بسمه تعالی
رؤوس المطالب:
في امكان وضع اسماء المعاملات للصحيح الشرعي.. 1
عدم تصوير النزاع في اسماء المعاملات بمعنى المسبب… 2
ثمرة النزاع في اسماء المعاملات.. 4
في ترتب ثمرة النزاع في المعاملة بمعنى المسبب… 8
وضع الفاظ المعاملات على ايجاد السبب… 10
اسماء المعاملات
يقع الكلام في وضع اسماء المعاملات للصحيح او الاعم، وفيه جهات من البحث:
في امكان وضع اسماء المعاملات للصحيح الشرعي
الأولى: ذكر السيد الخوئي “قده” ان مورد البحث هو اخذ الصحة العقلائية في مسمى المعاملات، وأما اخذ الصحة الشرعية فغير معقول، حيث يصير معنى قوله تعالى “احل الله البيع” ان الله احل البيع الذي احلّه، وهذا لغو ظاهر([1]).
واورد عليه في البحوث انه انما يتمّ لو قيل بان المراد من الوضع للصحيح هو الوضع لمفهوم الصحيح، وقد مر عدم احتماله في اسماء العبادات فكيف باسماء المعاملات، وانما المراد وضعه لواقع الصحيح، فيكون لفظ البيع موضوعا للتمليك بعوض مع صدوره من البالغ العاقل…، وحينئذ فلايكون أية لغوية في خطاب الإمضاء، والا لكان عليه “قده” ان يستشكل بمثل ذلك في وضع اسماء العبادات على الصحيح الشرعي، حيث يكون معنى الأمر بالصلاة مثلا الأمر بالصلاة التي أمر بها([2])، وقد ذكر نفسه هناك ان المقصود من الصحة واقع التمامية من حيث الأجزاء والشرائط([3]).
اقول: بناء على وضع لفظ البيع مثلا لواقع الصحيح الشرعي فيكون معناه مجملا، وحينئذ فيصير ورود خطاب شرعي في امضاء الشارع للبيع الواجد للأجزاء والشرائط شرعا لغوا عرفا، اذ لااثر له عدا ان يعرف المخاطب صحة البيع اجمالا، وهو أمر واضح لايحتاج الى بيان.
هذا والمهم في الاشكال على السيد الخوئي “قده” ان غاية ما ذكره هو ان يلتزم باستعمال اسماء المعاملات في الخطابات الواردة في امضاءها شرعا في الأعم ولو مجازا لأجل القرينة التي ذكرها[s1] ، وأما أسماء المعاملات في سائر الخطابات فيعقل اخذ الصحة الشرعية فيها، نعم نحن لاننكر دعوى وجدانية كون المعنى في هذه الموارد وفي غيرها واحدا، ولكنه غير ما ادعاه “قده” من عدم معقولية اخذ الصحة الشرعية في المسمى.
وكيف كان فأخذ واقع الصحة الشرعية في مسمى الفاظ المعاملات معقول وان كان في غاية البعد.
عدم تصوير النزاع في اسماء المعاملات بمعنى المسبب
الثانية: ذكر المشهور ومنهم صاحب الكفاية “قده”([4]) ان النزاع في اسماء المعاملات انما يجري فيما كان اسم المعاملة موضوعا للسبب دون المسبب، اذ السبب وهو الإيجاب والقبول يشتمل على اجزاء وشرائط ويترتب عليه الأثر، فيتصور فيه الصحة والفساد، وأما المسبب كملكية المشتري للمبيع فيدور امره بين الوجود والعدم، فهو إما يوجد او لايوجد فلايتصف بالصحة والفساد.
وقد اورد عليه السيد الخوئي “قده” بانه ان اريد من المسبب المسبب الشخصي -مثل الملكية التي اعتبرها المتعاملان في البيع- فهو قابل لان يتصف بالصحة والفساد، فالملكية التي اعتبرها الصبي فاسدة شرعا، بخلاف الملكية التي اعتبرها البالغ.
نعم ان اريد من المسبب المسبب العقلائي او الشرعي –كالملكية العقلائية او الشرعية المترتبة على البيع- فهو وان كان لايتصف بالصحة والفساد وانما يدور امره بين الوجود والعدم، ولكن لايحتمل وضع الفاظ المعاملات كلفظ البيع والشراء بإزائه، فان البيع والشراء فعل المتعاقدين وليسا فعل العقلاء او الشرع، بينما ان المسبب العقلائي او الشرعي فعل العقلاء والشرع([5]).
