فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

التنبيه الرابع: استصحاب الکلي.. 1

اقسام استصحاب الكلي.. 2

القسم الاول: 2

القسم الثاني: 2

القسم الثالث: 2

القسم الرابع: 3

اشكالان عامان على استصحاب الكلي.. 4

الاشكال الاول : يستحيل وجود الجامع إلّا في ضمن فرده 4

الجواب الاول: 5

الجواب الثاني: 6

الجواب الثالث: 8

الجواب الرابع: 9

الاشكال الثاني: ما يورد على استصحاب الكلي في الموضوعات.. 11

الجواب الاول: جريان الاستصحاب في الكلي لا يتوقف على القول بوجود الكلي الطبيعي في الخارج. 11

الجواب الثاني: المراد من الكلي ، الجهة المشتركة المحفوظة بين الحصص الموجودة الخارجية. 12

الجواب الثالث: معنى استصحاب الكليّ التعبّد شرعاً وظاهراً ببقاء الصورة الذهنية الكلية. 14

القسم الاول من اقسام استصحاب الكلي.. 15

الفرض الاول: أن يكون الاثر الشرعي مترتبا على صرف وجود الكلي.. 15

الفرض الثاني: أن يكون الاثر الشرعي مترتبا على كل من الفردين بعنوانهما التفصيلي.. 17

بیان المختار: جریان الاستصحاب في القسم الاول من الكلي مطلقا 30

 

موضوع: تنبیهات /استصحاب /اصول

خلاصه مباحث گذشته:

متن خلاصه …

 

 

التنبيه الرابع: استصحاب الکلي

التنبیه الرابع: في استصحاب الكلي، في قبال استصحاب الفرد،

اقسام استصحاب الكلي

وقد قسِّم استصحاب الكلي الى اربعة اقسام:

القسم الاول:

ان يعلم بوجود الكلي في ضمن فردٍ معيَّن، ويحتمل بقاءه في ضمن ذلك الفرد، كما لو علم تفصيلا بوجود الانسان في ضمن وجود زيد وشك في بقاءه في ضمنه، ويلحق به ما لو علم اجمالا بوجود الانسان في ضمن زيد او عمرو وشك في بقاء الفرد الذي وجد في ضمنه على اي تقدير، اي كان كل من وجود زيد وعمرو محتمل البقاء على تقدير حدوثه.

القسم الثاني:

أن يعلم بوجود الكلي في ضمن احد فردين، ويعلم بارتفاع احدهما المعين على تقدير حدوثه، ولكن يعلم او يحتمل بقاء الفرد الآخر على تقدير حدوثه، فيحتمل بقاء الكلي في ضمن هذا الفرد، مثاله المعروف ما اذا علم بوجود حيوان مردد بين كونه البق المعلوم ارتفاعه على تقدير حدوثه، وبين كونه الفيل المعلوم او المحتمل بقاءه على تقدير حدوثه، ومثاله الفقهي ما اذا خرج منه بلل مشتبه بين البول والمني ودار امر حدثه بين الاكبر والاصغر، فتوضأ بعد ذلك، فيحتمل بقاء الحدث لاحتمال وجوده في ضمن الحدث الاكبر.

القسم الثالث:

أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد معيَّن ويعلم بارتفاع ذلك الفرد ولكن يحتمل بقاء الكلي في ضمن فرد آخر، وقد ذكر الشيخ الاعظم “ره” له ثلاثة فروض:

اولها: أن يحتمل وجود الفرد الآخر مقارنا لوجود الفرد الاول.

ثانيها: أن يحتمل وجوده مقارنا لارتفاع الفرد الاول.

ثالثها: أن يعلم بوجوده في ضمن المرتبة الشديدة ويعلم بزوال هذه المرتبة ويشك في بقاء المرتبة الضعيفة، كما لو علم بزوال شدة السواد واحتمل بقاء السواد الخفيف.

وقد اختار جريان الاستصحاب في الفرضين الأخيرين، وان كان الصحيح كون الاستصحاب في الفرض الأخير استصحاب الفرد المعين وانما اختلفت حالاته، فلا اشكال في جريان الاستصحاب فيه بخلاف الفرضين الاولين حيث منع من جريان الاستصحاب فيهما كثير من الاعلام.

القسم الرابع:

أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد معين ويعلم بارتفاع هذا الفرد، ويعلم ايضا بوجود الكلي في ضمن فرد له علامة، لا يدري هل هذه العلامة منطبقة على ذلك الفرد المعلوم الارتفاع او على فرد آخر مقطوع البقاء او محتمله على تقدير حدوثه، كما لو علم بوجود الانسان في الدار في ضمن زيد وعلم بخروج زيد من الدار جزما، وعلم بوجود انسان شاعر في الدار لايدري هل هو نفس زيد حتى يكون مرتفعا، او شخص آخر حتى يكون باقيا او محتمل البقاء.

ومثاله الفقهي ما لو اجنب ثم اغتسل ورأى بعد ذلك منيا في ثوبه لايدري هل هو جنابة جديدة فتكون باقية او نفس الجنابة السابقة فتكون مرتفعة، فبناء على جريان الاستصحاب في هذا القسم يجري استصحاب بقاء الجنابة الحاصلة بخروج هذا المني، ويتعارض مع استصحاب بقاء الطهارة عقيب الاغتسال، فيجب الغسل للصلاة، عملا بقاعدة الاشتغال، لكون الشك في الامتثال من ناحية تحصيل الشرط المعلوم وجوبه.

هذه هي الاقسام الاربعة لاستصحاب الكلي.

اشكالان عامان على استصحاب الكلي

قبل أن ندخل في البحث التفصيلي عن اقسام استصحاب الكلي، ينبغي أن نذكر اشكالين عامين على استصحاب الكلي، اولهما يختص باستصحاب الاحكام وثانيهما يختص باستصحاب الموضوعات:

الاشكال الاول : يستحيل وجود الجامع إلّا في ضمن فرده

أما الاشكال الاول فهو أنه بناء على كون المجعول في الاستصحاب هو الحكم المماثل للمستصحب فيما اذا كان المستصحب هو الحكم الشرعي، او الحكم المماثل لحكم المستصحب اذا كان المستصحب موضوع الحكم الشرعي، كما هو مسلك صاحب الكفاية، فيقال انَّ المستصحب إذا كان هو الجامع بين الوجوب و الاستحباب فان كانت نتيجة استصحابه جعل الجامع بينهما ظاهرا فهذا غير معقول، إذ يستحيل وجود الجامع إلّا في ضمن فرده، وان كانت نتيجته جعل الجامع في ضمن فرد معين منهما، فهذا خارج عن اقتضاء دليل الاستصحاب اذ لم تتم فيه أركان الاستصحاب.

وهذا الاشكال لا يختص باستصحاب الحكم، بل يعم ما لو كان الاستصحاب جاريا في الموضوع لكن كانت نتيجته التعبد بحكم مردد بين حكمين، كما لو كان وجود زيد في الدار موضوعا لوجوب التصدق ووجود عمرو في الدار موضوعا لاستحباب التصدق مثلا، فاستصحبنا احدهما في الدار، واثره التعبد بوجود الجامع بين الحكمين.

نعم لا يأتي هذا الاشكال على سائر المسالك في الاستصحاب، من التعبد ببقاء اليقين او انشاء حجية اليقين السابق، او ابراز اهتمام المولى بالحكم الواقعي المشكوك بالمقدار الذي تم استصحابه.

