فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

اقسام استصحاب الكلي.. 2

القسم الثاني من استصحاب الكلي.. 2

الفرض الاول: أن يتعلق الاثر بصرف وجود الطبيعة كما قال المولى.. 2

الفرض الثاني: ما اذا ترتب الاثر على العناوين التفصيلية للافراد (استصحاب الفرد المردد) 2

الفرض الثالث: أن يتعلق الاثر بمطلق وجود الطبيعة اي بنحو المطلق الشمولي والانحلالي.. 3

البحث عن الفرض الاول. 3

المشهور: جريان استصحاب الكلي.. 3

القول بعدم جریان. 4

وجوه استدل به علی عدم جریان الاستصحاب.. 4

الوجه الاول: عدم تمامیة اركان الاستصحاب فیه. 4

الوجه الثاني: مع جريان الاصل السببي وهو استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل، فلا تصل النوبة الى الاصل المسببي.. 7

بیان المختار: جريان استصحاب في الفرض الاول من القسم الثاني.. 13

البحث عن الفرض الثاني: ما سمي باستصحاب الفرد المردد 13

قول بعدم جریان الاستصحاب في الفرد المردد 13

المراد من الفرد المردد في المقام. 14

اشكالات في المنع عن جريان الاستصحاب في الفرد المردد 15

الاشكال الاول: 15

الاشكال الثاني: 18

الاشكال الثالث: 19

الاشکال الرابع: 19

الاشكال الخامس: 22

الاشكال السادس: التعارض مع استصحاب عدم الفرد الطويل.. 25

الحق هو القول بجريان استصحاب الفرد المردد 27

البحث عن الفرض الثالث27

نکات في خاتمة بحث الفرد المردد 28

التعويض في بعض الموارد عن استصحاب الفرد المردد 29

شبهة الفرد المردد في سائر الاصول. 33

عدّ الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية من استصحاب الفرد المردد 36

 

موضوع: تنبیهات /استصحاب /اصول

خلاصه مباحث گذشته:

متن خلاصه …

 

 

اقسام استصحاب الكلي

القسم الثاني من استصحاب الكلي

يقع الكلام في استصحاب القسم الثاني من الكلي، وله ايضا ثلاثة فروض:

الفرض الاول: أن يتعلق الاثر بصرف وجود الطبيعة كما قال المولى

الفرض الاول: أن يتعلق الاثر بصرف وجود الطبيعة كما قال المولى “اذا وجد انسان في الدار يوم الجمعة فتصدق” وهذا هو المتيقن من استصحاب القسم الثاني من الكلي.

الفرض الثاني: ما اذا ترتب الاثر على العناوين التفصيلية للافراد (استصحاب الفرد المردد)

الفرض الثاني: ما اذا ترتب الاثر على العناوين التفصيلية للافراد، سواء اتحد سنخ حكمها، كما قال المولى “اذا وجد زيد في الدار يوم الجمعة فتصدق” و “اذا وجد عمرو في الدار يوم الجمعة فتصدق” فعلم بوجود احدهما في الدار يوم الخميس، وبكون زيد خارج الدار يوم الجمعة واحتمل بقاء عمرو في الدار على تقدير كونه فيها سابقا، او اختلف سنخ حكمها كما لو قال “اذا وجد زيد في الدار يوم الجمعة فتصدق”، و قال “اذا وجد عمرو في الدار يوم الجمعة فصلّ”.

وهذا الفرض يسمى باستصحاب الفرد المردد.

الفرض الثالث: أن يتعلق الاثر بمطلق وجود الطبيعة اي بنحو المطلق الشمولي والانحلالي

الفرض الثالث: أن يتعلق الاثر بمطلق وجود الطبيعة اي بنحو المطلق الشمولي والانحلالي، كما قال المولى “كل انسان يوجد في الدار يوم الجمعة فيجب عليك بذلك التصدق بدرهم.

و قد يسمى هذا الفرض ايضا باستصحاب الفرد المردد، كما هو مصطلح المحقق العراقي والسيد الصدر “قدهما” خلافا لبعض السادة الاعلام “دام ظله”.

البحث عن الفرض الاول

الفرض الاول: وهو ما اذا كان الاثر مترتبا على صرف وجود الكلي، كحرمة مس كتابة القرآن حيث انها مترتبة على صرف وجود الحدث، فلو التفت المكلف بعد ما توضأ أنه خرج منه قبل وضوءه بلل مشتبه بين البول والمني فيعلم بأنه ان وجد كلي الحدث في ضمن الحدث الاصغر فهو مرتفع قطعا وان وجد في ضمن الحدث الاكبر فهو باق قطعا.

المشهور: جريان استصحاب الكلي

فالمشهور جريان استصحاب الكلي في هذا الفرض، لتمامية اركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق في ما هو الموضوع للاثر وهو الكلي، وأما استصحاب عدم الفرد الطويل وضمه الى العلم بانتفاء الفرد القصير فهو لا يثبت انتفاء الكلي الا بنحو الاصل المثبت، اذ انتفاء الطبيعة لازم عقلي لانتفاء افرادها، ولا ينافي تمامية اركان الاستصحاب في الكلي العلم بارتفاعه على تقدیر وجوده في ضمن الفرد القصير، فانه نظير ما لو علمنا ب‍أنه ان وجد زيد في سنة كذا فقد مات وان وجد في سنة كذا فهو باق.

القول بعدم جریان

ولكن اختار جماعة کبعض الاعلام “قده” في المنتقى عدم جريانه، ومستندهم في ذلك عدة وجوه:

وجوه استدل به علی عدم جریان الاستصحاب
الوجه الاول: عدم تمامیة اركان الاستصحاب فیه

ما قد یقال من أن الواقع الذي يشار اليه في استصحاب القسم الثاني من الكلي يدور بين ما هو متيقن الارتفاع على تقدير حدوثه وبين ما يكون متيقن البقاء او مشكوكه على تقدير الحدوث لكن لا يقين بحدوثه، فلم يتم اركان الاستصحاب فيه.

واجيب عنه بأن اركان الاستصحاب وان كانت منتفية عند ملاحظة الواقع بالعنوان التفصيلي، لكن المهم تمامية اركان الاستصحاب في الواقع من خلال رؤيته والاشارة اليه من خلال العنوان الاجمالي الموضوع للاثر الشرعي.

الا أن بعض الاعلام “قده” ذكر في تقريب هذا الوجه أنه يلزم أن يكون الشك متعلقا بما تعلق به اليقين، و ليس الأمر ههنا كذلك، لأن اليقين قد تعلق بالموجود الشخصي الذي يشار إليه على واقعه، فلو علم بارتفاعه على تقدير كونه الفرد القصير، فلا يصح أن يقال انه مشكوك البقاء، لأنه على أحد تقديريه قد زال قطعا، فما كان متعلقا لليقين و هو الموجود المبهم على ما هو عليه ليس متعلقا للشك و ليس هو مشكوكا بهذه الصفة، فالشك الفعلي متعلق بوجود الفرد الطويل في هذا الآن الثاني، لاحتمال حدوثه في الآن الأول، فان الملازمة بين الحدوث و البقاء فيه توجب التلازم بين احتمال حدوثه و احتمال بقاءه على تقدير الحدوث، لأنه على تقدير الحدوث متيقن البقاء، و لكن هذا الشك لا ينفع في جريان الاستصحاب، لأنه فاقد لليقين بالحدوث، فما يتعلق اليقين بحدوثه لا شك في بقاءه، و ما يشك في بقاءه لا يقين بحدوثه، والحاصل أن المتيقن وجود الكلي لا مفهومه و عنوانه، إذ لا أثر له، و من الواضح ان المتيقن من وجود الكلي مردد بين الطويل و القصير، فهو على أحد تقديريه مقطوع الارتفاع، فلا يمكن ان يشار إلى الكلي الموجود سابقا و يقال انه مشكوك فعلا([1]).

مناقشه

وفيه أن كون متيقن الحدوث على احد التقديرين متيقن الارتفاع، يعنى اليقين التقديري بارتفاع المتيقن، وهذا لا ينافي الشك الفعلي في بقاءه، فهو نظير ما لو علمنا بان زيدا إما كان في الجانب الشرقي من الدار او في جانبها الغربي، فلو كان في الجانب الشرقي فقد مات قطعا، لوقوع الحائط عليه، او علمنا بأنه لو ولد في سنة كذا فقد مات قطعا.

نعم لو كان المتيقن في مورد العلم الاجمالي هو الفرد الواقعي صح ما ادعاه، ولكنه ليس كذلك ابدا، فان المتيقن هو ما يحكي عنه عنوان احدهما لا هذا الفرد ولا ذاك الفرد، فالمعلوم بالعرض -في مورد العلم الاجمالي- الذي هو منشأ انتزاع الجامع المتعلق للعلم الاجمالي هو الفردان على البدل، دون هذا الفرد ولا ذاك الفرد، ولذا يقول: لا اعلم بنجاسة هذا الاناء ولا ذاك الاناء، وانما اعلم بنجاسة احدهما، والشاهد على ما ذكرناه أنه يوجد علم اجمالي بنحو مانعة الجمع في كل شيء مشكوك بأنه إما موجود او معدوم، ومع ذلك لا يصح دعوى تعلق العلم الاجمالي بالواقع، و ما ذكرناه يأتي حتى فيما علم تفصيلا بفرد ثم اشتبه بفرد آخر، كما لو علم بوجود فرد تفصيلا ثم اشتبه بفرد آخر.

