فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

تنبيهات الاستصحاب.. 1

التنبيه الاول: الاستصحاب الاستقبالي.. 1

وجوه يستدل به على جريان الاستصحاب الاستقبالي لاثبات جواز البدار الى الفرد الاضطراري: 4

الوجه الاول: 4

الوجه الثاني: 6

الوجه الثالث: 6

التنبيه الثاني: جريان الاستصحاب في الشك التقديري.. 9

المقام الاول: جريان الاستصحاب وعدمه في فرض الشك التقديري.. 9

قول المشهور: عدم جريانه. 9

وجوه یستدل به على اعتبار فعلية الشك وعدم كفاية الشك التقديري.. 10

الوجه الاول: الشك هو الشك الفعلي، فلا يشمل الغافل.. 10

الوجه الثاني: ما ذكره صاحب الكفاية “ره”.. 11

بیان المختار: عدم جريان الاستصحاب مع الشك التقديري.. 16

بیان فروع. 16

 

موضوع: تنبیهات /استصحاب /اصول

خلاصه مباحث گذشته:

متن خلاصه …

 

 

تنبيهات الاستصحاب

التنبيه الاول: الاستصحاب الاستقبالي

التنبيه الاول: في جريان الاستصحاب الاستقبالي، فقد ذكر السيد الخوئي “قده” أنه لا فرق في جريان الاستصحاب بين أن يكون المتيقن سابقاً و المشكوك فيه فعلياً، كما إذا علمنا بعدالة زيد سابقاً و شككنا في بقائها فعلا، أو يكون المتيقن فعلياً و المشكوك فيه استقبالياً، كما إذا علمنا بعدالة زيد الآن، و شككنا في بقاءها إلى اليوم الآتي مثلا، و يسمى بالاستصحاب الاستقبالي، و مورد بعض أدلة الاستصحاب و إن كان هو القسم الأول بالخصوص، كما في قوله “لأنك كنت على يقين من طهارتك”، إلا أن عموم التعليل في بعضها يقتضي عدم الفرق بين القسمين، إذ قوله (عليه السلام) “ولا ينقض اليقين بالشك ابدا” يدل على أن ملاك الاستصحاب هو عدم جواز نقض اليقين بالشك، بلا فرق بين كون‏ المتيقن سابقاً و المشكوك فيه فعلياً، و كون المتيقن فعلياً و المشكوك فيه استقبالياً([1]).

اقول: الظاهر جريان الاستصحاب الاستقبالي، وان حکی عن صاحب الجواهر ‌أنه ذهب الى عدم جريانه، وما قد يقال من عدم الاطلاق في دليل الاستصحاب لما اذا كان المشكوك بقاء الشيء في المستقبل([2]) ففيه أنه لاوجه للمنع عن اطلاق مثل قوله (عليه‌السلام) في الصحيحة الاولى لزرارة “ولا ينقض اليقين بالشك ابدا” وفي صحيحته الثانية “وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا” فانه يشمل ما لو كان المتيقن فعليا والمشكوك استقباليا، ولكن ترتب أثر عملي فعلا على بقاء المشكوك في المستقبل.

نعم من يرى تقوم صدق نقض اليقين بالشك بالغاء حيثية الحدوث والبقاء عن متعلقهما، فيسري اختلاف زمان متعلقهما الى زمانهما فيقال في الاستصحاب الفعلي انه كان على يقين من كذا والآن يشك فيه، ولا يصح التعبير في الاستصحاب الاستقبالي، بأنه على يقين فعلا بحياته مثلا وسوف يشك في بقاء حياته، بل يتعين لحاظ البقاء في متعلق الشك فيقال ويشك في بقاء حياته في المستقبل، فلو فرض ان هذا اللحاظ يمنع من صدق النقض كما سبق دعواه من جماعة من الاعلام كصاحب الكفاية([3]) والسيد الخوئي([4]) والسيد الصدر([5]) “قدهم” اشكل التمسك باطلاق دليل الاستصحاب، لكن مر أن لحاظ حيث البقاء في متعلق الشك لا يمنع عن صدق نقض اليقين بالشك، وقد استظهرنا من قوله في الصحيحة الاولى لزرارة “فانه على يقين من وضوءه” كون مفاده اليقين الفعلي بحدوث وضوءه.

وعليه فلو شكّت امرأة في انه سيطرأ عليها الحيض في اثناء نهار شهر رمضان فمقتضى استصحاب بقاء طهرها وجوب الصوم عليها فعلا، وكذا لو جاز او وجب فعل على مكلف بشرط عدم تحقق أمر في المستقبل فلو فرض شكه في تحققه فمقتضى استصحابه الاستقبالي جواز ذاك الفعل او وجوبه عليه من الآن.

ثم انه قد ذكرت ثمرة لجريان الاستصحاب الاستقبالي، وهو جواز البدار الى الاتيان بالبدل الاضطراري لمن كان معذورا في اول الوقت، واحتمل بقاء عذره الى آخر الوقت، فان لم يظهر الخلاف إلى آخر الوقت، فليس عليه شي‏ء، و إن انكشف الخلاف و زال عذره قبل خروج الوقت، فالاجتزاء بالبدل و عدمه مبني على القول بالاجزاء في الأمر الظاهري، فان قلنا به فلا تجب عليه الإعادة، و إن قلنا بعدمه كما هو التحقيق فتجب عليه الإعادة، نعم لا تجب الاعادة في موارد جريان لا تعاد، كما ذكر السيد الخوئي “فده” في الفقه([6]).

نعم ورد النص في فاقد الماء اول الوقت أنه يجب عليه الانتظار، فان لم يجد الماء الى آخر الوقت يتيمم.

الا أن هذه الثمرة مبنية على كون موضوع الأمر الاضطراري هو العجز المستمر الى آخر الوقت عن الفعل الاختياري، لكن الظاهر او المحتمل كون موضوعه هو العجز عن صرف وجود الفعل الاختياري، ولايتحقق ذلك الا بالعجز عن جميع افراده، فمجرد العجز عن الاتيان بالصلاة الاختيارية في اول الوقت لايكفي في العجز عن صرف وجود الصلاة الاختيارية في الوقت، فانه لو فرض كونه قادرا على الصلاة الاختيارية في آخر الوقت صدق عليه من الاول انه قادر على اتيان الصلاة الاختيارية كصلاة الفجر قائما قبل طلوع الشمس مثلا، ويظهر هذا الاشكال من المحقق العراقي قده في كتابه في فروع العلم الاجمالي([7])، وان التزم في الاصول بجريان الاستصحاب الاستقبالي في مثله([8]).

وجوه يستدل به على جريان الاستصحاب الاستقبالي لاثبات جواز البدار الى الفرد الاضطراري:

وحاصل ما يستدل به على جريان الاستصحاب الاستقبالي لاثبات جواز البدار الى الفرد الاضطراري ثلاثة وجوه:

الوجه الاول:

استظهار كون الموضوع للبدل الاضطراري هو العجز المستمر الى آخر الوقت عن الطبيعة الاختيارية، بأن يكون الزمان قيدا للعجز لا للمتعلق، وذلك من عدة من الروايات:

منها: صحيحة أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل الذين يذكرون اللٰه قياما و قعودا و على جنوبهم قال الصحيح يصلي قائما و قعودا المريض يصلي جالسا، و على جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض، الذي يصلي جالسا([9]).

ونحوها موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا، كيف قدر صلى إما أن‌ يوجه فيومئ إيماء، و قال يوجه كما يوجه الرجل في لحده، و ينام على جانبه الأيمن ثم يومئ بالصلاة، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن، فكيف ما قدر فإنه له جائز، و ليستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماء([10]).

فان اطلاق المريض فيهما وان كان حسب مدلوله اللغوي شاملا للمريض اول الوقت، لكن بمناسبة كونه موضوعا للامر الاضطراري يكون ظاهرا في العاجز والمعذور عذرا مستمرا الى آخر الوقت.

ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة، فأصاب ثوبا‌ نصفه دم أو كله دم يصلي فيه أو يصلي عريانا، قال إن وجد ماء غسله و إن لم يجد ماء صلى فيه و لم يصل عريانا([11]).

فان الظاهر من قوله “ان لم يجد ماء صلى فيه” بمناسبة الحكم والموضوع كما اتضح آنفا هو عدم الوجدان المستمر الى آخر الوقت، وبذلك يمكن استصحابه الاستقبالي.

