فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

بسمه تعالی

فهرست مطالب:

الفرق بين الاستصحاب و قاعدة اليقين و قاعدة المقتضي و المانع، و الاستصحاب القهقرائي.. 1

موضوع قاعدة اليقين.. 1

وجهان لحجية قاعدة اليقين.. 2

موضوع قاعدة المقتضي و المانع. 3

کلام صاحب العروه 3

کلام ملا هادي الطهراني.. 3

نقوض علی قاعدة المقتضي و المانع. 4

الدفاع عن نظرية قاعدة المقتضي و المانع. 4

امثله فقهیه لقاعدة المقتضي و المانع: 5

معنی آخر فی المراد من المقتضی و المانع. 7

النسبه بین قاعدة المقتضي و المانع و الاستصحاب، هي العموم من وجه. 8

عدم ثبوت بناء العقلاء على قاعدة المقتضی والمانع بشكل عام(تطبیق علی الامثله) 8

موضوع استصحاب القهقرائي.. 11

قول محقق الخویی: عدم شمول دليل الاستصحاب له. 11

مناقشه. 11

دعوى بناء العقلاء على الاستصحاب القهقرائي غیر ثابت12

 

 

 

الفرق بين الاستصحاب و قاعدة اليقين و قاعدة المقتضي و المانع، و الاستصحاب القهقرائي

وقع الكلام في الفرق بين الاستصحاب و قاعدة اليقين و قاعدة المقتضي و المانع، بعد اشتراك الثلاثة ‏في ثبوت اليقين و الشك، فقالوا بكون موضوع الاستصحاب اليقين بشي‏ء و الشك ببقائه، بأن يكون زمان المتيقن سابقا على زمان المشكوك، و لو حدث اليقين والشك في زمان واحد، و يعبر عنه بالشك الطاري.

موضوع قاعدة اليقين

و أما قاعدة اليقين فموضوعها اليقين بشي‏ء في زمان معين ثم يشك بعد ذلك في نفس ذلك الشي‏ء بلحاظ ذلك الزمان، كما إذا تعلق اليقين بعدالة زيد في يوم الجمعة ثم زال ذلك اليقين و شك في يوم الاثنين انه كان عادلا يوم الجمعة أم لا، و يعبر عنه بالشك الساري، فيكون متعلق اليقين و الشك فيها أمرا واحدا بجميع خصوصياته، و انما الاختلاف في زمان نفس اليقين و الشك. على خلاف الاستصحاب، فان متعلق اليقين و الشك ي ختلفان زمانا و ان اتحدا ذاتا، كما ان نكتة حجية اليقين السابق في قاعدة اليقين عدم الاعتناء باحتمال الخطاء في ذلك اليقين، لغلبة اصابة اليقين للواقع و نحو ذلك، بينما أن نكتة الاستصحاب عدم الاعتناء باحتمال ارتفاع الحادث لغلبة بقاء الحادث و نحو ذلك.

وجهان لحجية قاعدة اليقين

و قد يذكر وجهان لحجية قاعدة اليقين:

احدهما: التمسك بعموم “لا تنقض اليقين بالشك ابدا” و “من كان على يقين فشك فليمض على يقينه”، و لكن الجمع بين لحاظ موضوع الاستصحاب، و هو التعبد بالشيء المشكوك بعد الفراغ عن حدوثه، و لحاظ موضوع قاعدة اليقين، و هو الشك في الحدوث بعد اليقين به، يكون من الجمع بين لحاظين مختلفين، فيكون من قبيل استعمال اللفظ في معنيين، و لا أقل من كون ذلك خلاف الظاهر، فإما ان يلحظ الاول او الثاني، و المتيقن من هذه الروايات، و مورد اغليها هو الاستصحاب، فاذن لا يستفاد منها قاعدة اليقين.

