بسمه تعالی
رؤوس المطالب:
الجهة السابعة: هل المشتق بسيط او مركب… 1
قول قطب الدين الرازي: المشتق مركب… 1
توجیه کلام قطب الدين الرازي.. 3
ان محل النزاع، هو بحسب التحليل العقلي لا بحسب الادراك والتصور. 3
وجوه عدم اخذ النسبة بين الذات والمبدأ في مدلول هيئة المشتق.. 4
لايصح حمل المشتق على نفس المبدأ 5
وجوه وضع هيئة المشتق للدلالة على لابشرطية المبدأ للحمل على الذات.. 7
المشتق مركب بحسب التحليل العقلي.. 14
اشكالات المحقق الشريف على القول بتركيب المشتق.. 14
لامانع من اخذ مفهوم الشيء في المشتق بحسب التحليل العقلي.. 19
مسلك المحقق العراقي “قده” في معنى المشتق.. 24
الجهة السابعة: هل المشتق بسيط او مركب
الجهة السابعة: قد وقع الخلاف في بساطة معنى المشتق وتركبه
قول المشهور: المشتق بسيط
فالمنسوب الى المشهور من المتأخرين هو بساطته
قول قطب الدين الرازي: المشتق مركب
ولكن ذهب جماعة الى تركبه، فقد ذكر قطب الدين الرازي شارح مطالع الانوار -عند قول المصنف القاضي سراج الدين الارموي “ان الفكر هو ترتيب امور معلومة لمعرفة امر مجهول”- انه قد اشكل قوم بانه لايتناول هذا البيان التعريف بالحد الناقص اي الفصل وحده ولابالرسم الناقص اي العرض الخاص وحده حيث أنه من ترتيب امر واحد لمعرفة امر مجهول وليس ترتيبا لأمور معلومة لمعرفة امر مجهول،
ولكنه قابل للجواب لان التعريف بالفصل او العرض الخاص انما يكون بالمشتقات كالناطق والضاحك، والمشتق وان كان في اللفظ مفردا الا ان معناه شيء له المبدأ فيكون من حيث المعنى مركبا، فالناطق بمعنى شيء له الناطق والضاحك بمعنى شيء له الضحك، فيكون من ترتيب امور معلومة لمعرفة امر مجهول([1]).
الا ان المحقق السيد الشريف اورد عليه في حاشيته على شرح مطالع الانوار بانه لو اريد اخذ مفهوم الشيء في المشتق فحيث ان مفهوم الشيء عرض عام فيلزم دخول العرض العام في الفصل في مثل كلمة الناطق الذي هو فصل للانسان، واشتمال الذاتي كالفصل على العرضي محال، وان اريد اخذ مصداق الشيء في المشتق فيكون كلمة الناطق او الضاحك بمعنى انسان له النطق او الضحك فيلزم انقلاب قولنا الانسان ضاحك الى قضية ضرورية، لان مفاده ان الانسان انسان له الضحك وثبوت الانسانية للانسان ضروري مع ان قولنا الانسان ضاحك قضية ممكنة خاصة.
وقد فهم صاحب الكفاية “قده” من كلام المحقق الشريف انه انما ينكر التركيب التصوري للمشتق دون التركيب التحليلي له، حيث ذكر في الكفاية ان مفهوم المشتق على ما حققه الشريف بسيط منتزع عن الذات باعتبار تلبسها بالمبدأ، وان بساطة معنى المشتق هو وحدته ادراكا وتصورا بحيث لايتصور الا شيء واحد لاشيئان وان انحل بتعمل من العقل الى شيئين كانحلال مفهوم الشجر والحجر الى شيء له الحجرية والشجرية مع وضوح بساطة مفهومهما([2]).
توجیه کلام قطب الدين الرازي
ولكن الظاهر ان مقتضى ما اقامه المحقق الشريف من البرهان هو استحالة اخذ مفهوم الشيء في المشتق ولو بحسب التحليل العقلي، وعليه فما يظهر من صاحب الكفاية “قده” من دعوى وجود التسالم على دلالة المشتق على الذات بلحاظ تلبسها بالمبدأ وانما النزاع في ان مدلوله مركب تصوري او بسيط تصوري في غير محله، حيث ان اصل دلالة المشتق على الذات وقع موردا للنقاش، كما سيأتي بيانه.
ان محل النزاع، هو بحسب التحليل العقلي لا بحسب الادراك والتصور
فالظاهر ان محل النزاع في معنى المشتق هو كونه بسيطا ام مركبا بحسب التحليل العقلي، -نظير تحليل مفهوم الانسان الى الحيوان الناطق- ولاينبغي ان يراد منه النزاع في البساطة والتركيب بحسب الادراك والتصور فان من الواضح جدا انسباق معنى واحد من المشتق.
واما ما ذكر في البحوث من ان التركيب التصوري لابد من ان يكون بايقاع نسبة تامة بين مفهومين، وهذا مما لايحتمل دعواه من احد في المقام فان غاية ما يدعيه القائل بالتركيب هو اشتمال المشتق على النسبة الناقصة التحليلية بين الذات والمبدأ، وقد سبق ان اطراف النسبة التحليلية موجودة في الذهن بوجود واحد اذ لايعني ذلك الا تصور حصة من المفهوم الاسمي([3]).
ففيه انه قد مر سابقا ان التركيب التصوري لايعني اشتمال المعنى المركب على النسبة التامة، فان الجملة الناقصة مركبة تصورا على ما هو الصحيح، ومما يشهد على ذلك الجملة الوصفية في قولنا “رجل ابوه عالم”كما مر توضيحه في بحث الجملة الوصفية.
فالمهم ان الالتزام بالتركيب التصوري لمعنى المشتق خلاف الوجدان ولايظن من احد ان يدعي ذلك، فيكون محل النزاع هو بساطة معنى المشتق او تركيبه بحسب التحليل العقلي.
ادلة بساطة المشتق
حكي عن المحقق الدواني انه ذكر في تقريب بساطة معنى المشتق ان هيئة المشتق دالة على ان المبدأ -الذي يدل عليه مادة المشتق- قد لوحظ لابشرط عن الحمل على الذات، بينما ان هيئة المصدر دالة على لحاظ المبدأ بشرطلا عن الحمل على الذات، وهذا منحل الى دعوى سلبية وهي عدم اخذ النسبة بين الذات والمبدأ في مدلول هيئة المشتق، ودعوى ايجابية وهي وضع هيئة المشتق للدلالة على لابشرطية المبدأ للحمل على الذات.
وجوه عدم اخذ النسبة بين الذات والمبدأ في مدلول هيئة المشتق
اما الدعوى السلبية فيمكن ان يستدل عليها بثلاثة اوجه:
1- ما عن المحقق الدواني من ان مقتضى دلالة المشتق على ذات منتسب اليها المبدأ هو تغاير الذات والمبدأ فينتقض بما قد يقال من ان الوجود موجود والضوء مضيئ والبياض ابيض فيحمل العرضي على نفس العرض الذي يحسه الانسان مباشرة وبالبرهان ينتقل الى وجود الجوهر، وكذا ينتقض بحمل المشتق كالعالم على الباري تعالى مع قيام البرهان على كون اوصافه عين ذاته.
