فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

في مفاد ادلة الاستصحاب.. 1

ثمرة البحث عن مفاد ادله الاستصحاب.. 1

1- فی قیام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي.. 2

تقریبات البحث علی فرض كون مفاد روايات الاستصحاب التعبد بالعلم بالبقاء 2

البيان الاول: قوله “فانه على يقين من وضوءه” ارشادا الى انشاء اليقين بالبقاء 2

البيان الثاني: مفاد النهي عن نقض اليقين بالشك يقتضي ترتيب آثار القطع الموضوعي الطريقي.. 3

البيان الثالث: المستفاد من دليل الاستصحاب مثلا هو الامر بترتيب آثار اليقين، وهذا يشمل آثار اليقين الموضوعي.. 7

البيان الرابع: بعد عدم امكان تعلق النهي الحقيقي بنقض اليقين بالشك ، فيحمل كناية وارشادا 7

البيان الخامس: لزوم حمل “لا تنقض اليقين بالشك” على نفي انتقاض اليقين بالشك…. 8

البيان السادس: جعل النهي عن اللازم كناية عن عدم الملزوم. 9

الملازمة العرفية يثبت كون القطع بالواقع التنزيلي منزَّلا منزلة القطع بالواقع الحقيقي.. 13

ثلاثة وجوه استدل البحوث على عدم قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي.. 15

 

موضوع: مفاد ادله استصحاب /استصحاب /اصول

خلاصه مباحث گذشته:

متن خلاصه …

 

 

في مفاد ادلة الاستصحاب

ينبغي التعرض الى بيان ما هو الصحيح في مفاد روايات الاستصحاب،

ثمرة البحث عن مفاد ادله الاستصحاب

وتظهر ثمرة ذلك في عدة موارد:

1- فی قیام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي

اهمها قیام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي لترتیب آثاره الشرعیة، كجواز الاخبار بالواقع، فانه لو قيل بكون مفاد روايات الاستصحاب التعبد بالعلم بالبقاء او الحكم بترتيب آثار العلم بالبقاء، كان من الواضح امكان التمسك باطلاقه لترتيب آثار القطع الموضوعي، وهذا ما اختاره جماعة منهم صاحب الكفاية في حاشيته على الرسائل والمحقق النائيني والعراقي والسيد الخوئي “قدهم” وقد ذكر في تقريب ذلك عدة بيانات:

تقریبات البحث علی فرض كون مفاد روايات الاستصحاب التعبد بالعلم بالبقاء

البيان الاول: قوله “فانه على يقين من وضوءه” ارشادا الى انشاء اليقين بالبقاء

البيان الاول: ما اختاره جماعة من كون قوله “فانه على يقين من وضوءه” ارشادا الى انشاء اليقين بالبقاء، وهذا ما صرح به بعض الاعلام “قده” في المنتقى([1]) وكذا بعض السادة الاعلام “دام ظله”([2])، ولكن ذكرنا أن حمل هذه الجملة على انشاء اليقين خلاف ظهورها في الاخبار، ويؤيده ما ورد بعده من قوله “ولا ينقض اليقين بالشك” حيث ان ظاهره النهي عن نقض اليقين السابق بالوضوء بالشك اللاحق فيه فقد فرض وجود الشك في الوضوء فعلا، وأما ما ذكره المحقق النائيني “قده” من كون قوله “فانه على يقين من وضوءه”، ظاهرا في الامر بالبناء العملي على اليقين، فلا يزيد على ما استظهره من قوله “لا ينقض اليقين بالشك”، وسيأتي توضيحه.

البيان الثاني: مفاد النهي عن نقض اليقين بالشك يقتضي ترتيب آثار القطع الموضوعي الطريقي

البيان الثاني: ما ذكره المحقق النائيني “قده” من أن مفاد النهي عن نقض اليقين بالشك هو النهي عن النقض العملي لليقين بالشك، والامر بالجري العملي وفق اليقين من حیث کونه حاکیا عن متعلقه، وهذا يقتضي ترتيب آثار القطع الموضوعي الطريقي اي المأخوذ في موضوع الحكم الشرعي من حيث انه طريق الى متعلقه وحاكٍ عنه لا من حيث انه صفة نفسانية.

جهات اربعة للعلم

وقد ذكر في توضيح ذلك أن للعلم اربع جهات: جهة كونه صفة نفسانية خاصة، وجهة كونه كاشفا عن الواقع، وجهة اقتضاءه للجري العملي -حيث إنّ العلم بوجود الأسد في الطريق يقتضى الفرار عنه، والعلم بوجود الماء يوجب التوجه إليه إذا كان العالم عطشانا، ولعله لذلك سمّى العلم اعتقادا، لما فيه من عقد القلب على وفق المعتقد والبناء العملي عليه– وجهة تنجيز الواقع والتعذير عنه، فالمجعول في الأمارة الجهة الثانية، وفي الاصول المحرزة -التي يعَبّر عنها ايضا بالاصول التنزيلية وهي التي تكون ناظرة الى الواقع كالاستصحاب- الجهة الثالثة، أي الجري والبناء العملي على الواقع من دون أن يكون هناك جهة كشف، إذ ليس للشك الذي أخذ موضوعا في الأصول جهة كشف عن الواقع، فلا يمكن أن يكون المجعول في باب الأصول الطريقية والكاشفية، بل المجعول فيها هو الجري والبناء العملي على احد طرفي الشك على أنه الواقع، فالإحراز في باب الأصول المحرزة غير الإحراز في باب الأمارات، فانّ الإحراز في الأمارات هو إحراز الواقع مع قطع النظر عن مقام العمل، وأما الإحراز في الأصول المحرزة فهو الإحراز العملي في مقام تطبيق العمل على المؤدى.

