فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

رؤوس المطالب:

المشتق.. 1

الجهة الاولى: في تصوير محل النزاع. 1

الجهة الثانية: المراد من المشتق.. 3

النزاع في الجامد الذي يحمل على الذات.. 3

التحقیق حول فرع فقهی فی صدق المشتق او عدمه. 4

 

 

 

المشتق

ويقع الكلام عنه في جهات:

الجهة الاولى: في تصوير محل النزاع

الجهة الاولى: لاريب في صحة اطلاق المشتق على المتلبس بالمبدأ فعلا وكونه استعمالا حقيقيا، كما ذكروا انه لاريب في صحة استعماله فيمن كان متلبسا بالمبدأ سابقا ولكن انقضى عنه التلبس به فعلا، وانما النزاع في ان استعماله فيه هل يكون على نحو الحقيقة او المجاز، بعد الاتفاق على أن استعماله فيمن لم‌يتلبس بالمبدأ فعلا ولكنه سيتلبس به في المستقبل يكون مجازا.

ولكن حكي عن المحقق الطهراني “قده” انه خالف في ذلك، فذكر ما محصله انه لاريب في عدم صحة حمل هوهو على من انقضى عنه المبدأ ولأجل ذلك لايصح حمل الجوامد على من انقضى عنه المبدأ لانحصار حمله على الذات بحمل هوهو فلايقال للشجر انه بذر ولاللهواء انه ماء، فينحصر النزاع في المشتق في انه هل يكون حمله على الذات من حمل هوهو حتى لايصح استعماله فيما انقضى عنه المبدأ او يكون من حمل ذوهو حتى يصح استعماله فيما انقضى عنه المبدأ لكفاية ادنى الملابسة في انتساب الذات الى امر ولو بلحاظ تلبسه السابق به([1]).

ويلاحظ عليه اولا: ان من المتفق عليه كون حمل المشتق على الذات –كقولنا “زيد عالم “-من حمل هوهو ويسمى هذا الحمل بحمل المواطاة وليس من حمل ذوهو الذي يسمى بحمل الاشتقاق، وانما ينحصر حمل ذوهو بحمل نفس المبدأ على الذات، كحمل العلم على زيد، فانه لايقال “زيد علم” الا بتوسيط ذو او باشتقاق الوصف منه كالعالم، وعليه فحمل جملة “ذو علم” على زيد يكون من حمل هوهو كحمل العالم عليه وانما يكون حمل نفس العلم على زيد من حمل ذوهو، كما يظهر ذلك من المحقق الطوسي “ره” في منطق الاشارات والتنبيهات([2]).

وثانيا: ان ما ذكره من الفرق بين حمل هوهو وحمل ذوهو –بالالتزام بكون حمل ذوهو على ما انقضى عنه المبدأ صحيحا دون ما لو كان الحمل بنحو هوهو او الالتزام بكون الاول استعمالا حقيقيا دون الثاني- لايخلو عن غرابة، فانه لايوجد فرق بين قولنا زيد عالم وبين قولنا زيد ذو علم.

وثالثا: ان النزاع بين الاعلام في المقام ليس في صحة استعمال المشتق فيما انقضى عنه المبدأ، بل نزاعهم في كونه استعمالا حقيقيا او مجازيا.

نعم لايبعد ان يقال بان الالتزام بصحة استعمال المشتق فيما انقضى عنه المبدأ او فيما سيتلبس بالمبدأ في المستقبل لايتم باطلاقه، فكيف يصح ان يقال للقائم انه قاعد باعتبار انه كان قاعدا في السابق او سيكون قاعدا في المستقبل، الا اذا كان بمستوىً يستحسن الطبع استعماله بنحو المجاز الادعائي بعلاقة ما كان او علاقة الأَوْل والمشارفة ونحو ذلك، وكذا لايقال لفقيه بارع انه جاهل باعتبار كونه جاهلا اول عمره، كما لايقال لعادل انه فاسق باعتبار كونه فاسقا سابقا.

الجهة الثانية: المراد من المشتق

الجهة الثانية: ان الظاهر ان المراد من المشتق ليس هو المشتق النحوي اي ما كان لكل من هيئته ومادته وضع مستقل مثل “العالم” بل المراد منه اصطلاح خاص اصولي وهو كل ما صح حمله على الذات ولو كان جامدا كلفظة الزوج والحر والرقّ والسيف،

والنسبة بين المشتق النحوي والاصولي هي العموم من وجه، حيث يشمل المشتق النحوي مثل الافعال وكذا المصادر بناء على اشتقاقها، ولكن حيث لاتحمل الأفعال والمصادر على الذات[s1]  فلايكون المقصود من المشتق في المقام ما يشمل ذلك -نعم يشمل اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وصيغة المبالغة واسم الزمان والمكان والآلة – كما ان المشتق الاصولي يشمل الجامد الذي يصح حمله على الذات مما يفرض فيه بقاء الذات بعد انقضاء المبدأ بان كان العنوان منتزعا من امر خارج عن الذات كعنوان الزوج والرق والسيف وما شابه ذلك، وحيث ان نكتة النزاع تعم المشتق الاصولي فالظاهر ان المراد من كلمة المشتق كما ذكره صاحب الكفاية “قده”هو المشتق الاصولي([3]).

النزاع في الجامد الذي يحمل على الذات

وان ابيت عن ذلك فلاريب في تأتي النزاع في الجامد الذي يحمل على الذات،

التحقیق حول فرع فقهی فی صدق المشتق او عدمه

ويشهد على ذلك ما ذكره فخر المحققين “ره” فيما لو كانت عند رجل زوجتان كبيرتان ثم تزوج صغيرة فأرضعتها إحديهما بمقدار الرضاع الكامل ثم أرضعتها الأخرى كذلك، فتحرم الصغيرة والكبيرة الأولى عليه، ولكن في تحريم المرضعة الأخيرة خلاف، واختار والدي وصاحب السرائر تحريمها حيث يصدق عليها انها ام زوجته، لانه لايشترط في صدق المشتق بقاء المعنى المشتق منه فكذا هنا([4]).

وكذا ذكر الشهيد الثاني” ره” في المسالك أنه ذهب أكثر المتأخّرين وابن ادريس في السرائر والحلي في مختصر النافع إلى تحريم الكبيرة الثانية أيضا، لأنّ هذه يصدق عليها أنّها أمّ زوجته وإن كان عقدها قد انفسخ، لأنّ الأصحّ أنّه لا يشترط في صدق المشتقّ بقاء المعنى، فتدخل تحت قوله تعالى وأمّهات نسائكم([5]).