واورد عليه السيد الخوئي “قده” بان المراد من تلبس الذات بالمبدأ واجدية الذات له في قبال فقدانها له، وهي تختلف باختلاف الموارد، فتارة يكون الشيء واجدا لما هو مغاير له وجودا ومفهوما كما هو الحال في غالب المشتقات، وأخرى يكون واجدا لما هو متحد معه خارجا وان كان يغايره مفهوما كواجديته تعالى لصفاته الذاتية، وثالثة يكون واجدا لما يتحد معه خارجا ومفهوما وهو واجدية الشيء لنفسه، وهذا نحو من الواجدية بل هي اتم واشد من واجدية الشيء لغيره، لان وجدان الشيء لنفسه ضروري ويكون تلبسه به في مرتبة ذاته، نعم المغايرة بين المبدأ والذات حسب المتفاهم العرفي واللغوي من المشتقات الدائرة في الألسن امر واضح لاريب فيه، والاتحاد والعينية بينهما خارج عن الصدق العرفي، ولكن لايكون نظر العرف متبعا الا في موارد تعيين مفاهيم الالفاظ سعة وضيقا، والمتبع في تطبيقات المفاهيم على مواردها هو النظر العقلي، فان كان هذا تلبسا وقياما بنظر العقل لميضر عدم ادراك اهل العرف لذلك([4]).
لايصح حمل المشتق على نفس المبدأ
ويلاحظ عليه بانه لايصح عرفا حمل المشتق على نفس المبدأ، فلايقال القيام قائم والعلم عالم والنور نيِّر كما لايقال لون هذا الجدار ابيض، فان المشتق مساوق لاضافة كلمة ذو الى المبدأ، فالابيض بمعنى ذو بياض ولايصدق على نفس البياض، واما التعبير بان الوجود موجود فالظاهر انه يكون مع عناية، وما ذكروه في الفلسفة من ان موجودية الماهية بالوجود فكيف لايكون الوجود موجودا فلايكون ذلك مرتبطا بالابحاث اللفظية، واما ما من ذكر من حمل المشتق عليه تعالى كما يقال انه عالم مع اتحاد اوصافه تعالى مع ذاته فجوابه ان الاستعمال تابع لنظر العرف الساذج ولايلحظ الدقائق العقلية القائمة على عينية اوصافه لذاته.
وما ذكره السيد الخوئي “قده” من ان النظر العرفي ليس متبعا في تشخيص المصداق وانما يتبع نظره في تعيين مفاهيم الالفاظ سعة وضيقا،([5]) ففيه ان المغايرة بين الذات والمبدأ بالنظر العرفي التصوري مأخوذة في مفهوم المشتق، فليس نظر العرف هنا متمحضا في تشخيص المصداق حتى يدعى عدم اتباع نظره في ذلك، على انه محل خلاف وقد اختار جماعة -منهم السيد الإمام “قده”- كون نظر العرف متبعا في تشخيص المصاديق ايضا.
2- ما ذكره المحقق النائيني “قده” من استلزام دلالة المشتق على النسبة مشابهته المعنوية للحروف وهذاموجب لبناءه مع انه معرب.
وفيه اولا: ان القواعد النحوية انما تستخرج من اوضاع اللغة العربية وليست من الامور البرهانية حتى نرفع اليد لأجلها عن المرتكزات.
وثانيا: ان الموجب لبناء الكلمة كون معنى مادته شبيها بمعنى الحرف، كيف والفعل المضارع دال على النسبة جزما مع كونه معربا.
وثالثا: انه بعد اشتمال المشتق بنفسه لطرفي النسبة فليس معناه في غيره كي يكون شبيها بالحرف ولو كان ذلك موجبا للبناء فلازمه بناء بعض الاسماء الجامدة الدالة على الحصة كالسرير الدال على حصة خاصة من الخشب.
3- ما عن المحقق النائيني “قده” ايضا من انه لو دل المشتق على النسبة فان فرضت دلالته على الذات ايضا اتجه عليه الاشكالات التي اوردها المحقق الشريف على القول بتركب المشتق، وان فرض عدم دلالته على الذات لزم تقوم النسبة بطرف واحد وهو المبدأ، ولعله “قده” اراد انه لو دل المشتق على النسبة دون الذات فيصير معنى المشتق غير مستقل في المفهومية وهو خلاف الوجدان، والا فيمكن ان يورد عليه -كما ذكره السيد الخوئي “قده” في تعليقة اجود التقريرات- بان عدم دلالة اللفظ على طرف النسبة لايستلزم انعدامه في نفسه، كيف والحروف النسبية لاتدل على اطرافها بنفسها وتحتاج في الدلالة عليها الى دال آخر.
هذا وقد ذكر في البحوث ان مجرد كون الدال على الذات الذي هي طرف للنسبة شيء آخر غير المشتق لايوجب التخلص من الاشكالات التي اوردها المحقق الشريف،([6]) وفيه انه يمكن ان يقال ان الفصل لو كان هو المدلول المطابقي لكلمة الناطق، والمفروض خروج مفهوم الشيء عنه فلايتوجه عليه اشكال دخول العرض العام في الفصل، نعم اشكال انقلاب القضية الممكنة الى الضرورية يتوجه عليه لو اخذ واقع الشيء طرف النسبة كما هو ظاهر.
وجوه وضع هيئة المشتق للدلالة على لابشرطية المبدأ للحمل على الذات
واما الدعوى الإيجابية فيمكن تفسيرها باحد وجهين:
الوجه الاول:
ما هو مقتضى ظاهرها من انه في المصدر اعتبر المبدأ بشرط لا عن الحمل على الذات وفي المشتق اعتبر المبدأ لابشرط عن الحمل على الذات، وقدقالواان الفرق بينهماكالفرق بين المادة والجنس أوبين الصورة والفصل فانه لوحظت كل من المادة والصورة بشرط لا عن الحمل على الآخرى –فلايقال النفس الناطقة حيوانية – بخلاف الجنس والفصل –حيث يقال الناطق حيوان-.
وقد اورد عليه بايرادين:
1-صاحب الفصول بان مصحح الحمل هو الاتحاد الوجودي بين الموضوع والمحمول فان تحقق ذلك لميضر اعتبار المحمول بشرط لا عن الحمل ولو فقد ذلك لمينفع اعتباره لابشرط من الحمل([7]).
وقد اجاب في البحوث عن هذا الإيراد بمامحصله ان الاتحاد الوجودي بين الموضوع والمحمول وان كان شرطا لازما في تصحيح الحمل ولكنه لا يكفي وحده، فانه بناء على مسلك المشهور من امكان اختصاص العلقة الوضعية بين اللفظ والمعنى بحال دون حال -كاختصاصها بحال ارادة المتكلم تفهيم المعنى كما هومبنى القول بتبعية الدلالة للارادة اواختصاصهابحال لحاظ المتكلم للمعنى آلياكماهو مبنى صاحب الكفاية في وضع الحروف – فيمكن ان يقيدوضع لفظ القيام مثلاعلى حدث القيام بصورة عدم حمل هذاالمعنى على الذات المتلبسة به وان فرض اتحادهماوجودا فحينما يقال “القائم قيام “فيكون على خلاف قرار الوضع.