وقد أجيب عنه بعدة أجوبة:

الجواب الاول:

ما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” من أن المماثلة بين الحكم الظاهري و الواقعي ليست بمعنى المماثلة في كل شي‏ء حتى في الملاك و الإرادة، فان الحكم الظاهري لا ينشأ عن مصلحة في متعلقه او عن شوق المولى اليه، وانما ينشأ عن مصلحة في نفسه، بخلاف الحكم الواقعي، وانما التماثل بينهما في انشاء البعث، و اختلاف الوجوب و الاستحباب ليس في كيفية انشاء البعث وانما هو في شدة الارادة والملاك وعدم شدتهما، فليس الوجوب والاستحباب فصلين للبعث، فيكون انشاء البعث الظاهري مماثلا لكل من الوجوب والاستحباب، كما أن انشاء الزجر الظاهري مماثل لكل من الحرمة والكراهة([1]).

مناقشات

ويورد على ما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” اولا: أن بالامكان توسعة الاشكال الى مورد استصحاب الجامع بين وجوبين، كما لو علم اجمالا بوجوب صلاة الجمعة او الظهر، ثم شك في بقاء الوجوب، فانه لا يمكن انشاء البعث بلا متعلق، ومتعلقه ان كان خصوص صلاة الجمعة مثلا كان خارجا عن مقدار الاستصحاب، وان كان عنوان احداهما، فيكون من الوجوب التخييري، ولا يحتمل مطابقته مع الواقع.

وهكذا لو كان الاستصحاب جاريا في الموضوع، لكن كانت نتيجته التعبد بحكم مردد بين حكمين، كما لو كان وجود زيد في الدار موضوعا لوجوب التصدق ووجود عمرو في الدار موضوعا لوجوب الصلاة فاستصحبنا احدهما في الدار، واثره التعبد بوجود حكم مردد بين الحكمين.

و ثانياً: انه بناء على ما ذكره فحتى لو جرى الاستصحاب في الوجوب فيكون المجعول هو البعث الظاهري، وخصوصية الوجوب تكون خارجة عنه فلا يكون اثره لزوم الامتثال عقلا.

وما يقال من أنه بناء على كون وصول بعث المولى نحو فعل مع عدم وصول ترخيصه في الترك كافيا في حكم العقل بلزوم الطاعة، كما هو المنسوب الى المحقق النائيني “قده”([2]) ففيه أن نتيجته لزوم الاتيان بالفعل في مورد استصحاب الجامع بين الوجوب والاستحباب، ولا أظن التزامهم به.

الجواب الثاني:

ما يقال من أنه على مبنى المحقق العراقي “قده” من تعلق العلم الإجمالي بالواقع -اي الفرد- لا الجامع، و انما الإجمال في صورة الفرد، كالشبح المرئي من بعيد فيكون الاستصحاب من استصحاب الفرد بحسب روحه، غاية الأمر الفرد المبهم المعلوم إجمالًا لا المعلوم تفصيلًا.

واورد عليه في البحوث بأنه مضافاً إلى بطلان المبنى أنَّ المعلوم بالإجمال ربما لا يكون له تعيَّن حتى واقعا ( فی فرض كون العلم الاجمالي السابق باحدهما من الجهل المركب، او فرض وجود كلا الطرفين واقعا في السابق) فيرد المحذور([3]).

اقول: سبق منّا أن المحقق العراقي لا يدعي تعلق العلم الاجمالي بالفرد، فقد صرَّح أن العلم الاجمالي يقف على معروضه الذي هو العنوان الإجمالي، ولا يسري إلى الخارج، ولا إلى العناوين التفصيلية للأطراف([4]) ، وذكر ايضا أن متعلق العلم الإجمالي هو الجامع بين الطرفين لبداهة خروج الخصوصيتين عن متعلق العلم رأسا([5]) .

وقال ايضا: ان اتصاف العلم الإجمالي بالإجمال انما كان باعتبار أن متعلقه هو الصورة الإجمالية المعبر عنها بعنوان أحدهما، بينما أن متعلق العلم التفصيلي عنوان تفصيلي للشيء، فالاختلاف بين العلم الإجمالي والعلم التفصيليّ من جهة المعلوم لامن جهة العلم([6]) .

والحاصل أنه يرى أن متعلق العلم الاجمالي هو عنوان احدهما، وهو جامع انتزاعي يختلف عن الجامع الطبيعي، حيث ان الجامع الطبيعي كالانسان لا يحكي عن الفرد بتمامه، بل عن جزء تحليلي منه حيث ان الفرد مركب من طبيعة الانسان والعوارض المشخصة، ولكن عنوان احد افراد الانسان يحكي عن الفرد بتمامه، فهو لا يقصد اثبات تعلق العلم الاجمالي بالفرد المعين في علم الله، بل بجامع انتزاعي يعبر عنه ب‍ “احدهما”، نعم تنظيره متعلق العلم الاجمالي بالشبح من بعيد يوهم ما نسب اليه، ولكن الظاهر بقرينة كلماته السابقة أنه لا يريد من هذا التنظير الا مجرد بيان كون الفرد الخارجي بتمامه مما ينطبق عليه المعلوم بالاجمال، والا فلا اشكال في وجود فرق بينهما من حيث انه اذا اقترب ذلك البعيد الذي رأينا شبحه وعلمنا أنه زيد، فيصحّ أن نقول ان الشبح الذي كنا نراه كان شبح زيد وان لم ‌نعلم ذلك سابقا، بينما أننا لو علمنا اجمالا بنجاسة أحد الإناءين ثم علمنا أن النجس هو الاناء الشرقي لم‌ ‌يصح أن نقول: ان هذا هو الذي كنا نعلم بأنه نجس بل نقول: لم ‌‌نكن حتى الآن نعلم بنجاسته.

الجواب الثالث:

ما قد يقال من أنَّ خصوصية الفرد وان لم تكن محطاً للاستصحاب في استصحاب الكلي، إلّا أنَّ الكلي لما كان محط الاستصحاب بحسب الفرض، فيثبت و لو في ضمن خصوصيةٍ من باب الملازمة بين جعل الكلي المماثل و جعل الخصوصية، و يكون هذا من لوازم الأمارة التي هي دليل حجية الاستصحاب لا الأصل.

و فيه أنه من التمسك باطلاق الدليل في مورد يتوقف امكان شموله له على ضم امر خارج عن مدلول الدليل اليه، وقد مر المنع منه مرارا.

وبذلك تبين الاشكال فيما ذكر في كتاب الأضواء من أن شمول اطلاق الدليل لموردٍ اذا کان ممكناً في نفسه، و لكن كان متوقفا على وجود شي‏ء آخر، فيكون مقتضى الإطلاق ثبوته بتحقق لازمه، فلا يقاس بموارد اللغوية، فإنّ عدم اللغوية قيد لبي متصل بالخطاب، بخلاف الامكان و الوقوع فإنّه مدلول الخطاب، وبذلك يثبت جعل الجامع المماثل ضمن احدى الخصوصيتين المتعينة عند الجاعل واقعاً وان كانت مرددة عند المكلّف([7]).

فانه يرد عليه أنه لو أنشئ حكمٌ بنحو القضية الحقيقة، وتوقف تصحيح اطلاقه لمورد على جعل شيء آخر فيه مما لا يتكفله الخطاب، فلم تقم سيرة العقلاء على التمسك باطلاقه له المتوقف على لحاظ المولى ذلك الامر الاجنبي عن مفاد الخطاب، والا لامكن التمسك به في المورد الذي يتوقف عليه عدم لغوية اطلاقه له، فانه لا يحسّ بأي فرق بين الموردين0

الجواب الرابع:

ما يقال من أنه بناء على ركنية واقع الحدوث، فيجري استصحاب الجامع في ضمن الفرد الذي حدث فيه، فان كان هو وجوب صلاة الجمعة مثلا فيجري استصحاب وجوبها واقعا وان لم يعلم به المكلف.