واجاب عنه في البحوث بانه يعقل كون معنى البيع مثلا ايجاد المسبب العقلائي او الشرعي، فانه ولو فرض وجود اعتبار شخصي للملكية من قبل المتعاملين فهو استطراق الى حصول هذا المسبب العقلائي او الشرعي، فان ايجاد هذا المسبب فعل المتعاملين بالتسبيب حيث ان إنشاء المسبب العقلائي والشرعي كالملكية العقلائية او الشرعية وان كان فعل العقلاء والشرع لكن فعليته تكون بوجود موضوعه الذي هو فعل مباشري للمتعاملين فيكون فعليته بيد الشخص، ولذا يصح ان يسند اليه انه اوجد الملكية العقلائية او الشرعية، فيصح ان يكون البيع بمعنى ايجاد المسبب العقلائي او الشرعي، نعم لايتصف ذلك بالصحة والفساد([6])، ولابأس بما افاده.
ثمرة النزاع في اسماء المعاملات
الثالثة: ان ثمرة النزاع بين الصحيحي والأعمي في اسماء المعاملات هو انه لاينعقد اطلاق لفظي في ادلة المعاملات بناء على القول بوضعها للصحيح، الا انه بناء على وضعها للصحيح الشرعي لايتم له اطلاق لفظي اصلا، ولكن بناء على وضعها للصحيح العقلائي فيمكن التمسك باطلاق خطابها في فرض احراز الصحة العقلائية، وانما لاينعقد له اطلاق لفظي لنفي ما يشك في اعتباره في صحة المعاملة عند العقلاء، وأما بناء على وضعها للأعم فيمكن التمسك بالاطلاق اللفظي لخطابها فيما احرز صدقها عرفا حتى ولو لميعلم بالصحة العقلائية، فضلا عن الشرعية، نعم لو علم بعدم صحتها عقلاء فيكون ذلك بمثابة قرينة لبية متصلة فتمنع عن ظهور دليل صحة المعاملة في العموم.
بل قد يقال بأنه في فرض الشك في بناء العقلاء على بطلان المعاملة فحيث يكون مرجع ذلك الى الشك في القرينة اللبية المتصلة فلايحرز الظهور، ومسلك المشهور عند الشك في القرينة المتصلة وان كان هو عدم الاعتناء بهذا الشك ولكن ذكرنا في محله عدم احرازبناء العقلاء على ذلك، مالم يكن ظاهر سكوت الراوي نفي القرينة المتصلة كما في القرينة اللفظية او القرينة الحالية الشخصية، واما القرينة الحالية النوعية كالارتكاز العقلائي اوالمتشرعي فلايكون ظاهر سكوت الراوي نفيها، لأنه لايرى نفسه ملزما ببيان هذه القرينه بعد استواءه مع الآخرين في فهمها.
هذا اذا شككنا في ارتكاز العرف والعقلاء، واما اذا شك العرف نفسه في ذلك بأن كان ارتكاز العرف مجهولا لنفسه فهذا يكشف عن عدم الارتكاز العرفي، والا لم يختف على العرف نفسه، ولاأقل من أنه يكشف عن ضعف هذا الارتكاز وعدم كونه بمثابة قرينة لبية متصلة مانعة عن انعقاد الظهور.
نعم قد يشك في وجود ارتكاز مخالف عقلائي اومتشرعي في زمان صدور الخطاب مع الجزم بعدمه فعلا فهل يكون ذلك بحكم الشك في القرينة اللبية المتصلة فتمنع عن الاستناد الى الخطاب او يقال –كماهو مختار السيد الصدر “قده”بانه تجري اصالة الثبات بين العقلاء فيما اذااحرز ظهور الخطاب فعلا وشك في استمرار هذاالظهور الى زمان صدور الخطاب ولو كان منشأه هو احتمال تبدل الارتكاز في مورد الخطاب،([7]) والكلام عنه موكول الى محله.
ثم انه قديقال بانه بناء على كون اسماء المعاملات موضوعة للصحيح الشرعي فيمكن أيضا التمسك بخطاب الإمضاء بطريقين:
1- حيث انه يصير دليل الإمضاء مجملا فيلغو بيانه فيمكن التمسك بدلالة الاقتضاء لنفي احتمال اعتبار القيد المشكوك صونا لكلام الحكيم عن اللغوية.