نعم بناءعلى مسلك من يرى ان الوضع هو القرن الأكيدبين اللفظ والمعنى بحيث يستلزم تصور اللفظ تصور المعنى فلا يتعقل اختصاصه بحال دون حال فان القرن الاكيداماان لايوجد اوانه اذاوجد فهذايعني انه كلمايتصور اللفظ فينتقل ذهنه الى المعنى، فلايمكن تقييدالعلقة الوضعية، ولكن على هذا المسلك ايضا يمكن تقييد المعنى الموضوع له بان يكون لفظ القيام موضوعا على معناه غير الملحوظ محمولا على ذات فكلما سمع لفظ القيام انتقل الذهن الى القيام غير الملحوظ محمولا على ذاتٍ، واما المشتق كلفظ القائم فهو موضوع على ذات القيام بلااي قيد، ويكفي في صحة الحمل عدم أخذه بشرط لا عن الحمل([8]).
ولكن الظاهر تمامية ايرادصاحب الفصول، اذ يرد على ماذكره في البحوث أن اختصاص العلقة الوضعية بحال معين نتيجة تقييد الوضع به -كأن يتقيّدوضع الماء على معناه بما لوتكلم به في النهار-لايوجب عدم صحة استعمال اللفظ في نفس المعنى في غير تلك الحال، اذ لايكون اسوء حالا من الاستعمال المجازي.
ومن جهة أخرى ان تقييد الوضع او المعنى الموضوع له بخصوص ما لميلحظ المعنى محمولا على ذات، انما يوجب المنع عن الحمل في القضية لاالحمل بمعنى الانطباق على مصداقه فانه قهري فانه لو تلفظ المتكلم بلفظ القائم فالسامع يرى انطباق معناه على مصاديقه قهرا وهذا ما لايقبل المنع عنه، ولكن لو تلفظ بلفظ القيام لمير السامع كونه منطبقا على القائم.
2- انه يبتنى على اتحاد العرض والمعروض وجوداوهوخلاف الوجدان العرفي بلااشكال، مضافا الى انه يلزم منه كون هيئة المصدر دالة على معنى زائد دون هيئة المشتق وهذا مما لايحتمله احد.
الوجه الثاني:
ما ذكره المحقق النائيني “قده” من ان العرض لما كان وجوده في نفسه عين وجوده لغيره فتارة يلحظ بما هو كذلك كما هو مقتضى لحاظه بطبعه وعلى ما هو عليه فيرى انه طور من اطوار الجوهر ومتحدا معه وجودا فينتزع منه مفهوم العرضي والمشتق الوصفي ويحمل على الجوهر، وقد يتعمل الذهن فيلحظ وجوده في نفسه مع عدم لحاظ وجوده لغيره فيرى وجوده مستقلا ومغايرا لوجود الجوهر فينتزع عنه مفهوم العرض والمصدر ولذا لايصح حمله على الجوهر.
وقد ذكر “قده” ان معنى كون المصدر ملحوظا لابشرط عن الحمل على الذات انه لوحظ العرض فيه بشرط عدم اتحاده مع الجوهر اي لوحظ فيه وجوده في نفسه بالغاء لحاظ وجوده لغيره، وهذا اللحاظ هو الذي يوجب لحاظ اتحاد العرض مع الجوهر، ومع الغاء هذا اللحاظ لايبقى مصحح لحمل المصدر على الذات، وينتج من ذلك صيرورة المعنى بشرط لاعن الحمل على الذات، فلم يلحظ في هذا الوجه اللابشرطية والبشرط لائية بالنسبة الى الحمل ابتداء بل هي نتيجة اختلاف لحاظ المعنى بالنحو المذكور([9]).
وقد اورد عليه السيد الخوئي “قده” عدة ايرادات:
1- ان اختلاف لحاظ المفهوم لاتأثير له في المنع عن حمله على مفهوم آخر مع اتحادهما وجودا، ولافي صحة حمل احدهما على الآخر مع تغايرهما وجودا([10]).
واجاب عنه في البحوث اولا بالنقض بالمصادر الجعلية مثل الانسانية والشيئية فانها وان لميصح حملها على الذات، بخلاف مفهوم الانسان والشيء الا انه ليس واقع المصادر الجعلية الا متحدا مع الذات، فانها ليست اعراضا لها وجود مستقل وراء وجود الذات، ثم اضاف انه ليس الاختلاف بين الانسان والانسانية او الشيء والشيئية على اساس اختلاف مفهومي بان يكون معنى الانسان مثلا هو ذات ثبت له الانسانية ومفهوم الشيء ذات ثبت له الشيئية، وهذا في مفهوم الشيء اوضح لانه لايوجد مفهوم اوضح منه حتى يؤخذ في مفهومه ويكون مركبا منه.
وثانيا بالحل بان المصحح للحمل ليس مجرد اتحاد مفهومين خارجا، بل يلزم لحاظهما متصادقا في مصداق واحد، لان الحمل عمل ذهني وما في الخارج هو العينية فيلزم لحاظ الذهن التصادق بينهما.
فللذهن ان يلحظ حيثية الانسانية بما هي متصادقة مع زيد مثلا فينتزع عنه مفهوم الانسان وله ان يلحظها بما هي هي فينتزع عنها مفهوم المصدر الجعلي، فالمحقق النائيني “قده” يدعي ذلك في العرض اي الذهن قد يلحظه بما هو عليه من وجوده لغيره واتحاده معه فينتزع عنه مفهوم المشتق، وقد يتعمل فيجِّزؤه الى وجوده في نفسه مستقلا عن وجود الجوهر فينتزع عنه مفهوم المصدر([11]).
اقول: ان ما ذكره في البحوث وان كان متينا لكن ما ادعاه اخيرا من ان مفهوم الشيء او الانسان ليس مركبا بحسب التحليل العقلي فالظاهر انه لاوجه له، اذ كما ان مفهوم العالم اوالسيف مركب بحسب التحليل العقلي فكذلك مفهوم الشيء والانسان، فالشيء ما ثبت له الشيئية، والانسان ما ثبت له الانسانية.
2- ان المشتق لايختص بما يكون مبدأه من الاعراض التسعة، بل قد يكون امرا انتزاعيا كقولنا الانسان ممكن وشريك الباري ممتنع، وقد يكون اعتبارا عقلائيا كما في قولنا زيد مالك، وقد يكون عدما كقولنا العنقاء معدوم، وحيث ان معنى هيئة المشتق واحد وجدانا فلابد من تفسيره بما يكون جامعا لجميع هذه الموارد([12]).
وفيه انه -كماذكرفي البحوث([13]) -لااشكال في انه في تلك الامثلة يرى الذهن اتحاد الموضوع والمحمول واقعا، والا لميصح الحمل بنظر السيد الخوئي “قده” ايضا، اذ غرضه بيان تركب هذه المحمولات لانفي صحة حملها كما هو ظاهر، وحينئذ فللمحقق النائيني “قده” ان يدعي ان الذهن يمكنه التعمل والعناية ولحاظ المحمول حيثا واقعيا يكون له واقعية في نفسه مع الغاء لحاظ اتحاده مع موضوعه فينتزع عنه مفهوم المصدر كعدم العنقاء.
