فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

نکات في خاتمة بحث استصحاب الفرد المردد. 1

الشبهة العبائية. 1

عدة اجوبة عن هذه الشبهة. 4

الجواب الاول: ان الاستصحاب الجاري في مثل العباء ليس من استصحاب الكلي في شي‏ء 4

مناقشه. 5

الجواب الثاني: من أن الاستصحاب المدعى في المقام لا يمكن جريانه بنحو مفاد كان الناقصة. 6

مناقشه. 9

الجواب الثالث: أنّ الحكم بنجاسة الملاقي لجميع الأطراف لا يترتّب على استصحاب النجاسة في العباء 10

جواب الرسائل عن الشبهة العبائية. 12

مناقشه. 14

الجواب الرابع: حيث لا يعلم فى المقام بأن النجاسة الموجودة كانت بأي نحو من الوجود لا يجري استصحابها 16

مناقشه. 16

الجواب الخامس: ما في البحوث.. 17

مناقشه. 17

 

موضوع: شبهه عباییه /تنبیهات /استصحاب

خلاصه مباحث گذشته:

متن خلاصه …

 

 

نکات في خاتمة بحث استصحاب الفرد المردد

الشبهة العبائية

النكتة الرابعة: اورد المرحوم السيد اسماعيل الصدر “قده” على استصحاب القسم الثاني من الكلي شبهة سميت بالشبهة العبائية، و حاصلها: أنّا لو فرضنا عباءة عُلم إجمالًا بنجاسة أحد طرفيها و غسلنا الطرف الأيمن منها مثلاً، ثم لاقت يدنا مع الطرف الأيسر، فلا اشكال في الحكم بطهارة اليد، لأنها لاقت مع أحد طرفي العلم الإجمالي بعد تطهير الطرف الآخر([1])، و لكن لو فرض ملاقاتها ثانياً مع الطرف الأيمن‏ المغسول كانت النتيجة بناء على قبول جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي هي الحكم بنجاستها، لأنها لاقت ما كان نجسا سابقا بالوجدان، ويستصحب الآن بقاء نجاسته، و هذا يعني أنَّ ملاقاة اليد مع الطاهر توجب النجاسة، و هذا مما لا یمکن الالتزام به، فيكون هذا نقضا على القول بجريان استصحاب القسم الثاني من الكلي.

ثم ان ظاهر الاعلام عدم الفرق في الشبهة العبائية بين ما إذا كانت ملاقاة اليد مع الطرف غير المغسول أولاً، ثم مع الطرف المغسول ثانيا وبين ما اذا كانت ملاقاتها مع الطرف المغسول اولاً، ولكن ذكر في البحوث أنَّ الصحيح اختصاصها بالفرض الاول، حيث انه في الفرض الثاني يعلم بطهارة اليد بعد الملاقاة مع الطرف المغسول، فيجري استصحابها بعد ملاقاتها للطرف غير المغسول، واستصحاب نجاسة احد طرفي العباءة لا يكون حاكما عليه، لوضوح أن النجاسة المرددة بين الطرفين على تقدير ثبوتها ترفع الطهارة الثابتة لليد لما قبل الملاقاتين معاً، و أمّا الطهارة الثابتة له بين الملاقاتين فبقاءها بعد الملاقاتين ليس محكوماً لتلك النجاسة المرددة، و انما يكون محكوماً لنجاسة الطرف الثاني غير المغسول، و هي لا تثبت باستصحاب كلي النجاسة إلّا بنحو الأصل المثبت، وعليه فيكون استصحاب نجاسة احد طرفي العباءة معارضا مع استصحاب طهارة اليد فيرجع الى قاعدة الطهارة، و هذا البيان لا يجري في الفرض الاول، فان طهارة اليد بعد الملاقاة مع الطرف غير المغسول اولاً و ان كانت ثابتة بالاستصحاب، لكن بعد الملاقاة مع الطرف المغسول لا يجري استصحاب الطهارة الثابتة لما بين الملاقاتين، -حتى يقال بعدم حكومة استصحاب النجاسة المرددة بين الطرفين عليه- اذ يعلم ببقاء هذه الطهارة على تقدير ثبوتها بعد الملاقاة الاولى، لما بعد الملاقاة الثانية التي كانت مع الطرف المغسول، فليس في البين شك في بقاء الطهارة على تقدير ثبوتها بين الملاقاتين حتى يجري استصحاب آخر بلحاظه، نعم بعد الملاقاة الاولى التي كانت مع الطرف غير المغسول جري استصحاب واحد للطهارة، ولكن هذا الاستصحاب بعد الملاقاة الثانية التي كانت مع الطرف المغسول يكون محكوما لاستصحاب موضوعي، وهو كون ما لاقاه في احدى الملاقاتين نجسا([2]).

