فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

رؤوس المطالب:

الجهة الرابعة: تصوير الجامع لخصوص المتلبس بالمبدأ والأعم. 2

المحقق النائيني “قده”: لايتصور الجامع للأعم. 3

مناقشات.. 3

صحة استعمال الاسم الجامد ولومجازا فيما انقضى عنه المبدأ 3

وجوه تصوير الجامع للأعم. 4

الوجه الاول: ان الجامع هو الذات التي اخذ الفعل الماضي وصفا لها 4

الوجه الثاني: تصویر جامع الانتزاعي.. 6

الوجه الثالث: ان الجامع هو الذات التي خرج المبدأ فيها من العدم الى الوجود لابشرط.. 7

الوجه الرابع: تصوير جامع عرفي.. 9

الجهة الخامسة: ادلة الوضع للمتلبس والأعم. 10

وجوه استدل على وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ 10

الاول: التبادر. 10

الثاني: ان ارتكازية تضاد المشتقات تكشف عن وضعها لخصوص المتلبس بالمبدأ 12

الثالث: صحة سلب12

وجوه استدل لوضع المشتق للاعم. 13

الاول: التبادر وصحة الحمل.. 13

الثاني: قوله تعالى” الزانية والزاني و السارق والسارقة.. 14

الثالث: استدلال الامام (عليه‌السلام) بقوله تعالى لاينال عهدي الظالمين.. 15

التفصيل بين بعض المشتقات وبعض…. 17

الالتزام بوضع هيئة الفاعل مطلقا على التلبس الشأني غير عرفي.. 19

الحق هو وضع المشتق للمتلبس بالمبدأ بلاتفصيل بين المشتقات.. 20

الجهة السادسة: مقتضى الاصل العملي.. 20

مقتضى الأصل العملي في المسألة الأصولية. 21

صاحب الكفاية: استصحاب عدم اخذ خصوصية التلبس الفعلي بالمبدأ في معنى المشتق.. 21

مقتضى الأصل العملي في المسألة الفقهية. 28

بناء على جريان الاستصحاب التعليقي.. 28

بناء علی عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية. 28

يكون المقام من قبیل الاستصحاب الموضوعي في الشبهة المفهومية والمشهور عدم جريانه. 29

منع جريان الاستصحاب الحكمي في الشبهة المفهومية. 32

لو كان خطاب المشتق متضمنا لحكم بدلي.. 33

 

 

 

الجهة الرابعة: تصوير الجامع لخصوص المتلبس بالمبدأ والأعم

الجهة الرابعة: لااشكال في ان كل مشتق -كلفظ العالم- مفهوم واحد عرفا حيث انه ليس مشتركا لفظيا، فلابد من تصوير معنى جامع له بلافرق في ذلك بين القول بوضعه للمتلبس بالمبدأ او وضعه للأعم.

اما بناء على وضعه لخصوص المتلبس فلااشكال في وجود الجامع، وهذا واضح على القول ببساطة المشتق حيث يكون معنى العالم مثلا هو العلم مع لحاظه لابشرط عن حمله على الذات، واما بناء على القول بتركب المشتق فقد يقال بانه يكون معنى العالم مثلا “ذات له العلم” فيشتمل على النسبة بين الذات والعلم وقد مر انه لايوجد جامع ذاتي بين افراد النسبة فيكون نظير وضع حرف “في” مثلا للنسبة الظرفية، حيث ذكروا انه لايوجد معنى جامع لها حتى يوضع بإزاءه الحرف، بل لابد ان يوضع بإزاء أفراد النسبة الظرفية على نحو الوضع العام والموضوع له الخاص، ولكنه غير صحيح لان معنى المشتق –كما سيأتي- وان كان مركبا لكنه مركب تحليلي، فمفهومه التصوري يكون بسيطا حقيقة ولايكون مشتملا على واقع نسبة، بل لو فرض كونه مركبا تصورا ويكون العالم مرادفا لقولنا”ذات له العلم” والتزمنا باشتمال هذه الجملة على واقع نسبة ناقصة، فبعد ما مر من ان جزئية النسبة والمعنى الحرفي ليست جزئية حقيقية بل جزئية طرفية اي تتقوم ذاتها ووجودها بطرفيها بحيث لو جردت عن طرفيها انعدم ذاتها، وعليه فمع التحفظ على طرفي النسبة وعدم تبدلهما كما هو المفروض في اي مشتق فذات النسبة المتقومة بهما تكون محفوظة، فلايمنع ذلك من وجود جامع يوضع له لفظ المشتق كالعالم مثلا.

المحقق النائيني “قده”: لايتصور الجامع للأعم

اما تصوير الجامع للأعم من المتلبس بالمبدأ ومن انقضى عنه المبدأ فقد ذكر المحقق النائيني “قده” انه بناء على ماهو الصحيح من بساطة المشتق فلايتصور الجامع للأعم فانه يكون المشتق بناء على بساطته هو المبدأ الملحوظ لابشرط عن الحمل على الذات، فالمشتق ملازم لصدق نفس المبدأ ومع انتفاء المبدأ ينتفي المشتق ويكون حاله حال الإسم الجامد في ان المدار في صدق العنوان فعلية المبدأ، وان كان بينهما فرق من جهة أخرى وهو انه لايصح استعمال اللفظ الجامد (فيمالوكان عنوانا ذاتياكالشجر) ولو مجازا في المنقضي عنه المبدأ او من سيتلبس بالمبدأ، ولكن يصح ذلك في المشتق لان المتصف بالمشتق الذات وهي تبقى بعد زوال التلبس بالمبدأ([1]).

مناقشات

ويلاحظ عليه -مع غمض العين عما سيأتي من عدم تمامية مبنى بساطة المشتق -أنه يمكن للقائل بوضع المشتق للاعم ان يدعي وضع المشتق للمبدأ الملحوظ كونه لابشرط من حمله على الذات التي حدث فيها التلبس بالمبدأ سواء فرض انقضاءه ام لا.

صحة استعمال الاسم الجامد ولومجازا فيما انقضى عنه المبدأ

هذاواما ما ذكره من عدم صحة استعمال الاسم الجامد ولومجازا فيما انقضى عنه المبدأ فغير متجه، فانه يصح اطلاق الشجرولومجازا على مالوقطع وصاريابسا.

وجوه تصوير الجامع للأعم

اما تصوير الجامع للأعم بناء على تركيب المشتق فقد انكره جمع من الاعلام، فالمحقق النائيني “قده” بعد ما اختار اولاً انه على القول بالتركب حيث اخذ في المشتق اتصاف المبدأ بالذات فيكفي في صدق الانتساب التلبس في الجملة، فلامحالة يكون المشتق موضوعا للأعم، عدل عن ذلك، فقال انه على القول بتركب المشتق ايضا لايعقل وضع المشتق للأعم، اذ لايوجد جامع بين الذات الواجدة للمبدأ والذات الفاقدة له، نعم لو كان الزمان مأخوذا في مدلول المشتق صح ان يقال بوضع المشتق للذات المتلبس بالمبدأ في الزمان الماضي او الحال، لكنه لايحتمل اخذ الزمان في المشتق([2]).

وقد تصدى جمع آخرون لتصوير الجامع للأعم بعدة وجوه:

الوجه الاول: ان الجامع هو الذات التي اخذ الفعل الماضي وصفا لها

الوجه الاول: ان الجامع هو الذات التي اخذ الفعل الماضي وصفا لها، فالعالم هو من علم والقائم من قام فيصدق على المتلبس ومن انقضى عنه التلبس معا.

مناقشه

ولكن يورد عليه اولا: ان لازمه عدم صدق المشتق حقيقة على الذات في آن حدوث تلبسه بالمبدأ حيث انه في آن حدوث القيام له لايصدق انه من قام مع وضوح صدق القائم عليه، كما لايصدق على من هو متلبس بالأكل انه مَن أكَل مع وضوح صدق الآكل عليه، وكذا من بدأ بالصلاة لايصدق عليه “انه من صلى” ما لم‌يفرغ من صلاته مع انه يصدق عليه المصلي، على ان لازم ذلك ان المشتق الذي يكون مبدأه من الوجودات الآنية -التي توجد آنامّا ثم تنعدم- لايكون حقيقة الا في خصوص ما انقضى عنه المبدأ، وهذا خلاف الوجدان لوضوح صدقه حقيقة على الذات في آن الحدوث.

وثانيا: انه لايصح ان يقال “زيد من قام غدا” ولو كان الغد قيدا للنسبة التامة بان يكون معناه ” زيد غدا من قام” فانه يساوق ان يقال بالفارسية ” زيد فردا كسى است كه ايستاد” بينماأنه يصح ان يقال “زيد قائم غدا”، وهذا علامة ظاهرة على اختلافهما مفهوما.

هذا وقدحكى في مباحث الاصول عن السيدالصدر”قده” انه قبل هذاالجامع كجامع عرفي([3]) الاأنه نقل في البحوث أنه أوردعلى هذا الوجه بايرادين آخرين:

اولهما: ان اخذ مفاد الفعل الماضي لايصح في مثل اسم الآلة او المكان والزمان ونحوها من المشتقات.