ولابأس في المقام بتحقيق حال المسألة المذكورة، فنقول تارة يقع البحث عنها على ضوء القواعد العامة واخرى على ضوء النصوص الخاصة.

اما البحث على ضوء القواعد العامة فالظاهر ان مقتضاها هو التفصيل حيث أن للمسألة صوراً.

التحقیق طبق قواعد العامة
الصورة الاولى:

ان تكون الزوجة الكبيرة الاولى مدخولا بها فحينما تصير الصغيرة بنتا رضاعية لها فيحكم بحرمة هذه الصغيرة على الرجل، لانها لاتقلُّ عما لوطلق رجل زوجته فتزوجت من رجل آخر فأرضعت من لبنه صبية فان هذه الصبية تحرم علي الزوج السابق ايضا حيث أنها -بمقتضى قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب([6])– تكون بحكم ما لو ولدت الزوجة السابقة من زوجها اللاحق بنتا حيث تحرم هذه البنت على زوجها السابق لما ورد في صحيحة محمد بن مسلم أنه قال سألت احدهما عن رجل كانت له جارية فاعتقت فزوجت فولدت ايصلح لمولاها الاول ان يتزوج ابنتها قال لاهي حرام وهي ابنته والحرة والمملوكة في هذا سواء([7]) ونحوها روايات أخرى.

الصورة الثانية:

ان لاتكون الزوجة الكبيرة الاولى مدخولا بها ولكن ارضعت من لبن هذا الرجل تلك الزوجة الصغيرة، وذلك كما لو حملت منه بجذب ماءه حيث يكفي ذلك في صدق كون اللبن لبنه فتصير الزوجة الصغيرة بنتا رضاعية له فتحرم عليه.

واما الزوجة الكبيرة الأولى فلادليل على حرمتها على الرجل في هاتين الصورتين فضلا عن الزوجة الكبيرة الثانية، وذلك لانه بمجرد تحقق الرضاع الكامل بين الكبيرة الأولى والصغيرة تزول زوجية الصغيرة فلايتصور زمان تتقارن فيه زوجية الصغيرة مع كون الكبيرة الأولى أمّا رضاعية لها، ومعه فلايصدق عليها انها أم زوجته حتى تحرم عليه.

وجوه حرمة زوجة الكبيرة الأولى

ولكن قد يحاول اثبات حرمة الكبيرة الأولى بعدة وجوه:

الوجه الاول:

ما قديقال من أن زوال زوجية الصغيرة متأخر رتبة عن صيرورتها بنتا رضاعية للرجل او للكبيرة الأولى، حيث ان النسبة بينهما نسبة الحكم الى موضوعه ولاريب في تاخر الحكم عن موضوعه رتبة وكذا المسبب عن سببه، ففي رتبة تحقق الموضوع وهو صيرورتها بنتا رضاعية لم‌يتحقق الحكم وهو زوال زوجيتها للرجل، وحيث يستحيل ارتفاع النقيضين في المرتبة، فلابد ان تكون زوجيتها باقية في رتبة تحقق هذا الموضوع، وحينئذ فبمقتضى تضايف بنتية الصغيرة للكبيرة الأولى مع امومة الكبيرة الاولى لها فهما في مرتبة واحدة، وهذا يعني ان حصول امومة الكبيرة الأولى يكون مقارنا رتبة مع زوجية الصغيرة للرجل، وهذا يكفي في صدق عنوان ام الزوجة عليها فتحرم عليه.

وقدأورد عليه السيدالخوئي “قده” بمامحصله ان بنتية الصغيرة للكبيرة الاولى وامومة الكبيرة لها وان كانتا متساويتين رتبة لمكان تضايفهما لكن تقدم بنتية الصغيرة للكبيرة على زوال زوجية الصغيرة بنكتة تقدم الموضوع على حكمه لايقتضي تقدم أمومة الكبيرة لها على زوال زوجية الصغيرة، فانه لابد من تحقق الملاك في التقدم والتأخر الرتبي وهو علية المتقدم للمتأخر، ومجرد كون احد المتساويين مقدما رتبة على شيء لايقتضي تقدم المساوي الآخر على ذلك الشيئ، فتقدم النار على الحرارة بملاك العلية لايستلزم تقدم الماء الذي هو مساو رتبة مع النار على الحرارة لانتفاء ملاك العلية بين الماء والحرارة، وفي المقام أيضا لاتوجد ملاك العلية بين أمومة الكبيرة الأولى للصغيرة وبين زوال زوجية الصغيرة، لعدم كونها موضوعا له([8]).

ولكن الظاهر عدم تمامية هذا الايراد، فانه بعد بقاء زوجية الصغيرة في رتبة حصول بنتيتها للكبيرة الأولى فتكون امومة الكبيرة الأولى لها متحققة في رتبة بقاء زوجية الصغيرة لأجل التضايف بين البنتية والأمومة، فان تساوي المتضايفين في الرتبة يكون ناشئا عن المقتضي لاتحادهما في الرتبة بالنظر العرفي على الاقل، فكما يكون الحكم المترتب على احدهما متأخرا رتبة عنه فكذلك يكون متأخراعن الآخر أيضا، فيختلف عمّا كان التساوي في الرتبة ناشئا عن مجرد عدم المقتضي للتقدم والتأخر الرتبي كالماء والنار، فالحرارة الناشئة عن النار لاتكون متأخرة عن الماء رتبة.

نعم لو فرض كون السبب لزوال زوجية الصغيرة صيرورتها بنتا رضاعية للرجل -كما في الصورة الثانية وهي مالو ارضعت الكبيرة الاولى للصغيرة من لبن الرجل مع عدم دخوله بالكبيرة – فما يكون متضايفا لها هو ابوّته لها لاأمومة الكبيرة لها، وعندئذ فيكون تساوي بنتيتها للرجل مع بنتيتها للكبيرة وامومة الكبيرة لها في الرتبة بنكتة عدم ما يقتضي التقدم والتأخر الرتبي بينهما، فياتي فيه ما مر من ان المتأخر رتبة عن إحديهما لايكون متأخرا رتبة عن الأخرى.