والمجعول في الأصول غير المحرزة -كأصالة الاحتياط والحل والبراءة- هو مجرد البناء على أحد طرفي الشك من دون البناء على أنه الواقع، فالاصل غير المحرز لا يقتضي أزيد من الجهة الرابعة للعلم أي تنجيز الواقع عند المصادفة والعذر عند المخالفة، وهذا لا يعني أنّ المجعول في الأصول غير المحرزة نفس التنجيز والتعذير، بل المجعول فيها الجري العملي على احد طرفي الشك من دون بناء على أنه الواقع، وهذا لا يقتضي أزيد من التنجيز والتعذير، فمع حفظ الشك يحكم على أحد طرفي الشك بالوضع في الاحتياط والرفع في البراءة، فلو وجب الاحتياط فخالفه وانجرّ الى مخالفة الواقع فيكون عقابه على مخالفة وجوب الاحتياط، لا على مخالفة الواقع، لقبح العقاب عليه مع عدم العلم به([3]).

وقد نقل عنه المرحوم الشيخ حسين الحلي “قده” بيانا آخر اوضح فقال: الذي حرّرته عنه “قده” أنّه باعتبار أنّ حصول مقدّمات العلم يكون موجبا لانفعال النفس بذلك، بحيث إنّ النفس بواسطة انفعالها عن تلك المقدّمات تحدث تلك الصورة في صقعها الداخل، فتكون هي المرتبة الأُولى من مراتب العلم المعبّر عنها بانفعال النفس، ثمّ من بعد هذه المرتبة مرتبة تلك الصورة التي أحدثتها النفس في صقعها الداخل، و بهذا الاعتبار يكون العلم من مقولة الكيف، باعتبار تكيّف النفس بتلك الصورة، ثمّ من بعد هذه المرتبة مرتبة ثالثة، و هي مرتبة إضافة تلك الصورة إلى ما في الخارج باعتبار انكشافه بها، و بالنظر إلى هذه المرتبة يكون العلم من مقولة الاضافة وعبر عنه بالكاشف بالعرض وعن معلومه بالمعلوم بالعرض

ثمّ من بعد هذه المرتبة مرتبة رابعة، و هي مرتبة عقد القلب و الاعتقاد بذلك الواقع، و يتفرّع على هذه المرتبة الهرب عن ذلك الأمر الخارجي إن كان ممّا يهرب و ينفر عنه، و الميل إليه و السعي نحوه إن كان ممّا يرغب فيه و يسعى نحوه.

و المرتبتان الاوليان ليستا قابلتين للجعل الشرعي، فإنّهما من الأُمور التكوينية الصرفة، وانما القابل له المرتبتان الأخيرتان، فتجعل المرتبة الثالثة للأمارات، و تجعل المرتبة الرابعة للأُصول المحرزة([4]).

اقول: ظاهر كلامه أنه يرى النهي عن نقض اليقين بالشك نهيا مولويا طريقيا، وحيث لا يمكن تعلق النهي المولوي عن نقضه الحقيقي بالشك لانتقاضه بمجرد الشك، وليس تحت اختياره، فيحمل على النهي عن نقضه العملي به، والانصاف أنه لا يظهر منه عرفا أكثر من ترتيب آثار اليقين الطريقي المحض دون ترتيب آثار اليقين الموضوعي، فلو قيل لشخص شاكٍ في بقاء زيد في بيته “لاتنقض يقينك بالشك” فلايظهر منه أكثر من امره بترتيب آثار بقاءه في بيته، مثل لزوم زيارته، دون ترتيب أثر اليقين الموضوعي، كجواز الاخبار بانه باقٍ في بيته، فانه حيث يعلم بارتفاع احكام يقينه بتبع ارتفاع يقينه وجدانا، فعدم ترتيب تلك الآثار لا يكون من نقض اليقين بالشك بل من نقض اليقين باليقين.

هذا وقد حكي عنه في اجود التقريرات أن الأصول المحرزة تشترك مع الأمارات في أن المجعول في مواردها هي الوسطية في الإثبات من حيث انكشاف الواقع في الأمارات ومن حيث الجري العملي في الأصول التنزيلية المترتب على تنجز الواقع عند الإصابة والمعذرية عنه عند الخطأ، فالأصول التنزيلية وسط بين الأمارات والأصول غير التنزيلية فمن حيث اشتراكها مع الأمارات في أن المجعول فيها هي الوسطية في الإثبات على ما عرفت تقوم مقام العلم الطريقي والمأخوذ في الموضوع على الوجه الطريقية، ومن حيث اشتراكها مع الأصول غير التنزيلية في أخذ الشك في موضوعها لا يكون مثبتاتها حجة، والحاصل أنه لا فرق بين الأصول التنزيلية والأمارات إلا في أن الشك أخذ موضوعا للأولى دون الثانية، والا فالمجعول في الاصول التنزيلية أيضا هي الوسطية في الإثبات وكون الأصل محرزا للواقع من حيث الجري العملي، وأما الأصول غير التنزيلية فحيث انها ليست ناظرة إلى الواقع أصلا فلا يمكن أن يكون المجعول فيها الواسطية في الإثبات ونفس صفة الطريقية، بل لابد من الالتزام بكونه فيها هي الأحكام التكليفية([5])، وقد يظهر منه كون المجعول في الاصول المحرزة كالاستصحاب العلم لا من حيث الكاشفية، بل من حيث اقتضاء الجري العملي، وهذا ما قد ينسب اليه في بعض الكلمات([6]).