ثانيهما: ان الفعل الماضي يدلُّ ولو بالدلالة التصورية على حركة المبدأ من العدم الى الوجود وصدوره من ذات لكن المشتق يحكي عن الذات المتصفة بالمبدأ ولايحكي عن وجودها او تحقق المبدأ لها([4]).

ولكن يلاحظ على ايراده الأول ان المراد هو اخذ الفعل الماضي بنحو مناسب لسنخ تلبس الذات بالمبدأ فالمفتاح ما اعدّ للفتح والمقتل ما وقع فيه القتل والصائغ من احترف الصياغة وهكذا.

ويلاحظ على إيراده الثاني انه ان كان المقصود كون جملة “من قام” حاكية عن تحقق القيام خارجا بخلاف كلمة القائم فهو –مضافا الى كونه مخالف لما يظهر من مبناه([5])– خلاف الوجدان، اذ اي فرق بين جملة “الرجل الذي قام” وبين جملة “الرجل القائم” فان كلتيهما من الجملة الناقصة التي لاتحكي الا عن المفهوم، فان الجملة الوصفية المشتملة على ذات وقع الفعل الماضي طرفا لنسبة ناقصة وصفية لها حيث لاتحكي عن وجود الذات بل تحكي تصورا عن ذات متصفة بتحقق المبدأ لها وان لم‌توجد الذات ابدا فيمكن الالتزام بان مدلول المشتق راجع اليه بالتحليل فكما ان من ضُرب تحكي عن حصة خاصة من الذات وهي التي وقع الضرب عليها فكذا المضروب يدل على تلك الذات ولامانع من الالتزام به ابدا، وان كان المقصود دلالة جملة “من قام” على حدوث القيام بخلاف القائم حيث يصدق على ما لو فرض تلبس الذات بالقيام من بدء وجودها، فلو سلم فلايتم في مثل جملة من ثبت له القيام،.

الوجه الثاني: تصویر جامع الانتزاعي

الوجه الثاني: ما حكي عن السيد الخوئي “قده” من انا لو سلمنا عدم تصوير جامع حقيقي بين المتلبس بالمبدأ وما انقضى عنه المبدأ فالجامع الانتزاعي ممكن وهو عنوان احدهما، فللواضع ان يتصور الذات المتلبسة بالقيام والذات التي انقضى عنها التلبس بالقيام ثم يتعهد بانه متى قصد تفهيم احديهما يتلفظ بكلمة القائم([6]).

مناقشه

اقول: ان كان مقصوده ما لعله يظهر من ذيل كلامه من ان الواضع يتعهد بانه متى اراد تفهيم واقع احدهما –اي الذات المتلبسة بالمبدأ او الذات التي انقضى عنها التلبس- (لامفهوم احدهما) يبرزه بلفظ المشتق، فهو غير محتمل عرفا لأدائه الى الاشتراك اللفظي ويلزم منه ان يكون ارادة كلا المعنيين ممتنعا او مجازا نظير استعمال اللفظ المشترك في معنيين.

وان كان مقصوده ما قد يظهر من صدر كلامه من وضع لفظ المشتق لمفهوم احد الذاتين –اي الذات المتلبسة بالمبدأ او الذات التي انقضى عنه التلبس بالمبدأ- فهو ايضا غير محتمل عرفا لعدم تبادره من لفظ المشتق مضافا الى استلزامه عدم امكان الاطلاق الشمولي فيه، اذ يكون معنى اكرم العالم اكرم احد الذاتين، فيكفيه ان يكرم إما المتلبس الفعلي بالعلم او من انقضى عنه التلبس به، وهذا خلف كون الخطاب شموليا حيث ان مقتضى الشمولية وجوب اكرامهما معا.

وان كان مقصوده وضعه للذات المقترنة باحد الأمرين إما التلبس الفعلي بالمبدأ او انقضاء المبدأ عنها، وهو وان لم‌يرد عليه اشكال عدم امكان الاطلاق الشمولي، لكنه غير محتمل عرفا، لعدم تبادره من لفظ المشتق.

الوجه الثالث: ان الجامع هو الذات التي خرج المبدأ فيها من العدم الى الوجود لابشرط

الوجه الثالث: ما حكي عن السيد الخوئي “قده” ايضا من ان الجامع الحقيقي هو الذات المنتقض عدم المبدأ فيها بالوجود او فقل الذات التي خرج المبدأ فيها من العدم الى الوجود لابشرط من بقاءه وزواله([7]).

مناقشه

واورد عليه في البحوث ما محصله: اولا انه لايحتمل اخذ هذه المفاهيم في مفهوم المشتق فانه لايفهم تلبس الذات بالمبدأ فيه بواسطة تصور خروج المبدأ من العدم الى الوجود او تصور انتقاض العدم فيه، بل يفهم فيه نفس وجود المبدأ له مباشرة.

وثانيا ان مفهوم المنتقض مشتق ايضافأخذه في مفهوم سائر المشتقات لايحل المشكلة، فلو كان المرادمن المنتقض هوالمتلبس بالانتقاض فعلا فلايكون المبدأ بالنسبة الى الذات التى انقضى عنه المبدأ –كالعلم بالنسبة الى من انقضى عنه التلبس به – متلبسا بانتقاض العدم فعلا، فان ادعي أن المنتقض بمعنى ما انتقض فمرجعه الى التصوير الاول الذي ذكر للجامع للأعم.

ان قلت ان الجامع هو الذات التي يكون العدم الازلي للمبدأ فيها منتقضا، فيشمل فرض انقضاء تلبس الذات بالمبدأ.

قلت نعم ولكن يرد عليه اشكال عدم احتمال اخذ هذه المفاهيم في المشتق([8]).

اقول: الظاهر من انتقاض عدم المبدأ هو انتقاض طبيعي عدم المبدأ، وهذا يحصل باول وجوده، فلاحاجة الى اخذ مفهوم انتقاض العدم الازلي، الا انه كما افاد “قده” ليس المنساق من المشتق انتقاض عدم المبدأ ولو بنحو المفهوم الاجمالي الاندماجي، بل المنساق منه نفس وجود المبدأ مباشرة

الوجه الرابع: تصوير جامع عرفي

الوجه الرابع: ما يخطر بالبال من امكان تصوير جامع اعمي عرفي وهو الذات المنسوب اليها المبدأ بالنسبة التحققية سواء كان المبدأ باقيا او زائلا، فان الوجدان اصدق شاهد على انه اذا قيل “ان زيدا وعمروا مضروبا بكر” وقد كان زيد قد ضُرب سابقا ولكن عمرو كان يقع عليه الضرب حال النطق فقد لوحظ في المشتق معنى جامع، ولاموجب لأن يقال بان اطلاقه على زيد بلحاظ حال التلبس فيراد منه انه كان مضروبا سابقا.

وان شئت قلت ان الواضع يلحظ بنحو الاجمال الذات التي قد وقع عليها الضرب لابشرط من كون الضرب باقيا او منقضيا فيضع اللفظ بازاء الصورة الاجمالية ولايخفى انا لاندعي اخذ مفهوم الفعل الماضي بمعناه الحقيقي في المشتق حتى يرد عليه ما اورد على الوجه الاول بل ندعي اخذ النسبة التحققية المقابلة للنسبة الترقبية التي هي في المستقبل فقط.

واما ما في البحوث من ان قليلا من التدبر يوجب الجزم بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ، اذ مادته دالة على الحدث وهيئته دالة على تلبس الذات به باحد انحاء التلبس وتلبس الذات بالحدث فرع وجود الحدث، هذا مضافا الى عدم تصوير جامع اعمي بنحو يحتمل وضع المشتق له عرفا([9]).

ففيه انه لاريب في ان النسبة المدلولة لهيئة المشتق لابد ان تكون موجودة حال الاسناد، ولكن لايعني هذا لزوم وجود المبدأ وتلبس الذات به فعلا، بل يكفي ان تكون بين الذات والمبدأ المنقضي نسبة عرفية باقية، كما في قولنا “من وقع عليه الضرب”، فالصحيح تصوير جامع للأعم أيضا.

الجهة الخامسة: ادلة الوضع للمتلبس والأعم

الجهة الخامسة: قد استدل على وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ بعدة وجوه عمدتها ما يلي:

وجوه استدل على وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ

الاول: التبادر

الاول: التبادر وقال صاحب الكفاية انه قد يورد عليه انه لايكشف عن وضعه له بل لعله لأجل الانصراف الناشيء عن كثرة الاستعمال، ولكن الجواب عنه بان استعماله في المنقضي عنه المبدأ ايضا كثير لو لم‌يكن اكثر.

فان قيل: ان هذا مناف لحكمة الوضع، فيجاب عنه بانه على فرض قبول كون كثرة استعمال اللفظ في المعنى المجازي مخلا بحكمة الوضع، فما هو المسلَّم كثرة اطلاق المشتق على من انقضى عنه المبدأ، وحينئذ فبناء على القول بالوضع للمتلبس يمكن حمله على كونه بلحاظ حال التلبس، فيكون معنى قولنا”زيد سارق دار عمر”انه كان سارقا، فلم يستعمل في الاعم، ولكن بناء على الوضع للأعم لم‌يلزم حمله على ارادة حال التلبس، بل يكون المراد من قولنا “زيد سارق دار عمرو “كونه فعلاً مصداقا للسارق بلحاظ تلبسه بالمبدأ سابقا.

