بسمه تعالی
رؤوس المطالب:
الوجه الأول: ما ذكره المحقق الاصفهاني”قده”.. 1
الوجه الثاني: ما عن المحقق القمي “قده”.. 2
الوجه الثالث: المشهور : ان لفظ الصلاة موضوع بإزاء معظم الأجزاء 14
الوجه الرابع: ما ذكره السيد البروجردي “قده”.. 15
الوجه الخامس: ما هو المختار من تصوير جامع مركب أوي.. 17
تصوير الجامع للأعم
ادعى صاحب الكفاية “قده” ان تصوير الجامع للأعم من الصحيح والفاسد في غاية الاشكال، ولكن ذُكرت عدة وجوه لتصوير الجامع الأعمي، أهمها ما يلي:
الوجه الأول: ما ذكره المحقق الاصفهاني”قده”
من ان الصلاة التي تكون صحيحة ولو في بعض الحالات كالصلاة جالسا او مضطجعا حيث تكون لامحالة مقتضية لأثر النهي عن الفحشاء والمنكر، وان كان فعلية تأثيرها مشروطة بصدورها من فاعل خاص، فيكون الجامع البسيط الذي استكشفه صاحب الكفاية “قده” للصلوات الصحيحة من وحدة الأثر بنفسه جامعا للأعم، حيث يستكشف جامع ذاتي بين الصلاة جالسا وبين الصلاة قائما مثلا، لاجل ان لكل منهما اقتضاء التأثير في اثر مشترك، وان كانت فعلية تأثير أي منهما مشروطة بصدورها في حال خاص.
ويلاحظ عليه: ان بعض القيود معتبرة في الصلاة في جميع الحالات كالطهارة من الحدث، والصلاة بدونها فاسدة على أي حال، فلازم ما ذكره من التصوير للجامع الأعمي هو عدم صدق مسمى الصلاة على فاقد الطهارة من الحدث، مع انه قد استعمل فيه لفظ الصلاة، فقد ورد في صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) انه سئل عن رجل صلى بغير طهور فقال يقضيها اذا ذكرها([1])، كما ورد انه اذا دخل الوقت فقد وجب الطهور والصلاة([2])، فلو كان الطهور جزءً لمسمى الصلاة لميتناسب هذا العطف، فانه يكون نظير ان يقال وجبت الصلاة والركوع.
الوجه الثاني: ما عن المحقق القمي “قده”
من ان الفاظ العبادات موضوعة بإزاء الاركان، وأما سائر الأجزاء والشرائط فهي دخيلة في المأمور به دون المسمى، فلفظ الصلاة مثلا موضوع لذات التكبيرة والركوع والسجود والطهارة من الحدث([3]).
وقد اوردعليه صاحب الكفاية “قده”اشكالين:
1- ان التسمية بالصلاة لاتدور مدار تحقق الاركان، ضرورة صدق الصلاة عند الأعمي مع الاخلال ببعض الاركان، وعدم صدقها على المشتمل على الاركان اذا فقد سائر الأجزاء والشرائط بالمرة.
2- ان لازم وضع الصلاة للأركان كون استعمالها في المشتملة على تمام ما يعتبر في المأمور به استعمالا مجازيا من قبيل استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكلّ، ولايلتزم به القائل بالأعم، فافهم.
وقد صاغ المحقق النائيني “قده” هذا الاشكال الثاني بصياغة أخرى، فقال: ان لازم وضع لفظ الصلاة لخصوص الاركان مع دخول سائر الأجزاء والشرائط في المسمى على تقدير وجودها هو كون غير الركن على تقدير وجوده داخلا في حقيقة الشيي وعلى تقدير عدمه خارجا عنها، ولايمكن ذلك في جزء الحقيقة، فان الشيء اذا كان مقوما للحقيقة يكون دخيلا فيها مطلقا واذا لميكن مقوما لميكن دخيلا فيها اصلا.
ان قلت: يمكن تصحيح ذلك بدعوى ان الالتزام بالتشكيك في الوجود وفي بعض الماهيات كالسواد والبياض ونحوهما يوجب الالتزام بدخول شيء في الوجود او الماهية عند وجوده وبعدم دخوله فيه عند عدمه، فليكن الصلاة ايضا من هذا القبيل، فتكون صادقة على التام والناقص على نحو التشكيك.
