فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

رؤوس المطالب:

الصحيح والأعم. 1

أسماء العبادات.. 2

الجهة الأولى: عدم ابتناء هذا البحث على بحث الحقيقة الشرعية. 2

التبادر لدى المتشرعة لايكشف عن القرينة العامة في استعمالات الشارع. 7

الجهة الثانية: معنى الصحة والفساد 8

النكتة الأولى: معانٍ مختلفة للصحة والفساد 8

صاحب الكفاية “قده”: ان الصحة بمعنى التمامية. 8

الاشكال الاول:ماذكره المحقق الاصفهاني “قده”.. 9

الاشكال الثاني: 13

النكتة الثانية: اقسام وضع العبادات للصحیح.. 14

النكتة الثالثة: فی تخصيص النزاع بين الصحيحي والأعمي بخصوص أجزاء المركب لا الشرائط.. 14

مناقشات: ذات الشرط ليس متأخرا عن المقتضي.. 15

النكتة الرابعة: فی خروج قصد القربة و الوجه و… عن محل النزاع. 15

الجهة الثالثة: تصوير الجامع. 16

تصوير الجامع للصحيح.. 20

تصوير صاحب الكفاية “قده” للجامع الصحيحي.. 22

تصوير المحقق العراقي “قده”.. 26

تصوير المحقق الاصفهاني “قده”.. 27

تصوير شيخنا الاستاذ “قده”.. 29

تصوير جامع مركب أوي.. 29

فتحصل: ان المتعين بناء على مسلك الصحيحي اختيار كون المسمى هو الجامع المركب الأوي.. 33

 

 

 

الصحيح والأعم

وقع الكلام بين الأعلام في ان الفاظ العبادات والمعاملات هل تكون أسامي للصحيح منهما او تشمل الأعم من الصحيح والفاسد، فيقع الكلام تارة في أسماء العبادات وأخرى في أسماء المعاملات.

أسماء العبادات

ويقع البحث عنها في عدة جهات:

الجهة الأولى: عدم ابتناء هذا البحث على بحث الحقيقة الشرعية

الجهة الأولى: لااشكال في جريان النزاع في وضع اسماء العبادات للصحيح او للاعم على القول بثبوت الحقيقة الشرعية، حيث يبحث عن ان اسماء العبادات التي وضعها الشارع لمعانيها الشرعية هل وضعها لخصوص الصحيح منها او للأعم، كما لااشكال في جريان النزاع بناء على مسلك صاحب الكفاية “قده” من كونها حقائق عرفية في معانيها الشرعية حيث ادعى ثبوت تلك المعاني في الشرائع السابقة وعدم كونها من مخترعات الاسلام.

وانما الاشكال في جريان النزاع بين الصحيح والاعم بناء على كون استعمال الشارع لاسماء العبادات في المعاني الشرعية بنحو المجاز.

فقد ذكر صاحب الكفاية “قده” ان غاية ما يمكن ان يقال في تصوير النزاع على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية هو ان النزاع وقع في ان الاصل في هذه الالفاظ المستعملة مجازا في كلام الشارع في معانيها الشرعية هل هو استعمالها في خصوص الصحيح او استعمالها في الاعم، بمعنى انه هل لوحظت العلاقة بين المعنى الشرعي الصحيح وبين المعنى اللغوي ابتداء ثم استعملت تلك الالفاظ في المعنى الشرعي الاعم من الصحيح والفاسد بتبعه ومناسبته، كي ينزَّل كلام الشارع على المعنى الشرعي الصحيح في فرض القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي وعدم قرينة على ارادة المعنى الشرعي الاعم او انه لوحظت العلاقة بين المعنى اللغوي لتلك الالفاظ وبين المعنى الشرعي الاعم ابتداء ثم استعملت في المعنى الشرعي الصحيح بتبعه ومناسبته كي ينزَّل كلام الشارع على المعنى الشرعي الاعم في فرض القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي وعدم قرينة على ارادة المعنى الشرعي الصحيح.

ثم اورد عليه صاحب الكفاية “قده”بانه انما يصح ذلك اذا علم استقرار بناء الشارع في محاوراته -عند نصب قرينة صارفة عن المعنى اللغوي وعدم نصب قرينة أخرى على ارادة معنى معين- على استعمال تلك الالفاظ في خصوص الصحيح مثلا، بحيث يكون ذلك قرينة عامة على ارادته في محاورات الشارع، وأنّى يمكن اثبات مثل هذه القرينة([1]).

وقد فهم في البحوث من هذا الايراد أن صاحب الكفاية “قده” بصدد انكار الطولية بين المعاني المجازية، (والمراد من الطولية بين المعاني المجازية هوأن يكون اللفظ عند القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي ظاهرا في احد المعنيين المجازيين دون الآخر نعم اذاوجدت قرينة صارفة عن المعنى المجازي الأول فيكون اللفظ ظاهرا حينئذ في المعنى المجازي الثاني).

فأورد عليه بانه لاوجه لانكار كبرى الطولية بين المعاني المجازية فان الاستعمال المجازي انما يكون على اساس العلاقة والمناسبة بين المعنى المجازي والحقيقي، فيقتضي ذلك تحقق القرن الأكيد بين اللفظ وبين المعنى المجازي في طول القرن الأكيد بين اللفظ وبين معناه الحقيقي، بحيث لو كان اللفظ محفوفا بالقرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي لكان سماعه سببا لانتقال الذهن الى المعنى المجازي.