وفيه أنه في الفرض الثاني يكون استصحاب الطهارة المتيقنة لليد بعد الملاقاة الاولى التي كانت مع الطرف المغسول اصلا حكميا، مهما فرض زمان اليقين بثبوته، فيتقدم عليه الاستصحاب الموضوعي الجاری بعد الملاقاتين من ملاقاة اليد للنجس، نعم کان بامکانه ایقاع المعارضة بين هذا الاصل الموضوعي، واصل موضوعي آخر، وهو استصحاب عدم ملاقاتها بعد تلك الطهارة المتيقنة -الثابتة لما بعد الملاقاة الاولى مع الطرف المغسول- مع ذاك الطرف الذي كان نجسا واقعا، ولكن قد يجاب عنه بأنه انما يجري الاصل الموضوعي الثاني لو كان موضوع بقاء الطهارة في الجسم كونه طاهرا في زمانٍ، وعدم ملاقاته للنجس بعده، ولكنه لم يثبت ذلك بدليل، بل الظاهر من الادلة أن كل جسم -غير عين النجاسة- طاهرٌ، ما لم يلاق النجس، اي ما لم يتحقق فيه طبيعة الملاقاة مع النجس، فاذا تحققت فيه هذه الطبيعة حكم بنجاسته ما لم يغسل، واستصحاب عدم الملاقاة للنجس في فترة خاصة اي ما بعد الملاقاة الاولى التي كانت مع الطرف المغسول الى الآن لا ينفي الا حصة من الملاقاة للنجس، ونفي الطبيعة باستصحاب عدم الحصة بضم العلم الخارجي بعدم ترتب الاثر على الحصة الآخرى وهي الملاقاة الاولى ولو كان الملاقى فيه نجسا سابقا يكون من الاصل المثبت، فتأمل.

نعم لا يرد على هذا الاصل الموضوعي اي استصحاب عدم الملاقاة مع النجس الاشكال بأن الملاقاة مع النجس عنوان مركب من الملاقاة لشيء وكون ذلك الشيء نجسا، والشك هنا يتمحض في الجزء الثاني، فان الملاقاة لشيء -في الملاقاة الثانية- وهو ذلك الطرف غير المغسول محرز وانما الشك في كونه نجسا، فلابد من استصحاب عدم كونه نجسا ولكن المفروض أنه سقط بالمعارضة مع استصحاب عدم كون الطرف المغسول قبل غسله نجسا.

فانه يندفع هذا الاشكال بأن المستصحب هو عدم الملاقاة بعد الطهارة المتيقنة مع ذلك النجس الواقعي، ولا محذور فيه من هذه الجهة فهو نظير ما لو كان هناك ماءان قليلان، فصار ماء معين منهما كرا وبقي الآخر قليلا، فوقعت نجاسة في احدهما غير المعين، حيث بتعارض استصحاب قلة ما وقع فيه النجس مع استصحاب عدم وقوعه على ذلك القليل الواقعي.

عدة اجوبة عن هذه الشبهة

وعليه فلا يبعد عدم الفرق بين الفرضين في الشبهة العبائية، وكيف كان فقد أجيب عن هذه الشبهة بعدة اجوبة:

الجواب الاول: ان الاستصحاب الجاري في مثل العباء ليس من استصحاب الكلي في شي‏ء

الجواب الاول: ما عن المحقق النائيني “ره” فی بعض دوراته الاصولية من أنّ الاستصحاب الجاري في مثل العباء ليس من استصحاب الكلي في شي‏ء، لأن استصحاب الكلي إنما هو فيما إذا كان الكلي المتيقن مردداً بين فرد من الصنف الطويل و فرد من الصنف القصير، كالحيوان المردد بين البق و الفيل على ما هو المعروف، بخلاف المقام، فان التردد فيه في خصوصية مكان النجس، و التردد في خصوصية المكان أو الزمان لا يوجب كلية المتيقن، فليس الشك حينئذ في بقاء الكلي و ارتفاعه حتى يجري الاستصحاب فيه، بل هو من قبيل استصحاب الفرد المردّد الّذي قد تقدّم المنع عن جريان الاستصحاب فيه عند ارتفاع أحد فردي الترديد، فهو نظير ما لو علم بوجود الحيوان الخاصّ في الدار و تردّد بين أن يكون في الجانب الشرقي أو في الجانب الغربي ثمّ انهدم الجانب الغربي و احتمل أن يكون الحيوان تلف بانهدامه، أو علم بوجود درهم معيَّن لزيد فيما بين هذه الدراهم العشر، ثمّ ضاع أحد الدراهم اجمالا، و احتمل أن يكون هو درهم زيد، فلا يجري فيه الاستصحاب، لأنّ المتيقّن السابق أمر جزئيّ حقيقيّ لا ترديد فيه، و إنّما الترديد في مكانه ومحلّه فهو أشبه باستصحاب الفرد المردّد عند ارتفاع أحد فردي الترديد، و ليس من الاستصحاب الكلّي([3]).

مناقشه

اقول : نحن نقبل كون مثال العباءة من قبيل الفرد المردد، لكنه ليس من قبيل ما هو المتيقن من كونه الفرد المردد وهو الفرض الذي كان الاثر الشرعي ثابتا للعنوان التفصيلي للأفراد، بل من الفرض الذي وقع الاختلاف في كونها من الفرد المردد، او القسم الثاني من الكلي، وهو ما اذا كان الاثر ثابتا لعنوان الكلي الطبيعي بنحو الانحلال، اذ الاثر الشرعي وهو المانعية في الصلاة والمنجسية للملاقي ثابت لكل نجس، وكون نجاسة الجسم الطاهر اثر صرف وجود ملاقاته مع النجس، اذا المتنجس لا يتنجس ثانيا، وان كان صحيحا، لكن يكفي انحلالية الحكم بمنجسية النجس فانه شامل لكل نجس.

نعم نحن قبلنا كونها من قبيل استصحاب الفرد المردد وفاقا للمحقق العراقي والسيد الامام والسيد الصدر “قدهم” وخلافا لبعض السادة الاعلام “دام ظله”، فاستصحابه يبتني على قبول استصحاب الفرد المردد، وان قلنا بأنه لا يبعد جريانه.