قلت: ان التشكيك في حقيقة الوجود امر فوق ادارك البشر ولايمكن معرفته الا بالكشف والمجاهدة كما صرح به اهله، واما التشكيك في الماهيات فيختص بالماهيات البسيطة التي يكون مابه الاشتراك فيها عين ما به الامتياز كالسواد والبياض ونحوهما، واما الماهيات التي تكون مركبة من الجنس والفصل كالانسان فلايعقل فيها التشكيك، وعليه فلايعقل التشكيك في الصلاة لانها مركبة من اركان ومقولات عديدة([4]).
وهذا الذي ذكره المحقق النائيني “قده” من ان التشكيك في الوجود ممالايمكن معرفته الابالكشف والشهودلايخلو من غرابة، اذ معنى التشكيك في حقيقة الوجود هو ان ما به الامتياز بين الوجود الشديد كوجوده تعالى والوجود الضعيف كالكون الرابط هو نفس ما به الاشتراك بينهما، اذ ليس الوجود الشديد مشتملا على الوجود وغير الوجود، وكذلك الوجود الضعيف، نظير النور الشديد والضعيف، وهذا امر واضح بناء على اصالة الوجود، ولايحتاج معرفته الى الكشف والمجاهدة.
وكيف كان فقد اجاب السيد الخوئي “قده” عن الاشكال الاول بان المشتمل على الاركان مع فقده لسائر الجزاء والشرائط يصدق عليها الصلاة الصحيحة، فلو كبّر المصلي ونسي جميع الأجزاء والشرائط غير الاركان والوقت والقبلة حتى فرغ منها، يحكم بصحة صلاته، و لميستشكل في ذلك احد من الفقهاء، كما انه لو فقد بعض الاركان فلايصدق عليه الصلاة، حيث دلت صحيحة الحلبي على ان الصلاة ثلاث اثلاث ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود([5])، فقد حصرت الصلاة بهذه الثلاثة، نعم لابد من رفع اليد عنها في مورد تكبيرة الاحرام فيلتزم بدخولها في مسمى الصلاة لما دل على انه لاصلاة بغير افتتاح، ومعنى هذا هو ان الصلاة لاتتحقق بدون ذلك، فالمصلي لو دخل في القراءة من دون ان يكبر لايصدق انه دخل في الصلاة، ومن هنا يظهر ان عدم ذكر التكبيرة في حديث لاتعاد انما هو من جهة ان الدخول في الصلاة لايصدق بدونها، حتى يصدق على الاتيان بها الاعادة فانها عرفا وجود ثان للشيء بعد وجوده اولا، وهكذا يعتبر في صدق الصلاة الترتيب بين الأركان وكذا الموالاة.
وكذا اجاب عن الاشكال الثاني بانه قد وقع فيه الخلط بين المركبات الحقيقية والمركبات الاعتبارية، فان المركبات الحقيقية التي تتركب من جنس وفصل تنتفي بانتفاء احدهما، فالحيوان مثلا جنس للانسان فلايعقل ان يكون جنسا له في حال ولايكون جنسا له في حال آخر، وكذا الناطق فصل له، فلايعقل ان يكون فصلا له في حال دون حال، واما المركبات الاعتبارية فلامانع من كون شيء واحد داخلا فيها عند وجوده وخارجا عنها عند عدمه، كلفظ الدار الذي هو موضوع لمعنى مركب وهو ما اشتمل على الحيطان والساحة والغرفة فهي اركانها، فحينئذ ان كان لها سرداب او بئر او حوض او نحو ذلك، فيكون ذلك من اجزاءها وداخلا في مسمى لفظها، حيث ان معنى الدار مأخوذ لابشرط بالنسبة الى مثل ذلك، ومن هذا القبيل لفظ القبا والعباء بالاضافة الى البطانة ونحوها، فانها عند وجودها داخلة في المسمى وعند عدمها خارجة عنه، ومن هذا القبيل ايضا الكلمة والكلام، فان الكلمة موضوعة للمركب من حرفين فصاعدا، فان زيد عليهما حرف او ازيد فهو داخل في معناها والا فلا، والكلام موضوع للمركب من كلمتين فمازاد، فقولنا”ضرب زيد “كلام، كما ان قولنا”ضرب زيد عمروا “كلام، وهكذا….
