبار الفعل على ذمة المكلف فيرد عليه ان حقيقة الحكم التكليفي تتقوم بالباعثية والمحركية، ولو كانت صياغة الحكم بحسب مفاد الخطاب هو اعتبار الفعل على ذمة المكلف كما في قوله تعالى “لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا([43])“، ومجرد اعتبار الفعل على الذمة لايخرج عن كونه حكما وضعيا كالحكم بكون الشخص مدينا، فان مجرد اشتغال ثبوت الفعل واشتغال ذمة المدين بمال او بعمل لايكون مستلزما لوجوب أداءه، ولذا قد يثبت الدَيْن في حق الصبي والمجنون او الجهة المعنوية كالدولة مع عدم صلاحيتهم للتكليف، هذا ولو فرض تمامية ما ذكره قده في حقيقة الحكم فلايعني ذلك ان يكون المدلول العرفي لمادة الأمر او صيغته هو إبراز اعتبار الفعل على الذمة، ولذا يوجه هذا الخطاب الى الصبيان والمجانين ومستضعفي العقول، ولايتناسب ذلك مع اعتبار الفعل في ذمة المكلف، بل الظاهر منه هو البعث.

هذا ومن جهة أخرى ان ما ادعاه من ابتناء الاختلاف في كون مدلول مادة الأمر او صيغته هو الطلب كما عليه المشهور او ابراز اعتبار الفعل على الذمة كما هو مختاره قده على الاختلاف في حقيقة الإنشاء لايخلو من غرابة، اذ يمكن ان نختار ان حقيقة الانشاء هو ما ذكره السيد الخوئي قده من انه ابراز الأمر النفساني ومع ذلك نلتزم بان مفاد مادة الأمر او صيغته هو ابراز اعتبار البعث نحو الفعل، فان للبعث مصداقا تكوينيا نظير بعث الكلب المعلم الى الصيد ومصداقا اعتباريا وهو بعث المكلف نحو الفعل كما هو مختار شيخنا الاستاذ قده، فلايكون مدلول خطاب الأمر حينئذ هو اعتبار الفعل على الذمة، او نلتزم بان مفاد خطاب الأمر هو ابراز الطلب النفساني نظير ما ذكره قده في جملة التمني كقولنا ليت زيدا قائم من انه وضع لإبراز التمني النفساني؛ كما يمكن ان نختار في حقيقة الإنشاء مسلك المشهور وهو إيجاد المعنى باللفظ ونلتزم بان خطاب الأمر يوجد فردا من الأمر ولكن لايكون مفاد الأمر هو الطلب بل يكون مفاده هو ثبوت فعل على ذمة المخاطب، كما اختاره المحقق النائيني قده في مدلول صيغة الأمر.

ثم انه وان كان الظاهر من كلام السيد الخوئي قده ان الوجوب لايمكن ان يكون مجعولا شرعيا لامجرد عدم ظهور خطاب الأمر في ذلك، حيث ذكر ان ما اختاره من كون مدلول خطاب الأمر هو اعتبار الفعل على ذمة المكلف انما هو نتيجة مبناه في حقيقة الإنشاء، من انها إبراز الاعتبار النفساني لاإيجاد المعنى باللفظ، فيتعين ان يكون مدلول خطاب الأمر هو إبراز اعتبار الفعل على الذمة، ولكن لاوجه له فانه لامانع من ان يعتبر الشارع لابدية الفعل ولو بان يقول للمكلف لابد لك ان تفعل كذا، نظير ما اختاره قده من ان مفاد خطاب التحريم هو اعتبار حرمان المكلف من الفعل.

هذا وقد اورد شيخنا الاستاذ قده على ما ذكره السيد الخوئي قده من ان اعتبار الفعل على الذمة لايجتمع مع الترخيص في الترك فلايمكن ان يكون الثابت في الحكم الاستحبابي هو اعتبار الفعل على ذمة المكلف، ولكنه لم‌يتضح تمامية هذا الإيراد فان اعتبار الدين او اعتبار حق احد على احد لاينافي اقترانه بالترخيص في ترك الأداء، كما في الحقوق المستحبة للمؤمنين، مثل ما ورد من ان حق المؤمن على المؤمن ان يزوره وحق الولد على الوالد ان يحسّن اسمه ونحو ذلك.

المختار: ظهور الأمر في الوجوب بالظهور الانصرافي دون الظهور الوضعي

وكيف كان فقد تحصل مما ذكرناه ظهور كلمة الأمر الصادر من المولى في الوجوب، وان هذا الظهور يستند الى الظهور الانصرافي ببركة مقدمات الحكمة دون الظهور الوضعي لعدم صحة سلب الأمر عن الطلب المولوي الندبي عرفا.

الثمرات الفقهية للأقوال الأربعة

قد ذكرت او يمكن ان تذكر عدة ثمرات فقهية للأقوال الأربعة في دلالة مادة الأمر على الوجوب:

الثمرة الأولى: بناء على القول الرابع ، الدليل الدال على الترخيص يكون مقدّما على خطاب الأمر

الثمرة الأولى: ما مرّ من انه بناء على القول الرابع وهو كون الوجوب بحكم العقل فالدليل الدال على الترخيص يكون مقدما على خطاب الأمر ولو كان دليل الترخيص عاما وخطاب الأمر خاصا.