ثانيهما: ما قد يخطر بالبال من أنه اذا شهد عندنا عدلان بتطهير متنجس، وبعد فترة سألناهما هل تتذكران شهادتكما بتطهيره، فقد يقولان بأنّا لا نتذكر، و نشكّ فعلا في ذلك، فلا اشكال في حجية شهادتهما السابقة فعلا، بمقتضى السيرة و اطلاق دليل حجية البينة، فيقال بأن العرف يرى الملازمة العرفية بين جواز اعتماد الآخرين عليها، و بين جواز اعتماد نفس العدلين بها، نعم يختص ذلك بما اذا احتملا أنهما لو تذكرا مناشيء شهادتهما جزما بصدق تلك الشهادة.

فهذا الوجه ان تم فيختص بما اذا احتمل من عرضه الشك الساري أنه لو تذكر مناشئ يقينه السابق عاد اليه يقينه، دون ما اذا تذكرها و لكن لم يحصل له اليقين منها فعلا.

و لكن الانصاف الجزم بذلك مشكل، فلا يترك الاحتياط.

موضوع قاعدة المقتضي و المانع

و أما قاعدة المقتضي و المانع فموضوعها اليقين بوجود المقتضي لشيء، و الشك في وجود المانع عنه، او فقل الشك في وجود المقتضى بالفتح لاحتمال وجود المانع، فمتعلق اليقين و الشك في هذه القاعدة مختلفان ذاتا، و لكن قد تشترك في النتيجة مع الاستصحاب، كما في موارد الشك في الرافع، كالشك في بقاء الطهارة للشك في ناقضية المذي، و قد تفترق عنه، كما في احتمال ابتلاء المقتضي من الابتداء بالمانع، حيث تكون نتيجة قاعدة المقتضي و المانع التعبد بتحقق المقتضى بالفتح، بينما أن نتيجة الاستصحاب التعبد بعدم المقتضى بالفتح الا أن يكون حكما شرعيا مترتبا على وجود المقتضي و عدم المانع فيمكن اثباته باستصحاب عدم المانع، كما أن مورد الشك في ارتفاع الحادث لأجل الشك في المقتضي يختص بجريان الاستصحاب دون هذه القاعدة.

کلام صاحب العروه

و قد تبنى صاحب العروة جريان قاعدة المقتضي و المانع، و صرح بذلك في بحث النكاح، فقال انه اذا شك في كون المنظور اليه مماثلا او محرما ام لا، فيحرم النظر اليه، لالاجل التمسك بعموم حرمة النظر في الشبهة المصداقية لمخصصه المنفصل الدال على جواز النظر الى المماثل او المحارم، بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرمية، فالمقام من قبيل المقتضي والمانع .

کلام ملا هادي الطهراني

و قد ذكر الملا هادي الطهراني “ره” أنه استقرت طريقة السلف و الخلف فى جميع ابواب الفقه و غيره على الاستدلال بالاقتضاء على الفعليّة‏ و ذكر ايضا أن عدم الاعتداد باحتمال المانع بعد احراز المقتضي من القواعد الاربع الّتى شاع فى كلماتهم اطلاق الاستصحاب عليه ، و ظاهره -كما نسب اليه في بض الكلمات – ارجاعه الاستصحاب الى قاعدة المقتضي و المانع.

نقوض علی قاعدة المقتضي و المانع

و قد اورد الاعلام على قاعدة المقتضي و المانع بنقوض لا يظن بالعقلاء التزامهم بها كما لو رمي السهم الى شخص يؤدي الى قتله لولا وجود حائل يمنع من اصابته السهم او ابتلي شخص بمرض يؤدي الى موته لو لم يعالج نفسه، فلا يحتمل بناء العقلاء على تحقق قتله في المثال الاول عند الشك في وجود الحائل و تحقق موته في المثال الثاني عند الشك في علاجه لنفسه.