3- انه لايتم في مثل اسم الآلة والمكان والزمان نظير المقتل حيث لامعنى لتوهم اتحاد القتل مع آلته او مكانه او زمانه([14]).
واجاب عنه في البحوث ما محصله امكان دعوى ان المبدأ في اسم الزمان والمكان هو المحلية والمعرضية للحدث، وفي اسم الآلة هو المنشأية للحدث، والمبدأ بهذا المعنى يكون عرضا للزمان والمكان او الآلة، كما قيل في اسم الحرفة كالزارع ان معنى المبدأ فيه هو حرفة الزراعة([15]).
والانصاف ان كون معنى المبدأ في هذه الأمثلة غير ما هو مدلول المادة في سائر الهيئات خلاف المرتكز عرفا، فالظاهر تمامية هذ االنقض.
والمهم في الجواب عن بيان المحقق النائيني “قده” انه بناء على مسلك جمهور الفلاسفة من ان وجود العرض وان كان لغيره لكنه وجود مستقل وراء وجود موضوعه فمن الواضح تغاير وجودهما فلايصح حمل احدهما على الآخر، وأما بناء على ما حكى عن المحقق آقا علي المدرس الزنوزي “قده” من ان الأعراض مراتب وجودات الجواهر وطورمن أطوارها فليس لها وجود وراء وجود الجواهر ولكن حيث ان الملاك في الوضع نظر العرف وهو يرى ولو بنظره الساذج تعدد العرض والجوهر وجودا فلايصح حمل احدهما على الآخر.
ولايخفى انه لميقم برهان على تمامية مسلك جمهور الفلاسفة من تعدد وجود العرض والجوهر واقعا، وما قد يقال من عدم امكان اتحادهما وجودا لكونهما من مقولتين متباينتين او يقال ان وجود الجوهر مستقل ويكون لنفسه ووجود العرض رابطي ويكون لغيره فلايتحدان فيشتمل على مصادرة واضحة، فانه لامحذور في كون العرض مرتبة وجود الجوهر حتى في الكيف النفساني فانه قد يكون متحدا مع النفس، وهذا ما يقال من اتحاد الصورة العلمية المرتسمة في الذهن مع النفس، ويعبر عنه باتحاد العاقل والمعقول، نعم قد يكون الوجدان شاهدا على تغاير وجود مثل الحركة الأينية كحركة اليد عن وجود محلها.
هذا وقدمر أن ظاهرقوله (عليهالسلام) في نهج البلاغة “وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف” مغايرة وجود الجوهر والعرض في الممكنات وأن نفي الصفات الزائدة على الذات مختص به تعالى.
والحاصل انه حيث لايصح حمل المصدر على الذات بخلاف المشتق فهذا يعني اختلاف مفهوم المصدر والمشتق بنحو يرى مفهوم المشتق متحدا وجودا مع الموضوع فيصح الحمل بخلاف المصدر، وحيث ان المبدأ من الأعراض ولايتحد وجودا مع الذات –اما بنظر العقل كما عليه جمهور الفلاسفة او بنظر العرف الساذج على الاقل – فلابد في صحة الحمل من توسيط مايوجب صحته، فلابد ان يكون معنى المشتق هو الذات المبهمة من جميع الجهات عداجهة تلبسها بالمبدأ، والمراد ان معناه صورة مجملة عن هذا المعنى المفصَّل.
ومما يشهد على ذلك حمل مشتق على مشتق آخر كقولنا” الكاتب متحرك الاصابع” اوقولنا” كل متعجب ضاحك” فانه لو كان المشتق عين المبدأ فالمبدئان في الموضوع والمحمول في هذه الأمثلة متباينان ذاتا ووجودا فلايمكن حمل احدهما على الآخر.
المشتق مركب بحسب التحليل العقلي
فالصحيح هو كون المشتق مركبا بحسب التحليل العقلي، فيكون “العالم” مثلا في قوة “ما ثبت له العلم”، وهذا ما اختاره جماعة من الاعلام كالمحقق الاصفهاني “قده”بل هو مختارصاحب الكفاية “قده”([16])، وعليه فلايتم ما في البحوث من ان مسلك صاحب الكفاية كون المشتق بسيطا منتزعا عن الذات ويكون المبدأ مصححا لانتزاعه، في قبال مسلك تركيب المشتق الذي هو مختار المحقق الاصفهاني والسيد الخوئي([17]).
اشكالات المحقق الشريف على القول بتركيب المشتق
قد اشكل المحقق الشريف على القول بتركيب المشتق بانه لو اريد اخذ مفهوم الشيء في المشتق فحيث ان مفهوم الشيء عرض عام لزم دخول العرض العام في الفصل في مثل كلمة الناطق، وان اريد اخذ مصداق الشيء في المشتق فيكون كلمة الناطق او الضاحك بمعنى انسان له النطق او الضحك لزم انقلاب قولنا” الانسان ضاحك “الى قضية ضرورية، لان مفاده” ان الانسان انسان له الضحك”، وثبوت الانسانية للانسان ضروري، مع ان قولنا “الانسان ضاحك” قضية ممكنة خاصة.
والبحث فعلا في الشق الاول من كلامه وهو ان اخذ مفهوم الشيء في المشتق يوجب دخول العرض العام في الفصل كالناطق فقد اجيب عنه بعدة اجوبة:
ا- ما في الفصول من ان كون الناطق فصلا مبني على عرف المنطقيين حيث اعتبروه خاليا عن مفهوم الذات ولاعلاقة بذلك بوضعه اللغوي([18]).
واورد عليه في الكفاية ان من المقطوع به ان مثل الناطق قد اعتبر فصلا بماله من المعنى من دون تصرف فيه([19]).
ولكن اجاب في البحوث عن ايراد الكفاية بانه حيث تكون دعوى المناطقة -من كون الناطق فصلا حقيقيا- مقرونة بالعناية والمسامحة في معنى المادة جزما لانه اما بمعنى التكلم او الادراك وكلاهما عرضان فاي مانع من الالتزام بعناية أخرى في دعويهم كون مدلول المشتق فصلا فلعلهم ارادوا منه المبدأ، ولو فرض انهم ادعوا كون تمام مدلوله فصلا بتخيل عدم تركبه من الذات فالاشكال متوجه عليهم لاعلى من يستند في دعويه التركيب التحليلي للمشتق الى العرف، ولعل المناطقة يعتذرون عن انفسهم بان المنطقي ليس شأنه البحث اللغوي([20]).