وقد يقال بانه بناء على القول الثاني وهو كون دلالة مادة الأمر على الوجوب بالاطلاق فيلزم ايضا تقديم الخطاب العام الدال على الترخيص على خطاب الأمر فيما يكون الخطاب الدال على الترخيص عاما وضعيا، فلو ورد في خطابٍ “لابأس بترك اكرام اي عالم” فلابدّ من تقديمه على قوله “آمرك بإكرام الفقيه” اذ يكون من قبيل تعارض العام والمطلق، وقد ذهب المشهور الى تقديم العام كما لو ورد في خطابٍ “لاتكرم اي فاسق” وورد في خطاب آخر “اكرم العالم”، حيث ذهبوا الى تقديم الخطاب العام في مادّة الاجتماع وهو العالم الفاسق، ولولم‌يتم هذا المسلك فلااقل من استقرار المعارضة بينهما، مع ان المرتكز الفقهي تقديم خطاب الأمر باكرام الفقيه على عموم الترخيص في ترك اكرام ايّ عالم، وقد يجعل هذا المرتكز الفقهي شاهدا على بطلان القول الثاني وتعين القول الأول، وهو كون دلالة خطاب الأمر على الوجوب بالوضع.

وحينئذ فقد يجاب عنه بان بناء العرف هو ملاحظة نسبة موضوعي الخطابين في مقام الجمع العرفي بينهما وتقديم ما هو أخص موضوعا، وان كان الحكم المخالف لعموم العام مستفادا من اطلاق محمول الخاص، مثال ذلك فقهيا انه ورد في صحيحة محمد‌بن‌قيس “اذا قتل الرجل أمّه خطأ ورثها”([44]) وورد في صحيحة أخرى له “المرأة ترث من دية زوجها ويرث من ديتها ما لم‌يقتل احدهما صاحبه”([45]) فمفاد الأول ان القاتل خطأ يرث واطلاق المحمول يقتضي ارثه من الدية، ومفاد الثانية ان القاتل لايرث من الدية، فحيث كانت العبرة بملاحظة الموضوع الرئيسي في الخطاب فموضوع الأول اخص فيؤخذ باطلاق محموله.

ولكن الظاهر عدم تمامية هذا الجواب باطلاقه، لانّا ذكرنا في بحث التعارض ان العبرة في الجمع العرفي بملاحظة مجموع ما يستفاد من الخطابين، ولكن توجد في المقام نكتة أخرى وهي انه لو كان الاطلاق مقتضيا للتضييق فيقدم عرفا على العموم، كما لو ورد اكرم كل عالم ثم ورد لاتكرم زيدا وكان زيد باطلاقه منصرفا الى زيد العالم المشهور في البلد دون زيد الجاهل فيخصص العموم به، والمقام من هذا القبيل فان اطلاق خطاب الأمر موجب لتعين الوجوب.

الثمرة الثانية: بناء على القول الرابع فلايثبت لوازم الملاك اللزومي

الثمرة الثانية: ما في البحوث ومحصله انه بناء على القول بكون الوجوب بحكم العقل فلايثبت لوازم الملاك اللزومي كما لو علمنا من الخارج تساوي الدعاء عند رؤية الهلال والدعاء في منتصف الشهر في درجة الملاك والمحبوبية وورد أمر باحدهما، فانه وان كان يحكم العقل بوجوبه لكنه لايكشف عن الملاك اللزومي في مورده فكيف بالمورد الآخر الملازم له، ومن المحتمل ان لايوجد في المورد الثاني اي بعث وطلب، بل يكون فيه مجرد المحبوبية والرجحان، فلايجب الاتيان به عقلا([46])، ولابأس بما افاده.

الثمرة الثالثة: في فرض ورود أوامر عديدة فی خطاب واحد وعلم من الخارج استحباب بعضها

الثمرة الثالثة: انه اذا ورد في خطاب واحد أوامر عديدة وعلم من الخارج استحباب بعضها، كما لو قيل آمرك بغسل الجمعة وآمرك بغسل الجنابة فذكر في البحوث انه لو بني على القول بوضع كلمة الأمر للوجوب فحيث ثبت عدم استعمال الأمر في مورد غسل الجمعة في الوجوب فلو استعمل في غسل الجنابة في الوجوب لزم اختلاف المعنى المستعمل فيه لكلمة الأمر، وهذا خلاف ظاهر وحدة السياق، فلابد من الالتزام بكونه مستعملا في الاستحباب او في جامع الطلب، كما هو مبنى الفقهاء عادة، وأما بناء على القول بكون دلالة الأمر على الوجوب بالاطلاق فإرادة المقيد في أحدهما بدالّ آخر لاتعني تغاير المعنى المستعمل فيه لكلمة الأمر، بل هي مستعملة في جامع الطلب على اي تقدير، وكذا بناء على القول بكون الوجوب بحكم العقل، فاقتران احدهما بالترخيص الرافع لحكم العقل لايضرّ بوحدة المعنى المستعمل فيه([47]).