ويرد على هذا الوجه أن عنوان المريض او من لا يجد الماء بعد ما كان منصرفا عن القادر على الاتيان بالواجب الاختياري ولو في آخر الوقت، فلا معيِّن لكون الزمان قيدا للعجز، فلعله قيد للمتعلق، ان لم نستظهر ذلك، فكما ان سائر قيود الواجب ماخوذ في متعلق العجز فكذلك قيد الوقت.

الوجه الثاني:

التمسك بجلاء الواسطة بتقريب أن استصحاب العجز عن الطبيعة الاختيارية كالصلاة في الثوب الطاهر الى آخر الوقت حيث يجري، لترتيب اثره العقلائي والعرفي وهو المعذورية في ترك الواجب الاختياري حيث ان موضوعها عندهم قيام الحجة على العجز المستمر عنه الى آخر الوقت، فالعرف لا يتعقل التفكيك في التعبد الظاهري بينه وبين أثر العجز عن الطبيعة في الوقت بنحو يكون الوقت قيدا للمتعلق دون العجز، ويسمى ذلك بجلاء الواسطة.

وفيه -مع غمض العين عن عدم وضوح الملازمة العرفية بينهما في مرتبة التعبد الظاهري- أن كون قيام الحجة على استمرار العجز الى آخر الوقت كافيا في المعذورية العقلائية في ترك الواجب اول الكلام، بل لعل اللازم تحصيل الحجة على العجز عن صرف وجود الطبيعة الواجبة في الوقت، وبعد أن لم يكن عنوان العجز في تمام الوقت عن صلاة الفجر قائما موضوعا للأثر، فلا موضوع لجريان الاستصحاب فيه حيث لا ينطبق عليه النهي عن النقض العملي لليقين بالشك، ومعه فلا يتحقق الموضوع لدعوى عدم تعقل العرف للتفكيك بين التعبد الظاهري به والتعبد الظاهري بالعجز عن طبيعة صلاة الفجر قائما بين الطلوعين.

الوجه الثالث:

التمسك بخفاء الواسطة، بدعوى أن العرف المسامحي يرى اثر العجز الصلاة قائما بين الطلوعين اثرا للعجز المستمر الى طلوع الشمس عن الصلاة قائما.

وفيه ما سيأتي في محله من أن خفاء الواسطة لا عبرة به.

والحاصل أن الظاهر من مثل قوله (عليه‌السلام) “اذا قوي فليقم” أن صلاة الفجر قائما ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس انما تجب على القادر عليها، ولاريب في أنه يصدق عرفا ولو من الليل أن صلاة الفجر قائما بين الطلوعين مقدورة للمكلف اذا فرض تمكنه من الصلاة قائما ولو قبل طلوع الشمس بدقائق، وعليه فلايجري استصحاب بقاء العجز المعلوم في اول الوقت.

وما يقال من أنه حين تحقق الاضطرار كما يصدق الاضطرار الى ترك الطبيعة بالنسبة الى فردها في ذاك الزمان كذلك يصدق الاضطرار ايضا بالنسبة الى بقية افرادها في الازمنة المتأخرة، لوضوح عجزه فعلا من الاتيان بتلك الافراد، فيصدق حينئذ كونه مضطرا فعلا الى ترك الطبيعة بقول مطلق، وحيث نشك في بقاء الاضطرار الى آخر الوقت فنستصحب ذلك([12]).

ففيه انه كما ذكرنا إن أخذ الزمانُ قيدا للطبيعة فلايصدق كونه عاجزا عنها، حتى قبل تحقق ذلك الزمان.

نعم لو بنينا على جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية فيمكن إجراء استصحاب عدم القدرة بنحو السالبة بانتفاء الموضوع بأن يقال ان هذا المكلف قبل وجوده لم‌يكن قادرا على هذا الفعل، ولكن جريان الاستصحاب في العدم الأزلي محل اشكال.

ثم انه حكي عن السيد الخوئي “قده” أنه ذكر في بحث وجوب الاستنابة على الحيّ العاجز عن مباشرة الحج أنه لو شك في بقاء عجزه عن مباشرة الحج الى آخر حياته فلايمكنه استصحاب بقاء العجز على نحو الاستصحاب الاستقبالي كي يثبت بذلك وجوب الاستنابة عليه، حيث انه لم‌يؤخذ في موضوع وجوب الاستنابة عدم الطاقة والقدرة على مباشرة الحج وانما أخذ في موضوعه الحيلولة بينه وبين طبيعي الحج لمرض ونحوه، كما هو المستفاد من صحيحة الحلبي، ولايمكن اثبات عنوان الحيلولة باستصحاب بقاء المرض الى آخر حياته، الا على نحو الاصل المثبت، لأن عنوان الحيلولة عنوان وجودي لايمكن اثباته باستصحاب بقاء المرض ونحوه، ولا اصل في المقام يحرز به الحيلولة([13]).

و فيه أننا لم ‌نفهم وجه الفرق بين كون موضوع وجوب الاستنابة هو العجز عن الحجّ او الحيلولة بينه وبين الحجّ، فانه كما كان يصح ان يقال ان هذا المكلف عاجز فعلا عن الحج فيستصحب بقاء عجزه عنه الى آخر حياته فكذلك يصح ان يقال انه حال المرض بينه وبين الحج فعلا فيستصحب بقاء هذه الحيلولة الى آخر حياته.

وما قد يقال من ان الحائل حيث يكون بمعنى المانع ولا يستند عدم الشيء الى وجود مانعه الا في فرض تحقق المقتضي له فلا يقال لم‌تحترق الخشبة لرطوبتها الا في فرض وجود النار، فعليه لايصدق ان المرض مثلا مانع، وحائل عن الحج الا عند حلول موسم الحج، فاذا انقضى الموسم لم‌يصدق على المرض المستمر انه حائل عن الحجّ، نعم لو استمر هذا المرض الى موسم الحج في السنة القادمة فيتصف مرة ثانية بكونه مانعا وحائلا عنه، فلامجال لاستصحاب الحيلولة في فرض الشك) فيرد عليه أنه لوكان المرض مستمرا الى آخر الحياة مثلا فيصدق دائما أن المرض حائل بين المكلف وبين الحج، كما يقال ان مرض زيد منذ صغره يحول بينه وبين جلوسه تحت المكيِّف، فانه يكفي في صدق هذا الكلام منع مرضه عن جلوسه تحت المكيِّف في وقت الحاجة الى استخدامه وهو فصل الشتاء.

وعليه فلاوجه للتفصيل في جريان الاستصحاب الاستقبالي بين كون الموضوع للأمر الاضطراري هو العجز عن الفعل الاختياري او الحيلولة بين المكلف وبينه.

التنبيه الثاني: جريان الاستصحاب في الشك التقديري

التنبيه الثانی: وقع الكلام في أنه هل يعتبر في الاستصحاب فعلية اليقين السابق والشك اللاحق، أم يكفي اليقين والشك التقديريان، والمراد بهما فرض الغفلة فعلاً، وان كان لو التفت لحصل له اليقين او الشك، فذهب المشهور كالشيخ الاعظم وصاحب الكفاية “قدهما” الى اعتبار اليقين والشك الفعليين، والظاهر من كلامهم كون عقد البحث في ذلك لأجل الاحتراز عن جريان الاستصحاب في موارد الشك التقديري، لكن لا بأس ب‍أن يضم اليه البحث عن جريان الاستصحاب في موارد اليقين التقديري، فالكلام يقع في مقامين:

المقام الاول: جريان الاستصحاب وعدمه في فرض الشك التقديري

المقام الاول: في جريان الاستصحاب وعدمه في فرض الشك التقديري،

قول المشهور: عدم جريانه

فالمشهور عدم جريانه ولكن التزم جماعة كالسيد الداماد والسيد الصدر “قدهما” بجريانه، وذكر الشيخ الاعظم “قده” وفاقا للمشهور أن المعتبر هو الشك‏ الفعلي‏ الموجود حال الالتفات إليه، أما لو لم يلتفت فلا يجري الاستصحاب، و إن‏ فرض الشك فيه على فرض الالتفات.

وقد ذكر في ثمرة ذلك أن من تيقن بالحدث ثم غفل عن حاله، و صلّى، ثم التفت و شك في كونه محدثا حال الصلاة أو متطهرا جرى في حقه قاعدة الشك بعد الفراغ لحدوث الشك بعد العمل، و عدم وجوده قبله حتى يوجب الأمر بالطهارة و النهي عن الدخول في الصلاة بدونها، وأما الشك بعد الصلاة في بقاء الحدث الى حال الصلاة فهو وان كان موجبا لجريان استصحاب الحدث ويقتضي إعادة الصلاة، لكن قاعدة الفراغ حاكمة عليه.