والمهم في الجواب عن هذا الوجه الاول لاثبات حرمة الكبيرة الاولى ان يقال ان مجرد التقارن في الرتبة لايكفي في صدق عنوان ام الزوجة عليها بالنظر الدقي العرفي، ولاعبرة بالنظر العرفي المسامحي حيث ان العرف والعقلاء لايقبلونه في مقام الاحتجاج بين الموالي والعبيد او بين العقلاء انفسهم، فليست الكبيرة الأولى بالنظر الدقي العرفي أمّ زوجة الرجل في ايّ زمان من الأزمنة، حيث أنها قبل تحقق الرضاع الكامل لم‌تكن أمّا للصغيرة وبعد تحقق الرضاع الكامل وصيرورتها أمّا لم‌تكن الصغيرة زوجة للرجل، والمدار في تحقق موضوع الأحكام يكون بنظر العرف على وعاء الزمان دون وعاء الرتبة، ولأجل ذلك نلتزم بتقارن ثبوت الحكم لموضوعه مع حدوث الموضوع، فلو فرض ملاقاة الماء الكر في حال حدوث كريته للنجس فيحكم بعدم انفعاله بملاقاة النجس.

الوجه الثاني:

ما حكي عن المحقق العراقي “قده” من أن العرف يرى زمان أمومة الكبيرة الاولى للصغيرة متحدا مع زمان زوجية الصغيرة للرجل بملاحظة شدة اتصال زمانهما فيرون الكبيرة الاولى أما للزوجة الفعلية وان فرض عدم كونها كذلك بالدقة العقلية.

بل ولئن تدبرت ترى كونها كذلك بحسب الدقة ايضا، نظرا الى أن الامومة وان كانت في رتبة متأخرة عن علتها التي هي الرضعة الاخيرة لكنها متقارنة معها زمانا كما هوشأن كل معلول مع علته حيث تكون زوجية الصغيرة متحققة في زمان تحقق الرضعة الاخيرة، فلاجرم يتحد زمان امومة الكبيرة الاولى للصغيرة مع زوجية الصغيرة للرجل على نحو الدقة العقلية، وحينئذ فاذا كان المعيار على الاتحاد بحسب الزمان جون الرتبة فقهرا يرتفع به الاشكال من رأسه بلاحاجة الى التشبث بفهم العرف([9]).

وفيه أنه اذاكان العرف ملتفتا الى زوال زوجية الصغيرة بمجرد تحقق رضعتها الاخيرة من الكبيرة الاولى فنمنع من عدم قبوله بنظره الدقي أن هذه الكبيرة لم‌تكن في أي زمان أم زوجة الرجل.

وأما ما ذكره أخيرا (من كون الكبيرة الاولى اما للزوجة الفعلية بالدقة العقلية ايضا لاتحاد زمان زوجية الصغيرة للرجل مع امومة الكبيرة الاولى، ) فيردعليه أنه عند تحقق الرضعة الاخيرة فكما تتحقق أمومة الكبيرة للصغيرة وبنتية الصغيرة لها فكذلك تتحقق زوال زوجية الصغيرة للرجل فلوكان المدارعلى الاتحادفي الزمان أنتج عكس مقصوده.

الوجه الثالث:

ما قد يقال من ان قوله تعالى “حرمت عليكم… ربائبكم… من نسائكم اللاتي دخلتم بهن([10])” حيث يكون شاملا لما اذا طلق الرجل زوجته بعد ان دخل بها ثم تزوجت هي من رجل آخر وصار لها بنت فبقرينة السياق يكون قوله تعالى “… وامهات نسائكم” شاملا لامّ الزوجة السابقة كما في المقام.

وفيه ان حكم بنت الزوجة السابقة مستفاد من الروايات الخاصة التي سبق ذكرها لامن الآية، على ان مجرد السياق لايشكِّل قرينة.

الوجه الرابع:

ما اشار اليه صاحب الجواهر “قده”من دعوى كفاية ادنى الملابسة في اضافة الأمّ الى الزوجة فيصدق على ام الزوجة السابقة، فيشملها قوله تعالى وامهات نسائكم، ولاربط له بعدم كون المشتق حقيقة فيما انقضى عنه المبدأ، وعليه فتحرم على الرجل زوجتاه الكبيرتان مضافا الى زوجته الصغيرة.

ثم اورد عليه بأن كفاية ادنى ملابسة في الاضافة لاتقتضي حمل ظهوراللفظ عليه([11])وما ذكره متين جدا.

وحيث لم‌يتم أي من هذه الوجوه فمقتضى القاعدة في الصورة الاولى والثانية بقاء زوجية الكبيرة الأولى فضلا عن الكبيرة الثانية.

الصورة الثالثة:

ما اذا فرض عدم دخوله بالكبيرة الاولى وعدم ارضاعها للصغيرة من لبنه، فالمتجه زوال زوجية الكبيرة الاولى وحرمتها عليه وبقاء زوجية الصغيرة، –وكذا الكبيرة الثانية لو كانت غير مدخول بها و لم‌يكن ارضاعها للصغيرة من لبن الرجل- حيث ان اطلاق الدليل المقتضي لبقاء زوجية الصغيرة يكون واردا على موضوع زوجية الكبيرة حيث يجعلها اُمّا لزوجته، فيشملها قوله تعالى “حرمت عليكم امهات نسائكم” بخلاف دليل بقاء زوجية الكبيرة الأولى فانه ليس واردا على موضوع زوجية الصغيرة التي صارت بنتا رضاعية لها، لان دليل حرمة بنت الزوجة مقيد بفرض كون الزوجة مدخولا بها، حيث قال تعالى: حرمت عليكم… ربائكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن([12]).

ولأجل ذلك نقول ان مقتضى القاعدة انه لو تزوج رجل ببنت زوجته قبل الدخول بامها او عقد عليهما في آن واحد فتحرم عليه الأم ولكن يكون نكاح البنت صحيحا كما ذكره السيد الخوئي “قده”([13])، وان كان المشهور بطلان نكاح البنت مع وقوع العقد عليها متأخرا وبطلان كل العقدين في فرض وقوعهما في زمان واحد، فانه لم‌يظهر لما ذكره المشهور وجه صحيح.