كما ذكر (في ذيل التعبير المنقول عنه في فوائد الاصول من قوله “انّ المجعول فيها –اي في الاصول المحرزة- هو البناء العملي على أحد طرفي الشكّ على أنّه هو الواقع، و إلغاء الطرف الآخر وجعله كالعدم”‏([7]) أنه “قده” عدل في الدورة الأخيرة عن ذلك، أعني كون مفادها لزوم البناء العملي، بل جعل مفاد دليل حجّيتها هو الوسطية في الإثبات، من حيث الجري العملي([8]).

ولكن يرد عليه أنه لا يمكن أن يعتبر العلمية ولا يعتبر الكاشفية، فانه نظير أن نعتبر الرجل الشجاع فردا من الاسد، لا من حيث الاسدية، بل من حيث الشجاعة، فانه غير معقول.

البيان الثالث: المستفاد من دليل الاستصحاب مثلا هو الامر بترتيب آثار اليقين، وهذا يشمل آثار اليقين الموضوعي

البيان الثالث: ما ذكره المحقق العراقي “قده” من كون المستفاد من دليل الاستصحاب مثلا هو الامر بترتيب آثار اليقين، وهذا يشمل آثار اليقين الموضوعي([9])، وهذا البيان وان كان قد يختلف بظاهره عن البيان السابق المنقول عن المحقق النائيني، لكن الظاهر أن مآلهما الى شيء واحد، وهو استظهار النهي المولوي الطريقي عن النقض العملي لليقين بالشك، مع ضم دعوى شمول اطلاقه لعدم ترتيب آثار القطع الموضوعي.

مناقشه

ويرد عليه نفس ما اوردناه على المحقق النائيني من أنه لا يظهر منه عرفا أكثر من ترتيب آثار اليقين الطريقي المحض دون ترتيب آثار اليقين الموضوعي، فلو قيل لشخص شاكٍ في بقاء زيد في بيته “لاتنقض يقينك بالشك” فلايظهر منه ترتيب أثر اليقين الموضوعي، حيث يعلم بارتفاع احكام يقينه بتبع ارتفاع يقينه وجدانا، فعدم ترتيب تلك الآثار لا يكون من نقض اليقين بالشك بل من نقض اليقين باليقين.

البيان الرابع: بعد عدم امكان تعلق النهي الحقيقي بنقض اليقين بالشك ، فيحمل كناية وارشادا

البيان الرابع: ما قد يدعى من أنه بعد عدم امكان تعلق النهي الحقيقي بنقض اليقين بالشك لانتقاضه به وجدانا، فيحمل على النهي عن نقضه الحقيقي بالشك كناية وارشادا الى اعتبار بقاء اليقين في نظر الشارع، نظير قوله (صلى الله عليه وآله) “دعي الصلاة ايام أقراءك” بناء على وضع الصلاة للصحيح، حيث يكون النهي عن الصلاة في ايام الحيض ارشادا الى عدم تمكنها منها، ولا ينبغي الاشكال في شموله لاحكام اليقين الموضوعي، وهذا هو المتناسب مع ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أن الاستصحاب أمارة كسائر الامارات، لاعتبار كونه عالما بالواقع، وهو وان لم يذكر تقريبا لذلك لكن كلامه([10]) يتناسب مع حمله النهي عن نقض اليقين بالشك على الارشادية والكنائية عن بيان اعتبار بقاء اليقين،

مناقشه

ولكن الانصاف أن هذا الحمل خلاف الظاهر، فان الظاهر تعلق النهي بالفعل الاختياري للمكلف، وليس ذلك الا النقض العملي لليقين، والارشاد لايتلائم مع التعبير في الصحيحة الثانية عن اليقين بلسان الفعل الماضي “كنت على يقين من طهارتك فشككت” ومع النهي عن النقض بكلمة “لا ينبغي لك”.

البيان الخامس: لزوم حمل “لا تنقض اليقين بالشك” على نفي انتقاض اليقين بالشك

البيان الخامس: ما قد يدعى من لزوم حمل “لا تنقض اليقين بالشك” على نفي انتقاض اليقين بالشك، كما في قوله في حديث الاربعمأة “من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين([11])، او في مكاتبة القاساني “اليقين لا يدخل فيه الشك([12])“، حيث ان مدلولهما نفي انتقاض اليقين بالشك، وحيث ان النفي الحقيقي خلاف الواقع فلابد من حمله على النفي الادعائي، وان ابيت عن قبول ذلك في غير الحديثين فحيث لا معارضة بين كون مدلولهما النفي ومدلول غيرهما النهي فيكفي تمامية دلالتهما على النفي وبذلك يثبت اعتبار بقاء اليقين.

مناقشه

وفيه أن قوله في الصحيحة الثانية لزرارة “كنت على يقين من طهارتك فشككت، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ابدا” ليس قابلا للحمل على النفي ابدا، بل الامر كذلك في قوله فی الصحیحة الاولى “لا ينقض اليقين بالشك ابدا، بل ينقضه بيقين آخر”.

واما حديث الاربعمأة ومكاتبة القاساني فمضافا الى ضعف سندهما ليسا بظاهرين في نفي الانتقاض الحقيقي لليقين، بل لعل المراد منهما نفي الانتقاض العملي، حيث لا يتناسب النفي الادعائي لانتقاضه الحقيقي مع الاعتراف بطروّ الشك، على أن المنقول في ارشاد المفيد “فان اليقين لا يدفع بالشك”([13])، وهذا ليس بظاهر في نفي انتقاض اليقين بالشك.

