بسمه تعالی
رؤوس المطالب:
ثمرة النزاع بين الصحيحي والأعمي.. 1
1- فی الشك في اعتبار جزء او شرط.. 2
توجیه المحقق النائيني “قده” كلام المحقق القمي.. 2
استحالة اتحاد البسيط مع المركب… 5
نسبة البسيط مع المركب، نسبة الأمر الانتزاعي الى منشأ انتزاعه فيلزم فيه الاحتياط.. 5
2- فی انسداد باب التمسك بالاطلاق في الخطابات الشرعية. 15
ان الخطابات، ليست في مقام البيان بلحاظ الأجزاء والشرائط.. 16
3- فیما اذا أخذت العبادة موضوعا لحكم شرعي آخر غير الأمر بها 19
4- فیما لو نذر ان يعطي درهما لواحد ممن صلى، فأعطاه لمن صلى صلاة فاسدة 21
ادلة القول بوضع اسماء العبادات للصحيح.. 23
1- انتفاء الآثار المعنویه عن صلاة فاسدة 23
2- عدم تحقق الصلاة مع الإخلال بالأجزاء والشرائط.. 24
3-ان بناء المخترعين ، وضع الاسم التامّ الواجد لجميع الأجزاء والشرائط.. 25
ادلة القول بوضع اسماء العبادات للأعم. 25
2- استعمال الفاظ العبادات للأعم فی بعض موارد 26
3- عدم ظهور اتباع الشارع طريقة المخترعين.. 28
4-فی حدیث: “دعي الصلاة أيام أقراءك“ و لو أريد به الصحيح لزم تعلق النهي بغير المقدور. 28
5-فرض يكون انعقاد النذر مستلزما لعدم انعقاده 30
ثمرة النزاع بين الصحيحي والأعمي
ذُكرت أربع ثمرات للنزاع بين الصحيحي والأعمي.
1- فی الشك في اعتبار جزء او شرط
الأولى: ما ذكره المحقق القمي “قده” من انه اذا شك في اعتبار جزء او شرط فالصحيحي يتمسك بقاعدة الاشتغال ولكن الاعمي يتمسك باصالة البراءة.
واورد عليه جماعة -منهم الشيخ الاعظم “قده”- بعدم الفرق بين المسلكين في جواز الرجوع الى البراءة بعد دوران امر متعلق التكليف عند الشك في جزئية شيء اوشرطيته له بين الاقل والاكثر على كلا المسلكين.
توجیه المحقق النائيني “قده” كلام المحقق القمي
ولكن وجّه المحقق النائيني “قده” كلام المحقق القمي بانه على مسلك الصحيحي حيث يكون المسمى الذي تعلق به الوجوب امرا بسيطا مسببا عن العمل المركب، فمع الإتيان بهذا العمل مجردا عن الجزء او الشرط المشكوك فيشك في تحقق ذلك الجامع البسيط المأمور به فلابد من القول بالاشتغال لكونه من الشك في المحصل، ولكن بناء على مسلك الأعمي لامانع من الرجوع الى البراءة، لان المأمور به يكون امرا مركبا فيتردد امره بين الاقل والاكثر.
وما ذكره “قده” يبتنى على كون الجامع الصحيحي بسيطا، وكون الجامع الأعمي مركبا، الا انه مرّ أنه يمكن ان يكون الجامع الصحيحي جامعا مركبا أُويّا، فعند الشك في جزئية شيء او شرطيته في هذا الجامع تجري البراءة عنها.
كما انه بناء على الوجه الأول من وجوه تصوير الجامع الأعمي يكون الجامع الأعمي بسيطا، وحينئذ فان شك في اعتبار جزء او شرط مما لايعلم بتحقق الجامع البسيط الاعمي بدونه فتجري قاعدة الاشتغال، نعم لو علم بان انتفاء ذلك الجزء او الشرط المشكوك لايمنع من تحقق الجامع الأعمي فتجري البراءة بلااشكال.
اشكال البحوث على المحقق النائيني “قده”
هذا، وقد ذكر في البحوث اشكالا آخر على المحقق النائيني “قده” وهو ان كون المسمى جامعا بسيطا لايلازم عدم جريان البراءة عند الشك في اعتبار جزء او شرط، اذ الجامع البسيط يتصور على أنحاء:
1-ان يفترض كون الجامع البسيط ذا مراتب تشكيكية، -وان كان مفهوم هذا الجامع بسيطا – فالعلم بوجوب هذا الجامع لايمنع من جريان البراءة، اذ القدر المتيقن هو وجوب المرتبة الضعيفة منه والمفروض العلم بحصولها ولو مع الاتيان بالعمل الفاقد لذلك الجزء او الشرط المشكوك، وتجري البراءة حينئذ عن وجوب ايجاد المرتبة الشديدة من الجامع التي قد تتوقف على الاتيان بالعمل الواجد لذلك الجزء او الشرط المشكوك.
2-ان يفترض كون الجامع البسيط غير تشكيكي، بل كان بسيطا في وجوده كما هو بسيط في مفهومه، ويفرض كونه مغايرا وجودا مع العمل المركب بان كان مسببا عن ذلك العمل، فيرجع الشك حينئذ الى الشك في المحصل، فيلزم الاحتياط باتيان كل ما يحتمل اعتباره جزء او شرطا، كي يحرز تحقق ذلك الجامع البسيط، حيث انه بدونه تجري قاعدة الاشتغال.
3-ان يفترض كون ذاك الجامع البسيط غير التشكيكي متحدا وجودا مع العمل المركب، لكن كان مباينا معه ذاتا بأن لم يكن هذا الجامع منتزعا من مرتبة ذات العمل المركب بل منتزعا عن حيثية عرضية داخلة في عهدة المكلف([1])، نظير عنوان “المؤلم” حيث ينتزع من الضرب بلحاظ حيثية الألم القائمة بالمضروب، فاذا تعلق الأمر بإيجاد ذلك الأمر الانتزاعي فيكون الشك بلحاظ ما هو داخل في عهدة المكلف يكون شكا في المحصل، فاذا شك في دخل شيء في كون الضرب مؤلماً فيجب الاحتياط.
فما ذكره صاحب الكفاية “قده” من انه متى كان الجامع البسيط متحدا وجودا مع العمل المركب لامسببا عنه فتجري البراءة([2]) فهو كلام غير فنيّ، حيث أنه يشمل باطلاقه هذا الفرض الذي يكون الجامع المتحد وجودا مع العمل المركب مباينا معه ذاتا، بينما انه يجب فيه الاحتياط بعد فرض ان الجامع البسيط قد دخل في عهدة المكلف فيكون الشك فيه من الشك في المحصل.
4-ان يفترض كون ذلك الجامع البسيط غير التشكيكي متحدا ذاتا ووجودا مع العمل المركب، بان كان منتزعا عن ذات المركب، فعند دوران أمر المركب بين الاقل والاكثر تجري البراءة عن الاكثر، لأن ما هو داخل في عهدة المكلف هو الجامع الذاتي الذي افترضنا اتحاده مع المركب ذاتا ووجودا.
5-ان يفترض كون الجامع البسيط اعتباريا لاخارجيا –سواء كان اعتباريا شرعيا كعنوان الطهور او اعتباريا عقليا كعنوان احدهما- فتجري البراءة عند الشك في اعتبار جزء او شرط في العمل المركب ولو كانت نسبة الجامع الاعتباري الى ذاك العمل المركب نسبة المسبب الى السبب، كما لو قلنا بان الطهارة من الحدث مسببة عن الوضوء، فانه لو شك في اعتبار جزء او شرط في الوضوء فيمكن اجراء البراءة، لأن الارتكاز العرفي المحكَّم على الخطابات الشرعية يحكم بان الأمر بالطهارة من الحدث ظاهر في كونه مشيرا الى الأمر بذات العمل المركب الذي هو سبب للطهارة، وحينئذ فلايكون الشك شكا في المحصل كي يجب فيه الاحتياط([3]).
اقول: هنا ملاحظات:
استحالة اتحاد البسيط مع المركب
الأولى: انه كما افاد المحقق الاصفهاني “قده” ان الاتحاد الذاتي والوجودي بين الجامع الذاتي البسيط وبين العمل المركب امر مستحيل([4])، فانه كيف يتحد البسيط مع المركب، ذاتا ووجودا، ولايقاس ذلك باعتبار عنوان بسيط على معنون مركب كاعتبار الوضوء طهارة، فان اتحادهما اعتباري محض، واين هذا من اتحاد جامع بسيط مع مركب تكوينا.