الدفاع عن نظرية قاعدة المقتضي و المانع

و لكن حاول بعض اتباع مدرسة الملا هادي الطهراني ممن كان يقرب من عصرنا الدفاع عن نظرية قاعدة المقتضي و المانع، فقال في كتاب الفوائد العلية: ان المراد من الاقتضاء في المقام هو كون المشكوك فيه بحيث يكون ثابتا في حد نفسه لو خلي و طبعه، مع قطع النظر عن المانع، سواء كان المشكوك فيه بقاء الشيء أو حدوثه، نعم إذا كان الشك في وجود المانع عن حدوث الشيء فيعتبر أن لا يكون ذاك الشيء مستقلا في الوجود عن مقتضيه، بل متحدا معه في الخارج اتحاد الأمر الانتزاعي مع منشأ انتزاعه، بأن يكون معدودا من أحكام مقتضيه عقلا أو شرعا، فلا تجري القاعدة فيما اذا شك في نبات لحية زيد للشك في بقاء حياته، حيث يكون له مقتض مستقل، لأنه مغاير في الوجود مع حياته، كمغايرة الثمرة بالنسبة إلى الشجرة و الحمل بالنسبة إلى الحامل، و من المعلوم أن اليقين بأحد المتلازمين مغاير لليقين بالآخر، و انما تجري القاعدة عند الشك في عروض موته بعد العلم بثبوته لترتيب ما هو من مقتضيات حياته، كبقاء أمواله على ملكه و عدم خروج زوجته عن زوجيته .

هذا و قد فسر بعض السادة الاعلام “دام ظله” كلامه بأن القاعدة تجري في موردين:

1- ما اذا ترتب حكم عقلي او شرعي على شيء و كان هناك شيء آخر مانع على فرض وجوده، فهم يجرون القاعدة لاثبات الحكم، كالأخذ في الظهورات بأصالة الحقيقة او العموم او الاطلاق و لا يعتني العقلاء باحتمال القرينة و المخصص و المقيد.

2- ما اذا كان بين المقتضي و المقتضى اتحاد بالنظر العرفي، و يمكن أن يمثل له بأنه اذا شك في وجود الحاجب حين ما يصب الماء على وجهه، فبما أن جريان الماء على البشرة متحد مع انغسال الوجه، و نسبتهما نسبة الايجاد و الوجود، و العرف يرى الانغسال بمجرد صب الماء على الوجه، الا الذهن يشك في وجود ما يمنع من وصول الماء الى البشرة .

و لكن لم يظهر من كتاب الفوائد العلية كون المورد الثاني و هذا المثال من موارد القاعدة، فان الفرق بين احتمال وجود الحائل في مثال رمي السهم و احتمال العلاج في مثال المرض و بين احتمال وجود الحائل المانع عن انغسال الوجه غير واضح، نعم ورد ذلك في كلمات المحقق الهمداني “قده” في حاشية الرسائل -كما استشهد به- فانه بعد ما انكر قاعدة المقتضي و المانع ذكر أنه لو كان المقتضي بنظر العرف شديد الاقتضاء، بحيث يكون مجرّد احرازه كإحراز نفس المقتضى، بحيث لا يلتفت الذهن حال الشك إلّا إلى احتمال وجود المانع، لا عدم وجود المقتضى (بالفتح)، أو كان الواسطة التي يترتّب عليها الحكم الذي يراد بالاستصحاب إثباته من الوسائط الخفية، بحيث لا يلتفت العرف في مقام ترتيب الأثر إليها، بل يرون الأثر أثرا لنفس المستصحب، فالظاهر اعتباره .

امثله فقهیه لقاعدة المقتضي و المانع:

ثم انه ذكر في فوائد العلية عدة امثلة التزم الفقهاء فيها باحكام لا يمكن توجيها الا بقاعدة المقتضي و المانع:

المثال الاول:

ما لو اغتسل عن الجنابة مثلاً و شكّ في حدوث الحدث في أثناءه، فيحكم برفع حدث الجنابة.