ودعوى ان ذلك مقتضى ما ورد من النهي عن الجمع بين الأم والبنت، ففي معتبرة مسعدة بن زياد انه يحرم من الإماءء عشر لايجمع بين الام والابنة([14]) وفي رواية مسمع ثمانية لاتحل مناكحتهم: أَمَتُك أُمّها أَمَتُك([15])، فاذا جمع بينهما في عقد واحد فيحكم ببطلانه، كما انه اذا عقد على البنت بعد العقد على أمها فيحكم ببطلان العقد على البنت لكونه مصداقا للجمع بينهما عرفا، وكذا يدل عليه رواية موسى بن بكر عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه‌السلام) انه قال في رجل كان تحته امرأة فتزوج أمها أو ابنتها أو أختها فدخل بها ثم علم: فارق الأخيرة والأولى امرأته و لم‌يقرب امرأته حتى يستبرئ رحم التي فارق([16]).

وفيه ان الظاهر من معتبرة مسعدة بن زياد ورواية مسمع كونهما ناظرتين الى الجمع بين الاستمتاع بالام والبنت لورودهما في الإماء، على انه لو تمت دلالتهما على بطلان نكاح البنت ولو قبل الدخول بامها فيختص ذلك بما اذا كان نكاح البنت مصداقا للجمع بين الام والبنت عرفا، ولكن حيث كان عقد كل من الزوجة الصغيرة والكبيرة الأولى قبل تحقق الرضاع الكامل بينهما، فلايستكشف من الروايتين فساد كلا النكاحين وانما يعلم بعدم بقاءهما معا على الزوجية، فلايمكن نفي احتمال بقاء زوجية الصغيرة وزوال زوجية الكبيرة، وحينئذ فيرجع الى مقتضى القاعدة من بقاء زوجية البنت بعد افتراض عدم كون رضاعها من لبن الرجل وعدم الدخول بالكبيرة الأولى، واما رواية موسى بن بكر- فمضافا الى جهالة سند الصدوق الى موسى بن بكر، وقرب انصراف قوله “من كان تحته امرأة” الى فرض الدخول بها- فهي لاتدل على حكم الجمع بين عقدهما في زمان واحد ولاتدل ايضا على حكم المقام مما تأخر حصول بنتية إحدى الزوجيتين للأخرى على زواج الرجل بهما.

ومع غمض العين عن ذلك كله وقبول اطلاقها لفساد نكاح البنت فيتعارض هذا الاطلاق مع اطلاق قوله تعالى: وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فان لم‌تكونوا دخلتم بهن فلاجناح عليكم…([17])، حيث انه لايبعد ان يكون مقتضى اطلاقه جواز نكاح بنت الزوجة غير المدخول بها لامجرد نفي حرمتها الأبدية، لانه ذكر في عداد من يحرم نكاحهن ذات البعل حيث قال تعالى “والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم كتاب الله عليكم واحل لكم ما وراء ذلكم” ومن الواضح عدم حرمتها الابدية والمتعين حجية اطلاق الآية عند معارضته مع اطلاق الرواية، نعم بناء على مسلك السيد الخوئي “قده” من تساقط الاطلاقين فيلزم الاحتياط بالاجتناب عن كلتيهما للعلم الإجمالي بفساد نكاح إحديهما، نعم لو تأخر عقد زواج بنت الزوجة غير المدخول بها فقد يقال بان المرجع فيه استصحاب عدم زوجية البنت وفي الزوجة استصحاب بقاءها بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية او قاعدة الحل، على اشكال في جريان قاعدة الحل في مثل هذه الشبهات.

هذا كله بالنظر الى مقتضى القواعد العامة.

التحقیق طبق مقتضى النصوص الخاصة

واما بالنظر الى مقتضى النصوص الخاصة فقد ورد في المقام ثلاث روايات:

الرواية الأولى:

رواية الكليني عن على بن محمد(هوعلي بن محمد بن البندار وهوثقة ) عن صالح بن ابي حماد عن علي بن مهزيار عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال: قيل له إن رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة له أخرى فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية وامرأتاه فقال أبو جعفر (عليه‌السلام): أخطأ ابن شبرمة تحرم عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولا فأما الأخيرة فلم تحرم عليه كأنها أرضعت ابنته([18]).

وقد حكم الشهيد الثاني “ره “في المسالك بضعف سندها لأجل جهالة صالح بن ابي حماد، ولأجل ان ظاهر اطلاق ابي جعفر هو الباقر(عليه‌السلام) ويؤيد ارادته في المقام ذكر قول ابن شبرمة في الحديث، فانه كان معاصرا له (عليه‌السلام) وابن مهزيار كان معاصرا لابي جعفر الثاني الامام الجواد (عليه‌السلام) فيكون الحديث مرفوعا([19]).

وجوه وثاقة صالح بن ابي حماد

وقد يحاول اثبات وثاقة صالح بن ابي حماد بعدة وجوه:

1- ما نقله الكشي عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان انه كان يرتضيه ويمدحه ويقول هو ابو الخير كما كني([20]).

وهذايبتني على اثبات وثاقة على بن محمد بن قتيبة وقديدعى حصول الاطمئنان بوثاقته حيث أن الصدوق “ره”نقل في كتاب الفقيه روايات كثيرة عن عبدالواحد بن عبدوس عنه فلو لم‌يكن موثوقابه عند الصدوق او لم‌يثبت عنده حسن ظاهره الكاشف عن عدالته لما اكثر النقل عنه في كتاب التزم أن لايروي فيه الا ما كان حجة بينه وبين ربه.

فان حصل الاطمئنان بوثاقة ابن قتيبة من خلال ذلك فهو، والافلايجدي تصحيح العلامة الحلي “ره”له لعدم جريان أصالة الحس في شهادته، واما اتباع رأيه من باب الرجوع الي الخبرة فيتوقف على حصول مقدمات الاستنباط في هذا المجال عنده وعدم حصولها لنا، ولكنه ليس كذلك (فيختلف عن توثيقات امثال النجاشي والشيخ الطوسي “ره ” لقرب عهدهم بالرواة ووجدانهم لمنابع الاستنباط في هذا المجال، فيجوز الاعتماد عليها من باب الرجوع الى الخبرة وان فرض عدم جريان أصالة الحس بالنسبة الى ثوثيقاتهم ايضا).

كما لايجدي مانقله النجاشي من أن الكشي اعتمد على ابن قتيبه في كتاب الرجال وذلك لأن اعتماد الكشي لايعرف الامن خلال اكثاره الرواية عن شخص والمفروض ان الكشي كان يروي عن الضعفاءكثيرا فلايكشف ذلك عن توثيقه.