واورد عليه في البحوث بأنه انما يتم فيما كان كل من الفردين للجامع محتمل البقاء على تقدير حدوثه، كما في القسم الاول من استصحاب الكلي، وأما في استصحاب القسم الثاني من الكلي فيعلم بارتفاع الفرد القصير على تقدير حدوثه وبقاء الفرد الطويل على تقدير حدوثه فلا شك في الفرد فكيف يجري استصحابه، ثم قال: ان الاشكال مما لا يمكن الجواب عنه على مبنى جعل الحكم المماثل، وينحصر الجواب في انكار المبنى([8]).

وأجاب عنه في الأضواء بأنه لا مانع من جعل الحكم المماثل في ضمن الخصوصية، حتى في مورد العلم بانتفاء احد الفردين بعينه، كما في استصحاب جامع وجوب القصر والتمام بعد ما اتى بالقصر، فانه لو فرض توقف جعل الحكم المماثل على كونه في ضمن الفرد الطويل فلا مانع من التمسك باطلاق دليل الاستصحاب لاثباته، مضافا الى أنه لا موجب لأصل افتراض كونه مجعولا ضمن الفرد الطويل، بل يمكن أن يكون مجعولا ضمن الفرد القصير، فيوجب عليه القصر ظاهرا، والقطع بانتفاء الوجوب الواقعي للقصر لا يعني القطع بانتفاء وجوبه الظاهري الذي يقصد به تنجيز الجامع بقاءً، فإنّ مصحح جعل الحكم المماثل الثانوي الظاهري ليس هو الواقع و إلّا كان جعل الفرد الطويل المماثل- في صورة الخطأ- أيضاً لغواً لعدم الملاك فيه بحسب الفرض و إنّما تمام المصحح و الفرض في الجعل المماثل إنّما هو تنجيز الجامع، و هذا كما يحصل بجعله ضمن الفرد الطويل يحصل بجعله ضمن الفرد القصير أيضاً.

نعم، لا يحتمل مطابقة هذه الخصوصية عندئذٍ للواقع إلّا أنّ اللازم احتمال المطابقة للواقع في الجامع المجعول المماثل أي في المؤدى الواصل لا في تمام الخصوصيات التي يتوقف عليها ايصال الحكم المؤدّى الواقعي أو المماثل، و جامع الحكم حتى لو جعل واقعاً ضمن الأمر بالقصر مثلًا محتمل المطابقة للواقع لاحتمال بقاء الجامع و لو في ضمن الفرد الطويل([9]).

اقول: قد مر اشكاله آنفا، من أنه لو أنشئ حكمٌ بنحو القضية الحقيقة، وتوقف تصحيح اطلاقه لمورد على جعل شيء آخر فيه مما لا يتكفله الخطاب، فلم تقم سيرة العقلاء على التمسك باطلاقه له المتوقف على لحاظ المولى ذلك الامر الاجنبي عن مفاد الخطاب، مضافا الى عدم عقلائية جعل الحكم الظاهري المماثل لما يقطع بانتفاءه واقعا، فينصرف الخطاب عن مثله.

والصحيح أن نقول: هذا الاشكال لا يختص باستصحاب الجامع، بل يجري في الأمارة الاجمالية، كقيام خبر الثقة على وجوب احد فعلين اجمالا، فانه يسأل ما هو المجعول فيها بناء على جعل الحكم المماثل، فان كان هو وجوب احدهما المعين فهو خارج عن مدلول الأمارة، وان كان هو وجوب احدهما فيكون وجوبا تخييريا ولا يحتمل مطابقته للواقع، والحل أن نفسِّر جعل الحكم المماثل ما يعمّ ايجاب الشارع المعاملة معه معاملة العلم الاجمالي، او فقل حينما يجري استصحاب الجامع بين الوجوب والاستحباب، فيكون المجعول اصل البعث الجامع بينهما، وهذا امر قابل للجعل، من دون جعل خصوصية الاستحباب او الوجوب، وحينما يجري استصحاب وجوب احدهما اجمالا، فيكون المجعول وجوب الاتيان باحدهما الذي هو واجب واقعا، وهذا لا يقتضي التخيير، بل يجب معه الاحتياط باتيان كليهما من باب الحجة الاجمالية.

الاشكال الثاني: ما يورد على استصحاب الكلي في الموضوعات

الاشكال الثاني: ما يورد على استصحاب الكلي في الموضوعات كاستصحاب بقاء كلي الانسان من أن الأحكام الشرعية انما تترتب على الكلي بما هو مرآة و حاكٍ عن الخارج، لا بما هو مفهوم في الذهن، و المتحقق في الخارج انّما هو الافراد، دون الكلي، الا على المسلك الذي ينسب الى الرجل الهمداني من وجود الكلي في الخارج بوجود وحداني منتشر في افراده، نسبته اليها نسبة الاب الواحد الى الابناء، ولكنه مسلك باطل، والصحيح وجود الكلي في الخارج بعدد جميع افراده، فلابد و أَن يرجع الاستصحاب دائماً إلى استصحاب الفرد الخارجي، فلا معنى لاستصحاب الكلي.

و قد أجيب عن هذا الاشكال بعدة اجوبة:

الجواب الاول: جريان الاستصحاب في الكلي لا يتوقف على القول بوجود الكلي الطبيعي في الخارج

الجواب الاول: ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن جريان الاستصحاب في الكلي لا يتوقف على القول بوجود الكلي الطبيعي في الخارج، فان البحث عن وجود الكلي الطبيعي و عدمه بحث فلسفي، و الأحكام الشرعية مبتنية على المفاهيم العرفية، و لا إشكال في وجود الكلي في الخارج بنظر العرف([10]).

واورد عليه في كتاب الأضواء بأنّ نظر العرف راجع الى تشخيص المصاديق، ولا يجوز الرجوع اليه في هذا المجال، فان مفهوم نقض اليقين بالشك لا يصدق الا مع تعلق الشك بنفس الموجود الذي تعلق به اليقين، فلو فرضنا أنّ الموجود في الخارج ليس إلّا الفرد و هو غير الكلي فلا وجود للكلي، فلم يتعلق الشك بنفس ما هو متيقن الوجود في الخارج، ومعه فلا يصدق النقض، فلا يجدي تصور العرف شيئاً آخر موهوماً في الخارج([11]).

اقول: قد يكون نظر العرف موجبا للتوسعة في المفهوم، فعدم كون لون الدم دما يعني أن لفظ الدم موضوع عرفا لجرم الدم دون لونه، فلا مانع من أن يكون صدق نقض اليقين بالشك -المتقوم باليقين بموجودٍ والشك في بقاءه- ظاهرا عرفا في الموجود بالنظر العرفي، مثل أن الماهية موجودة بالنظر العرفي، وان فرض كونها اعتبارية بالنظر العقلي، فلا بأس بجواب السيد الخوئي.

الجواب الثاني: المراد من الكلي ، الجهة المشتركة المحفوظة بين الحصص الموجودة الخارجية

الجواب الثاني: ما ذكره المحقق العراقي “قده” من أن المراد من الكلي الذي هو معروض الأحكام هو ما يكون منشأ لانتزاع هذا المفهوم، أعني الجهة المشتركة المحفوظة بين الحصص الموجودة الخارجية و لا إشكال في تحققه في الخارج بعين وجود الحصص المقرونة بالتشخصات الفردية، نعم هي بنحو الكلية وسعة الانطباق على كل فرد لا يكون موطنها الا الذهن، حيث ينال العقل من شخص الموجود الخارجي الواجد لحيثية الطبيعي و لحيثيات أخرى صرف الجهة المشتركة بينه و بين غيره، فتجي‏ء في الذهن مجردة عن الضمائم بنحو تكون لها سعة الانطباق على كل فرد([12]).