المثال الثاني:

أصالة الحقيقة و العموم و الإطلاق التي هي من الأصول المسلمة العقلائية فانها لا يتم أمرها إلا بالاستناد الى هذه القاعدة، فان الحمل على المعنى الحقيقي مع عدم ثبوت القرينة الصارفة ليس إلا لأجل الاستناد الى الاقتضاء الثابت بينه و بين اللفظ بسبب الوضع و عدم الاعتناء باحتمال المانع، و هكذا أصالة العموم و الإطلاق فإنهما و إن لم يستندا إلى وضع اللفظ، لأنهما كيفيتان للحكم المتأخر عن وضع اللفظ، إلا أنهما مقتضى تعلق الحكم بالموضوع من غير تخصيص و لا تقييد، فإذا علم بعدمهما يعلم العموم و الإطلاق، و مع الشك فيهما يؤخذ بالمقتضي المعلوم، فيحكم بالعموم و الإطلاق و لا يعتد باحتمال المانع.

فإن قلت: بناء العقلاء على الأخذ بأصالة الحقيقة و العموم و الإطلاق لا يكشف عن اعتبار قاعدة الاقتضاء و المنع في جميع الموارد، قلت: لا تعبد في بناء العقلاء حتى يجوز اختصاصه بمورد دون مورد و إنما بناؤهم على ما بنوا عليه في بعض الموارد لأجل جهة واقعية عقلية ثابتة عندهم و من المعلوم اطراد القواعد العقلية و عدم تطرق التقييد و التخصيص فيها في حد أنفسها.

المثال الثالث:

حكمهم بلزوم البيع إذا شك في انعقاده لازما أو جائزا من جهة احتمال غبن في البيع أو عيب في المبيع و هكذا استنادا إلى أصالة اللزوم، فانه ليس للزوم حالة سابقة، حتى يستصحب بقاءها، فالحكم به ليس إلا من جهة الأخذ بقاعدة المقتضي و المانع،لأن مقتضي اللزوم و هو البيع معلوم، و المانع مشكوك، فيدفع بالأصل.

فإن قلت: يمكن أن يكون الحكم باللزوم مستندا إلى استصحاب الحالة السابقة، لأن تملك البائع للثمن ثابت بالبيع فمع الشك في زوالهما بالفسخ يستصحب الحالة السابقة، قلت: لو صح ما ذكرت لزم الحكم باللزوم أيضا في العقود الجائزة بالذات عند الشك في وقوعها لازمة أو جائزة، كما إذا شككنا في وقوع الهبة لازمة أم ‌جائزة، من جهة الشك في وقوعها معوضة أم لا، أو في كون الموهوب له من الارحام أم لا، مع أنهم يحكمون فيها مع الشك في لزومها بجواز الرجوع استنادا إلى أصالة الجواز.

المثال الرابع:

حكمهم بعدم كون المرأة محرما عند الشك في المحرمية النسبية المانعة من انعقاد التزويج، فإنه لا يتم إلا على جعل المحرمية مانعة و التمسك باقتضاء المرأة لجواز التزويج، فيحكم بصحة التزويج أخذا بالمقتضي المعلوم و إلغاء للمانع المحتمل و لا يتوهم أن عدم المحرمية معلوم قبل وجود المرأة فيستصحب لأنها قبل وجودها لا تكون محرما و لا أجنبية، و استصحاب عدم إحداهما معارض باستصحاب عدم الأخرى.

المثال الخامس:

حكمهم بالإتمام مع الشك في السفر إذا كانت الشبهة حكمية، فإن كون أربعة فراسخ مثلا مسافة شرعية ليس مما علم عدمه في زمان حتى يستصحب و يحكم بالبقاء على ما كان.

لا يقال: يمكن إرجاع ما ذكر و نحوه إلى استصحاب الحالة السابقة باعتبار أنه لم يكن مسافرا قبل طيه أربعة فراسخ و بعد الأربعة يشك في زوال الحالة السابقة فيحكم ببقائه على ما كان، فانه يقال: مع الشك في أن الأربعة مسافة شرعية لا يكون المقتضي للإتمام و هو الحضور محرزا حتى يستصحب و مجرد الحالة السابقة لا يكفي في الاستصحاب.