فمن هنا نعلم بان تبادر خصوص المتلبس بالمبدأ فعلا لايكون ناشئا عن تعين كثرة استعماله فلابد ان يستند التبادر الى الوضع، وحينئذ يحكم بان المراد في غالب تلك الاستعمالات فيمن انقضى عنه المبدأ على كون الاسناد بلحاظ زمان التلبس تحفظا على حكمة الوضع([10]).

وقد ذكر في البحوث ان اساس الاشكال –اي دعوى احتمال كون التبادر مستندا الى الانصراف الناشيء عن كثرة الاستعمال فلايكشف عن الوضع- غير متجه، فان التبادر ولو كان مستندا الى الانصراف الناشيء عن كثرة الاستعمال يكشف عن الوضع التعييني على الاقل حيث يفرض انه صار المشتق بحيث اذا اطلق بلاقرينة انسبق منه معنى المتلبس بالمبدأ([11]).

مجرد ظهور اللفظ في المعنى اذا استعمل بلاقرينة خاصة كاف لوقوع التبادر

اقول: بل لو فرض انه لم‌يكشف عن تحقق الوضع فكشفه عن مجرد ظهور اللفظ في المعنى اذا استعمل بلاقرينة خاصة كاف للفقيه ولو كان ظهوره ناشئا عن قرينة نوعية كما في ظهور مالايؤكل لحمه في الحيوان او ظهور كلمة الحيوان في غير الانسان، هذا بعد افتراض ان التبادر ليس بدويا لاجل انس الذهن بالفرد الاعلى منه.

ثم ذكر في البحوث ان ماذكره صاحب الكفاية “قده”(من كثرة استعمال المشتق فيما انقضى عنه المبدأ) غير متجه.

لانه في القضايا التي يقع المشتق موضوعا فيهاللحكم مثل “أكرم العالم” لايوجد فيه اي تطبيقه على فرد حتى يلحظ كونه مستعملا في الاعم ممن انقضى عنه المبدأ ام لا.

واما القضايا الاسنادية التى تدل على صدور الفعل من مشتق كقولنا”ضربَ العالم ” فيكون الملاك التلبس بالمبدأ في زمان الاسناد، والموارد التي يكون الاسناد فيها بلحاظ من انقضى عنه المبدأ مثل قوله تعالى “الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة” وكذا قوله تعالى”والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما” -حيث ان الجلد او القطع قد أسند الى من انقضى عنه التلبس بالزنا او السرقة- ليست كثيرة.

واما في القضايا الحملية التي انعدم الموضوع فيها فعلا فالملاك تلبس الموضوع حال وجوده بالمبدأ كقولنا” الشيخ المفيد عالم”، والقضايا الحملية التي فرض بقاء الموضوع فيها فعلا فليست بتلك الكثرة فضلا عن كثرة الاستعمال فيها للاعم([12]).

اقول: من المحتمل ان صاحب الكفاية لاحظ موارد حمل اسم الفاعل والمفعول فيما اذا كان المبدأ آنيا لابقاء له مثل “زيد ضارب عمرو” و”عمرو مضروب زيد”، ولكن المهم ان هذه الاستعمالات ليست بتلك المثابة من الكثرة.

الثاني: ان ارتكازية تضاد المشتقات تكشف عن وضعها لخصوص المتلبس بالمبدأ

فاذا قيل زيد عالم وجاهل في آن واحد كان متضادا عرفا، وما يقال من ان الاعمي ينكر تضادهما لانه لاتضاد بين التلبس السابق بالعلم والتلبس الفعلي بالجهل فغير متجه، لان المراد ارتكازية تضاد العالم والجاهل بما لهما من المعنى المركوز في الأذهان، فان الملازمة الذهنية بين المشتق ومعناه قد تكون فيها نحو خفاء لايتبادر معناه بحد نفسه فيتوصل الى مثل هذه الطريقة.

الثالث: صحة سلب

الثالث: صحة سلب المشتق فعلا بما له من المعنى المركوز عما انقضى عنه المبدأ عرفا وقد مر صحة جعله علامة لكشف الحقيقة.

وقد اورد عليه هنا بانه ان اريد من قولنا “زيد ليس بعالم” -فيما اذا انقضى عنه التلبس بالعلم- انه ليس بعالم فعلي اي ليس متلبسا فعلا بالعلم، فنفي المقيد لايعني نفي مطلق العالم عنه، وان اريد نفي كونه عالما في جميع الأزمنة عنه فهو كذب.

واجاب عنه في الكفاية بان الفعلية ليست قيدا للمسلوب وانما هي قيد للسلب، اي انه فعلا ليس بعالم بقول مطلق([13]).

ولابأس بما افاده، وان كان الأولى ان يقال انه حتى ولو كانت الفعلية قيدا للعالم فيصح سلب العالم الفعلي عمن انقضى عنه العلم فانه يطابق نفي العالم عنه بقول مطلق، نعم لو كانت الفعلية قيدا للتلبس بان يراد سلب المتلبس الفعلي بالعلم عنه او تكون قيدا للمبدأ بان يراد سلب التلبس للعلم الفعلي عنه فلايستلزم ذلك سلب مطلق العالم عنه.

وجوه استدل لوضع المشتق للاعم

وقد استدل لوضع المشتق للاعم بعدة وجوه أخرى:

الاول: التبادر وصحة الحمل

الاول: التبادر وصحة الحمل، فانه يقال “زيد مضروب “بلحاظ وقوع الضرب عليه سابقا، ويقال” عمرو ضارب “كذلك.

وفيه اولا: انه لو تم ذلك فغايته الالتزام بكون المشتق حقيقة في الاعم فيما اذا كان المبدأ آني الوجود، لااستمراري الوجود كما في المعبود والمحبوب ونحو ذلك، وعن السيد البروجردي “قده” انه كان يقول به سابقا.

وثانيا: ان هذا التبادر ممنوع، ولأجل ذلك يصح ان يقال” زيد فعلا ليس بمضروب ولاضارب”، ففي مثال “زيد مضروب” اذا كان الاستعمال بلحاظ وقوع الضرب عليه سابقا فيكون الاسناد بلحاظ حال التلبس اي كان مضروبا.

نعم حيث ان المتعارف هو انقضاء التلبس بالمبدأ في هذه المشتقات التي يكون مبدأها آني الوجود فلاينعقد ظهور انصرافي في اتحاد زمان الاسناد والنطق.

الثاني: قوله تعالى” الزانية والزاني و السارق والسارقة

الثاني: قوله تعالى” الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة([14]) ” وكذا قوله تعالى” السارق والسارقة فاقطعوا ايديهما([15])“، ومن الواضح ان من يجب جلده او قطع يده قد انقضى عنه مبدأ الزنا والسرقة.

وقد اجاب عنه السيد الخوئي “قده” بان النزاع في المشتق انما يأتي في القضية الخارجية حيث يفرض تحقق تلبس ذات بالمبدأ خارجا ثم انقضائه فيقال هل يصح حمل المشتق عليه حينئذ ام لا، واما القضية الحقيقية فهي قضية فرضية قد لايكون تلبس خارجي فيها بالمبدأ ابدا وعليه فالآية لاترتبط بمورد النزاع([16]).

وهذا غريب جدا اذ الاعمي يقول بان مصداق المشتق المأخوذ موضوعا للحكم في القضية الخارجية او الحقيقية اعم من الذات المنقضي عنها التلبس بالمبدأ، فاكرم العالم يشمل من كان متلبسا بالعلم سابقا.

اقسام عنوان المأخوذ في الخطاب

وكيف كان فقد اجيب عن الاستدلال بهاتين الآيتين بان العنوان المأخوذ في الخطاب اما ان يكون معرفا محضا بلادخل له في حدوث الحكم وبقاءه كعنوان الجالس في قوله عليك بهذا الجالس، وقد يكون دخيلا في حدوث الحكم وبقاءه كما هو الظاهر الأولى للخطاب مثل اكرم العالم وقلد المجتهد العادل، وقد يكون حدوثه دخيلا في حدوث الحكم من دون يناط بقاء الحكم ببقاءه كما هو الحال في هاتين الآيتين، فانه -مضافا الى مناسبات الحكم والموضوع- لاينفَّذ الحد حين السرقة والزنا، فيكون معنى الآية إما ان من كان زانيا يجلد ومن كان سارقا يقطع يده، او يكون تطبيق عنوان الزاني والسارق على المنقضي عنه المبدأ بنحو المجاز الإدعائي، والا فانه يصح سلب عنوان السارق عمن سرق قبل شهر و لم‌يكن حرفته ذلك فيقال انه ليس فعلا سارق.

الثالث: استدلال الامام (عليه‌السلام) بقوله تعالى لاينال عهدي الظالمين

الثالث: استدلال الامام (عليه‌السلام) على ما في الروايات بقوله تعالى “واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين” على انّ من عبد الأصنام في زمانٍ‌ما، لايصلح للإمامة الى الأبد([17])، ولو كان المشتق موضوعا لخصوص المتلبس بالمبدأ لم‌يتم استدلال الإمام (عليه‌السلام) بالآية، وقد ذكر الفخر الرازي ان الرافضة استدلوا بذلك على عدم لياقة الخلفاء للإمامة ولكنه مبنى على كون المشتق حقيقة في الأعم وهو ممنوع، فان من حلف ان لايسلِّم على كافر فسلَّم على من كان كافرا سابقا لكنه صار مؤمنا فانه لايحنث بذلك([18]).