2- انه يمكن التمسك بالاطلاق المقامي لدليل الامضاء، حيث ان ظاهر حال الشارع في خطابه الوارد في مورد امضاء السيرة هو الاحالة الى العقلاء فيما سكت عنه.
واورد في البحوث على الوجه الأول بانه انما يتم دلالة الاقتضاء فيما اذا لميكن في البين قدر متيقن يشمله دليل الامضاء.
واورد على الوجه الثاني بانه موقوف على احراز كون المولى متصديا لبيان تمام مراده بشخص هذا الخطاب، ولكنه لايمكن احراز ذلك، اذ يحتمل كون الشارع في مقام بيان تمام مراده بمجموع خطاباته([8]).
اقول: إن القائل بوضع اسماء المعاملات للصحيح ان بنى على وضعها للصحيح الشرعي وصيرورتها بذلك مشتركة لفظية بينه وبين الصحيح العرفي فيتمّ حينئذ ما اورده في البحوث، ولكن بناء على مسلك صاحب الكفاية من ان الموضوع له عرفا وشرعا للفظ البيع مثلا هو العقد المؤثر لأثر الملكية واقعا ويكون اختلاف العرف والشرع في المصاديق، (فيرى العرف البيع الربوي مثلا مصداقا للعقد المؤثر لأثر الملكية، ولكن الشارع يخطِّئ العرف في ذلك فلايراه مصداقا له) فلايبعد حينئذ دعوى انعقاد اطلاق مقامي في خطاب الشارع في تفويض امر التطبيق الى العرف، نظير ما يقال في آية النهي عن اكل المال بالباطل، فانه وان كان قد يختلف العرف والشرع في مصداقه كما في رجوع مشتري الحيوان الى البايع واسترجاعه الثمن فيما اذا تلف الحيوان خلال ثلاثة ايام، فان العرف يراه مصداقا لأكل مال الناس بالباطل، لكنه بعد ترخيص الشارع لذلك فلايكون مصداقا لهذا العنوان، لاانه يكون مصداقا له الا ان الشارع رخص فيه، وحينئذ فحيث يكون القاء هذا الخطاب الى العرف مع عدم احالة تطبيقه اليه خلاف الظاهر في مثله، حيث لايكون لتشخيص مصاديقه طريق آخر غير نظر العرف، واما كون تطبيقه بيد الشارع نفسه فهذا يساوق لغوية هذا الخطاب عرفا.
نعم قد يناقش في مسلك صاحب الكفاية بدعوى أنه لامعنى لكون العقد مؤثرا لأثر الملكية واقعا لأن تأثيره باعتبار المعتبر، فلو كان الموضوع له للفظ البيع هو العقد المؤثر لاثر الملكية مطلقا ولو باعتبار العرف فلامعنى لتخطئة الشارع للعرف في كون البيع الربوي مثلا مصداقا للعقد المؤثر لأثر الملكية باعتبار العرف، حيث ان حكمه بفساد البيع الربوي مثلا لايعني عدم كونه مصداقا للعقد المؤثر لأثر الملكية باعتبار العرف.
ولاجل ذلك ذكر المحقق الاصفهاني “قده” أن المراد وضع لفظ البيع للعقد الذي يوجد فيه ملاك لاعتبار الملكية، فيكون تخطئة الشارع للعرف في تشخيص ملاك اعتبار الملكية،([9]) ويشكل ماذكره انه قد لايكون اعتبار العرف لأثر الملكية في البيع الربوي مثلا فاقدا للمصلحة، وانما يعتبر الشارع فساد هذا البيع لمصلحة في نفس هذا الحكم الشرعي، وقد تكون هذه المصلحة تشديد روح العبودية والاطاعة في نفوس المؤمنين، واين هذا من تخطئة العرف في تشخيصه للملاك.