اقول لم‌يظهر لنا كون مبنى الفقهاء عادة على انه اذا وردت اوامر عديدة في خطاب واحد وعرف من الخارج استحباب بعضها فيختلّ ظهور الباقي في الوجوب، بل ادعى المحقق العراقي قده عكس ذلك وقال انه لو ورد في رواية واحدة اوامر متعددة بعدة أشياء فقامت القرينة على ارادة الاستحباب في الجميع الاواحدا منها فتراهم يأخذون بالوجوب فيما لم‌تقم قرينة على استحبابه، بل وتراهم كذلك ايضا في أمر واحد كما في خطاب الأمر بمسح الناصية ببلّة اليمنى، حيث انهم أخذوا بالوجوب بالنسبة الى اصل المسح ببلة اليمنى وان حملوا الأمر بمسح الناصية على الاستحباب([48]).

وكيف كان فالظاهر عدم تمامية قرينية السياق باطلاقها، نعم اذا كان غالب الفقرات المذكورة في خطاب واحد مما ثبت استحبابها فلايبعد كون ذلك مما يصلح للقرينية فيوجب اجمال الفقرة التي يشك في وجوبها، الا اذا قلنا بكون الوجوب بحكم العقل فلايكون المكلف حينئذ معذورا في تركها.

الثمرة الرابعة: انه لو ورد في الخطاب “آمرك ان تغتسل للجمعة والجنابة” وعلم بعدم وجوب غسل الجمعة، فبناء على كون دلالة مادة الأمر على الوجوب بالوضع فلايمكن اثبات وجوب غسل الجنابة بهذا الخطاب، اذ يلزم من ذلك استعمال اللفظ في اكثر من معنى، وهو خلاف الظاهر، بل المشهور امتناعه.

وقد يخطر بالبال أنه بناء على ما مرّ في بحث المجاز من كون الغالب في المجاز هو المجاز الادعائي فاستحباب غسل الجمعة لايكشف عن استعمال كلمة الأمر بالنسبة اليه في الاستحباب، بل يكون المجاز في مرحلة الإرادة الجدية، وعليه فلايلزم من كون المراد الجدي في الأمر بغسل الجمعة هو الاستحباب وفي الأمر بغسل الجنابة هو الوجوب استعمال اللفظ في معنيين.

ولكن يورد عليه ان الجمع بين المجاز الادعائي والحقيقة في استعمال واحد خلاف الظاهر ايضا، فلو أخبر شخص بان جميع ما هو موجود في الحديقة اسد ثم رأينا فيها رجلا شجاعا فعلمنا بانه اُطلق عليه الأسد من باب المجاز الادعائي، وعلمنا بوجود فرد آخر ولكن لم‌نعلم انه اسد حقيقة او رجل شجاع فلايظهر من هذا الخطاب كونه اسدا حقيقيا.

هذا كله بناء على كون دلالة مادة الأمر على الوجوب بالوضع، وأما بناء على دلالتها على الوجوب بالاطلاق فمادة الأمر مستعملة في معنى واحد وهو الطلب، غايته أنه يوجد دال آخر على تقييده في خصوص غسل الجمعة بالترخيص في الترك، كما ان سكوت المتكلم عن تقييده في غسل الجنابة بالترخيص في الترك دال سكوتي على الاطلاق اي الطلب غير المقرون بالترخيص في الترك، نظير ما لو ورد “أكرم العالم” وعلمنا بان وجوب اكرام الفقيه مقيد بكونه عادلا، فانه لاوجه لرفع اليد عن اطلاق الموضوع في غير الفقيه، وكذا بناء على ان الوجوب حكم العقل ايضا، فالمستعمل فيه واحد على اي حال، ولاموجب لرفع اليد عن حكم العقل بالوجوب في مورد الأمر بغسل الجنابة بعد عدم اقترانه بالترخيص في الترك.

وقد ذكر بعض الاعلام دام ظله في تعليقة البحوث انه بناء على دلالة مادة الأمر على الوجوب بالاطلاق فمع ذلك حيث ان الظاهر من خطاب الأمر الواحد بشيئين هو وحدة الطلب الثبوتي المتعلق بهما، فيتنافى ذلك مع كون الطلب في احدهما شديدا وفي الآخر ضعيفا، فلو ثبت استحباب احد الطلبين فلايصح اثبات وجوب الآخر بهذا الخطاب، فيختلف عن مثال ما لو ورد الأمر باكرام اي عالم ثم ثبت تقيد الفقيه الذي يجب اكرامه بكونه عادلا، فانه لاينفي اطلاق العالم غير الفقيه بالنسبة الى الفاسق، حيث انه لايوجب انثلام الوحدة الثبوتية في سنخ الطلب([49]).

ولايخفى انه ليس المقصود من هذا الكلام ظهور الخطاب في انه لو كان احد الفعلين مستحبا فالفعل الآخر مستحب ايضا، بحيث لو ورد دليل آخر ظاهر في وجوب الفعل الثاني نحمله على الاستحباب، اذ يكفي في الوحدة الثبوتية ان يكون الطلب بنحو جامع بين الوجوب والاستحباب.