ولكن التمثيل للفرد المردد بالجهل في موت زيد لاشتباه مكان وجوده لا يخلو عن غرابة، فان استصحاب حياته من استصحاب الفرد المعين، ويجري استصحابه بلا اشكال، نعم لو قال المولى “اذا كان زيد في شرق الدار في هذه الساعة فتصدق” و قال ايضا “اذا كان زيد في غرب الدار في هذه الساعة فتصدق” كان استصحاب بقاءه في احد الجانبين مع العلم التفصيلي بعدم كونه في شرق الدار من قبيل استصحاب الفرد المردد.

و هكذا الحال في العلم الاجمالي بتلف احد الدراهم، مع احتمال كون التالف درهم زيد المعينة، فان استصحاب بقاء درهم زيد يكون من استصحاب الفرد المعين، ويجري بلا اشكال، نعم لو ترتب اثر شرعي آخر على بقاء درهم غيره فقد يعارضه استصحاب بقاء درهم غيره.

الجواب الثاني: من أن الاستصحاب المدعى في المقام لا يمكن جريانه بنحو مفاد كان الناقصة

الجواب الثاني: ما حكي عنه في دورته الاصولية الأخيرة من أن الاستصحاب المدعى في المقام لا يمكن جريانه بنحو مفاد كان الناقصة، بأن يشار إلى طرف معين من العباءة، و يقال: إن هذا الطرف كان نجساً و شك في بقاءها، فالاستصحاب يقتضي نجاسته، و ذلك لأن أحد طرفي العباء مقطوع الطهارة و الطرف الآخر مشكوك النجاسة من أول الأمر، و ليس لنا يقين بنجاسة طرف معين يشك في بقاءها ليجري الاستصحاب فيها، نعم يمكن إجراءه بنحو مفاد كان التامة بأن يقال إن النجاسة في العباءة كانت موجودة، فالآن كما كانت، إلا أنه لا تترتب نجاسة الملاقي على هذا الاستصحاب إلا على القول بالأصل المثبت، لأن الحكم بنجاسة الملاقي يتوقف على نجاسة ما لاقاه و تحقق الملاقاة خارجاً، و من الظاهر أن استصحاب وجود النجاسة في العباءة لا يثبت ملاقاة النجس إلا على القول بالأصل المثبت، و عليه فلا تثبت نجاسة الملاقي للعباء.

وأما مانعية العباءة في الصلاة فهي ثابتة بقاعدة الاشتغال، فلا يمكن جريان استصحاب النجاسة لأجلها([4]).

وقد حكى الشیخ حسین الحلی “ره” في تقريراته عن المحقق النائيني “قده” ما يقرب من هذا الجواب، فقال: انّ موضوع نجاسة ملاقي العباءة اتّصاف العباءة بكونها نجسة، وهذا لازم عقلي لثبوت كلّي النجاسة فيها، و بتقريب آخر انّ تنجّس ملاقيها تابع للنجاسة الشخصية فيها، دون كلّي النجاسة، لأنّ الملاقاة إنّما تكون في الشخص لا في نفس الكلّي، نعم لازم الحكم ببقاء الكلّي كون الشخص نجساً ولكن ليس عينه، فيكون من الاصل المثبت.

وأمّا النجاسة الواقعة على أحد طرفي العباءة فان كان المنظور إليه في ذلك هو نفس تلك القطرة من الدم التي رأيناها قد وقعت على العباءة و تردّدنا في محلّها، فبعد غسل الطرف الأسفل من العباءة نشكّ في بقاء عين تلك القطرة، فنستصحب بقاءها، و أثر ذلك هو عدم جواز الصلاة فيها.

و يكون ذلك نظير ما لو علمنا بوقوع شعرة ممّا لا يؤكل لحمه على أحد طرفي العباءة و قد نقّينا الطرف الأسفل، فإنّ استصحاب وجود تلك الشعرة قاضٍ بعدم جواز الصلاة بتلك العباءة، لكن لا يثبت باستصحاب وجود تلك القطرة من الدم في العباءة أنّ يدي لاقت تلك القطرة إلّا بالأصل المثبت، من جهة أنّ بقاء القطرة في العباءة بعد غسل الطرف الأسفل يلزمه بقاءها في الأعلى و قد لاقت يدي الأعلى، و لو قلنا بحجّية الأصل المثبت حكمنا بنجاسة اليد بمجرّد ملاقاة الأعلى، من غير حاجة الى ملاقاتها للطرف الأسفل الذي قد طهّرناه.

و ان كان المنظور إليه أنّ أحد طرفي العباءة قد تنجّس بتلك القطرة، فلا إشكال في أنّه لا يكون الاستصحاب حينئذ من قبيل استصحاب الشخص المعيّن، بل لابدّ أن يكون المستصحب هو الكلّي، أو الفرد من المتنجّس المردّد بين الأعلى و الأسفل.

و أثر الكلّي هنا هو عدم جواز الصلاة في تلك العباءة لوجود كلّي المتنجّس فيها، لكن لا يترتّب عليه الحكم بنجاسة اليد المذكورة، لعين ما ذكرناه في استصحاب وجود نفس تلك القطرة من الدم، إذ بعد غسل الطرف الأسفل لا يترتّب على استصحاب كلّي المتنجّس كون المتنجّس هو الأعلى كي يثبت بذلك تنجّس اليد إلّا بالأصل المثبت، و كذلك الحال لو قلنا بصحّة استصحاب الفرد المردّد، فإنّه لا يترتّب عليه الحكم بنجاسة اليد إلّا بالأصل المثبت.