البيان السادس: جعل النهي عن اللازم كناية عن عدم الملزوم

البيان السادس: ما قد يقال من أن النهي عن نقض اليقين بالشك وان كان ظاهرا في النهي عن النقض العملي، لكونه الفعل الاختياري القابل لتعلق النهي، لكن لابد من حمل هذا النهي على كونه كناية عن عدم انتقاض اليقين، بلحاظ أن النقض العملي لليقين لازم انتقاضه الحقيقي بالشك، فجعل النهي عن اللازم كناية عن عدم الملزوم، والوجه في ذلك أنه لا يمكن الالتزام يالنهي التحريمي للنقض العملي لليقين، كيف وقد يكون المستصحب حكما ترخيصيا او موضوعا له، كما هو مورد عدة من روايات الاستصحاب، فلابد أن يحمل على المعنى الكنائي.

وقد نسب السيد الصدر على ما حكي عنه هذا البيان الى المحقق النائيني “قده” بدعوى أنه استفاد منه جعل الطريقية و العلمية للاستصحاب بالرغم من حمله النقض على النقض العملي لا الحقيقي، وقد جعل ذلك جوابا عن المحقق العراقي “قده” حينما أشكل على المحقق النائيني “قده” بأن ما ذكره هنا من كون النهي عن نقض اليقين بالشك دالا على قيام الاستصحاب مقام القطع الطريقي المحض والقطع الموضوعي معا، مناقض مع ما ذهب اليه في بحث الشك في المقتضي من أن ظاهر النهي عن نقض اليقين بالشك النهي عن النقض العملي لليقين بما هو حاكٍ عن المتيقن، ويكون اسناد النقض الى اليقين باعتبار ما للمتيقن من اقتضاء البقاء، فكأنه أسند نقض آثار المتيقن إلى اليقين، ولذلك يختص الاستصحاب بموارد الشك في الرافع، ووجه التهافت أنه يتوقف استفادة قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي‏ على لحاظ نقض اليقين بما هو يقين، لا بلحاظ اقتضاءه للجري العملي على وفق المتيقن ولترتيب آثاره‏([14]).

فقال في الجواب عنه: ان المحقق النائيني لو كان يختار أنّ مفاد الحديث هو النهي التحريمي، كما اختاره المحقّق العراقي، لكان كلامه متناقضا، اذ لو كانت روح المطلب هي حرمة نقض المتيقّن و إن صحّ إسناد هذا النقض إلى اليقين، إذن فلا معنى لقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي، و لو كان روح المطلب هو حرمة نقض اليقين، إذن لكفى استحكام اليقين، و لم نحتج إلى فرض إحراز المقتضي، و لكن المحقق النائيني لا يقول بأنّ مفاد الحديث هو النهي التحريمي، و إنّما يرى أنّ مفاده هو النهي الكنائي، فهو قد نهى عن نقض المتيقن مسنِداً لهذا النهي إلى اليقين، و هو نهي عن النقض العملي، و لكنّه ليس نهياً تحريمياً عن النقض العملي، و إنّما هو كناية عن البقاء التعبدي لليقين الذي هو مقتضي الجري العملي.

ووجه عدم جعله النهي عن نقض اليقين كناية عن بقاء المتيقّن أنه يرى أنّ الحجّيّات المجعولة عقلائياً إنّما تكون كلّها بحسب الارتكاز العقلائي جعلًا للطريقيّة، و لا يتصوّرون في حجّيّاتهم غير ذلك، فيرى أنّ هذا الارتكاز موجب لانصراف الكلام‏ إلى المعنى الثاني، إذن ففي حين أنّ نقض المتيقّن اسند إلى اليقين، فيحتاج إلى إحراز المقتضي، مع ذلك يكون الكلام كناية عن اعتبار بقاء اليقين، فتترتّب آثار العلم الموضوعي و الطريقي معاً، فلا تهافت في كلامه بحسب مبانيه و إن كانت مبانيه غير صحيحة.

نعم، يبقى هنا إشكال آخر و هو: أنّه لعلّه إنّما نزّل الشارع الاستصحاب منزلة اليقين من حيث الآثار العقلية، و هي التنجيز و التعذير، دون الآثار الشرعية، فمن أين عرفنا أنّه قد جعل الشارع هنا الشكّ علماً، و نزّل الاستصحاب منزلة اليقين في كلا قسمي الآثار؟ و لا معنى لدعوى جريان الإطلاق في المقام؛ لأنّ هذا التنزيل ليس هو المفاد المطابقي للكلام حسب الفرض، و إنّما المفاد المطابقي له هو النهي، و المفروض أنّ النهي جعل كناية، فلا يُدرى أنّه جعل كناية عن تنزيل الشكّ منزلة العلم في كلا قسمي الأثر، أو جعل كناية عن تنزيله منزلته في خصوص الآثار العقلية من التنجيز و التعذير، و لا تعيّن للأوّل في قبال الثاني، و يكفي في كنائيّة النهي الثاني.

و هذا الإشكال أيضاً يظهر جوابه بالنظر إلى مباني المحقّق النائيني، فإنّه لا يرى أنّ ترتّب التنجيز و التعذير على الاستصحاب مثلا يكون بتنزيله منزلة العلم في هذا الاثر، بل يرى استحالة ذلك، لأنّ تنزيل الشارع شيئاً منزلة شي‏ء إنّما يعقل إذا كان آثار المنزّل عليه من مجعولاته، فله أن ينزّل الطواف مثلًا منزلة الصلاة، دون ما إذا كانت آثاره من قبل حاكم آخر، و هو العقل، كما في المقام، فهو يبني على أنّ المولى جعل الاستصحاب علماً، من دون نظر إلى الآثار، فبعد جعل هذا المصداق من العلم يترتب عليه جميع آثار العلم قهرا([15]).