وكيف كان فالظاهر عدم تمامية ما ذكره، والشاهد عليه انه لو ورد في الخطاب “اغتسل للجمعة والجنابة” –وقد التزم فيه بكون دلالة صيغة الأمر على الوجوب بالاطلاق- وقام دليل على الترخيص في ترك غسل الجمعة، فلايرى العرف كون العبد معذورا في ترك غسل الجنابة بمجرد علمه بالترخيص في ترك غسل الجمعة، وليس الظاهر من خطاب الأمر الا وحدة المعنى المستعمل فيه، ولايقدح في ذلك وجود دال آخر على ثبوت الترخيص في مقام الإرادة الجدية في احد الطلبين دون الآخر.

نعم لو كان غالب الفقرات المذكورة في الخطاب الواحد مما ثبت استحبابها فيوجب ذلك اجمال الفقرة التي يشك في وجوبها، وهذا فيما كان استحباب غالب الفقرات ثابتا بالقرينة المتصلة كارتكاز المتشرعة اوضح مما لو ثبت استحبابها بدليل منفصل، كما يدعى انه من هذا القبيل قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الناس بنتف الإبط وحلق العانة والغسل والتجرد في إزار ورداء([50])، وهكذا بالنسبة الى حديث مناهي النبي.

الثمرة الخامسة: لو ورد خطاب الأمر باكرام العالم ثم علم ان اكرام العالم الفاسق ليس بواجب، فبناء على القول بوضع كلمة الأمر للوجوب لايمكن إثبات استحباب اكرامه من خطاب الأمر، فانه حيث يلزم بمقتضى اصالة الحقيقة حمل كلمة الأمر على الوجوب بلحاظ العالم العادل فيكون إرادة استحباب اكرام العالم الفاسق من استعمال اللفظ في معنيين.

وهذا بخلاف ما لو قلنا بان الوجوب بحكم العقل، فان المدلول الاستعمالي لكلمة الأمر لايكون الا جامع الطلب، وانما يحكم العقل بالوجوب فيما اذا لم‌يرد ترخيص في الترك كما في اكرام العالم العادل، وانتفاء حكم العقل بالوجوب في مورد العالم الفاسق لأجل ورود الترخيص في تركه لايقتضي رفع اليد عن ظهور خطاب الأمر في تعلق الطلب باكرام العالم مطلقا.

وأما بناء على القول بدلالة كلمة الأمر على الوجوب بالاطلاق، فيمكن ان يقال بانه حيث يكون الظهور الوضعي لكلمة الأمر في جامع الطلب الاعم من الوجوب والاستحباب، والوجوب يكون مدلولا لدالّ آخر وهو مقدمات الحكمة، فورود الدليل على الترخيص في ترك اكرام العالم الفاسق لايوجب رفع اليد عن الظهور الوضعي لخطاب الأمر في جامع الطلب بالنسبة الى العالم الفاسق ايضا، حيث ان استعمال كلمة الأمر في جامع الطلب ودلالة دليل آخر على عدم الترخيص في الترك في مورد العالم العادل وثبوت الترخيص في الترك في مورد العالم الفاسق لايوجب استعمال اللفظ في معنيين، وهذا ما اختاره شيخنا الاستاذ قده([51]).

نعم يأتي فيه دعوى مخالفة ذلك لظهور خطاب الأمر في وحدة الطلب الثبوتي فيتنافى مع كون الطلب في حصة من متعلقه شديدا وفي حصة أخرى ضعيفا.

ولكن يقرب الى الذهن احتجاج العقلاء بثبوت جامع الطلب في مثله، فلو ترتّب حكم على امتثال أمر المولى سواء كان امرا استحبابيا او وجوبيا، كما لو جعل جائزة لمن امتثل أمره او قال من امتثل امري يجوز له ان يفعل كذا فلايبعد ان يرتّب العقلاء هذا الأثر على اكرام العالم الفاسق في المثال المذكور، والمسألة بعدُ بحاجة الى مزيد تأمل.

ومن هذا القبيل ما لو توجه خطاب الأمر الى عنوان عامّ كما ورد خطاب الأمر بصدور الحج من المستطيع، ثم ورد في خطاب آخر أنه لايجب الحجّ على المستطيع غير البالغ او انه لايجب الحجّ الحرجي، فبناء على كون الوجوب بحكم العقل فالخطاب النافي للوجوب لاينافي مدلول خطاب الأمر بأي وجه بعد كون خطاب الأمر دالاّ على مجرّد الطلب، وانما يكون رافعا لحكم العقل بالوجوب، فلامانع من التمسك بخطاب الأمر لإثبات استحباب الحج الصادر من الصبي او الصادر في فرض الحرج، بل يكون مقتضى اطلاق خطاب الأمر إجزاءه عن حجة الاسلام، كما يأتي فيه ما مرّ من امكان التمسك بخطاب الأمر لإثبات جامع الطلب بناء على كون دلالة الأمر على الوجوب بالاطلاق ومقدمات الحكمة.