فإن قلت:

موضوع القصر هو المسافر و أما الإتمام فلم يؤخذ في موضوعه الحضور بل يكفي فيه عدم السفر، قلت: مرجع ذلك إلى الأخذ بالمقتضي و عدم الاعتداد باحتمال المانع، لا إلى استصحاب الحالة السابقة، لأن الإتمام ليس له حالة سابقة في هذا الحال و كذا عدم السفر لأن طي الأربعة ليس له حالة سابقة من السفر و عدمه حتى يستصحب.

و بالجملة موارد انفكاك القاعدة الشريفة عن استصحاب الحال كثيرة في أبواب الفقه كما لا يخفى على المتتبع مع أنه لم يتأمل أحد منهم في العمل بها و الركون إليها و إنما حدثت الشبهة لبعض من تأخر.

معنی آخر فی المراد من المقتضی و المانع

هذا و ذكر ايضا انه تبين الخلل فيما يقال (من أن المراد بالمقتضي إما أن يكون ما يقتضي وجود الأثر التكويني في عالم التكوين، و من المانع ما يمنع عن تأثير المقتضي، او يراد من المقتضي ما يقتضي الأثر الشرعي بحسب جعل الشارع و من المانع ما يمنع عن ترتب الأثر الشرعي بجعل من الشارع فيكون كل من المقتضي و المانع شرعيا، او يكون المراد من المقتضي ما يقتضي تشريع الحكم من الملاك، كما يقال إن العلم مقتض لوجوب الإكرام، و من المانع ما يمنع عن تأثير المقتضي في الجعل كالفسق مثلا، و لا دليل على اعتبار اي من المعاني الثلاث) لما عرفت من أن المراد بالمقتضي معنى آخر، و إنما يكون المعنى الثاني من مصاديقه، و هكذا المعنى الأول إذا لم يكن الأثر التكويني مستقلا في الوجود و يكون متحدا مع منشأه اتحاد الأمر الانتزاعي مع منشأ انتزاعه.

النسبه بین قاعدة المقتضي و المانع و الاستصحاب، هي العموم من وجه

و قال ايضا: إذ قد اتضحت لك حقيقة قاعدة المقتضي و المانع فقد اتضح لك أن النسبة بينها و بين استصحاب الحال هي العموم من وجه فقد يجتمعان و قد يفترقان، أما اجتماعهما ففي صورة العلم بالمقتضي و وقوع الشك في البقاء من جهة احتمال المانع، و أما افتراقها عنه ففي صورة العلم بالمقتضي و الشك في ترتب المقتضى عليه من جهة احتمال اقترانه بالمانع، كما إذا شك في انعقاد البيع لازما أم جائزا بواسطة الشك في اقترانه بغبن فيه أو بعيب في المبيع مثلا، و أما افتراقه عنها ففي صورة الشك في المقتضي، كما إذا شك في بقاء الإجارة بالنسبة إلى السنة الثانية من جهة الشك في وقوع عقد الإجارة على سنة واحدة أو سنتين.

و أما اعتبار القاعدة فهو عقلي ثابت بحكم العقل يعني أنه جهة واقعية مدركة به و يظهر ذلك من بناء العقلاء على العمل بها في كل بابٍ، فإن بناءهم على أمر و ركونهم إليه ليس إلا بما هم عقلاء فبناؤهم على العمل بها يكشف عن تصديق العقل و إدراكه إياها و ثبوتها عنده، و لو على وجه الارتكاز

عدم ثبوت بناء العقلاء على قاعدة المقتضی والمانع بشكل عام(تطبیق علی الامثله)