اقول: ظاهر كلام المحقق النائيني أنه يرى كون النهي عن نقض اليقين بالشك مولويا لا كنائيا، والا فلم يكن موجب لحمله النقض على النقض العملي، فان موجبه كونه متعلق النهي، فلابد أن يكون فعلا اختياريا للمكلف، وهذا لا ينافي كون النهي عن نقض اليقين في مورد اليقين السابق بالترخيص او موضوعه بداعي التعذير، كقوله في موثقة ابن بكير “اياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن أنك أحدثت” و في مورد اليقين السابق بالتكليف او موضوعه بداعي التنجيز، ولا مانع من الجمع بينهما كما هو كذلك في الامر بتصديق العادل حيث يشمل الخبر الترخيصي والخبر الالزامي، وهكذا الامر بالمضي في قاعدة التجاوز حيث يشمل ما يمكن الاختياط بتداركه كالشك في التشهد بعد القيام، ويشمل ما لا يمكن فيه الاحتياط، كالشك في الركوع بعد ما دخل في السجود.

والصحيح أن نجيب عن اشكال التهافت أن النائيني “ره” ذكر في كلا المقامين أن اليقين لوحظ بما هو حاكٍ عن متعلقه ومقتضٍ للجري العملي وفقه، فذكر في بحث الشك في المقتضي أنه لأجل ذلك صح اطلاق النقض عليه فيما كان للمتيقن اقتضاء البقاء، ولا يصح ذلك مع قصور المقتضي فلا يقال عند انتهاء مدة الزواج الموقت انه انتقض اليقين بالزوجية، كما ذكر في المقام أن اليقين في النهي عن نقض اليقين لوحظ بما هو حاكٍ عن متعلقه وطريق اليه، فلا يشمل القطع الموضوعي الصفتي، ولكنه لا مانع من شموله للقطع الموضوعي الطريقي لكون الملحوظ فيه القطع بما هو طريق الى متعلقه فلا يوجد تهافت في البين.

اشتراک بيانات الستة في عدم قبول کلام الشيخ الاعظم ره

ثم لا يخفى أن جميع هذه البيانات الستة لتقريب قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي مشتركة في عدم قبول ما يظهر من الشيخ الاعظم “قده” من حمل كلمة اليقين على ارادة المتيقن، وأن النهي عن نقض اليقين بالشك بمعنى النهي عن نقض المتيقن بالشك، فانه بناء عليه لا يبقى مجال عرفا لاستفادة قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي.

نعم مرّ في بحث قيام الامارات والاصول مقام القطع الموضوعي أنه بناء على كون مفاد دليل الاستصحاب تنزيل المستصحب منزلة الواقع كما هو المنسوب الى الشيخ “قده” ويظهر من صاحب الكفاية قبوله في ذلك البحث فيظهر من حاشية صاحب الكفاية على الرسائل أنه بالملازمة العرفية يثبت كون القطع بالواقع التنزيلي منزَّلا منزلة القطع بالواقع الحقيقي([16]).ولكنه انكر هذه الملازمة في الكفاية([17])،

الملازمة العرفية يثبت كون القطع بالواقع التنزيلي منزَّلا منزلة القطع بالواقع الحقيقي

وما ذكره في الكفاية من المنع من الملازمة العرفية هو الصحيح، ولتوضيح ذلك نذكر مثالا، وهو أن مفاد قاعدة الطهارة أن مشكوك الطهارة طاهر، فنحن حينئذ نقطع بكونه طاهرا تنزيليا، لكننا نلتفت الى أنه ليس القطع بالطهارة التنزيلية قطعا بالطهارة الواقعية، والموضوع في قول المولى “اذا قطعت بكون شيء طاهرا فتوضأ منه” هو القطع بالطهارة الواقعية لا الاعم منه ومن القطع بالطهارة التنزيلية فلا يبقى وجه لاستظهار كون القطع بالطهارة التنزيلية محكوما بحكم القطع بالطهارة الواقعية.

نعم لو كانت الحكومة واقعية كما لو قال المولى “اذا قطعت بكون شخص عالما فلا تتقدم عليه في المشي” ثم قال “ولد العالم عالم” فلا يبعد أن يكون اطلاق الحكومة موجبا لصيرورة القطع بكون شخص ولد العالم موضوعا ايضا لهذا الحكم، ولو لم‌ يعلم بكونه عالما تنزيليا، وان ابيت فلا أقل من صيرورته موضوعا للحكم بعد العلم بكونه عالما تنزيليا، وأما في الحكومة الظاهرية كقوله “مشكوك الطهارة طاهر” فيراه العرف في قبال القطع بالطهارة، وانما تكون مجرد منجز ومعذر لها، والمقام من هذا القبيل، وبهذا اتضح أنه لو قال المولى “اذا قطعت بكون مايع خمرا فأهرقه” ثم ورد في خطابٍ “ما قامت الامارة على كونه خمرا فهو خمر” فيختلف عما لو ورد “العصير العنبي خمر”، حيث تكون حكومة الاول حكومة ظاهرية، ويكون في قبال القطع بالخمرية فلا يرى العرف تنزيل القطع بالخمر التنزيلي منزلة القطع بالخمر الحقيقي، فما يدعى من ثبوت الملازمة العرفية للغفلة النوعية العرفية عن مغايرة القطع بالواقع التنزيلي مع القطع بالواقع الحقيقي غير متجه، للمنع عن الغفلة النوعية.