نسبة البسيط مع المركب، نسبة الأمر الانتزاعي الى منشأ انتزاعه فيلزم فيه الاحتياط
الثانية: اذا كانت النسبة بين الجامع البسيط مع العمل المركب نسبة الأمر الانتزاعي الى منشأ انتزاعه كما اذا قال” أوجد سبب قتل زيد”، او قال” أوجد سبب النهي عن الفحشاء والمنكر”، فيلزم فيه الاحتياط، اذ بعد كون الأمر متعلقا بإيجاد الأمر الانتزاعي فلابد من احراز تحققه، ولايجدي الشك في مناشيء انتزاعه ودوران امرها بين الأقل والأكثر، وما ذكره السيد الخوئي “قده” من انه حيث لاوجود حقيقة في الأمرالانتزاعي الا لمنشأ انتزاعه فهو الذي يدخل في العهدة شرعا، فمع دوران امره بين الاقل والاكثر فتجري البراءة([5])، فهو مناف لما التزم به في محله من امكان تعلق التكليف بالأمر الانتزاعي فان الأمر الانتزاعي مقدورلاجل القدرة على منشا انتزاعه([6]).
الثالثة: ذكر بعض الاعلام”قده” كلاما لعله ينفع في المقام وهو انه لو كانت الطهارة عنوانا للوضوء أيضا لميصح اجراء البراءة، بعد استظهار كون الشرط هو عنوان الطهارة، وانطباقه على الوضوء الفاقد للجزء او الشرط المشكوك غير معلوم، فيكون من الشك في حصول الشرط الذي علم باشتراط الواجب به، وتجري فيه قاعدة الاشتغال.
نعم لوثبت ان شرط الصلاة هو نفس الوضوء بعنوانه كما قد يستظهر من قوله تعالى “اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم…” تمّ جريان البراءة، لكن لابد من رفع اليد عن ظهور الآية في شرطية نفس الوضوء بظاهر الأدلة الدالة على شرطية الطهارة([7]).
وحينئذ فيقال في المقام انه اذاكان متعلق الأمر عنوانا بسيطا غير تشكيكي فلابد من احراز حصوله وحيث أنه يشك في حصوله عند الاتيان بالمركب الفاقد للجزء او الشرط المشكوك فلابد من الاحتياط بأتيان الاكثر
وفيه انه اذا كانت الطهارة عنوانا اعتباريا للوضوء فالأمر بها عرفا يكون امرا بواقع معنونها وهو الوضوء الذي يدور امره بين الاقل والاكثر، نظير مالو امر المولى بتعظيم زيد، وقد اعتبر المولى كون التعظيم هو القيام بعملية خاصة، فلو شكّ في شرطية شيء او جزئيته لما اعتبره تعظيما فلاينبغي الاشكال في جريان البراءة عنه، لان الأمر بالتعظيم يكون ظاهرا في الأمر بالقيام بتلك العملية، بعد ان كان التعظيم الذي تعلق به امره ماهية اعتبارية، وعليه فيكون نسبة عنوان الطهور الى معنونه بحسب اللبّ نسبة الاسم الى المسمى، ولااشكال في ان الأمر بالإسم امر بالمسمى عرفا، فلو شكّ في دخل شيء في المسمى فتجري البراءة عنه، ولا أقل من أنه لايظهر من الأمر بالطهور اكثر من كونه عنوانا مشيرا الى واقع الوضوء مثلا الذي يدور امره بين الاقل والاكثر، ويختلف ذلك عن الأمر بعنوان مبيَّن عرفي، كما لو أمر المولى بصوم شهر هلالي، فاختار المكلف شهرا لصومه وشك في رؤية هلال آخر الشهر، فمقتضى قاعدة الاشتغال هو صوم يوم الشك من آخره، حتى مع غمض العين عن جريان استصحاب بقاء الشهر، حيث ان متعلق التكليف معلوم وانما تعلق الشك بامتثاله خارجا، من غير فرق بين ان يكون التكليف بصوم كل يوم من الشهر الهلالي استقلاليا او ضمنيا.
نعم لو قال “المولى صم هذا الشهر الهلالي” فمع غمض العين عن استصحاب بقاء الشهر في آخره يكون المرجع هو البراءة عن وجوب صوم يوم الثلاثين، لان هذا الأمر يكون متعلقا في الحقيقة بواقع هذا الشهر وهو ايامه التي تدور بين الاقل والاكثر، فتجري البراءة عن الاكثر، وهكذا لو امر المولى عبده بالإتيان بأحد الواجبات الاستقلالية التي تكون على عهدة زيد، فاختار العبد الإتيان بفعل لأجل كونه واجبا على زيد، فشكّ في جزئية شيء او شرطيته فيه، فلاتجدي البراءة عن جزئيته وشرطيته في اكتفاء العبد بذلك الفعل الفاقد للجزء او الشرط المشكوك، لعدم احراز انه قد اتى بواجب استقلالي من واجبات زيد، بخلاف مالو امره المولى بالإتيان بواجب استقلالي معيَّن مما يجب على زيد، فانه حيث يكون ظاهرا في المشيرية الى واقع ذلك الواجب فلو دار امره بين الاقل والاكثر فتجري البراءة عن الاكثر، والأمر بالطهورمن هذا القبيل حيث انه يكون امرا بواقع الطهور الذي يدور بين الاقل والاكثر، فتجري البراءة عن الاكثر.
وبذلك اتضح أنه انمايجوز الرجوع الى البراءة بناء على كون متعلق الأمر هو الجامع البسيط غير التشكيكي فيما اذا كان خطاب الأمر به مجرد مشير-جزما اواحتمالا- الى الأمر بالمركب المتحد معه وجودا كما في الأمر بالطهور.
الرابعة:ان ما ذكره في البحوث (من انه كلما كان العنوان الذي تعلق الحكم الشرعي به اعتباريا كالطهارة من الحدث، -سواء قلنا بان الطهارة امر عقلي تكويني اوقلنا بأنها امرشرعي – فحيث أنه امر مبهم عرفا ولايعرف اسبابه الا من قبل الشارع، فيكون الظاهر عرفا تعلق الحكم الشرعي بذات سببه، وحيث يدور امر سببه بين الاقل والأكثر فتجري البراءة عن الاكثر) ففيه انه لواشتمل الخطاب الشرعي على الامر بايجاد مسبب عقلي او شرعي مبهم -كما لو تعلق الأمر بايجاد الطهارة من الحدث او ايجاد الزوجية الشرعية مثلا- فلاوجه لحمل مثل ذلك على الطريقية والمشيرية الى تعلق الحكم الشرعي بسببه، فان مجرد كون بيان اسبابه بعهدة الشارع لايوجب ظهور الخطاب في جعل تلك الاسباب بذواتها على عهدة المكلف.
ولايتم دعوى ان تحقق المسبب ليس باختيار المكلف، وانما الذي يكون تحت اختياره هو ايجاد موضوعه، فلابد من تعلق الأمر به.
وذلك لأن ايجاد الحكم الشرعي الفعلي مقدور للمكلف بواسطة قدرته على ايجاد موضوعه بعد الفراغ عن تحقق الجعل الشرعي الكلي والمقدور مع الواسطة مقدور، مضافا الى ان غايته كون مآله الى الأمر بايجاد سبب الطهارة او الزوجية الشرعية، ويلزم فيه الاحتياط ايضا بعد كون الأمر متعلقا بالأمر الانتزاعي.
وبذلك يظهر الاشكال فيما ذكره شيخنا الاستاذ “قده” من انه اذا تعلق الأمر بالمسبب الشرعي فيكون ظاهرا في تعلق التكليف بسببه، فان التكليف لايتعلق بالحكم الشرعي وانما يتعلق بما هو فعل المكلف، واما اذا تعلق حكم وضعي به او كان شرطا لمتعلق التكليف كالطهارة التي تكون شرطا للصلاة فلامحذور فيه بعد عدم تعلق الأمر الشرعي بنفس ذلك المحصل الشرعي([8])، فانه قد مرّ عدم محذور في تعلق الأمر الشرعي بايجاد الحكم الشرعي الفعلي، كما لو قال المولى”أوجد الطهارة الشرعية للمسجد” او قال “أوجد الزوجية الشرعية” فانه مقدور بواسطة القدرة على ايجاد موضوعه، والمقدور مع الواسطة مقدور.