والمتحصل ان المركبات الاعتبارية على نحوين:
احدهما: ما لوحظ فيه حد معين من جانب القلة والكثرة كالأعداد، فان الخمسة مثلا تكون بشرط لا عن الزائد.
ثانيهما: ما لوحظ فيه حد معين من جانب القلة فقط ويكون لابشرط من جانب الكثرة، مثل الكلمة والكلام والدار وامثال ذلك.
ولما كانت الصلاة من المركبات الاعتبارية فلامانع من ان تكون لابشرط بالنسبة الى ما عدا الاركان من سائر الأجزاء والشرائط، فهي عند وجودها داخلة في المسمى وعند عدمها خارجة عنه، كما ان اختلاف الاركان أيضا لأجل اختلاف الأشخاص كالركوع الاختياري في حق المختار والركوع الاضطراري في حق المضطر لاينافي وضع لفظ الصلاة بإزاء معنى جامع لمراتب الأركان، ولو بان يكون الجامع عنوان احدها، اذ لامانع من ان يكون المقوم في المركب الاعتباري احد امور على سبيل البدل كالحلوى فانه موضوع للمركب المطبوخ من السكر وغيره سواء كان ذلك الغير دقيق ارز او حنطة او نحو ذلك وبذلك يتم القول بوضع اسماء العبادات لمايشمل الاركان([6]).
اقول: هنا ملاحظات:
1- ان ما ادعاه السيد الخوئي “قده” من عدم استشكال احد من الفقهاء في شمول حديث لاتعاد بما اذا أتى المكلف بأركان الصلاة فحسب وترك سائر الأجزاء والشرائط رأسا لنسيان ونحوه، غيرمتجه، لان هذه المسألة غير معنونة في كلمات الاصحاب، فاذا كان الاخلال بغير الأركان بدرجة تمنع من صدق عنوان الصلاة عرفا فالصحيح انه لايشمله حديث لاتعاد، وقد ادعى صاحب الكفاية ان فاقد غير الأركان رأسالايصدق عليه الصلاة، وان كان لايبعد صدق اسم الصلاة عليه عرفا.
2- ان استدلاله “قده” بصحيحة الحلبي على تقوّم مسمى الصلاة بالأركان غير تامّ حيث لميظهر منها كونها بصدد بيان مسمى الصلاة، بل لعلها بصدد بيان ركنية الطهور والركوع والسجود في الصلاة المأمور بها، وهكذا لايظهر من قوله(عليهالسلام) “لاصلاة بغير افتتاح” اكثر من جزئية تكبيرة الاحرام، نظير ما ورد من” انه لاصلاة الا بفاتحة الكتاب([7])”، و”من لميقم صلبه فلا صلاة له([8])“، فانه لايظهر من ذلك عدا نفي الحقيقة ادعاء، ويشهد على ذلك موثقة عمار فيمن سهى الامام فلم يفتتح الصلاة قال يعيد الصلاة ولاصلاة بغير افتتاح([9])، حيث أمر فيها بإعادة الصلاة مع نسيان تكبيرة الإحرام، وهذا قرينة على صدق مسمى الصلاة بدونها، واما ما دل على ان تكبيرة الاحرام مفتاح الصلاة فلايظهر منه عرفا اكثر من انها اول جزء من الصلاة المأمور بها، وقد ورد في الروايات اطلاق لفظ الصلاة على فاقد الاركان كرواية مسعدة بن صدقة” افما يخاف من يصلى بغير وضوء ان يخسفه الارض خسفا([10])“، وقد مر الاستشهاد بقوله (عليهالسلام) “اذا زالت الشمس فقد وجب الصلاة والطهور”، بل اطلق لفظ الصلاة في حديث لاتعاد على الفاقد للأركان، حيث ورد فيه: انه لاتعاد الصلاة الا من خمس الوقت والقبلة والطهور والركوع والسجود([11])، فان الظاهر من الأمر باعادة الصلاة عند الإخلال باحد الخمسة المستثناة التي هي من الأركان صدق مسمى الصلاة على الفاقدة للركن.