بينما أنه لو كان متيقنا بالحدث ثم حصل له الشك في بقاء الحدث وجرى استصحاب الحدث، ثم غفل عن ذلك و صلى بطلت صلاته لسبق الأمر بالطهارة و لا يجري في حقه حكم الشك في الصحة بعد الفراغ عن العمل لأن مجراه الشك الحادث بعد الفراغ لا الموجود من قبل([14]).

وقبل أن نتكلم حول هذا الفرع واشباهه ينبغي أن نتعرض لما استدل به على اعتبار فعلية الشك وعدم كفاية الشك التقديري، فقد استدل له بوجهين:

وجوه یستدل به على اعتبار فعلية الشك وعدم كفاية الشك التقديري

الوجه الاول: الشك هو الشك الفعلي، فلا يشمل الغافل

ما ورد في كلمات كثير من الاعلام من أن الظاهر من الشك هو الشك الفعلي، فلا يشمل الغافل، ولو فرض أنه يشك لو التفت، كما هو كذلك بالنسبة الى سائر العناوين، فالعالم لا يشمل من ليس عالما بالفعل، وان كان لو درس لصار عالما، وهكذا، وهذا ما ذكره صاحب الكفاية والسيد الخوئي “قدهما” وغیرهما.

الوجه الثاني: ما ذكره صاحب الكفاية “ره”

ما ذكره صاحب الكفاية “ره” في حاشية الرسائل من أنه حيث يكون الغرض من الاستصحاب تنجيز الحكم الواقعي مع مطابقته له والتعذير عنه مع مخالفته له، كما هو الحال في الطّرق و الأمارات، فلا يكاد أن يكون له بعد مرتبة إنشائه و الخطاب به إلاّ مرتبة واحدة يعتبر في البلوغ إليها ما يعتبر في بلوغ الحكم إلى المرتبة الرّابعة فلا يترتّب عليها بدونه‏ ما هو المرغوب منها من تنجّز الواقع و العقاب على مخالفته في صورة إصابتها و العذر عن مخالفته على تقدير عدم الإصابة مع موافقتها، و كذا لو قلنا باستحقاق العقوبة في صورة مخالفتها تجرياً كما حقّقناه، أو مخالفة و عصياناً كما في البحث قد احتملناه، ضرورة انّ هذه الآثار لا يكاد أن يترتّب عليها إلاّ بعد الاطّلاع عليها بأطرافها تفصيلاً أو إجمالاً، و لا يكاد أن يوجد أثر آخر يترتّب عليه بدونه و لم يكن مترتّباً على إنشائه و مجرّد الخطاب به واقعاً([15]).

وقد ذكر المحقق النائيني والمحقق الاصفهاني “قدهما” نظير ذلك([16]).

مناقشات

الا أنه نوقش في كلا الوجهين:

أما الوجه الاول فقد نوقش فيه بعدة مناقشات:

المناقشة الاولى:

ما حكي عن السيد الداماد “قده” من صدق عنوان الشك على الشك التقديري، بمجرد أنه اذا التفت لشك، و ينكشف ذلك بالتامل فى نظائره، فانه لا اشكال فى جواز التصرف في مال من يعلم برضاه التقديري، اي ما لو التفت رضى، ولو كان غافلا فعلا، ويقال عرفا انه راضٍ بذلك، ولأجل ذلك لامانع من شمول الاستصحاب للشك التقديري([17]).

وقد ادعى بعض السادة الاعلام “دام ظله” عدم تقوم اليقين والشك بالالتفات اليهما، وانما لم يلتزم بجريان الاستصحاب في الشك التقديري للوجه الثاني، بتقريب أنه انما يكون للحكم الظاهري فاعلية في حال عدم الالتفات، ويكون هذا مقيِّدا لبيا لدليله بفرض الالتفات.

اقول: الانصاف عدم صدق الشك عرفا على الشك التقديري، مع عدم سبق الشك الفعلي على الغفلة، وقياس الشك بالرضا غير صحيح لوجود طيب النفس في صقع نفس المالك عرفا، كما أنه في النية في العبادات تكفي النية الارتكازية لصدق قصد القربة والعنوان بمجرد ما لو سأل لأجاب، ولكن صدق الشك على الشك التقديري ممنوع.

المناقشة الثانية:

ما يقال من أن الظاهر من صحيحة زرارة الاولى “ولا ينقض اليقين بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر” أن ناقض اليقين بالحدوث منحصر باليقين بالارتفاع، ولا خصوصية للشك([18]).

وأضاف في البحوث أنه لم يرد عنوان الشك في صحيحة ابن سنان “اعير الذمي ثوبي و أنا اعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده علي فأغسله قبل أن أصلي فيه فقال (عليه السلام) صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه([19])، وهكذا قوله “كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر” و “كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام” بناء على تمامية دلالتهما على الاستصحاب.

اقول: أما صحيحة زرارة الاولى فالظاهر عدم تمامية اطلاقها للغافل، فانه بعد ما سأل زرارة عن فرض الظن بالنوم بعد اليقين بالوضوء، فأجابه الامام (عليه السلام) بأنه لا يجب عليه الوضوء، حتى يستيقن أنه نام، ولا ينقض يقينه بالشك وانما ينقضه باليقين، فلا يبقى ظهور في الرواية لبيان فرض الغفلة، فلعل المقسم للنهي عن النقض او الامر به هو الملتفت كما هو المفروض في السؤال، فان كان شاكا في ارتفاع المتيقن السابق فنهي عن نقض يقينه وان كان متيقنا بارتفاعه فقد امر بنقضه، وأما الغافل فلا امر ولا نهي عن النقض في حقه.

وأما صحيحة ابن سنان فالمفروض في سؤال السائل فيها هو شكه الفعلي في بقاء طهارة الثوب الذي أعاره من الذمي، والامام (عليه السلام) خاطبه في الجواب بقوله “انك أعرته اياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه” فلعل الامام لم يأخذ الشك في الجواب لكونه مفروضا في ظاهر سؤال السائل، وكان الجواب خطابا له، بل لو كان الجواب بمثل قوله “اذا كان الثوب طاهرا فاعاره شخص من ذمي فلا يغسله من أجل ذلك لأنه اعاره اياه وهو طاهر ولم يستيقن أنه نجسه” فلا يبعد أن يقال بأن المفروض فيه عرفا حيث كان هو شك المعير في تنجيس المستعير للثوب، دون علمه به او بعدمه ونهاه الامام عن غسله ما لم يعلم أنه نجسه، فلا اطلاق له لفرض الغفلة.

هذا مع غمض العين عما مر منا من عدم تمامية دلالتها على الاستصحاب، كما لم يتم دلالة حديث الطهارة والحل على الاستصحاب.

المناقشة الثالثة:

ما في البحوث من أن مناسبة النهي عن نقض اليقين بالشك توجب ظهوره في كون اليقين لمكان ابرامه وقوته لا يصلح نقضه بالشك لوهنه، وهذه النكتة موجودة في فرض الشك التقديري، بحيث لو التفت حصل له الشك، وان كان غافلا فعلا.

وفيه أن وجود نكتة النهي عن نقض اليقين بالشك وهي وهن الشك واتقان اليقين، في الشك التقديري، يعني وجود المقتضي فيه للنهي عن نقض اليقين، لكنه لا ينافي كون غفلة المكلف مانعة عنه، لعدم تاثير الحكم الظاهري في حقه.

وأما الوجه الثاني:

فقد ناقش فيه في البحوث بأن الصحيح كون حقيقة الحكم الظاهري التنجيزي اهتمام المولى بحفظ غرضه اللزومي المشتبه وحقيقة الحكم الظاهري الترخيصي اهتمامه بحفظ غرضه الترخيصي المشتبه، لا مجرد التنجز والتعذر المتقومين بالوصول.