وكيف كان فنحن وان انكرنا كون معنى النهي عن نقض اليقين بالشك النهي عن نقض المتيقن بالشك، بل استظهرنا النهي المولوي الطريقي عن النقض العملي لليقين بالشك، لكنه لا يظهر منه أكثر من النهي الطريقي عن نقضه العملي بغرض تنجيز الواقع او التعذير عنه، فالصحيح عدم قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي.

ثلاثة وجوه استدل البحوث على عدم قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي

هذا وقد استدل في البحوث على عدم قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي، -مضافا الى ما مرّ من كون رفع اليد عن آثار القطع الموضوعي بعد طروّ الشك نقضا لليقين باليقين- بوجوه ثلاثة أخرى:

احدها: انه قد مر سابقا أن النقض ضد الإبرام و مصحح اسناده إلى اليقين التفاف اليقين و شدة تعلقه بالمتيقن، و هذه العلاقة انما تكون بلحاظ الآثار الطريقية لليقين، لأنّ الإبرام العملي لليقين بمتيقّنه إنّما يكون باعتبار اقتضاءه للعمل بمتيقّنه، لا باعتبار ما لليقين من أثر شرعي.

ثانيها: حتى لو كان النقض بمعنى رفع اليد، فالظاهر أن اسناد النقض العملي إلى اليقين انما يكون بلحاظ ما يقتضيه من التنجيز و التعذير أي الآثار الطريقية لا بلحاظ ما قد يقع اليقين موضوعا له من الآثار الشرعية، لأن ما يقتضي الجري العملي ليس هو ذات الموضوع للحكم الشرعي و انما هو إحرازه و اليقين به، و لهذا لا يناسب ان يقال لا تنقض الماء بالتغير او لا ترفع اليد عن الماء بالتغير، بمعنى لا ترفع اليد عن أحكامه و آثاره، و السرّ في عدم شمول النقض العملي لرفع اليد عن الآثار الشرعية هو: أنّ موضوع الحكم ليس مقتضياً للعمل على طبق الحكم حتّى يكون عدم العمل به رفعاً عملياً له، فإنّ اقتضاء شي‏ء للجري العملي إمّا عبارة عن الاقتضاء العقلي له، و هو منحصر في مسألة التنجيز و التعذير، فاليقين يقتضي عقلًا جري العمل وفق متعلقه بالتنجيز و التعذير، و إمّا عبارة عن الاقتضاء التشريعي له، و هذا الاقتضاء إنّما يكون لنفس الحكم و التشريع لا لموضوعه، فالحكم له اقتضاء تشريعي ذاتاً و مباشرةً للعمل بمتعلّقه، و إسناد الاقتضاء إلى موضوعه يكون بشي‏ء من المسامحة الواضحة التي لا تصحّح إسناد النقض العملي إليه.

و كون اليقين الواقع موضوعا لأثر شرعي مستلزما لإحراز ذلك الأثر، لكون اليقين باليقين عين اليقين نفسه لا يصحح اسناد النقض إلى اليقين بما هو موضوع لأثر شرعي بل بما هو طريق، فإنّ ما ذكر من الفرق بين اليقين و غيره ليس شيئاً عرفياً يعتمد عليه العرف، و يصحّح بذلك إسناد النقض العملي إلى اليقين باعتبار أحكامه الشرعية.

ثالثها: انه قد يقال ان استفادة جعل العلمية للاستصحاب مستحيل ثبوتا، لأن الشك قد أخذ موضوعا لهذا الجعل في لسان دليل الاستصحاب، ولابد من أن ينظر الى الموضوع مفروغا عنه، و هذا يتهافت مع كون النظر إلى إلغاءه و جعله علما.

مناقشه

والجواب عنه (بما قد يستفاد من بعض عبائر المحقق النائيني “قده” من الفرق بين العلمية المجعولة للأمارات، و العلمية المجعولة للاستصحاب، من حيث ان الأمارات قد جعلت علما من حيث الكاشفية، بينما أن الاستصحاب جعل علما من حيث اقتضاء الجري العملي، فقوله “لا تنقض اليقين بالشك” قد فرغ فيه عن وجود الشك خارجا بلحاظ مرحلة الانكشاف، و ادعي عدم وجوده بلحاظ عالم الجري العملي فلا تهافت) يوجب انهيار أصل البيان على قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي، لأن قيامه مقامه يعني قيامه مقام ما هو ظاهر أدلة القطع الموضوعي من أخذه بما هو كاشف، لا بما هو منجز([18]).

ولكن يرد على الوجه الاول -مع غمض العين عن عدم اشتمال جميع الروايات على كلمة النقض، كرواية اسحاق بن عمار “اذا شككت فابن على اليقين” بناء على تماميتها سندا، ودلالتها على الاستصحاب- أن صدق النقض ظاهر في كونه بلحاظ ما يتصور فيه من ابرام واستحكام، والا فلوكان وجهه التفاف اليقين بمتعلقه صح أن يقال مثلا “انتقض اليقين عن الوضوء” او ينهي عن نقضه عن الوضوء، مع انه غير صحيح عرفا، مضافا الى أن متعلق النقض هو مجموع الشيء المفتول كالحبل، فلا يقال نقضت طرف الحبل اذا حله عن الطرف الآخر.