وقد يقال –كما في المحاضرات- ان الاستدلال بالآية لايتوقف على وضع المشتق للأعم، فان المناسبات العرفية تقتضي كفاية حدوث عنوان الظالم لعدم لياقة الإمامة الى الأبد، وقد ورد في صحيحة زرارة “لايصلين احدكم خلف المجذوم والأبرص والمحدود وولد الزنا([19])” فاذا كانت امامة الجماعة لاتصل الى مثل هؤلاء فكيف ظنك بوصول منصب الإمامة لمن كان مشركا ولو في زمان سابق([20]).

وفيه انه لو تم ذلك بناء على تفسير الشيعة للإمامة فلايتم على مسلك العامة، فانهم لايرون الامامة الا تصدي الشؤون الاجتماعية فحسب، والظاهر من الرواية أن الامام (عليه السلام)بصدد الاحتجاج معهم، لا النقاش معهم في مبناهم في تفسير حقيقة الامامة، فبناء عليه ما يكون موجبا لوهن المذهب كابتلائه سابقا باعمال شنيعة فلااشكال في منعه عن صلاحية التصدي للمنصب، اما مثل الشرك او بعض المعاصي غير الشنيعة عرفا فلادليل على منعه عنها، ولذا يجوز الصلاة خلف حديث الاسلام ولو كان مشركا سابقا، فهل ترى منقصة عرفية في تصدي مثل ابي ذر ومقداد وعمار وبلال ومصعب بن عمير لمنصب الخلافة والامامة بمجرد سبق الشرك -الذي هو ظلم عظيم -من بعضهم او كلهم، خاصة بعد ابتلاء عامة الناس به، فالانصاف –كماذكره السيد الگلپايگاني “قده”([21])– ان الاستدلال في هذه الروايات لم‌يكن بظهور الآية وانما كان بتأويلها بغرض اقناع الخصم وهدايته الى الحق، والاستدلال بتأويل الآية كثير يظهر بالتتبع في الروايات.

واما ما حكى السيد الطباطبائي “قده” في الميزان عن بعض اساتذته ان شأن ابراهيم (عليه‌السلام) اجلّ من ان يسأل الإمامة للظالم الفعلي، وحيث ان ظاهر الآية رد دعائه في الجملة فلابد ان يكون دعائه الامامة للظالم السابق ايضا([22])، ففيه انه لم‌يظهر كون الذيل في الآية في مقام رد دعائه، على ان معنى الاطلاق ليس هو الالتفات الى الخصوصيات فلعله (عليه‌السلام) لم‌يلتفت عادة الى وجود ظالم في ذريته، خاصة وان دعائه لم‌يكن اعطاء الإمامة لجميع ذريته.

التفصيل بين بعض المشتقات وبعض

قد يقال بوضع المشتق للأعم في خصوص اسماء الحِرف والصناعات([23]) وأسماء الملكات كالمجتهد والمهندس وأسماء الآلات كالمفتاح وبين سائر المشتقات، فيلتزم بصدقها على الذوات مع عدم تلبسها الفعلي بمبادئها، فيقال لزيد ولو حين فوته انه صائغ.

وذكر في البحوث ان تقريب الاستدلال هو انه لو لم‌نقل فيها بالوضع للأعم لزم اختيار احد الوجوه الاربعة:

1- ان يراد من مادة الصائغ مثلا حرفة الصياغة، ولكنه مناف لما ثبت من كون مادة المشتقات موضوعة بوضع نوعي واحد، والمفروض ان سائر المشتقات مثل “الصياغة ” او “صاغ” لاتدل على الحرفة.

2- ان تدل هيئة الصائغ على التلبس الاحترافي والشأني، وفيه ان هيئة فاعل موضوعة بالوضع النوعي على معناها والمفروض ان قائم وقاعد ونحوهما لاتدل على هذه النسبة.

3- ان يتصرف في هيئة الجملة في قولنا زيد صائغ فانه لأجل معهودية كون الصياغة حرفة تكون قرينة عرفا على استفادة شأنية التلبس بالصياغة، وفيه ان مفاد “صائغ” بنفسه هو ذلك ولو فرض عدم كونه في ضمن الجملة.

4- دعوى ان تكرر عمل الصياغة يوجب الغاء الفواصل الزمنية عرفا ادعاء فكأن الذات متلبسة بها دائما، وهذا ما ذكره المحقق العراقي “قده”، وفيه انه لو كان كذلك لصح عرفا ان يقال عن زيد في حال نومه انه متلبس بعمل الصياغة مع انه خلاف الوجدان.

فاذا بطلت هذه الوجوه تعين وضعها للأعم.

واورد عليه في البحوث انه بعد عدم تعقل الجامع للأعم وبعد ما نرى من عدم كون حمل هذه المشتقات بعد انقضاء تلبسها بمبادئها بالكيفية المعهودة فيها حقيقيا، فلايصدق الصائغ حقيقة على من كانت حرفته الصياغة سابقا، فالصحيح ان نختار كون هذه المشتقات موضوعة للمتلبس غير ان النسبة المدلولة لهيئاتها هي النسبة التلبسية الشأنية كالنسبة الاحترافية في مثل الصائغ، ودعوى منافاة ذلك لكون وضع الهيئات نوعيا فلا معنى لاختلاف معنى هيئة واحدة كهيئة الفاعل باختلاف موادّها غير متجهة، لان من يفصِّل بين مثل الصائغ والضارب يقول بوضع هيئة الصائغ للأعم ووضع هيئة الضارب لخصوص المتلبس، فنحن نقول بوضع هيئة الصائغ للنسبة الاحترافية ووضع هيئة الضارب للنسبة الصدورية، على انه لامانع من ان نلتزم بوضع هيئة الفاعل على هذا المعنى الموسع من التلبس وهو التلبس الشأني ولو لم‌يكن فعليا، غايته انه لايوجد مصداق في مثل ضارب وقائم الا بنحو التلبس الفعلي، لعدم تصور غير هذا النحو من التلبس في مورد الضرب والقيام([24]).

الالتزام بوضع هيئة الفاعل مطلقا على التلبس الشأني غير عرفي

اقول: هذا البيان الأخير الذي ذكره “قده” من الالتزام بوضع هيئة الفاعل مطلقا على التلبس الشأني غير عرفي، والمهم هو البيان الأول، فانه لادليل على كون وضع هيئة الفاعل مثلا وضعا واحدا نوعيا، فان مقتضى تدريجية وضع اللغات وكون وضعها تعيّنيا غالبا هو اختلاف وضع هيئة المشتق بلحاظ اختلاف موادّها، بل لعل كلمة الصائغ كانت مثل كلمة الضارب دالة على التلبس بعمل الصياغة اولاً ثم استعملت فيمن حرفته الصياغة الى ان صارت حقيقة فيه فاختلفت عن غيرها، وهكذا الأمر في مثل كلمة اللابن والتامر اي بائع اللبن والتمر، فان الالتزام بكون مدلول المادة فيهما هو بيع اللبن والتمر فيسمى ذلك بالمبدأ الخفي خلاف الظاهر، ولايوجد اي محذور في الالتزام بدلالة هيئتهما على ذلك، ولاينافيه كون مدلول الهيئة من المعاني الحرفية، واما في مثل اسم الآلة كالمفتاح فلامحذور في الالتزام بوضع هيئته نوعيا للنسبة الإعدادية لان هذه الهيئة تدل على اسم الآلة دائما سيلانها في جميع المواد.

ثم لايخفى ان هذه الأسماء قد لايعتبر فيها حتى سبق التلبس الفعلي بالمبدأ، فالمفتاح هو ما أعدّ للفتح ولو لم‌يفتح به باب أبدا، فتوهم الوضع فيها للأعم بعيد عن الصواب جدّا.

ثم ان المحقق الايرواني “قده” التزم في مثل اسم الفاعل وما بحكمه من صيغة المبالغة مما يستند اليه المبدأ بنسبة صدورية -كالضارب والقاتل دون مثل العالِم -بوضعه لاقتضاء التلبس بالمبدأ، فلايضر عدم فعلية التلبس لفقد شرط او وجود مانع فيقال” سمّ قاتل”، نعم لو خص بشخص دون شخص كأن قيل” هذا السم قاتل زيد” او قيل “زيد ضارب عمرو” فيستفاد التلبس الفعلي بالقرينة.

والتزم في اسم المفعول كالمضروب وما بحكمه من صيغة المبالغة بوضعه للأعم.

والتزم في الصفة المشبهة ونحوها- كالعالم والقائم حيث لايكون من اسم الفاعل الذي ينتسب الفعل الى الذات بنسبة صدورية وكذاليس من اسم المفعول – بوضعها لخصوص المتلبس بالمبدأ([25]).

وفيه ما لايخفى، فان حمل الضارب او القاتل على من تحقق فيه مقتضي الضرب والقتل ممنوع جدّا، والتعبير بالسمّ القاتل انما يكون بعناية سببيته للقتل، ولايعبَّر في غيره بمثل هذا التعبير فلايقال لزيد انه قاتل عمرو بمجرد انه اراد قتل عمرو وتحرّك نحوه ولكن منعه عنه مانع.