کلام صاحب المنتقى

وما حكي عن صاحب المنتقى من التفصيل بين ما لو لم ‌يكن سبب العلم الاجمالي مختصا بأحد الطرفين واقعا، مثل ما لو علم اجمالا بكذب احد الخبرين لتضادّ مؤداهما، كما لو اخبر شخص بكون زيد قائما وأخبر شخص آخر بكونه قاعدا وفرضنا كذب كلا الخبرين بأن كان زيد مضطجعا، ونحو ذلك، فان هذا العلم الاجمالي يتعلق بالجامع، وبين ما لو كان سبب العلم الاجمالي مختصا بأحد الطرفين واقعا، كما لو وقعت قطرة دم على احد الاناءين، واحتمل وقوع قطرة دم آخر على الاناء الآخر، فيكون العلم الاجمالي متعلقا بالواقع([2]).

مناقشه

ففيه أن كون سبب العلم الاجمالي مختصا بطرف معين، لا يعدو عن العلم بعدم انطباق العنوان المعلوم بالاجمال على كل من الطرفين، فيكون مثل جميع الموارد التي تكون العلم الاجمالي بنحو مانعة الجمع، وهذا حاصل في جميع موارد الشك في وجود شيء حيث نعلم اجمالا انه إما موجود او معدوم، أي نعلم بثبوت احد الامرين من وجوده او عدمه، لامتناع اجتماع النقيضين، كما نعلم بانتفاء الآخر، لامتناع ارتفاع النقيضين، ومجرد كون العلم الاجمالي بنحو مانعة الجمع لا يعني تعلق العلم بالواقع المعين في علم الله، وانما يعني العلم بانحصار ما ينطبق عليه الجامع المعلوم بالاجمال في طرف واحد منهما، وما ذكرناه واضح بشهادة الوجدان، لأنه بعد انكشاف كون الفرد القصير هو الفرد الحادث فلا يقال انه كان هو المعلوم من الاول، كما أنه لو تبين أن الاناء الشرقي مثلا هو الاناء الذي وقعت فيه القطرة من الدم فلا يقال انه كان معلوم النجاسة، ويشهد على ذلك أن متعلق العلم المصيب والمخطِئ لا يختلف عقلا، فلو انكشف للقاطع أنه كان مشتبها في رؤية الدم فنسأل ما هو الفرد المتعلق للعلم الاجمالي؟، وهكذا لو انكشف له خطأه في اعتقاده عدم انقسام تلك القطرة الى قسمين، فتبين له الآن انقسامها الى قسمين ووقوع قسمٍ في اناءٍ وقسم آخر في اناء آخر فما هو الفرد المتعلق للعلم الاجمالي؟.

على أنه لو كان منشأ كلامه هنا ما ذكره في حقيقة العلم الاجمالي فكان ينبغي ان يفصِّل في المقام، اذ قد يكون سبب العلم بوجود الكلي متساوي النسبة مع كل من الفرد القصير والطويل بحيث لو وجد معا صلح كل منهما ان يكون هو المتعلق للعلم الاجمالي بالحدوث، كما لو حصل العلم الاجمالي من اخبار معصوم بوجود احدهما او من حساب الاحتمالات.

الوجه الثاني: مع جريان الاصل السببي وهو استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل، فلا تصل النوبة الى الاصل المسببي

ما قد يقال من أن الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الطويل، ومع جريان الاصل السببي وهو استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل، فلا تصل النوبة الى الاصل المسببي لحكومته عليه.

وقد اجيب عنه بعدة أجوبة:

الجواب الاول:

ما ذكره صاحب الكفاية “ره” وحكي عن الشيخ الاعظم “قده” ايضا من المنع من كون بقاء الكلي من لوازم حدوث الفرد الطويل و ارتفاع الكلي من لوازم عدم حدوثه، بل بقاءه من لوازم كون الحادث هو الفرد الطويل، كما أن ارتفاعه من لوازم كون ذلك الحادث هو الفرد القصير، ولذا لو فرض عدم حدوث الفرد الطويل والقصير معا فهذا لا يوجب ارتفاع الكلي وعدم بقاءه وانما يعني عدم وجوده في زمان الشك، وهذا غير كافٍ، فان الاستصحاب هو التعبد بالبقاء في قبال الارتفاع وعدم البقاء، ولا اصل في البين يعيِّن كون ذلك الحادث هو الفرد الطويل او القصير([3]).

و اورد عليه السيد الخوئي “قده” بأن هذا الجواب مبني على عدم جريان الأصل في العدم الأزلي، و أما إذا قلنا بجريانه كما هو الصحيح، فلا مانع من جريان أصالة عدم‏ كون الحادث طويلا، و لذا بنينا في الفقه على عدم جريان استصحاب الكلي، للأصل السببي الحاكم عليه في موارد: منها: ما إذا شك في كون نجسٍ بولًا أو عرق كافر مثلًا، فتنجس به شي‏ء، فغسل مرة واحدة، فلا محالة نشك في بقاء النجاسة و ارتفاعها على تقدير اعتبار التعدد في الغسل في طهارة المتنجس بالبول، إلا أنه مع ذلك لا نقول بجريان الاستصحاب في كلي النجاسة، و وجوب الغسل مرة ثانية، لأنه تجري أصالة عدم كون الحادث بولا، فنحكم بكفاية المرة، للعمومات الدالة على كفاية الغسل مرة واحدة و خرج عنها البول بأدلة خاصة([4]).

مناقشه

وفيه أن مدعى صاحب الكفاية كون ارتفاع الكلي مسببا عن كون الحادث هو الفرد القصير، لا عن عدم كونه الفرد الطويل، ومن الواضح أن استصحاب عدم كون الحادث هو الفرد الطويل لا يثبت كونه الفرد القصير.

فالصحيح أن يقال ان الاستصحاب لايدور مدار شيء أكثر من التعبد بوجود المتيقن في زمان الشك في قبال عدم وجوده في هذا الزمان، ولا اشكال في أن وجود الكلي في زمان الشك مسبب عن وجود الفرد الطويل وعدم وجوده مسبب عن عدمه فيقال بأن استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل بضم وجدانية عدم الفرد القصير ينتج انتفاء الكلي.

الجواب الثاني:

ما ذكره صاحب الكفاية ايضا من أن بقاء الكلي ليس من لوازم بقاء الفرد الذي وجد في ضمنه، حتى يكون الاصل الجاري في الفرد اصلا سببيا حاكما عليه، وانما هو عينه، فلا معنى لحكومة اصله عليه([5]).

واورد عليه السيد الخوئي “قده” بانه بناء على العينية يكون جريان الاستصحاب في الكلي اوضح اشكالا منه على السببية([6]).

وأجاب في المنتقى عن هذا الايراد بأن صاحب الكفاية لم يدعِّ عينية بقاء الكلي وحدوث الفرد الطويل، بل ذهب إلى وحدة بقاء الكلي و بقاء فرده، و من الواضح ان بقاء الفرد ليس من آثار حدوث الفرد الطويل، اذ ليس الحدوث علة للبقاء بلا ريب، فأصالة عدم الحدوث لا تكون بالنسبة إلى أصالة بقاء الكلي من قبيل الأصل السببي([7]).

مناقشه

اقول: المقصود من الايراد على صاحب الكفاية أنه ان كان انتفاء الكلي عين انتفاء افراده، كما أن وجوده عين وجود افراده فبضم الوجدان الى الاصل يحرز ذلك، للعلم الوجداني بعدم الفرد القصير واستصحاب عدم الفرد الطويل، ولا اقل من معارضته مع استصحاب الكلي، وان كان مسببا عنه فبالاصل السببي يمكن احراز انتفاء الكلي.

الجواب الثالث:

ما ذكره المحقق النائيني “قده” من أن الأصل السببي معارض بمثله، فان أصالة عدم حدوث الفرد الطويل معارض بأصالة عدم حدوث الفرد القصير، و أصالة عدم كون الحادث طويلا معارض بأصالة عدم كون الحادث قصيراً، و بعد سقوط الأصل السببي للمعارضة تصل النوبة إلى الأصل المسببي، و هو استصحاب بقاء الكلي.

واجاب عنه السيد الخوئي “قده” بأنه انما تتم المعارضة بين الاصل النافي لحدوث الفرد الطويل مع الاصل النافي للفرد القصير فيما اذا كان لكل منهما اثر مختص به، و لهما أثر مشترك بينهما كما في البلل المشتبه بين البول و المني، فان الأثر المختص بالبول هو وجوب الوضوء، و الأثر المختص بالمني هو وجوب الغسل، و عدم جواز المكث في المسجد، و الأثر المشترك هو حرمة مس كتابة القرآن، وفي مثله لا فائدة في جريان الاستصحاب في الكلي في مورده، لوجوب الجمع بين الوضوء و الغسل في المثال بمقتضى العلم الإجمالي، فان نفس العلم الإجمالي كاف في وجوب إحراز الواقع، وأما اذا لم يكن للفرد القصير اثر مختص، وانما كان للفرد الطويل اثر مختص به، كما كان لهما اثر مشترك، فيكون من قبيل دوران الأمر بين الأقل و الأكثر، كما في مثال تردد سبب نجاسة الثوب بين البول و عرق الكافر، فان وجوب الغسل في المرة الأولى أثر مشترك فيه، و وجوب الغسل مرة ثانية أثر لخصوص البول، ففي مثله لو جرى الاستصحاب في الكلي وجب الغسل مرة ثانية، و لو لم يجر كفى الغسل مرة، لكنه لا يجري لحكومة الأصل السببي عليه، و هو أصالة عدم حدوث البول أو أصالة عدم كون الحادث بولا، و لا تعارضها أصالة عدم كون الحادث عرق كافر أو أصالة عدم حدوثه، لعدم ترتب أثر عليها، إذ المفروض العلم بوجوب الغسل في المرة الأولى على كل تقدير، فإذاً لا يجري الأصل في القصير حتى يعارض جريان الأصل في الطويل([8]).