هذا ومن جهة أخرى ان من صلّى الى غير جهة القبلة او صلّى قبل الوقت فيصدق مسمى الصلاة عليه عرفا مع فرض الإخلال فيه بالاركان، ومما يشهد على ما ذكرنا انه لااشكال في جريان قاعدة الفراغ في الصلاة عند الشك في الأركان، كما في الشك في الطهارة من الحدث بعد الفراغ من الصلاة، وقد اختار ذلك السيد الخوئي “قده”، مع انه “قده” يعتبر في جريان قاعدة الفراغ احراز تحقق العنوان.
3- قد أورد عليه في البحوث بان دلالة صحيحة الحلبي على تقوم الصلاة بثلاثة اشياء تكون بالوضع فلايمكن ان يجمع بينها وبين دليل ركنية التكبير بالتقييد، بان يلتزم بتقومها باربعة اشياء فانه يوجب الغاء عنوان الثلاثة مع كونه مستفادا من الدلالة الوضعية كما لايمكن ارادة مقومات الصلاة بعد الدخول فيها بتكبيرة الاحرام لانه ينافي مع كون احد الثلاثة الطهور، فانه مع الاخلال بالطهور أيضا لايتحقق مسمى الصلاة من بداية الأمر ايضا، فيتعين الجمع بينها وبين دليل ركنية التكبير بارادة التثليث من حيث الأهمية او الثواب، كما ورد ذلك بشأن سورة الاخلاص من انها ثلث القرآن الكريم، هذا اذا لميدع ظهور سياق دليل التثليث في ذلك من اول الأمر([12]).
ويلاحظ عليه انه لامانع من تخصيص صحيحة الحلبي بتكبيرة الإحرام، فان الصحيحة ليست أقوى دلالة من مثل قوله (عليهالسلام)” لايضرّ الصائم ما صنع اذا اجتنب أربعة خصال الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء([13])”، حيث خصص بسائر المفطرات.
نعم الصحيح عدم تعين تخصيص صحيحة الحلبي بما دل على ركنية تكبيرة الإحرام، فيمكن ان يكون ذلك قرينة على حمل صحيحة الحلبي على بيان اهمية الطهور والركوع والسجود.
واما ما اورده على توجيه السيد الخوئي لعدم ذكر تكبيرة الاحرام بانه قد يكون المقصود بيان مقومات الصلاة بعد الدخول فيها حيث نقض عليه بانه قد ذكر الطهور في الصحيحة فيمكن الجواب عنه بان الطهور قبل الصلاة وان كان يمنع من صدق الدخول في الصلاة، لكن حيث يلزم بقاءه الى آخر الصلاة فلعله لأجل ذلك ذكر في الحديث، وبذلك يختلف عن تكبيرة الإحرام، وهذا الجواب يأتي في صحيحة الحلبي أيضا، وبذلك يندفع النقض بالطهور.
4- ان السيد الخوئي “قده” جعل المقوم لمسمى الصلاة الجامع بين مراتب الأركان، ولأجل ذلك لميذكر القيام حال تكبيرة الاحرام والقيام قبل الركوع والوقت والقبلة، لإمكان وجود صلاة صحيحة فاقدة لهذه الأمور، وعليه فلو أتى القادر على القيام بالصلاة جالسا صدق عليها مسمى الصلاة، ولكن لميعرف انه لو صلى القادر على الركوع والسجود الاختياريين موميا الى الركوع والسجود فهل يرى “قده” تحقق المسمى بذلك ام لا، فقد يمنع عن تحقق المسمى بدعوى ان الإيماء ليس ركوعا ولاسجودا عرفا، وانما نزل منزلتهما شرعا في خصوص العاجز دون غيره، وكذا لو أشار غير الأخرس مكان تكبيرة الإحرام، و لميعرف أيضا انه لو أتى المتمكن من الوضوء بالصلاة مع التيمم، فهل يرى تحقق المسمى بذلك ام لا، فانه ان أريد من الطهور الطهور الفعلي كما لعله ظاهر صحيحة الحلبي فصلاته فاقدة له، وان اريد به الجامع بين الوضوء والتيمم فصلاته واجدة للتيمم وان كان تيممه فاسدا لفرض تمكنه من الوضوء.