اقول: نحن وان اخترنا في محله كون روح الحكم الظاهري التنجيزي عدم رضى المولى بتفويت غرضه اللزومي على تقدير وجوده، كما أن روح الحكم الظاهري الترخيصي رضى الشارع بتفويت غرضه اللزومي على تقدير وجوده، وهذه قابلة للوجود ولو قبل وصول الحكم الظاهري، الا أن ذلك لا يعني اكثر من معقولية شمول الحكم الظاهري للغافل، لكنه لا ينافي كون النكتة العرفية للحكم الظاهري كونه لغرض رفع تحيّر المكلف في مقام العمل، وهذا يوجب انصراف خطاب الحكم الظاهري عرفا عن فرض الغفلة، بل احتمال الانصراف العرفي كافٍ في عدم احراز الاطلاق، مثال ذلك أن نكتة جعل الحلية الظاهرية في قوله “كل شيء لك حلال…” التسهيل على المكلف في الترخيص في ارتكابه لمشكوك الحرمة، وهذا لا يتم في حق الغافل، فلا ينعقد له اطلاق يشمله.

هذا ولا يخفى النتيجة الغريبة التي تترتب على ضم مختار البحوث هنا من جريان الاستصحاب في الشك التقديري مع مختاره من كون واقع الحدوث ركن الاستصحاب، وهي كفاية مجرد الحدوث واقعا وأنه لو التفت لشك في البقاء على تقدير الحدوث، واستفادة مثله من ادلة الاستصحاب، بل اي خطاب حكم ظاهري بعيد جدا.

هذا وقد فصَّل بعض الاعلام “قده”بين الحكم الظاهري الوضعي كالطهارة وبين الحكم الظاهري التكليفي كالحل، فذكر أنه لا محذور في شمول الحكم الوضعي الظاهري للغافل، كما هو الحال في الحكم الوضعي الواقعي، بخلاف الحكم التكليفي، فانه كما أن جعل الحكم التكليفي الواقعي في حق الغافل لغو فكذلك الحكم التكليفي الظاهري، وعليه فلا محذور في استصحاب الطهارة او الحدث في المقام في فرض الشك التقديري([20]).

اقول: وقع الخلط في كلامه بين اشكال اللغوية واشكال عدم تحقق حقيقة الحكم الظاهري في فرض الغفلة، فالمذكور في الوجه الثاني ليس هو اشكال اللغوية، والا لأمكن الاجابة عنه بما مر منّا مرارا من عدم الاستهجان او الانصراف العرفي في شمول اطلاقات الاحكام لفرض الغفلة، وانما المذكور فيه هو اشكال أن حقيقة الحكم الظاهري المنجزية والمعذرية او ما ذكرنا من كون نكتته العرفية رفع تحير المكلف في مقام العمل، ولا فرق في ذلك بين الحكم الوضعي الظاهري او الحكم التكليفي الظاهري.

بیان المختار: عدم جريان الاستصحاب مع الشك التقديري

فالانصاف عدم جريان الاستصحاب مع الشك التقديري لتمامية كلا الوجهين.

بیان فروع

ثم انه ذكرت في المقام سبعة فروع:

الفرع الاول:

اذا تيقن المكلف بالحدث، فغفل وصلى، ثم التفت وشك في ارتفاع حدثه قبل الصلاة، فذكر الشيخ الاعظم “قده” أن استصحاب الحدث وان كان جاريا بعد الصلاة في حد نفسه، لكن قاعدة الفراغ تكون حاكمة عليه، بينما أنه لو كان يجري استصحاب الحدث حال غفلته المساوقة للشك التقديري لم يجر قاعدة الفراغ.

وظاهر الكفاية تعليل عدم جريان قاعدة الفراغ بناء على جريان استصحاب الحدث عند الشك التقديري بالعلم بوقوع الصلاة مع الحدث الاستصحابي([21])، ولا يخفى أن تعليل عدم جريان قاعدة الفراغ بذلك مبني على كون منشأ القول بجريان الاستصحاب مع الشك التقديري ما مر من دعوى ظهور ادلة الاستصحاب في عدم نقض اليقين السابق الا باليقين اللاحق بالخلاف، والا فلو كان منشأه دعوى شمول اطلاق الشك له، كان وجه عدم جريان قاعدة الفراغ فيها عدم صدق الشك بعد الفراغ بعد اقتران الشك التقديري بالصلاة، لكن لا أرى وجها لدعوى اطلاق الشك له، خلافا لما مر عن السيد الداماد “قده” وحكي عن بعض السادة الاعلام “دام ظله”.

فمن الغريب ما حكي عن السيد الداماد “قده” من دعوى عدم المنع من جريان قاعدة الفراغ في هذا الفرع لولا شرطية احتمال الاذكرية حال العمل([22]) فانه لا يتلائم مع ما اختاره من صدق الشك على الشك التقديري.

اشكال السيد الخوئي على كلام الشيخ الاعظم ره

وكيف كان فقد اشكل السيد الخوئي “قده” على كلام الشيخ الاعظم بعدم ترتب الثمرة على القول بجريان الاستصحاب مع الشك التقديري وعدمه فيه، فانه ان قلنا بعدم جريان قاعدة الفراغ مع العلم بالغفلة حال العمل، كما هو الصحيح فلا مقتضي لجريان قاعدة الفراغ فيه، فيجري استصحاب الحدث بعد الصلاة حين الشك الفعلي فتجب اعادة الصلاة، وأما على القول بجريانها مع العلم بالغفلة، كما هو مختار جماعة، فتكون قاعدة الفراغ حاكمة على الاستصحاب، و لو قلنا بعدم اعتبار الشك الفعلي في الاستصحاب، إذ لا اختصاص لحكومة القاعدة على الاستصحاب الجاري بعد الصلاة، بل تكون حاكمة على الاستصحاب الجاري قبلها أيضا([23]).

جواب البحوث عن الاشكال

وقد اجاب في البحوث عن هذا الاشكال بأنه ان كانت نكتة تقديم قاعدة الفراغ على مثل استصحاب الحدث حكومتها عليه بأن يكون موضوع الاستصحاب الشك ويكون مفاد القاعدة الغاء الشك تعبدا، حيث ورد في ادلتها مثل قوله “فشكك ليس بشيء” فهي انما تكون حاكمة على الاستصحاب الجاري بعد الصلاة، دون الاستصحاب الجاري قبل الصلاة، حيث انها تلغي الشك بعد العمل لا قبله، ومن جهة أخرى حيث ان جريان استصحاب الجاري حال الصلاة حال الغفلة والشك التقديري من دون جريانه عند الالتفات وحصول الشك الفعلي بعد الصلاة لغو محض، ولا يعقل التفكيك بينهما ابدا، فتتحقق المعارضة بين عموم دليل قاعدة الفراغ بالنسبة الى هذه الصلاة مع عموم دليل الاستصحاب، نعم لو كانت نكتة تقديم القاعدة كون دليلها اخص مطلقا عرفا من دليل الاستصحاب، كما هو الصحيح، فيتم تقديم القاعدة على الاستصحاب([24]).

ايرادان على كلام البحوث

وقد أورد على كلام البحوث ايرادان:

1- ما في تعليقة البحوث من أنَّ فرض لغوية جعل التعبد الاستصحابي في حال الغفلة معناه انَّ جعل الحكم الظاهري الاستصحابي في مورد الشك التقديري لغو عقلائياً و هذا يؤدي إلى عدم شمول دليل الاستصحاب للشك التقديري، لا شموله له و ثبوت لازم يخرجه عن اللغوية، فانَّ الدليل لم يكن وارداً في الشك التقديري لتتم فيه دلالة الاقتضاء مثلًا([25]).

ولكن يندفع هذا الايراد بأن كبرى ما ذكر (من أنه لا يوجب لغوية شمول اطلاق الخطاب لمورد بدون ضم امر خارج عن مدلول الخطاب اليه ان يلتزم بثبوت ذلك الامر الخارجي -كجريان استصحاب عدم الحاجب لاثبات تحقق الغسل- لتقيد كل اطلاق بعدم استلزام اللغوية) لا يرتبط بالمقام، فان المفروض بناءً على جريان الاستصحاب في الشك التقديري كون جريان الاستصحاب في كل من حال الشك التقديري قبل الصلاة والشك الفعلي بعد الصلاة، مدلولا لنفس خطاب الاستصحاب، وكون اختصاص جريانه بحال الشك التقديري لغوا، لا يصحح قياسه بما اذا كان شمول اطلاق الدليل لمورد لغوا بدون ضم ضميمة خارجية غير مستفادة من الخطاب اليه.