مناقشه

اقول: من الواضح أن ما ذكره السيد الخوئي مختص بما اذا كانت العلاقة بين الكلي والفرد الطويل علاقة الحكم الشرعي مع موضوعه كما في مثال النجاسة، فان موضوع بقاءها بعد الغسلة الاولى اصابة البول للثوب، وموضوع ارتفاعها اصابة نجس ليس ببول، وهل يتعين اجراء استصحاب عدم كونه بولا بنحو العدم الازلي، او يكفي استصحاب عدم اصابة البول، فيه كلام سيأتي في الابحاث القادمة.

وأما اذا كانت العلاقة بينهما تكوينية عقلية، وكان الاثر الشرعي مترتبا على صرف وجود الكلي، فاستصحاب عدم الفرد الطويل لا يجري لنفيه لما سيأتي في الجواب الرابع.

الجواب الرابع:

ما ذكره صاحب الكفاية ايضا من أنه لو سلم أن بقاء الكلي من لوازم حدوث الفرد الطويل، وأن ارتفاعه من لوازم عدم حدوثه، فلا شبهة في كونه من لوازمه العقلية، لا الشرعية، فلا يمكن اثبات ارتفاع الكلي باستصحاب عدم حدوث الفرد الطويل([9]).

وهذا متين جدا، فان عدم صرف وجود الطبيعة، امر بسيط، وليس متحدا مع عدم افراده، وانما هو منتزع منه، فاثبات عدم صرف الوجود باستصحاب عدم الفرد الطويل والعلم بعدم الفرد القصير يكون من الاصل المثبت.

هذا وقد ذكر السيد الخوئي بعد ما استحسن هذا الجواب، أن جريان الاستصحاب في الكلي إنما هو فيما إذا لم يكن أصل يعيَّن به الفرد، و إلا فلا مجال لجريان الاستصحاب في الكلي، كما إذا كان أحد محدثا بالحدث الأصغر، فخرج منه بلل مشتبه بين البول و المني ثم توضأ فشك‏ في بقاء الحدث، فمقتضى استصحاب الكلي و إن كان بقاء الحدث، إلا أن الحدث الأصغر كان متيقناً، و بعد خروج الرطوبة المرددة يشك في تبدله بالأكبر، فمقتضى الاستصحاب بقاء الأصغر و عدم تبدله بالأكبر، فلا يجري الاستصحاب في الكلي، لتعين الفرد بالتعبد الشرعي، فيكفي الوضوء، نعم من كان متطهراً ثم خرجت منه الرطوبة المرددة لا يجوز له الاكتفاء بالوضوء فقط، بل يجب عليه الجمع بين الوضوء و الغسل([10]).

اقول: مجرد استصحاب الفرد لا يكفي للمنع من جريان استصحاب الكلي، مثال ذلك من كان محدثا بالاصغر ثم خرج منه بلل مشتبه بين البول والمني، فان استصحاب الحدث الاصغر لا يجدي للمنع عن جريان استصحاب جامع الحدث بعد ما توضأ منه، فان اركان الاستصحاب تامة فيه، للعلم بوجوده بعد خروج هذا البلل، والشك في بقاءه بعد الوضوء، نعم حيث ان موضوع مطهرية الوضوء من كان محدثا بالاصغر ولم يكن جنبا فيكون ضم استصحاب عدم الجنابة الى استصحاب الحدث الاصغر اصلا موضوعيا حاكما على استصحاب بقاء الحدث، فهذا هو المهم، لا مجرد جريان استصحاب الفرد الذي قد لا يكون اصلا موضوعيا.

بیان المختار: جريان استصحاب في الفرض الاول من القسم الثاني

وكيف كان فقد تحصل جريان استصحاب الكلي في الفرض الاول من القسم الثاني من الكلي، اي ما اذا كان الاثر مترتبا على صرف وجود الكلي، ودار امره بين الفرد القصير الذي يعلم بارتفاعه على تقدير حدوثه، وبين الفرد الطويل الذي يعلم او يحتمل بقاءه على تقدير حدوثه.

البحث عن الفرض الثاني: ما سمي باستصحاب الفرد المردد

الفرض الثاني: ما اذا كان الاثر مترتبا على الفردين بعنوانهما التفصيلي، سواء اختلف سنخ حكمهما، كما اذا قال المولى “ان كان زيد في الدار يوم الجمعة فتصدق” وقال “ان كان عمرو في الدار يوم الجمعة فصلّ” فعلم اجمالا بوجود احدهما في الدار يوم الخميس ثم علم بكون زيد خارج الدار يوم الجمعة، ولكن علم او احتمل بقاء عمرو في الدار على تقدير كونه فيها يوم الخميس، او اتحد سنخ حكمهما كما اذا قال المولى “ان كان زيد في الدار يوم الجمعة فتصدق” و قال “ان كان عمرو في الدار يوم الجمعة فتصدق”.

قول بعدم جریان الاستصحاب في الفرد المردد

فقد انكر كثير من الاعلام جريان الاستصحاب في الفرد المردد، منهم المحقق النائيني والمحقق العراقي والسيد الامام والسيد الصدر “قدهم” وبعض السادة الاعلام “دام ظله” وقبل أن نبحث عن ذلك نقول ان ما قد يذكر في بعض الكلمات من كون جريان الاستصحاب في احد الفردين بلا تعين له واقعا يكون من الفرد المردد، والفرد المردد لا وجود له ولا ماهية، لا يرتبط بالمقام،

المراد من الفرد المردد في المقام

توضيح ذلك أن المراد من الفرد المردد في المقام أن لا يكون العنوان الاجمالي المشكوك الذي تم فيه اركان الاستصحاب موضوعا للاثر الشرعي، بل مشيرا الى الفرد الذي هو موضوع للاثر الشرعي، ولكن الفرد بعنوانه التفصيلي لم يتم فيه اركان الاستصحاب كاليقين بالحدوث والشك في البقاء.

بينما أن المراد من الفرد المردد في تلك الكلمات أن لا يكون مورد جريان الاستصحاب متعينا واقعا، بل يكون مرددا وغير متعين واقعا، كما لو علم بنجاسة احد الاناءين وشك في نجاسة الآخر، من دون أن يكون للمعلوم بالاجمال عنوان ينطبق على احدهما المعين واقعا، بحيث لو كان كلاهما نجسين صلح المعلوم بالاجمال للانطباق عليه، فيقال بأن اجراء اصل الطهارة في غير المعلوم بالاجمال محال، لأن الاصل يجري في الموجود الخارجي، وما هو موجود هذا الاناء المعين وذاك الاناء المعين، إما الاناء المردد بينهما فلا وجود له واقعا.

ونحن وان أجنبا عن هذا الاشكال في محله، لكن المهم أنه لا ينبغي خلط اصطلاح الفرد المردد في المقام بذاك البحث، فان مصداق المعلوم بالاجمال هنا فرد متعين في علم الله، ونريد أن نستصحبه بعنوان اجمالي ليس موضوعا للأثر، بينما أنه في استصحاب الكلي يكون الجامع الكلي موضوعا للأثر، نعم لو كان يحتمل في المقام وجود كلا الفردين سابقا ولم يكن للعلم الاجمالي السابق بوجود احدهما عنوان ذهني يتعين انطباقه على احدهما واقعا، ثم علم بزوال فرد معين على تقدير حدوثه وشك في الآخر فقد يقال بابتلاء استصحاب بقاء احدهما في الدار بمشكلة الفرد المردد حسب مصطلح ذاك البحث ايضا، لكن الصحيح أنه لولا محذور استصحاب الفرد المردد في المقام من عدم انتفاء كليهما.

اشكالات في المنع عن جريان الاستصحاب في الفرد المردد

وكيف كان فقد ذكر في المنع عن جريان الاستصحاب في الفرد المردد عدة اشكالات:

الاشكال الاول:

ما یقال بتوضيح منا من أن العرف لا يقبل في مورد الفرد المردد كون الشك في بقاء المتيقن، وانما يرى الشك متعلقا بوجود الفرد الطويل، ولذا لو كان هناك ماءان مطلقان، فصار احدهما المعين مضافا، ثم توضأ من احدهما ولا يدري الآن أنه توضأ من أي منهما، فيكون هذا من الشك في الوضوء بالماء المطلق، وأما التعبير بالشك ببقاء اطلاق ما توضأ به، فهو تعبير مسامحي لا اعتبار به، فلا يجري استصحاب اطلاق ما توضأ منه.

وهكذا لو صلى الى اربع جهات لجهله بالقبلة، ثم علم بزيادة الركوع في صلاة معينة منها فالعرف یرى تعلق الشك حقيقة بأن هذه الصلاة التي يعلم بزيادة الركوع فيها تفصيلا هل هي نحو القبلة ام تلك الصلوات التي يعلم بعدم زيادة الركوع فيها، وأما التعبير بالشك في زيادة الركوع في الصلاة نحو القبلة واقعا فهو تعبير مسامحي لا عبرة به.

وفيه أننا وان لم ننكر أنه قد يكون التعبير بالشك في العنوان الانتزاعي تفننا في التعبير، ولا يعتبر العرف شكا آخر وراء الشك التفصيلي كي يجري بلحاظه الاصل، ولذا سيأتي منا وفاقا للمشهور عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ في تعاقب الحادثين، مثل ما لو علم بأنه صلى اول الزوال ويعلم بوقوع حدث منه إما قبل الزوال او بعد العصر فالعرف يرى أن الشك منحصر بالشك في بقاء الطهارة الى الزوال، والتعبير بالشك في كون صلاته قبل الحدث او بعده ليس الا عبارة أخرى عن ذاك الشك وليس شكا آخر وراءه، بحيث يكون مجرى لاستصحاب عدم الصلاة الى زمان وقوع الحدث، ولذا ذكرنا أنه لو كان احد اولاد زبد مفقودا قبل موت زيد، وشك في حياته فاذا مات زيد فيعطى الى وكيل ذاك الولد حصته بمقتضى استصحاب حياته، فاذا مضى على فقده سنين طويلة وعلم بأنه ميت جزما، لكن لا يعلم زمان موته، ويحتمل كون موته قبل موت زيد، فهل ترى أنه يرجع تلك الحصة الى بقية الورثة، لتعارض استصحاب حياته الى زمان موت زيد، مع استصحاب حياة زيد الى زمان موته.