و الانصاف عدم ثبوت بناء العقلاء على هذه القاعدة بشكل عام، حتى فيما كان المقتضى من احكام المقتضي و يشك في منع مانع عن حدوثه، الا أن يكون موضوع الحكم الشرعي مركبا من وجود المقتضي و عدم المانع، كما في المثال الاول و هو الشك في صدور الحدث اثناء غسل الجنابة، و هكذا المثال الثالث حيث يجري الاستصحاب الموضوعي و هو عدم الغبن او الاستصحاب الحكمي النافي للخيار، و منه استصحاب بقاء الملكية الثابتة قبل الفسخ، و أما احتمال لزوم الهبة لاحتمال كون الهبة معوضة فمنفي باستصحاب عدم كونها معوضة، و كذا فرض احتمال كون الموهوب له من الارحام، فانه يجري عدم كونه رحما بناء على جريان استصحاب العدم الازلي، و بذلك ينقح موضوع جواز الهبة و هو الهبة التي ليست لذي رحم، و يمكن التمسك له بموثقة مسعدة بن صدقة بضم الغاء الخصوصية عن النكاح لكون حكمه اشد عرفا.

و منه اتضح حكم المثال الرابع، فانه بناء على جريان استصحاب العدم الازلي حتى في العناوين الذاتية، كما عليه السيد الخوئي و الشيخ الاستاذ “قدهما” فيمكن استصحاب عدم كون المرأة التي يريد التزويج بها أمّا او اختا له، و لا يعارضه استصحاب عدم كونها اجنبية لعدم ترتب اثر عليه بعد كون موضوع حلية الزواج المرأة التي ليست اما او اختا و نحو ذلك، كما استفيد من قوله تعالى “و احل لكم ما وراء ذلكم” و بناء على عدم جريانه فيمكن التمسك بموثقة مسعدة بن صدقة “كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام…و ذلك مثل امرأة تكون تحتك لعلها اختك او رضيعتك“.

و منه اتضح حكم المسألة المذكورة في العروة، حيث يجري استصحاب عدم كون المنظور اليها أمّا او اختا للناظر مثلا، بناء على جريان استصحاب العدم الازلي، او يتمسك بموثقة مسعدة، أما لو شك في كونها أما او اختا رضاعية له او زوجته فيجري استصحاب العدم النعتي بلا اشكال، و لو شك في كون المنظور اليه رجلا او امرأة فحيث ان القول بجريان قاعدة المقتضي و المانع فيه يبتني على استظهار غير صحيح من مثل قوله تعالى “قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم… و قل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن” و هو كون الموضوع لمن يحرم النظر اليه هو الانسان الذي ليس بمماثل ، فيقوم استصحاب العدم الازلي لنفي كونه مماثلا للناظر مقام القاعدة.

أما المثال الخامس فلايد فيه من التمسك باطلاق وجوب القصر على المسافر، فاذا شك في كون حد المسافة عشرين كيلو مترا او اكثر فيقال بأن المتيقن خروج من لم يكن سفره عشرين كم من هذا الاطلاق، دون من كان سفره عشرين كم، نعم لو فرض عدم اطلاق فيه فالمرجع اطلاق وجوب التمام ان كان، – و ان كان الصحيح عدم وجود اطلاق من هذا القبيل، لان ما دل على وجوب سبعة عشر ركعة في كل يوم هو ما ورد من ان الله فرض الصلاة ركعتين فاضاف اليهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ركعتين للظهر و العصر و العشاء و ركعة للمغرب، و لكنه متصل بالارتكاز الواضح المتشرعي على مشروعية القصر في السفر، فلا ينعقد له اطلاق، و مع فرض عدم الاطلاق في دليل وجوب القصر على المسافر فيتشكل علم اجمالي بوجوب القصر و التمام، و أما استصحاب وجوب التمام في حقه فمبتلى باشكال عدم اليقين السابق بالنسبة الى صلاة الفريضة الجديدة.

