فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

تطبيقات لاستصحاب القسم الثاني من الكلي.. 1

1- العلم بحدوث مجعول، وشك في بقاءه لدوران امر جعله بين جعل قصير و جعل طويل.. 1

الجواب الاول: ان استصحابه من قبيل استصحاب الشخص لا الكلي.. 2

الجواب الثاني: 2

مناقشه. 3

2- الشك في كون النجاسة ذاتية او عرضية. 5

مناقشات.. 6

3- حكم البلل المشتبه. 8

کلام المحقق العراقي “قده”.. 8

الاحتمال الاول: 8

الاحتمال الثاني: 9

الاحتمال الثالث: 9

الاحتمال الرابع: 10

الاستدلال بالروايات في المقام. 21

ما هی مقتضى القاعدة 22

4- العلم الإجمالي بملاقاة الثوب مع البول أو الدم. 22

 

 

 

تطبيقات لاستصحاب القسم الثاني من الكلي

1- العلم بحدوث مجعول، وشك في بقاءه لدوران امر جعله بين جعل قصير و جعل طويل

التطبيق الاول: ذكر في البحوث أنه اذا علم بحدوث مجعول، وشك في بقاءه لدوران امر جعله بين جعل قصير و جعل طويل، وكانت الشبهة موضوعية، كما إذا علم بوجوب الجلوس يوم الجمعة ساعة و يوم السبت ساعتين و شك في انَّ هذا اليوم جمعة أو سبت، أو علم بوجوب الجلوس ساعة إذا جاء زيد و ساعتين إذا جاء خالد و علم بمجي‏ء أحدهما، فقد يقال بكون استصحاب الوجوب من قبيل استصحاب الكلي، وحينئذ فقد يدعى عدم جريان الاستصحاب فيه، لأنه من موارد الشك في انَّ الوجوب الّذي صار فعلياً هل هو الجعل القصير أو الطويل، و حيث يعلم بوجود جعلين و يشك في ما هو الفعلي منهما يكون لا محالة من استصحاب الكلي و الجامع بين الفردين فيكون من الجامع بين ما يقبل التنجيز وهو الجعل الطويل و ما لا يقبل التنجيز و هو الجعل القصير وهو لا يقبل التنجيز.

ولكن يمكن الجواب عنه بوجهين:

الجواب الاول: ان استصحابه من قبيل استصحاب الشخص لا الكلي

ان استصحابه من قبيل استصحاب الشخص لا الكلي، لما تقدم في تخريج استصحاب الحكم في الشبهات الموضوعية من أن جريانه بلحاظ عالم المجعول الفعلي لا الجعل، فكأنَّ هناك امراً خارجياً علم بحدوثه و يشك في بقائه فيستصحب، و اختلاف الجعل بلحاظ فعلية المجعول يكون كاختلاف الحيثيات التعليلية لا التقييدية، وهذا يعني انَّ المستصحب الملحوظ بالنظر العرفي المسامحي شخصي لا كلي.

الجواب الثاني:

لو فرض كونه من قبيل استصحاب الكلي فالجامع بين الحكمين يقبل التنجيز في المقام لكون متعلق الوجوبين شي‏ء واحد، وهو الجلوس في المسجد، فجامع الوجوبين متعلق بجامع الجلوس بحيث لو فرض محالًا تحقق هذا الجامع بدون خصوصية كان منجزاً لمتعلقه و داخلًا في العهدة فيمكن إثباته بالتعبد الاستصحابي([1]).

مناقشه

اقول: الصحيح أن استصحاب الوجوب فيه من استصحاب الكلي، وما ذكره في الوجه الاول ممنوع، فان الحكم الجزئي ان كان مسببا عن الجعل الكلي تم ما ذكره من أن كونه مسببا مثلا عن جعل وجوب الجلوس يوم الجمعة الى ساعة او جعل وجوب الجلوس الى ساعتين يوم السبت لا يوجب تعدده عرفا، فان اختلاف السبب لا يوجب تعدد المسبب، بل لو وجد المسبب بسبب معين واحتمل بقاءه لسبب آخر كما لو وجدت الحرارة بالشمس واحتمل بقاءه بالنار صدق الشك في بقاء شخص الموجود السابق، مع أنه لا اشكال في أنه لو وجب الجلوس الى الزوال بسبب مجيء زيد ثم احتمل أن مجيء عمرو صار سببا لاستمرار وجوب الجلوس الى الليل، كان استصحاب بقاء وجوب الجلوس من القسم الثالث من استصحاب الكلي، كما هو واضح، وهذا يعني أن تعدد الجعل يوجب تعدد المجعول عرفا، والسر فيه أن الحكم الجزئي مصداق من مصاديق الجعل الكلي، وليس مسببا عنه، وعليه فلا يكون استصحاب جامع وجوب الجلوس في المثال المذكور من الاستصحاب الشخصي.

فالمهم ما ذكره في الجواب الثاني، من أن استصحابه ليس من الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله، ولو كان المستصحب حكما وضعيا لكان جريانه اوضح لعدم ابتلاءه بشبهة الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله، كما لو تردد امر الخيار، وكان من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلي.

فالجواب الثاني تام، لكنه خلف مبناه من جعل استصحاب الجامع فيما كان حكمه انحلاليا وشموليا بالنسبة الى افراده او كان الحكم المترتب على الفرد القصير والطويل متسانخا كما لو قال “اذا كان زيد في الدار فتصدق” و “اذا كان عمرو في الدار فتصدق” من استصحاب الفرد المردد، والجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله([2])، فان المقام مثله، اذ المفروض انحلال وجوب الجلوس الى وجوبین فی یومین، احدهما وهو الذي ليوم الجمعة قصير وثانيهما وهو الذي ليوم السبت طويل، ولا يعلم أن هذا الفرد من وجوب الجلوس في هذا اليوم المشكوك كونه يوم الجمعة او السبت فرد قصير او طويل، نعم ما ذكره هنا يؤيد ما مر منا من أنه حيث لا تدخل هذه الخصوصيات في التنجز، فاستصحاب وجوب الجلوس الحادث في هذا اليوم ينجز الوجوب بقاء ولا يكون من الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله.