الا أن الانصاف أن الشك في بقاء الجامع الانتزاعي في الفرد المردد عرفي، ففي مثال كون زيد في الدار يوم الجمعة موضوعا لوجوب التصدق وكون عمرو في الدار يوم الجمعة موضوعا لوجوب التصدق والعلم بكون احدهما لا بعيته في الدار يوم الخميس والعلم بعدم كون زيد في الدار يوم الجمعة فيصح أن يقال: بانه يعلم بأن احدهما كان في الدار يوم الخميس ويشك في بقاء ذاك الشخص فيها يوم الجمعة للشك في كونه زيدا حتى يكون خارجا او عمرا حتى يكون داخلا.

والشاهد على ذلك أنه لو اشار المولى الى زيد وعمرو فقال: اذا كان احدهما في الدار يوم الجمعة فتصدق” فعلم بوجود احدهما في الدار يوم الخميس وعلم بعدم زيد فيها يوم الجمعة فلا ينبغي الاشكال في صحة أن يقال بأنه يعلم بكون احدهما في الدار يوم الخميس، ويشك في بقاءه فيها يوم الجمعة، والانصاف أنه لا يختلف الفرضان عرفا في صدق الشك في بقاء احدهما في الدار وعدمه.

ومن هنا اتضح الاشكال فيما حكي عن بعض السادة الاعلام “دام ظله” (من أنه اذا كان العنوان المتيقن عنوانا انتزاعيا مثل عنوان احدهما كما هو الحال في جريان الاستصحاب في الفرد المردد فلا يصدق الشك في بقاء احدهما الا مع فرض الشك التفصيلي في بقاء كل من الفردين على تقدير حدوثه، وأما مع العلم بانتفاء الفرد القصير على تقدير حدوثه، فلا يصدق الشك في بقاء هذا العنوان الا بنحو من المسامحة، وانما يصدق الشك في وجود الفرد الطويل، وهذا بخلاف الجامع الطبيعي المأخوذ في استصحاب القسم الثاني من الكلي).

ووجه الاشكال في كلامه أن لازمه عدم جريان الاستصحاب حتى لو كان الاثر الشرعي مترتبا على عنوان احدهما، وقد ذكرنا أنه خلاف الوجدان، وهل يقبل العرف الفرق بين ما لو قال المولى من به حدث لا يمس القرآن او قال من به احد الحدثين الاصغر او الاكبر لا يمس الكتاب، بأن يرى جريان استصحاب الحدث في الفرض الاول دون الفرض الثاني فيما اذا خرج منه بلل مشتبه بين البول والمني ثم توضأ؟.

ومدعاه اختصاص هذا الاشكال بهذا الفرض دون الفرض الثالث الذي يكون الموضوع للاثر الشرعي فيه هو الكلي الطبيعي على نحو الانحلال، كما لو قال “كلما كان انسان في الدار يوم الجمعة فيجب لاجله التصدق بدرهم” بحيث لو كان في الدار انسانان وجب التصدق مرتين وهكذا، وعلمنا اجمالا بكون زيد او عمرو في الدار يوم الخميس وعدم كون زيد في الدار يوم الجمعة، فيصح ان يستصحب بقاء ذلك الانسان الذي كان يوم الخميس في الدار لصدق الشك في بقاءه.

مع أن المحقق العراقي “قده” جعل استصحابه من الفرد المردد ومنع من جريانه، لعدم كون الجامع موضوعا للاثر وانما الاثر مترتب على الأفراد، كما انه ادعي السيد الصدر “قده” أنه على تقدير جريانه يكون معارضا مع استصحاب عدم كون عمرو في الدار لنفي وجوب التصدق المترتب عليه بضم العلم بانتفاء وجوب التصدق المترتب على كون زيد للعلم لعدم كونه في الدار يوم الجمعة، والانصاف عدم الفرق بين العنوان الانتزاعي وبين الكلي الطبيعي الانحلالي في صدق الشك في بقاء الجامع وعدمه، فان الاشكال بعدم صدق الشك في البقاء يأتي حتى في الثاني، والصحيح صدقه في كليهما، فلو علم بكون شاة معينة ميتة وشاة معينة آخرى مذكاة ثم وجد لحما لا يدري هل هو من الشاة الاولى او الثانية فيصح دعوى الشك في تذكية صاحب هذا اللحم، نعم جعله اكثر المنكرين لجريان الاستصحاب في الفرد المردد من قبيل الفرد المردد ومنعوا من جريانه، كالمحقق العراقي والسيد الامام والسيد الصدر “قدهم” لأجل الاشكالات القادمة.

الاشكال الثاني:

ما تكرر في كلمات كثير من الاعلام المنكرين لجريان استصحاب الفرد المردد كالمحقق العراقي والسيد الامام والسيد الصدر -كما نقلنا عن ابحاثه الفقهية- “قدهم” وحاصله أن اركان الاستصحاب بعد ما لم تتم في الفرد التفصيلي، فلابد من اجراءه في عنوان احد الفردين، وهذا العنوان ان لوحظ بما هو فليس موضوعا للاثر، وان لوحظ مشيرا الى الواقع التفصيلي الذي هو الموضوع للاثر، فالمفروض عدم تمامية اركان الاستصحاب في المشار اليه، فهو نظير استصحاب عنوان لترتيب اثر عنوان آخر ملازم له كاستصحاب عدم الاتيان لاثبات وجوب القضاء المترتب على الفوت.

وفيه أنه لا مانع من شمول دليل الاستصحاب لفرض تمامية اركان الاستصحاب من اليقين بالحدوث، والشك في البقاء في الواقع المرئي من خلال العنوان الاجمالي كعنوان احدهما، وان لم يكن هذا العنوان موضوعا للاثر الشرعي، ولا يضر عدم تمامية اركان الاستصحاب في الواقع المرئي من خلال عنوانه التفصيلي، كما في مثال استصحاب عدم تذكية صاحب الجلد وان كان الواقع الذي يحكي عنه عنوان صاحب الجلد مرددا بين الفرد المقطوع عدم تذكيته والفرد المقطوع تذكيته، ولا يقاس باستصحاب عدم الاتيان بالفريضة لاثبات وجوب القضاء المترتب على عنوان الفوت، فان هذين العنوانين في عرض واحد وليس احدهما مشيرا الى الآخر.

الاشكال الثالث:

ما فی تعلیقة البحوث من أنَّ التعبد ببقاء اليقين فرع صدق نقض اليقين بالشك، وصدقه موقوف على كون الشك في بقاء ما يكون اليقين طريقاً إليه و منجزاً له، و هو واقع المتيقن، لا العنوان الإجمالي الانتزاعي الذي لا يكون موضوعا للاثر، كما في المقام، فانَّ تعلق اليقين بالعنوان الإجمالي طريق منجز عقلًا لحكم العنوان التفصيليّ بحسب الفرض، فلابدَّ و أَن يكون نقض اليقين بالشك بلحاظه، والشك هنا ليس في بقاء المتيقن، بل يقطع بأنَّ المتيقن منتفٍ على تقدير و باقٍ على تقدير آخر، و انما الشك بحسب الحقيقة في كون الحادث ما قطع بانتفاءه أم لا([11]).

وفيه أنه بعد ما كان العنوان الاجمالي الذي تم بلحاظه اركان الاستصحاب في الواقع الذي هو موضوع للاثر عنوانا مشيرا الى العنوان التفصيلي الموضوع للاثر كعنوان صاحب هذا الجلد المطروح او الفرد الموجود سابقا، فلا نرى وجها للمنع عن صدق نقض اليقين بالشك، فالشاك في كون صاحب هذا الجلد هل هو هذه الشاة المقطوع التذكية او تلك الشاة المقطوع الميتة، لو لم يرتب آثار عدم التذكية صح أن يقال انك كنت على يقين من عدم وقوع الذبح على الشاة التي هذا جلدها والآن تشك في وقوع الذبح عليه فلا تنقض اليقين بالشك.

الاشکال الرابع:

ما في البحوث من أن المستفاد من النهي عن نقض اليقين بالشك وان كان هو التعبد باثر بقاء العلم الاجمالي من المنجزية والمعذرية، ولذا اجرينا هذا الاستصحاب في بقاء الكلي القسم الاول ولو كان الاثر مترتبا على الفرد دون صرف وجود الكلي، لكن يوجد في تطبيقه هنا محذور لم يكن يوجد هناك، وهو أنه في القسم الاول كان بقاء كل من الفردين مشكوكا على تقدير حدوثه، فكان اثر كل من الفردين قابلا للتنجيز، ولكن هنا حيث يعلم بانتفاء الفرد القصير، فليس الاثر المترتب عليه قابلا للتنجيز، ويكون استصحاب الجامع بينه وبين الفرد الطويل من استصحاب الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله، كيف ولو فرض علم وجداني بجامع من هذا القبيل لم يكن منجزا فكيف بالاستصحاب، كما لو علم بوجوب اكرام زيد المردد بين من ليس اكرامه مقدورا قطعا وبين من يكون اكرامه مقدورا قطعا، فان هذا العلم الاجمالي قد يحصل بناء على كون القدرة شرط التنجز لا شرط التكليف، ومع ذلك لا يكون منجزا لوجوب اكرام الفرد الثاني، بل تجري البراءة عنه.

ولا فرق في هذا الاشكال بين كون الاثر المترتب على الفردين متسانخا كترتب وجوب التصدق على الفقير على وجود كل منهما، او مختلفا كترتب وجوب الصدقة على وجود الفرد القصير وترتب وجوب الصلاة على وجود الفرد الطويل.