الحق هو وضع المشتق للمتلبس بالمبدأ بلاتفصيل بين المشتقات

وكيف كان فقد تحصل من جميع ما ذكرناه ان الحق هو وضع المشتق للمتلبس بالمبدأ بلاتفصيل بين المشتقات، ومما يشهد على ذلك عدم التزام المشهور بترتيب احكام المشتق في موارد انقضاء تلبسه بالمبدأ، فلم يحكموا بوجوب الانفاق على الزوجة بعد انقضاء الزوجية عنها بطلاق او نحوه، وكذا بجواز النظر اليها، بل قد مر ان حمل المشتق على من انقضى عنه المبدأ او من سيتلبس بالمبدأ لايصح دائما، وانما يتبع استحسان الطبع المصحح لحمله على من انقضى عنه المبدأ بعلاقة ما كان او حمله على من سيتلبس بالمبدأ بعلاقة الأول والمشارفة، ولايوجد استحسان الطبع المصحح لهذا الحمل دائما، فكيف يقال عن عالم كبير انه جاهل بعلاقة ما كان او عن انسان قاعد انه قائم.

الجهة السادسة: مقتضى الاصل العملي

الجهة السادسة: انه في فرض الشك في وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ او للأعم منه وممن انقضى عنه المبدأ، فتارة يبحث عن مقتضى الاصل العملي الجاري في المسألة الاصولية لتنقيح حال وضع المشتق، واخرى يبحث عن مقتضى الاصل العملي في المسألة الفقهية، اي الاصل الجاري لتنقيح حال الحكم الشرعي الفرعي الذي يكون متعلقا بالمشتقات.

مقتضى الأصل العملي في المسألة الأصولية

صاحب الكفاية: استصحاب عدم اخذ خصوصية التلبس الفعلي بالمبدأ في معنى المشتق

اما الاصل الجاري في المسألة الاصولية، فقد ذكر في الكفاية: ان استصحاب عدم لحاظ الواضع خصوصية التلبس الفعلي بالمبدأ في معنى المشتق لايثبت وضع المشتق للأعم الا بنحو الاصل المثبت، على انه يكون معارضا مع استصحاب عدم لحاظ الاعم([26]).

اشکالات فی هذا استصحاب

اقول: ان استصحاب عدم اخذ خصوصية التلبس الفعلي بالمبدأ في المعنى الموضوع له يواجه أربعة اشكالات:

1-لایجدی الاستصحاب اذا كان النسبة بين المعنيين التباين

1-             انه اذا دار امر المعنى الموضوع له بين معنيين وكان احدهما اخص من الآخر مصداقا، فقد تكون النسبة بينهما مفهوماً نسبة الأقل والأكثر، كما لو لم‌ندرِ ان لفظ الصارم مثلا قد وضع بإزاء السيف او وضع بإزاء السيف القاطع، فيوجدهنا مجال لتوهم جريان استصحاب عدم اخذ الخصوصية الزائدة كخصوصية كون السيف قاطعا في المثال المذكور-في المعنى الموضوع له، ولكن اذاكان بينهما تباين مفهومي كالإكرام والإطعام- حيث ان الإطعام وان كان اخص مصداقا من الإكرام، لكن يوجد بينهما تباين مفهومي، اذ لم‌يؤخذ الإكرام في مفهوم الإطعام- ففي هذا الفرض لايجدي استصحاب عدم وضع اللفظ للمفهوم الأخص جزما، لانه لايثبت كونه موضوعا للمفهوم الأعم الا بنحو الاصل المثبت، وحتى مع غمض العين عن اشكال كونه مثبتا فهومعارض باستصحاب عدم وضعه للمفهوم الأعم، وحينئذ فنقول في المقام حيث أننا لانحرز ان نسبة المعنى الأعم في المشتق الى المعنى الأخص -اي المتلبس الفعلي بالمبدأ- هل هي نسبة الاقل والاكثر مفهوما او نسبة المتباينين مفهوما فاستصحاب عدم وضع لفظ المشتق بإزاء معنى الاخص اي المتلبس الفعلي بالمبدأ لايثبت وضعه للأعم.

2- هل هذا الاستصحاب، يثبت الوضع للاعم ام لا؟

2- لو فرض كون النسبة بين معنيين نسبة الاقل والاكثر مفهوما- كما في مثال تردد لفظ الصارم بين مفهوم السيف او مفهوم السيف القاطع- فيقع الكلام في ان استصحاب عدم اخذ الخصوصية الزائدة قيدا في المعنى الموضوع له هل يثبت الوضع للاعم ام لا ؟

الجواب علی مسلك كون تقابل الاطلاق والتقييد الثبوتيين، تقابل التضاد

فنقول:بناء على مسلك السيد الخوئي “قده” من كون تقابل الاطلاق والتقييد الثبوتيين تقابل التضاد فمن الواضح ان استصحاب عدم التقييد لايثبت الاطلاق فان الاطلاق بناء على هذا المسلك يتقوم بلحاظ سريان الحكم في افراد الطبيعة او فقل لحاظ عدم دخل القيد الزائد في الحكم، فاستصحاب عدم التقييد لايثبت الاطلاق الا بنحو الاصل المثبت حيث يكون من قبيل اثبات وجود ضد باستصحاب عدم ضده الآخر- ومع غمض العين عنه فيتعارض مع استصحاب عدم الاطلاق.

ان قلت: بناء على ما هو المشهور من وضع اسماء الاجناس للماهية المهملة دون اللابشرط القسمي فوضع المشتق للأعم لايعني اطلاق الوضع حتى يدعى كونه امرا وجوديا لايثبت باستصحاب عدم التقييد.

قلت: ان كون المعنى الموضوع له ماهية مهملة امر واهمال الوضع امر آخر، ولايقول بالثاني احد، بل الوضع للماهية المهملة مطلق اي لوحظ وضعه لها اينما تحققت وفي ضمن اية خصوصية.

الجواب علی مسلك كون تقابل الاطلاق والتقييد الثبوتيين، تقابل السلب والايجاب

واما بناء على المسلك من يرى كون تقابل الاطلاق والتقييد الثبوتيين تقابل السلب والايجاب، فقد يقال بانه حيث يكون الاطلاق نفس عدم التقييد فيجري استصحاب عدم اخذ الخصوصية الزائدة قيدا وبضم احراز اخذ الجامع في المعنى يحرز الاطلاق، ولايعارضه استصحاب عدم الوضع للأعم، لان المفروض ان المعنى الأعم داخل في المعنى الموضوع له جزما، وانما الشك في اخذ قيد آخر معه فيجري استصحاب عدمه.

وقديبدو من كلام البحوث في المقام انه يلتزم بامكان اثبات الاطلاق باستصحاب عدم التقييد، بناء على كون التقابل بين الاطلاق والتقييد الثبوتيين تقابل السلب والإيجاب –كما هومسلكه “قده”- وهذاممايترتب عليه ثمرات مهمة في الفقه، فلو لم‌ندر ان العقد العربي صحيح او مطلق العقد او لم‌ندر ان العالم العادل واجب الإكرام او مطلق العالم او لم‌ندر ان الدم الأحمر نجس او مطلق الدم، فاستصحاب عدم التقييد يحرز لنا كون الموضوع للحكم هو المطلق اللابشرط عن الخصوصية المشكوكة.

وهذا مما يبعد التزامه به وقد ذكر في بحوث الفقه ان البراءة عن الأكثر لاتثبت كون الموضوع او المتعلق للحكم هوالاقل لابشرط فلايثبت الاطلاق بالبراءة، وظاهره هناك قبول جريان استصحاب بقاء الجنابة وحرمة الدخول في المسجد مثلا في فرض ترك مايشك في جزئيته اوشرطيته في غسل الجنابة كما لو شك في شرطية الترتيب بين الجانب الايمن والايسر فيه، وانماجاز الاكتفاء بالصلاة مع هذا الغسل لانه لم‌يدل دليل على مانعية الحدث بعنوانه في الصلاة كي يستصحب وانما دل على اشتراط الصلاة بنفس الغسل في حال الجنابة مع عدم صدور الناقض بعده الى آخر الصلاة فتجري البراءة عن تقيد الصلاة بالغسل المراعى فيه الترتيب بين الجانب الايمن والايسر.([27]) فلوكان يرى ان استصحاب عدم التقييد يثبت الاطلاق لكان ينبغى ان لايكتفي بدعوى ان البراءة عن التقييدلاتثبت الاطلاق

الجواب علی مسلك كون تقابل الاطلاق والتقييد الثبوتيين، تقابل العدم والملكة

واما بناء على مسلك المحقق النائيني “قده” من كون تقابل الاطلاق والتقييد الثبوتيين تقابل العدم والملكة وان الاطلاق هو عدم التقييد في مورد قابل للتقييد فقد يقال –كما ذكره في البحوث وحكي عن بعض السادة الأعلام دام ظله- انه لايثبت الاطلاق باستصحاب عدم التقييد، فانه نظير استصحاب عدم البصر مع إحراز قابلية المحل للبصر فعلا فانه لايجدي في اثبات تحقق عنوان العمى بعد كونه عنوانا بسيطا لامركبا، وفيه انه وان تم هذا الكلام في عدم الملكة الذي يكون بعنوانه موضوعا للأثر الشرعي، ولكن كون الاطلاق الثبوتي عدم ملكة لايعني كونه بهذا العنوان البسيط الانتزاعي موضوعا لأي أثر حتى يقال بانه لايثبت بضم الوجدان الى الاصل، بل الموضوع للأثر العقلي والعقلائي هو واقع الاطلاق، ولاباس بضم الوجدان الى الاصل فيه عدم التقييد يثبت كون المطلق هو الموضوع للحكم فيترتب عليه جميع الآثار.