هذا ولكن يمكن أن يقال انه يكفي كون الاختلاف بين الشرع والعرف بالنظر العرفي في تشخيص مصداق العقد المؤثر لأثر الملكية وان لميكن بالنظر الدقي كذلك، وقد ذكرنا كشاهد على ذلك عنوان المالك، فان معناه ليس هومن اعتبره العرف مالكا لعدم احساس الادعاء والعناية والمجاز في اطلاق المالك على من اعتبره الشارع مالكا على خلاف نظر العرف -كمن اخذ مال الكافر غير محترم المال شرعا بعنوان الاستنقاذ -كما ان معناه ليس من اعتبره الشارع مالكا، لاطلاق العرف عنوان المالك على من يكون مالكا بنظره وان لم يكن مالكا شرعا، كما أنه ليس مشتركا لفظيا بين المالك العرفي والمالك الشرعي بالوجدان، كما أن وضع لفظ المالك بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص على من يكون مالكا باعتبار المتكلم خلاف الوجدان، فتكون النتيجة وضع لفظ المالك على المالك واقعا حيث أن للملكية واقعا بالنظر العرفي المسامحي وان لميكن كذلك بالنظر الدقي العقلي، وهكذا في عنوان العدل والظلم، والحق والباطل، فانه لاوجه للالتزام بكون معنى الظلم هو الظلم العرفي، والشاهد عليه أنه لو قال الشارع “استنقاذ مال الكافر حلال وان كان ظلما عرفيا” فلايكون مستهجنا عرفا، بخلاف ما لو قال “استنقاذ مال الكافر حلال وان كان ظلما” فانه مما يستهجنه العرف، فيكشف ذلك عن عدم كون معنى الظلم هو الظلم العرفي، كما ان معناه ليس هو الظلم الشرعي لاستعمال العرف العام له مع أنهم لايريدون الظلم الشرعي جزما، فيتعين ان يكون معناه الظلم الواقعي مع أن اغلب مصاديقه ليست الا ظلما باعتبار العقلاء او الشرع وقلما تكون ظلما واقعيا بحكم العقل الفطري.
في ترتب ثمرة النزاع في المعاملة بمعنى المسبب
الرابعة: حكي عن جماعة انه بناء على وضع اسماء المعاملات لايجاد المسبب العقلائي فلايمكن التمسك باطلاق دليل امضاءه لإثبات إمضاء جميع اسبابه، فانه يكفي في امضاء المسبب صحة سبب من اسبابه، نظير ان الترخيص في الكون على السطح لايقتضي باطلاقه الترخيص في نصب سلّم الغير.
ولكن ذكر السيد الخوئي “قده” ان المسبب منحلّ خارجا بعدد الاسباب، سواء اريد به المسبب العقلائي او اريد به المسبب الشخصي أي ما يعتبره شخص المتعاقدين، فان المسبب العقلائي وكذا المسبب الشخصي في العقد العربي غير المسبب العقلائي والشخصي في العقد الفارسي او المعاطاتي، فليس هناك مسبب خارجي واحد له اسباب عديدة كي يقال بعدم دلالة امضاءه على امضاء جميع اسبابه([10]).
وقد اورد في البحوث على ما ذكره السيد الخوئي “قده” بان المعاملة بمعنى المسبب ليس هو المنشأ الشخصي القائم بنفس المتعاملين، بل هو النتيجة القانونية المتحصلة من المعاملة خارجا، فامضاء الشارع للمسبب بهذا المعنى بمعنى اعطاء الناس الفرصة على ايجاده في قبال المنع عنه، والترخيص واعطاء الفرصة لإيجاد مسبب لايقتضي الترخيص في ايجاده عن اي طريق معتبر([11]).
أقول: ان كان ظاهر الحلية في قوله تعالى “احلَّ الله البيع” الامضاء والحكم بالنفوذ لكان يتم ما ذكره السيد الخوئي “قده” حيث انه لو اريد بالبيع المسبب العقلائي اي ايجاد الملكية العقلائية فتارة نشك في كون عقد موجدا للملكية العقلائية كالعقد المشتمل على التعليق، فمن الواضح حينئذ عدم امكان التمسك باطلاق دليل الإمضاء، لصيرورته شبهة مصداقية لدليل إمضاء إيجاد الملكية العقلائية، واخرى نحرز ايجاد الملكية العقلائية بعقد كالبيع المعاطاتي ونشك في إمضاءه شرعا، فيكون مقتضى اطلاق الآية امضاء هذه الملكية العقلائية.