الخامسة: ان ما ذكره في البحوث كمثال للأمر الاعتباري العقلي وهو الأمر باحدهما، فالظاهر انه صدرمنه سهوا، فانه لو قال المولى “صل او صم” وشك في تقيد الصوم مثلا بقيد زائد فمن الواضح جريان البراءة فيه مع أن متعلق الوجوب في الواجب التخييري عنوان أحدهما، لأنه ليس هذا العنوان مسببا أبدا.
السادسة: إن ما مرّ من جريان البراءة عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر بناء على مسلك الأعمي، وكذا على مسلك الصحيحي فيما كان الجامع الصحيحي مركبا أويّاً انما يتم فيما لو كان متعلقا بالتكليف، وأما اذا كان موضوعا لحكم فيشكل الأمر، فانه اذا شك في اعتبار جزء او شرط في الوضوء مثلا فبلحاظ الأمر بالوضوء يمكن اجراء البراءة عن الأكثر أي التقيد بالجزء او الشرط المشكوك، وبذلك يكون المكلف معذورا في مخالفته، ولكن لايثبت بهذه البراءة كون الأقل لابشرط متعلقا للحكم، وعليه فاذا كان الوضوء موضوعا لحكمٍ فيشكل اثبات ترتب هذا الحكم على الوضوء الفاقد للجزء او الشرط المشكوك، فلو اكتفى المحدث بهذا الوضوء فيجري استصحاب بقاء الحدث وحرمة مس كتابة القرآن عليه، بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، ويظهر من السيد الصدر في بحوثه في الفقه التزامه بذلك([9]).
ان قلت: ان هذا الاستصحاب نظير ما ذكر في باب دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين من انه لو أتى المكلف بالأقل فيشك في سقوط التكليف بالجامع المردد بين الاقل والاكثر فيجري استصحاب بقاءه، وبذلك يتنجز على المكلف الإتيان بالأكثر، وقد أجيب عنه هناك بان البراءة عن وجوب الأكثر تكون حاكمة على هذا الاستصحاب لان الشك في بقاء التكليف بالجامع مسبب من الشك في تعلق التكليف بالأكثر، وفي المقام أيضا تكون البراءة عن تقيد الوضوء بذاك الجزء او الشرط المشكوك حاكمة على استصحاب بقاء الحدث او بقاء محرمات المحدث.
قلت: ان نكتة عدم جريان استصحاب بقاء التكليف بالجامع بين الأقل والأكثر هو انه لو أريد اثبات تعلقه بالأكثر فيكون من الأصل المثبت، وان لميثبت تعلقه بالأكثر وبقي متعلقه مرددا بين الأقل لابشرط او الأكثر فلايصلح هذا الاستصحاب للمنجزية، حيث انه لايزيد على العلم الوجداني بالتكليف، والمفروض انه قبل الاتيان بالأقل كان عالما بالتكليف بالجامع، ومع ذلك لميصلح هذا العلم الإجمالي لتنجيز الأكثر، على ان هذا الاستصحاب يكون مبتلى باشكال آخر، وهو ان متعلقه متردد بين ما أتي به سابقا وبين غيره، والعلم الإجمالي بتكليف يتردد متعلقه بين ما أتي به سابقا وبين غيره حيث يكون علما بالجامع بين ما يقبل التنجيز وبين ما لايقبله فلايكون منجزا عقلا وعقلاء، فكيف بالاستصحاب.
واين هذا من المقام، حيث يجري استصحاب بقاء الحدث او بقاء محرمات المحدث بعد الوضوء الفاقد للجزء او الشرط المشكوك، وهذا استصحاب في حكم صالح للتنجز، كما هو واضح.
وما قد يقال من انه لو جرى استصحاب الحدث لمنع من جواز الاكتفاء بالصلاة مع هذا الوضوء ايضا، لان الحدث مانع عن الصلاة، فيرد عليه: أنه لميقم أي دليل على مانعية الحدث بعنوانه للصلاة، بل مقتضى الأدلة هو اشتراط الصلاة بالوضوء وعدم صدور ناقض له الى آخر الصلاة، وعدم صدور الناقض محرز بالوجدان وبالنسبة الى اشتراط الصلاة بالوضوء يدور الامربين الاقل والاكثر فتجري البراءة عن الاكثر بناء على كون الطهور الذي هو شرط الصلاة بمعنى نفس الوضوء والغسل والتيمم، لاالحالة المعنوية او الاعتبارية الحاصلة من هذه الأفعال، والا فيكون الشك في اعتبار شيء فيها من الشك في المحصل فيجب الاحتياط، فهو خلف المفروض في المقام.
ويجري نظير هذا الاشكال –الذي ذكرناه في مسألة بقاء حرمة محرمات المحدث لما بعد الإتيان بالوضوء الفاقد لما يشك في اعتباره فيه- فيما لو دار امر الإحرام بالحجّ بين ان يكون من خصوص مسجد الشجرة او انه يكفي الإحرام من منطقة ذي الحليفة التي هو اوسع من المسجد، فالبراءة عن التكليف بالإحرام في خصوص المسجد وان كانت جارية في حد ذاتها، لكن يشكل ان يثبت بها جواز دخول مكة، حيث يجري استصحاب بقاء حرمة دخول مكة في حق هذا الشخص الذي اكتفى بالإحرام خارج المسجد بعد ما يشك في صحة إحرامه شرعا، مضافا الى معارضة تلك البراءة مع البراءة عن محرمات الإحرام في حق هذا الشخص الذي اكتفى بالإحرام من خارج المسجد.
وكذا لو نوى المسافر الإقامة عشرة أيام في بلد فأتى بصلاة رباعية مع الوضوء الفاقد للجزء او الشرط المشكوك فحيث ان البراءة عن التكليف بالأكثر لاتثبت كون الاقل لابشرط متعلقا للتكليف، وانما تؤمّن عن التكليف بالأكثر فحسب، فلايكون إتيان الأقل كافيا للحكم بوجوب البناء على التمام في الصلوات الآتية.
ومن هذا القبيل ما اشكلنا على التمسك بالبراءة بالنسبة الى الحلق او التقصير في المكان الذي يشك في كونه من منى بنحو الشبهة المفهومية، فذكرنا انه ان حلق او قصّر في المكان المشكوك فنشك في خروجه عن الإحرام بذلك فبناء على مسلك المشهور من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية فيجري استصحاب بقاءه في الإحرام او استصحاب بقاء محرمات الإحرام عليه.
وقد اجيب عن ذلك بأنه لايجري استصحاب بقاء الاحرام ولااستصحاب بقاء محرمات الاحرام.
أما عدم جريان استصحاب الإحرام فلانه لميثبت كون الإحرام حالة معنونة كالطهارة والنجاسة حتى يجري استصحابه، فلعله عنوان لواقع تكويني يدور امره بين مقطوع البقاء وبين مقطوع الارتفاع، فلو كان هو من لميقصِّر مطلقا فيكون مقطوع الارتفاع، وان كان هو من لميقصِّر في المكان الضيق الذي هو القدر المتيقن من منى فيكون مقطوع البقاء، فيكون استصحابه من قبيل استصحاب الفرد المردد، او فقل من الاستصحاب الموضوعي في الشبهة المفهومية.
وأما عدم جريان استصحاب حرمة محرمات الاحرام فلأن أفراد الحرمة بلحاظ قبل الحلق او التقصير وما بعده انحلالية، وخصوص الحلق او التقصير الصحيح حيثية تقييدية لاتعليلية.
ويلاحظ عليه اولا: ان ظاهر الأدلة –مثل قوله (عليهالسلام) من لبّى فقد أحرم- هو ان الاحرام حالة اعتبارية تحصل بالتلبية وتبقى الى ان يقصِّر، وحينئذ فلامانع من استصحابه بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.
وثانيا: انه لامانع من جريان استصحاب محرمات الإحرام، فانه لاوجه لدعوى كون حيثية الإحرام حيثية تقييدية، فان العرف يرى ثبوت محرمات الاحرام لذات المكلف، ويكون احرامه حيثية تعليلية لذلك، فيقال هذا كان يحرم عليه الجماع مثلا، ويشك في بقاء هذه الحرمة بعد ما اكتفى بالتقصير في المكان الذي يشك كونه من منى، وأما كون الحرمة انحلالية فهو لايمنع من جريان استصحاب طبيعي الحرمة كما في استصحاب حرمة وطئ المرأة بعد انقطاع دم حيضها وقبل اعتسالها.