نعم لا يأتي هذا الوجه فيما اذا اشتبه الاثر الالزامي للفرد القصير مع الاثر الالزامي للفرد الطويل، كما اذا علمنا اجمالا أن وجود احدهما موضوع لوجوب الصدقة ووجود الآخر موضوع لوجوب الصلاة، كان للتعبد ببقاء اليقين الاجمالي من حيث المنجزية اثر([12]).

ولا يخفى أن هذا الاشكال مختص بما اذا كان اثر الاستصحاب التعبد بالجامع بين حكمين تكليفيين، دون ما لو كان اصلا موضوعيا نتيجته التعبد بحكم معين، كاستصحاب عدم تذكية صاحب الجلد المطروح، حيث ان نتيجته وجوب الاجتناب عنه.

مناقشات

وكيف كان فيرد عليه اولا: أنه لو كان الاستصحاب جاريا في موضوع الحكم التكليفي كما لو كان وجود زيد وعمرو يوم الجمعة موضوعا لوجوب الصدقة والصلاة، واشتبه موضوع وجوب الصدقة عن موضوع وجوب الصلاة، فان استصحاب بقاء احدهما في الدار المعلوم يوم الخميس مبتلى باشكال عدم كونه موضوعا للاثر الشرعي، حتى وان لم يكن مبتلى باشكال كونه جامعا بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبل التنجيز، فلا وجه لما هو ظاهر البحوث من قبول جريان الاستصحاب في هذا الفرض، بعد ما تكرر منه الاشكال السابق.

وثانيا: انه لو كان حكم الفرد القصير والطويل متسانخا كما لو قال المولى “اذا كان زيد في الدار فتصدق” و “اذا كان عمرو في الدار فتصدق” فالظاهر أن الحجة على جامع الحكم كافٍ في حكم العقل بتنجزه، حتى ولو علم بأنه لو كان الحادث هو الحكم الناشء من حدوث الفرد القصير فهو مرتفع قطعا، ولا يأتي فيه اشكال كونه جامعا بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله، لعدم دخل خصوصية كون الحكم الذي قامت عليه الحجة ناشئا من اي منهما، فيمكن استصحاب وجود احدهما في الدار لتنجيز جامع الحكم، كما أنه لو كان نفس الحكم متيقن الحدوث سابقا فيمكن استصحابه.

ولو تم اشكاله فيه لسرى الاشكال الى الفرض الذي قبل عدم كونه من قبيل الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله هو ما لو اشتبه حكم الفرد القصير والطويل، وأن حكم أي منهما وجوب الصدقة و الآخر وجوب الصلاة حيث يقال بأن استصحاب احدهما يعني الحجة الاجمالية على الحكم المترتب على الفرد القصير المردد بين وجوب الصدقة او الصلاة او الحكم المترتب على الفرد الطويل كذلك، فان كان ترتب حكم من سنخ واحد كوجوب الصدقة على کل من الفرد القصير والطويل يوجب كون استصحاب جامع وجوب الصدقة من استصحاب الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله فيكون فرض تردد الحكم المرتب على الفرد القصير والطويل مثله.

وعليه فاشكال كون الاستصحاب من استصحاب الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله يختص بما اذا كان حكم الفرد القصير حكما تكليفيا مغايرا وغير متسانخ مع الحكم التكليفي للفرد الطويل، فيكون استصحاب هذا الحكم او موضوعه من استصحاب الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله.

الاشكال الخامس:

ما في البحوث ومباحث الاصول من أنه لو فرض جريان استصحاب الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله في حد ذاته، واستتباعه لتنجيز ما يمكن تنجيزه وهو اثر الفرد الطويل، لكن حيث ان منجزية هذا الاستصحاب يكون على وزان منجزية العلم الاجمالي، فبناءً على مسلك الاقتضاء يكون جريان الاصل بلا معارض رافعا لحرمة مخالفته القطعية، فالاصل المؤمن عن الفرد الطويل ان جرى بلا معارض فيكون واردا على منجزية الاستصحاب بلحاظ وجوب موافقته القطعية، وهذا يؤدي الى عدم جريان الاستصحاب بنكتة اللغوية، وبناء على مسلك العلية فيقال بأن الاصل المؤمن عن الفرد الطويل ولو كان هو البراءة يكون معارضا لاستصحاب الجامع، بعد أن لم يكن الاستصحاب حاكما عليه لعدم وحدة موردهما، فلا يكون الاستصحاب رافعا لموضوعه([13]).

وقد اورد عليه في تعليقة مباحث الاصول بأنّه قد يدّعى في المقام ثبوت نكتة حكومة الاستصحاب على البراءة، فان نكتة الحكومة المفترضة للاستصحاب على البراءة لدى وحدة المصبّ هي: أنّ البراءة قيِّد جعلها بفرض الشكّ، و الاستصحاب يرفع الشك، و من الواضح أنّه بناءً على علّيّة العلم الإجمالي للتنجيز يكون جعل البراءة مقيَّدا أيضاً بعدم العلم الإجمالي بالجامع، و الاستصحاب يرفع هذا العدم، و الصحيح في المقام هو التفصيل بين فرض دعوى الحكومة على أساس التنزيل و دعواها على أساس مسلك الاعتبار القائل بأنّ جعل شي‏ء علماً بالاعتبار يخلق له نفس الآثار العقلية من التنجيز و التعذير، فلو قلنا بالحكومة على أساس التنزيل لم يبقَ فرق بين الاستصحاب الجاري في مورد البراءة و الاستصحاب الجاري في الجامع؛ لما مضى من أنّ البراءة كما هي محدّدة بعدم العلم بموردها كذلك هي محدّدة بعدم العلم بالجامع، لفرض الإيمان بالعلّية، و قد نزّل الاستصحاب منزلة العلم، و لو قلنا بالحكومة على أساس الاعتبار فبالإمكان التفصيل بين المقامين، و ذلك لأن تقيّد البراءة بعدم العلم بالتكليف في موردها ثابت في نفس لسان دليل البراءة، و هو قوله “رفع ما لا يعلمون” فليس دليل البراءة قادراً على نفي حدّها، و هو العلم، فدليل الاستصحاب الخالق للعلم يكون حاكماً عليه، و لكن تقيّد البراءة بعدم العلم بالجامع ليس إلّا بدليل العقل الحاكم بعلّيّة العلم الإجمالي للتنجيز، فدليل البراءة ينفي هذا العلم بناءً على ما هو الحقّ من جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية للمخصّص اللبي في مثل المقام، فيقع التعارض بين البراءة و الاستصحاب([14]).

اقول: يرد على ما في تعليقة المباحث اولا: ان المقصود من الحكومة التقدم العرفي، لا ما يقصده مدرسة المحقق النائيني “ره” المبني على كون الاستصحاب علما بالبقاء، ولا اشكال في تقدم الاستصحاب المخالف للبراءة عليها عرفا فيما كان مصبهما واحدا، بخلاف ما اذا تعدد مصبهما كطرفي العلم الاجمالي او مثل المقام.

وثانيا: حتى على مسلك الحكومة لا فرق بين كون الاستصحاب تنزيلا للعلم بالحدوث منزلة العلم البقاء او اعتبارا للعلم بالبقاء، فان المخرج لصورة العلم الاجمالي عن دليل البراءة دليل لبي من حكم العقل او ارتكاز العقلاء الموجب للانصراف، فلم يتعنون عنوان الخارج بالعلم بالجامع حتى يلحق به استصحاب الجامع تنزيلا او اعتبارا، بل لعله ما لا يصح فيه الترخيص في المخالفة.

فما ذكره في البحوث متجه.

ثم انه ذكر في تعليقة المباحث أنه لا وجه -لما في متن الكتاب- من المنع عن شمول هذا الاشكال الخامس لفرض اشتباه حكم الفرد القصير بحكم الفرد الطويل، فان البراءة عن العنوان التفصيلي لكلّ من الحكمين المشتبهين كوجوب الصدقة والصلاة، و إن كانت متعارضة، بعد فرض جريان استصحاب بقاء الجامع، لكن حيث لا تجري البراءة عن حكم الفرد القصير باجماله لكونه مقطوع الارتفاع، فتجري البراءة عن حكم الفرد الطويل باجماله بلا معارض، وبضمها الى العلم الوجداني بانتفاء حكم الفرد القصير يصبح أصل البراءة مانعا عن تأثير استصحاب الجامع فيلغو جريانه بناءً على مسلك الاقتضاء، و يتعارض معه بناءً على مسلك العليّة([15]).

ولكنه غير متجه، فان البراءة وحدها عن حكم الفرد الطويل باجماله لا اثر لها ابدا، فانها لا تكفي في التأمين عن مخالفة اي من الحكمين اي وجوب الصدقة او وجوب الصلاة، بخلاف البراءة عن الحكم المعلوم للفرد الطويل، نعم لو انضم اليها العلم بانتفاء حكم الفرد القصير باجماله، ثبت لها الاثر، ولكن حينئذ يكون ذلك مساوقا للترخيص في المخالفة القطعية لاستصحاب الجامع، ولا يقاس بجريان اصل البراءة عن طرف معين من طرفي استصحاب الجامع.

على أنه كما ذكر في كتاب الاضواء لو تم ما ذكره من سلامة اصل البراءة عن حكم الفرد الطويل باجماله، امكن اجراءها حتى في ما لو لم يكن ارتفاع احد الفردين على تقدير حدوثه معلوما تفصيلا وانما علم بارتفاع احد الفردين اجمالا، حيث يمكن الإشارة إلى الفرد غير المعلوم ارتفاعه إجمالًا، فيقال أنّ حكمه منتفٍ باستصحاب عدم حدوثه أو البراءة عنه، و الحكم الآخر منتف وجداناً فلا تنجيز لشي‏ء من الحكمين([16]).