ولكن الظاهرانه بناء على كون التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل السلب والايجاب او تقابل العدم والملكة ايضا يكون اثبات الاطلاق باستصحاب عدم التقييد من الاصل المثبت، ولولاجل ان العرف يرى ان النسبة بين الاطلاق والتقييد نسبة التباين لاالاقل والاكثر وان فرض كون النسبة بينهما الاقل والاكثر بالنظر العقلى.

توضيح ذلك: انه بناء على المسلك الصحيح من ثبوت الانحلال في الجعل في العام بل في المطلق الشمولي فاستصحاب عدم التقييد لايثبت جعل الحكم لفاقد القيد، وقد ذكرنا في محله ان الانحلال في الجعل هو الظاهر في العام الشمولي كقوله كل دم نجس، حيث ينصبّ الجعل فيه على الأفراد، فيجعل لكل فرد حكما على نحو الوضع العام والموضوع له الخاص- كما لوقال الزعيم في يوم الغدير” وضعت اسم عليّ لكل من وُلد في هذا اليوم-بل الظاهر ان الخطاب المطلق الشمولي لايختلف عن الخطاب العام الشمولي ثبوتا وانما الاختلاف بينهما في مقام الاثبات، ولولا ذلك لم‌يتيسر إبداء الفرق بين خطاب النهي عن صرف الوجود وبين خطاب النهي عن مطلق الوجود فقد ينهى المولى عن التكلم على نحو النهي عن صرف الوجود بحيث لو تكلم العبد مرة واحدة لحصل العصيان وسقط خطاب النهي رأسا، وقد ينهى عن التكلم على نحو المطلق الشمولى بحيث يكون كل فرد من التكلم عصيانا مستقلا لهذا النهي، ولايكون الفرق بينهما عادة الا بكون النهي في المطلق الشمولي انحلاليا، بخلاف النهي في صرف الوجود، ولاريب في ان منشأ الاختلاف بينهما هو الاختلاف في كيفية الجعل، وما ادعيناه من الانحلال في الجعل لايعني الانحلال في لحاظ المولى او في عملية الجعل، بل يكون على نحو الوضع العام والموضوع له الخاص.

و لو سلمنا عدم الانحلال في الجعل، لكنه لااشكال في انحلال الخطاب الشمولي في مقام التطبيق والفعلية، فحينما يقول الشارع “الثوب الملاقي للدم نجس” فحتى لو قلنا بانه لم‌يصدر منه الاجعل واحد لنجاسة طبيعة الثوب الملاقي للدم، لكنه حيث تتحد الطبيعة مع افرادها فيثبت وصف الطبيعة “وهو النجاسة ” لكل فردمن افرادالثوب الملاقى للدم، وقديعبر عن ذلك بانحلال المجعول بالعرض، وترتب انحلال المجعول بالعرض على اطلاق الجعل ترتب عقلي وليس ترتبا شرعيا، فيكون إثباته باستصحاب عدم التقييد من الأصل المثبت، ويشهد على ذلك ارتكازية كون اثبات نجاسة الدم الأصفر باستصحاب عدم تقييد الدم في مقام جعل النجاسة بكونه احمر من الأصل المثبت، وكذا اثبات وجوب اكرام العالم الفاسق باستصحاب عدم تقييد العالم في مقام جعل وجوب الاكرام له بكونه عادلا، فانه يكون من اثبات اللازم العقلي باستصحاب ملزومه.

ان قلت:انه يكفي في ترتيب الآثارالشرعية وكذا الاثر العقلي -وهو المعذرية والمنجزية – قيام الحجة على الجعل وعلى تحقق موضوعه، بل قد يقال-كمايظهر من البحوث – بأنه ليس الحكم الفعلي الا اجتماع الجعل وتحقق الموضوع، فقوله “لاتصل في النجس “ظاهر في ان مانعية ثوبٍ عن الصلاة مترتبة على جعل النجاسة للثوب الملاقي للدم مثلا وملاقاة ذلك الثوب للدم فلو شككنا في تقييدموضوع الجعل بكون الدم احمر، وقلنا بان الاطلاق هو عدم التقييد، فباستصجاب عدم التقييد يتم قيام الحجة على اطلاق الجعل، وبضم ذلك الى العلم بملاقاة الثوب للدم فلاتجوز الصلاة في الثوب الملاقي للدم الاصفر.

قلت:هذا وان تم بالنسبة الى الاثرالعقلي من المنجزية والمعذرية في مورد الخطاب التكليفي كوجوب اكرام العالم فيقال بانه يكفي في حكم العقل بالمنجزية التعبد بالجعل واحراز موضوعه، ولكنه خلاف الظاهر بالنسبة الى الآثار الشرعية فظاهر قوله “لاتصل في النجس “ان موضوع المانعية في الصلاة هو الحكم الفعلي اي كون الثوب نجسا، وليس هو متحدا مع الجعل الكلي لنجاسة الثوب الملاقي للدم مع تحقق موضوعه، ولذا يتخلل بينهما فاء التفريع فيقال جعل الشارع النجاسة للثوب الملاقي للدم، وهذا الثوب ملاقٍ للدم، فهذاالثوب نجس.

3- ان جريان هذا الاستصحاب لایکون الا بنحو الاصل المثبت

3- ما ذكره في البحوث ومحصله ان جريان استصحاب عدم أخذ القيد الزائد في مقام الوضع لأجل إثبات وضع لفظ المشتق للأعم لايثبت ظهوره فيه الا بنحو الاصل المثبت، فان الظهور التصوري مسبب تكويني عن عملية وضع الواضع، فكيف بالظهور التصديقي الاستعمالي الذي يكون هو الموضوع لحجية الظهور([28]).

ويلاحظ عليه انه قد يقال بامكان اجراء الاستصحاب في نفس الظهور فيجري استصحاب عدم تقييد المعنى الظاهر للفظ المشتق للتلبس الفعلي بالمبدأ، وبضم احراز ظهوره في الجامع يثبت المطلوب.

4- عدم امکان تنقيح موضوع الحجیة بالاستصحاب

4- ما قد يقال ان الحجية حكم عقلائي ويحتمل ان يكون موضوعها عند العقلاء هو الظهور الواصل الى المكلف بالوجدان او بالطريق العقلائي، فلايمكن تنقيح هذا الموضوع بالاستصحاب، نعم لوعلم بكون موضوع الحجية بنظر العقلاء هو واقع الظهور، وانما يكون العلم او الأمارة العقلائية طريقا محضا اليه، امكن تنقيح الموضوع بالاستصحاب.

مقتضى الأصل العملي في المسألة الفقهية

اماالاصل الجاري في الحكم الفرعي فقد ذكر في الكفاية انه يختلف بحسب اختلاف الموارد ففي مثل “اكرم كل عالم” لو كان وجوب الاكرام ثابتا قبل انقضاء تلبس زيد بالعلم فيجري استصحاب بقاء وجوب اكرامه والا فتجري البراءة عنه او يستصحب عدمه.

اقول هنا عدة نكات:

بناء على جريان الاستصحاب التعليقي

1- بناء على جريان الاستصحاب التعليقي كما هومسلك صاحب الكفاية “قده” فلوثبت الحكم التعليقي قبل انقضاء تلبس الذات بالمبدأ فيمكن استصحابه كما لو ورد “اذا جاءك العالم فاكرمه” وكان زيد متلبسا بالعلم حين ورود هذا الخطاب ولكن لم‌يتحقق مجيئه الذي هو شرط وجوب اكرامه الا بعد ان زال عنه التلبس بالعلم فيقال ان زيدا كان يجب اكرامه اذا جاء فيجري استصحابه.

بناء علی عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية

2- ان من لايرى جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية –إما بدعوى قصور المقتضي بموجب انصراف ادلة الاستصحاب الى الشبهات الموضوعية كماهو مختار بعض السادة الاجلاء “دام‌ظله” او بدعوى معارضة استصحاب بقاء المجعول مع استصحاب عدم الجعل الزائد كما هو مختار الفاضل النراقي والسيد الخوئي “قدهما”([29])– فلايجري استصحاب بقاء الحكم الثابت للمشتق قبل زوال تلبسه بالمبدأ.

بل ذكر السيد الخوئي “قده” انه لو كان الحكم انحلاليا فلامقتضي فيه لجريان استصحاب بقاء المجعول، ومن هذا القبيل خطاب وجوب اكرام العالم فان وجوب اكرام من انقضى عنه التلبس بالعلم فرد آخر من الوجوب غير وجوب اكرامه الثابت قبل انقضاء تلبسه، فيكون استصحاب بقاء الوجوب من القسم الثالث من استصحاب الكلي والصحيح عدم جريانه، الا أنا قد ذكرنا في بحث الاستصحاب عدم تمامية هذا الاشكال لكفاية وحدة الجعل المستفاد من الخطاب.