هذا، ولايخفى ان هذا الجواب حتى لو تمّ في هذه المسألة فلايكفي لإزاحة الشبهة بشكل نهائي، كما في مسألة الإتيان بصلاة رباعية فاقدة للجزء او الشرط المشكوك، حيث أنه ما لميثبت كون الأقل لابشرط هو المتعلق للحكم فلايمكن إثبات كونه موضوعا للبناء على التمام في الصلوات الآتية.
وقد حاولنا في بحث البراءة ان نجيب عن هذه الشبهة بان الغفلة النوعية عن هذه التدقيقات تساعد على انعقاد الاطلاق المقامي لأدلة الأصول العملية، حيث أن البراءة لما أثبتت الصحة الظاهرية للعمل الفاقد للجزء المشكوك ورخّصت في الاكتفاء به في مقام الامتثال فيرتب عليه العرف آثار الصحة الواقعية، من إباحة مس الكتاب به وأنه لو صلى رباعية مع هذا الوضوء ثم عدل عن نية الإقامة وجب عليه البناء على التمام في الآتية وهكذا، ولعله لأجل ذلك لميستشكل الفقهاء في ترتيب آثار الصحة الواقعية على الأقل في جميع موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.
وقديجاب عن هذه الشبهة بجواب ثان وهو انه بناء على ماهو الصحيح من كون التقابل بين الاطلاق والتقييد الثبوتيين تقابل السلب والإيجاب فاستصحاب عدم تقييد موضوع الجعل يكون بنفسه مثبتا للاطلاق وأن الأقل لابشرط هو المتعلق والموضوع للحكم، واستصحاب عدم التقييد اي عدم أخذ القيد الزائد في موضوع الحكم او متعلقه استصحاب بالعدم المحمولي وليس من الاستصحاب بالعدم الأزلي كي يناقش فيه من لايرى جريان هذا الاستصحاب، حيث أن استصحاب العدم الأزلي يكون من السالبة بانتفاء الموضوع، والموضوع في القضية المستصحبة في المقام ليس هو الجعل، حتى يكون استصحاب عدم تقييده من السالبة بانتفاء الموضوع، وانما الموضوع في القضية المستصحبة هو الشارع، فيقال ان الشارع لميأخذ هذا القيد الزائد في الجعل، ولاتكون هذه القضية من السالبة بانتفاء الموضوع.
وهكذا بناء على مسلك المحقق النائيني “قده” من كون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة، حيث يكون الاطلاق هو عدم التقييد في محل قابل له، فانه يجري استصحاب عدم التقييد فيضم الى احراز قابلية المحل للتقييد بالوجدان فيثبت بذلك واقع الاطلاق، ولايهمّنا عنوان الاطلاق كي يناقش فيه بان استصحاب العدم بضمّ احراز قابلية المحل لايثبت عنوان عدم الملكة فلايثبت عنوان العمى باستصحاب عدم البصر للمولود بضم احراز قابليته للبصر فعلا، فان الأثر لايترتب في المقام على عنوان الاطلاق بل على واقعه، وحينئذ فيرتفع الاشكال عن الأمثلة التي ذكرت سابقا.
نعم بناء على مسلك من يرى كالسيد الخوئي”قده” كون التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل التضاد حيث يرى تقوم الاطلاق بلحاظ عدم التقيد فيكون اثبات الاطلاق باستصحاب عدم التقييد من الاصل المثبت، لانه من اثبات احد الضدين باستصحاب عدم الضد الآخر، على انه يكون معارضا باستصحاب عدم الاطلاق.
ولكن هذا الجواب الثاني عن الشبهة غير صحيح، فان الظاهرانه بناء على كون التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل السلب والايجاب او تقابل العدم والملكة ايضا يكون اثبات الاطلاق باستصحاب عدم التقييد من الاصل المثبت، ولولأجل ان العرف يرى ان النسبة بين الاطلاق والتقييد نسبة التباين لاالاقل والاكثر وان فرض كون النسبة بينهما الاقل والاكثر بالنظر العقلى.
والافلازم ذلك أن يلتزم بانه كلما دار الأمر بين كون المطلق موضوعا لحكم او كون المقيد موضوعا له فباستصحاب عدم اخذ القيد في موضوع الجعل يثبت الاطلاق، كما لو علم بنجاسة الدم ولكن لميعلم هل الموضوع للنجاسة هو مطلق الدم او الدم الأحمر، فاستصحاب عدم التقييد بالأحمر يثبت كون الدم تمام الموضوع للحكم بالنجاسة، فيحكم بنجاسة الدم الأصفر أيضا، وهكذا لو لميعلم انه هل أوجب المولى اكرام العالم او اكرام العالم العادل فلازم ذلك ان يثبت باستصحاب عدم التقييد وجوب اكرام العالم، لان استصحاب عدم التقييد يثبت كون المطلق هو الموضوع للحكم فيترتب عليه جميع الآثار.
2- فی انسداد باب التمسك بالاطلاق في الخطابات الشرعية
الثمرة الثانية: ما ذكره الأعلام من أنه بناء على مسلك الصحيحي ينسدّ باب التمسك بالاطلاق اللفظي في الخطابات الشرعية المشتملة على اسماء العبادات عند الشك في اعتبار شيء فيها جزء او شرطا، بينما انه على مسلك الاعمي حيث يحرز انطباق العنوان على الفرد الفاقد لذلك الجزء او الشرط المشكوك فيمكن التمسك باطلاق الخطاب لنفي احتمال اعتبار ذلك المشكوك، الا فيما اذا قامت قرينة على عدم كون المولى في مقام البيان، نعم لو شك في دخل ذلك المشكوك في المسمى كما لو قلنا بان اسماء العبادات وضعت لواجد الأركان وشككنا في ركنية هذا المشكوك، فلايمكن التمسك باطلاق الخطاب حتى بناء على مسلك الأعمي، كما هو واضح.
ایرادات على هذه الثمرة
وقد اورد على هذه الثمرة بثلاثة وجوه:
ان الخطابات، ليست في مقام البيان بلحاظ الأجزاء والشرائط
1- ان الخطابات التي وردت في مقام تشريع عبادةٍ كقوله تعالى” اقيموا الصلاة ” او قوله تعالى” ولله على الناس حجّ البيت” ليست في مقام البيان بلحاظ الأجزاء والشرائط فلاينعقد لها اطلاق حتى على مسلك الأعمي، وأما الخطابات الواردة لبيان تفاصيل الأجزاء والشرائط مثل ما ورد لبيان كيفية الوضوء([10]) اوكيفية الصلاة([11]) فيمكن التمسك باطلاقها المقامي لنفي اعتبار امر زائد بلافرق بين مسلك الصحيحي والاعمي.
الفرق بين الاطلاق اللفظي والمقامي
والفرق بين الاطلاق اللفظي والمقامي هو ان الاطلاق اللفظي يكون فيما لو كان العنوان المتعلق او الموضوع للحكم مقسما للخصوصيات، فلو تعلق حكم بذلك العنوان وسكت المولى عن بيان تقييده بخصوصية فظاهر سكوته ان ذلك العنوان تمام المتعلق او الموضوع لحكمه على نحو الطبيعة اللابشرط القسمي، كما لو قال المولى”اعتق رقبة” فتجري اصالة الاطلاق اللفظي لنفي اعتبار تقيدها بكونها مؤمنة، وقد يكون مقتضى الاطلاق اللفظي انصراف العنوان الى بعض افراده كما لوقال” اكرم زيدا” وكان زيد العالم مشهورا دون زيد الجاهل، فاصالة الاطلاق فيه تقتضي انصرافه الى زيد العالم، وأما الاطلاق المقامي فهو ان يكون ظاهر المولى كونه في مقام بيان تمام وظيفة العبد، كما لو قال لعبده” اكرم زيدا وأخاه واكرم عمروا”، فظاهر سكوته عن الأمر باكرام اخي عمرو انه لايجب على العبد اكرامه بمقتضى ان ظاهر الخطاب كون المولى في مقام بيان تمام وظيفة العبد، وهكذا لو أمر المولى عبده بشراء اللحم والفاكهة و لميأمره بشراء الخبز مع كون ظاهره انه في مقام بيان تمام وظيفة العبد فيكون مقتضى الاطلاق المقامي عدم وجوب شراء الخبز.