ثم انه ذكر في البحوث أنه اذا كانت الشبهة فيه حكمية كما إذا علم بصدور أحد جعلين لوجوب الجلوس في المسجد إما جعل قصير لمدة ساعة أو طويل لمدة ساعتين، فالصحيح أن الاستصحاب فيه في بقاء المجعول ليس بنحو الكلي، وانما هو بنحو الشخصي و التردد في كيفية جعله، كيف و إلّا كان استصحاب الحكم في تمام موارد الشبهات الحكمية من استصحاب الكلي، وما ذكره وان كان صحيحا لكن مر في بحث الاستصحاب في الشبهات الحكمية أنه حكي عن بعض السادة الاعلام أنه من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلي، الا أنّا اشكلنا عليه فراجع.

2- الشك في كون النجاسة ذاتية او عرضية

التطبيق الثاني: ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أننا إذا علمنا بنجاسة شي‏ء فعلا، و شككنا في أن نجاسته ذاتية غير قابلة للتطهير أو عرضية قابلة له، كما إذا علمنا بأن هذا الثوب من الصوف نجس فعلا، و لكن لا ندري أن نجاسته لكونه من صوف الخنزير، أو لملاقاة البول مثلا، فعلى القول بجريان الاستصحاب في العدم الأزلي كما هو المختار، نحكم بعدم كونه من صوف الخنزير و بطهارته بعد الغسل، و أما على القول بعدم جريان الاستصحاب في العدم الأزلي فلابد من التفصيل بين ما لو شك في طهارته او نجاسته الذاتية قبل العلم يجامع نجاسته وبين ما لو لم يشك فيها قبل ذلك، ففي الفرض الاول فحيث انه قبل طرو النجاسة العرضية عليه كان محكوماً بالطهارة، لقاعدة الطهارة، فيجري عليه أحكام الطاهر، و من جملتها أنه يطهر من النجاسة العرضية بالتطهير الشرعي، فلا مجال لجريان استصحاب كلي النجاسة، لكونه محكوماً بالأصل الموضوعي، وعلى الثاني يجري استصحاب كلي النجاسة بعد غسله، ويكون من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلي، حيث يعلم بجامع نجاسة مرددة بين كونها نجاسة ذاتية تبقى بعد غسله بالماء، وبين كونها نجاسة عرضية ترتفع بغسله بالماء، (نعم لو كان النجس بالذات يتنجس بالملاقاة، كان استصحاب النجاسة من استصحاب القسم الثالث من الكلي، حيث انه يحتمل ان يكون مع النجاسة الزائلة بالغسل نجاسة ذاتية، لكن هذا الاحتمال غير عرفي)([3]).

مناقشات

اقول: يرد عليه اولا: انه كان بامكانه اجراء اصل الطهارة فيه فعلاً بلحاظ ما قبل العلم بابتلاءه بجامع النجاسة، نعم لو فرض العلم بكون شيء نجسا من بدء وجوده، وشك في كون نجاسته ذاتية او عرضية، فلا مجال لاجراء اصل الطهارة فيه بلحاظ اي زمان.

وثانيا: ان موضوع ما يطهر بالغسل ان كان هو كل جسم طاهر طرأ عليه النجاسة فيتم ما ذكره من امكان احراز موضوعه باجراء اصل الطهارة فيه او استصحاب العدم الازلي لنفي كونه صوف خنزير حيث يثبت به كونه جسما طاهرا سابقا، لكن توجد هنا مشكلتان:

احداهما: انه لا دليل على أن موضوع ما يطهر بالغسل هو ذلك، فلعل موضوعه هو كل جسم ليس بصوف خنزير مثلا فلا يجدي في اجراء الاصل الموضوعي الا التشبث بذيل استصحاب العدم الازلي فيبتني على القول بجريانه في العناوين الذاتية، وقد منع عنه جماعة مطلقا او في خصوص العناوين الذاتية على الأقل.

على أنه يشكل الامر في الشبهات الحكمية او المفهومية للنجس بالذات، كما لو تولد حيوان من شاة وخنزير، وشككنا في صدق الخنزير عليه، ولم يكن هناك عموم لفظي يرجع اليه للحكم بطهارته.

ثانيتهما: انه لو فرض كون الموضوع لما يطهر بالغسل هو الجسم الطاهر فليس المراد منه هو الجسم الطاهر بطهارة فعلية، فقد يكون جسم متنجسا بنجاسة عرضية من بدأ تكونه كالنبات في مكان نجس، ويكون قابلا للتطهير بالغسل، وقد يكون جسم طاهرا بالفعل سابقا ثم صار نجسا بالذات كجلد الميتة، فلا يكون قابلا للغسل، فيكون المراد منه هو الطاهر بالذات، وحينئذ فقد يقال بأن قاعدة الطهارة لا تثبت عنوان الطهارة الذاتية، وانما تثبت عنوان الطهارة الفعلية، وقد اشكل السيد الخوئي “قده” بمثل ذلك في مسألة الصلاة في اللباس المشكوك المردد كونه من اجزاء ما لا يؤكل لحمه او من اجزاء ما يؤكل لحمه، حيث قال: انه لا يمكن احراز كون الحيوان المتخذ منه هذا اللباس حلالا بالذات باجراء قاعدة الحل، فانها لا تثبت الا كونه حلالا بالفعل، وبين الحلال الذاتي والحلال بالفعل عموم من وجه، فتجوز الصلاة في اجزاء شاة يحرم لحمها لكونه مسموما مضرا بالبدن، كما تحرم الصلاة في اجزاء حيوان محرم بالذات وان اضطر الى اكل لحمه للعلاج ونحوه([4]).

ويمكن حل المشكلة الاولى بأن يقال: ان احتمال أن لا يكون الموضوع لما يطهر بالغسل كل جسم لا يكون من العناوين التفصيلية لاعيان النجاسة كالكلب والخنزير ونحوهما، احتمال غير عرفي، اذ بعد وجود عنوان جامع كعنوان الطاهر قبل اصابة النجس يكون لحاظ هذه العناوين التفصيلية خلاف الظاهر.