كمالايجدي ماذكره الصدوق في كتاب عيون أخبارالرضا بعدنقل ماكتبه الرضا(عليه‌السلام) للمأمون في محض الاسلام وشرايع الدين من طريق عبدالواحدبن عبدوس عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن الرضا، حيث ذكرطريقاآخرالى هذاالكتاب فقال:حدثني بذلك حمزة بن محمدعن قنبربن علي بن شاذان عن ابيه عن الفضل بن شاذان عن الرضا، الاانه ذكرفيه” الفطرة مدان من حنطة وصاع من الشعيروالتمروالزبيب وذكرفيه ان الوضوءمرة مرة فريضة واثنتان اسباغ وذكران ذنوب الانبياءع صغائرهم موهوبة و حديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس رضي الله عنه عندي أصح ولا قوة إلا بالله.([21])

فانه يحتمل ان يكون حكمه باصحّية حديث ابن عبدوس ناظرا الى المتن لاشتمال الثاني على زيادة لايلتزم بها.

2- ان صالح بن ابي حماد من رجال تفسيرعلي بن ابراهيم القمي “ره “([22])، وقدالتزم جماعة كصاحب الوسائل والسيدالخوئي “قدهما” بوثاقة رجال التفسير حيث ورد في اول ديباجته “نحن ذاكرون ومخبرون بماينتهي الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم”.

ولكن لم‌يثبت لنا تمامية مبنى التوثيق العام لرجال هذا التفسير، فان هذا التفسير الموجود بايدينا ليس بكامله تفسير القمي، حيث روي فيه عن جماعة يحصل الاطمئنان عادة بعدم رواية علي‌بن‌ابراهيم القمي عنهم، فانهم ليسوا في طبقة مشايخ علي‌بن‌ابراهيم القمي مثل احمدبن‌محمد‌بن‌سعيد‌ابن‌عقدة وجماعة آخرون يقرب عددهم من ثلاثين شخصا، وقد ذكر المحقق آغا بزرك الطهراني اسماءهم في كتاب الذريعة.

وقد ذكر “قده” ان الظاهر ان الذي جمع هذاالتفسير الموجود بايدينا هو ابوالفضل العباس‌بن‌محمدبن القاسم‌بن‌حمزة ‌بن‌موسى‌بن‌جعفر” عليهماالسلام”، وكان تلميذ علي‌بن‌ابراهيم القمي، وقد اضاف الى تفسير القمي جملة من روايات تفسير‌ابي‌الجارود وطريقه اليه ما ذكره في أثناء كتاب تفسير القمي بقوله حدثنا‌ابن‌عقدة عن جعفر‌بن‌عبدالله عن كثير‌بن‌عيّاش عن زياد المنذر‌ابي‌الجارود عن‌ابي‌جعفر (عليه‌السلام)، وهذا التصرف وقع منه من اوائل سورة آل عمران([23]) الى آخر القرآن، والغالب ان اباالفضل العباس جامع هذا التفسير بعد تمام رواية ‌ابي‌الجارود او رواية أخرى من بعض مشايخه الآخرين يعود الى تفسير القمي بقوله وقال علي‌بن‌ابراهيم، وفي عدة مواضع يقول رجعٌ الى تفسير علي‌بن‌ابراهيم([24]) او يقول رجعٌ الى رواية علي‌بن‌ابراهيم([25])، او يقول رجع الحديث الى علي‌بن‌ابراهيم([26])، وبالجملة يظهر من هذا الذي جمع كتاب التفسير وهو ابوالفضل العباس انه كان بناءه ان يميّز بين روايات علي‌بن‌ابراهيم وروايات تفسير‌ابي‌الجارود بحيث لايشتبه الأمر على الناظرين([27]).

هذا ومن جهة أخرى أنه قد نقل السيد شرف الدين الحسيني الاسترابادي المتوفى سنة 965 في كتاب تأويل الآيات الظاهرة روايات كثيرة عن تفسير القمي ولاتوجد في هذا التفسير الذي بايدينا، ومع هذا الاضطراب والاختلاف فلايمكن تصحيح هذا التفسير الموجود بايدينا وانتسابه الى القمي.

هذاوالمهمّ انه لايستفاد من هذا التفسير الموجود بايدينا ان التوثيق العام المذكور في مقدمة التفسير([28]) هو من كلام علي‌بن‌ابراهيم القمي، لانه بعد انتهاء هذه المقدمة يقول حدثني ابوالفضل العباس‌بن‌محمدبن القاسم‌بن‌حمزة ‌بن‌موسى‌بن‌جعفر قال حدثنا على‌بن‌ابراهيم…([29])، فمن المحتمل جدا ان يكون المقدمة لابي‌الفضل العباس او احد تلامذته، ولااعتبار بتوثيقهما لجهالة امرهما.

واماما قد يقال من ان صاحب الوسائل قد نقل هذه العبارة عن تفسيرالقمي، ولصاحب الوسائل طريق صحيح الى هذا الكتاب، فقدأقمنا في البحث عن سند رواية القطب الراوندي في كتاب النعارض شواهدعلى عدم طريق حسي لصاحب الوسائل الى النسخ التي كانت بيده فراجع.

3- ما يدعى من ان صالح بن ابي حماد كان من المعاريف الذين لم‌يرد فيهم قدح (حيث ان له سبعين حديثا تقريبا) وبذلك يحرز حسن ظاهره الكاشف عن عدالته وقد كان شيخناالاستاذ “قده” يلتزم بهذه الكبرى الرجالية، ولكن لايصح تطبيقهاعلى المقام لانه ذكر النجاشي في حقه ان امره كان ملتبسا يعرف وينكر وهذا وان لم‌يدل على ضعفه لكنه مانع عن احراز حسن ظاهره.

تطبيق نظرية تعويض السند

ثم انه قدتطبق نظرية تعويض السندعلى هذه الرواية، حيث ان الشيخ “ره” ذكر في الفهرست طرقا معتبرة الى كتب وروايات ابن مهزيار فيقال بأن الظاهر من هذا الكلام وجود طرق له الى الروايات الواصلة اليه الذي نسبت الى ابن مهزيار، فينطبق على هذه الرواية المروية في الكافي عن ابن مهزيار بعد شهادة الشيخ بوصول كتاب الكافي اليه.