5- ان من جملة انواع الصلاة صلاة الميت وهي لاتشتمل على الركوع والسجود والطهور، ولاوجه لدعوى كونها دعاء محضا وان اطلاق لفظ الصلاة عليها بالعناية والمجاز، فانه لاتوجد بحسب المرتكز أية عناية في حمل لفظ الصلاة عليها، كما يقال لها في الفارسية “نماز ميت”، ويشهد على ذلك ما في صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليهالسلام): فرض الله الصلاة وسن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على عشرة أوجه: صلاة السفر والحضر، وصلاة الخوف على ثلاثة أوجه، وصلاة كسوف الشمس والقمر، وصلاة العيدين وصلاة الاستسقاء، والصلاة على الميت([14])، ونظيرها رواية الحسين بن علوان([15])، واما معتبرة يونس بن يعقوب قال سألت اباعبدالله (عليهالسلام) قال سألته عن الجنازة اصلي عليها على غير وضوء؟ فقال: نعم، إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل([16]) فلايظهر منها نفي كونها صلاة، فانها نظير صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال تصلي على الجنازة في كل ساعة، انها ليست بصلاة ركوع وسجود([17]).
وهكذا صلاة المطاردة التي هي من اعلى مراتب صلاة الخوف، فقد ذكر المحقق في الشرايع في كيفية صلاة الخوف والمطاردة: “وأما صلاة المطاردة وتسمى صلاة شدة الخوف مثل أن ينتهي الحال إلى المعانقة والمسايفة فيصلي على حسب إمكانه واقفا أو ماشيا أو راكبا، ويستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام ثم يستمر إن أمكنه وإلا استقبل بما أمكن وصلى مع التعذر إلى أي الجهات أمكن، وإذا لميتمكن من النزول صلى راكبا ويسجد على قربوس سرجه وإن لميتمكن أومأ إيماء فإن خشي صلى بالتسبيح ويسقط الركوع والسجود ويقول بدل كل ركعة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر([18])“.
وقد ذكر المحقق الهمداني “قده” انه ان خشي من الإيماء ولو لأجل كون صرف الذهن اليه موجبا لتشويش باله المؤثر في الفتور في المحارسة على نفسه، صلى بالتسبيح ويسقط الركوع والسجود ويقول بدل كل ركعة سبحان الله والحمدلله ولااله الا الله والله اكبر، وهذا اي الاتيان بالصيغة بدلا عن كل ركعة مجز قطعا، بل الظاهر عدم الخلاف فيه، بل ادعى غير واحد في كلماتهم الإجماع عليه، ثم ذكر “قده” عدم تعين ذلك وكفاية الاتيان بالتكبيرة بدل كل ركعة([19]).
ويدل على ذلك رواية عبدالله بن المغيرة ان الصادق (عليهالسلام) قال اقل ما يجزي في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل صلاة الا المغرب فان لها ثلاثا، وفي موثقة سماعة بن مهران انه سأل الصادق (عليهالسلام) عن صلاة القتال فقال: إذا التقوا فاقتتلوا فإنما الصلاة حينئذ تكبير وإذا كانوا وقوفا لا يقدرون على الجماعة فالصلاة إيماء، وفي صحيحة زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) ان اصحاب اميرالمؤمنين (عليهالسلام) ليلة صفين وهي ليلة الهرير لمتكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة الا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء، فكانت تلك صلاتهم، و لميأمرهم باعادة الصلاة، ونظيرها روايات أخر([20]).
هذا وأما دعوى عدم صدق الصلاة على هذا المقدار الا بالعناية والمجاز كما ادعاه السيد الخوئي “قده” بالنسبة الى صلاة الغرقى حيث ذكر ان صلاة الغرقى لاتكون صلاة حقيقة، كما يظهر بالوجدان والرجوع الى المتفاهم العرفي([21])، وذكر نظيره السيد الإمام “قده”([22])، فهذا مما لاوجه له، لعدم وجدان أية عناية ومسامحة في اطلاق الصلاة عليها عرفا.