ولابأس بما افاده، ولكن ما ذكره بعد ذلك من ان الظاهر كون اشكال السيد الشريف غير مرتبط بالمفهوم اللغوي للناطق مثلا، بل لما ذكر شارح مطالع الانوار ان التعريف بالفصل في مثل قولنا الانسان ناطق يكون مركبا من التعريف بانه شيء وله النطق فاورد عليه السيد الشريف بانه يلزم دخول مفهوم الشيء في الفصل لافي مفهوم الناطق، بل ولو قيل بان مفهوم الناطق بسيط لكن مفهوم الشيء مندرج في الفصل ويستفاد من دالّ آخر توجه اشكاله ايضا([21])، ففيه ان كلام المحقق الشريف كالصريح في نفي اخذ مفهوم الشيء او مصداقه في المشتق، حيث اورد على صاحب شرح المطالع –الذي قال ان المشتق وان كان في اللفظ مفردا الا ان معناه “شيء له المبدأ” فيكون من حيث المعنى مركبا- ان مفهوم الشيء لايعتبر في مفهوم الناطق مثلا والا لكان العرض العام داخلا في الفصل.
2- ما في الكفاية من ان مثل الناطق ليس بفصل حقيقي بل لازم الفصل واظهر خواصه لانه لايكاد يعلم الفصل الحقيقي، ولذا ربما يحعل لازمان مكانه اذا كانا متساوي النسبة اليه كالحساس والمتحرك بالإرادة في الحيوان ويكون فصلا مشهوريا منطقيا، وعليه فلابأس باخذ مفهوم الشيء الذي هو عرضي عام في العرضي الخاص([22]).
واجاب عنه المحقق النائيني”قده” بان الناطق بمعنى صاحب النفس الناطقة فصل حقيقي([23]).
ولكن رد السيد الخوئي “قده” هذاالجواب بان صاحب النفس الناطقة هو الانسان وهو نوع لافصل([24]).
ولكن يمكن ان يقال ان مقصود المحقق النائيني “قده” هو ان الناطق مأخوذ من النفس الناطقة، ولامانع من كونها فصلا حقيقيا.
ثم ان المحقق النائيني “قده” وان وافق المحقق الشريف في استحالة اخذ مفهوم الشيء في المشتق كالناطق لكنه ذكر ان نكتته ليس استحالة اخذ العرض العام في الفصل، فان مفهوم الشيء ليس من العرض العام، بل هو جنس اعلى لتمام المقولات العشر، فان العرض العام ما كان عرضا خاصا للجنس القريب او البعيد كالماشي اوالمتحيز فانه عرض عام للإنسان باعتبار كون المشي عرضا خاصا لجنسه القريب وهو الحيوان، والتحيز عرض خاصا لجنسه البعيد وهو الجسم، والشيئية تعرض لكل ماهية من الماهيات وتنطبق عليها فهي جهة مشتركة بين جيمعها وليس وراءها امر آخر يكون هو جنس الاجناس وتعرضه الشيئية، فما يلزم من اخذ مفهوم الشيء في المشتق ليس هو دخول العرض العام في الفصل وانما هو دخول الجنس في الفصل([25]).
واورد عليه السيد الخوئي “قده” بانه لايمكن ان يكون الشيء جنسا للمقولات العشر لاستحالة جامع حقيقي بينها على ما برهن في محله([26]).
وفيه انه قد اعترف صدر المتألهين بانه لميقم في الفلسفة برهان على نفي جنس مشترك بين المقولات([27])، وهو الصحيح الذي لاغبار عليه([28]).
وكيف كان فالبرهان الذي قد يدعى لاستحالة كون مفهوم الشيء جنس الاجناس وهو انه لو كان جنسا عاليا لتمام الماهيات لزم ان يكون معه فصل مميز لكل ماهية عن اخرى وحيث ان حيثية الشيئية شاملة للفصل ايضا فانه شيء لامحالة وحيئنذ فيتقوم هذا الفصل بجنس مشترك وهو كونه شيئا، وحيث لايمكن ان يكون تمام ماهية الفصل هو الشيئية -اذ يلزم اتحاد الجنس والفصل فان الجنس هو الشيء فلايمكن ان يكون تمام الفصل هو نفس الشيئ- فيلزم ان يكون لهذا الفصل فصل آخر، فننقل الكلام الى هذا الفصل الآخر وهكذا، فإما ان يلزم تقوم الماهية باجناس وفصول غيرمتناهية ومعناه عدم تحقق التحصل للماهية لعدم توقفها الى آخر فصل متحصل مميز للأجناس او نصل الى فصل يكون تمام حقيقته الشيئية فيلزم اتحاده مع جنسه، وهو محال.
نعم الفصل بتمام ذاته مصداق للشيئ، ولكن المهم انه يستحيل اخذ مفهوم الشيء فيه، فلايمكن ان يكون جزءا من ماهيته، وعليه فمفهوم الشيء خارج عن ذاتيات الماهيات فيكون من العرض العام لجميع الاشياء، فان الذهن حينما يلحظ الموجودات يرى فيها جهة مشتركة وهي كون جميعها شيئا ثم يلحظ ان بعضها جوهر والآخر عرض وهكذا.
والحاصل ان حيثية الشيئية تختلف عن مثل حيثية الحيوانية التي هي من الاجناس، فان حيثية الحيوانية لاتنطبق على فصلها وهو حيثية الناطقية بخلاف حيثية الشيئية فانها منطبقة على جميع مراتب الذات بجنسها وفصلها فلاتكون حيثية الشيئية هي الحيثية المشتركة في جميع المقولات زائدا على فصولها.
هذا ويمكن ذكر شاهد آخر –كما ذكره في المحاضرات- على عدم كون الشيء جنسا اعلى للماهيات هو ان الشيء لايختص بالماهيات، فقد يقال “التناقض شيء مستحيل” او يقال “عدم مجيئ زيد شيء عجيب”.
هذا ولايخفى انه لو كان الشيء جنس الاجناس توجه الاشكال حتى بناء على مسلك المحقق النائيني “قده” من دلالة المشتق على المبدأ فقط، فان الناطق يكون حينئذ بمعنى النطق وحيث ان النطق شيء لامحالة فيلزم دخول مفهوم الشيء في ماهيته فيكون من دخول الجنس في الفصل.
لامانع من اخذ مفهوم الشيء في المشتق بحسب التحليل العقلي
هذا كله في الشق الاول من كلام المحقق الشريف، وقد تحصل انه لامانع من اخذ مفهوم الشيء في المشتق بحسب التحليل العقلي.
اما الشق الثاني من كلامه وهو ان اخذ واقع الشيء يوجب انقلاب القضية الممكنة الى القضية الضرورية -حيث ان قولنا” الانسان ضاحك” ينحل حينئذ الى” ان الانسان انسان وان انسانيته مقرونة بالضحك”- فاورد عليه صاحب الفصول”ره” وغيره ان المحمول هو المقيد فالمحمول في قولنا” الانسان انسان له الضحك ” هو الانسان المقيدبالضحك وثبوته للانسان ليس ضروريا([29])، وهذا الإيراد تام جدّا كما سيأتي توضيحه.
ثم انهم قد ذكروا ان اشكال المحقق الشريف من لزوم الانقلاب لو تم فلايختص باخذ مصداق الشيء في المشتق بل يتوجه على اخذ مفهوم الشيء فيه لان ثبوت مفهوم الشيء للموضوع في قولنا الانسان شيء له الضحك ضروري ايضا، لكونه من ذاتي باب البرهان.