ان قلت: انه قد استثنى الشيخ في الفهرست عن هذه الطرق المعتبرة الى كتب وروايات ابن مهزيار كتاب المثالب وذكر اليه طريقا واحدا فقط وهذا الطريق مشتمل على ابراهيم بن مهزيار و لم‌يرد في حقه اي توثيق، ويحتمل ان تكون هذه الرواية منقولة عن كتاب المثالب.

قلت: انه ذكر شيخنا الاستاذ “قده” اولا: ان ابراهيم ابن مهزيار كان من المعاريف الذين لم‌يرد في حقهم قدح فيكشف عن حسن ظاهره.

وثانيا: ان احتمال كون هذه الرواية الفقهية مذكورة استطرادا في خصوص كتاب المثالب بعيد جدافيطمئن بعدمه.

والظاهر تمامية هذا الجواب الثاني دون الجواب الاول، لان روايات ابراهيم بن مهزيار لاتزيد على ستين رواية تقريبا فليست بمرتبة تورث الاطمئنان بحسن ظاهره.

وكيف كان فالمهم ان نظرية تعويض السند بعرضها العريض غير تامة عندنا.

فانه اولا: يمكن ان يقال انه لايظهر عرفا من قول الشيخ أخبرنا بجميع كتب وروايات حريز مثلا أكثر من ان حريزا أجاز لتلميذه ان يروي عنه جميع كتبه ورواياته بشكل عام، ثم أجاز تلميذه لشخص آخر بان يروي جميع كتب وروايات حريز من طريقه وهكذا…، ويشهد على ذلك ما ذكر في الفهرست في ترجمة على بن الحسن بن فضال انه قيل ان له ثلاثين كتبا، ثم قال اخبرنا بكتبه ورواياته، مع ان المفروض انه لم‌يصل اليه جميع كتبه والا لما عبر عنها بكلمة “قيل”، وعليه فليس مثل هذه الإجازات الا من باب التيمن والتبرك، نظير ما كتب العلامة على ظهر كتاب القواعد للقطب الرازي من أني اجزت له رواية هذا الكتاب باجمعه ورواية جميع مؤلفاتي وروايأتي وما اجيز لي روايته وجميع كتب اصحابنا السالفين، وكذا ذكر العلامة في إجازته لبني زهرة مثل ذلك([30])، ومثله قول الشهيد في إجازته لابن خازن: فليرو مولانا زين الدين علي بن خازن جميع ذلك ان شاء بهذه الطرق وغيرها مما يزيد على الالف والضابط ان يصح عنده السند في ذلك لي وله([31]).

ويؤيد ما ذكرناه استبعاد كون مراد الشيخ الطوسي “ره” مثلا من قوله اخبرنا بجميع كتبه ورواياته بيان طرقه الى تفاصيل الكتب والروايات مع كثرتها، فقد ذكر مثل هذا التعبير في كتاب الفهرست بالنسبة الى اشخاص كثيرين كابي الفرج الاصفهاني حيث قال له كتاب الاغاني كبير وكتاب مقاتل الطالبين وغير ذلك من الكتب اخبرنا عنه جماعة منهم احمد بن عبدون بجميع كتبه ورواياته، ولايحتمل عادة ان يخبره جماعة بتفاصيل كتب ابي الفرج الاصفهاني ورواياته بما فيها كتاب الاغاني الكبير مع اشتماله على ما لايمتّ الى العلوم الشرعية بصلة، فان الإخبار بتفاصيل تلك الكتب والروايات إما يكون بالسماع منهم او القراءة عليهم او اخذ نسخهم او الاستنساخ منها وكل ذلك غير محتمل عادة مع كثرة تلك الكتب والروايات وتعدد الطرق اليها.

وثانيا: لو سلمنا ظهوره في وجود طريق له الى تفاصيل روايات حريز مثلا فالمتيقن لولا الظاهر من اضافة الروايات الى شخص هو كون تلك الروايات روايات ذلك الشخص واقعا –ولو باعتقاد من صدر منه هذا الكلام وهو الشيخ في المقام حيث شهد بانه اُخبر بجميع كتبه ورواياته- ولايشمل كل رواية نسبت الى ذلك الشخص، فلو قال شخص ان لي طريقا صحيحا الى جميع كلمات الشيخ الانصاري فلايعني ذلك انه يدعي وجود طريق له الى كل كلام نسب اليه ولو من قبل اشخاص ضعاف.

فالمتيقن من قوله اخبرنا بجميع كتب حريز ورواياته هو كل ما يراه الشيخ انه رواية له بان ينسبه في كتبه اليه كما لو بدأ السند به[s1] ، وأما لو روى بسند ضعيف حديثا عنه فيكون من الشبهة المصداقية لما يراه الشيخ بنفسه انه من رواياته، فلايمكن تطبيق تعويض السند عليه، نعم بناء على ذلك لو كان الطريق الضعيف الذي يذكره الشيخ في التهذيب والاستبصار الى إحدى روايات حريز من احد الطرق المذكورة في الفهرست في ضمن قوله: اخبرنا بجميع كتب وروايات حريز…، فيمكن فيه تعويض السند ايضا، حيث ان ظاهر ذكر الشيخ عدة طرق الى كتبه ورواياته هو ان كل ما يرويه الشيخ باحد تلك الطرق فهو يرويه بالطرق الأخرى أيضا.

ان قلت: ان حمل قوله اخبرنا بجميع كتبه ورواياته على خصوص ما كان رواية له في نظر الشيخ، تقييد لهذا الاطلاق بلامقيد، نعم غاية ما تقتضيه القرينة الحالية هو تقييده بالروايات الواصلة الى الشيخ، دون الروايات المنسوبة اليه مما لم‌تصل الى الشيخ، حيث مر أنه لايمكن للشيخ عادة ان يحيط بجميع الروايات المنسوبة الى ذلك الشخص.

قلت: قد مر ان المتيقن من اضافة الروايات الى شخص هو رواياته واقعا ولو باعتقاد من صدر منه هذا الكلام.