ولايخفى ان الاطلاق المقامي يحتاج الى قيام قرينة خاصة على كون المولى في مقام بيان تمام وظيفة العبد، بينما ان الاطلاق اللفظي يتم بمقتضى ملاحظة ظهور حالي نوعي في انه لو انصبّ الخطاب على طبيعة و لميذكر بعض خصوصياتها فيكون الطبيعة تمام الموضوع للحكم، حيث يكون السكوت عن القيد مع تعلق الغرض بالمقيد نقضا للغرض.
هذا ولكن الظاهر أنه لاوجه للمنع بشكل عام عن كون الخطابات الواردة في تشريع العبادات في مقام البيان بلحاظ الأجزاء والشرائط.
فيمكن التمسك باطلاق قوله تعالى: “ياايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون… فمن شهد منكم الشهر فليصمه”([12]) لنفي شرطية الامساك عن غير الاكل والشرب والجماع.
وما قد يقال من ان اشتمال الآية على قوله “كما كتب على الذين من قبلكم” يوجب الظهور في كونها بصدد تخفيف امر الصيام على نفوس المؤمنين بان هذا ليس امرا حادثا كي يشقّ عليكم ذلك، فقد كتب ذلك على الأمم السابقة أيضا، ففيه أن مجرد ذلك لايشكِّل قرينة على عدم كون الشارع في مقام البيان من حيث أجزاء الصوم وشرائطه، خاصة في قوله تعالى” فمن شهد منكم الشهر فليصمه”، فبناء على مسلك الاعمي يمكن التمسك باطلاق هذه الآية لنفي احتمال شيء زائد في الصيام بعد احراز تحقق مسمى الصيام عرفا بمجرد الامساك عن الأكل والشرب، وقد يذكر الخطابات الآمرة بالطواف بالبيت او السعي بين الصفا والمروة او التشهد في الصلاة كمثال لهذا البحث، فانه بناء على مسلك الاعمي يمكن التمسك باطلاقها لنفي اعتبار شيء زائد فيها.
ولكن يمكن ان يقال بان الصحيحي ايضا لايدعي وضع اسماء اجزاء العبادات مثل التشهد على خصوص الصحيح، حيث أنها ليست من الماهيات الاختراعية، بل هي من الأمور التكوينية، فيمكن للصحيحي التمسك باطلاق الخطاب أيضا فتدبر.
2- ما قد يقال بانه بناء على مسلك الأعمي أيضا لايمكن التمسك باطلاق خطاب الأمر، حيث لايحتمل شموله للفاسد، وحينئذ فيكون العمل الفاقد لما يحتمل اعتباره شبهة مصداقية، فلايمكن التمسك باطلاق الخطاب.
وهذا الإيراد غريب في بابه، فانه بعد ان كان العنوان المتعلق لخطاب الأمر مطلقا اثباتا فيستكشف منه اطلاقه ثبوتا وهذا يعني كونه صحيحا وان كان فاقدا للجزء او الشرط المشكوك، فلو امر المولى بالصيام واحتملنا فساد الصيام المقرون بالارتماس في الماء، فحيث ان ظاهر الخطاب تصدي المولى لتطبيق تمام غرضه على طبيعي الصيام، فبذلك ينفى احتمال فساد هذا الصيام المقرون بالارتماس في الماء، فلو علم خارجا بفساد الصيام المقرون بالكذب على الله ورسوله مثلا، فيكتفى بتخصيصه، ويكون الشك في تخصيص الصوم المقرون بالارتماس في الماء من الشك في التخصيص الزائد، اذ لميدل دليل على كون العنوان المخصص هو عنوان الصوم الفاسد، اي الصوم الذي لايكون محققا لغرض المولى، حتى يكون الصوم المقرون بالارتماس في الماء شبهة مصداقية للمخصص، فالمقام نظير ما لو قال المولى “اكرم جيراني”، وعلم بانه لايرضى باكرام الناصبي، فلو شك في كون بعض جيرانه ناصبيا، فينفى باطلاق الخطاب هذا الاحتمال، حيث ان ظاهر الخطاب هو تصدي المولى لتطبيق تمام غرضه على المصاديق.
3- ماحكي عن بعض السادة الأعلام “دامظله” من انه بناء على مسلك الاعمي أيضا لايمكن التمسك بالاطلاق اللفظي لخطاب الأمر بالعبادات، حيث ان التخريج الصحيح هو وضع اسماء العبادات لماهية اعتبارية والشارع قد جعل مصاديقها المختلفة على نحو متمم الجعل التطبيقي، فلفظ العبادة استعمل في الماهية الاعتبارية، فتعلقت الارادة الاستعمالية بالخطاب بنفس هذه الماهية الاعتبارية، فلايمكن ان تتعلق هذه الإرادة الاستعمالية بمصاديق مختلفة لايتعين مصداقيتها لتلك الماهية الا بمتمم الجعل التطبيقي، فكيف يمكن نفي اعتبار شيء في مصداقها بعد ان لميكن هذا الخطاب متكفلا لجعل ذاك المصداق بعد افتراض عدم جامع بين تلك المصاديق.
ولكن يرد عليه –مضافا الى ما مر من عدم تمامية المبنى- أنه ان احتمل كفاية ما ينطبق عليه تلك الماهية الاعتبارية فلاموجب للمنع عن التمسك باطلاق خطاب الأمر، كما في مثل الصيام حيث يكون له معنى عرفي واضح، وهو الامساك عن الأكل والشرب فلايحتاج انعقاد الظهور في خطاب الأمر بالصيام بالأمر بمطلق الإمساك عن الأكل والشرب الى متمم جعل تطبيقي، فلاوجه للمنع عن التمسك باطلاق مثل قوله تعالى” كتب عليكم الصيام”.
3- فیما اذا أخذت العبادة موضوعا لحكم شرعي آخر غير الأمر بها
الثمرة الثالثة: ما اذا أخذت العبادة موضوعا لحكم شرعي آخر غير الأمر بها، مثل ماورد في الروايات من أنه لايصلي الرجل وبحذاءه امرأة تصلي([13])، فبناء على مسلك الصحيحي لو كان صلاة المرأة الواقفة بجنب الرجل فاسدة فلاتقدح في صلاة الرجل، كما أفتى به صاحب العروة، ولكن بناء على مسلك الاعمي لافرق بين ان تكون صلاتها صحيحة او فاسدة كما افتى به السيد الخوئي “قده” وبعض السادة الأعلام دام ظله، وكذا لو ورد في الخطاب استحباب زيارة الحاجّ والمعتمر او استحباب الصلاة في مسجد لايصلي فيه اهله او استحباب تفطير الصائم فبناء على مسلك الصحيحي تختص هذه الأحكام بما لو كان الحج او صلاة اهل المسجد او صوم الصائم صحيحا، ولكن بناء على مسلك الأعمي تشمل هذه الأحكام الفاسد من هذه الأعمال.
وهذه الثمرة وان كانت صحيحة، لكن توجد هنا ملاحظتان:
الأولى: ان الاشكال المحكي عن بعض السادة الأعلام “دامظله” في التمسك بالاطلاق اللفظي لخطاب الأمر بالعبادات –من انه بعد تعلق الإرادة الاستعمالية بنفس هذه الماهية الاعتبارية فلايمكن ان تتعلق هذه الإرادة الاستعمالية بمصاديق مختلفة لايتعين مصداقيتها لتلك الماهية الا بمتمم جعل تطبيقي- قد يتوجه في المقام ايضا، فانه بعد ان كان لفظ الصلاة مثلا موضوعا على ماهية اعتبارية، فيقال حينئذ كيف يمكن ان تتعلق الإرادة الاستعمالية بمصاديق مختلفة لتلك الماهية بعد ان كان تعين مصداقيتها بحاجة الى متمم الجعل، وهذا لايقاس بالانقسامات الثانوية التي يستحيل أخذها في متعلق الأمر على مسلك المشهور ولكن لامانع من اخذها فيما لو صار ذلك المتعلق موضوعا لحكم شرعي آخر، حيث ان الاشكال في المقام كان ناشئا من ان لفظ الصلاة مثلا حيث يكون موضوعا لماهية اعتبارية، فمع تعلق الإرادة الاستعمالية بها فلايمكن ان تتعلق الارادة الاستعمالية بمصاديقها التي لاتتعين مصداقيتها الا بمتمم الجعل، وهذا الإشكال مشترك الورود بينما لو كانت الماهية الاعتبارية متعلقة للأمر او موضوعا لحكم آخر، وعليه فلاوجه لما حكي عنه “دامظله” من الفرق بينهما وقبول الثمرة الثالثة دون الثمرة الثانية، فتأمل.