يبقى المثال الثاني، و جواز التمسك فيه بأصالة الحقيقة او العموم او الاطلاق مع الشك في القرينة المتصلة اول الكلام، و تظهر الثمرة في احتمال القرينة الحالية النوعية التي لا يكون سكوت الراوي عن بيانها منافيا لوثاقته، نعم يمكن ان يذكر مثال لما لعله متسالم عليه بينهم و هو أنه لو شك المتعاقدان في نصب قرينة متصلة على الغاء الشرط الارتكازي كخيار العيب او الغبن او التدليس فاثبات الشرط او اثبات ظهور العقد فيه باستصحاب عدم نصب القرينة المتصلة يكون من الاصل المثبت، و لكن بناء العقلاء في مثله على اصالة عدم القرينة لا يعني تمامية قاعدة المقتضي و المانع بشكل عام،

نعم كما ذكر بعض الاجلاء “دام ظله” ثبت بناء العقلاء على قاعدة المقتضي و المانع في فرض الشك في طرو العنوان الثانوي المانع عن ثبوت التكليف الاولي كالحرج و الضرر.

هذا و لا يخفى أن ما ذكره من جريان استصحاب بقاء الاجارة بناء على جريانه مع الشك في المقتضي في ما اذا شك في أن اجارة الدار هل كانت لمدة سنة او سنتين، ففيه أنه مع جريان الاصل الموضوعي و هو استصحاب عدم انشاء اجارة الزائد على سنةٍ، لا تصل النوبة الى الاصل الحكمي و هو استصحاب ملكية المستأجر لمنفعة العين في السنة الثانية.

و كيف كان فيرد عليه أن المقتضى حتى لو كان حكما عقليا او شرعيا مترتبا على وجود المقتضي فلا يتحد مع المقتضي ابدا، فموضوع الحجية في المثال الثاني هو الظهور الفعلي للكلام و هو مغاير وجودا مع المقتضي الذي هو العلقة الوضعية او فقل الظهور الشأني للكلام، و الشاعد عليه عدم انعقاد الظهور الفعلي مع الابتلاء بالقرينة الصارفة، و لا عبرة بالاتحاد الوجودي المسامحي، فلا يختلف مع مثال رمي السهم او المرض.

هذا كله في قاعدة المقتضي و المانع، و قد تحصل عدم تماميتها في غير الشك في طرو العنوان الثانوي، نعم قد يتفق نتيجة قاعدة المقتضي و المانع مع الاستصحاب، و ذلك فيما كان موضوع الحكم الشرعي مركبا من وجود المقتضي و عدم المانع كوجوب اكرام العالم غير الفاسق، الا أن نكتة قاعدة المقتضي و المانع عدم الاعتناء بوجود المانع لنكتة ندرة ابتلاء المقتضي بالمانع و نحو ذلك، بينما أن نكتة الاستصحاب عدم الاعتناء بارتفاع الحادث كما مر.

موضوع استصحاب القهقرائي

قول محقق الخویی: عدم شمول دليل الاستصحاب له

و أما الاستصحاب القهقرائي فقد ذكر السيد الخوئي “قده” أن موضوعه على عكس موضوع الاستصحاب، حيث ان موضوعه اليقين اللاحق بشيء، كظهور اللفظ في معنى، و الشك السابق فيه، فيكون المشكوك متقدما زمانا على المتيقن، و من الواضح عدم شمول دليل الاستصحاب له كقوله “انك كنت على يقين من طهارتك فشككت”، نعم جرى بناء العقلاء في مورد احراز ظهور اللفظ في معنى فعلا و الشك في ظهوره فيه سابقا على عدم التبدل في ظهوره، كما نشاهده في العمل بعبارات الوقوف القديمة، و لولا ذلك لانسد علينا باب العمل بالروايات .

مناقشه

اقول: يلاحظ عليه اولا: أنه اذا كان المشكوك سابقا زمانا على المتيقن فلا يصدق على عدم البناء على كون المشكوك مثل المتيقن نقض اليقين بالشك، و الا فقوله “انك كنت على يقين من طهارتك” ليس الا تطبيقا من تطبيقات كبرى الاستصحاب، فلا يمنع من تطبيق تلك الكبرى في غيره كالاستصحاب الاستقبالي.