و أمّا استصحاب كلّي النجاسة فيما نحن فيه فلا واقعية له، إذ ليس في البين إلّا نجاسة شخصية قد تردّدت بين الطرف الأعلى و الأسفل، من دون اختلاف في هوية الذات، فلا قدر جامع في البين إلّا مطلق الجامع بين المكانين و هو لا أثر له، فإنّ المتنجّس في العباءة مردّد بين الطرف الأعلى و الطرف الأسفل، و منشأ التشخّص فيهما ليس براجع إلى‏ نحو من التنجّس بحيث كان نحو هذا التنجّس مغايراً للنحو الآخر، ليكون الجامع بينهما كلّي النجاسة، بل إنّما كان منشأ التشخّص خصوصيات أُخر خارجة، و الجامع بين هذه الخصوصيات الخارجة لا أثر له كي يكون ذلك الجامع مورداً للاستصحاب.

و هذا البحث جار في جميع أطراف الشبهة المحصورة، فلا يجري فيها استصحاب الكلّي لو حصل التطهير لبعض الأطراف، سواء كان العلم الاجمالي سابقاً أو لاحقاً لذلك التطهّر، نعم فيما لو كان العلم الاجمالي سابقاً على التطهير، منع فيما نحن فيه من الصلاة في تلك العباءة بعد تطهّر طرفها الأسفل، فتأمّل([5]).

مناقشه

و فيه أنه يمكن اجراء الاستصحاب بنحو مفاد كان الناقصة في الطرف الواقعي الذي كان نجسا فنستصحب نجاسته وملاقاة اليد له محرزة بالوجدان، نعم ان كان مقصوده كونه من قبيل استصحاب الفرد المردد فهو في محله، لكن لا يتم الا على مبنى انكار جريان الاستصحاب في الفرد المردد.

و أما ما ذكره من أن مانعية العباءة في الصلاة ثابتة بقاعدة الاشتغال فلا يمكن جريان استصحاب النجاسة، ففيه أنه -مع غمض العين عما مر من عدم لغوية جريانه حيث يكون مؤكدا لمنجزية قاعدة الاشتغال- ان هذا الاشكال يختص بما اذا حصل العلم الاجمالي بنجاسة احد طرفي العباء قبل غسل احد طرفيه، كما هو المتعارف في مثال الشبهة العبائية، حيث يكفي العلم الاجمالي بعد تعارض اصل الطهارة في طرفيه في تنجيز نجاسة الطرف الآخر.

ولكن اذا كان العلم الاجمالي حاصلا بعد غسل احد طرفيه، فنحتاج الى استصحاب النجاسة، والا جرى اصل الطهارة والبراءة عن مانعية الطرف غير المغسول بلا معارض.

الجواب الثالث: أنّ الحكم بنجاسة الملاقي لجميع الأطراف لا يترتّب على استصحاب النجاسة في العباء

الجواب الثالث: ما نقل في بعض التقريرات عن السيد الامام “قده” من أنّ الحكم بنجاسة الملاقي لجميع الأطراف لا يترتّب على استصحاب النجاسة في العباء، فإنّه ليس في الأدلّة ما يدلّ على أنّ كلَّ ما لاقى جميع أطراف المعلوم نجاسة أحدها بالإجمال نجسٌ حتى يترتّب عليه، و لأجل عدم ترتّب الآثار العقليّة ذكروا: أنّه لو أقرّ أحدٌ بأنّ عنده ثوبا لزيد، و مات المُقرّ و ليس عنده إلّا ثوب واحد، فاستصحاب بقاءه عنده لا يثبت أنّ هذا الثوب لزيد، لأنّ استصحاب الكلّي لا يثبت الفرد، و المقام من هذا القبيل فان الحكم بنجاسة الملاقي لجميع أطراف العباء أيضاً من الآثار العقليّة لاستصحاب النجاسة، فلا يترتّب عليه‏.

لا يقال: إنّ الملاقاة أمر وجداني، فيترتّب الحكم بنجاسة الملاقي على‏ استصحاب النجاسة في العباء، لأنّه يقال: ما هو الأمر الوجداني هو الملاقاة للعباء، لا الملاقاة للنجس المقصود إثباتها تعبّداً.

لا يقال: لو علم بنجاسة هذا أو ذاك، و شكّ في بقائها من جهة الشكّ في التطهير، فباستصحاب النجاسة يترتّب عليه الحكم بنجاسة ملاقيهما.

فإنّه يقال: لا نسلّم ذلك، فإنّ استصحاب النجاسة المعلومة إجمالاً لا يثبت نجاسة ملاقي كلا الطرفين، نعم يترتّب عليه عدم جواز الصلاة فيهما.

ثم قال: يمكن تصوير استصحاب النجاسة في العباء بوجوه:

أحدها: أنّ النجاسة التي أصابت العباء قد تلاحظ بهويّتها الشخصيّة الخارجيّة، ثانيها: قد تلاحظ بما أنّها مصداق للكلّي، فإنّ الطبيعي يوجد بوجود فرده، ثالثها: قد يلاحظ وجودها المعلوم إجمالًا إمّا في هذا الموضع أو ذاك.

فإن اريد استصحاب شخص النجاسة بهويّتها الخارجيّة، فلا إشكال في جريانه في الشبهة العبائيّة مع فرض ترتّب أثرٍ شرعيّ عليها، و إن اريد استصحاب المعلوم بالإجمال سابقاً على سبيل الترديد فهو ممنوع، فإنّه و إن كان معلوماً بالإجمال سابقاً، لكن بعد تطهير أحد الطرفين المعيّن، زالت صفة الترديد، لعدم احتمال نجاسة ذاك الطرف المعيّن المغسول، و أمّا الطرف الآخر فهو محتمل النجاسة في الابتداء، فلا يتحقّق أركان الاستصحاب فيه.