الثانية: انه على مسلك الأعمي أيضا قد يوجد قرينة عرفية على ارادة خصوص الصحيح، بنحو تعدد الدال والمدلول، كما ادعي ذلك بالنسبة الى حرمة الصلاة على الحائض حيث يقال بان حرمتها تختص بما لو كانت الصلاة واجدة لجميع الأجزاء والشرائط لولا مشكلة الحيض، وقد ذكر نظير ذلك في موارد أخر فأفتى جماعة من الفقهاء كالسيد الخوئي “قده”بانه لو تزوج زواجا فاسدا في حد ذاته بذات بعل او معتدة فلايوجب ذلك ثبوت الحرمة الأبدية بينهما، حتى لو صدق عليه الزواج عرفا، كما لو لميعين المهر او المدة في الزواج الموقت، حيث ان الظاهر من الخطابات الواردة في المقام ارادة خصوص الزواج الصحيح لولا كون المرأة ذات بعل او معتدة.
4- فیما لو نذر ان يعطي درهما لواحد ممن صلى، فأعطاه لمن صلى صلاة فاسدة
الثمرة الرابعة: ما لو نذر ان يعطي درهما لواحد ممن صلى، فأعطاه لمن صلى صلاة فاسدة فعلى مسلك الأعمي قد وفى بنذره، خلافا لمسلك الصحيحي، وكذا لو نذر ان يعطي درهما لكل من صلّى، فرأى من صلّى صلاة فاسدة فيجب ان يعطيه درهما بناء على مسلك الاعمي دون الصحيحي.
وقد أورد على ذلك بان النذور تابعة للقصود، فالمهم هو ملاحظة قصد الناذر، وفيه انه يمكن افتراض قصده لمسمى الصلاة أيّا ما كان فتترتب الثمرة حينئذ على البحث عن تعيين المسمى في المقام.
هذا، وقد اورد السيد الخوئي “قده” على ما حكي عنه على هذه الثمرة –وكذا الثمرة السابقة – بان الصحة التي وقع النزاع بين الصحيحي والأعمي في أخذها في المسمى غير الصحة الفعلية المعتبرة في مرحلة الامتثال، فيمكن ان يكون المأتي به صحيحا، من حيث وجدانه لتمام الأجزاء والشرائط ولكن يكون فاسدا من الجهات الأخر، وعليه فتحصل براءة الذمة للناذر باعطائه درهما لمن صلّى صلاة فاسدة ايضا([14]).
والظاهر ان مراده “قده” ان الصحة الفعلية تتوقف على امور لاتكون داخلة في المسمى على مسلك الصحيحي أيضا، كقصد القربة على ما تقدم بيانه سابقا، فلو أخلّ المصلي بقصد القربة صدق عليه مسمى الصلاة على مسلك الصحيحي أيضا، فيلزم من ذلك شمول النذر على اي تقدير للصلاة الفاسدة، ولكن يلاحظ عليه: أنه لو كان فساد الصلاة لأجل الإخلال بسائر الأجزاء والشرائط مما تكون داخلة في المسمى على مسلك الصحيحي كما لو أخل بالطهور فيكون مشمولا للنذر على مسلك الأعمي دون الصحيحي.
ولكن لايخفى ان مثل هذه الثمرة لاتوجب اندراج البحث عن الصحيح والاعم في المسائل الاصولية التي تمهد لاستنباط الاحكام الشرعية الكلية، لوضوح عدم كون هذه الثمرة حكما شرعيا كليا، وانما يتبع قصد الناذر، والا لأمكن اندراج أيّة مسألة في مسائل علم الأصول بواسطة النذر.
ثم ان منشأ صيرورة البحث عن الصحيح والاعم من المسائل الاصولية هو ترتب الثمرة الأولى والثانية، دون الثالثة والرابعة، أما الرابعة فقد اتضح وجهها واما الثالثة فلأنها لاتوجب كون البحث عن الصحيح والأعم من العناصر المشتركة في الاستنباط حيث انها تفيد في مقدار قليل من الأحكام الشرعية.
هذا وقد ذكر في البحوث ان البحث عن الصحيح والأعم حيث يكون بحثا عن ظهور الفاظ مفردة متشتتة كلفظ الصلاة والصوم ونحوهما، فلايكون البحث عنه بحثا عن العناصر المشتركة للاستنباط([15])؛ ولكن الظاهر انه بحث عن ما يمكن ان تكون قاعدة عامة سيالة تفيد في كثير من مجالات الاستنباط، فالظاهر ان البحث عن الصحيح والأعم يكون داخلا في مباحث علم الأصول.
ادلة القول بوضع اسماء العبادات للصحيح
يستدل على وضع اسماء العبادات للصحيح بعدة وجوه:
1- انتفاء الآثار المعنویه عن صلاة فاسدة
1- ما ورد من ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وانها قربان كل تقي، بتقريب انه حيث لايترتب هذا الأثر على المأتي به اذا كان فاسدا، فيدور امره بين ان لايكون صلاة فيكون انتفاء الاثر فيه من باب التخصص او يكون صلاة فيكون انتفاء الأثر فيه من باب التخصيص، وحينئذ فيجري اصالة عدم التخصيص لإثبات التخصص، كما لو ورد في الخطاب أنه يجب اكرام العلماء ثم علم بعدم وجوب اكرام زيد ودار أمره بين كونه جاهلا او عالما، فتجري اصالة العموم ويثبت بها كونه جاهلا فيترتب عليه أحكام الجاهل.
ولكن يرد عليه أولا: انه لادليل على انتفاء مثل هذه الآثار عن صلاة فاسدة واقعا اذا أتى بها المكلف عن عذر، كما لو نسي الركن في الصلاة و لميتذكّر الى ان خرج الوقت، فمن توضّأ بماء نجس استنادا الى قاعدة الطهارة فلم يعلم اختلاف صلاته عن الصلاة بماء طاهر بلحاظ ترتب أثر النهي عن الفحشاء والمنكر او التقرب الى الله سبحانه.
وثانيا: ان مبنى اصالة عدم التخصيص لإثبات التخصص غير تام في نفسه[s1] ، لعدم إحراز بناء العقلاء على مثله بعد العلم بانتفاء الحكم عن الموضوع وان شك في انه هل يكون بنحو التخصيص او التخصص.
2- عدم تحقق الصلاة مع الإخلال بالأجزاء والشرائط
2- ما ورد من مثل قوله “لاصلاة الا بفاتحة الكتاب” او قوله “لاصلاة لمن لميقم صلبه في الصلاة” فانه بضم إلغاء الخصوصية عنهما فيستفاد من ذلك عدم تحقق الصلاة مع الإخلال بالأجزاء والشرائط، ولايرد عليه عدم إخلال ترك القراءة او إقامة الصلب نسيانا في صحة الصلاة بمقتضى حديث لاتعاد، حيث انه لاينافي مسلك الصحيحي، فانه يكفي ظهور هذه الخطابات في انتفاء مسمى الصلاة عند الإخلال بهما عمدا، وأما عدم الصدق على فاقد الاركان فيمكن ان يستدل بمثل قوله “لاصلاة الا بطهور” وقوله” الصلاة ثلاث اثلاث ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود “وقوله ” لاصلاة بغير افتتاح”.
ويلاحظ على هذا الوجه ان مثل هذه التعابير ليست ظاهرة في النفي الحقيقي، بل يناسب ان يكون بيانا للشرطية والجزئية بلسان الحكومة والنفي الإدعائي، ولااقل من ان يكون ذلك مقتضى الجمع العرفي بين هذه الخطابات وبين ما سيأتي من استعمال الفاظ العبادات في الروايات في الأعم من الصحيح والفاسد.
3-ان بناء المخترعين ، وضع الاسم التامّ الواجد لجميع الأجزاء والشرائط
3- ما قد يقال من ان بناء المخترعين وضع الاسم للمخترع التامّ الواجد لجميع الأجزاء والشرائط، وظاهر حال الشارع انه لميتخلف عن بناء العقلاء بالنسبة الى مخترعاته، فيكون قد وضع اسم الصلاة على المركب التام الواجد لجميع الأجزاء والشرائط.
وفيه اولا: أنه لميثبت ذلك في حق المخترعين بشكل عام، فمن اخترع السيارة مثلا ثم وضع لها اسما خاصا فلم يظهر انه قد وضع الاسم بإزاء الصحيح منه.
وثانيا: ان مجرد بناء المخترعين على شيء من هذا القبيل لايشكِّل قرينة عرفية توجب ظهور استعمال الشارع للفظٍ في خطابه أنه اراد وضعه لخصوص الصحيح.