2- ما في كتاب الأضواء من أن الدليل الحاكم وهو دليل قاعدة الفراغ لم يخرج عنوان الشك الفعلي في الحدث عن موضوع دليل الاستصحاب، وانما اخرج الشك الحاصل بعد الفراغ من الصلاة، فلو تبدل الشك التقديري إلى الفعلي في أثناء العمل أيضاً كان الاستصحاب تاماً و جارياً، فجريان استصحاب الحدث مع الشك التقديري مغيىً بعدم حدوث الشك الفعلي فيه بعد الفراغ ليس لغواً([26]).

وقد كنا نجيب عن هذا الايراد بأن اطلاق جعل الاستصحاب في الشك التقديري لفرض بقاء الغفلة الى ما بعد الصلاة وحصول الشك الفعلي بعد الفراغ منها يؤدي الى كون هذا الاستصحاب في حق هذا الشخص مغيىً ولو بلحاظ مقام التطبيق بعدم الالتفات، وهذا النحو من الحكم غير عقلائي، كتقيد الحكم الواقعي بعدم وصوله في زمان معين، حيث يقال بأنه يوجب اللغوية العقلائية لجعله في حق من يصل اليه الحكم في ذاك الزمان، ولا يقاس بعدم الاثر الفعلي لشمول التكليف للغافل حيث ان الاثر التعليقي وهو المحركية على تقدير الوصول كاف في خروجه عن اللغوية العقلائية.

لكن الانصاف أن هذا الايراد على البحوث متجه، فان نتيجة الجمع بين دليل استصحاب الحدث وقاعدة الفراغ هو أن من تيقن بالحدث ولم يتيقن بارتفاعه يبني على الحدث حال الصلاة ما لم يفرغ عن الصلاة وهو غير شاك بالفعل في الحدث، فاذا فرغ منها وهو غير شاك بالفعل في الحدث فيرتفع الحكم الظاهري الاستصحابي بالحدث، سواء بقي الشك التقديري او تحول الى الشك الفعلي بعد الفراغ، فالاستصحاب في موطن جريانه وهو ما قبل الفراغ من الصلاة قابل للوصول، وليس مما ينعدم بوصوله.

ان قلت: نعم ولكن المشكلة بلحاظ اطلاق دليل الاستصحاب لفرض بقاء الشك التقديري لما بعد الصلاة، فان قاعدة الفراغ ليست حاكمة عليه، وانما هي حاكمة على الشك الفعلي بعد الصلاة، لأخذ عنوان الشك بعد الفراغ في موضوع خطابها، كقوله “كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو” ولكن لا يعقل التفكيك بين فرض بقاء الشك التقديري وفرض الشك الفغلي بعد الصلاة، بجريان استصحاب الحدث في الاول وعدم جريانه في الثاني، لأن معناه اشتراط جريان الاستصحاب بعدم وصوله، فيصير عموم دليل الاستصحاب للفرض الاول باعتبار ملازمته مع جريانه في الفرض الثاني متعارضا مع عموم دليل قاعدة الفراغ.

قلت: كون موضوع قاعدة الفراغ الشك الفعلي بعد الفراغ ممنوع، وان كان المدلول اللغوي لخطابها مختصا بفرض حصول الشك الفعلي بعد الفراغ، فان الظاهر عرفا بمناسة الحكم والموضوع من دليل قاعدة الفراغ الجاري في فرض الشك بعد الفراغ عدم اهتمام المولى باعادة العمل الذي لم يشك فيه الى أن فرغ منه، سواء حصل الشك الفعلي في بطلانه بعد العمل او حصل الشك التقديري فيه، وهذا لازم عرفي لخطابها.

ثم ان ما ورد في كلام صاحب الكفاية “قده” من أنه بناء على جريان الاستصحاب مع الشك التقديري، فوقوع الصلاة مع الحدث الاستصحابي معلوم، فلا تجري فيها قاعدة الفراغ، فيرد عليه أن المعتبر في قاعدة الفراغ حدوث الشك بعد الفراغ، فلو غمضنا العين عن شرطية احتمال الالتفات حال العمل فمجرد العلم بوقوع الصلاة مع الحدث الاستصحابي لا يمنع عن جريان القاعدة فيها، بعد احتمال صحة الصلاة واقعا، ولذا لو فرض زوال اليقين بالحدث السابق، وارتفع بذلك جريان استصحاب الحدث بعد الصلاة وجرى بدله استصحاب الطهارة فيحكم بصحة الصلاة لأجل جريان استصحاب الطهارة بعد الصلاة، مع علمه بأنه صلى مع الحدث الاستصحابي.

محقق الهمدانی: عدم جريان استصحاب الحدث لعدم ترتب اثر شرعي عليه

هذا وقد منع المحقق الهمداني “ره” من جريان استصحاب الحدث بدعوى عدم ترتب اثر شرعي عليه، وانما لازمه العقلي وجوب الاعادة، فيكون اثباته به من الاصل المثبت([27]).

مناقشه

وفيه اولا: أن تنجيز لزوم اعادة الصلاة اثر نفس استصحاب الحدث فانه من الحجة على عدم الامتثال، فيكون مؤكدا لقاعدة الاشتغال.

وثانيا: ان الصحيح كون بقاء التكليف مغيى لبا بعدم امتثاله، فتكون نتيجة الاصل النافي للامتثال ومنه استصحاب الحدث اثبات الاثر الشرعي لعدم الامتثال وهو بقاء التكليف، أضف الى ذلك أن لاستصحاب الحدث الجاري في كل زمان اثرا شرعيا وهو اثبات حرمة مس كتابة القرآن ونحوها.

ثم انه لو استمرت غفلته الى أن خرج وقت الصلاة فقد يقال بأن استصحاب الحدث حيث لا يثبت فوت الصلاة فلا يجب عليه القضاء بعد أن كان القضاء بامر جديد موضوعه الفوت([28]).

الفرع الثاني:

ما لو شك في بقاء الحدث ثم غفل فصلى، ثم التفت بعد الصلاة مع علمه بأنه بعد ما شك في بقاء الحدث لم يتوضأ ابدا، فذكر الشيخ الاعظم “قده” أنه يحكم ببطلان صلاته، لسبق الأمر بالطهارة، و لا يجري في حقه حكم الشك في الصحة بعد الفراغ عن العمل لأن مجراه الشك الحادث بعد الفراغ لا الموجود من قبل.

كما ذكر صاحب الكفاية أنه حيث جرى استصحاب الحدث قبل الصلاة فيعلم بوقوع صلاته مع الحدث الاستصحابي، فلا مجال لجريان قاعدة الفراغ.

اقول: قد مر الاشكال في توجيه المنع عن جريان قاعدة الفراغ بالعلم بوقوع الصلاة مع الحدث الاستصحابي، وانما المانع عنه -مع غمض العين عن فقد شرطية احتمال الالتفات- هو كون الشك في هذا الفرع حادثا قبل الفراغ من العمل، و العرف يرى أن الشك بعد الصلاة بنفسه هو الشك الذي حصل قبل الصلاة وان غفل عنه، بل لعله عقلا كذلك، لعدم زوال الشك في صقع النفس حال طرو الغفلة بحيث لو التفت لعاد الشك، والانصاف أن الالتزام بجريان الاستصحاب فيه حال طرو الغفلة عرفي لبقاء الشك في صقع النفس عرفا على الاقل.

نعم بناء على كون الغفلة عن الشك مانعة عقلا عن فعلية الحكم الظاهري الاستصحابي، لفقدانه للاثر منعت من جريان الاستصحاب حين الغفلة في المقام، لكننا منعنا عن مانعيتها العقلية، وانما كان الحكم الظاهري منصرفا عرفا الى فرض التحير، ولعل هذا البيان لايأتي مع سبق الشك ولحوقه على الغفلة المتخللة في اثناء الشك.

ومن هنا تبين الاشكال فيما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن بطلان الصلاة في هذا الفرع وان كان مسلما، إلا أنه ليس مستنداً إلى جريان استصحاب الحدث قبل الصلاة والعلم بوقوع الصلاة مع الحدث الاستصحابي، بل مستند إلى عدم جريان قاعدة الفراغ في نفسها، لاختصاصها بما إذا حدث الشك بعد الفراغ، و هذا الشك الموجود بعد الفراغ كان قبل الصلاة، فان هذا الشك متحد عرفا مع الشك الذي كان قبل الصلاة، و ان كان غيره بالدقة العقلية، والا فان الاستصحاب الجاري قبل الصلاة لا يقتضي بطلانها، لأن الغفلة الحاصلة له قبل الصلاة اوجب ارتفاع الشك الفعلي، فلم تكن الصلاة مقترنة باستصحاب الحدث حال الصلاة، فانه كما يعتبر في الاستصحاب اليقين و الشك حدوثا، كذا يعتبران بقاء، فما دام شاكا يكون محدثا بالحدث الاستصحابي، و بمجرد طرو الغفلة يسقط الاستصحاب، فلا يكون محدثا بالحدث الاستصحابي([29]).