كما أنه يمكن حل المشكلة الثانية بأن يقال: ان الطاهر بالفعل اخص مطلقا من الطاهر بالذات واثبات الاخص كاف لاثبات الاعم عرفا كالتعبد بالايمان فانه كاف في التعبد بالاسلام، او يقال: انه مع جريان قاعدة الطهارة فالغفلة النوعية تشكل دلالة التزامية للخطاب، في أنه يترتب عليه جميع آثار الطاهر الواقعي، ولو كانت آثار الطاهر بالذات، ومنها أنه لو اصابه النجس فيمكن تطهيره بالغسل.

الا أن التمسك بقاعدة الطهارة في مورد الشك في النجاسة الذاتية مبني على كون كلمة “قذر” في موثقة عمار “كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر” بصيغة الصفة المشبهة، ولكنه غير واضح، اذ من المحتمل أن تكون بصيغة الفعل الماضي، ومن الواضح أنها حينئذ تختص بالشك في طرو النجاسة على الجسم الطاهر بالذات، فلا تشمل المقام، فيشكل الحكم بطهارة ما شك في نجاسته الذاتية، فيما لاقى القذر ثم غسل بالماء.

3- حكم البلل المشتبه

التطبيق الثالث: ما إذا خرج من المكلف بلل مشتبه لا يدري هل هو بول فيكون محدثاً بالأصغر أو منيّ فهو محدث بالأكبر، فيقال بأنه بعد أن أتى بالوضوء فقط او الغسل كذلك فيجري استصحاب بقاء الحدث، فيلزم الاحتياط بضم الآخر، وقد فصَّل المشهور بين فرض العلم بكونه حال خروج البلل المشتبه محدثا بالاصغر، فقالوا بأنه لا يجب عليه الا الوضوء، لاستصحاب بقاء الحدث الاصغر، بخلاف ما لو جهل حالته السابقة او علم بكونه متطهرا فيجب عليه الجمع بين الوضوء والغسل عملا بالعلم الاجمالي.

کلام المحقق العراقي “قده”

و قد ذكر المحقق العراقي “قده” في صورة ما لو علم بكونه محدثا بالاصغر حال خروج البلل، أنه لابد من ملاحظة المباني في النسبة بين الحدث الاصغر والاكبر، فان فيها احتمالات:

الاحتمال الاول:

أن تكون النسبة بينهما التخالف كالحلاوة والبياض، بأن يمكن اجتماعهما، غاية الأمر انه مع اجتماعهما لايؤثر الحدث الأصغر في إيجاب الوضوء، لانحصار الرافع حينئذ بالغسل، فلا مجال لاستصحاب كلي الحدث، لأنه من استصحاب القسم الثالث من الكلي، فانه حين صدور البلل المشتبه يقطع بوجود شخص حدث، و يشك في حدوث شخص حدث آخر، فاستصحابه بعد الوضوء يكون من استصحاب القسم الثالث الذي قلنا بعدم جريانه فيه، فيكتفى حينئذ بالوضوء، و لا أثر للعلم الإجمالي حين خروج البلل المشتبه، إذ لا يعلم بتوجه خطاب جديد من قبل البلل الحادث، بعد تردده بين ما له الأثر و ما ليس له الأثر، و احتمال كونه منيّا شبهة بدوية مدفوعة باستصحاب عدم صدور المني، و لا يعارضه استصحاب عدم صدور البول، لأنه لا أثر له بعد كونه محدثاً بالحدث الأصغر.

الاحتمال الثاني:

أن تكون النسبة بينهما التضاد ذاتا، فيجري فيه استصحاب كلي الحدث بعد ما يتوضأ لكونه من استصحاب القسم الثاني من أقسام الكلي، و لازمه وجوب الغسل و عدم جواز الاكتفاء بالوضوء، و استصحاب عدم الجنابة غير مجدٍ، لعدم كونه رافعا للشك في بقاء الكلي، الا بنحو الاصل المثبت، كما ان استصحاب بقاء الأصغر حال خروج البلل المردد غير مجدٍ أيضا، لوضوح أن رافعية الوضوء للحدث في هذا الحال انما هو من لوازم انحصار طبيعة الحدث بالأصغر وجداناً، و إثبات الانحصار باستصحاب بقاء الاصغر يكون من الاصل المثبت.

الاحتمال الثالث:

أن تكون النسبة بينهما التضاد لا ذاتا بل حدا بنحو الاختلاف في المرتبة بالشدة والضعف، فلا مانع من استصحاب كلي الحدث بعد الوضوء، إذ حين طروّ البلل يعلم إجمالا بوجود الحدث المردد بين الحدين، و بعد الوضوء يشك في ارتفاعه، فيستصحب بقاءه، بل و يجري فيه الاستصحاب الشخصي أيضا، بناء على عدم ارتفاع الحدث الأصغر المقترن بالحدث الأكبر إلّا بالغسل، إذ مع الشك في وجود الأكبر لأجل البلل المردد يشك في ارتفاع الحدث الاصغر بالوضوء فيستصحب بقائه، نعم لو قلنا برافعية الوضوء للأصغر مطلقا و لو في ظرف وجود الأكبر، فلا يجري استصحاب الشخص، للقطع بارتفاعه بالوضوء على كل حال، فينحصر مجرى الاستصحاب حينئذ في كلي الحدث، و لازمه هو الجمع بين الوضوء والغسل، اللهم إلّا ان يمنع عن هذا الأصل لكونه من استصحاب القسم الثالث، لمكان العلم التفصيلي حين طروّ البلل بثبوت الحدث الأصغر، و الشك في حدوث الأكبر، فاستصحاب عدم حدوثه محكم و مقتضاه عدم الحاجة إلى الغسل و جواز الاكتفاء بصرف الوضوء في صحة الصلاة.