6- ان الصلاة حسب ما يظهر من الآيات والروايات كانت ثابتة في الشرائع السابقة، ويستبعد جدا كون الصلاة في الأمم السابقة متقومة بهذه الاركان المشرعة في الاسلام، كما كان للمشركين صلاة خاصة فاقدة لهذه الأركان، وقد قال تعالى “وما كان صلاتهم عند البيت الا مكاء وتصدية”.
7- ان السيدالخوئي “قده” قد ادعى وفاقا للمحقق القمي “قده” وضع اسماء العبادات بشكل عام للأركان، وحينئذ فيسأل عن كيفية وضع الصيام على خصوص الأركان، فقد ذكر ان المفهوم من كلمة الصيام مثلا كفّ النفس عن الاكل والشرب وهو معناه اللغوي، فالصيام بهذا المعنى كان ثابتا في الشرائع والأديان بقرينة قوله تعالى: كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر، حيث لميعتبر فيه سوى الكف عن الاكل والشرب عند تبين الخيط الاسود، نعم ذلك يختلف باختلاف كيفية الشرائع، ولكن كل ذلك الاختلاف يرجع الى الخارج عن ماهية الصيام، واعتبر في شرع الاسلام الكف عن عدة امور أخر ايضا، كالجماع والارتماس في الماء، وان لميكن الكف عنها معتبرا في بقية الشرائع، فلو شك في كون الاتماس في الماء مثلا من المفطرات فيمكن التمسك باطلاق قوله تعالى “كتب عليكم الصيام” لنفي مفطريته([23]).
فيلاحظ عليه انه لو كان مقصوده “قده” ما هو ظاهر كلامه من ان ركن الصوم في جميع الاديان هو الاجتناب عن الاكل والشرب فقط، فلم يقم عليه اي دليل، ولايظهر من قوله تعالى كلوا واشربوا… الترخيص في ارتكاب ما عدا الاكل والشرب كما هو واضح، والمفروض ان الصوم حسب دعواه قد وضع لما يشتمل على الأركان الشرعية لاالعرفية فقط، فلايكفي صدق الصوم اللغوي على مجرد الامساك عن الأكل والشرب، وعلى هذا فكلما يجب الإمساك عنه شرعا فيعتبر ركنا في الصوم حيث يبطل الصوم بارتكابه ولو جهلا بالحكم، ومعه فلو ارتكب ما يشك في مفطريته فيشك في تحقق مسمى الصوم ولايمكن حينئذ التمسك باطلاق الآية لنفي مفطريته، نعم لو تم ما اختاره بعض السادة الأعلام “دامظله” من ان الصوم مركب من الفريضة والسنة، والفريضة في الصوم هي الإمساك عن الاكل والشرب والجماع حيث دل عليه الكتاب الكريم، وسائر المفطرات تكون من السنة حيث دل عليها الروايات، فالإخلال بها عن جهل قصوري بالحكم لايوجب انتقاض الصوم للقاعدة المستفادة من حديث لاتعاد وهي ان السنة لاتنقض الفريضة، فيكون بناء على هذا المسلك اركان الصوم هو الاجتناب عن الأكل والشرب والجماع فحسب.
8- ان ما ذكره “قده” حول الاشكال الثاني فقد اورد عليه في البحوث ان وضع لفظ الصلاة على خصوص الاركان لابشرط من سائر الاجزاء والشرائط لايجتمع مع شمول مسمى الصلاة لتلك الأجزاء والشرائط لان اللابشرطية تعني رفض القيد، وهو يلازم خروجه وجودا وعدما، وليست بمعنى جمع القيود حتى يكون القيد في حال وجوده داخلا وفي حال عدمه خارجا، فانه مضافا الى فساد مبنى كون الاطلاق جمع القيود، يستلزم ان يكون المسمى افراد الصلاة بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص وهذا خلاف الوجدان اللغوي.