ولو سلم ما ذکره من كون المصحح لاسناد النقض الى اليقين لحاظ التفافه وفتله بمتعلقه، فمع ذلك لا مانع من كون النهي عن نقض اليقين بشيء كناية عن اعتبار بقاء اليقين به، من دون حاجة الى وجود اثر لمتعلقه، بأن كان الاثر مترتبا على اليقين به بنحو تمام الموضوع فضلا عن جزء الموضوع، فان رفع فتله عن متعلقه يوجب انعدامه لكونه من الصفات ذات الاضافة.

كما يرد على الوجه الثاني أنه لا محذور في اسناد النقض الى بعض الموضوعات كالوضوء والصلاة، لما يرى فيها تصورا من الابرام كأنه حبل فتل بعض اجزاءها ببعض او فقل فتل بقاءها بحدوثها، واليقين من هذا القبيل.

ويرد على الوجه الثالث، أنه لا استحالة في اخذ الشك الوجداني موضوعا لالغاءه تعبدا، كما هو مختاره في مفاد قاعدة التجاوز “اذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشككت فشكك ليس بشيء” ولذا جعله حاكما على قاعدة الشك في الركعات كما لو شك في التشهد الاول أنه في الركعة الاولى او الثانية، نعم الانصاف أنه خلاف الظاهر فلا يصار اليه الا بقرينة واضحة.

وکیف کان فقد تحصل أنه لا يمكن استفادة قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي من قوله “لا تنقض اليقين بالشك” والعمدة في وجهه اولا: أن نكتة الاستصحاب هو عدم جواز نقض اليقين بغير اليقين، وهذه النكتة لا تجري بالنسبة الى آثار القطع الموضوعي لكون رفع اليد عنها بعد زوال القطع من نقض اليقين باليقين.

وثانيا: انه حتى لو ورد النهي عن نقض اليقين بالشك في مورد خاص كالوضوء، فقيل “لاتنقض اليقين بالوضوء بالشك” فمع ذلك لا يظهر منه اكثر من لزوم ترتيب آثار المتيقن، بعد أن المتعارف كون اليقين حين النهي عن نقضه او الامر بالبناء عليه ملحوظا بما هو مقتض للجري العملي نحو متعلقه ومحرك اليه، ولذا يتمسك به العرف لتصحيح الصلاة المشروطة بالوضوء، ولا يتمسك به او فقل: لا يحرز تمسكه به لجواز الإخبار عن بقاء الوضوء لأجل ما ورد من أنه انما يجوز الاخبار مع العلم ولا يجوز الاخبار مع عدم العلم.

ثم انه بناء على قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي فلا وجه لما في البحوث من اختصاص ذلك بما اذا كان الواقع المستصحب موضوعا لحكم شرعي، فيجري الاستصحاب بلحاظه، ثم يترتب عليه الاثر الشرعي الثابت للقطع الموضوعي، بل مقتضى اطلاق دليل الاستصحاب التعبد ببقاء اليقين بغرض ترتيب الاثر الشرعي الثابت للقطع الموضوعي، ولو لم يكن الواقع موضوعا لأي اثر شرعي، وهذا ما اختاره السيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما” ولا فرق في ذلك بين تلك البيانات الستة، حتى البيان الثاني وهو كون النهي عن نقض اليقين بمعنى النهي المولوي الطريقي عن نقضه العملي بالشك، لأنه لو لم يتم ما مر منا من عدم ظهوره في التعبد ببقاء اليقين، وانصرافه الى كون الملحوظ فيه تنجيز آثار المتيقن، وادعي شموله لآثار اليقين الموضوعي، فيصدق النقض العملي على عدم ترتيب اثره الموضوعي، ولو فرض عدم اثر شرعي لمتعلقه.

نعم لو منع من صدق النقض العملي على عدم ترتيب اثر القطع الموضوعي، وانما ادعي صدقه على عدم ترتيب اثر الواقع، ولكن ادعي أن لازم النهي عن النقض هو التعبد ببقاء اليقين فبعد ذلك يترتب اثر القطع الموضوعي، تم ما ذكره في البحوث، لكن لا وجه لهذه الدعوى، فانه لو ادعي اختصاص النقض العملي بعدم ترتيب اثر الواقع فلا وجه لكشف اعتبار بقاء اليقين، ولو اصرّ احد على كونه لازما عرفيا له فالصحيح عدم كفاية اعتبار شيء علما لقيامه مقام القطع الموضوعي، ما لم يكن هناك اطلاق في دليل اعتباره، خلافا لما يظهر من المحقق النائيني “قده” من كفاية ذلك من دون حاجة الى اطلاق دليل اعتباره، لكونه محققا لمصداق جعلي لجامع العلم الموضوع للاثر الشرعي.

ونحوه البيان السادس وهو كون النهي عن نقض اليقين بمعنى النهي عن نقضه العملي كناية عن اعتبار عدم ملزومه الذي هو الانتقاض الحقيقي لليقين، فاننا وان كنا نعترف بأن اختصاص المدلول الاستعمالي في موارد الكناية والارشاد بفرضٍ، يوجب اختصاص المكنى به والمرشد اليه بذلك الفرض، ولذا قلنا بأن قوله (عليه السلام) في موثقة عمار “يغسل كل ما اصابه ذلك الماء” وان كان ارشادا الى نجاسة ملاقي ذلك الماء، لكنه حيث يكون بلسان الامر بالغسل فلا يشمل المايعات، الا أن الظاهر أنه بعد فرض شمول النقض العملي لليقين لفرض عدم العمل بأثر اليقين الموضوعي فلا فرق في ذلك بين ما لو كان للواقع اثر شرعي ام لا.