وقد نسب اليه في البحوث القول بكون المراد من استصحاب الكلي هو استصحاب الحصة، اي وجود الانسان مثلا في ضمن افراده، والذي يتعدد بعدد وجود افراده، دون الكلي بمعنى مفهوم الانسان الموجود في الذهن، وأما استصحاب الفرد فهو بمعنى استصحاب الحصة مع العوارض المشخصة الفردية.

فاورد عليه في البحوث بأن العلم الاجمالي لا يتعلق بالحصة، وانما يتعلق بالجامع بين الحصتين، كما أن الاثر الشرعي الثابت لصرف وجود الكلي ثابت للكلي دون الحصة، فلا يمكن إجراء الاستصحاب فيها، والحاصل أن استصحاب الحصة انما يجدي فيما كان الاثر الشرعي مترتبا على الطبيعة بنحو المطلق الشمولي، وأما اذا كان الاثر الشرعي مترتبا على صرف وجود الطبيعة فلا يجري استصحاب الحصة، لان وجود الحصة أزيد من وجود صرف الوجود، و لهذا قد يكون الأثر مترتباً على الجامع بنحو صرف الوجود من دون دخالة خصوصية هذه الحصة أو تلك فيه([13]).

اقول: انطباق صرف الوجود على الحصة قهري، فاذا استصحبنا وجود الانسان في ضمن فرد معين او غير معين وثبت وجوده فهو عين ثبوت صرف وجود الانسان، ومن جهة أخرى الظاهر كون كلام المحقق العراقي في المتعبد به بالعرض، لا المتعبد به بالذات الذي هو الصورة الذهنية القائمة بنفس المولى، فهو يقول استصحاب الكلي ليس هو استصحاب مفهوم الانسان مثلا وانما استصحاب واقع الانسان الذي يوجد في الخارج ويكون ما به الاشتراك بين افراده، وقد يكون ذلك موضوعا للحكم فيما كان الحكم ثابتا له بنحو صرف الوجود، وأما في مطلق الوجود فالحكم ثابت للحصص اي وجود الانسان في ضمن هذا الفرد وذاك الفرد، كما أن الحكم قد يكون ثابتا للفرد اي مصداق الانسان بما له من عوارض مشخصة، وما ذكره كلام متين، وان فسر الكلي بنحو صرف الوجود بالحصة فلعله يريد وجود الانسان في ضمن افراده، لا في ضمن كل فرد بنحو الانحلال.

الجواب الثالث: معنى استصحاب الكليّ التعبّد شرعاً وظاهراً ببقاء الصورة الذهنية الكلية

الجواب الثالث: ما ذكره في البحوث من أن الاستصحاب الذي هو حكم شرعي و تعبّد ظاهري على حدّ سائر الأحكام لا يتعلّق بالواقع و الوجود الخارجي، بل يستحيل أن يتعلّق به و إنّما يتعلّق بالصورة الذهنية بما هي حاكية عن الخارج، و من الواضح أنّ صورة الفرد بالحمل الأوّلي غير صورة الجامع و الكلّي، كما ذكرنا في تصوير الكلّيّة و الجزئيّة، إذن فمعنى استصحاب الكليّ التعبّد شرعاً وظاهراً ببقاء الصورة الذهنية الكلية، لكن لا بما هي أمر ذهني، بل بالحمل الأوّلي و بما هي تحكي عن الخارج، بينما استصحاب الفرد يعني التعبّد ببقاء الصورة الجزئية بما هي تحكي عن الخارج، و يكون حال الاستصحاب الذي هو منجِّز شرعي حال العلم الإجمالي الذي هو منجِّز عقلي، فإنّه أيضاً غير متعلّق إلّا بالجامع، لا بهذه الحصّة الخاصة و لا بتلك، و مع ذلك يكون منجّزاً و مجدياً، والحاصل أن استصحاب الكلّي يعني الحكم شرعاً ببقاء الواقع بمقدار ما تحكي عنه الصورة الذهنية الكلّية، كالعلم الإجمالي، بينما استصحاب الفرد هو الحكم ببقاء الواقع بالمقدار الذي تحكي عنه الصورة الشخصيّة الجزئيّة، كالعلم التفصيلي([14]).

ولا بأس بما ذكره، فمحصل الجواب هو أن الاستصحاب دائما يجري في الواقع المتشخص، وانما الاختلاف في استصحاب الفرد والكلي أن العنوان الذي يشار به الى ذلك الواقع قد يكون عنوانا تفصيليا فيسمى باستصحاب الفرد وقد يكون عنوانا اجماليا، كما لو علمنا بوجود زيد او عمرو في الدار امس، فاليوم نقول عنه بأن ذلك الانسان الذي كان موجودا باقٍ ظاهرا، ولذا سيأتي أن الصحيح عدم جريان استصحاب القسم الثالث من الكلي، لأن الواقع الذي كنّا نشير اليه حين وجود زيد في الدار قد ارتفع جزما لخروج زيد عن الدار، وأما وجود عمرو في الدار فهو واقع آخر لم يتعلق اليقين بحدوثه.

هذا تمام الكلام حول الاشكالين والجواب عنهما.

ثم انه يقع الكلام في اقسام استصحاب الكلي:

القسم الاول من اقسام استصحاب الكلي

أما القسم الاول من اقسام استصحاب الكلي: فله فروض:

الفرض الاول: أن يكون الاثر الشرعي مترتبا على صرف وجود الكلي

أن يكون الاثر الشرعي مترتبا على صرف وجود الكلي فلا اشكال في جريان استصحاب بقاء الكلي، كما لو خرج منه بلل مشتبه بين البول والمني ثم شك في أنه هل توضا او اغتسل ام لا، فيستصحب كلي الحدث لترتيب اثره وهو حرمة مس كتابة القرآن، وهكذا لو قال المولى “اذا كان انسان في الدار يوم الجمعة فتصدق” بأن كان صرف وجود الانسان في الدار موضوعا لوجوب التصدق، فاذا علم بوجود زيد او عمرو في الدار يوم الخميس وشك في بقاءه يوم الجمعة على اي تقدير، فيستصحب بقاء الانسان في الدار.

وهل يصح استصحاب الفرد في هذا الفرض ام لا؟،

جمع من الاعلام كالمحقق العراقي: عدم جریان الاستصحاب

فقد منع عنه جمع من الاعلام كالمحقق العراقي “قده”، وهكذا ذكر السيد الخوئي “قده” أنه اذا كان الأثر للجامع فلا معنى لاستصحاب الخصوصية، فان جريان الاستصحاب تابع للأثر، فإذا كان الشخص جنباً ثم شك في ارتفاعها و هو يريد الدخول في الصلاة أو مس كتابة القرآن، لا يصح له استصحاب الجنابة، لعدم ترتب الأثر على خصوصيتها، بل يجري استصحاب جامع الحدث، كما أنه ان أراد الدخول في المسجد، فلابد من استصحاب خصوص الجنابة، ولا معنى لاستصحاب الحدث، لعدم ترتب حرمته على جامع الحدث، فتحصل أنا لسنا مخيَّرين في إجراء الاستصحاب في الكلي و الجزئي على ما يظهر من عبارة الكفاية، بل جريان الاستصحاب تابع للأثر على ما ذكرنا([15]).

مناقشه

اقول: الظاهر أنه لا مانع من استصحاب الفرد ككون زيد في الدار لترتيب اثر الكلي، فان الكلي متحد وجودا مع الفرد، اذ الفرد يعني وجود الانسان مع عوارض مشخصة، وعدم دخل العوارض المشخصة في ترتب الاثر الشرعي، لايوجب لغوية جريان استصحاب الفرد عرفا، بعد أن لم يكن اثبات اثر الكلي به من الاصل المثبت.