ولكن اجاب عنه شيخنا الاستاذ “قده” بان وجه تخصيص السيد الشريف اشكال الانقلاب بصورة اخذ مصداق الشيء في معنى المشتق انه لو كان المأخوذ مفهوم الشيء فلايكون ثبوته بعد التقييد ضروريا للموضوع –باعتبار قبول مفهوم الشيء للتقييد والتضييق – وهذا بخلاف ما لو كان المأخوذ مصداق الشيئ، حيث انه لو قيل مثلا “الانسان انسان له الضحك بالقوة ” فان كان هذا القيد مجرد عنوان مشير الى ذات الانسان فانقلاب القضية الى القضية الضرورية ظاهر، لان ثبوت الانسان للانسان ضروري، وان كان القيد داخلا في المحمول و لميكن مجرد عنوان مشير، فحيث لايتصور تضييق دائرة معنى الانسان بكونه ضاحكا على حد سائر التقييدات لان الانسان ضاحك (اي بالقوة ) دائما فليس مقسما للضاحك وغير الضاحك، فلابد ان يكون خبرا مستقلا فينحل الى قضيتين احديهما “ان الانسان انسان” والأخرى “ان الانسان له الضحك”، فالقضية الاولى تكون ضرورية والثانية تكون ممكنة([30])، ولابأس بما افاده.
وكيف كان فيمكن ان يذكر لتقريب اشكال السيد الشريف ثلاثة وجوه:
1- ان يعوض مثال “الانسان ضاحك” بمثال آخر وهو قولنا “زيد ضاحك” فقد يقال بانه بناء على اخذ واقع الشيء في مفهوم المشتق فيصير في قوة زيد زيد له الضحك وحيث ان زيدا جزئي غير قابل للتقييد فيكون القيد فيه معرفا محضا فيكون مآله الى قولنا زيد زيد فيصير ضروريا.
ويرد على هذا الوجه انه قد التزم بان المأخوذ في المشتق واقع الشيء فانما يراد به ما يكون معروضا للمبدأ عادة وهو مفهوم الانسان في مثال الضاحك، وقد يقال ان زيدا وان كان جزئيا لكن الجزئي قابل للتضييق بلحاظ احواله ولكن مر الجواب عنه في بحث ثمرات البحث عن معنى الحروف والهيئات.
2- ان القيد لو كان مجرد معرف يلزم كون قولنا” الانسان انسان له الضحك “في قوة “الانسان انسان” فيكون ضروريا ولو كان مضيقا يلزم كون المحمول في هذا المثال اخص مفهوما من الموضوع وهذا هو الحمل الوضعي الذي ذكر في المنطق انه مما يأباه الطبع، ولذا سمي بالحمل الوضعي في قبال الحمل الطبعي الذي يكون المحمول فيه اعم مفهوما من الموضوع كما في قولنا “الانسان ناطق”، حيث انه وان كان مساويا مع الانسان في المصاديق الخارجية لكن الناطق اعم بلحاظ المفهوم من الانسان لعدم اخذ مفهوم الانسان فيه.
نعم هذا الاشكال لايتوجه على اخذ مفهوم الشيء في المشتق كقولنا” الانسان شيء له الضحك” اذ يلتزم فيه بحمل المقيد فلايكون ضروريا، كما انه لايكون من الحمل الوضعي لان المحمول اعم مفهوما من الموضوع.
وكيف كان فيرد على هذا الوجه انه بعد فرض كون الموضوع ملحوظا فانيا في الخارج وافتراض انحصار مصاديقه في ما يصدق عليه المحمول ايضا فلامانع من الحمل الوضعي.
3- ان المحمول في قولنا الانسان انسان له الضحك حيث يكون مركبا من الموصوف والوصف فبالتالي يكون في قوة الاخبار حيث قالوا ان الاوصاف قبل العلم بها اخبار والاخبار بعد العلم بها اوصاف فينحل هذا الكلام الى قضيتين وهي” ان الانسان انسان” و”ان انسانيته مقرونة بالضحك” فيكون بلحاظ القضية الأولى ضرورية وان كان بلحاظ الثانية ممكنة خاصة، وحينئذ فلو كان الضاحك مركبا فيكون في قوة “انسان له الضحك” لزم انحلال قولنا” الانسان ضاحك” الى تلك القضيتين، مع ان المتفاهم من قولنا “الانسان ضاحك ” ليس الا قضية واحدة ممكنة.
ويرد على هذا الوجه انه وان تم في خصوص الوصف التوضيحي ما ذكر من ان الاوصاف قبل العلم بها اخبار كقوله “ابي العالم”، وعليه فيكون المحمول في قولنا” الانسان انسان له الضحك ” مشتملا على وصف توضيحي فينحل الى قولنا ” الانسان انسان وان انسانيته مقرونة بالضحك “، ولكن المدلول المطابقي للكلام هو ثبوت المحمول المقيد للموضوع اي كون الانسان انسانا له الضحك، وان كان مدلولها الالتزامي العقلي ثبوت المطلق للموضوع في ضمن المقيد ايضا، اي كون الانسان انسانا، ولامانع من كون القضية المدلولة بالدلالة الالتزامية العقلية ضرورية وتكون القضية المدلولة بالدلالة المطابقية للخطاب ممكنة.
المختارفي معنى المشتق
المتحصل الى هنا انه لامحذور ثبوتي في اخذ مفهوم الشيء او واقع الشيء في المشتق، ولكن لايحتمل الثاني عرفا لانه ان اريد من واقع الشيء هو المفهوم الذي وقع موضوعا في القضية، فقولنا “الانسان ماش “يكون بمعنى “الانسان انسان له المشي”، فاشكاله انه قد لايكون في الخطاب موضوع حمل عليه المشتق مثل قولنا “اكرم الضاحك”
وان اريد منه هو المفهوم الذي يعرضه المبدأ عادة كالحيوان بالنسبة الى الماشي والانسان بالنسبة الى الضاحك فاشكاله انه لو قيل “الجدار ضاحك” فمن الواضح انه يكون الكذب فيه اخف مما لو قيل “الجدار انسان له الضحك”، بل يكون هذا القول الثاني مشتملا على التهافت التصوري بلحاظ الجمع بين كون شيء جدارا وانسانا.
وعليه فالمأخوذ في المشتق بالتحليل العقلي هو مفهوم الشيء المنتسب اليه المبدأ، نعم قد يكون بعض الجوامد كالسيف موضوعا لواقع الشيء المتصف بالسيفية وهو الحديد، ولكن الكلام هنا في المشتق دون الاسم الجامد.