استدلال السيد الخوئي “قده” على جواز الاخبار بالواقع

ثم ان السيد الخوئي “قده” استدل على جواز الاخبار بالواقع استنادا الى الاستصحاب بمعتبرة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يكون في داره ثمّ يغيب عنها ثلاثين سنة ويدع فيها عياله ثمّ يأتينا هلاكه، ونحن لا ندري ما أحدث في داره، ولا ندري ما حدث له من الولد، ولا تقسّم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل أنّ هذه الدار دار فلان ابن فلان مات وتركها ميراثاً بين فلان وفلان، أ ونشهد على هذا؟ قال: نعم([19]).

فهي تدل على الشهادة في غير مورد التخاصم، لعدم منازع للورثة في موردها، وهذا يعني جواز الاخبار بالواقع استنادا الى الاستصحاب، نعم يدل ذيلها على عدم جواز الشهادة في مقام الترافع والتخاصم استنادا الى الاستصحاب، حيث ورد فيه “قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يكون في داره، إلى أن قال: قلت: الرجل يكون له العبد والأمة، فيقول: أبق غلامي أو أبقت أمتي، فيؤخذ بالبلد، فيكلّفه القاضي‌ البيّنة أنّ هذا غلام فلان لم‌ يبعه ولم يهبه، أ فنشهد على هذا إذا كلّفناه ونحن لم‌ نعلم أنّه أحدث شيئاً؟ فقال: كلّما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم ‌تشهد به” فان مورده اباق الغلام الذي هو طرف للمخاصمة.

وان ورد في معتبرة اخرى له جواز الشهادة في مورد التخاصم استنادا الى الاستصحاب، وهذا نصها “قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يكون له العبد والأمة قد عرف ذلك، فيقول: أبق غلامي أو أمتي، فيكلفونه القضاة شاهدين بأنّ هذا غلامه أو أمته لم ‌يبع ولم يهب، أ نشهد على هذا إذا كلّفناه؟ قال: نعم([20])“.

ويمكن الجمع بينهما بحمل هذه المعتبرة على الشهادة على مقدار العلم، وذيل المعتبرة السابقة على الشهادة على ازيد منه بقرينة معتبرته الثالثة، قال: قلت له: إنّ ابن أبي ليلى يسألني الشهادة عن هذه الدار مات فلان وتركها ميراثاً وأنّه ليس له وارث غير الذي شهدنا له، فقال: اشهد بما هو علمك، قلت: إنّ ابن أبي ليلى يحلّفنا الغموس ،فقال: احلف، إنّما هو على علمك([21])، فإنها واضحة الدلالة على أنّ الشهادة لابد وأن تكون بمقدار العلم([22]).

مناقشه

اقول: هذه الرواية الاخيرة واردة في نفس مورد صدر المعتبرة الاولى لمعاوية، وليست واردة في مورد الترافع، ولعل المراد من امر الامام (عليه السلام) بالشهادة بما هو علمه، الشهادة بأنه لا يعرف وارثا غير هؤلاء.

وعليه فتتعارض هذه الرواية الاخيرة مع صدر المعتبرة الاولى لمعاوية بن وهب، على أنه لا يمكن الغاء الخصوصية عن مورد المعتبرة حيث كان يتوقف وصول حق المؤمن اليه على هذا الحلف، مع فرض عدم منازع له، وعليه فيشكل الاستدلال بها على جواز الاخبار بالواقع استنادا الى الاستصحاب مطلقا، بل لعل الظاهر من الإخبار بشيء هو كون المخبر عالما به، لا أن يستند الى الاستصحاب فقط، كما لو سأل شخص اثناء النهار عن أن زيدا هل ذهب الى محل عمله اليوم” فاجيب بأنه في بيته، ولم يذهب الى محل عمله” لمجرد العلم بذلك في الليلة الماضية فان هذا الجواب يعدّ مستنكرا، وقولا بغير علم.

هذا ومن جهة أخرى أنه لو فرض جواز الاخبار استنادا الى الاستصحاب فلا يعني ذلك قيامه مقام العلم الموضوعي في سائر احكامه.

 



[1] – منتقى الاصول ج 6ص 41

[2] – الاستصحاب ص 62

[3] – فوائد الاصول ج‏3 ص 16وص115، ج‏4 ص486

[4] – اصول الفقه ج6ص 61

[5] – اجود التقريرات ج‏2 ص78

[6] – راجع الحلقة الثالثة ص145

[7]– فوائد الأُصول ج 3ص 110

[8] – اصول الفقه ج6ص299

[9] – نهاية الافكار ج 4 ق1ص 78

[10] – مصباح الاصول ج2ص 38

[11] – الخصال ج‏2 ص 610 وفي تحف العقول ص 109 فان الشك لا يدفع اليقين ولا ينقضه.

[12] – وسائل الشيعة ج 10ص 256

[13] – ارشاد المفيد ج1ص 302

[14] -نهاية الافكار ج4ق1 ص 79

[15] – بحوث في علم الاصول ج5ص 170مباحث الاصول ج 5ص 276

[16] – درر الفوائد ص 30

[17] – كفاية الاصول ص 265

[18] – بحوث في علم الاصول ج6ص 169ومباحث الاصول ج5ص 276

[19] – وسائل الشيعة ج27ص336

[20] – وسائل الشيعة ج27ص337

[21] – وسائل الشيعة ج27ص336

[22] – موسوعة الامام الخوئي ج41ص140