فان الشك بعد وجوده في صق النفس عرفا حال الصلاة وان كان مغفولا عنه، لكنه يكون مشمولا لاستصحاب الحدث، والمفروض أنه لا مانع عقلا من شموله له.

ولا يقاس هذا الفرع بما اذا زال الشك حين الصلاة وحصل القطع بالطهارة ثم عاد الشك بعد الصلاة فانه عرفا شك جديد حاصل بعد الفراغ، ولا مانع من شمول قاعدة الفراغ له، الا اذا قلنا باعتبار عدم محفوظية صورة العمل في جريان قاعدة الفراغ، وكان منشأ القطع المتخلل بالطهارة محفوظا عنده، لكنه لم يحصل له القطع منه فعلا.

ثم انه لو كان شاكا في الحدث اول الوقت ثم غفل فصلى ولم يلتفت الى أن خرج الوقت فالظاهر وجوب القضاء عليه، لان الظاهر من صحيحة الفضلاء الواردة في الشك في داخل الوقت لزوم الاتيان بالصلاة، وهذا يقتضي باطلاقه قضاءها ان لم يؤدها في الوقت، حيث ورد فيها “متى شككت في وقت فريضة أنك لم تصلها صلّيتها([30])” والظاهر الغاء الخصوصية من موردها وهو الشك في الاتيان بالفريضة الى الشك في الاتيان بالفريضة الصحيحة، فلا يجدي دعوى أن القضاء بامر جديد وموضوعه الفوت واثبات الفوت باستصحاب بقاء الحدث يكون من الاصل المثبت، بل قد يقال بأنه حيث كان ملتفتا اول الوقت فتنجز عليه الاتيان بصلاة مع تجديد الوضوء، ففوت هذه الفريضة الظاهرية محرز بالوجدان فيجب قضاءها، نعم لا يأتي هذان الوجهان فيمن كانت غفلته مستوعبة لتمام الوقت وكان شكه قبل دخول الوقت.

هذا وقد ذكر في مباحث الاصول أنه إن حصل له في هذا الفرع العلم بعد الصلاة بتوارد الحالتين عليه قبل الصلاة، فلا يجري استصحاب الحدث، فإن كان في خارج الوقت لم يجب عليه القضاء، وانما يجب عليه الاعادة في الوقت لقاعدة الاشتغال، بينما أنه في غير فرض العلم بتوارد الحالتين يجري استصحاب الحدث فتجب الاعادة والقضاء([31]).

وفيه أنه ان فرض شكه في اول الوقت في بقاء الحدث فغفل وصلى ولم يلتفت الى أن خرج الوقت، فلا فرق بين فرض شكه في بقاء الحدث او علمه بتوارد الحالتين، حيث ان مقتضى اطلاق صحيحة الفضلاء وجوب القضاء في كلا الفرضين، وكذا بناء على كون فوت الفريضة الظاهرية موضوعا لوجوب القضاء، حيث ثيت فيه حقه اول الوقت فريضة ظاهرية لجريان استصحاب الحدث اول الوقت وفوتها معلوم بالوجدان، وعدم جريان استصحاب الحدث بعد خروج الوقت في الفرض الثاني لا يمنع من ذلك.

وان فرض كون شكه قبل دخول الوقت واستيعاب غفلته لتمام الوقت فلا يجري فيه الوجهان، ولا يجب القضاء، بعد عدم احراز موضوعه وهو فوت الفريضة، واستصحاب بقاء الحدث الجاري بعد خروج الوقت كاستصحاب عدم الاتيان الجاري بعد خروج الوقت لايثبت عنوان الفوت.

الفرع الثالث:

ما ذكره المحقق العراقي “قده” من أنّه لو كان عالماً بالطهارة ثمّ شكّ في بقاء الطهارة، ثمّ غفل و صلّى، و بعد الصلاة حصل له العلم بأنّه قبل الصلاة قد تواردت عليه حالتا الطهارة و الحدث، فبناءً على أنّ الاستصحاب يجري في موارد الشكّ التقديري تصحّ صلاته، لأنّه كان في حال الصلاة متطهّراً بالطهارة الظاهرية، و بناءً على عدم جريانه لا تصحّ الصلاة لعدم ثبوت الطهارة له في الصلاة، لا واقعاً و لا ظاهراً([32]).

ولا يخفى أنه إنّما فرض الشكّ في الطهارة قبل الصلاة ثمّ الغفلة، و لم يفرض الغفلة رأساً، حتى لا تكون الصلاة مورداً لقاعدة الفراغ على اي حال، بعد عدم اعتباره شرطية احتمال الالتفات حال العمل، كما أن وجه فرضه توارد الحالتين، لأنّه لو علم بعد الصلاة بأنّه كان محدثاً لم يكن هناك وجه لتوهّم كفاية استصحاب الطهارة الجاري حال الصلاة، لأنّ الاستصحاب ليس إلّا حكماً طريقياً، و قد انكشف خلافه، والمفروض كون الطهارة عن الحدث من الاركان، وهذا بخلاف فرض توارد الحالتين، حيث لم ينكشف الخلاف بعد الصلاة.

وفيه أن اثر المنجزية والمعذرية للحكم الظاهري تابع لوجوده الفعلي ولا يكفي حدوثه في بقاء الاثر، فعدم اعادة الصلاة بعد العلم بتوارد الحالتين يحتاج الى مؤمِّن غير استصحاب الطهارة الجاري حال الصلاة، والا لكفى ولو حصل العلم بتوارد الحالتين قبل الصلاة.

نعم يمكن أن يقال بأنه لا مانع بعد العلم بتوارد الحالتين من استصحاب الطهارة الظاهرية المعلوم حدوثها قبل العلم بتوارد الحالتين، نظير ما لو شك في طهارة ماءٍ، ثم علم اجمالا بنجاسته او نجاسة ماء آخر، فانه بعد تعارض أمارة الطهارة الظاهرية في الماءين بعد حصول العلم الاجمالي، وهي عموم قوله (عليه السلام) في موثقة عمار “كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر” تصل النوبة الى الاصل العملي وهو استصحاب الطهارة الظاهرية في الماء الاول، لعدم كونه طرفا للمعارضة مع الأمارة على الطهارة الظاهرية في الماء الثاني، وكذا لو قلّد من كان اعلم ثم صار مساويا مع غيره، حيث انه بعد تعارض دليل الحجية فيهما يجري استصحاب حجية فتوى مقلَّده، نعم كل ذلك يبتني على مبنى المشهور من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.

هذا وقد ذكر في البحوث أن اختصاص جريان استصحاب الطهارة في هذا الفرض بحال الشك التقديري في اثناء الصلاة، دون حال العلم بعد الصلاة بتوارد الحالتين، لما كان لغوا، لما مر من لغوية اختصاص جريانه بحال الغفلة دون الشك الفعلي الحاصل بعدها، فيدخل ذلك الاستصحاب تحت المعارضة مع استصحاب الحدث في عرض معارضة استصحاب الطهارة بعد العلم بتوارد الحالتين مع استصحاب الحدث، نعم لو بني على مبنى صاحب الكفاية من عدم جريان الاستصحاب في مورد توارد الحالتين لقصور المقتضي لا للمعارضة، فمن استصحاب الطهارة حال الغفلة والشك التقديري قبل الالتفات الموجب للعلم بتوارد الحالتين، يثبت ما هو لازمه وهو جريان استصحاب الطهارة بعد ذلك([33]).

وفيه اولا: أن فرض توارد الحالتين ولو بناء على معارضة الاستصحابين فيه يكون خارجا عن مدلول خطاب الاستصحاب، للابتلاء بالتعارض الداخلي الواضح بحيث يوجب انصراف خطاب الاستصحاب عنه، فلا يبقى الا ظهور الاستصحاب في شموله للاستصحاب الجاري قبل العلم بتوارد الحالتين، وهو استصحاب الطهارة الجاري قبل الفراغ من الصلاة، فلا يختلف عن مبنى صاحب الكفاية.