الاحتمال الرابع:

أن نتردد في أن النسبة بينهما هل هي التضاد او التخالف، فانه و ان علم حين خروج البلل بالحدث المردد بين كون مجموع الحدثين او حدث واحد يكون هو الحدث الاصغر او حدث واحد يكون هو الحدث الاكبر بلا علم تفصيلي بما يوجب‏ انحلاله، لكن بعد احتمال اجتماع الحدثين فلا يجري استصحاب كلي الحدث، لعدم إحراز كون المشكوك الباقي بعد الوضوء عين المتيقن السابق، لاحتمال كون المعلوم السابق غيره، فيكتفى بالوضوء، باستصحاب بقاء الحدث الأصغر إلى حين خروج البلل المشتبه، بضميمة استصحاب عدم الجنابة.

ثم ان بناء المشهور على الاكتفاء بالوضوء في هذه المسألة يكشف إما عن ذهابهم الى عدم التضاد بين الحدثين ذاتا، و إما عن ذهابهم الى أن موضوع وجوب الوضوء مركب من امر وجودي و هو النوم مثلا، و امر عدمي و هو عدم الجنابة، فيندرج المثال في الموضوعات المركبة التي يحرز بعضها بالوجدان و بعضها بالأصل، فان النائم الذي احتمل جنابته من جهة البلل المردد بين البول و المني، قد أحرز الجزء الاول لموضوع وجوب الوضوء، و هو النوم، بالوجدان، و الجزء الثاني وهو عدم الجنابة بالأصل، فيجب عليه الوضوء و يكتفى به في صحة صلاته، كان هناك استصحاب حدث أم لا.

و لكن هذه الدعوى الأخيرة مبنية على أن يكون شرط الصلاة هو نفس الوضوء، و الغسل، والا فلو كانت الطهارة شرطا او الحدث مانعا، فلا يجدي هذا التقريب للاكتفاء بالوضوء في صحة الصلاة، نظراً إلى الشك في مؤثرية الوضوء في هذا الحال في الطهارة و رافعيته للحدث، فتأمل.

وأما لو علم المكلف بكونه متطهرا حال خروج البلل المشتبه، او لم يعلم بحالته السابقة فلا شبهة في جريان استصحاب الحدث بعد ما يتوضأ، فيترتب عليه آثار جامع الحدث من المانعية للصلاة و حرمة مس كتابة القرآن، و ان لم يترتب عليه آثار الجنابة، كحرمة دخوله في المسجد([5]).

ملاحظات

اقول: توجد عليه عدة ملاحظات:

الملاحظة الاولى:

ان المهم في الصورة الثانية وهي خروج البلل المشتبه حال الحدث الاصغر على جميع المباني امكان التمسك بالاصل الموضوعي، فان المستفاد من قوله تعالى “اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم…وان كنتم جنبا فاطهروا” بضمیمة ما ورد في موثقة ابن بكير “يعني بذلك اذا قمتم من النوم” أن موضوع مطهرية الوضوء من الحدث هو من صدر منه الحدث او من صدر منه الحدث الاصغر ولم يكن جنبا، فباستصحاب عدم كونه جنبا نثبت موضوع مطهرية الوضوء ومعه لا تصل النوبة الى الاصل الحكمي وهو استصحاب الحدث.

الملاحظة الثانية:

ان ما ذكره من أن الاصل الموضوعي انما يجدي بناء على كون نفس الوضوء او الغسل شرطا للصلاة، لا بناء على كون شرطها الطهارة المسببة منهما، ففيه أنه ان كانت الطهارة مسببا شرعيا منهما فهي اثر شرعي للاصل الموضوعي ولو مع الواسطة، وان كانت مسببا عقليا فههنا اشكال عام في اثبات المسبب العقلي بالاصل الموضوعي كقاعدة الطهارة في الماء او استصحاب اطلاق الماء ونحو ذلك، وقد أجبنا عن هذا الاشكال بأن المسبب العقلي الذي لايعرف من قبل الشارع وقد رتبه في خطابه على موضوع، كالمسبب الشرعي من هذه الجهة اي عدم كون الاصل الجاري في موضوعه لاحراز تحقق ذلك المسبب من الاصل المثبت.

نعم هذا الاصل الموضوعي لايجدي في الصورة الاولى، اذ لو كان متطهرا حين خروج البلل المشتبه او كان جاهلا بحالته حينه فلا يحرز الجزء الاول لموضوع مطهرية الوضوء بناء على كونه صدور الحدث الاصغر، الا أن شيخنا الاستاذ “قده” كان يرى أنه لا يظهر من موثقة ابن بكير اكثر من تقييد الآية بفرض صدور الحدث، وهو محرز بالوجدان بعد خروج البللل المشتبه وبضم استصحاب عدم الجنابة اليه يثبت موضوع مطهرية الوضوء وعدم الحاجة الى الغسل.

ولكن الانصاف أن النوم مثال عرفي للحدث الاصغر، ولا موجب لالغاء الخصوصية منه الى مطلق الحدث كالجنابة.

الملاحظة الثالثة:

ان ما ذكره في فرض التخالف من جريان استصحاب عدم الجنابة بلا معارض فان اريد منه الاصل الموضوعي فقد سبق أنه ناقش فيه على مسلك شرطية الطهارة المسببة، وبدون اجراء الاصل الموضوعي فيجري استصحاب بقاء الحدث الاصغر بعد الوضوء، لما ذكره من أنه لو كان مقترنا بالجنابة لم يرفعه الوضوء، ولو قيل بارتفاعه به فاستصحاب بقاء الحدث وان كان من القسم الثالث من الكلي لكن تكفي قاعدة الاشتغال في لزوم احراز تحصيل الطهارة للصلاة، فما ذكره من انه حيث لا يعلم بكون هذا البلل سببا لتكليف جديد فلا يكون العلم الاجمالي منجزا، فيجري استصحاب عدم الجنابة لنفي وجوب الغسل، ففي غير محله.