ولايخفى انه تترتب على هذا البحث ثمرة مهمّة في موارد حكومة قاعدة لاضرر ولاحرج او قاعدة رفع القلم عن الصبي على الخطابات الاولية، فانه ذكر جمع من الأعلام ان مفاد هذه القواعد حيث يكون رفع الإلزام –فان الحكم الإلزامي هو الذي يكون ضرريا او حرجيا عرفا دون الحكم غير الإلزامي، وكذا حديث رفع القلم عن الصبي ظاهر في اختصاصه برفع قلم الأحكام الإلزامية لظهوره في رفع الأمر الثقيل ولاثقل في الأحكام غير الإلزامية- فحينئذ يتمسك بالخطاب الأولي لإثبات اصل الطلب والمشروعية في هذه الموارد.

وبناء على ذلك فقد يقال بانه لايتم ذلك على القول الأول وهو دلالة خطاب الأمر على الوجوب بالوضع، حيث يلزم من استعماله في الوجوب في غير هذه الموارد واستعماله في الاستحباب في هذه الموارد استعمال اللفظ في معنيين، نعم لايتم هذا الاشكال بناء على كون دلالته على الوجوب بالاطلاق، كما مرّ نظيره في بيان الثمرة الخامسة، واوضح منه مسلك كون الوجوب بحكم العقل، حيث ان هذه القواعد لاتنافي مدلول خطاب الأمر باي وجه، وانما تنافي الوجوب الثابت بحكم العقل، فتكون واردة عليه.

ولكن ذكر السيد الخوئي قده ما محصله انه بناء على مسلك حكم العقل بالوجوب فليس أمر الوجوب بيد الشارع حتى يكون قابلا للرفع شرعا، وما يكون قابلا للوضع والرفع شرعا هو اعتبار الفعل على ذمة المكلف، فيكون خطاب لاضرر او لاحرج او رفع القلم عن الصبي دالا على رفعه([52]).

ويلاحظ عليه: ان مفاد هذه القواعد هو رفع حصة خاصة من اعتبار الفعل على الذمة اي الاعتبار غير المقرون بالترخيص دون الاعتبار المقرون بالترخيص بعد اعترافه قده بعدم شمول تلك القواعد للاحكام الاستحبابية عرفا، وعليه فلايقتضي الدليل النافي للضرر والحرج مثلا الا نفي المجموع من اعتبار الفعل على الذمة وعدم الترخيص في الترك، ويكفي في نفي المجموع نفي احد أجزاءه، والقدر المتيقن حينئذ هو نفي عدم الترخيص في الترك، فيثبت بذلك الترخيص في الترك، وحينئذ فيتمسك باطلاق خطاب الأمر لإثبات اصل اعتبار الفعل على الذمة؛ ولايخفى انه يمكن تطبيق الدليل النافي للضرر والحرج على نفس الوجوب وان كان الوجوب بحكم العقل، اذ يمكن للشارع رفعه برفع موضوعه ومنشأه، وان أبيت عن ذلك فيمكن تطبيقه على موضوع حكم العقل بالوجوب الذي قلنا بانه مركب من اعتبار الفعل على الذمة وعدم الترخيص في الترك.

ان قلت: ان موضوع حكم العقل بالوجوب هو اعتبار الفعل في الذمة وعدم العلم بالترخيص، لاعدم الترخيص، وكما ان أمر الوجوب وضعا ورفعا ليس بيد الشارع فكذلك أمر عدم العلم بالترخيص، فانه ليس أمر وضعه ورفعه بيد الشارع، فينحصر تطبيق الدليل النافي للحرج والضرر مثلا على نفس اعتبار الفعل في الذمة.

قلت: المستفاد من خطاب لاحرج ولاضرر هو نفي الضرر او الحرج الناشئ من موقف الشارع، ويكفي في صدق هذا الخطاب تصدي المولى للترخيص في الترك في موارد الحرج والضرر، فلو فرض عدم علم المكلف به حينئذ فيكون الضرر والحرج مستندا الى جهله، وعليه فلايستفاد من دليل لاحرج ولاضرر مثلا اكثر من ترخيص الشارع لترك الفعل الحرجي والضرري، فيمكن التمسك باطلاق الخطاب الاولي لإثبات المشروعية.

نعم يمكن ان يقال بان ظاهر رفع القلم عن الصبي كونه ناظرا الى الخطابات الأولية وحاكما عليها، فيدل على ان تلك الخطابات الأولية التي تكون في حد ذاتها الزامية مقيدة بغير الصبي، فيكون نظير ما لو ورد في خطاب “اكرم العالم” وورد في خطاب آخر “ما جعل ذلك الحكم الإلزامي في مورد العالم الفاسق”، وهذا يختلف عما لو ورد في الخطاب لايجب اكرام العالم الفاسق، وقد يقال بمثل ذلك بالنسبة الى دليل لاضرر ولاحرج.