4- التبادر
4- التبادر، بتقريب أنه لو قال شخص اني قد صليت، فيفهم منه انه أتي بالصلاة الصحيحة.
وفيه ان التبادر ممنوع، نعم قد ينصرف اللفظ في بعض الموارد الى الصحيح بمناسبة الحكم والموضوع، كما في هذا المثال، حيث أن غرض المصلي لما كان إفراغ ذمته أوجب ظهور إخباره عن أداءه للصلاة في كونها صحيحة، ما لمتقم قرينة على الخلاف.
ادلة القول بوضع اسماء العبادات للأعم
قد استدل لوضع اسماء العبادات على الأعم من الصحيح والفاسد أيضا بعدة وجوه:
1-التبادر و عدم صحة السلب
1- تبادر الأعم من الصحيح والفاسد من اسماء العبادات وعدم صحة سلبها بما لها من المعنى المرتكز عن الفاسد، فمن صلى بغير طهور فلايصح سلب مسمى الصلاة عما أتى به، وكذا يصح تقسيم أسماء العبادات بما لها من المعنى المرتكز الى الصحيح والفاسد فيقال ان الصلاة اما صحيحة او فاسدة، وما قد يقال من الاستعمال اعم من الحقيقة فغير متجه، لان المقصود صحة التقسيم بما للفظ من المعنى المرتكز، الا ان المهم انه لايكون دليلا آخر وراء التبادر وعدم صحة السلب، بل يكون منبِّها عرفيا لذلك.
ولاينبغي الاشكال في هذا التبادر وعدم صحة السلب وصحة التقسيم، ولكن يناقش في هذا الوجه بانه لايكشف عن اكثر من كون أسماء العبادات حقيقة متشرعية في الأعم، ولايكشف عن كونها حقيقة شرعية في ذلك في خطابات الشارع، فلعلّه صارت تلك الالفاظ حقيقة متشرعية في ذلك، لكثرة استعمالهم لها في الأعم، ولايتم دعوى جريان اصالة عدم النقل لإثبات كونه حقيقة شرعية أيضا، -فانه مع غمض العين عما مر من عدم ثبوت اصل عقلائي من هذا القبيل، بل يلزم حصول الاطمئنان النوعي على الأقل بعدم حصول النقل- إن أصالة عدم النقل لاتجري مع تحقق الظن بحصول حالة النقل وتوتر الحالة العادية في اللفظ، كما في المقام.
2- استعمال الفاظ العبادات للأعم فی بعض موارد
2- الاستدلال بالخطابات المتفرقة التي استعمل فيها الفاظ العبادات للأعم مثل موارد الأمر باعادة الصلاة، وقوله (عليهالسلام) “افما يخاف من يصلي بغير وضوء ان يخسف به الارض خسفا”([16])، وقوله (عليهالسلام) في رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة: يمضي على صلاته ولايعيد([17])، وكذا قوله (عليهالسلام) لاتعاد الصلاة الا من خمس الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود([18])، حيث ان مقتضى الاستثناء لزوم اعادة الصلاة عند الإخلال بالخمسة، وهذا يعني تحقق عنوان الصلاة والا لميكن معنى لإعادتها.
وكذا استدل بقوله (عليهالسلام) بني الاسلام على خمس على الصلاة والصوم والزكاة والحج والولاية، فأخذ الناس بالأربع وتركوا هذه([19])، فان الإخبار باخذ العامة بالصلاة والصوم والزكاة والحج يدل على عدم اختصاصها بالصحيح، لكون عبادتهم فاسدة على مسلك المشهور.
وقد اورد في الكفاية على الاستدلال بهذه الرواية بانها مستعملة في الصحيح جزما لان الذي بني عليه الاسلام هو خصوص الصحيح من الصلاة ونحوها، وحينئذ فيكون الاخبار في الرواية باخذ العامة بالأربع مع بطلان عبادتهم إما من باب رعاية المماشاة مع اعتقادهم بصحة عباداتهم او بعلاقة المشاكلة([20])، وفيه: ان كون ما بني عليه الاسلام هو خصوص الصحيح لايعدو استعمال الفاظ العبادات في الرواية في معنى الصحيح، بل لعل ارادته بنحو تعدد الدال والمدلول، بان تكون الصلاة مثلا مستعملة في الأعم مع قيام قرينة عرفية على تقييدها بالصحيح.
وقد يقال بان الإيمان ليس شرطا لصحة العبادة وانما هو شرط لاستحقاق الثواب والقبول خلافا للمشهور، ولكن لايرتفع الاشكال على هذا المبنى ايضا لكون اعمالهم فاقدة لجملة من الأجزاء والشرائط كالطهارة من الحدث، وكيف كان فقد يقال بان هذه الاستعمالات لعلها من باب المسامحة والمجاز، والا فقد ورد في قبال ذلك مثل قوله لاصلاة الا بطهور، ولاصلاة الا بفاتحة الكتاب ولاصلاة لمن لميقم صلبه ولاصلاة بغير افتتاح، فالعمدة ان يضمّ اليه دعوى عدم ملاحظة أية عناية في هذه الاستعمالات فيرجع الى الوجه الاول او يكون منبِّها عليه، فيجري فيه الاشكال المذكور على الوجه الاول.
3- عدم ظهور اتباع الشارع طريقة المخترعين
3- ما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” ومحصله ان طريقة المخترعين هو وضع اللفظ بما يكون واجدا لتمام أجزاء ما اخترعوه كالمعجون الذي يخترعه الطبيب فانه يضع الإسم لواجد تمام الأجزاء من دون أخذ شرائط صدورها عن الفاعل في المسمى، ككون استعمال هذا المعجون الطبي في زمان معين او حالة معينة، وظاهر الشارع انه اتبع هذه الطريقة العقلائية ووضع الفاظ العبادات على تام الأجزاء وان كان فاقدا للشرط، والظاهر من كلامه انه يعني من الشرط الذي هو خارج عن المسمى ما يكون شرط التاثير في مقام الاستعمال دون الشرائط الداخلية لنفس المعجون، وعليه فالصلاة جالسا تكون صلاة وان صدرت من المختار، نعم مثل الموالاة اوالطهارة من الحدث داخلان في المسمى لاعتبارهما في جميع الحالات([21]).
ويلاحظ عليه انه لو سلم كون هذه طريقة عقلائية للمخترعين فلم يظهر من الشارع اتباعه لهذه الطريقة.
4-فی حدیث: “دعي الصلاة أيام أقراءك“ و لو أريد به الصحيح لزم تعلق النهي بغير المقدور
4- ما قد يستدل بصحيحة يونس ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال لامرأة دعي الصلاة أيام أقراءك([22])، حيث يقال بانه لو أريد به الصحيح لزم تعلق النهي بغير المقدور، وهو غير معقول، وحكي عن صاحب هداية المسترشدين انه لامانع من تعلق النهي بغير المقدور بداعي الإرشاد الى عدم قدرتها عليه.
واجاب عنه المحقق الاصفهاني “قده” بان الاخبار عن عجز الحائض عن الصلاة المشروطة بعدم الحيض لغو ظاهر([23])، وفيه ان اعتبار عدم الحيض مستفاد من مثل هذا الحديث فلالغوية في الإخبار بعدم قدرة الحائض على الصلاة المشروطة بالطهارة.
ثم ان المحقق الاصفهاني “قده” تصدى لحل الإشكال بدعوى ان الصحيحي يدعي استعمال اللفظ في الصحيح من غير جهة القيد المستفاد من نفس الخطاب، فالصلاة في خطاب الأمر بالصلاة مع الوضوء لمتستعمل فيما يشمل الوضوء وكذا قوله “دعي الصلاة ايام اقرائك” لمتستعمل الصلاة فيه فيما يشمل اعتبار عدم الحيض([24]).
واورد عليه في البحوث بانه ينافي غرض الصحيحي حيث انه يمنع الصحيحي من التمسك بخطاب الأمر مطلقا حتى اذا لميكن احتمال جعل القيد الا بنفس هذا الخطاب([25]).
والظاهر عدم تمامية هذا الإيراد، حيث أنه انه ان كان الأمر بالصلاة بلاقيد آخر في الخطاب فلايمنع المحقق الاصفهاني “قده” استعماله في الصحيح المطلق، وان كان الأمر بالصلاة مع القيد، كأن أمر بالصلاة مع الطهور فلامعنى للتمسك باطلاقه من حيث قيد الطهور.