الملاحظة الرابعة:

ان ما ذكره في فرض الشك في التضاد او التخالف من عدم جريان استصحاب كلي الحدث، لعدم إحراز كون المشكوك الباقي بعد الوضوء عين المتيقن السابق، فان اراد منه ما فهمه في البحوث من أنه يتكلم على وفق مسلك تعلق العلم الاجمالي بالواقع اي الفرد المعين عند الله، فيريد منه أنه حيث يحتمل كون المعلوم بالاجمال بعد خروج البلل المشتبه هو الحدث الاصغر، وان فرض اقترانه بالحدث الاكبر، فلا يكون الحدث على تقدير بقاءه بعد الوضوء هو المتيقن السابق، فلازم ذلك التفصيل في استصحاب القسم الثاني بين فرض احتمال اجتماع الفرد القصير والطويل وبين فرض عدم احتمال اجتماعهما ويكون الاستصحاب مختصا بالفرض الثاني دون الاول، ولا أظن أن يلتزم به، على أنه يرد عليه اولاً: لا موجب لاحتمال انطباق المعلوم بالاجمال في فرض تقارن الحدث الاصغر والاكبر في علم الله على الحدث الأصغر دون الاكبر، فانه حتى لو قيل بتعلق الاجمالي بالفرد المعين في علم الله، فيختص ذلك بما اذا كان سبب العلم الاجمالي مختصا بطرف معين كرؤية وقوع الدم في احد الانائين، والمقام ليس من هذا القبيل قطعا، وقد مر أن المحقق العراقي “قده” يرى تعلق العلم الاجمالي بالجامع اي عنوان احدهما فانيا في معنونه وليس هو الفرد المعين في علم الله، على ان القول بتعلق العلم الاجمالي بالواقع لا ينافي كون الجامع معلوما ايضا اجمالا، فان الواقع هو الجامع مع خصوصية الفرد.

وثانياً: ان تطبيق ما ذكره في المقام مبني على أنه لو كان الحدث الاصغر مقترنا بالحدث الاكبر بناء على عدم التضاد بينهما واقعا فيرتفع الحدث الاصغر بالوضوء المقترن بالجنابة وقد مر المنع عنه، ومعه فيكون المستصحب على تقدير بقاءه بعد الوضوء -بأن يكون المكلف جنبا- نفس المتيقن السابق ولو كان هو الحدث الاصغر في علم الله.

وثالثاً: ان نقض اليقين بالشك صادق على مجرد احتمال بقاء المتيقن من غير حاجة الى احراز أن المستصحب على تقدير بقاءه هو نفس المتيقن السابق، واستظهار أن موضوع الاستصحاب هو الشك في بقاء شيء وكونه نفس المتيقن السابق في غير محله.

ورابعاً: ما في البحوث من أنه لو سلم لزوم كون المستصحب على تقدير بقاءه هو المتيقن السابق فلنا أن نقول ان اطراف العلم الإجمالي في المقام ثلاثة، و هي الحدث الأصغر وحده، إذا كان الخارج بولا، أو الأكبر وحده إذا كان الخارج منيّاً، و كان بينهما التضاد، أو مجموعهما إذا كان الخارج منيّاً و لم يكن بينهما تضاد، فانَّ هذه الأطراف الثلاثة بخصوصياتها مانعة الجمع، كما هو واضح، و المكلف يعلم إجمالًا بأحدها أي بالجامع فيما بينها، فيجري استصحاب هذا الجامع.

نعم من نتائج ذلك انه لو كان الموجود واقعا هو الشقّ الثالث أي مجموع الحدثين، فلابد أَن يقال بتعلق العلم الإجمالي بمجموعهما و هو سخيف وجداناً إلّا انَّ هذا بحسب الحقيقة من نتائج القول بتعلق العلم الإجمالي بالواقع والفرد المعين في علم الله([6]).

وخامسا: ما في كتاب الاضواء من أن الحدث المعلوم بالاجمال ان اضيف الى ما كان البلل المشتبه منشأ له يكون بنحو التضاد، ومانعة الجمع، فانه إما بول فينشأ منه الحدث الاصغر او مني فينشأ منه الحدث الاكبر، ويكون الحدث الأكبر الحاصل منه هو المعلوم الواقعي، فالشرط المذكور في كلام المحقق العراقي “قده” ينطبق عليه([7]).

والمراد من كون البلل منشأ هو المنشأية الشأنية، فانه لو كان البلل بولا فلا ينشأ منه حدث بالفعل لسبق الحدث الاصغر.

هذا ويمكن أن يكون مقصود المحقق العراقي أنه حيث يحتمل التخالف وبناء على التخالف كان استصحاب كلي الحدث من القسم الثالث من الكلي، وانما يكون على التضاد من قبيل القسم الثاني، فيكون المقام من الشبهة المصداقية لاستصحاب القسم الثاني والثالث فلا يحرز جريان استصحاب كلي الحدث.

ولكن يرد عليه أن الشك كاف في صيرورة استصحاب الكلي من قبيل القسم الثاني، حيث يشار الى الحدث الموجود بعد خروج البلل المشتبه ويقال بان هذا الحدث محتمل البقاء بعد الوضوء لاحتمال كونه الحدث الاكبر، والمهم عدم العلم التفصيلي بوجود الحدث الاصغر بعد خروج البلل المشتبه.

الملاحظة الخامسة:

ما ذكره في صورة العلم بكونه متطهرا حال خروج البلل (من أنه يجري استصحاب الحدث، فيترتب عليه آثار جامع الحدث من المانعية للصلاة و حرمة مس كتابة القرآن، و ان لم يترتب عليه آثار الجنابة، كحرمة دخوله في المسجد) فهو مبني على مانعية الحدث بعنوانه للصلاة وهو غير واضح، وعليه فلابد في ايجاب الجمع بين الوضوء و الغسل من التمسك بذيل العلم الاجمالي بوجوب احدهما، بناء على كون الحدث الاصغر موضوعا لوجوب الصلاة مع الوضوء والحدث الاكبر موضوعا لوجوب الصلاة مع الغسل، وحينئذ لابد من جعل محرمات الجنب طرفا للعلم الاجمالي حيث يعلم اجمالا إما بوجوب الصلاة مع الوضوء او وجوب الصلاة مع الغسل ولزوم الاجتناب عن محرمات الجنب، نعم بناء على كون الحدث الاكبر والاصغر قيدين في متعلق الوجوب بأن يجب على كل مكلف الجامع بين الصلاة مع الغسل عقيب الجنابة او الصلاة مع الوضوء عقيب الحدث الاصغر، فبعد تعارض الاصول يجب الجمع بينهما من باب قاعدة الاشتغال وتجري البراءة عن محرمات الجنب.