الثمرة السادسة: فی فرض وجود الامرین و ورد الترخيص في احدهما اجمالا و لم یعلم تفصیلا

الثمرة السادسة: ما ذكر في البحوث من انه لو كان لدينا أمران وورد الترخيص في احدهما فقط وتردد بين كونه ترخيصا في ترك امتثال الأمر الاول او الثاني فبناء على كون الوجوب بحكم العقل يجب الاحتياط، اذ لاتعارض بين مدلولي الخطابين وانما العقل يحكم بالوجوب فيما لم‌يرد فيه ترخيص، والمفروض عدم ورود الترخيص الا في احدهما، فيتشكل علم اجمالي منجز، وهذا بخلاف القول بدلالة الأمر على الوجوب بالوضع او الاطلاق، فانه يؤدي الى التعارض في مدلولي الخطابين، وهذا يوجب تساقطهما على تفصيل مذكور في بحث العام المخصص بما يكون مرددا بين متباينين([53]).

اقول: الظاهر وجوب الاحتياط مطلقا، فان العلم الاجمالي بكون احد الظهورين خلاف الواقع لايمنع من حجية الظهور الآخر، كما لو علمنا اجمالا بتخصيص زيد او عمرو عن خطاب وجوب اكرام كل عالم، فانه يتمسك باصالة العموم لنفي تخصيص الفرد الآخر غير الفرد المعلوم بالإجمال، من غير فرق بين ان يكون للعلم الإجمالي عنوان ذهني ينطبق على فرد معين منهما واقعا وبين ما لولم‌يكن كذلك، كما لو علم اجمالا من برهان او اجماع بعدم وجوب اكرام احدهما، واحتمل عدم وجوب اكرام الآخر ايضا بحيث لولم‌يجب اكرام كليهما امكن انطباق المعلوم بالاجمال على أي منهما، فانه لامانع فيه ايضا من اجراء اصالة العموم في ثاني الفردين لابعينه فينفى بذلك تخصيص العام بكليهما، وقد اختار السيد الصدرقده ذلك في بحث العام والخاص([54]) والمقام من هذا القبيل، حيث يجري اصالة الظهور لنفي الترخيص في الترك في غير الفرد المعلوم بالإجمال، ولافرق في ذلك بين ان يكون الدليل على الترخيص في احدهما متصلا بخطابَي الأمر او منفصلا عنهما.

الثمرة السابعة:

الثمرة السابعة: ما ذكره بعض الاعلام قده من انه لو ورد في دليل ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بكذا فبناء على وضع الأمر للوجوب فيستفاد منه الوجوب، ولكن بناء على كون دلالته على الوجوب بالاطلاق فلايستفاد منه الوجوب، اذ من المحتمل ان يكون خطاب الأمر الصادر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله محفوفا بالقرينة على الاهمال من حيث الوجوب والاستحباب، وكذا لو ورد في دليلٍ وجوب الأمر بكذا فبناء على عدم وضع الأمر للوجوب يكفي في الامتثال الأمر الاستحبابي بذلك الفعل([55]).

وفيه ان الظاهر الانصرافي من كلمة الأمر هو الأمر الوجوبي، والمفروض عدم اتصال الخطاب الواصل الينا بما يصلح للقرينية على الخلاف.

الثمرة الثامنة: ما لو قامت قرينة على عدم كون المولى في مقام البيان في خطاب الأمر

الثمرة الثامنة: ما لو قامت قرينة على عدم كون المولى في مقام البيان في خطاب الأمر (كما اذا كان يتوهم شخص عدم تعلق الأمر بفعل فأنكر عليه المولى فقال له يوجد أمر بهذا الفعل) فذكر بعض الاعلام قده انه بناء على كون دلالة خطاب الأمر على الوجوب بالاطلاق فحيث لاتجري مقدمات الحكمة بالنسبة اليه فلايمكن اثبات الوجوب، بخلاف اما اذا قيل بدلالته على الوجوب بالوضع او كون الوجوب بحكم العقل([56])، ولابأس بما افاده.

الثمرة التاسعة: لو ورد خطاب الأمر بمقيد وعلم من الخارج بعدم وجوب قيده

الثمرة التاسعة: لو ورد خطاب الأمر بمقيد وعلم من الخارج بعدم وجوب قيده، كما لو قال المولى لعبده آمرك ان تكرم عالما عادلا وعلم من الخارج عدم وجوب كون من يكرمه عادلا، فيقع الكلام في انه هل يمكن استفادة وجوب ذات المقيد منه ام لا، فقد نقل المحقق العراقي قده عن الاصحاب انهم التزموا بالتفكيك بين المقيد وقيده كما في قوله امسح ببلة يمناك ناصيتك، حيث يدعى انهم أخذوا بظاهر الخطاب في وجوب المسح باليد اليمنى وان حملوه على الاستحباب بالنسبة الى مسح الناصية، مع انه أمر واحد([57]).

ومن هذا القبيل ما ورد في صحيحة الحلبي: من كان موسرا وحال بينه وبين الحج مرض او حصر او أمر يعذره الله فيه فان عليه ان يحج عنه من ماله صرورة لامال له([58])، حيث ادعي حمل الاصحاب الأمر باستنابة الصرورة على الاستحباب، فيقع الكلام حينئذ في امكان التمسك بهذه الصحيحة على وجوب اصل الاستنابة على الحيّ العاجز عن مباشرة الحجّ اذا حصلت له استطاعة مالية، فذكر السيد الحكيم قده ان التفكيك بين القيد والمقيد في الوجوب بعيد([59]).