وقد يكون الغرض من استصحاب الفرد احراز الامتثال دون اثبات الاثر الشرعي المترتب على الكلي، ولا اشكال في حصول الامتثال باتيان الفرد، كما لا بأس باستصحاب الحصة اي وجود الانسان في ضمن زيد مثلا لاثبات اثر الكلي، فان اتحاده مع كلي الانسان واضح، بل الصحيح أنه ان اريد من استصحاب الكلي ما هو الجامع اللابشرط من كونه في ضمن هذا الفرد او ذاك، ففيه أن هذا ليس هو المتيقن السابق، فان المتيقن السابق هو وجود الجامع بشرط شيء، اي في ضمن الفرد المعين او غير المعين، فلم يتم اركان الاستصحاب الا فيه، دون الجامع لا بشرط، فلابد من اجراء الاستصحاب في الحصة اي وجود الكلي في ضمن الفرد المتيقن السابق ولو اجمالا.

الفرض الثاني: أن يكون الاثر الشرعي مترتبا على كل من الفردين بعنوانهما التفصيلي

الفرض الثاني: أن يكون الاثر الشرعي مترتبا على كل من الفردين بعنوانهما التفصيلي، كما لو قال المولى “اذا كان زيد في الدار فتصدق” و “اذا كان عمرو في الدار فتصدق”.

الفرض الثالث: وهو فرض متوسط بين الفرضين السابقين، وهو ثبوت الاثر الشرعي لعنوان الكلي ولكن على نحو المطلق الشمولي، كما اذا قال المولى “كلما وجد انسان في الدار فتصدق لأجله”، وامثلته الشرعية كثيرة سنذكر جملة منها في طي الكلام.

المحقق العراقي “قده”: عدم جريان الاستصحاب

فقد ذكر المحقق العراقي “قده” حول هذين الفرضين أنه يشكل جريان الاستصحاب حينئذ، لعدم تمامية اركانه في الفرد، حيث لا يقين بالحدوث في اي منهما، وانما تعلق اليقين بعنوان أحدهما، وأما استصحاب الكلي كاستصحاب وجود احدهما في الدار فانه وان تم اركانه، لكنه لا يجري لعدم كونه موضوعا للاثر الشرعي، فلو علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين مع احتمال ورود مطهر عليه، فانه لا يجري فيه الاستصحاب أيضا، لا في العنوان الإجمالي، لعدم كونه موضوعا للاثر، و لا في كل واحد من الإناءين، لانتفاء اليقين بالنجاسة بالنسبة إليهما، لأن اليقين انما تعلق بأحدهما إجمالا المردد انطباقه على هذا الإناء و ذاك الآخر، و بعد احتمال طهارة كلا الإناءين فعلا، يرجع فيهما إلى قاعدة الطهارة، بل استصحابها لاجتماع أركانه فيهما من اليقين بالطهارة و الشك في البقاء.

ثم قال: و ان أبيت الا عن جريان استصحاب النجاسة في هذه الصورة فليكن ذلك بإجراءه في كل واحد من الطرفين، بتقريب استتباع العلم الإجمالي المزبور لليقين بنجاسة كل واحد منهما في فرض انطباق المعلوم بالاجمال عليه، فانه مع هذا اليقين المشروط في كل واحد منهما يتحد متعلق الشك و اليقين فيهما، فيجري فيهما الاستصحاب، و بالعلم الإجمالي بتحقق الشرط في‏ أحدهما يعلم بتنجز أحد الاستصحابين فيترتب عليه الأثر فتأمل([16]).

وانت ترى ان اليقين المشروط بنجاسة الاناء المعين منهما ليس يقينا فعليا بنجاسته، واليقين الفعلي هو ركن الاستصحاب ان قلنا بركنية اليقين بالحدوث.

وحينئذ فاجراء الاستصحاب فيما كان الاثر مترتبا على الفرد او على الحصة يكون باحد الطرق التالية:

الطريق الاول: ما في البحوث كاشكالٍ على المحقق العراقي “قده” من أنه على مسلكه من تعلق العلم الاجمالي بالواقع اي الفرد المعين عند الله فقد تم اركان الاستصحاب فيه والمفروض كونه موضوعا للاثر فيجري استصحابه([17]).

وفيه ما مر من أنه يرى تعلق العلم الاجمالي بالجامع.

الطريق الثاني: كون ركن الاستصحاب واقع الحدوث مطلقا كما هو مختار الكفاية والبحوث، او بضم قيام الحجة التفصيلية او الاجمالية عليه كما هو المختار، فيعلم اجمالا بجريان الاستصحاب في احد الفردين، وسيأتي في ذيل الطريق الثالث توجه شبهة المعارضة اليه.

الطريق الثالث: ما في البحوث من أنه حتى لو قلنا بركنية اليقين بالحدوث فحيث ان الظاهر كون مفاد “لا تنقض اليقين بالشك”، التعبد بآثار اليقين ولو كان اثرا عقليا كالمنجزية والمعذرية، فلا مانع من شموله للمقام فيتعبد ببقاء أثر العلم الاجمالي من المنجزية الاجمالية، نعم لو كان مفاده التعبد بآثار المتيقن لم يتم هذا الجواب، فإنّ المتيقّن و هو الجامع ليس له الأثر الشرعي، فلا يشمله التعبّد.

ثم قال: الصحيح عندنا ثبوت قاعدتين يكون واقع الحدوث ركنا للتعبد بالحالة السابقة في احداهما وهي القاعدة المستفادة من صحيحة ابن سنان “انك اعرته اياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه” ويكون اليقين بالحدوث ركنا في الثانية وهي القاعدة المستفادة من قوله “لا تنقض اليقين بالشك”، فيتمكن التمسك هنا بكلتا القاعدتين([18]).

وفيه أنه لو كان اليقين بالحدوث ركنا فتارة: يكون العلم الاجمالي متعلقا بثبوت احد تكليفين فيتم ما ذكره هنا من منجزية اليقين الاجمالي السابق، بل لا يختص ذلك باستظهار التعبد بترتيب آثار اليقين، فانه حتى على تقدير استظهار كون مفاد “لا تنقض اليقين بالشك” نهيا عن نقض المتيقن فهو بمعنى الامر بالبناء على نجاسة احدهما بغرض تنجيز الواقع اجمالا.

نعم لو كان المقصود أن نتيجة هذا الاستظهار هو جعل الحكم المماثل وحينئذ نقع في مشكلة عدم احتمال كون نجاسة احدهما حكما واقعيا حتى يجعل مماثله، فهذا بحث آخر، وجوابه مضافا الى عدم ملازمة هذا الاستظهار مع استنتاج جعل الحكم المماثل ما تقدم من عدم لزوم مماثلة الحكم الظاهري مع الواقعي بهذا المقدار، على انه لا ياتي في مثال ما لو كان وجود كل فرد من الانسان موضوعا لوجوب التصدق فاستصحبنا بقاء احدهما في الدار بغرض جعل وجوب التصدق ظاهرا.