جريان الاستصحاب الموضوعي في فرض سبق الحدث الاصغر على خروج البلل المشتبه

وكيف كان فالمتحصل أنه في فرض سبق الحدث الاصغر على خروج البلل المشتبه يجري الاستصحاب الموضوعي بلا معارض لمطهرية الوضوء وعدم الحاجة الى الغسل، ولكنه قد يبتلى بعلم اجمالي آخر، وهو أن البلل المشتبه لو كان بولا فيجب غسل الجسد او الثوب المتنجس به بالماء القليل مرتين، وان كان منيّا فيجب الغسل منه، وبناء على هذا العلم الاجمالي فاستصحاب عدم كونه بولا لغرض كفاية غسل المتنجس به مرة واحدة يتعارض مع استصحاب عدم كونه منيا واستصحاب عدم تحقق الجنابة النافي للحاجة الى الغسل، فيجب الاحتياط، وما ذكره شيخنا الاستاذ “قده” حينما وجّهنا اليه اشكال المعارضة بأنه بعد معارضة استصحاب عدم اصابة البول مع استصحاب عدم خروج المني وتساقطهما تصل النوبة الى استصحاب بقاء النجاسة بعد غسله مرة واحدة، واستصحاب عدم الجنابة، باعتبار كونهما اصلين طوليين([8])، غير متجه، فانه اولا: موقوف على القول بجريان استصحاب الحكم الجزئي، وهو لم يكن يعترف به، نعم ذكر في بعض ابحاثه وفاقا للسيد الخوئي “قده” أنه يمكن أن يتمسك على استصحاب النجاسة بذيل موثقة عمار “فاذا علمت فقد قذر” ولكن كون معناه أن ما علمت بحدوث القذارة فيه فهو قذر ظاهرا الى أن يعلم بطهارته خلاف الظاهر، نعم الصحيح عندنا جريان استصحاب الحكم الجزئي، وثانيا: انه مبتنٍ على سلامة الاصل الطولي عن المعارضة وقبول حكومة الاصل الموضوعي الموافق على الاصل الحكمي، وهو وان كان يقبل الحكومة لكن لم يكن يرى سلامة الاصل الطولي عن المعارضة فيما كان مورده مجرىً لقاعدة الاشتغال في نهاية الامر كما في المقام.

ه‍‍‍ذا وقد ذكر في درسه في الجواب عن هذا العلم الاجمالي بأنه لا اثر لاستصحاب عدم اصابة البول لمخرج البول، اذ جريانه مساوق لعدم جريان استصحاب عدم الجنابة، فيجب عليه الغسل بمقتضى استصحاب الحدث، فلابد أن يغسل المخرج مرة واحدة قبل الغسل حيث يعتبر تطهير الموضع المتنجس من الجسد قبل الغسل، وبالغسل يتحقق غسله مرتين([9]).

مناقشه

وفيه اولا: أنه كان يفتي بكفاية كون نفس الغسلة في غسل الجنابة مطهرة للجسد بلا حاجة الى التطهير قبله، فقد ذكر في المنهاج أنه يكفي طهارة كل عضو حين غسله، و لا يلزم أن تكون جميع الأعضاء قبل الشروع طاهرة، فلو كانت نجسة و غسل كل عضو بعد تطهيره، أو طهره بغسل الوضوء كفى([10])، كما ذكر أن الغسل بحكم الوضوء([11])، فيكون اثر استصحاب عدم اصابة البول جواز الاكتفاء بغسلة واحدة في تطهيره وغسل الجنابة معا.

وثانيا: حتى لو قلنا بما هو المشهور من لزوم تطهير الجسد المتنجس قبل الغسل فكان يجب غسله مرة واحدة قبل الغسل على اي تقدير، بلا حاجة الى غسله مرة ثانية قبل الغسل، اذ لو كان يلزمه الغسل فيعني ذلك أن ذاك البلل كان منيا يكفي في التطهير منه الغسل مرة واحدة، وان كان بولا فلا حاجة واقعا الى الغسل، مع ذلك نقول: انه يختلف الغسل التطهیری والغسل في الوضوء والغسل، حيث انه قد يقال بأن المرتكز العرفي في التطهير جريان الماء وانفصاله عن المحل ليرفع بذلك قذراته، ولكن يمكن الاكتفاء في الوضوء وغسل الجنابة بايصال قطرات الماء الى الجسد، فلا يتحد الغسلان، على أنه قد يفرض اصابة ذلك البلل لثوبه، فيكون لزوم غسله مرتين فيما اذا كان الماء قليلا طرفا للعلم الاجمالي وجوب تطهيره، كما أنه قد تكون وظيفته التيمم لا الغسل، على أن لاثبات طهارة المخرج بعد غسلة واحدة اثرا آخر غير صحة الغسل والصلاة كاثبات طهارة ملاقيه، وان كان لا يوجب الأخير اشكالاً على مبنى شيخنا الاستاذ، حيث ما لم يوجد ملاقٍ بالفعل مما يترتب على نجاسته اثر الزامي فعلي فلا يتشكل علم اجمالي منجز، كي يوجب تساقط الاصول مثل ما لو علم بنجاسة ماء او درهم اجمالا.

نعم حيث يلزم من العمل باستصحاب عدم اصابة البول النافي لوجوب غسل المخرج مرتين واستصحاب عدم خروج المني النافي لوجوب غسل الجنابة العلم التفصيلي ببطلان الصلاة، إما لنجاسة الجسد بعد غسله مرة واحدة، او للجنابة، فبالنسبة الى الصلاة يكون محذور الجمع بين الاصلين الترخيص القطعي في المخالفة الواقعية للتكليف المعلوم بالاجمال نظير موارد العلم الاجمالي بجزئية احد شيئين في صلاة واحدة، حيث انه لا يعقل أن يكون اثر جريانهما الترخيص في ترك كل منهما مقرونا بترك الآخر المؤدي الى بطلان الصلاة تفصيلا، اذ لا مجال للاصل الا في فرض الشك، فيكون اثر كل منهما ترك المشكوك في ظرف الاتيان بالآخر، ولكن الجمع بين استصحاب عدم اصابة البول واستصحاب عدم خروج المني لنفي محرمات الجنب عليه يكون من الترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي.