الاشكال السادس: التعارض مع استصحاب عدم الفرد الطويل

ما یقال من أنه لو فرض جریان استصحاب الجامع ای استصحاب بقاء ذلك الواقع الموجود سابقا والذي كان يترتب عليه الاثر الشرعي، فيتعارض مع استصحاب عدم الفرد الطويل لنفي اثره بضمه الى العلم الوجداني بانتفاء الاثر الشرعي المترتب على الفرد القصير، فلو قال المولى “اذا كان زيد في الدار يوم الجمعة فتصدق” و قال “اذا كان عمرو في الدار يوم الجمعة فتصدق” فعلم بوجود احدهما في الدار يوم الخميس واحتمل بقاءه يوم الجمعة اجمالا، ولكن علم بأنه لو كان زيد هو الموجود في الدار سابقا فقد خرج منها يقينا، فاستصحاب عدم كون عمرو في الدار ينفي وجوب التصدق المترتب على وجوده، ونعلم تفصيلا بعدم وجوب التصدق المترتب على وجود زيد، فيتعارض مع استصحاب بقاء ذلك الانسان الموجود في الدار يوم الخميس، المردد بين زيد وعمرو، لاثبات وجوب التصدق، ثم تصل النوبة الى البراءة عن وجوب التصدق.

والانصاف أن اشكال المعارضة قوي، وما مرّ سابقا في دفع شبهة المعارضة بين استصحاب القسم الاول من الكلي واستصحاب عدم الفردين، في ما كان الاثر مترتبا على العنوان التفصيلي للفردين او على الكلي بنحو المطلق الشمولي، مثل ما لو علم بحصول النجاسة لاحد اناءين يوم الجمعة وشك في بقاء هذه النجاسة يوم السبت، لا يأتي في المقام، حيث ان الحالة السابقة المتيقنة لعدم كل من الفردين كانت اسبق من الحالة السابقة المتيقنة في وجود الجامع، بينما أن الحالة السابقة المتيقنة لعدم الفرد الطويل وان كانت قبل الحالة السابقة لوجود الجامع ولكن المفروض ضم استصحاب عدم الفرد الطويل الى العلم الوجداني بعدم الفرد القصير بالفعل، فكما نقول في استصحاب القسم الاول من الكلي أن استصحاب نجاسة احد الاناءين المتيقنة يوم الجمعة مقدَّم بنظر العرف على استصحاب الطهارة المتيقنة لكل منهما في يوم الخميس، فالعرف عند المنافاة بين استصحاب الكلي واستصحاب الفردين يرى الاول اولى بالجريان والامر بالبناء العملي والمضي عليه، وان شئت قلت: انه حيث يكون العلم الاجمالي بنجاسة احد الاناءين یوم الجمعة موجبا لسقوط الاستصحابين التفصيليين في طهارة الانائين فی ذلك الیوم، فالعرف يقيس عليه قيام الحجة على بقاء تلك النجاسة ايضا في يوم السبت.

وعليه فلا دافع للمعارضة في المقام الا اذا تعارض استصحاب عدم الفرد الطويل مع استصحاب عدم الفرد القصير حين العلم الاجمالي بوجود احدهما، فيما كان لكل منهما اثر مختص مختلف عن أثر الآخر، فبعد العلم بعدم الفرد القصير يجري استصحاب الجامع بلا معارض، ودعوى (أن التقدم الزماني لمعارضة استصحاب عدم الفرد الطويل مع استصحاب عدم الفرد القصير لا يوجب تخلص استصحاب الجامع عن طرفية المعارضة مع استصحاب عدم الفرد الطويل، خصوصا في فرض تقارن العلم بارتفاع الفرد القصير في المستقبل الموجب للشك في بقاء الجامع، مع حدوث العلم الاجمالي، فتتحقق المعارضة بين الاستصحابات الثلاثة في زمان واحد) خلاف الظاهر عرفا.

ولكن هذا الوجه مختص بفرض تشكل العلم الاجمالي قبل العلم التفصيلي بارتفاع الفرد القصير على تقدير حدوثه، وثبوت اثر مختص بكل من الفردين، فلا ينحل به اشكال المعارضة بنحو مطلق.

الحق هو القول بجريان استصحاب الفرد المردد

فالحق هو القول بجريان استصحاب الفرد المردد، وفاقا للسيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما”، الا اذا لزم منه اشكال كون المستصحب جامعا بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله، او لزم منه اشكال المعارضة

البحث عن الفرض الثالث

ومما ذكرناه تبين حكم الفرض الثالث، وهو ما اذا كان الاثر الشرعي مترتبا على الكلي الطبيعي بنحو الانحلال، كما اذا قال المولى “كلما كان انسان في الدار يوم الجمعة فيجب عليك لأجله تصدق على الفقير” وعلم اجمالا بوجود زيد او عمرو في الدار يوم الخميس، وبعدم كون زيد في الدار يوم الجمعة واحتمل بقاء عمرو فيها يوم الجمعة على تقدير كونه فيها يوم الخميس، فانه لا مانع من من استصحاب بقاء ذلك الانسان الذي كان في الدار يوم الخميس، بل جريان الاستصحاب فيه اوضح من الفرض الثاني، حيث ان اشكال كون استصحاب بقاء الجامع الانتزاعي ليس استصحابا في العنوان الموضوع للاثر الشرعي بعد أن كان موضوع الاثر هو عنوان الفرد ان تم في الفرض الثاني الذي كان الاثر مترتبا على الفرد بعنوانه التفصيلي، فلا يتم في هذا الفرض، الذي يترتب الاثر على الكلي بنحو المطلق الشمولي، فان استصحاب ذلك الانسان الموجود في الدار يوم الخميس مثلا يكون استصحابا في العنوان الموضوع للاثر الشرعي.

لكن اشكاله أنه معارض باستصحاب عدم كون عمرو في الدار لنفي وجوب التصدق المترتب على وجوده مع ضم العلم الوجداني بعدم وجوب التصدق المترتب على وجود زيد للعلم بعدمه في الدار يوم الجمعة، نعم ان ترتب على وجود كل منهما يوم الخميس اثر مختص آخر غير ذاك الاثر المشترك الانحلالي فبعد معارضة استصحاب عدم اي منهما الى يوم الخميس مع استصحاب عدم الآخر يجري استصحاب الجامع الى يوم الجمعة بلا معارض.

وامثلته الفقهية كثيرة، منها: ما اذا کان جلد مطروح مردد بين كونه للشاة المعلوم كونها مذكاة او للشاة المعلوم كونها ميتة، فان نجاسة الجلد حكم انحلالي لكل شاة غير مذكاة، ولايأتي اشكال المعارضة بالتقريب السابق في هذا المثال، اذ لا اصل يجري في العنوان التفصيلي حتى يعارض استصحاب عدم تذكية صاحب هذا الجلد.

نعم بناء على جریان استصحاب العدم الازلي فيكون المعارض لهذا الاستصحاب استصحاب عدم كون هذا الجلد جلد ذلك الحيوان المعين الذي ليس بمذكى قطعا، فيرجع الى قاعدة الطهارة.

وقد يكون المعارض استصحاب العدم النعتي، كما لو كان ماء مقطوع النجاسة وماء آخر مقطوع الطهارة فتوضأ من احدهما لا بعينه، ولنفرض عدم جريان قاعدة الفراغ في وضوءه للعلم بالغفلة حال العمل، فاريد تصحيح وضوءه باستصحاب طهارة الماء الذي توضأ منه، فانه قد يقال بابتلاءه بالمعارضة مع استصحاب عدم الوضوء بذلك الماء الطاهر منضما الى العلم بعدم الوضوء بماء طاهر آخر، نعم لو كان المستصحب عدم كون وضوءه بذاك الماء الطاهر كان من العدم الازلي.

نکات في خاتمة بحث الفرد المردد

ثم انه ينبغي في خاتمة بحث الفرد المردد من ذكر نكات:

التعويض في بعض الموارد عن استصحاب الفرد المردد

النكتة الاولى: ان انكار جريان الاستصحاب في الفرد المردد لا يعني الرجوع الى الاصل المؤمن بالنسبة الى حكم الفرد الطويل في مورده دائما، بل قد يتنجز بالعلم الاجمالي، ويوجد لذلك فرضان:

الفرض الاول: ما لو علم يوم الجمعة اجمالا بوجوب اكرام زيد في ذلك اليوم او وجوب اكرام عمرو في يوم السبت، نعم لو لم يحصل العلم باستمرار وجوب اكرام عمرو يوم السبت على تقدير حدوثه يوم الجمعة الا بعد انعدام الفرد القصير وخروج اكرام زيد عن محل الابتلاء لم يكن العلم الاجمالي منجزا.

وقد ذكر في البحوث أنه في هذا الفرض لا يعقل جريان استصحاب الفرد المردد، حتى على القول بامكان جريانه في نفسه، اذ يعني ذلك التعبد ببقاء اليقين الاجمالي بلحاظ اثره العقلي وهو المنجزية، والتعبد به لغو، بعد الجزم ببقاء هذا الاثر للعلم الاجمالي ولو بعد ارتفاع الفرد القصير، حيث يبقى اثر المنجزية بحكم العقل بالنسبة الى الفرد الطويل([17]).