فان الحكم بنفوذ البيع الذي افترض كونه بمعنى إيجاد الملكية العقلائية يكون بمعنى الحكم بحصول الملكية الشرعية عقيبه، وحيث ان دليله انحلالي فيشمل ايجاد الملكية العقلائية بسبب المعاطاة او العقد الفارسي مثلا، ولا وجه لدعوى انه لايكون دليل امضاء المسبب او الأمر به ناظرا الى حالاته بلحاظ اختلاف اسبابه. ولايقاس المقام بدليل الترخيص التكليفي في ذي المقدمة حيث لايدل على حلية كل افراد مقدمته
وأما ما حكي عن بعض الأعلام “قده” من الفرق بين امضاء المسبب العقلائي وبين الأمر بإيجاد ذلك المسبب، حيث يظهر من الأول امضاء جميع اسبابه بخلاف الثاني([12])، فيلاحظ عليه انه في فرض الأمر بإيجاد المسبب العقلائي ايضا يمكن التمسك بالاطلاق للاكتفاء بايجاد المسبب العقلائي باي سبب كان، نعم دليل الترخيص التكليفي في ايجاده لايدل على الترخيص في جميع اسبابه.
وكيف كان فلو كان الظاهر من الآية هو الحكم بنفوذ البيع تم ما ذكره السيد الخوئي “قده”من اطلاق الآية بلحاظ الاسباب، لكن الظاهر من الحلية في الآية بيان أن البيع مسموح فيه، ففرق بين ان يقال أمضى الله البيع وبين أن يقال رخص الله في البيع، فان الاول ناظر الى ما بعد وقوع البيع وأنه كلما وجد بيع فهو ممضى، ولكن الثاني ناظر الي ما قبل البيع وكون حلية البيع ظاهرة في الحلية الوضعية لاينافي ان يكون مدلولها الاستعمالي هوالترخيص فكأنه قال ان الله أعطاكم فرصة لايجاد البيع وحيث أن المفروض أنه بمعنى المسبب فيكون معناه أن الله أعطاكم فرصة ومكّنكم من ايجادالملكية العقلائية ومن الواضح أنه لايقتضي التمكن من ذلك بأي سبب.
بل يخطر بالبال أنه وان كان الظاهر وضع البيع للسبب دون ايجاد الملكية العقلائية والشرعية، لكنه ظاهر في الماهية الاعتبارية التي توجد بالايجاب والقبول ويكون لها حدوث وبقاء اعتباري، ولذايقال فسخ البيع أو انحل البيع، ولو لميكن له بقاء اعتباري لميصح هذا التعبير، وهذه الماهية الاعتبارية قدتكون موضوعة للأثر العرفي والشرعي، والآية تدل على اعطاء الفرصة لايجاد هذه الماهية الاعتبارية وهذا لايقتضي صحة جميع أسبابها وهكذا الأمر فيما دل على حلية النكاح والاجارة ونحوذلك.
وضع الفاظ المعاملات على ايجاد السبب
الخامسة: قد وقع الكلام في ان الفاظ المعاملات ظاهرة في ايجاد السبب او المسبب فينبغي اولا توضيح المراد من السبب والمسبب، فإما ان يقال بان السبب متقوم بالاعتبار والإبراز فيعتبر الشخص ملكية زيد للكتاب ويبرزه بمبرز، وهذا ما عليه السيد الخوئي “قده”، وحينئذ فيكون المراد من التسبب به الى الملكية العقلائية او الشرعية مجرد ايجاد الموضوع لهما، فهما حكمان مترتبان على انشاء المتعاقدين، ولايوجد في الحقيقة مسبب عقلائي او شرعي، وأما الملكية التي اعتبرها الشخص فليست مسببة للفظ، بل اللفظ يكون مبرزا لها، فلايوجد مسبب شخصي أيضا.
او يقال بان السبب يعني ايجاد الملكية الإنشائية للفظ، وحينئذ فيكون اللفظ سببا لإيجاد الملكية الإنشائية التي يكون منشئها شخص المتعاقدين، وأما الملكية العقلائية والشرعية فهما حكمان مترتبان على هذا الإنشاء.
فاذا تبين المراد من السبب والمسبب فنقول ان تحقق البيع حيث لايساوق ثبوت الملكية العقلائية والشرعية عقيبه، لصدق البيع على مثل بيع الغاصب او بيع الحرّ نفسه مع عدم كونه ممضى شرعا وعقلاء فلاوجه لتوهم وضع الفاظ المعاملات على المسبب العقلائي او الشرعي، كأن يوضع لفظ البيع على ايجاد الملكية العقلائية او الشرعية، وأما احتمال وضع لفظ البيع على إيجاد المسب الشخصي اي الملكية باعتبار شخص المتعاقدين فمرجعه الى وضع هذا اللفظ لإيجاد السبب.