و ثانيا: ان الاستصحاب القهقرائي عبارة أخرى عن اصل عدم التغير في ظهور لفظ، فلو بنينا على حجية مثبتات الاستصحاب امكن استصحاب عدم التغير في الظهور و بضم وجدانية ظهور اللفظ في معنى فعلا يثبت ظهوره فيه سابقا، كما أنه لو علم بظهور اللفظ في معنى قبل الشرع فاستصحاب بقاء ظهوره فيه الى زمان صدور الخطاب من الشرع لو كان حجة في مثبتاته وهو انعقاد الظهور التصديقي للخطاب يثبت ما هو الموضوع للحجية.

دعوى بناء العقلاء على الاستصحاب القهقرائي غیر ثابت

و كيف كان فدعوى بناء العقلاء على الاستصحاب القهقرائي في الظهورات، و ان كان هو المشهور، لكنه غير ثابت عندنا وفاقا لبعض السادة الاعلام “دام ظله” مادام يكون هناك منشأ عقلائي لاحتمال حصول النقل في لفظ، فالمدار على الوثوق والاطمئنان.

وما قد يقال من أنه لولا ذلك فينسد باب العمل بعبارات الوقوف والوصايا القديمة، بل باب الاستنباط، ففيه أنه يحصل الوثوق والاطمئنان غالبا بعدم حدوث النقل، فلا يوجب انكار أصالة عدم النقل انسداد باب الاستنباط والعمل بالعبارات القديمة.

ثم انه لو سلم بناء عقلائي من هذا القبيل، فيختصّ -كما ذكر صاحب الكفاية( )- بما اذا شك فى حدوث النقل، وأما اذا علم بحدوث النقل، وشكّ في تاخره عن زمان صدور الخطاب او تقدمه عليه، فلم يثبت بناء العقلاء على تأخر النقل عن زمان صدور الخطاب، كي يحكم بظهور الخطاب في المعنى السابق، كما لم ‌يثبت بناء العقلاء على تقدمه عليه، كي يحكم بظهور الخطاب في المعنى الذي يكون اللفظ ظاهرا فيه فعلا.

وقد اضاف في البحوث اليه فرضا آخر، وهو فرض ما اذا شكّ في مؤثرية الموجود في النقل، كما إذا شاع استعمال لفظ الصلاة مثلاً في المعنى الشرعي كثيراً، نتيجة كثرة ابتلاء المتشرعة بذلك، ودخول هذه العبادة في حياتهم الاجتماعية، فاحتمل انَّ هذا الشيوع بلغ مرتبةً نقل بسببها لفظ الصلاة عن معناها اللغوي، وتعين في المعنى الشرعي، ففي مثل ذلك لا يجزم بإجراء أصالة عدم النقل، لقصور السيرة العقلائية والمتشرعية عن شموله، إذ أصحاب الأئمة لا يجزم بعملهم بالظهور الأولي، حتى في مثل هذه الحالة، كما انَّ السيرة العقلائية قائمة بنكتة الاستبعاد لندرة وقوع النقل وبطئه، بحيث انَّ كلّ إنسان عرفي لا يرى تغييراً محسوساً في اللغة، لأنَّ عمر اللغة أطول من عمر كلّ فرد، فأدّى ذلك إلى انَّ كلّ فرد يرى انَّ التغير حادثة على خلاف الطبع والعادة، وهذه النكتة لا تجري في هذا الفرض، لأن نكتة الاستبعاد لا تأتي مع وجود مقتضٍ للنقل بالنحو المذكور.( )

و لا يخفى أن كل ما ذكره يساعد على عدم منشأ عقلائي لأصالة الثبات في اللغة في غير موارد الوثوق بعدم التغير و التحول في الظهور.