وفيه أنه لا يكون استصحاب الفرد المردد لغوا، بل يكون تأكيدا للتنجيز الثابت بحكم العقل، حتى لو قلنا بأن مفاد الاستصحاب النهي عن النقض العملي لليقين بلحاظ أثره الذي هو المنجزية والمعذرية، فضلا عما اذا قلنا بكونه كناية عن الامر بترتيب آثار المتيقن، فيكون المقام نظير جريان البراءة الشرعية في مورد البراءة العقلية، او جريان استصحاب عدم الامتثال في مورد قاعدة الاشتغال، ودعوى أن اليقين الاجمالي في المقام باق، فلا معنى للتعبد ببقاءه غير متجه، فان اليقين الاجمالي بحدوث الجامع، وان كان ثابتا، لكن الاستصحاب يعني التعبد باليقين الاجمالي ببقاء الجامع، فلا يتم ما في كتاب الاضواء من أنّ التعبد ببقاء اليقين إنّما يجري في مورد لم يكن فيه اليقين موجوداً بنفسه وجداناً، فلا موضوع للتعبد ببقاءه([18]).

الفرض الثاني: ما لو كان يوم الجمعة شاكا في استمرار وجوب اكرام عمرو على تقدير حدوثه الى يوم السبت فيقال -كما في البحوث- بأنه بناء على كفاية واقع الحدوث في جريان الاستصحاب مطلقا او مع قيام الحجة عليه ولو اجمالا، فيحصل العلم الاجمالي بوجوب اكرام زيد يوم الجمعة واقعا او استصحاب وجوب اكرام عمرو يوم السبت فيكون منجزا، وهكذا في فرض العلم بكون زيد في الدار يوم الجمعة موضوعا لوجوب اكرامه وكون عمرو في الدار يوم السبت موضوعا لوجوب اكرامه فيقال بتشكل علم اجمالي منجز بوجوب اكرام زيد واقعا يوم الجمعة او وجوب اكرام عمرو استصحابا يوم السبت، وهذا مما لا اشكال فيه في حد ذاته.

ولكن اورد عليه في كتاب الأضواء بوجود معارض لهذا الاستصحاب وهو استصحاب عدم كون عمرو في الدار واستصحاب عدم كون زيد في الدار، فان استصحاب كون عمرو في الدار وان كان اصلا موضوعيا نافيا لجريان استصحاب بقاءه في الدار على تقدير حدوثه، فتكون علاقته معه كعلاقة الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي، ويمكن جريانهما معا في حد ذاتهما، لكن في المقام تتحقق المعارضة بين الاستصحابات الثلاثة، لأن اثر استصحاب عدم الفردين هو التأمين عن وجوب اكرامهما واثر استصحاب بقاء عمرو على تقدير حدوثه بضم العلم الاجمالي تنجيز وجوب اكرامهما.

هذا بناء على ما هو الصحيح من عدم تقوم الحكم الظاهري بالوصول، وأما بناء على ما هو المشهور من تقومه به ولا اقل بعدم وصول خلافه فلازم شمول دليل الاستصحاب لعدم حدوث الفرد الطويل هو عدم جريان استصحاب بقاءه، وبذلك يرتفع العلم الاجمالي.

اقول: يرد عليه اولا: أنه قد مر سابقا أن العرف يقدم الحالة السابقة المتيقنة القريبة في وجود الجامع في اجراء الاستصحاب على الحالة السابقة المتيقنة البعيدة لعدم الفردين، فمع العلم الاجمالي بوجود زيد او عمرو في الدار يوم الجمعة يرى استصحاب بقاء عمرو في الدار الى يوم السبت على تقدير كونه هو الموجود فيها يوم الجمعة، اولى بالجريان من استصحاب عدم الفردين والذي تكون حالته السابقة المتيقنة يوم الخميس.

وثانيا: لو فرض تمامية المعارضة فتختص بما اذا كان تشكل العلم الاجمالي موقوفا على جريان استصحاب بقاء عمرو في الدار الى يوم السبت، بأن لم يكن وجوده فيها يوم الجمعة موضوعا لوجوب الاكرام بخلاف زيد، وأما لو تشكل العلم الاجمالي مع قطع النظر عنه، كما لو كان وجود كل منهما في الدار في كل يوم موضوعا لوجوب اكرامه في ذلك اليوم، فيحصل العلم الاجمالي الوجداني يوم الجمعة بوجوب اكرام احدهما، فتقع المعارضة بين الاستصحابين الجاريين لنفي الفردين، وتكون المعارضة بينهما ثنائية، ومعه لا يعقل أن يتعارض مجموع الاستصحابين مع استصحاب بقاء وجوب اكرام عمرو يوم السبت على تقدير حدوثه، فان المعارضة بين اصلين فرع احتمال جريان كل منهما في نفسه، والمفروض عدم احتمال جريان مجموع الاستصحابين النافيين.

ان قلت: ان لاستصحاب عدم عمرو في الدار اثرين: احدهما التأمين عن وجوب اكرامه يوم الجمعة وثانيهما نفي موضوع المنجز لوجوب اكرامه يوم السبت وهو استصحاب بقاءه في الدار الى يوم السبت على تقدير حدوثه، والمعارض لاستصحاب بقاء عمرو في الدار الى يوم السبت على تقدير حدوثه هو مجموع استصحاب عدم زيد في الدار يوم الجمعة واستصحاب عدم عمرو في الدار بلحاظ الاثر الثاني، ولا يعلم بمخالفة احدهما للواقع، اذ يحتمل أن عمروا كان في الدار يوم الجمعة وخرج منها في نفس اليوم، فيعارض هذا المجموع استصحاب بقاء عمرو يوم السبت على تقدير حدوثه، حيث ان ذاك المجموع يؤمن عن وجوب اكرام زيد يوم الجمعة وعن وجوب اكرام عمرو يوم السبت، بينما أن استصحاب بقاء عمرو في الدار يوم السبت على تقدير حدوثه حيث يوجب تشكل علم اجمالي بوجوب اكرام زيد يوم الجمعة واقعا او وجوب اكرام عمرو يوم السبت ظاهرا، فيجب الاحتياط، بينما أن ما يعلم بمخالفة احدهما للواقع هو مجموع استصحاب عدم زيد في الدار يوم الجمعة واستصحاب عدم عمرو في الدار بلحاظ الاثر الاول وهو التأمين عن وجول اكرام عمرو يوم الجمعة.

قلت: نعم هذا التفكيك في آثار استصحاب عدم عمرو في الدار ليس عرفيا، فتأمل.

وأما ما ذكره حسب مسلك المشهور فيرد عليه أن جريان استصحاب بقاء عمرو في الدار على تقدير حدوثه قابل للوصول الى المكلف بالعلم الاجمالي.

ثم انه كما ذكر في البحوث لا اشكال في الفرض الثاني في جريان استصحاب الفرد المردد، بناء على القول به، فيكون منجزا لوجوب اكرام عمرو يوم السبت في عرض منجزية العلم الاجمالي بجريان الاستصحاب -بناء على كفاية واقع الحدوث- في نفس وجوب اكرامه، نعم كان هناك شبهة في البحوث في جريان استصحاب الفرد المردد في الفرض الاول، ولكن مر دفعها.

شبهة الفرد المردد في سائر الاصول

النكتة الثانية: يقع الكلام في سريان شبهة الفرد المردد الى سائر الاصول، فقد ذكر المحقق العراقي “قده” أن اشكال الفرد المردد لا يختص بالاستصحاب، بل يجري في سائر الاصول ايضا، ومثّل له بما اذا صلى نحو اربع جهات، لجهله بالقبلة، ثم علم أن واحدة منها باطلة كأن تكون فاقدة للطهارة او الركوع، فان لم تكن تلك الصلاة معلومة بالتفصيل فلا مانع من اجراء قاعدة الفراغ والتجاوز بلحاظ هذا الخلل في كل من الصلوات الاربعة، وأما اذا كانت معلومة بالتفصيل فمن الواضح عدم جريان القاعدة فيها بعنوانها التفصيلي، وأما جريانها في ما كانت صلاة نحو القبلة، فيكون من الفرد المردد([19]).

اقول: لابد من فرض البحث عن جريان قاعدة الفراغ والتجاوز في هذا الفرض في الصلاة التي تكون نحو القبلة واقعا، بما لو بنينا على عدم اختصاصها بموارد عدم محفوظية صورة العمل، واحتمال الالتفات حال العمل، والا فلا يبقى مجال للبحث عن جريانها في المقام.

وقد حكي عن السيد الخوئي “قده” أنه ذكر في وجه المنع من جريانها أن الموجود الخارجي هو الذي يشك في صحته و انطباق المأمور به عليه و عدمه، و تكون قاعدة الفراغ محرزة لصحته، ففي المقام حيث ان الموجود الخارجي إما معلوم البطلان أو معلوم الصحة من غير جهة الشك في القبلة، و ليس هناك موجود خارجي يشك في صحته و فساده، حتى يكون مجرى للقاعدة في القبلة فلا معنى لجريان القاعدة.

و ببيان أدق انّا لو سلمنا جريانها فيما كانت صلاة نحو القبلة واقعا، فلا يثبت أن الصلاة نحو القبلة غير هذه الصلاة المعلوم بطلانها تفصيلا، الا بنحو الاصل المثبت، فلا مناص عن اعادة ما هو معلوم البطلان([20]).

وفيه أنه بناء على جريان الاصل في الفرد المردد كما هو مختاره، فلا يوجد وجه واضح للمنع عن جريان قاعدة الفراغ في الصلاة نحو القبلة واقعا، بعد صدق الشك في صحة تلك الصلاة، وان كانت تلك الصلاة مرددة بين ما يقطع بالخلل فيها وبين ما يقطع بعدمه، كما أن التعبد بصحة الصلاة نحو القبلة واقعا كافٍ في احراز امتثال التكليف، ولا حاجة الى اثبات أن الصلاة نحو القبلة غير هذه الصلاة المعلومة البطلان، نعم كان بامكانه المنع عن جريان القاعدة لاشكال آخر، وهو أن شرط جريانها عنده عدم محفوظية صورة العمل واحتمال الالتفات حال العمل، وهذا مفقود في المقام، ولكن لا يأتي هذا الاشكال فيما لو كان الاصل المصحح قاعدة الطهارة فی الماء فيما اذا اتى كل صلاة بوضوء، واختلف ماء وضوء كل من الصلوات الاربع، ثم علم تفصيلا بنجاسة ماء وضوء الصلاة الأخيرة مثلا، او كان الاصل المصحح هو استصحاب بقاء الوضوء الذي كان للصلاة نحو القبلة واقعا، فيما لو اتى كل صلاة بوضوء، ثم علم بانتقاض وضوءه في صلاة معينة منها.