مضافاً إلى عدم ترتّب أثر شرعيّ عليه، لكن لا ينحصر استصحاب النجاسة في العباء بذلك؛ لما عرفت من جريان استصحاب شخص النجاسة، و كذلك استصحاب كُلِّيها و طبيعتها، و الأثر أيضاً مترتّب عليهما، لا على الطبيعة المردّد وجودها في هذا الطرف أو ذاك، فليس الاستصحاب في الشبهة العبائيّة من قبيل القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي، بل من قبيل القسم الأوّل الذي تقدّم جريان استصحاب الفرد و الكلّي فيه معاً، و لذا لا يجوز الصلاة في العباءة المذكورة؛ لأنّ هذا الأثر مترتّب على وجود النجاسة بنحو الإطلاق، لا على النجاسة الخاصّة.

فالحقّ في دفع الشبهة العبائيّة: هو أنّ الاستصحاب فيها مثبِت بالنسبة إلى ترتّب نجاسة الملاقي لطرفها مع وجود أركانه، لا أنّه غير جارٍ لعدم تحقّق أركانه‏([6]).

وحاصل هذا الكلام أن اثبات ملاقاة الجسم الطاهر للنجس باستصحاب نجاسة أحد طرفي العباء من الأصل المثبت، اذ يحتاج الى ضم لازم عقلي وهو ملاقاته لكل من طرفي العباء، وهذا يختلف عن استصحاب نجاسة المكان المعين للحكم بنجاسة ملاقيه، ولازم ما ذكر وان كان هو ورود اشكال المثبتية فيما اذا احتمل عدم غسل العباء اصلا، سواء كان المتنجس الطرف الايمن منه او الاسفل، لكن لا مانع من الالتزام ب‍مثبتية استصحاب نجاسة احد الطرفين لاثبات نجاسة ملاقيهما، نعم يترتب على هذا الاستصحاب عدم جواز الصلاة فيهما.

وهذا لا يخلو من غرابة، فان موضوع منجسية الملاقاة للنجس مركب من جزءين: الملاقاة لشيء وكون ذاك الشيء نجسا، وبعد ملاقاة الجسم الطاهر لطرفي العباء فيحرز ملاقاته لشيء بالوجدان، ويحرز كون ذلك الشيء نجسا بالاستحباب، والا لأشكل الامر حتى في ملاقاة شيء معين مستصحب النجاسة.

جواب الرسائل عن الشبهة العبائية

هذا وقد ذكر بنفسه كلاما في الرسائل لا يخلو عن اضطراب او تعقيد، فقال: الجواب عن الشبهة العبائية، أنه مع تطهير أحد طرفي الثوب لا يجري استصحاب‏ الفرد المردد، و لكن جريان استصحاب النجاسة و ان كان مما لا مانع منه، لكنه لا يثبت كون ملاقاة الأطراف ملاقاة النجس الا بالأصل المثبت، لأن ملاقاة الأطراف ملاقاة للنجس عقلا، و ليس لأحد ان يقول انه بعد استصحاب نجاسة الثوب يكون الملاقاة معها وجدانية، لأن ما هو الوجداني هو الملاقاة مع الثوب لا مع النجس، و استصحاب بقاء النجاسة بالنحو الكلي و كذا استصحاب النجس الّذي كان في الثوب أي الشخص الواقعي لا يثبت أن الملاقاة مع الثوب بجميع أطرافه ملاقاة للنجاسة الا بالاستلزام العقلي.

و فرق واضح بين استصحاب نجاسة طرف معين من الثوب و بين استصحاب نجاسة فيه بنحو غير معين، فان ملاقاة الطرف المعين المستصحب النجاسة ملاقاة للنجس المستصحب وجدانا، فإذا حكم الشارع بأن هذا المعين نجس ينسلك في كبرى شرعية هي: ملاقى النجس نجس، و أما كون ملاقي جميع الأطراف ملاقيا للنجس الكلي أو الواقعي يكون بالاستلزام العقلي، ألا ترى أنه لو وجب عليه إكرام عالم و كان في البيت شخصان يعلم كون أحدهما عالما فخرج أحدهما من البيت و بقي الاخر يجري استصحاب بقاء العالم في البيت و يترتب عليه اثره لو كان له لكن لا يثبت كون الشخص الموجود عالما يكون إكرامه عملا بالتكليف، بخلاف ما لو كان زيد عالما و شك في بقاء علمه فان استصحاب كونه عالما يكفي في كون إكرامه مسقطا للتكليف، كما أنه لو شك في زوال النجاسة المعلومة بالإجمال بأن يشك في أن الثوب الّذي علم كون أحد طرفيه نجسا هل غسل أم لا؟، يجري استصحاب الكلي و لا يثبت كون ملاقى جميع أطرافه نجسا لما عرفت.

لكن ههنا استصحاب آخر هو استصحاب الفرد المردد، و اثره نجاسة ملاقى جميع‏ الأطراف، فان التعبد بنجاسة هذا الطرف أو هذا الطرف بنحو الفرد المردد يكون اثره نجاسة ملاقى الطرفين من غير شبهة المثبتية فهو كاستصحاب نجاسة الطرف المعين من حيث ان ملاقيه محكوم بالنجاسة و الفرق بينه و بين استصحاب الكلي واضح فان استصحاب أصل النجاسة في الثوب لا يثبت ان هذا الطرف أو هذا الطرف نجس و كذا استصحاب الشخص الواقعي.