هذا وقد ذكر السيد الصدر”قده” على ما حكي عنه في دورته الأولى من الاصول ان احتمال كون المراد من قول الشيخ في الفهرست: “اخبرنا بجميع كتب حريز ورواياته” مثلا هو ما يراه الشيخ رواية له خلاف الظاهر، لان الظاهر ان الشيخ انما يقول هذا الكلام بما هو من اهل الرواية والحديث، لابما هو مجتهد في الاحاديث يحكم بانه حديث حريز واقعا ام لا، وانما قال الشيخ هذا الكلام في الفهرست ليمكن لنا تصحيح كتب حريز ورواياته مثلا واخراجه عن الارسال، ولو فرض ان مقصود الشيخ خصوص الكتب والروايات التي يعتبرها بنفسه كتبا وروايات لحريز لم‌يفد هذا الكلام في نفسه شيئا، اذ لعل هذا الخبر الذي يرويه الشيخ عنه ليس له علم وجداني او تعبدي بانه له، ولاينافي ذلك ذكره اياه في كتاب التهذيب والاستبصار لانه يكفي في ادراج هذا الخبر في هذين الكتابين كونه مرويا عن حريز، فالظاهر عرفا من هذا الكلام هو وجود طريق للشيخ الى جميع الكتب والروايات المنسوبة الى حريز مما وصلت الى الشيخ([32])

ويلاحظ عليه: انه تظهر ثمرة ذكر هذه الطرق في الفهرست الى روايات حريز مثلا فيما لو بدأ السند بحريز[s1]  او كان الطريق المذكور في التهذيب والاستبصار الى روايته من احد الطرق المذكورة في الفهرست، وبذلك يخرج الحديث عن الارسال والضعف، وليس فيه أيّة منافاة لظاهر حال الشيخ.

ويؤيد ما ذكرناه ان الشيخ الطوسي نفسه ذكر في التهذيب بعد ما روى عن ابي سمينة عن محمد بن زياد البزاز عن هارون بن خارجة عن ابي بصير عن ابي عبدالله (عليه‌السلام)…: هذا الخبر ضعيف الاسناد([33]) ومحمد بن زياد البزاز هو محمد بن ابي عمير وقد ذكر الشيخ في الفهرست طرقا صحيحة الى جميع كتب وروايات ابن ابي عمير، وكذا ذكر في الاستبصار بعد ما روى عن محمد بن عيسى عن يونس (ابن عبدالرحمن) ان هذا الخبر طريقه محمد بن عيسى ابن عبيد عن يونس وهو ضعيف([34])، مع انه ذكر في الفهرست طرقا متعددة الى كتب وروايات يونس بن عبدالرحمن، لكن يمكن الجواب عنه على فرض تمامية هذه النظرية في حد ذاتها باحتمال غفلة الشيخ عن مبناه او عدم التفاته الى ان محمد بن زياد البزاز هو محمد بن ابي عمير او انه ذكر ذلك لتخفيف مشكلة التعارض بين الروايات، فترى انه قد صرح في كتاب العدة بان الطائفة سوّت بين مراسيل صفوان وابن ابي عمير والبزنطي وبين مسانيد غيرهم، ولكنه مع ذلك ذكر في التهذيب والاستبصار رواية عن ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام)، ثم قال اول ما فيه انه مرسل وما هذا سبيله لايعارض الاخبار المسندة([35]).

شاهد آخر على عدم تمامية نظرية تعويض السند

ولكن يوجد شاهد آخر أقوى على عدم تمامية نظرية تعويض السند وهو انه ذكر الشيخ في الفهرست عدة طرق صحيحة الى جميع كتب يونس بن عبدالرحمن ورواياته، وتشتمل هذه الطرق على محمد بن الحسن بن الوليد ما عدا طريق واحد، وحينئذ فكيف يجتمع ان يكون ابن الوليد وسيطا الى جميع كتب وروايات يونس بعدة طرق ومنها ما رواه محمد بن عيسى عن يونس، ومع ذلك يحكي الشيخ عنه في نفس الموضع ان ما تفرد به محمد بن عيسى عن يونس لايعتمد عليه ولايفتى به، وهذا يعني وجود روايات يتفرد بها محمد بن عيسى عن يونس ولايرويها غيره، فكيف ذكر ابن الوليد طرقها الأخرى الى جميع كتب وروايات يونس.

وكيف كان فالصحيح عدم تمامية نظرية تعويض السند.

واما الاشكال الثاني الذي ذكره في المسالك على رواية ابن مهزيار فقد يقال ان اطلاق ابي جعفر على الامام الجواد (عليه‌السلام) موجود في الروايات وحينئذ فقد يقال ان رواية ابن مهزيار عنه ظاهرة في الحسّ فتكون قرينة على ارادة الامام الجواد (عليه‌السلام)، و لامانع عرفي من نقل فتوى ابن شبرمة في عصرالامام الجواد (عليه السلام) فانه كان من فقهاء العامة المعروفين، وقد نقل في تهذيب التهذيب في ترجمة عبدالله بن شبرمة عن الثوري: فقهائنا ابن شبرمة وابن ابي ليلى، وكان اذا قيل له(اي للثوري) مَن مفتيكم، يقول ابن ابي ليلى وابن شبرمة([36]) وذكر في المحاضرات ان الموجود في نسخة التهذيب والكافي عن ابن مهزيار انه رواه عن ابي جعفر (عليه‌السلام) فلو كان مسندا لما كان وجه لهذا التعبير عادة ولايخفى ان ذلك في حد نفسه ليس موجبا لعدم ظهوره في الإخبار الحسي، الا انه بعد وجود هذه الامور الصالحة للقرينية فاحراز ظهوره في ارادة الامام الجواد (عليه‌السلام) لايخلو من اشكال.

هذا واما ما في المسالك من انه لم‌يذكر السائل في الحديث ففيه ان ظاهر نقل ابن مهزيار هو حسّ قول الامام (عليه‌السلام) ولايضره عدم ذكر السائل لعدم الاهتمام به.

وكيف كان فلو تمت الرواية سندا لدلت على حرمة الكبيرة الأولى في فرض الدخول بها او ارضاعها من لبنه، وعلى بقاءالكبيرة الثانية على الزوجية، وعليه فيستفاد منها نكتة عامة في باب الرضاع وهو كفاية الاتحاد في الرتبة في صدق عنوان ام الزوجة ونحوها وفي انتشار الحرمة ومن هنا لو اراد اخوان ان تصير زوجة كل منهما محرما للآخر، فقد ذكروا انه يتزوج كل منهما زوجة صغيرة ويدفعها الى زوجة اخيه لترضعها وبعد تحقق الارضاع المحرم يصير هوعمَّاً رضاعياً للصغيرة وبذلك تزول زوجيتها، لكنه في هذه الرتبة تصير زوجة اخيه ام زوجته فتصير محرما عليه، وقد افتى بذلك جمع من الاعلام([37]).