نعم لو فرض وضع اللفظ بإزاء عنوان انتزاعي، كعنوان المشتمل على الاركان، كان منطبقا على سائر الأجزاء والشرائط في فرض وجودها زائدا على وجود الأركان، كما ان الكلمة ما اشتمل على اكثر من حرف مثلا والدار موضوعة على ما اشتمل على غرفة فصاعدا، وهذا لاينافي ما مر من عدم احتمال وضع لفظ الصلاة مثلا بإزاء معنى انتزاعي، حيث كان المقصود منه نفي احتمال المعنى المنتزع عما هو خارج عن افعال الصلاة كعنوان الناهي عن الفحشاء والمنكر([24]).
وماذكره وان كان متينا لكن ينبغي ان يقال بناء على دعوى وضع لفظ الصلاة لخصوص الأركان بانه موضوع لأفعال متسانحة مشتملة على الأركان، فان تسريح اللحية في اثناء الصلاة ليس داخلا في مصداق الصلاة، مع ان عنوان المشتمل على الأركان يشمله أيضا.
9- ان ما ذكره من التفصيل بين المركبات الحقيقية والاعتبارية وان كان حسنا بالتوجيه الذي مر في الملاحظة السابقة لكن لايخفى ان المقصود من المركب الاعتباري ما يقابل المركب من الجنس والفصل لاالمركب التكويني فان الانسان مع كونه مركبا تكوينيا مع ذلك بلحاظ جسده من حيث الصغر والكبر والزيادة والنقصان، يكون كالمركب الاعتباري فاليد مثلا على تقدير وجودها جزء من جسد الإنسان ولكنه لايمنع من صدق الانسان على فاقد اليد، ووجه كونه مركبا اعتباريا عدم وجود حقيقة للمركب وراء أجزاءه.
الوجه الثالث: المشهور : ان لفظ الصلاة موضوع بإزاء معظم الأجزاء
الوجه الثالث من وجوه تصوير الجامع الأعمي ما نسبه الشيخ الأعظم “قده” الى المشهور من ان لفظ الصلاة موضوع بإزاء معظم الأجزاء([25]).
وأورد عليه صاحب الكفاية “قده” بوجهين:
1- انه يلزم منه كون استعمال لفظ الصلاة فيما هو المأمور به بأجزائه وشرائطه مجازا لأجل استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل، وهذا ما لايلتزم به القائل بالأعم.
2- انه يلزم منه تبادل ما هو دخيل في المسمى، فيكون شيء واحد داخلا في المسمى تارة وخارجا عنه أخرى، بل لو وجد جميع الأجزاء لزم التردد فيما هو دخيل في المسمى([26]).
ولكن ظهر الجواب عن كلا الوجهين لما مر من ان لفظ الصلاة موضوع بإزاء المشتمل على معظم الأجزاء، فمع اجتماع جميع الأجزاء والشرائط ينطبق المسمى على تمامها، ولايخفى انه ليس المراد وضع لفظ الصلاة بإزاء مفهوم معظم الإجزاء، او مفهوم المشتمل على معظم الأجزاء، كي يكون مرادفا لكلمة معظم الأجزاء او كلمة المشتمل على معظم الأجزاء، حتى يورد عليه بانه خلاف الوجدان، بل المراد وضعه بإزاء واقع المشتمل على معظم الأجزاء والذي هو متردد بين مجموع الأجزاء.
والانصاف ان هذا الوجه اقرب الوجوه في تصوير الجامع الاعمي، بل يمكن ان يقال بعدم الحاجة في صدق مسمى الصلاة الى وجود معظم اجزاءها، بل يكفي وجود عدة معتدّبها من الأجزاء.
لكن المهم في الإشكال على هذا الوجه ما أشكلنا به على الوجه السابق من عدم شمول هذا الوجه كالوجه السابق لصلاة الميت وصلاة المطاردة مع أنهما مصداقان للصلاة عرفا.