و أما استصحاب الفرد المردد كالمعين فلا إشكال في جريانه و ترتيب أثر النجاسة على ملاقيه، و ما يقال: ان الفرد المردد لا وجود له حتى يجري الاستصحاب فيه، ليس بشي‏ء، ضرورة جواز التعبد به و ترتيب الأثر عليه كالواجب التخييري، لكنه محل إشكال، و القياس بالواجب التخييري مع الفارق لأن الواجب التخييري نحو وجوب على نعت التخيير و لا يكون له واقع معين عند اللَّه مجهول عندنا بخلاف ما نحن فيه فان النجس له واقع معين و مجهول عندنا فالمعلوم هو النجس الواقعي المعين فيجري الاستصحاب فيه لا في الفرد المردد و لازمه عدم نجاسة ملاقى الأطراف و لا بأس به، اللهم الا ان يقال في المثال: انى عالم بان الشارع حكم بنجاسة هذا الطرف المعين أو ذاك، و الملاقى لهما ملاقٍ لمستصحب النجاسة وجدانا، و هذا هو الفارق بينه و بين الشبهة العبائية.

و اما ما ادعى بعض أعاظم العصر “ره”[1]، في مقام الجواب عن الشبهة العبائية، بأنه أشبه باستصحاب الفرد المردد عند ارتفاع أحد فردي الترديد، و ليس من الاستصحاب الكلي، ففيه ما لا يخفى، فان استصحاب الفرد المردد عبارة عن استصحابه على ما هو عليه من الترديد و هو غير جار في المقام و ليس المقام شبيها به، بل المراد بالاستصحاب في المقام استصحاب بقاء النجاسة في الثوب من غير تعيين كونها في هذا الطرف أو ذاك، و من غير إرادة الجريان في الفرد المردد، ضرورة انه مع تطهير الطرف الأسفل من الثوب ينقطع الترديد و لا مجال لاستصحاب المردد، بل ما يراد استصحابه هو بقاء الحيوان في الدار و النجاسة في العباء و هذا استصحاب الكلي و كون الحيوان الخاصّ فردا جزئيا حقيقيا لا ينافي استصحاب الكلي كما لا يخفى، كما ان استصحاب الشخص الخاصّ و الجزئي الحقيقي كاستصحاب بقاء زيد في الدار و بقاء النجاسة المتحققة الخارجية الجزئية في الثوب مما لا إشكال فيه، فانه استصحاب الفرد المشكوك و لا شباهة له باستصحاب الفرد المردد فسبيل الجواب عن مثل الشبهة العبائية هو ما عرفت([7]).

مناقشه

اقول: أما ما ذكره من أن استصحاب بقاء النجاسة في العباء لا يثبت كون ملاقاة الأطراف ملاقاة النجس الا بالأصل المثبت، فان كان يعني أن استصحاب وجود النجاسة في العباء بنحو مفاد كان التامة لا يثبت مفاد كان الناقصة، اي كون العباء او احد طرفيه نجسا كما يظهر من تنظيره باستصحاب العالم فهو نفس ما مرّ نقله في الجواب الثاني عن المحقق النائيني “ره” وقلنا في دفعه بأنه يمكن اجراء الاستصحاب بنحو مفاد كان الناقصة في الطرف الواقعي الذي كان نجسا، فيستصحب نجاسته وملاقاة الجسم الطاهر له محرزة بالوجدان.

فينحصر اشكال المقام في كون استصحابه من قبيل الفرد المردد، واستصحاب الفرد المردد في المقام يعني استصحاب كون ذاك الطرف الذي لاقى الدم مثلا نجسا فعلا، ومن الواضح أنه لا يلزم في صدق الاستصحاب في الفرد المردد الشك في بقاءه على اي تقدير، فضلا عن لحاظ ذلك في الاستصحاب، كما أن استصحاب كون هذا الثوب نجسا عبارة أخرى عن ذلك، ولا وجه لتسميته باستصحاب الكلي وتفريقه عن استصحاب آخر يجرى فيه بنحو الفرد المردد او الشخصي، الا أن يقصد به استصحاب النجاسة في الثوب بنحو مفاد كان التامة كما يوهمه بعض تعابيره ولكنه لا وجه له، وعلى فرض اختلاف استصحاب كون الثوب نجسا عن استصحاب الفرد المردد وتسميته باستصحاب الكلي، فلا وجه لدعوى مثبتيته لنجاسة ملاقي جميع الثوب، حيث يقال انه لاقى هذا الثوب بالوجدان والثوب نجس بالاستصحاب، كما هو الحال فيما لو لم يعلم بغسل اي طرف من اطرافه، وأما استصحاب الشخص فلو يعلم باختلافه عن الفرد المردد الا اذا ادعي أن الفرد المردد هو ما لوحظ في استصحابه الشك فيه على اي تقدير، ولكن مر أنه خلاف المصطلح ولا وجه له، والحاصل انه لا معنى لجريان استصحاب كون الثوب نجسا او ذاك الطرف الذي لاقى الدم نجسا ودعوى مثبتيته لنجاسة ملاقيه.

الجواب الرابع: حيث لا يعلم فى المقام بأن النجاسة الموجودة كانت بأي نحو من الوجود لا يجري استصحابها

الجواب الرابع: ما عن بعض الاعلام “قده” حيث ذكر في الجواب عن الشبهة العبائية -مضافا الى أن الاثر مترتب على النجاسة الموجودة فى هذا المكان او فى ذاك، فمع العلم بانتفاءها في مكان معين منهما يكون استصحاب نجاسة احدهما من استصحاب الفردالمردد- أن النجاسة من قبيل الاعراض، فوجودها فى هذا المكان غير وجودها فى ذاك، و هذا هو الفارق بين مثل الحيوان او الدرهم الذي يكون من الذوات و بين مثل النجاسة، فان وجود الحيوان فى الطرف الشرقى من الدار مثلا ليس نحو وجود له مغاير لوجوده فى الطرف الغربى بخلاف النجاسة، و على هذا نقول: لا مجال لاستصحاب النجاسة اصلا فى المورد الذي ترددت النجاسة بين ان تكون فى الطرف الذي ورد عليه المطهر او فى الطرف الآخر، لان الاستصحاب ناظر الى الوجودات الخاصة، و يدل على ان الوجود المتيقن فى السابق المشكوك فى اللاحق باق بنحو وجوده السابق، و حيث لا يعلم فى المقام بأن النجاسة الموجودة كانت بأي نحو من الوجود لا يجري استصحابها، و استصحاب بقاء النجاسة بعين وجودها السابق ليس إلّا كاستصحاب الفرد المردد([8]).