وقد تبين مما ذكرنا ان ما افاد في البحوث من انه يعتبر في السبب –مضافا الى الإنشاء المتمثل في اللفظ او ما يقوم مقامه، وكذا المدلول التصديقي للإنشاء وهو الالتزام الشخصي بمضمونه في افق النفس، فلو لميكن جادّا في إنشاءه لميتحقق السبب- قصد الشخص التسبب بانشاءه الى ايجاد المسبب العقلائي او الشرعي، غير متجه، لانه لاوجه لاعتبار هذا القصد بعد شمول الاطلاقات لفرض اعتقاد الشخص بعدم امضاء العقلاء او الشرع لعقده كما لو باع احد مال نفسه باعتقاد انه مغصوب، وهو يعلم بعدم نفوذ بيع المغصوب عرفا وشرعا، فانه لاوجه للمنع عن صدق البيع على انشاءه، ولو أراد لزوم قصد التسبب الى المسبب الشخصي كقصد البايع التسبب الى الملكية التي يرى بنظره ترتبها على إنشاءه وان خالف نظره نظر العقلاء والشرع، فهذا ليس شرطا زائدا على ما ذكره من لزوم المدلول التصديقي للإنشاء، بل يمكن ان ندعي عدم الحاجة الى قصد التسبب بهذا المعنى أيضا، فلو اعتبر شخص ملكية زيد لكتابه مثلا ثم أخبر عن هذا الاعتبار النفساني من دون ان يقصد ان يكون اخباره سببا لايجاد عنوان الهبة مثلا، بل تخيل تحقق الهبة بمجرد الاعتبار النفساني او تخيل انها لاتتحقق بمجرد الإبراز، بل لابد من مضي يوم عليه مثلا، فالظاهر انه بمجرد الإبراز يصدق انه وهب ماله، ويشمله عمومات الصحة.
وكيف كان فالصحيح ان الفاظ المعاملات كلفظ البيع مثلا موضوعة على السبب اي الايجاب والقبول الصادرين عن اعتبار نفساني.
وضع اسماء المعاملات للأعم
السادسة: لاينبغي الاشكال في ان اسماء المعاملات موضوعة للأعم من الصحيح العرفي فيصدق على الفاسد العرفي فضلا عن الفاسد الشرعي، وذلك بشهادة الوجدان العرفي بصحة حمل لفظ البيع مثلا على بيع الغاصب او بيع الحرّ نفسه، او بيع الصبي والمجنون.
ولاوجه لأن يقال بان اطلاق البيع على البيع الفاسد بنظر العقلاء والشرع مبنى على المسامحة لانصراف إخبار الرجل عن بيعه لماله الى البيع الصحيح، فانه يقال في الجواب عنه أنه لايصح سلب مفهوم البيع عن بيع الغاصب او بيع الحرّ نفسه، والانصراف أحيانا الى الصحيح يكون لأجل القرينة بنحو تعدد الدال والمدلول.
مضافا الى انه لايحتمل وضع تلك الألفاظ للصحيح الشرعي لكون تلك الالفاظ سابقة على الشرع، ويعلم بعدم وضع الشارع لها في معنى آخر، ومما يؤكّد ذلك ظهور حال الشارع بما انه من احد افراد العرف في ان استعمالاته كاستعمالاتهم.
وأما وضع تلك الالفاظ للصحيح العرفي فان اريد وضعها لمفهوم الصحيح فهو غير محتمل، وان اريد وضعها لواقع الصحيح فهو ليس بمحدَّد لدى العرف، لاختلاف العرف بلحاظ اختلاف الامصار والأعصار في الأسباب الصحيحة لها، كما يرى من اختلافهم في اسباب الزوجية، فلو قيل بوضعها للصحيح العرفي فيلزم منه الالتزام باشتراكها اللفظي وهو غير محتمل.
نعم بناء على ما ذكره صاحب الكفاية “قده” من وضع لفظ البيع مثلا لما هو مؤثر لأثر الملكية ويكون الاختلاف بين العرف والشرع او بين العرف انفسهم في المصاديق فلايرد عليه هذا الاشكال، لكنه مضافا الى ما مرّ من عدم صحة سلب البيع عرفا عن البيع الفاسد انه لايحتمل عرفا وضع لفظ البيع بإزاء مفهوم المؤثر لأثر الملكية، اذ لايتبادر منه هذا المعنى.
هذا تمام الكلام في بحث الصحيح والاعم.
[s1]المقرر: لولا ما سيأتي من دلالة الاقتضاء