ولكن الظاهر احتجاج العقلاء بخطاب الأمر بالمقيد وعدم قبول عذر من ترك ذات المقيد لأجل علمه بعدم وجوب قيده، بلافرق بين ان يكون القيد من قبيل الوصف المعتمد على الموصوف كما في مثال الأمر باكرام عالم عادل، او من قبيل الوصف غير المعتمد على الموصوف كما لو ورد “اكرم فقيها” فعلم من الخارج بعدم وجوب كون من يكرمه فقيها، ولكن احتمل وجوب اكرام عالمٍ مطلقا، فان العلم بعدم وجوب اكرام فقيه لايقتضي رفع اليد عنه مطلقا، وانما يقتضي رفع اليد عنه الى بدل وهو اكرام عالم غير فقيه، فيكون تخصيص الفقيه بالذكر إما لكون إكرامه أفضل او لكونه هو الغالب في أفراد العالم.

والظاهر ان قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي: فان عليه ان يحج عنه من ماله صرورة لامال له، ملحق بالوصف المعتمد على الموصوف، اذ نكتة الفرق بين الوصف المعتمد على الموصوف وغيره عرفا هو انه في الوصف المعتمد على الموصوف كان يمكن الاكتفاء بالموصوف من دون ذكر وصفه المفروض عدم كونه واجبا، والعرف يرى انحلال خطاب الأمر الى أمر بذات الموصوف وامر بوصفه، وثبوت الترخيص في ترك الثاني لايقتضي رفع اليد عن ظهور الأمر الاول في الوجوب، وصحيحة الحلبي من هذا القبيل، حيث كان يمكن ان يكتفي الإمام عليه‌السلام ببيان ان عليه ان يُحجَّ عنه.

الثمرة العاشرة: في فرض تعارض الظهور الوضعي لمادة الأمر و بين ظهور وضعي آخر

الثمرة العاشرة: بناء على مسلك المشهور من تقديم الظهور الوضعي على الظهور الاطلاقي في فرض التعارض فبناء على دلالة مادة الأمر على الوجوب بالوضع فلو وقع التعارض بينه وبين ظهور وضعي آخر، كما لو قال المولى له آمرك ان تشرب ماءا وعلم بانه لو كان المراد من الماء معناه الحقيقي فلايكون شربه واجبا، فيتعارض الظهور الوضعي في لفظ الماء مع الظهور الوضعي في خطاب الأمر، ولكن بناء على كون دلالة الأمر على الوجوب بالاطلاق فيكون ظهور لفظ الماء في معناه الحقيقي وضعا مقدما عليه، وهكذا لو وقع التعارض بين خطاب الأمر بلحاظ دلالته على الوجوب وبين ظهور اطلاقي آخر فانه بناء على كون دلالة لفظ الأمر على الوجوب بالوضع فيقدم على ذاك الظهور الاطلاقي، وان كان بالاطلاق فتستقر المعارضة بينهما.

 



[1] – نهاية الاصول ص100

[2] – نهاية الاصول ج1ص101

[3] – درر الفوائد ج1ص43

[4] – نهاية النهاية ج1ص90

[5] – محاضرات في اصول الفقه ج2ص14

[6] – راجع في توضيحه صفحة 19

[7] – نهاية الاصول ج1ص101

[8] – دروس في مسائل الاصول ج1ص267

[9] – نهاية الاصول ص100

[10] – نهاية الاصول ص102

[11] – نهاية النهاية ج1ص90

[12] – تقريرات بحث الأصول، مخطوط.

[13] وسائل الشيعة ج11 ص224

[14] وسائل الشيعة ج28 ص104

[15] – زبدة البيان ص439

[16] – مصباح المتهجد ص496

[17] – مصباح المتهجد ص30

[18] – سورة النور الآية 63

[19] – مباني الاحكام ج1ص141

[20] وسائل الشيعة ج2 ص17 باب3 من ابواب السواك ح4

[21] – فقه الرضا عليه‌السلام ص13

[22] – مستدرك الوسائل ج1ص364

[23] – سنن ابي داود ج1ص497، انظر القصة في اسد الغابة ج5ص409

[24] وسائل الشيعة ج21 ص163 باب52 من ابواب نكاح العبيد والإماء ح6

[25] – سورة الاعراف الآية 12

[26] – سورة البقرة الآية 34، سورة الاعراف الآية 11، سورة الأسراء الآية 61، سورة الكهف الآية 50، سورة طه الآية 116،