وكيف كان فقد ذكر صاحب الكفاية “قده” ان القول باستعمال لفظ الصلاة في هذه الصحيحة في الأعم يستلزم الحرمة الذاتية لصلاة الحائض ولو كان فاسدة لأجل خلل آخر([26]).
ويلاحظ عليه انه بناء على الحرمة الذاتية لصلاة الحائض فالحرمة وان كانت مختصة بالصحيحة من سائر الجهات عدا كونها صادرة عن الحائض، لكنه لايعني استعمال لفظ الصلاة في هذا المعنى، بل لعله استعمل في المعنى الأعم، وتكون ارادة خصوص الصحيح من باب تعدد الدال والمدلول، ويكون الدال على ارادة خصوص الصحيح من سائر الجهات هو القرينة العرفية.
وخلاصة المقال في الصحيحة ان ظاهر النهي فيها وان كان هو الإرشاد، لكنه لايعني كونه ارشادا الى عدم القدرة حسب ما افاده صاحب هداية المسترشدين، فانه لميعهد مثله في سائر الخطابات، بل المراد هو كونه ارشادا الى مانعية الحيض في الصلاة وعدم تعلق الأمر بالصلاة في حق الحائض، فلايظهر منه الحرمة الذاتية، وان كان قد يظهر من سائر الخطابات كقوله (عليهالسلام) “فلتتق الله ولتمسك عن الصلاة”([27])، الحرمة الذاتية لصلاة الحائض، بمعنى ان الحائض لو أتت بالصلاة الصحيحة من سائر الجهات مع قصد القربة فقد ارتكبت محرما ذاتيا، حتى لو اتت بها بنية الرجاء والاحتياط، كما اختاره جماعة، وتفصيل الكلام فيه موكول الى محله.
وكيف كان، فالعمدة في الجواب عن الاستدلال بهذه الصحيحة للأعم هو ان الاستعمال اعم من الحقيقة.
5-فرض يكون انعقاد النذر مستلزما لعدم انعقاده
5- انه لاشبهة في صحة تعلق النذر بترك الصلاة في مكان يكره فيه الصلاة وحصول الحنث بفعلها كالصلاة في الحمّام مثلا، فلو كانت الصلاة بمعنى الصحيح فيكون المنذور ترك الصلاة الصحيحة في الحمام ويلزم منه عدم امكان حنث هذا النذر، لانه يلزم من انطباق الحنث على الصلاة في الحمام بطلانها، وبالتالي فلايتحقق حنث النذر، وهو خلاف الوجدان، بل يلزم منه المحال، لأن انعقاد هذا النذر يستلزم العجز عن متعلقه، بمعنى عدم التمكن من مخالفته، وحيث يشترط في انعقاد النذر أي وجوب الوفاء به قدرة المكلف على اتيان متعلقه وتركه، فيكون انعقاد النذر مستلزما لعدم انعقاده، وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال.
ويلاحظ عليه اولا: ان غاية ما يلزم منه عدم صحة تعلق النذر بترك الصلاة الصحيحة في الحمام مثلا، لاعدم وضع لفظ الصلاة على الصحيح.
وثانيا: انه يمكن ان يكون ما ذكر قرينة على كون المنذور هو ترك الصلاة الصحيحة لولا النذر.
وثالثا: ان هذا النذر باطل لكون الصلاة في الحمام راجحة في نفسها وان كان ثوابها اقل من سائر افراد الصلاة، فلاينعقد هذا النذر، نعم لو نذر ان يأتي بصلاته في غير الحمام فينعقد نذره، ولكنه لايوجب بطلان الصلاة في الحمام فانه نظير ان ينذر الإتيان بصلاته جماعة، فيأتى بها منفردا، فان وجوب الوفاء بالنذر لايقتضي النهي عن ضده الخاص، وهو الصلاة في الحمام او الصلاة منفردا.
المختار في الصحيح والأعم
تحقيق الكلام فيه انه بناء على ان اسماء العبادات كانت حقائق لغوية قبل الاسلام في معانيها الشرعية لثبوتها في الأمم السابقة والعرب قبل الاسلام أيضا، كما هو مختار صاحب الكفاية “قده” وقد قويناه سابقا في مثل الصلاة والزكاة والحج، فلايبقى مجال لدعوى وضعها لخصوص الصحيح، اذ لايحتمل وضعها بإزاء مفهوم الصحيح، فلابد ان توضع بإزاء واقع الصحيح، ولكنه لايكون متحدا بين الأمم السابقة وبين الإسلام، حتى يوضع بإزاءه لفظ العبادة، فان ما هو صحيح عند الأمم السابقة غير صحيح عندنا، وما هو صحيح عندنا غير صحيح عندهم فيتعين وضعها للأعم، وحيث لايحتمل الفرق بين مثل لفظ الصلاة والزكاة والحج وسائر الفاظ العبادات فيلتزم بوضع الجميع للأعم.
وأما بناء على صيرورتها بعد الاسلام حقائق شرعية في تلك المعاني الشرعية، فوضعها إما يكون بنحو الوضع التعييني الاستعمالي من قبل الشارع او بوضعه التعيني الناشيء من كثرة استعماله لها في الصحيح، أما الوضع التعييني الاستعمالي في الصحيح فغير محتمل في الصحيح فلان استعمال الشارع لتلك الالفاظ كان سابقا على تبيينه من الأجزاء والشرائط، وحينئذ فلايبقى احتمال الوضع التعييني الاستعمالي من قبل الشارع لتلك الالفاظ في خصوص الصحيح، لانه ان اراد وضعه لمفهوم الصحيح فهو غير محتمل اثباتا، وان اراد وضعه للأجزاء والشرائط غير المعلومة لدى السامعين فهو خلاف الغرض التفهيمي من الوضع، واما وضعه لخصوص الأجزاء والشرائط المبينة حين الاستعمال فيستلزم ذلك تبدل وضع تلك الالفاظ بعد تبيين سائر الأجزاء والشرائط.
واما الوضع التعيني على خصوص الصحيح فهو وان كان محتملا لكن لايبعد حصول الاطمئنان بأنها قد وضعت بإزاء الأعم، وذلك لعدة قرائن:
1- كثرة استعمال تلك الالفاظ في الخطابات الشرعية في الأعم، وأما الخطاب الذي أريد منه الصحيح فلاينحصر الأمر في استعمالها في الصحيح بل يجتمع مع كون ارادته من باب تعدد الدال والمدلول بان يستعمل اللفظ في الأعم ويكون تقييده بالصحيح بقرينة متصلة حالية او لفظية.
2- ان المتبادر في اذهان المتشرعة فعلا هو الأعم، فلاريب في كون أسماء العبادات حقيقة متشرعية في الأعم، ونحن وان كنا نحتمل نشوء ذلك من كثرة استعمال المتشرعة انفسهم لها في الأعم من دون استناد ذلك الى الشارع، لكن الانصاف ضعف هذا الاحتمال وكشف التبادر لدى المتشرعة كشفا اطمئنانيا عن كونها حقيقة شرعية في خطابات الشارع في الأعم.
3- ان الجامع الصحيحي الذي يحتمل وضع اسماء العبادات بإزاءه كان هو الجامع المركب الأوي، وكثرة انواع الصلوات من الفرائض والنوافل والمختلفة باختلاف احوال المكلفين واختلاف اجزاءها وشرائطها الاختيارية والاضطرارية بدرجة يستبعد عرفا وضع لفظ الصلاة مثلا بإزاء ذلك الجامع، وهذا بخلاف الجامع الأعمي فان من الواضح انه ليس بتلك الدرجة، لعدم ملاحظة كثير من الخصوصيات فيه، فالانصاف انه لايبعد حصول الاطمئنان بوضع تلك الالفاظ للمعنى الأعم.
[1] – الظاهر انه “قده” يريد الاحتزاز بقوله “داخلة في عهدة المكلف” عما اذا كانت تلك الجهة العرضية مما لايتبين للعرف الا ببيان الشارع، كالأمر بايجادمايكون ناهيا عن الفحشاء والمنكر، حيث انه لايعرف الناهي عن الفحشاء والمنكر الا من قبل الشارع، فقد استظهر “قده” في مثل ذلك كون الحكم الشرعي متعلقا بسببه ومنشأ انتزاعه، كما يأتي توضيحه في المتن.
[s1]المقرر: لما كان المخصص متصلا فلامجال لهذه القاعدة هنا