الرواية الثانية:

صحيحة محمد بن مسلم: لو ان رجلا تزوج جارية رضيعة فارضعتها امرأته فسد النكاح([38]) فقد يستظهر منها كما في المحاضرات فساد نكاح الجارية حيث انه المذكور في صدر الحديث([39]) فان قلنا بما هو الصحيح من انصرافها الى ما هو المتعارف من فرض دخوله بامرأته او كون ارضاعها تلك الجارية بلبنه فتكون الصحيحة مطابقة للقاعدة، وان قلنا باطلاقها لفرض عدم الدخول بالكبيرة وعدم ارضاعها من لبنه بان تزوج بامرأته بعد ما وضعت حملها من زوجها السابق ثم لم‌يدخل بها هذا الرجل الى ان ارضعت الجارية، فتدل على فساد نكاح الجارية ولكن لاتحرم عليه مؤبدا في هذا الفرض لعدم كونها بنت الزوجة المدخول بها ولابنتا رضاعية للرجل، فتكون نسبتها مع قوله تعالى:وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فان لم‌تكونوا دخلتم بهن فلاجناح عليكم… واحل لكم ما وراء ذلكم… هي العموم من وجه، حيث مرّ ان الآية باطلاقها تقتضي حلية نكاح هذه الجارية اذا لم‌يدخل الرجل بامرأته و لم‌يكن ارضاعها من لبنه، وحينئذ فيكون المتعين حجية اطلاق الآية عند معارضته مع اطلاق الرواية، نعم بناء على مسلك السيد الخوئي “قده” من سقوط اطلاق الكتاب بمعارضته مع اطلاق الخبر فيلزم الاحتياط بالاجتناب عن الجارية والمرأة للعلم الإجمالي بزوال زوجية احديهما.

وبناء على ما هو الظاهر من اجمال الصحيحة وتردد معناها بين ان يكون فساد نكاح المرأة المرضعة او فساد نكاح الجارية الرضيعة، فان قلنا بانصرافها الى الفرض المتعارف من دخوله بامرأته او كون إرضاعها للجارية من لبنه فيدور امرها بين ان يراد بها فساد نكاح الجارية وهذا مطابق لما هو مقتضى القاعدة وبين ان يراد بها فساد نكاح المرأة وهذا خلاف مقتضى القاعدة، فلايمكن الاستدلال بها على خلاف مقتضى القاعدة لفرض اجمالها، وان بنينا على اطلاقها لفرض عدم دخوله بامرأته وعدم إرضاعها الجارية من لبنه فيدور امرها بين كونها معارضة بالعموم من وجه مع الآية ان اريد منها فساد نكاح الجارية وبين كونها مخصصة لاطلاق الآية بناء على كون المراد بها فساد نكاح المرأة، ومع هذا الاحتمال فلايمكن العمل بالصحيحة فيما هو مخالف لمقتضى اطلاق الآية.

الرواية الثالثة:

صحيحة عبدالله بن سنان عن ابي عبدالله (عليه‌السلام) عن رجل تزوج بجارية فارضعتها امراته وام ولده قال (عليه‌السلام) تحرم عليه([40])، والظاهر ان المراد بها حرمة الجارية على الرجل فتكون الصحيحة مطابقة لمقتضى القاعدة.

والحاصل انه لم‌يتم دليل واضح على الخروج عما هو مقتضى القواعد العامة.

 



[1] – حكاه عنه المحقق الاصفهاني في نهاية الدارية ج1ص69

[2] – منطق الاشارات والتبيهات ج1ص31

[3] -كفاية الاصول ص39

[4] – ايضاح الفوائد ج3ص52

[5] -مسالك الافهام ج7 ص269

[6]– وسائل الشيعة ج20ص371 ابواب ما يحرم بالرضاع باب1 ح1

[7] – وسائل الشيعة ج 20ص458 باب18 من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ح2

[8] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص223

[9] نهاية الافكارج1ص131

[10] -سورة النساء، الآية 23

[11] -جواهر الكلام ج29 ص 334

[12] -سورة النساء الآية 23

[13] -موسوعة الامام الخوئي ج32 كتاب النكاح ص19

[14] – وسائل الشيعة ج20 ص397 باب8 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح9

[15] – وسائل الشيعة ج 20ص466 باب21 من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ح4

[16] – وسائل الشيعة ج20 ص430باب 8من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ح6

[17] -سورة النساء الآية 23

[18] – وسائل الشيعة ج20 ص402 باب14 من ابواب التحريم بالرضاع ح1

[19] -مسالك الافهام ج7ص269

[20] – رجال الكشي ج6 ص566

[21] -عيون أخبار الرضا ج‏2 ص 127

[22] – تفسير القمي ج1ص313

[23] – تفسير القمي ج1ص102

[24] – راجع تفسير القمي ج2ص271 و272 و299

[25] – تفسير القمي ج1ص279و313و389

[26] – تفسير القمي ج1ص270و286

[27] – الذريعة الى تصانيف الشيعة ج4ص303

[28] – تفسير القمي ج1 ص4

[29] – تفسير القمي ج1ص27

[30] -خاتمة المستدرك ج2 ص 20-11

[31] -بحار الانوار ج107ص192

[32] -مباحث الاصول القسم الثاني ج 3 ص242، ولكنه لم‌يقبل نظرية تعويض السند في بحوثه في الفقه ج1ص464 وكذافي دورته الثانية من الاصول، راجع ج 5 ص60 من بحوث في علم الاصول.

[33]– تهذيب الاحكام ج9 ص 441

[34] -الاستبصار ج3 ص 156

[35] -تهذيب الاحكام ج8 ص360، الاستبصار ج4 ص27

[36] – تهذيب التهذيب ج3ص162

[37] – وسيلة النجاة ص722 وتحرير الوسيلة ج2ص272

[38] – وسائل الشيعة ج20 ص399باب10 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح1

[39] – محاضرات في اصول الفقه ج1 ص226

[40] – وسائل الشيعة ج20 ص400 باب10 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح2


 [s1]المحقق الاصفهاني: التحقيق في خروج المصادر مطلقا- مع كونها من المشتقات- عدم الجري لها على الذات، و عدم اتحادها معها، كي يكون بقاؤها موهما لصدقها. فافهم فاستقم.