الا أن المهم على كلا المبنيين أنه بأتي فيه محذور عدم صحة التمسك بالاطلاق لموردٍ يكون شموله له لغوا ما لم ينضم اليه ضميمة خارجية غير مستفادة من الخطاب.

وثانيا: ان الصحيح أن الشك في الطهارة في هذا الفرض كان فعليا قبل الصلاة، وليس شمول دليل الاستصحاب له بنحو يكون مغيىً بعدم العلم بتوارد الحالتين لغوا وغير عقلائي، بل لو فرض عدم سبق الشك فقد اتضح أنه لامانع من جعل استصحاب الطهارة ما لم يحصل العلم بالخلاف او بتوارد الحالتين، وهذا الجعل قابل للوصول والالتفات، اذ الالتفات اليه لا يساوق العلم بتوارد الحالتين، فلا يقاس بمثال جعل الحكم مقيدا بعدم وصوله، حيث يكون لغوا وغير عقلائي.

الفرع الرابع:

أن يعلم بالطهارة في وقتٍ و بالحدث في وقتٍ آخر، ثمّ يغفل، لكنه يكون بحيث لو التفت لشكّ في المتقدّم منهما و المتأخّر، ويصلّى، ثمّ يلتفت، فيشكّ في المتقدّم منهما و المتأخّر.

فان قلنا بجريان قاعدة الفراغ مع العلم بالغفلة جرت قاعدة الفراغ، وجريانها هنا اوضح من الفرع الاول لشبهة جريان استصحاب الحدث هناك مع الشك التقديري، بينما أنه هنا يكون الشك التقديري بنحو توارد الحالتين، فلم يكن يجري استصحاب الحدث بلا معارض، لا قبل الصلاة ولا بعدها.

نعم سبق أن من يقول بصدق الشك على الشك التقديري كالسيد الداماد وبعض السادة الاعلام فلا يكون الشك بنظره حادثا بعد الفراغ، بل قد تحقق قبله فلا موضوع لقاعدة الفراغ.

وان قلنا بعدم جريان قاعدة الفراغ في موارد العلم بالغفلة، فان التفت داخل الوقت وجبت اعادة الصلاة، بمقتضى قاعدة الاشتغال، وان التفت خارج الوقت فلا يجب قضاءها للشك في الفوت.

الفرع الخامس:

أن يحصل له أوّلًا العلم بتوارد الحالتين و الشكّ في المقدّم منهما و المؤخّر، ثمّ يغفل و يصلّي، ثمّ يلتفت، فهنا لا تجري قاعدة الفراغ لكون الشك حادثا قبل الفراغ، وذكر في المباحث أنه تصل النوبة إلى قاعدة الاشتغال لو التفت في الوقت، و البراءة لو التفت خارج الوقت‏([34]).

ولكن الصحيح أنه لو كان اول الوقت ملتفتا الى علمه بتوارد الحالتين فغفل وصلى ولم يلتفت الى أن خرج الوقت، فيشمله صحيحة الفضلاء، كما يقال فيه بكون فوت الفريضة الظاهرية محرزا فيجب قضاءها، وان كانت الفريضة هنا عقلية من باب قاعدة الاشتغال لا شرعية ظاهرية، بل يمكن دعوى كونها فريضة ظاهرية شرعية لما هو الظاهر من جريان استصحاب عدم المقيد وهو الصلاة مع الطهارة، او استصحاب بقاء التكليف او بقاء فاعليته.

الفرع السادس:

لو قيل بكون شرط الصلاة الجامع بين الطهارة الواقعية او الظاهرية حال الصلاة، فمن كان متيقنا بطهارة ثوبه سابقا فغفل بحيث لو التفت كان يشك في بقاءها، فصلى ثم بعد الصلاة علم بكون الثوب نجسا، فبناء على جريان الاستصحاب التقديري يكون واحدا للشرط.

ولكن هذا الفرع مجرد فرض فقهي لا واقع له، فان المستفاد من الروايات أن المانع هو العلم بالنجاسة، فتصح صلاة من كان غافلا عن نجاسة ثوبه لا ناسيا لها.

الفرع السابع:

لو تيقن امام الجماعة بالطهارة من الحدث ثم شك فيها فصلى مع ذهوله عن شكه في اثناء الصلاة، فحكي عن السيد الداماد “قده” أن لازم المنع من جريان الاستصحاب مع الشك التقديري عدم صحة الائتمام به، لصيرورته غير محكوم بالطهارة من الحدث، ثم قال: و حيث انه لا يفتي به احد فيكون كاشفا عن كون الشك التقديري بحكم الفعلى([35]).

و فيه أن الفرع الذي ذكره لا يخلو من غرابة، فانه لو كان المأموم عالما بسبق طهارة الامام فله أن يستصحب طهارته، والا فتجري في مثله أصالة الصحة بمقتضى السيرة، ولا يعني ذلك جريان استصحاب الطهارة في حق الامام نفسه، بل لو جرى في حقه فلا يفبد بحال المأموم، لأن المدار في جواز الائتمام صحة صلاة الامام واقعا، بنظر المأموم ولو بمقتضى الاصل الجاري لدى المأموم.

على أن المفروض في هذا الفرع سبق الشك الامام ثم طرو غفلته، بينما أن محل الكلام في الشك التقديري فرض الغفلة محضا.

 



[1] – مصباح الاصول ج3ص 89

[2] – المباحث الاصولية ج4ص181

[3] – كفاية الاصول ص 391

[4] – مصباح الاصول ج 3 ص 30

[5] – بحوث في علم الاصول ج 6ص88

[6] – موسوعة الامام الخوئي ج3ص 386

[7] – روائع الامالي في علم الاجمالي ص79

[8] – مقالات الاصول ج1ص271 نهاية الافكار ج1ص243

[9] – وسائل الشيعة ج5ص 481

[10] – وسائل الشيعة ج5ص 483

[11] – وسائل الشيعة ج3ص 484

[12] – نهاية الافكار ج1ص243

[13] – مستند العروة كتاب الحج ج1ص248

[14] – فرائد الاصول ج‏2 ص547

[15] – درر الفوائد ص294

[16] – فوائد الاصول ج‏4 ص317 نهاية الدراية ج 5ص 127

[17] – المحاضرات مباحث في اصول الفقه ج3ص 54

[18] – المحاضرات: اصول الفقه ج3ص52 بحوث في علم الاصول ج 6ص212

[19] – وسائل الشيعة ج 3ص521

[20] – منتقى الاصول ج6ص 30

[21] – كفاية الاصول ص 404

[22] – المحاضرات مباحث في اصول الفقه ج3ص 55

[23] – مصباح الاصول ج3ص 93

[24] – بحوث في علم الاصول ج6ص213

[25] – بحوث في علم الاصول ج6ص 214

[26] – اضواء وآراء ج3ص 252

[27] – الفوائد المرتضوية ج2ص 73

[28] – خلاصة البحث عن وجوب القضاء عند الشك في الفوت انه ان قلنا بان القضاء بالأمر الأول اي إنه بعد دخول الوقت يتعلق أمر بالصلاة في الوقت وامر آخر بطبيعي الصلاة، -كما اختاره السيد الحكيم قده في مستمسكه بدعوى ان الظاهر من دليل وجوب القضاء هو تعدد المطلوب- فبلحاظ الأمر بطبيعي الصلاة تجري قاعدة الاشتغال واستصحاب عدم الاتيان بالصلاة في الوقت فيجب القضاء.

وان قلنا بان القضاء بامر جديد وموضوعه عدم الاتيان بالفريضة فيحرز موضوعه بالاستصحاب،

وان قلنا بان القضاء بامر جديد وموضوعه فوت الفريضة فقد ذكر جمع منهم صاحب الكفاية ان اثباته باستصحاب عدم الاتيان في داخل الوقت يكون من الاصل المثبت فيرجع الى البراءة عن وجوب القضاء، وما ذكروه هو الصحيح، فان عنوان فوت الفريضة عنوان بسيط منتزع من عدم الإتيان بالفريضة مع مضي وقتها، نظير عنوان العمى الذي هو منتزع من عدم البصر مع قابلية المحل له، فكما لايمكن احراز عنوان العمى باستصحاب عدم البصر في المولود مع إحراز قابليته للبصر فعلا فكذلك لايمكن إحراز عنوان الفوت باستصحاب عدم الإتيان مع إحراز مضي وقت الفريضة بالوجدان، وحيث أن موضوع وجوب القضاء هو فوت الفريضة (ولاأقل من احتمال ذلك فقهيا) فيبقى موضوع وجوب القضاء مشكوكا فيه فتجري البراءة عنه.