مناقشه

اقول: لم يتضح لنا من كلامه الأخير اشكال زائد على كون الاستصحاب في الشبهة العبائية من الاستصحاب في الفرد المردد.

الجواب الخامس: ما في البحوث

الجواب الخامس: ما في البحوث من أنَّ استصحاب النجاسة المرددة في العباءة لا يجري، إذ لو أُريد به استصحاب واقع النجاسة المرددة بين الطرفين فهو من استصحاب الفرد المردد والصحيح عدم جريانه، و ان أُريد به استصحاب جامع النجاسة أي النجاسة المضافة إلى العباءة بلا ملاحظة هذا الطرف أو ذاك فهذا الاستصحاب، و ان كانت أركانه تامة، إلّا انه لا يترتب على مؤداه نجاسة اليد الملاقية مع الطرفين إلّا بالملازمة العقلية، لأنَّ نجاسة الجامع لو فرض محالًا وقوفها على الجامع و عدم سريانها إلى هذا الطرف أو ذاك فلا تسري إلى الملاقي، لأنَّ نجاسة الملاقي موضوعها نجاسة هذا الطرف أو ذاك الطرف لا الجامع بما هو جامع، و إثبات نجاسة أحد الطرفين بخصوصه بنجاسة الجامع يكون بالملازمة العقلية، و لعل هذا هو مقصود المحقق النائيني “قده” من جوابه على هذه الشبهة بأنه من الأصل المثبت([9]).

مناقشه

اقول: أما اشكاله على استصحاب بقاء نجاسة الطرف الذي كان نجسا واقعا بكونه من قبيل الفرد المردد فتامّ على مبناه من انكار استصحاب الفرد المردد حتى في الفرض الثالث، اي فيما كان الاثر مترتبا على عنوان الكلي بنحو الانحلال، وأما ما ذكره من تمامية اركان استصحاب جامع النجاسة اي نجاسة العباءة بما هي مضافة الى العباءة من دون ملاحظة هذا الطرف او ذاك الطرف، فان اريد منه تمامية اركان الاستصحاب في صرف وجود كون العباءة نجسة، لكن يستشكل عليه بأن صرف الوجود ليس موضوعا للاثر الشرعي، ففيه أنه لم يكن بحاجة الى هذا التكلف، فان نكتة عدم جريان استصحاب عدم كون احد طرفي العباءة نجسا هو عدم كون هذا الجامع الانتزاعي موضوعا للاثر الشرعي، لكون الحكم انحلاليا.

الجواب الرابع: ما قد يقال من أن استصحاب نجاسة الطرف الذي كان نجسا وان كان يثبت تنجس ملاقي طرفي العباءه، لكن يعارضه استصحاب طهارة الطرف غير المغسول بضم العلم الوجداني بطهارة الطرف المغسول، بعد أن كان الاثر ثابتا للكلي بنحو المطلق الشمولي، فيكون المرجع بعد ذلك قاعدة الطهارة في الملاقى والملاقي.

ولكن يمكن أن يقال: انه بعد تعارض استصحاب طهارة الطرف غير المغسول مع استصحاب طهارة الطرف المغسول قبل غسله، وتساقطهما في زمان سابق، لاجل العلم الاجمالي بنجاسة احدهما، فاذا غسل احد طرفيها فيجري استصحاب نجاسة العباءة، من دون أن يراه العرف مبتلىً بالمعارضة مع استصحاب طهارة الطرف المغسول، ودعوى (أن التقدم الزماني لمعارضة استصحاب عدم الفرد الطويل مع استصحاب عدم الفرد القصير لا يوجب تخلص استصحاب الجامع عن طرفية المعارضة مع استصحاب عدم الفرد الطويل، خصوصا في فرض تقارن العلم بارتفاع الفرد القصير في المستقبل الموجب للشك في بقاء الجامع، مع حدوث العلم الاجمالي، فتتحقق المعارضة بين الاستصحابات الثلاثة في زمان واحد) خلاف الظاهر عرفا.

نعم لو حصل العلم الاجمالي بحدوث نجاسة العباءة سابقا بعد غسل احد طرفيها فيتعارض استصحاب طهارة الطرف غير المغسول بضم العلم الوجداني بطهارة الطرف المغسول، مع استصحاب نجاسة العباءة، الا أن يقال بتقدم استصحاب الجامع على استصحاب عدم الفرد الطويل بنكتة أن الحالة السابقة الوجودية المتيقنة للكلي اقرب زمانا من الحالة السابقة المتيقنة لعدم الفرد الطويل، الا أنه غير واضح.

الجواب الخامس: ان غرابة الالتزام بالنقض، اي نجاسة اليد المحكومة بالطهارة بعد ملاقاته للطرف غير المغسول من العباءة بمجرد ملاقاته للطرف المغسول منها، توجب انصراف دليل الاستصحاب عنه فقط، ولا توجب انصرافه عن الشمول للفرد المردد باطلاقه، فضلا عن القسم الثاني من الكلي.