يكون المقام من قبیل الاستصحاب الموضوعي في الشبهة المفهومية والمشهور عدم جريانه

3- انه في المقام حيث يكون المشتق شبهة مفهومية فلو انقضى تلبس زيد بالعلم فلايجري في حقه استصحاب كونه عالما، لانه يكون من الاستصحاب الموضوعي في الشبهة المفهومية، والمشهور عدم جريانه.

وقد ذكر المحقق العراقي “قده” في بحث الاستصحاب في وجه ذلك انه يكون من قبيل استصحاب الفرد المردد، حيث ان معنى المشتق الذي يكون موضوعا للأثر مردد بين مفهوم يعلم بارتفاعه وهو مفهوم المتلبس الفعلي بالمبدأ وبين مفهوم يعلم ببقاءه وهو المفهوم الأعم فلايتم فيه اركان الاستصحاب، وأما عنوان المفهوم الذي وضع بإزاءه لفظ المشتق فليس موضوعا للأثر أبدا، لان الشارع حينما أنشأ وجوب اكرام العالم مثلا جعل وجوب الاكرام على واقع مفهوم العالم و لم‌يأخذ خصوصية وضع لفظ العالم له في موضوع الحكم، وهذا نظير ما لو ورد في الخطاب ” اذا كان زيد في الدار في يوم الجمعة فتصدق” وورد في خطاب آخر ” اذا كان عمرو في الدار يوم الجمعة فتصدق” فعلمنا بوجود احدهما في الدار يوم الخميس ثم علمنا بعدم كون زيد في الدار يوم الجمعة ولكن احتملنا بقاء عمرو في الدار على تقدير حدوثه فلايجري استصحاب بقاء احدهما في الدار، لان الأثر الشرعي وهو وجوب التصدق مترتب على الفرد لاالكلي والعنوان الجامع، والمفروض عدم تمامية اركان الاستصحاب في اي من الفردين للشك في حدوث كون زيد في الدار مضافا الى العلم بارتفاعه على تقدير حدوثه والشك في حدوث كون عمرو في الدار.

واما استصحاب بقاء احدهما في الدار لترتيب آثار الفرد فهو وان تم فيه اركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق لكن المفروض انه ليس بهذا العنوان موضوعا للأثر، -والا جرى استصحابه من باب استصحاب القسم الثاني من الكلي- ويلزم في الاستصحاب الموضوعي ان يجري في عنوان يكون بنفسه موضوعا للأثر والا لكان اصلا مثبتا، وهذا هو الذي يسمى بالاستصحاب في الفرد المردد، وقد ذكرفي البحوث نظير هذاالوجه.

وفيه انه لامانع من جريان الاستصحاب في الفرد المردد، حيث ان الفرد وان لم‌يتم فيه اركان الاستصحاب بعنوانه التفصيلي لكن تم فيه اركانه من خلال رؤيته من عنوان اجمالي وهو عنوان احدهما، فيقال ذاك الذي كان في الدار يوم الخميس مما يعلم بحدوثه ويشك في بقاءه، والمفروض ان المشار اليه موضوع للأثر الشرعي وهو وجوب التصدق، ولاموجب لرفع اليد عن عموم دليل الاستصحاب في مثله.

ولأجل ذلك التزمنا انه لو كان يعلم بتذكية احدى الشاتين بعينها وعدم تذكية الأخرى كذلك ثم رأى جلد شاة فلم يدر انه جلد أي منهما فيجري استصحاب عدم تذكية الشاة التي يكون هذا الجلد لها، وان منع عنه السيد الإمام “قده” بدعوى كونه من الاستصحاب في الفرد المردد، وبناء على ما ذكرناه فقد يقال في الاستصحاب الموضوعي في الشبهة المفهومية ان زيدا كان مصداقا لذاك العنوان الذي وضع له لفظ العالم ونشك في بقاء كونه مصداقا لذلك العنوان لتردد ذلك العنوان الذي وضع له لفظ العالم بين ان يكون هو العنوان الأعم الذي يعلم ببقاءه او العنوان الاخص الذي يعلم بارتفاعه، ويكفي في جريان الاستصحاب تمامية اركانه من خلال الإشارة الى ذلك العنوان بوجه اجمالي وهو كونه ما وضع له لفظ العالم.

نعم الظاهر انصراف دليل الاستصحاب عن الاستصحاب الموضوعي في الشبهة المفهومية، حيث ان ظاهر دليل الاستصحاب –كما ذكره السيد الخوئي “قده”- هو كون منشأ الشك في البقاء هو الخارج لاالشك في سعة وضع اللفظ او ضيقه، فيختلف عن الموارد التي التزمنا بجريان الاستصحاب في الفرد المردد بالنسبة اليها حيث كان هناك واقع مشكوك عرفا فيجري الاستصحاب بلحاظه، والمشكوك في المقام هو سعة الوضع وضيقه، والمفروض عدم جريان الاستصحاب بلحاظه، فيكون المقام نظير تكلف الذهن باختراع عنوان اجمالي لتمامية اركان الاستصحاب بلحاظه، مع ان العرف لايسلم بذلك، نظير ما لو توضأ المكلف ثم شك في انه هل نام ام لا فانه يجري استصحاب بقاء وضوءه او فقل استصحاب عدم نومه كما دل عليه صحيحة زرارة، مع انه يمكن للذهن ان يخترع عنوانا مثل عنوان “آخر نوم صدر من هذا المكلف” فيقال بانه يشك في انه هل توضأ بعده ام لا، فانه لو كان آخر نومه صادرا منه بعد ذلك الوضوء فالحدث باق لانه لم‌يتوضأ بعده جزما، مع ان ذلك خلاف المتفاهم العرفي.

ولو كفى انتزاع العنوان الإجمالي في جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهة المفهومية لزم جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهة الحكمية ايضا، حيث انه اذا لم‌يعلم ان الشارع هل أمر باكرام العالم اوأنه أمر باكرام العالم العادل، وكان زيد عالما عادلا في زمان ثم زالت عدالته فيقال انه كان مصداقا لذلك العنوان الذي ثبت له وجوب الاكرام فنستصحب كونه مصداقا له الى الآن، وهذا لايخلو من غرابة.

فالظاهر هو المنع من جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهة المفهومية وان اختار بعض الاعلام المعاصرين في مباني منهاج الصالحين جريانه.

منع جريان الاستصحاب الحكمي في الشبهة المفهومية

واما جريان الاستصحاب الحكمي في الشبهة المفهومية فقد منع عنه السيد الخوئي “قده” حتى بناء على جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية بدعوى انه يشك في بقاء موضوعه وفيه ان المعتبر في الاستصحاب بقاء معروض الحكم عرفا لابقاء الموضوع المأخوذ في لسان الخطاب، وعليه فلابد من التفصيل بين ما لو كان العنوان الدخيل في ثبوت الحكم من الحالات او من العناوين المقومة، فلو كان من الحالات فيكون المعروض للحكم عرفا هو ذات الشيء كما في الماء الذي القي فيه مقدار معين من الملح فصار شبهة مفهومية للماء المطلق، فانه يصح ان يشار اليه فيقال ان هذا كان طهورا ويشك في بقاء طهوريته فان المائية من الحالات وتكون حيثية تعليلية لثبوت الحكم بالطهورية لذات المايع، نعم لو كان العنوان من العناوين المقومة التي تكون حيثية تقييدية ومعروضة للحكم عرفا فلايجري فيها الاستصحاب الحكمي، ومن الغريب ان السيد الخوئي “قده” يلتزم في الماء الذي زال تغيره جزما بجريان استصحاب بقاء نجاسته -بدعوى ان التغير حيثية تعليلية فيكون المعروض للنجاسة هو ذات الماء- وان كان يراه معارضا لاستصحاب عدم الجعل الزائد لكنه فيما شك في زوال تغيره لشبهة مفهومية في التغير فيمنع عن جريان هذا الاستصحاب.

4- انه بناء على امكان اثبات الاطلاق في موضوع الحكم باستصحاب عدم تقييده فبناء على كون النسبة بين الجامع للأعم وبين المتلبس الفعلي بالمبدأ نسبة الأقل والأكثر المفهومي بان يكون الجامع للأعم في كلمة العالم مثلا هو مطلق المنتسب الى العلم، فيدور امر كلمة العالم بين كونه بمعنى المنتسب الى العلم او بمعنى المنتسب الى العلم الفعلي فمقتضى استصحاب عدم تقييد موضوع وجوب الإكرام بكونه منتسبا الى العلم الفعلي بضمِّ احراز اخذ جامع المنتسب الى العلم في الموضوع هو وجوب اكرام مطلق المنتسب الى العلم ولو انقضى عنه التلبس به فعلا.