وعليه فهذا العلم الاجمالي منجز، لمن انقدح في ذهنه الا اذا قلنا بكفاية غسل مخرج البول ولو بالماء القليل مرة واحدة، وفرضنا عدم ملاقاة البلل المشتبه ثوب المكلف ولا جسده ما عدا مخرج البول، حيث لا يتشكل علم الاجمالي على المسالك المشهورة، وان كان يقال على المسلك الذي سبق منا وفاقا للبحوث في بحث ملاقي بعض اطراف الشبهة المحصورة، بكفاية امكان ملاقاة الجسد او الثوب له حيث يتشكل علم اجمالي إما بوجوب الغسل او بالحرمة الوضعية للصلاة في الثوب الملاقي لهذا البلل قبل غسل هذا الثوب مرتين، وكذا الجسد، و ذلك لأن الحرمة الوضعية لشيء في الصلاة تعني تقيد الصلاة الواجبة بعدمه، فتكون فعلية بفعلية وجوب الصلاة، و لا تتوقف على وجود ذلك الشيء، و هذا نظير الحرمة الوضعية للقهقهة، فانها حيث تعني تقيد الصلاة الواجبة بعدمها، فلا تتوقف فعليتها على وجودها، وانما يكون وجودها تحققا للحرام الوضعي.

ان قلت: ان معارضة الاصول المؤمنة في اطراف العلم الاجمالي فرع فعلية جريان الأصل المؤمن في نفسه، و أصالة الطهارة في الثوب الملاقي لذاك البلل انما تجري بعد تحقق الملاقاة، لا قبلها، لعدم تحقق موضوعها و هو الشك.

قلت: جريان أصالة الطهارة في الثوب الملاقي له و إن كان مشروطا بالشك، فيكون جريانها فيه على تقدير الملاقاة، لكن فرض جريانها على تقدير الملاقاة ينفي الحرمة الوضعية المعلومة من الآن، لأنّ الحرمة الوضعيّة الآن للصلاة في الثوب، ليس موضوعها نجاسة ذلك الثوب الآن، و لو طهر عند الصلاة، و إنّما موضوعها نجاسته في ظرف الصلاة، فإن فرض أنّه في ظرف الصلاة و على تقدير الملاقاة تجري أصالة الطهارة، فالحرمة الوضعية منتفية فعلا، فيقع التعارض بين الأصلين و يتساقطان رغم عدم فعلية أحدهما، و عدم الجزم بفعليته الاستقبالية.

بل بناء على ما اختاره السيد الخوئي “قده” من فعلية حرمة المحرمات و لو قبل تحقق متعلق المتعلق فيها فتكون حرمة شرب الملاقي على تقدير نجاسته بعد الملاقاة فعلية و لو قبل تحقق الملاقاة فتكون مثل الحرمة الوضعية، وقد ذكرنا في محله أن الظاهر عندنا ما ذكره السيد الخوئي “قده” من كون خطابات النهي النفسي ايضا فعلية، و لو قبل تحقق موضوعاتها، فتحريم شرب النجس فعلي و لو قبل تحقق النجس.

ودعوى أنه لا يرى العرف أي محذور عقلائي في الجمع بين هذه الاصول ما لم يعلم بتحقق الملاقاة خارجاً مندفعة بأنه بعد افتراض تحقق العلم بالحكم الفعلي و كون الجمع في جريان الاصل الترخيصي بين الاطراف مستلزما للترخيص في مخالفته القطعية، و وصول الاصل الترخيصي في كل طرفٍ في ظرف الابتلاء به فلا موجب للالتزام بعدم ارتكاز المناقضة العقلائية بينه و بين الحكم الواقعي المعلوم بالاجمال، فهو نظير ما لو علم المكلف اجمالا بخمرية احد المايعين، فرخّص له المولى اولاً في شرب واحد معين منهما، ثم بعد ما شربه المكلف رخّص له المولى في شرب الثاني، او علم اجمالا بوجوب صوم احد يومين، ثم رخّص المولى في مخالفة التكليف المشكوك عند نزول المطر، ففي اليوم الاول علم المكلف بنزول المطر فاجرى البراءة عن وجوب صوم ذلك اليوم، و لم يكن يعلم بأنه سينزل المطر في اليوم الثاني، و لكن في اليوم الثاني نزل المطر، فانه لا ينبغي الشك في كون الجمع بين الترخيص في صوم اليوم الاول الواصل في ظرفه و الترخيص في صوم اليوم الثاني الواصل في ظرفه خلاف المرتكز العقلائي.

الاستدلال بالروايات في المقام

هذا وقد كنّا نستدل سابقا في الحكم بكون البلل المشتبه بولا ناقضا للوضوء فقط، باطلاق مثل موثقة سماعة، قال: سألته عن الرجل يجنب ثم يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل قال يعيد الغسل فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله و لكن يتوضأ و يستنجي([12])، ببيان أن اطلاقها شامل لفروض ثلاثة، احدها: ما اذا لم يستبرأ بالخرطات بعد البول، وثانيها: ما اذا استبرأ بالخرطات و علم اجمالا بأن البلل إما بول او مني، وثالثها: ما اذا استبرأ بالخرطات واحتمل كون البلل طاهرا، وقد دلت النصوص على الحكم بطهارة البلل في الفرض الثالث، والفرض الاول و ان كان هو المتيقن من الموثقة لكن لا مانع من الالتزام بشمول اطلاقها للفرض الثاني، وحيث لا يحتمل الخصوصية بالنسبة الى سبق غسل الجنابة فيتعدى الى فرض عدم سبق الجنابة والغسل منها، فيحكم لأجلها بكون البلل المشتبه المردد بين البول والمني بولا سواء خرج من المحدث بالاصغر او من المتطهر.