وان شئت قلت: اي فرق بين هذا الاستصحاب وبين استصحاب عدم تذكية صاحب الجلد المطروح المردد بين كونه هذه الشاة المذكاة قطعا او تلك الشاة الميتة قطعا، فما قد يقال من أن العرف لا يقبل وجود الشك في الطهارة في أي من هذه الصلوات، وانما يرى تمحض الشك في كون اي منها نحو القبلة، فان تم فيكون اشكالا عاما في جميع موارد استصحاب الفرد المردد، ولكن مر دفعه.

هذا وقد ذكر السيد الصدر “ره” في بحوثه في الفقه أنه لو كان هناك ماء مقطوع الطهارة وماء مقطوع النجاسة وتوضأ من احدهما ثم شك في أنه هل توضأ من الاول او الثاني وفرضنا عدم جريان قاعدة الفراغ فيه لغفلته حال العمل فقد يقال بجريان قاعدة الطهارة فيه دون استصحاب الطهارة، وذكر في وجهه أن استصحاب الطهارة فيه من قبيل استصحاب الفرد المردد، حيث انه ان أريد إجراءه في واقع الماء المتوضأ به فهو بين معلوم الطهارة و بين معلوم النجاسة، و ان أريد إجراءه في عنوان الماء المتوضأ به فلا اثر له، لأن الأثر مترتب على طهارة ذات الماء، لا على طهارته بما هو مستعمل في الوضوء، بمعنى ان الوضوء بالماء و كونه طاهرا مأخوذان بنحو التركيب وفي عرض واحد، فلابد من الوضوء بماء، و كونه طاهرا، و هذا يعيِّن إجراء الأصل في ذات الماء، و لو فرض أخذ الموضوع بنحو التقييد و أخذ الطهارة شرطا بما هي طهارة للماء المتوضأ به بهذا العنوان لما أمكن إثبات الشرط باستصحاب الطهارة لكونه مثبتا، وأما قاعدة الطهارة فقد يقال بأنه يمكن إجراءها في واقع الماء المتوضأ به، و هو و ان كان مرددا بين معلوم النجاسة و معلوم الطهارة، و لكن لا محذور مع ذلك في جعل قاعدة الطهارة فيه، لا ثبوتا، لأن جعل الحكم الظاهري معقول ما دام الواقع غير منجز بالعلم التفصيلي، و لا إثباتا، لأن المفهوم عرفا من الغاية في قوله “حتى تعلم أنه قذر، (فاذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك)” جعل العلم غاية بما هو منجز و قاطع للعذر، لا أخذ الشك بعنوانه في موضوع الأصل تعبدا، فلا تكون الغاية حاصلة فتجري قاعدة الطهارة، و يصحح بها الوضوء([21]).

اقول: ان لم يجر قاعدة الطهارة في عنوان الماء المتوضأ به ولزم اجراءها في ذات الماء، فالعلم بكون الماء الشرقي نجسا وان لم يكن منجزا لبطلان الوضوء، لكنه منجز لنجاسة ذلك الماء باعتبار كون نجاسته موضوعا لأحكام الزامية وهذا يكفي في احتمال صدق غاية قاعدة الطهارة وان قلنا بكونها هي العلم المنجز بالنجاسة ان لم نجزم بصدقها، هذا مضافا الى أنه لا وجه لتقييد العلم في قوله “كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر” بالعلم المنجز.

عدّ الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية من استصحاب الفرد المردد

النكتة الثالثة: المشهور في الشبهات المفهومية كالشك في كون المغرب هو استتار القرص او زوال الحمرة المشرقية المنع عن جريان الاصل الموضوعي، كاستصحاب بقاء النهار او عدم الليل، وان ذهب بعضهم الى جريانه، فقد اجاب السيد الامام “قده” في بعض ابحاثه عن اشكال عدم الشك في الخارج، للعلم باستتار القرص وعدم زوال الحمرة، وإنما الشك في معنى لغوي، وهو غير مجرى الاستصحاب، بأن ذلك صار منشأ للشك في بقاء اليوم؛ إذ من الواضح أنه بعد استتار القرص وقبل زوال الحمرة يشك في بقاء النهار، وإن كان منشأ الشك أمرا لغويّاً، ولا يعتبر فيه غير الشك في بقاء القضية المتيقنة([22]).

وهكذا اختار بعض الاعلام “قده” جريانه في مباني منهاج الصالحين.

وذكر المحقق العراقي “قده” أن وجه المنع عن جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهة المفهومية هو كونه من قبيل استصحاب الفرد المردد، ووافقه في ذلك في البحوث، فلو ورد “اكرم كل عالم” ثم ورد في خطاب آخر “لا تكرم العالم الفاسق” وتردد لفظ الفاسق بين وضعه لمعنى العاصي، او لمعنى مرتكب المعصية الكبيرة، فليس موضوع العام هو العالم الذي ليس مصداقا للمعنى الموضوع له للفظ الفاسق، بل يشكّ في أنه هل هو العالم الذي ليس مرتكب المعصية او العالم الذي ليس مرتكب الكبيرة، ومع كون موضوع العام كذلك، فلا مجال لاستصحاب كون زيد العالم مثلا فاسقا، فيما لو كان سابقا مرتكبا للكبيرة، ولكنه الآن مرتكب للصغيرة فقط، او استصحاب عدم كون عمرو العالم فاسقا، فيما كان سابقا مجتنبا عن المعصية، والآن يرتكب الصغيرة، لأنه يكون من قبيل الاستصحاب في الفرد المردد، حيث ان عنوان الموضوع له للفظ الفاسق ليس موضوعا للاثر الشرعي، وانما هو مشير الى واقع المفهوم الذي هو بعنوانه التفصيلي موضوع للاثر الشرعي، وهذا مما لا يتم فيه اركان الاستصحاب، لان المشار اليه إما أنه المفهوم الموسع أي مرتكب المعصية، او المفهوم المضيق وهو مرتكب الكبيرة، وليس أي منهما مشكوكا فعلاً، حيث ان زيدا وعمروا مرتكبان للصغيرة وليسا مرتكبين للكبيرة فعلا جزما، بينما أنه لو كان موضوع العام من لم‌ يكن مصداقا لما وضع له لفظ الفاسق فيكون الشكّ في حكم العالم المرتكب للصغيرة من قبيل الشبهة المصداقية للمخصص، للعلم بعنوان المخصص والشكّ في مصداقه، فيمكن اجراء الاستصحاب الموضوعي.

ولكن من اختار جريان الاستصحاب في الفرد المردد كالسيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما”، والتزم في نفس الوقت بعدم جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهة المفهومية، فلابد أن يستند الى شيء آخر، فما ذكره السيد الخوئي في تقريب المنع من جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية كاستصحاب عدم المغرب بعد استتار القرص وقبل ذهاب الحمرة المشرقية من أنه لا شك لنا في شي‏ء، فإن استتار القرص مقطوع الوجود وذهاب الحمرة مقطوع العدم، فلا شك إلّا في أن لفظ المغرب هل وضع على مفهوم يعم استتار القرص أم لا([23])، فلعل مرجع كلامه الى دعوى أن العرف يرى كون الشك في سعة الوضع وضيقه، او فقل يكون الشك في مراد المولى، لا في بقاء شيء معلوم الحدوث.

وهذا غير بعيد، والشاهد عليه أنه لو امكن اجراء الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية فيمكن اجراء الاستصحاب الموضوعي في الشبهات الحكمية، كما لو شك في أن الشارع هل قال تجب الصلاة الى استتار القرص او قال تجب الصلاة الى زوال الحمرة المشرقية، فيُلحَظ عنوان ما أخذه الشارع موضوعا لحكمه مشيرا الى الواقع المردد بين ما هو مقطوع الارتفاع وما هو مقطوع البقاء، كما كان يلحظ ما وضع له لفظ النهار مثلا مشيرا اليه، وبذلك اتضح أنه يختلف الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية عن سائر امثلة استصحاب الفرد المردد كمثال الجلد المردد بين كونه لشاة مذكاة جزما او لشاة ميتة جزما.

 



[1] – منتقى الاصول ج 6 ص 171 و162

[2] – منتقى الاصول ج5 ص59

[3] – كفاية الاصول ص 406

[4] – مصباح الأصول ج‏2 ص 106

[5] – كفاية الاصول ص 406

[6] – مصباح الاصول ج3ص 106

[7] – منتقى الاصول ج6ص 170

[8] – مصباح الاصول ج3ص 106

[9] – كفاية الاصول ص 406

[10] – مصباح الاصول ج3ص 108

[11] – بحوث في علم الاصول ج6ص 248

[12]– بحوث في علم الاصول ج6ص 246

[13] – بحوث في علم الاصول ج6ص246 مباحث الاصول ج5ص 334

[14] – مباحث الاصول ج5ص 334

[15] – مباحث الاصول ج5ص 238

[16] – اضواء وآراء ج3ص278

[17] – بحوث في علم الاصول ج 6ص 244

[18] – اضواء وآراء ج3ص 285

[19] – نهاية الافكار ج4ق1ص117

[20] – درر الغوالي ص 92

[21] – بحوث في شرح العروة الوثقى ج2ص 274

[22] البيع ج4ص225

[23] موسوعة الامام الخوئي ج2 ص 43