لو كان خطاب المشتق متضمنا لحكم بدلي

هذا كله فيما لو كان خطاب المشتق متضمنا لحكم شمولي، واما لو كان متضمنا لحكم بدلي كقوله اكرم عالما فحيث لايجري الاستصحاب الموضوعي في الشبهة المفهومية فتصل النوبة الى الاصل الحكمي، وله صورتان:

الصورة الاولى:

فرض عدم انحصار العالم بمن انقضى عنه العلم بان كان يوجد متلبس فعلي بالعلم أيضا فيعلم بفعلية التكليف ولكن يكون متعلق التكليف مرددا بين التعيين والتخيير حيث يدور امر الواجب بين كونه اكرام عالم فعلي او اكرام الاعم منه ومن العالم السابق، والمنسوب الى المشهور في موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير هو الاحتياط باتيان محتمل التعين وهذا هو الذي أكَّد عليه المحقق العراقي “قده” في المقام.

ولتوضيح ذلك نذكر مثالا وهو انه اذا دار الأمر بين وجوب اكرام زيد او وجوب اطعامه، فالعلم الإجمالي بوجوب اكرام زيد او اطعامه يكون منحلا حكما، حيث ان البراءة عن وجوب اطعام زيد تجري بلامعارض، فان البراءة عن وجوب اكرام زيد ان كانت تجري بغرض إثبات وجوب اطعامه فتكون من الأصل المثبت وان كانت تجري بغرض الترخيص في ترك اكرامه فهو غير معقول، لان المخالفة القطعية ثابتة في هذه الحالة والاصل العملي انما يؤمن عن المخالفة الاحتمالية لاالقطعية.

وقد يورد على هذا البيان بانه انما يتم على مسلك اقتضاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية، واما على مسلك العلية – القائل باستحالة ترخيص الشارع في المخالفة الاحتمالية للعلم الإجمالي- كما هو مختار المحقق العراقي “قده” فلايتم هذا البيان لان ما دخل في عهدة المكلف يكون امره دائرا بين مفهومين متباينين، فيكون العلم الإجمالي منجزا([30]).

ويلاحظ عليه انه يكفي انحلال العلم الإجمالي بلحاظ واقع ما يدخل في العهدة فيقال ان وجوب واقع الاكرام معلوم ويشك في كونه مقيدا بخصوص الاطعام ولايضرّ عدم انحلال العلم الإجمالي بلحاظ العنوان الذي يدخل في العهدة، فلايبعد انحلال العلم الإجمالي بلحاظ ما هو موضوع للتكليف حتى على مسلك العلية لقيام المنجز التفصيلي على لزوم الإتيان بواقع الاكرام، والعلم الإجمالي حتى على مسلك العلية لايكون منجزا بعد قيام منجز تفصيلي على احد الطرفين، لان اصحاب مسلك العلية يشترطون في منجزية العلم الإجمالي كونه منجزا للواقع على اي تقدير، والمفروض انه لو كان الواقع في هذا الطرف الذي قام عليه منجز تفصيلي فتنجزه يكون ناشئا عن المنجز التفصيلي دون العلم الإجمالي.

وبذلك اتضح الاشكال فيماحكي عن بعض السادة الاعلام “دام‌ظله” من انه في مورد دوران الأمر بين التعيين والتخيير فالاصل هوالاحتياط دون البراءة لان العنوان الذي يدخل في عهدة المكلف يدور امره بين عنوانين متباينين فلاندري هل متعلق الوجوب عنوان الصوم مثلا اوعنوان احدالفعلين من الصوم والاطعام، وان كانت النسبة بين مصاديقهما العموم والخصوص المطلق.

الصورة الثانية:

فرض انحصار العالم بمن انقضى عنه العلم فيكون الشك في اصل ثبوت التكليف بعد احتمال كون متعلقه غير مقدور فتجري البراءة عنه، ولايكون من قبيل الشك في القدرة الذي التزم المشهور بجريان قاعدة الاشتغال فيه فانه يختص بما اذا لم‌يكن متعلق التكليف مرددا بين المقدور قطعا وغير المقدور قطعا، هذا ولو فرض طرو العجز عن اكرام عالم فعلي بعد فعلية الوجوب فقد يتوهم ان استصحاب بقاء الوجوب يكون حاكما على البراءة، ولكنه غير متجه لان استصحاب بقاء وجوب يتردد متعلقه بين ما يكون قابلا للتنجيز وما لايكون قابلا لذلك لكونه غير مقدور مثلا لايكون منجزا عقلا، اذ لايزيد على العلم الوجداني بتكليف يتردد متعلقه بين ما يصلح للتنجيز وما لايصلح له لافتراض امتثاله سابقا او عدم كونه مقدورا ونحو ذلك، كما لو قال المولى اكرم زيدا وتردد بين ان يراد به زيد العالم الذي لايكون اكرامه مقدورا لهذا المكلف وبين ان يراد به زيد الجاهل الذي يكون اكرامه مقدورا له، فالعقل والعقلاء لايحكمون في مثلا بلزوم الاحتياط باكرام زيد الجاهل، بل تجري البراءة عنه، والمفروض ان المقام من هذا القبيل.

هذا وقد يتشكل في المقام علم اجمالي منجز وهو ما لو ورد في خطاب “اكرم عالما” وورد في خطاب آخر “اكرم كل عادل” وصار التكليفان فعليين في حق مكلف وفرض ابتلائه برجل قد انقضى عنه التلبس بالعلم وابتلائه برجل آخر قد انقضى عنه التلبس بالعدالة، فالبراءة عن تعين وجوب اكرام عالم فعلي التي كانت تجري في فرض عدم انحصار العالم بذاك الرجل الذي زال عنه العلم تكون متعارضة مع البراءة عن وجوب اكرام ذاك الرجل الثاني الذي زال عنه العدالة، حيث يعلم انه لو كان المشتق قد وضع لخصوص المتلبس بالمبدأ فتكون البراءة الأولى مخالفة للتكليف واقعا، ولو كان المشتق قد وضع للأعم فالبراءة الثانية تكون مخالفة للتكليف واقعا، فيلزم من جريانهما الترخيص في المخالفة القطعية للعلم الإجمالي، نعم لو فرض جريان استصحاب وجوب اكرام ذلك الرجل الثاني الذي زال عنه العدالة بان كان يجب اكرامه قبل ان ينقضي عنه التلبس بالعدالة وبنينا على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية فينحل العلم الإجمالي حكما وتجري البراءة الاولى بلامعارض، هذا اذا فرض احراز ظهور المطلق في خصوص المتلبس بالمبدأ او الأعم عرفا وانما كان مجملا لنا فقط، واما لو احتمل اجماله واقعا فان احتمل كون المراد في الخطاب الأول وجوب اكرام الاعم من العالم السابق والعالم الفعلي وكون المراد في الخطاب الثاني لزوم اكرام العادل الفعلي فلايتشكل علم اجمالي فتجري تلك البرائتين بلامعارض، فما يظهر من البحوث من معارضة البراءتين مطلقا([31]) ففي غير محله.

وهكذا يمكن تشكل العلم الإجمالي في نفس خطاب العام البدلي بان افترض العلم بتعدد الواقعة بان كان يجب اكرام عالم مرة في هذا الشهر ومرة أخري في الشهر القادم فابتلي المكلف في هذا الشهر بفرض عدم انحصار العالم بمن انقضى عنه العلم، ولكن علم ابتلائه في الشهر القادم بفرض انحصار العالم بمن انقضى عنه العلم، فالبراءة عن تعين اكرام عالم فعلي في هذا الشهر يتعارض مع البراءة عن اصل وجوب اكرام عالم في الشهر القادم، حيث انه لو كان الموضوع للحكم هو العالم الفعلي كانت البراءة الاولى مخالفة للواقع وان كان موضوعا للاعم كانت البراءة الثانية مخالفة للواقع.

 



[1] -اجود التقريرات ج1ص74

[2] – اجود التقريرات ج1ص74

[3]– مباحث الاصول ج1ص428

[4] -بحوث في علم الاصول ج1ص372

[5] – بحوث في علم الاصول ج1ص307

[6] – محاضرات في اصول الفقه ج1 ص251

[7] – محاضرات في اصول الفقه ج1 ص250

[8] – بحوث في علم الاصول ج1ص373

[9] – بحوث في علم الاصول ج1ص374

[10] -كفاية الاصول ص46

[11]– بحوث في علم الاصول ج1ص375

[12] -بحوث في علم الاصول ج1ص374

[13] -كفاية الاصول ص47

[14] -سورة النور الآية2

[15] -سورة المائدة الآية38

[16] -محاضرات في اصول الفقه ج1ص 256

[17] – الكافي ج1ص175، الخصال ص310

[18] – تفسير الفخر الرازي ج1ص811

[19]– تفسير البرهان ج1ص324

[20] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص261

[21] – افاضة العوائد ج 1ص77

[22]– الميزان ج1ص274

[23] – الفرق بينهما ان الصناعة تحتاج الى خبروية كالنجار بخلاف الحرفة كالحمال.

[24] – بحوث في علم الاصول ج1ص376

[25] – نهاية النهاية ج1ص70

[26] -كفاية الاصول ص 45

[27] -بحوث في شرح العروة الوثقى ج1 ص 151

[28] – بحوث في علم الاصول ج1ص379

[29] – حكي عنه انه اختار في آخر حياته حكومة استصحاب عدم الجعل الزائد على استصحاب بقاء المجعول. راجع كتاب القضاء والشهادات ج1ص186

[30] – بحوث في علم الاصول ج5ص364

[31] -بحوث في علم الاصول ج1ص381