لكن الانصاف أن ندرة العلم الاجمالي بكون البلل المشتبه بولا او منيا، توجب انصراف الموثقة الى فرض عدم الاستبراء بعد البول بالخرطات.

ما هی مقتضى القاعدة

وعليه فلابد من الرجوع الى مقتضى القاعدة التي مر الكلام فيها، من منجزية العلم الاجمالي بكون البلل المشتبه بولا، فلابد من تطهير المتنجس به مرتين او منيا يجب الغسل منه، فيلزم الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل وغسل المتنجس بهذا البلل مرتين.

نعم لو قلنا بما هو الظاهر من أن استصحاب عدم كونه بولا لا يجري لكونه استصحابا في العدم الازلي، وأما استصحاب عدم اصابة البول فلا يجدي كما سيأتي توضيحه في التطبيق الثاني، تم انحلال العلم الاجمالي لجريان استصحاب عدم الجنابة بلا معارض.

4- العلم الإجمالي بملاقاة الثوب مع البول أو الدم

التطبيق الرابع: لو علم إجمالًا بملاقاة الثوب او الجسد مع البول أو الدم، ثم غسل مرة واحدة بالماء القليل، فيشك في بقاء نجاسته، إذ لو كان بولا فلا ترتفع نجاسته الا بالغسل مرتين، فلا اشكال في صحة استصحاب بقاء النجاسة، لكن ذكر السيد الخوئي “قده” أن استصحاب عدم اصابة البول اصل موضوعي حاكم عليه، ولكنه غير واضح، فلعل موضوع ما يطهر بالغسل مرة هو ما اصابه شيء نجس ليس ببول، فقد ذكر في البحوث أنه مقتضى الجمع بين ما دل على أن ما اصابه النجس يغسل مرة وما دل على أن ما اصابه البول يلزم غسله مرتين، فانه مقتضى الالتزام بالتركيب في أجزاء موضوع الحكم الشرعي، اذ لو كان الموضوع مقيدا اي عنوانا بسيطا لا مركبا فاستصحاب كون شيء نجسا او بولا لا يثبت عنوان اصابة النجس او البول الا بنحو الاصل المثبت، وعلیه فیکون موضوع الخاص وهو ما یطهر بالغسل مرتين مركبا مما اصابه شيء وكان ذلك الشيء بولا، وموضوع العام في ما يطهر بالغسل مرة هو ما اصابه شيء وكان نجسا، فالاختلاف بينهما في الجزء الأخير، وحيث يتعنون موضوع العام بنقيض موضوع الخاص، فيؤخذ في موضوع العام عدم كون ذلك الشيء بولا([13]).

وهذا الذي ذكره وان لم يكن ظاهرا عندنا في مثله، لكن المهم أن احتمال كون الموضوع هو ذلك كافٍ في أن نحتاج الى استصحاب عدم كون ما اصابه بولا بنحو استصحاب العدم الازلي، ومن لا يقبل استصحاب العدم الازلي مطلقا كالمحقق النائيني والسيد الامام “قدهما” او في العناوين الذاتية كالسيد الحكيم ومال اليه السيد الصدر “قدهما” فلابد أن يفتي بلزوم غسله مرتين.

ثم انه حكي عن المحقق الاصفهاني “قده” في المقام أنه حيث يعلم إجمالًا إما بوجوب غسلة واحدة أو وجوب غسلتين، فاستصحاب عدم اصابة الدم، لنفي وجوب غسلة واحدة يتعارض مع استصحاب عدم اصابة البول لنفي وجوب الغسل مرتين، فيكون المرجع بعد ذلك استصحاب بقاء كلي النجاسة بعد الغسلة الأولى‏.

و فيه أنَّه لا مجال لجريان استصحاب عدم اصابة الدم، فان موضوع ما يطهر بالغسل مرة ظاهر في التركيب من امر وجودي وهو ما اصابه النجس وامر عدمي وهو ما لم يصبه البول، (او عدم كون النجس دما) ومعه فلا يجري الا استصحاب عدم اصابة البول، وأما استصحاب عدم اصابة الدم فلا اثر له، فانه ان اريد به نفي اصل النجاسة، فهو خلاف العلم التفصيلي، و ان اريد به اثبات نجاسته بعد غسله مرة واحدة، فهو اصل مثبت، لأنه لا يثبت اصابة البول.

ولو فرض كون موضوع ما يطهر بالغسل مرة واحدة امرا وجوديا وهو ما اصابه الدم مثلا، وموضوع ما يطهر بالغسل مرتين هو ما اصابه البول، فاستصحاب عدم اصابة البول لا يجري حينئذ، اذ لو اريد به نفي اصل النجاسة فهو خلاف الوجدان وان اريد به نفي طبيعي نجاسته بعد الغسل مرة واحدة فهو اصل مثبت، لأنه لا يثبت موضوع ما يطهر بالغسل مرة واحدة وهو اصابة الدم، واستصحاب عدم موضوع شخص النجاسة التي تحتاج الى الغسل مرتين وتترتب على اصابة البول، لنفي طبيعي النجاسة التي تحتاج الى الغسل مرتين يكون من الاصل المثبت، فلا يوجد اصل موضوعي حاكم على استصحاب النجاسة.



[1] – بحوث في علم الاصول ج6ص 256

[2] – راجع: بحوث في علم الاصول ج 6ص 247

[3] – مصباح الاصول ج3ص193

[4] – موسوعة الامام الخوئی ج 12ص229

[5] – نهاية الأفكار ج4ق1 ص 138

[6] – بحوث في علم الأصول ج‏6 ص 259

[7] – اضواء وآراء ج3ص 289

[8] – تنقيح مباني العروة ج4ص 121

[9] – راجع درس رقم 1838

[10] – منهاج الصالحين ج1ص 38

[11] – منهاج الصالحين ج 1ص54

[12] – وسائل الشيعةج‌2 ص 251

[13] – بحوث في علم الاصول ج6ص261