وأما ما ذكره المحقق الحائري “قده” من ان الفوت عبارة عن عدم تحقق شيء ذي مصلحة فيمكن احرازه باستصحاب عدم تحقق ذلك الشيء، وكذا ما ذكره السيد الحكيم “قده” من أن الفوت ليس الا مجرد عدم الإتيان بالواجب في وقته فيمكن إحرازه بالاستصحاب ففيه: أنه خلاف الظاهر حيث أن الفوت أمر بسيط منتزع عن عدم الإتيان بالفريضة مع ذهابها عن الكيس، فهو نظير عنوان العمى الذي هو منتزع من عدم البصر مع قابلية المحل له فلايمكن احرازه باستصحاب عدم البصر مع احراز قابلية المحل له فعلا، كما ان دعوى امكان اثبات آثار الفوت باستصحاب عدم الاتيان بالفريضة الى آخر الوقت بنكتة شمول خطاب النهي عن نقض اليقين بالشك لمثله عرفا غير متجهة ايضا للمنع عن استظهار العرف لمثل ذلك بنظره الدقي العرفي، ولاعبرة بنظره المسامحي كما مر في بحث خفاء الواسطة في الاستصحاب.

هذا وقد يذكر نقض على ذلك بانه يستلزم القول بعدم وجوب القضاء في حق من شك في أثناء الوقت في أداء الفريضة فلزمه الإتيان بها بمقتضى استصحاب عدم الإتيان وقاعدة الاشتغال، ولكنه لم‌يأت بها الى ان خرج الوقت، وقد أجاب عنه المحقق الايرواني والسيد الخوئي “قده” بان اطلاق وجوب القضاء عند فوت الفريضة يشمل فوت الفريضة الظاهرية، والمفروض ان الفريضة الظاهرية الثابتة في حقه بعد الشك في الإتيان بمقتضى استصحاب عدم الاتيان قد فاتت منه جزما، وهذا بخلاف ما لو كان شكه بعد الوقت حيث انه لايتحقق باستصحاب عدم الاتيان أية فريضة ظاهرية في حقه في داخل الوقت حتى يحرز فوتها وجدانا، بل ادعى السيد الخوئي قده شمول اطلاق وجوب القضاء لفرض فوت الفريضة العقلية، كما لو علم اجمالا بوجوب القصر والتمام فأتى بأحدهما وترك الآخر، فانه يجب عليه قضاءه.

وفيه اولا: أنه لايوجد اطلاق في دليل وجوب القضاء بنحو يشمل فوت الفريضة الظاهرية، نعم ورد في صحيحة زرارة قال قلت له رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر قال يقضي ما فاته كما فاته، وفي صحيحته الأخرى عن ابي جعفر عليه‌السلام انه قال اربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها، وكذا ورد في صحيحته الثالثة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم‌يصلها أو نام عنها، فقال: يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار فإذا دخل وقت الصلاة ولم‌يتم ما قد فاته فليقض ما لم‌يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت وهذه أحق بوقتها فليصلها فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى، ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها.

ولكن الصحيحة الاولى ناظرة الى ان القضاء بلحاظ القصر والتمام يكون تابعا للأداء، وليست في مقام بيان وجوب القضاء عند فوت الفريضة حتى يتمسك باطلاقها، كما ان المستفاد من الصحيحة الثانية ان الصلاة الفائتة التي يجب قضاءها يجوز قضاءها في اية ساعة وليست في مقام وجوب القضاء حتى يتمسك باطلاقها لوجوب قضاء الفريضة الظاهرية، كما ان الصحيحة الثالثة واردة فيمن ترك الصلاة رأسا او صلى بغير طهور، فمورد السؤال فيها لايشمل فوت الفريضة الظاهرية.

وثانيا: ان الظاهر من خطاب الأمر بالقضاء عند فوت الفريضة هو فوت الفريضة الواقعية، لان الفريضة الظاهرية ليست فريضة حقيقة، اذ الحكم الظاهري مجرد معذّر ومنجّز، ولأجل ذلك لم‌يلتزم السيد الخوئي قده بورود دليل قاعدة الطهارة والحلّ على خطاب شرطية الطهارة والحل في الصلاة ونحوها، حيث استظهر من خطاب شرطية الطهارة والحل الطهارة والحل الواقعيين، بينما أنّه بناء على ما ذكره من كون الفريضة اعم من الفريضة الواقعية والظاهرية فيكون خطاب شرطية طهارة ماء الوضوء مثلا أيضا أعمّ من الطهارة الواقعية والظاهرية لاستواءهما في نكتة الظهور، فتكون قاعدة الطهارة في الماء محققة للشرط وجدانا، وكذا لم‌يلتزم ببطلان صلاة المكلف لو صلى رجاء في ثوب مستصحب النجاسة ثم تبين له طهارته او صلّى في جلد حيوان مستصحب الجلل ثم تبين زوال جلله او توضأ بماء مستصحب النجاسة ثم انكشف له طهارته، مع أن مقتضى ما ذكره هو أن يكون خطاب مانعية نجاسة الثوب في الصلاة مثلا ظاهرا في الأعم من النجاسة الواقعية والظاهرية فيكون استصحاب النجاسة موجدا لمصداقها.

وثالثا: ان من المحتمل جدا ان تكون الفريضة عنوانا مشيرا الى الصلوات اليومية التي هي فرائض في حد ذاتها دون مطلق الواجب، وقد ورد في صحيحة هشام‌ عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال “في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة، قال: يصلي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء” فإن ظاهرها اتيان الصلاة المعادة جماعة بنية الصلاة الأدائية مع انها غير واجبة بالفعل لفرض الإتيان بها سابقا، وكذا ورد في صحيحة زرارة فيمن نام عن الصلاة “انه لايتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة وظاهرها الفريضة الشأنية بقرينة تطبيقها على مورد النائم، فيحتمل انصراف عنوان الفريضة الى الفريضة اليومية التي لاتجب في الوقت الا مرة واحدة، ولايثبت استصحاب عدم الاتيان فوت هذه الفريضة وان كان يوجد هذا الاستصحاب في فرض جريانه في داخل الوقت مصداقا للواجب الظاهري في حق المكلف.

فالصحيح في الجواب ان يقال ان دليل وجوب القضاء على من شك في أثناء الوقت في الامتثال ولكنه اهمل الاتيان به الى ان خرج الوقت، -مضافا الى اطلاق ما ورد في صحيحة زرارة والفضيل عن ابي جعفر عليه‌السلام::متى شككت في وقت فريضة انك لم‌تصلها فصلّها” فان مقتضى الأمر بالصلاة عند الشك في داخل الوقت هو لزوم الاتيان بها مطلقا، فلو لم‌يأت بها في الوقت فيلزم ان يقضيها خارج الوقت- ان العرف لايقبل التفكيك بين التعبد الظاهري في داخل الوقت بوجوب الاتيان عند الشك في الامتثال وبين وجوب القضاء عليه على فرض عدم التدارك في الوقت فيما كان للواجب قضاء، فيكون التعبد الظاهري بوجوب القضاء لازما لنفس التعبد الاستصحابي بوجوب الاتيان في داخل الوقت، وسيأتي أن كلما كان لازما للاصل فيمكن اثباته بدليل ذاك الاصل حيث يكون حينئذ من مثبتات الامارات، فان دليل ذاك الاصل من الامارات، فدليل الاستصحاب وهو صحيحة زرارة مثلا حيث تثبت الحكم الظاهري الاستصحابي بوجوب تدارك الرمي عند الشك في أثناء الوقت –فانه لااشكال في جريان استصحاب عدم الاتيان لاثبات وجوب التدارك عند الشك في أثناء الوقت- فيثبت لازم هذا الحكم الظاهري وهو وجوب قضاءه على فرض عدم التدارك.

[29] – مصباح الاصول ج3ص 93

[30] – وسائل الشيعة ج4ص 283

[31] – مباحث الاصول ج5ص 292

[32] -نهاية الأفكار ج 4ق1 اص 17

[33] – بحوث في علم الاصول ج6ص 215

[34] – مباحث الاصول ج 5ص 290

[35] – المحاضرات مباحث في اصول الفقه ج3ص 54