هذا وذكر في البحوث ان الخارج المحمول بالضميمة كما في قولنا زيد ابيض، حيث يكون حمله على زيد بملاحظة ضميمة البياض اليه الذي هو خارج عن ذاته ويكون البياض مثلا موجودا مستقلا ولو بنظر العرف فلامحالة يحتاج في حمله على الذات الى تركيب معنى ينطبق عليه، واما في ذاتي باب الكليات الخمس كقولنا” الانسان انسان” او ذاتي باب البرهان كقولنا “الانسان شيئ” اوقولنا” الاربعة زوج” فحيث لاوجود للمحمول زائدا على وجودالموضوع، فلاوجود للانسانية وراء وجود الانسان فلامحالة لو لوحظ الانسان بما هو عليه في الواقع انتزع مفهوم الانسان عنه، كما يمكن للذهن بالتعمل العقلي تجزئته الى ذات وانسانية او ذات وشيئية، فيعتبر حينئذ مصادر جعلية، فنلتزم في مفهوم الانسان او الشيء بعدم التركيب ولو بلحاظ مرحلة التحليل العقلي، وهذا في مفهوم الشيء واضح اذ لامفهوم اوضح منه كي يؤخذ في مدلوله.
ان قلت: ان مفهوم “الممكن” يكون من جهة ذاتي باب البرهان، وقد التزم فيه بكونه بسيطا حتى تحليليا ويكون من جهة أخرى مشتقا، وقد التزم في المشتق بكونه مركبا تحليلياوان كان بسيطا تصورا، فكيف يجمع بين الأمرين.
قلت: ان الامكان بنظر العرف الساذج من قبيل العرض- وان كان بحسب الدقة ذاتيا-فالممكن ينحل بحسب التحليل الى ذات ثبت له الامكان([31]).
اقول: قد مرّ ان الظاهر عدم الفرق بين تلك الامثلة من حيث كونها بسائط تصورية ومركبات تحليلية، وكيف يلتزم بالفرق في هيئة المشتق بين ما لو كان مبدأه من الذاتيات فيقال فيها بالبساطة التحليلية كهيئة الحيوان وبين ما لو كان مبدأه من العرضيات فيلتزم فيه بالتركيب التحليلي كهيئة العطشان، فانه خلاف الوجدان العرفي جدا، فالصحيح انه في المشتق وما بحكمه من الاسم الجامد الذي يحمل على الذات يكون المحمول بسيطا تصورا ومركبا تحليلا.
مسلك المحقق العراقي “قده” في معنى المشتق
ثم انه لابأس بنقل ما حكي في بدايع الأفكارعن المحقق العراقي “قده” في معنى المشتق حيث اختار ان المشتق يدل بمادته على الحدث وبهيئته على النسبة واما الذات فخارجة عن المدلول اللفظي، وقد افاد انه ثبت بالاستقراء ان الحروف والهيئات لاتدلان على ازيد من النسبة ولكن حيث ان النسبة لاتتقوم بطرف واحد فبالدلالة الالتزامية العقلية يستكشف الطرف الآخر وهو الذات المبهمة وحيث انه يراد حمله على الذات فلابد من لحاظ الذات المبهمة ركنا ومقيدا لاقيدا.
وفيه ان هذاالكلام خلاف المرتكز العرفي في معنى المشتق فان معناه هو الصورة الاجمالية للذات المتلبسة بالمبدأ، والا فيكون مثل ما لو لميكتب احد طرفي الحرف في الكلام كأن يقال “… في الدار” مع ان المشتق ليس كذلك قطعا.
وقدذكر في البحوث انه لما كان مجرد الدلالة على المبدأوالنسبة لايصحح حمل المشتق على الذات، فيظهر من تقريرات المحقق العراقي “قده” في كتاب بدائع الافكار علاجان بصدد حل هذه المشكلة:
احدهما:ان الذات المبهمة التي هي الطرف الآخر للنسبة مستفادة بالدلالة الالتزامية العقلية وهي الموجبة لصحة الحمل
ثانيهما: ان هيئة المشتق تدل على النسبة الاتحادية بين الذات والمبدأ فانه اراد بذلك بيان عدم المغايرة بين الطرفين فيكون عدم المغايرة موجبا لصحة الحمل.
ثم اورد في البحوث على العلاج الاول بكونه اولا: خلاف الوجدان اللغوي والعرفي
فان المرتكز كون قولنا زيد ضاحك او الناطق ضاحك مما لوحظ فيه تصادق المدلول المطابقي للموضوع والمحمول على شيء واحد.
وثانيا: ان الدلالة العقلية لاتعيّن كون الذات المبهمة التي هي طرف للنسبة قد لوحظت بنحو الركن والمقيد او بنحو القيد فانه في المصدر تكون الذات ملحوظة بنحو القيدية بناء على افادة هيئة المصدر للنسبة، حيث ان الركن فيها هو الحدث وتلحظ نسبته الى الذات المبهمة، وخلاصة الكلام ان المشتق والمصدر مما لايصح استعمال احدهما موضع الآخر ولايكون ذلك الا بموجب كون الذات المبهمة هي المقيد والركن في هيئة المشتق دون المصدر، وحيث لايستفاد ذلك بالدلالة العقلية حيث مر انها لاتدل على اكثر من كونها طرف النسبة لعدم تحققها بدونها فلابد من استناده الى الدلالة اللفظية.
واورد على العلاج الثاني انه ليس الكلام في الدال على النسبة الاتحادية بين الذات والمبدأ وانما هو في انه لو لميؤخذ الذات في المشتق ل-ما صح حمل المشتق على الذات لعدم تحقق الاتحاد بينه وبين الذات الواقعة موضوعا واضاف انه لو اريد جعل الذات المبهمة مدلولا التزاميا عقليا للمشتق فحيث ان تصور اللازم موقوف على تصور الملزوم فلايعقل توقف تصور الملزوم على تصور لازمه، وحيث ان النسبة المدلولة للمشتق تحليلية لامعنى لتحققها في الذهن الا في ضمن تصور حصة مشتملة على النسبة التحليلية وطرفيها بالتحلي فلايعقل تصور ا للمشتق بدون تصور الذات المبهمة.
اقول: ما ذكره في البحوث في الاشكال الأول والثاني على العلاج الاول متين.
وماقديوردعلى اشكاله الثاني بأن هيئة المشتق تدل على النسبة التي تكون الذات ركنافيها لاالنسبة التي يكون المبدأركنافيهافانهمانسبتان متباينتان لأن أي تغيرفي أطراف النسبة ولوعلى مستوى تعيين ماهوالركن يوجب تغيرالنسبة([32]) فلم يتضح لناوجهه فانه بعد افتراض عدم وضع هيئة المشتق على الدلالة على الذات بل على مجرد النسبة، ودلالة مادته على أحدطرفي النسبة وهوالحدث، فكيف تدل على لحاظ النسبة بنحوتكون الذات ركنالها.
ولكن لنا حول ماذكره من العلاج الثاني ملاحظتان:
1- ان هذا الكلام لميصدر من المحقق العراقي “قده”على ما في بدائع الافكار لغرض تصحيح الحمل بل ذكر في ضمن النقاش على بيان ان المشتق لاتدل على النسبة وانما تدل على اتحاد المبدأ والذات، فقال: انه لواريد منه وضع المشتق لافادة الاتحاد بين الموضوع والمبدأ ففيه ان الدال عليه هيئة الجملة، وان اريد منه وضعه لافادة الاتحا د بين المبدأ والذات المبهمة بنحو الاتحاد الاسنادي من باب اتحاد العرض مع معروضه فهو صحيح.