وأخرى: يكون العلم الاجمالي متعلقا بثبوت احد موضوعين، -سواء كان تكوينيا او حكما وضعيا حيث انه لا يقبل التنجيز وانما يكون موضوعا لحكم تكليفي قابل للتنجيز- فمقتضى مبناه أنه لا يجري الاستصحاب حتى في القسم الاول من الكلي فيما دار بين فردين، لأن المفروض كون الاثر الشرعي ثابتا للفرد دون صرف وجود الكلي، ولم يتم فيه اركان الاستصحاب، لعدم اليقين بالحدوث في اي منهما، وعنوان الكلي كعنوان احدهما، وان تم فيه أركان الاستصحاب لكنه لس موضوعا للاثر الشرعي، حتى يترتب على استصحابه ذلك الاثر الشرعي، ولذا ذكر أنه لو علم بكون شاة ميتة قطعا وشاة أخرى مذكاة قطعا وتردد امر جلد او لحم بين كونه للاولى او الثانية فذكر أن الاثر الشرعي مترتب على تذكية الشاة وعدم تذكيتها بنحو الانحلال والمطلق الشمولي، والمفروض عدم تمامية اركان استصحاب عدم التذكية في هذه الشاة او تلك، وأما عنوان صاحب هذا الجلد فليس موضوعا للاثر الشرعي حتى يجري استصحاب عدم تذكيته، وكذا لو شك في انتساب الفضلة الى الفأر او الخنفساء فلا يجري استصحاب عدم كون صاحب هذه الفضلة ذا نفس سائلة، إذ لا شك هنا في كون الفأر ذا نفس، و الخنفساء ليست كذلك، و انما الشك في انتساب العذرة إلى أحدهما، فيكون اجراء الاستصحاب المذكور في الحيوان هنا من استصحاب الفرد المردد([19]).

الطريق الرابع: ما هو الصحيح كما سيأتي من جريان استصحاب نجاسة احدهما، لكفاية تمامية اركان الاستصحاب فيه من اليقين بالحدوث، والشك في البقاء، وان لم يكن عنوان احدهما موضوعا للاثر الشرعي، اذ يكفي كونه مشيرا الى العنوان الموضوع للاثر الشرعي، ولا يقاس باستصحاب عدم الاتيان بالفريضة لاثبات وجوب القضاء المترتب على عنوان الفوت، فان هذين العنوانين في عرض واحد وليس احدهما مشيرا الى الآخر.

نعم توجد هنا شبهة ذكرناها في بحث قاعدة الاشتغال، وهي شبهة معارضة استصحاب الجامع مع استصحاب عدم الفردين، حيث يقال: ان استصحاب عدم هذا الفرد وذلك الفرد ينفي اثر كل منهما، وبذلك تقع المعارضة بين استصحاب عدم كل منهما مع استصحاب بقاء احدهما، وقد رأيت هنا أن بعض السادة الاعلام “دام ظله” قبل المعارضة، وذكر أنه اذا كان الاثر الشرعي ثابتا للفرد او للكلي على نحو المطلق الشمولي فاستصحاب بقاء الجامع والكلي المعلوم بالاجمال وان كان جاريا، لكن يتعارض مع استصحاب عدم كل من الفردين.

كما أنه ذكر في مباحث الاصول في القسم الثاني من الكلي اي ما اذا علم بارتفاع الفرد القصير على تقدير حدوثه أنه ان كان الاثر ثابتا للكلي على نحو مطلق الوجود فاستصحاب بقاء الكلي -على فرض جريانه- يتعارض مع استصحاب عدم الفرد الطويل بضم العلم بعدم الفرد القصير([20])، فان لازمه قبول المعارضة هنا ايضا.

فلو تمت المعارضة ففي مثال استصحاب نجاسة احد الانائين يتعارض هذا الاستصحاب مع استصحاب طهارة كل منهما، لأن التعبد بالطهارة في كليهما يعني جواز شربهما معاً، و الحكم بطهارة ملاقي مجموعهما، فيتناقض في النتيجة مع التعبد بنجاسة احدهما لا بعينه، بلا فرق بين ما اذا كان حصول العلم بحدوث النجاسة الاجمالية في زمان الشكّ في بقاءها، و بين ما اذا كان العلم بحدوثها سابقا عليه، و دعوى أنه في الفرض الثاني يكون العلم الاجمالي موجبا لتساقط استصحاب الطهارة غير متجهة، اذ منشأ تساقطهما حيث كان هو استلزامهما للمخالفة القطعية للعلم الاجمالي، فبعد ارتفاع العلم الوجداني بنجاسة احدهما يكون المانع عن جريانهما استصحاب النجاسة الاجمالية، و هذا يؤدي الى المعارضة بينهما و بينه، ويكون المرجع بعد ذلك قاعدة الطهارة.

ويوجد مثال آخر: وهو مثال استصحاب الحدث المردد بين الاكبر والاصغر بعد احتمال ارتفاع الحدث وبقاءه على اي تقدير بأن شك أنه هل توضأ او اغتسل، فقد ذكر في كتاب الأضواء بعد أن اختار المعارضة بينه وبين استصحاب عدم الحدث الاكبر والاصغر أن نتيجة المعارضة هي الرجوع في تحصيل الطهارة للصلاة الى قاعدة الاشتغال فيجب الاحتياط بالوضوء والغسل وفي محرمات الجنب الى البراءة([21]).

وفيه أن معنى الرجوع الى قاعدة الاشتغال كون الشك في امتثال التكليف المعلوم، بأن يعلم بثبوت التكليف بالصلاة مع الطهارة او فقل مع الجامع بين الوضوء عقيب الحدث الاصغر، والغسل عقيب الحدث الاكبر، ومعنى المعارضة بين استصحاب عدم الحدث الاصغر الجاري لنفي وجوب الوضوء، واستصحاب عدم الحدث الاكبر الجاري لنفي وجوب الغسل كون الحدث الاصغر موضوعا لوجوب الوضوء وكون الحدث الاكبر موضوعا لوجوب الغسل، فيجري استصحاب عدم الحدث الاصغر لنفي وجوب الوضوء وعدم الحدث الاكبر لنفي وجوب الغسل، فهذا المطلبان لا يجتمعان.

فانه على الاول لا اثر لجريان استصحاب عدم الحدث الاصغر، عند العلم بخروج البلل المشتبه بين البول والمني، لأنه لا يثبت تحقق الامتثال بالاتيان بالصلاة مع الغسل، ولا يوجد له اثر مختص آخر، وأما حرمة مس المصحف فهي اثر صرف وجود الحدث لا اثر خصوصية الحدث الاصغر او الاكبر، ولا مانع من استصحابه ولا يعارضه استصحاب عدم الفردين، كما سيأتي توضيحه، فيجري استصحاب عدم الجنابة لنفي محرمات الجنب بلا معارض.

وعلى الثاني فبعد معارضة استصحاب عدم الحدث الاصغر لنفي وجوب الوضوء و استصحاب عدم الحدث الاكبر لنفي وجوب الغسل وحرمة محرمات الجنب مع استصحاب جامع الحدث لتنجيز اثر الواقع المعلوم بالعلم الاجمالي السابق، تجري البراءة عن كل وجوب الوضوء والغسل وحرمة محرمات الجنب، لاحتمال كونه متطهرا فعلا من الحدثين، فتدبر، الا أن نقول بكون قاعدة الحل للتأمين عن حرمة محرمات الجنب خطاب مختص، فتجري بلامعارض، لكنه مبني على عدم كون المدلول الالتزامي لحديث “كل شيء كل حلال حتى تعلم أنه حرام” ولو بمقتضى القول بعدم الفصل هو البراءة في الشبهات الوجوبية، والا كان خطابا مشتركا مثل البراءة.

ويوجد مثال ثالث: وهو مثال العلم الاجمالي بوجوب الجمعة والظهر والشك في الاتيان بهما، فانه بعد معارضة استصحاب بقاء جامع الوجوب مع استصحاب عدم وجوب صلاة الظهر واستصحاب عدم وجوب صلاة الجمعة، تصل النوبة الى قاعدة الاشتغال بلحاظ العلم الاجمالي بوجوب احدهما والشك في امتثاله.

وعمدة ما يقال في الجواب عن شبهة المعارضة ثلاثة اجوبة:

الجواب الاول: ما قد يقال من أنه بناء على كون الاستصحاب هو التعبد ببقاء اليقين السابق، و قيامه مقام العلم الموضوعي، فحيث ان جريان استصحاب الطهارة في كلا الطرفين معا مشروط بعدم العلم الاجمالي بنجاسة احدهما فيقوم استصحاب نجاسة احدهما مقامه.