الا أن الظاهر كما ذكره السيد الخوئي “قده” أنه لا مانع من الالتزام بنجاسة الملاقي للطرفين معا، فان التفكيك في الاحكام الظاهرية الناشئة عن جريان الأصول العملية كثير جداً، كالحكم ببقاء الحدث وبقاء الطهارة من الخبث في من توضأ بمايع مردد بين البولية والمائية، او ايجاب القصر على من وصل في حال رجوعه عن السفر الى مكانٍ يشك في كونه داخل حد الترخص، وايجاب التمام على من وصل اليه حال خروجه من بلده، فبعد ملاقاة اليد مثلا لجميع أطراف العباء نقول: إنا نعلم بالوجدان أن اليد قد لاقت طرفا لاقى الدم مثلا، ونستصحب عدم غسله فنحكم ببقاء نجاسته بالاستصحاب الجاري في الفرد المردد، فبذلك ينقح موضوع تنجس اليد، وان كان المؤثر لضم الوجدان الى الاصل لتنقيح موضوعه هو ملاقاة اليد للطرف المغسول، والا لم يحرز ملاقاتها لما كان نجسا سابقا، ولذا كان يحكم بطهارتها عند ملاقاة الطرف غير المغسول فقط، استنادا الى اصل الطهارة، من دون وجود اصل موضوعي عليه.

والحاصل أن استغراب العرف انما ينشأ من التعبير بتنجس اليد عند ملاقاة الطرف المغسول، مع عدم احتمال تأثيرها في تنجسه واقعا، فلا يستغرب العرف لو بيِّن له أنّا قبل هذه الملاقاة كنّا نحكم بطهارته ظاهرا لعدم قيام حجة على نجاسته، ولكن بعد تحقق هذه الملاقاة نحكم بنجاسته ظاهرا لقيام الحجة عليها بجريان الاصل الموضوعي، وان لم نحتمل دخل هذه الملاقاة في الحكم الواقعي، نظير ما لو شك بعد الطواف وقبل صلاة الطواف في وضوءه له، فقاعدة الفراغ وان كانت تحكم بصحة الطواف ظاهرا، لكنها حيث لا تثبت الوضوء، فلابد من الوضوء لصلاة الطواف ظاهرا، مع عدم احتمال دخله في صحة صلاة الطواف، فانه إن كان متوضأ للطواف فلا يحتاج الى تجديد الوضوء و ان كان محدثا فتبطل صلاته لعدم طواف صحيح قبلها.

ولذا لايبعد القول بنجاسة الملاقي في الشبهة العبائية، وعمدة الاشكال فيها كون الاستصحاب فيها من قبيل الاستصحاب في الفرد المردد، ولكن الظاهر جريان الاستصحاب فيه، كما مر توضيحه.

بل ذكر بعض السادة الاعلام “دام ظله” أنه ليس من قبيل استصحاب الفرد المردد، بل هو من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلي، وذلك لما مر منه من أن استصحاب الفرد المردد يختص بما لو كان الاثر مترتبا على العناوين التفصيلية للافراد، فلو كان الاثر الشرعي مترتبا على الكلي بنحو الانحلال، كما في المقام، حيث ان كل متنجس محكوم بكون ملاقيه متنجسا، كان من قبيل القسم الثاني من الكلي.

ثم ذكر أنه لا غرابة في الالتزام بنجاسة الملاقي لطرفي العباء، ويكون نظير ما لو كان اناءان مشتبهان فلاقت يدنا مع الاناء الاول، فجرت فيه اصل الطهارة الى أن لاقى الثوب الاناء الثاني فسقط اصل الطهارة في اليد لمعارضته مع اصل الطهارة في الثوب.

اقول: نحن وان كنا نقبل عدم الغرابة في الالتزام بلزوم الاجتناب عن ملاقي طرفي العباء، ولكن تنظيره المقام بالاناءين المشتبهين غير متجه، اذ بعد ملاقاة الثوب للاناء الثاني لا يحكم بنجاسة اليد الملاقية للاناء الاول، وانما يجب الاجتناب عنها عقلا من باب منجزية العلم الاجمالي، بينما أنه في المقام يحكم بنجاسة الملاقي لطرفي العباء، فيدعى غرابة الحكم بنجاسته بعد ملاقاته مع الطرف الثاني الذي قد يكون هو الطرف المغسول جزما، مع أن من الواضح أنه لم يكن قبل هذه الملاقاة محكوما بالنجاسة، حتى لو فرض القول بعدم جريان قاعدة الطهارة فيه، لكونه ملاقيا لبعض اطراف الشبهة.

هذا تمام الكلام في الشبهة العبائية.

 



[1] – ذكر في مصباح الاصول ج3ص112 أن هذا النقض مبني على القول بطهارة ملاقي بعض اطراف الشبهة، ولكنك ترى وضوح الحكم بطهارة الملاقي في هذا الفرض الذي تلف فيه عدل الملاقى فلم يتشكل حسب المباني المشهورة علم اجمالي منجز بنجاسة الملاقي بالكسر او عدل الملاقى بالفتح.

[2] – بحوث في علم الاصول ج6ص 252

[3] – فوائد الاصول ج4ص 421

[4] – اجود التقريرات ج2ص 394 بتوضيح اخذناه من مصباح الاصول ج3ص 101

[5] – اصول الفقه ج 9ص 319

[6] – تنقيح الأصول ج‏4 ص107

[7] – الرسائل ج1ص 129

[8] – المحاضرات مباحث اصول الفقه ج 3ص 69

[9] – بحوث في علم الاصول ج6ص 254