2- انه لامحذور عقلا في كون طرف النسبة مدلول الدلالة الالتزامية العقلية وهذا لايعني التفكيك في مرحلة تصور الطرفين والنسبة في ذهن المتكلم او السامع وانما يعني ان الموجب لاخطار الذات المبهمة في ذهن السامع ولو في ضمن تصور الحصة هو علمه بان جملة “في الدار” مثلا لايمكن ان يكون معناها ثابتا بدون طرف آخر.
الجهة الثامنة: في اعتبار المغايرة بين الذات والمبدأ في المشتق
الجهة الثامنة: انه حيث افترض دلالة المشتق الوصفي على تلبس الذات بالمبدأ كدلالة العالم على تلبس الذات بالعلم، فيقع الكلام في ان هذا التلبس هل يختص بالتلبس بين ذات ومبدأ متغايرين ذاتا ووجودا، او يكفي كونهما متغايرين مفهوما وان اتحدا وجودا كما في حمل العالم على الباري تعالى فان ذاته تعالى عين علمه وجودا وان كانا متغايرين مفهوما، او يعم ما اذا اتحدا مفهوما ووجودا كما في قولهم ” البياض ابيض “و”الضوء مضيئ” او” الوجود موجود”.
فذهب صاحب الفصول”ره” الى الأول وهو لزوم تغاير الذات والمبدأ ذاتا ووجودا والتزم بالنقل أو التجوز في ألفاظ الصفات التي تحمل عليه تعالى بناء على ما هو الحق من اتحاد صفاته وذاته تعالى([33]).
وذهب صاحب الكفاية “قده” الى الثاني وهوكفاية تغاير الذات والمبدأ مفهوما وان اتحدا وجودا([34]).
و الظاهر من المشتق الوصفي انه يرادف حمل المواطاة بتوسيط ذو، فحينما نقول “الله عالم “فيرادف قولنا “الله ذوعلم ” ولايخفى ان قولنا “الله ذو علم” اوقولنا “ان له تعالى العلم” استعمال حقيقي بنظر العرف، ولكن لايصح عرفا ان يقال “العلم ذو علم” او يقال “القيام ذو قيام” او يقال “الوجود ذو وجود” كما لايصح ان يقال “العلم عالم” و “القيام قائم”، وكون قولنا “الله عالم” او “انه تعالى ذو علم” او “ان العلم ثابت له تعالى” حقيقة ليس لأجل ما ذكره صاحب الكفاية “قده” من كفاية التغاير المفهومي بين الذات والمبدأ فانه حيث يُلحَظ المفهوم فانيا في مصداقه في مقام الحمل فلو فرض ان اللاحظ يرى الذات في مورد عين المبدأ فكيف يلحظ انه ذو المبدأ، فالانسب ان يقال ان الملاك في كون الاستعمال حقيقيا هو النظر العرفي، والبرهان وان قام على عينية اوصافه له تعالى وان كمال التوحيد نفي الصفات عنه ولكن لايمنع ذلك من لحاظه تعالى بالنظر العرفي ذا حياة وقدرة وعلم، وان شئت فلاحظ المصادر الجعلية فانها وان كانت عين مناشئها خارجا لكن لايمنع ذلك ان يصح بالنظر العرفي استعمال قولنا “الانسانية ثابتة للإنسان” و”ان الانسان ذو انسانية”.
ثم ان ما ذكره في البحوث من ان انحاء التلبس كالتلبس الحلولي والصدوري والاتحادي انحاء من النسب ولاجامع ذاتي بينها فان المراد ليس اخذ المفهوم الاسمي للتلبس في المشتق لعدم انسباقه منه وجدانا بل المراد النسبة التلبسية بالمعنى الحرفي ولاجامع ذاتي بين النسبة الحلولية والصدورية والعينية فلامناص الا من وضع المشتق لاحدها واستعماله في الباقي مجازا او وضعه للجميع بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص على نحو لايكون ذا معنى واحد مشترك([35]).
فيلاحظ عليه انه لامانع من وضع هيئة المشتق لوجدان الذات للمبدأ باحد انحاء النسبة الوجدانية فيكون نظير ما ذكرناه سابقا من وضع هيئة الفاعل للنسبة القيامية بين الذات والمبدأ فيكون الفاعل بمعنى ما قام به الفعل، وتكون خصوصية النسبة الصدورية او الحلولية مستفادة من القرائن.
الجهة التاسعة: تفصيل صاحب الفصول بين التجوز في الاسناد والتجوز في الكلمة
الجهة التاسعة: حكي عن صاحب الفصول”قده” انه قال يعتبر في صدق المشتق حقيقة كون اسناده حقيقيا فيكون قولنا “الميزاب جار” او قولنا”جالس السفينة متحرك” من الاستعمال المجازي للمشتق.
وقد اورد عليه صاحب الكفاية “قده” انه وقع الخلط في كلامه بين المجاز في الكلمة والمجاز في الإسناد، فان اسناد الجريان الى الميزاب وان كان اسنادا الى غير ما هو له، لكنه يكون من المجاز في الإسناد لافي الكلمة –حيث لميستعمل لفظ الجريان في معنى آخر غير ما وضع له وانما اسند الى الميزاب مجازا – فالمشتق فيه بما هو مشتق قد استعمل في معناه الحقيقي([36]).
ولايخفى انه بناء على كون المجاز من المجاز الادعائي كماهو الغالب حسب ما اوضحناه في بحث الاستعمال المجازي فلافرق بين المجاز في الكلمة والمجاز في الاسناد في جهة ادعاء كون الموضوع فرد المحمول وانمايكون الفرق بينهما في منشأ الادعاء ففي حمل المشتق على من انقضى عنه المبدأ يكون منشأ الادعاء تلبسه السابق بالمبدأ وفي مثل قولنا “الميزاب جار” يكون منشأ الادعاء تلبس ما يتعلق به وهو الماء الجاري فيه بالمبدأ.
هذا تمام الكلام في بحث المشتق، ويتلوه بحث الأوامر، والحمد للّه ربّ العالمين.
[28] – نعم اقيم البرهان على نفي كون العرض جنسا، حيث قالوا ان معنى العرض كون الوجود رابطيا بان يكون وجودا لغيره وهذا من حيثيات الوجود وليس من ذاتيات الماهية التي يلحقها الوجود ولكن يرد عليه النقض بالجوهر الذي عدوه من الاجناس فانه بناء عليه يكون هو ايضا من حيثيات الوجود اي كونه لنفسه والانصاف ان للمقولات العرضية جهة مشتركة ذاتية تخصها وهي كونه بحيث يلحقها الوجود الرابطي، ولاريب في ان للوجود الرابطي حدا مشتركا لايشمل الجوهرفيمكن انتزاع ماهية من هذا الحد المشترك فان الماهيات تنتزع من حدود الوجود وح تكون هذه الماهية المنتزعة عن الحد المشترك للوجودات الرابطية جنسا لهاوهذايعني كون العرض جنسا كالجوهر.