وفيه اولا: انه مبني على كون الاستصحاب تعبدا بالعلم بالبقاء، وقد مر عدم تماميته.

وثانيا: ان عنوان المقيد غير معلوم، فلعل جريان الاصل مقيَّد بما هو لازم عدم العلم الاجمالي الوجداني بالخلاف، كفرض قبح الترخيص في المخالفة القطعية، على أنه قد يقال بأن الحكومة حتى في مورد التعبد بالعلم من شؤون مقام الاثبات و الخطاب، فاذا لم يقيَّد الخطاب بالعلم بمقيد لفظي فتنتفي الحكومة، اذ لعل المولى قيَّد خطابه ثبوتا بالعلم الوجداني، فتأمل.

وثالثا: قد يعكس فيقال: ان استصحاب بقاء نجاسة احدهما حيث يكون مقيَّدا بعدم العلم بالخلاف، فاستصحاب بقاء طهارة هذا الاناء و استصحاب بقاء طهارة الاناء الآخر، يكون بالنظر العرفي علما تعبدا بارتفاع نجاسة احدهما.

الجواب الثاني: ما في كتاب الأضواء من أن دليل الاستصحاب لا يشمل استصحاب الطهارة في كل من الاناءين، و انما يشمل استصحاب نجاسة احدهما، و هذا بناءً على أنّ موضوع الاستصحاب واقع الحدوث لا اليقين بها واضح، لأنّه لا توجد الا حالتان حادثتان: نجاسة أحد الإنائين، و طهارة الآخر، فيجري استصحابان إجماليان، و حيث انّ العلم بالطهارة الإجمالية لا أثر له في رفع التنجيز كان استصحاب النجاسة منجزاً لا محالة.

و أمّا بناءً على أنّ موضوع الاستصحاب اليقين بالحدوث، فبالدقة و إن كان للمكلّف يقين سابق إجمالي بالالزام و يقينان تفصيليّان قبل اليقين الإجمالي بالترخيص، إلّا أنّه عرفاً حيث يكون اليقين الإجمالي ناقضاً لأحد اليقينين التفصيليين، فلا يفهم العرف من إطلاق “لا تنقض اليقين بالشك” إرادة عدم نقض اليقينات الثلاثة، كيف و أحد اليقينين بالطهارة منتقض باليقين الإجمالي‏ جزما.

نعم بلحاظ نفس زمان العلم الإجمالي بانتقاض احدى الحالتين السابقتين المتيقّنتين يوجد يقينان سابقان و علم إجمالي بالانتقاض، و لهذا يتمّ اطلاقان لدليل الاستصحاب فيه إذا لم يكن العلم الإجمالي الزاميا ً-كما في استصحابي النجاسة في الطرفين- لأنّ العلم الإجمالي متعلق بالجمع لا الفرد، فيكون منشأً للشك في انتقاض كل من اليقينين السابقين في الطرفين([22]).

اقول: لازم ذلك جريان استصحاب نجاسة اناءين في زمان العلم الاجمالي بطروّ الطهارة لأحدهما، كما صرّح به نفسه، دون زمان الشك في بقاء هذه الطهارة المعلومة بالاجمال، و هذا لا يخلو من غرابة، فان معناه اشدية الاستصحاب من العلم الوجداني، و كيف يكون احد اليقينين بالنجاسة منتقَضاً باليقين الاجمالي بطهارة احدهما في زمان الشك في بقاء هذه الطهارة الاجمالية و لا يكون منتقَضاً به في زمان اليقين الاجمالي نفسه، و لا فرق بين هذا الفرض و فرض سبق اليقين بطهارة الاناءين مع العلم الاجمالي بطرو النجاسة لأحدهما، فانه لا وجه لدعوى انتقاض احد اليقينين باليقين الاجمالي مطلقا بعد تعلق اليقين الاجمالي بالجامع.

و هكذا الحال بناء على ركنية واقع الحدوث في الاستصحاب، فانه كيف لا يكون حدوث الطهارة لأحد الاناءين النجسين سابقا منافيا لتحقق اركان استصحاب النجاسة فيهما في زمان العلم الاجمالي و يكون منافيا لتحققها -في ما طهر واقعا- في زمان الشك في بقاء الطهارة الاجمالية، و هكذا لا يكون حدوث النجاسة لأحد الاناءين الطاهرين منافيا لتحقق اركان استصحاب الطهارة فيهما في زمان العلم الاجمالي، و يكون منافيا لتحققها -في ما تنجس واقعا- في زمان الشك في بقاء النجاسة الاجمالية.

و الحلّ أن من يرى ركنية واقع الحدوث لا يقصد انتفاء ركن استصحاب الحالة التي تيقن بحدوثها بمجرد حدوث ضد تلك الحالة بعد ذلك واقعا من دون علم به، و احتمال بقاء هذه الحالة الثانية على تقدير حدوثها، فان لازمه الغاء دليل الاستصحاب عرفا.

و لذا يبعد التزامه بأنه لو كان احد الاناءين -الطاهرين سابقا و المعلوم اجمالا طرو نجاسة احدهما، مع الشك في بقاء هذه النجاسة الاجمالية- خارجا عن محل ابتلاء المكلف فلا يجري استصحاب طهارة الإناء الداخل في الابتلاء، مع أنه بناء على كلامه يكون هذا الاناء شبهة مصداقية لما تحقق فيه اركان الاستصحاب.

و الحاصل أنه حتى بناء على ركنية واقع الحدوث فالعلم الاجمالي بحدوث النجاسة لأحد الاناءين الطاهرين سابقا مع احتمال بقاء تلك النجاسة لا ينافي تحقق اركان استصحاب الطهارة في كل واحد من الاناءين، غايته أن الاناء الذي حدث فيه النجاسة المعلومة بالاجمال واقعا، من خلال هذا العنوان الاجمالي المشير يكون مشمولا لدليل استصحاب النجاسة ايضا، كما كان بعنوانه التفصيلي مشمولا لدليل استصحاب الطهارة، و بذلك تتحقق المعارضة بين الاستصحابات الثلاثة.

هذا وقد اختار في كتاب الأضواء في المقام المعارضة على خلاف ما ذكره في بحثه السابق الذي نقلنا عنه، بل ذكر أن ما في البحوث (من أنه لو علم إجمالًا بنجاسة أحد إناءين، ثمّ في الساعة اللاحقة شك في ارتفاع ذلك، و لو من جهة احتمال تطهيرهما أو العلم اجمالًا بتطهير أحدهما يجري استصحاب نجاسة أحدهما فيحكم بوجوب الاجتناب عنهما معاً) لا يتم فقهياً، بل يحكم بطهارة الطرفين ظاهراً لاحتمالهما واقعاً في الساعة الثانية، و لا أظن أحداً يلتزم بخلاف ذلك في الفقه، فان هذا الاستصحاب معارض مع استصحاب عدم النجاسة فيهما، و يرجع بعد ذلك إلى قاعدة الطهارة أو البراءة في الطرفين بلا محذور، نعم لو فرض عدم جريان استصحاب عدم نجاستهما لسبب، وانحصار الاصل المؤمن فيهما بقاعدة الطهارة او البراءة فاستصحاب نجاسة الجامع مقدم على قاعدة الطهارة والبراءة، فيكون منجزا للاحتياط، و هذا بخلاف مبنى المشهور القائلين بعدم جريان استصحاب الفرد المردد، فالصحيح التفصيل في الفقه([23]).