الوجه الرابع: ما ذكره السيد البروجردي “قده”
من ان الصلاة عنوان اعتباري منتزع من عدة امور متباينة، وله مراتب يشترك كلها في كونها تخشّعا مخصوصا أمام الربّ، وليست الصلاة عبارة عن نفس الأقوال والأفعال المتباينة المتدرِّجة في الوجود بل هي عبارة عن حالة توجه خاص يحصل للعبد ويوجد بالشروع في تلك الأقوال والأفعال الى ان يفرغ منها، فيكون هو في حال الصلاة حتى في الآنات المتخللة، ولكن لايعني ذلك ان الصلاة توجد بوجود آخر وراء وجودات الأجزاء، كي تكون الأجزاء محصلات له، بل هي بمنزلة الصورة لهذه الأجزاء فهي موجودة بعين وجودات الأجزاء([27]).
هذا وقد ذكر “قده” في بحث الإجزاء ان كل واحد من المكلفين قد كلفوا بإيجاد طبيعي الصلاة وهي طبيعة مجعولة لاتتعين الابتعيين شارعها، وقد قامت الأدلة الشرعية على ان صلاة المختار هكذا، وصلاة المضطر هكذا([28]).
ولايخفى ان هذا المقدار لايكفي لتوجيه الجامع الأعمي الا ان يضاف اليه ما حكي عنه “قده” من ان وضع الفاظ العبادات كالصلاة والصوم ونحوهما لماهياتها ليس بتعيين الشارع، فان سنخ هذه العبادات كان معمولا متداولا بين جميع ابناء البشر وارباب الملل، حتى في اعصار الجاهلية أيضا، وعلى طبق استعمالهم جرى استعمال الشارع أيضا، فهذه الألفاظ لمتستعمل في لسان الشارع الا في نفس هذه الماهيات، واعتبار القيود والخصوصيات المعتبرة في الاسلام انما ثبت من ادلة أخر، وليس وضعها بتعيين الشارع حتى يتوهم كون الموضوع له خصوص ما صح عنده واشتمل على جميع ما اعتبر فيه من الأجزاء والشرائط([29]).
وحكى عن بعض السادة الأعلام “دامظله” نظيرذلك حيث ذكر ان الصلاة ماهية اعتبارية، ويكون تعيين مصداقها في الشرائع السابقة وشريعة الاسلام على نحو متمم الجعل التطبيقي، حيث يقوم دليل آخر -غير خطاب جعل الأمر بالصلاة – على تعيين الشارع مصاديقها بشتى انواعها والمختلفة باختلاف حالات المكلفين، كما طبّقتها الشرائع السابقة على اعمال خاصة، ولايمكن تصوير جامع بين هذه الأنواع لما فيها صلاة المختار وصلاة الميت وصلاة المطاردة والمسايفة وصلاة الغرقى والصلاة في الأمم السابقة، واذا اريد خصوص الصحيح فيراد من الصلاة الماهية الاعتبارية التي قد اعتبرها الشارع ووافقت القانون.
اقول: يلاحظ على هذا الوجه اولا: انه كيف يختلف حينئذ مسمى الصلاة مثلا قبل تبيين مصاديقه من قبل الشارع عن سائر الماهيات كالاعتكاف، ومجرد كونه نحو تخشّع أمام الربّ لايميزه عن غيره لكون الاعتكاف أيضا من هذا القبيل.
وثانيا: ان لازم ذلك عدم شمول الجامع الاعمي الا لما اعتبر مصداقا للماهية الاعتبارية ولو في الأمم السابقة، فمثل الصلاة الفاقدة للطهور حيث لمتعتبر مصداقا للماهية الاعتبارية لافي الشرائع السابقة ولافي هذه الشريعة، فلا يمكن ان نطبق عليها لفظ الصلاة ؛ مع انه خلاف الوجدان.
الوجه الخامس: ما هو المختار من تصوير جامع مركب أوي
بان يكون مسمى الصلاة ما يشتمل على عدة معتدّبها من تكبيرة الإحرام والركوع والسجود وغيرها من الأجزاء والشرائط المعهودة في الصلاة، او يشتمل على عدة معتدّبها من أجزاء صلاة الميت او صلاة الخوف والمطاردة، مشروطة بصدورها في هذا الحال، حيث انه لو صدر في غير هذا الحال ما يكون شبيها بصلاة الخوف والمطاردة فلايكون صلاة عرفا.
هذا، وقد ذكرت وجوه أخرى لتصوير الجامع الأعمي مما لايرجع الى محصَّل.