[27] – نهاية الافكار ج1ص162، مقالات الاصول ج1ص208

[28] – محاضرات في اصول الفقه ج2ص325

[29] -درر الفوائد ج1ص43

[30] – دروس في مسائل علم الاصول ج1ص237

[31] – راجع صفحة 23

[32] – مباني الاحكام ج1ص163

[33] – تهذيب الاصول ج1ص106

[34] – اجود التقريرات ج1ص87-88

[35] – نفس المصدر ص95

[36] – محاضرات في اصول الفقه ج2ص14

[37] بحوث في علم الاصول ج2ص19

[38] – سورة النور الآية 58

[39] – مستند العروة كتاب النكاح ج1ص86

[40] – المباحث الاصولية ج3ص32

[41] -المناقب لابن شهر آشوب ج1ص56

[42] – محاضرات في اصول الفقه ج2ص113

[43] – سورة آل عمران الآية 97

[44]– وسائل الشيعة ج 26ص33 باب 9من ابواب موانع الارث ح1

[45]– وسائل الشيعة ج 26ص32 باب 8من ابواب موانع الارث ح4

[46] بحوث في علم الاصول ج2ص24

[47] – بحوث في علم الاصول ج2ص24

[48] – نهاية الافكار ج1ص161

[49] بحوث في علم الاصول ج2ص26 (التعليقة)

[50] وسائل الشيعة ج11 ص224 باب2 من ابواب اقسام الحج ح15

[51] – دروس في مسائل علم الاصول ج1ص317

[52] – محاضرات في اصول الفقه ج4ص24

[53] بحوث في علم الاصول ج2ص26

[54]– بحوث في علم الاصول ج 3ص293- 298

[55] – مباني الاحكام ج1ص164

[56] – مباني الاحكام ج1ص164

[57] – نهاية الافكار ج1ص161

[58] – وسائل الشيعة ج11 ص63 باب24 من ابواب وجوب الحج ح2

[59] – مستمسك العروة الوثقى ج10ص193


 [s1]ذكر السيد الزنجاني: اين كلام مرحوم آقاى خوئى (ره) از چند جهت محل تأمل است:

جهت اول: اصل مبناى ايشان در باب اوامر را در محل خود نپذيرفته‌ايم و اشكالات چندى بر آن وارد كرده‌ايم كه مجال ذكر آنها در اينجا نيست. البته استعمال امر را در موارد استحباب، مجاز نمى‌دانيم، ولى استفاده وجوب را از باب اطلاق و از نوع تعدد دال و مدلول مى‌دانيم كه عقلاء امرى را كه با ترخيص همراه نباشد، كاشف از ارادۀ لزوميه مى‌دانند، پس، امر به همراه اطلاق، دال و كاشف از لزوم است، تفصيل اين بحث را به مباحث اصول وامى‌نهيم.

جهت دوم: اگر اين مبنا را هم بپذيريم، ترخيص مى‌بايد تا وقت عمل بيان شده باشد و اگر تا وقت عمل ترخيصى نباشد، عقل بنابراين مبنا حكم به لزوم امتثال مى‌كند. پس، در محل بحث مى‌بايد براى اطفال نابالغ به همراه آيۀ استيذان يا پس از آن و قبل از وقت عمل، ترخيص وارد شده باشد وگرنه عقل به لزوم استيذان حكم مى‌كند و در نتيجه با حديث رفع قلم معارض شده و بايد حديث را تخصيص زد.

(اقول: ولكن يمكن ورود حديث رفع القلم فبل نزول الآية، فلايثبت موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال)

جهت سوم: در ذيل آيۀ شريفه عبارت «ثَلٰاثُ عَوْرٰاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لٰا عَلَيْهِمْ جُنٰاحٌ بَعْدَهُنَّ» ديده مى‌شود كه مورد بحث ايشان قرار نگرفته است. معناى اين ذيل اين است كه پس از اين سه وقت، شما و آنها مسئوليت نداريد، و مفهوم آن اين است كه در اين سه وقت، هم شما و هم آنها مسئول هستيد. در اين ذيل كلمۀ جناح كه به گفته برخى معرّب گناه است، بكار رفته، دلالت اين واژه بر حرمت ورود در آن سه وقت، دلالت وضعى است و همانند امر نيست كه دلالت آن را از باب حكم عقل بدانيم. پس، مبناى مرحوم آقاى خوئى (ره) در باب اوامر براى پاسخ به اين قطعه از آيه كفايت نمى‌كند و بايد به گونۀ ديگر دربارۀ آن بحث كرد كه عرض خواهيم كرد.

ان قلت: منطوق جملۀ «ليس عليكم و لا عليهم جناح بعدهن»، عدم گناه بر شما و‌

كتاب نكاح (زنجانى)، ج‌3، ص: 789‌

ايشان پس از اين سه وقت است و از مفهوم آن ثبوت گناه هم بر شما و هم بر ايشان استفاده نمى‌شود، بلكه فقط ثبوت گناه بر شما يا ايشان از آن استفاده مى‌شود.

قلت: اينكه مراد، ثبوت فى الجملۀ گناه باشد، بسيار خلاف ظاهر است و به روشنى از اين جمله، ثبوت گناه هم بر شما و هم بر ايشان در غير اين سه وقت استفاده مى‌شود «1».

اشكال: لا جناح حكم اخلاقى را بيان مى‌كند و از آن مسألۀ فقهى فهميده نمى‌شود؟

جواب: همه آن را حكم فقهى فهميده‌اند و نمى‌توان به راحتى هر چيزى را به حكم اخلاقى حمل كرد.