وما ذكره من أنه لا يظن أن يلتزم احد بوجوب الاجتناب عن الانائين المستصحب نجاسة احدهما، لا يخلو من غرابة، فانه مضافا الى أنه التزمه به نفسه في بحثه السابق، فالظاهر التزام الفقهاء بوجوب الاجتناب عنهما خصوصا مع سبق العلم الاجمالي بالنجاسة قبل حصول الشك في زوالها، فانه مقتضى صحيحة زرارة “تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه اصابه حتى تكون على يقين من طهارتك”، وأما ما نسبه الى المشهور من انكارهم لاستصحاب الفرد المردد والجامع في القسم الاول من الكلي فغير ظاهر، ولم نجد لذلك اثرا في كلمات القوم.

وأما ما ذكره من تقدم استصحاب جامع النجاسة على قاعدة الطهارة او البراءة الجارية في الطرفين، فوجهه أن دليل الاستصحاب حيث يكون مقدَّما بملاك الأخصّية على دليل قاعدة الطهارة، فيقدم استصحاب نجاسة احد الاناءين على فرض جريانه على مجموع قاعدة الطهارة فيهما، ثم تتساقط قاعدة الطهارة في كل منهما بملاك كون جريان احداهما دون الأخرى ترجيحا بلا مرجح.

هذا وأما ما ذكر من أنه لا دافع لاشكال المعارضة، الا الالتزام بمسلك الشيخ الاعظم “ره” من كون جريان الاستصحابين المخالفين للعلم الاجمالي مبتلى بتعارض الصدر والذيل في دليل الاستصحاب، فانه وان ارتفع في يوم السبت العلم الاجمالي بنجاسة احدهما، لكن العلم الاجمالي بحدوثها في يوم الجمعة كاف في شمول قوله “ولكن ينقضه بيقين آخر” له بلحاظ حدوثها المساوق للامر بنقض الطهارة السابقة المتيقنة في كل من الانائين في يوم الخميس باليقين بطرو النجاسة لاحدهما في يوم الجمعة، فيكون استصحاب نجاسة احدهما الى يوم السبت بلا معارض([24]).

ففيه أن الابتلاء بتعارض الصدر والذيل لا يوجب تخلص استصحاب نجاسة احدهما عن المعارضة مع استصحاب طهارة هذا الاناء وذاك الاناء بنكتة المناقضة في المؤدى، في عرض ابتلاء استصحاب طهارة الاناءين بالتعارض مع الامر بنقض اليقين السابق بطهارتهما باليقين اللاحق بنجاسة احدهما.

الجواب الثالث: ما ذكرناه في بحث الاشتغال من أنه كلما لم ير العرف منافاةً بين العلم الاجمالي و بين الاستصحابين في طرفي العلم الاجمالي، كما في استصحاب نجاسة اناءين يعلم بحصول الطهارة لأحدهما اجمالا، فلا يرى منافاة بين الاستصحابين و بين خطاب الاستصحاب الشامل لتلك الطهارة بعد الشك في بقاءها، فان الاستصحاب لا يزيد على العلم الوجداني، و أما اذا كان يرى منافاة العلم الاجمالي مع جريان الاستصحابين كما في استصحاب طهارة كل من الاناءين اللذين يعلم بحصول النجاسة لاحدهما، فتتحقق المنافاة بين الاستصحابين و بين استصحاب تلك النجاسة ايضا، و حيث ان هذا استصحاب لحالة سابقة متيقنة هي اقرب زمانا من تلك الحالتين التفصيليتين، فيراها العرف اولى بالبناء عليها منهما.

فان تم هذا الجواب فهو، والّا فالمعارضة مستقرة.

ثم انه لو استقرت المعارضة بين استصحاب بقاء الجامع واستصحاب عدم الفردين، فقد يقال -كما في كتاب الأضواء- أنه لا يمنع ذلك من استصحاب وجود الفرد الحادث في علم الله، بناء على مسلك البحوث من ثبوت قاعدتين، فان اجمال دليل قاعدة عدم نقض اليقين بالشك لاجل تعارضه الداخلي لا يسري الى صحيحة ابن سنان التي هي دليل قاعدة التعبد الظاهري ببقاء الحادث.

الا أنه -مع الغمض عن عدم صحة ثبوت قاعدتين- يقال بأن شبهة المعارضة تاتي في صحيحة ابن سنان ايضا، فان من يرى ركنية واقع الحدوث لا يقصد انتفاء ركن استصحاب الحالة التي تيقن بحدوثها بمجرد حدوث ضد تلك الحالة بعد ذلك واقعا من دون علم تفصيلي به، فانه الغاء لدليل الاستصحاب عرفا، والشاهد على ذلك أنهم التزموا بجريان استصحاب نجاسة اناءين نجسين سابقا وان علم بتطهير احدهما اجمالا، فان من الغريب أن لا يكون العلم الاجمالي بحدوث الطهارة لأحدهما منافيا لتحقق اركان استصحاب النجاسة فيهما في زمان العلم الاجمالي، و يكون منافيا لتحقق اركان الاستصحاب -في ما طهر واقعا- في زمان الشك في بقاء تلك الطهارة الاجمالية، فالصحيح أن العلم الاجمالي بحدوث احد الفردين لا يرفع اركان استصحاب عدم وجود هذا الفرد او ذك الفرد.

و الحاصل أنه حتى بناء على ركنية واقع الحدوث فالعلم الاجمالي بحدوث النجاسة لأحد الاناءين الطاهرين سابقا مع احتمال بقاء تلك النجاسة لا ينافي تحقق اركان استصحاب الطهارة في كل واحد من الاناءين، غايته أن الاناء الذي حدث فيه النجاسة المعلومة بالاجمال واقعا، من خلال هذا العنوان الاجمالي المشير يكون مشمولا لدليل استصحاب النجاسة ايضا، كما كان بعنوانه التفصيلي مشمولا لدليل استصحاب الطهارة، و بذلك تتحقق المعارضة بين الاستصحابات الثلاثة، فينحصر حل المعارضة بما عرفت من أن العرف يقدم استصحاب نجاسة احد الانائين على استصحاب طهارتهما لكون الحالة القريبة اولى بالبناء عليها ويلحق العرف استصحابها بالعلم الاجمالي بها خصوصا مع سبق زمان العلم الاجمالي الموجب لتساقط استصحاب طهارتهما.

بیان المختار: جریان الاستصحاب في القسم الاول من الكلي مطلقا

وكيف كان فقد تحصل جريان الاستصحاب في القسم الاول من الكلي مطلقا، بلا فرق بين كون الشك في بقاء كل من الفردين على تقدير حدوثه مقرونا بالعلم الاجمالي بارتفاع احدهما على تقدير الحدوث وعدمه.

 



[1] – نهاية الدراية ج 5ص 139

[2] – تعليقة البحوث ج6ص237

[3] – بحوث في علم الاصول ج6ص 237

[4] – نهاية الافكار ج3ص302

[5] – نهاية الافكار ج3ص47

[6] – نهاية الافكار ج3ص299

[7] – اضواء وآراء ج3ص 240

[8] – بحوث في علم الاصول ج6ص 238

[9] – اضواء وآراء ج3ص 240

[10] – مصباح الاصول ج3ص 101

[11] – أضواء وآراء ج3ص 266

[12] – نهاية الافكار ج4ق1ص 12

[13] – بحوث في علم الاصول ج6ص239

[14] – بحوث في علم الاصول ج 6ص 239

[15] – مصباح الاصول ج 2ص 102

[16] – نهاية الافكار ج 4ق1ص 116

[17] – بحوث في علم الاصول ج6ص 260

[18] – بحوث في علم الاصول ج6ص241

[19] – بحوث في شرح العروة الوثقى ج‌3 ص 58 وج4ص 182

[20] – مباحث الاصول ج 5ص 330

[21] – أضواء وآراء ج3ص 273

[22] – اضواء و آراء ج‏3 ص 56

[23] – اضواء وآراء ج3ص 280

[24] – أضواء وآراء ج3ص 273