مثال ذلك انه حينما توجد علقة وضعية بين لفظ الاسد وبين معنى الحيوان المفترس فيعني ذلك تحقق الاقتران الاكيد بينهما، بحيث يوجب سماع هذا اللفظ الانتقال الى ذاك المعنى، وحيث يوجد اقتران آخر ايضا بين معنى الحيوان المفترس وبين معنى الرجل الشجاع لمشابهة بينهما، فينشأ من هذين الاقترانين انه لو كان لفظ الأسد محفوفا بالقرينة الصارفة عن معناه الحقيقي صار ظاهرا فعلا في معنى الرجل الشجاع.

وحينئذ فان فرض وجود معنيين مجازيين للفظٍ فيعقل ان يكون احدهما اقرب الى اللفظ من الآخر، إما لكون المعنى المجازي الآخر في طول المعنى المجازي الأول، بحيث لايتصور الثاني الا بسبب تصور الأول او لكون المعنى المجازي الأول اكثر مشابهة مع المعنى الحقيقي، فبناء على ذلك اذا وجدت قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي فيكون اللفظ ظاهرا في المعنى المجازي الأول، ما لم‌تكن قرينة على عدم ارادته أيضا.

فانكار كبرى الطولية بين المعاني المجازية ممالاوجه له، نعم تطبيق هذه الكبرى على محل البحث لايخلو من اشكال، اذ لامجال لزعم كون الأعم او الصحيح اقرب المجازيين دون الآخر، فان العلاقة المصححة لاستعمال اللفظ الموضوع على معناه اللغوي في كل منهما على حد سواء عرفا.([2])

وماذكره في البحوث من ثبوت كبرى امكان الطولية بين المعاني المجازية وان كان تاما في حد ذاته، لكن لم‌يتضح لنا من كلام صاحب الكفاية “قده” أنه بصدد انكار هذه الكبرى.

وكيف كان فيرد على صاحب الكفاية “قده” ان ظاهر كلامه هو توقف تصوير النزاع في المقام- بناء على كون استعمال اسماء العبادات في معانيها الشرعية في خطاب الشارع بنحو المجاز- على كون استعمال اسماء العبادات في خصوص الصحيح مثلا من باب المجاز، واستعمالها في الاعم من باب سبك المجاز في المجاز، والمراد من سبك المجاز في المجاز هو استعمال اللفظ في معنى مجازي لاجل علاقة هذا المعنى مع معنى مجازي آخر، مع ان المهم هو ما اشار اليه بنفسه في الجواب من لزوم احراز نصب قرينة عامة من قبل الشارع على انه اذا استعمل لفظ الصلاة مثلا مع القرينة الصارفة عن معناه الحقيقي فانما يستعمله في خصوص المعنى الشرعي الصحيح الا اذا نصب قرينة على ارادة الاعم من الصحيح والفاسد، وهذا لايتوقف على كون استعمال اللفظ في المعنى المجازي الثاني اي الأعم من باب سبك المجاز في المجاز، بل يمكن ان يكون بلحاظ علاقته مع المعنى الحقيقي ابتداء.

ثم ان المحقق الاصفهاني “قده” ذكر ان تصوير النزاع – بناء على كون استعمال اسماء العبادات في معانيها الشرعية في خطاب الشارع بنحو المجاز- يكون بتقريب ان الصحيحي يدعي كون اللفظ مستعملا دائما في خصوص الصحيح لمشابهة بينه وبين المعنى اللغوي، فاذا اريد منه الاعم من الصحيح والفاسد فلابد ان يكون ذلك من جهة ادعاء ان الفاسد مصداق للصحيح لوجدانه لمعظم الأجزاء والشرائط، فاللفظ بعد استعماله في خصوص الصحيح طبّق على الأعم من الصحيح والفاسد ادعاء على وزان المجاز الادعائي، من دون ان يستعمل اللفظ في الاعم مجازا لمشابهة بينه وبين المعنى الشرعي الصحيح، اذ يكون من سبك المجاز في المجاز، وهو غير عرفي، ولا لمشابهة بينه وبين المعنى اللغوي.

وأما الاعمي فيدعي ان اللفظ مستعمل مجازا في الاعم دائما، واذا اريد منه خصوص الصحيح اقيمت عليه القرينة بنحو تعدد الدال والمدلول، فمع عدم تلك القرينة يكون اطلاق اللفظ محكَّما.

ثم ذكر انه لايمكن اثبات أيّ من دعوى الصحيحي او الاعمي([3]).

وقدذكر في البحوث ان تقريب المحقق الاصفهاني “قده” لدعوى الصحيحي غير متجه، فانه قد يقال انه اذا امكن استعمال اللفظ مجازا في الأعم بملاحظة العلاقة بينه وبين المعنى الحقيقي، فلايصلح عرفا ان يستعمل اللفظ في المعنى الشرعي الصحيح مجازا ثم يطبق ادعاء على الفاسد؛فانه يشتمل على تكلف غيرعرفي، ولو تنزلنا عن ذلك فلااقل من عدم الاشكال في عرفية استعمال اللفظ في الاعم من الصحيح والفاسد ابتداء، بل لااشكال في وقوعه خارجا، كما في موارد التقسيم الى الصحيح والفاسد، كقولنا “الصلاة اما صحيحة او فاسدة” حيث يتعين فيها الاستعمال في الاعم، فانه لو استعمل في خصوص الصحيح لم‌يصح تقسيمه الى الصحيح والفاسد، كما لايصح ان يقال” الاسد إما أسد او رجل شجاع”، بلافرق بين ان يكون اطلاق الأسد على الرجل الشجاع من باب المجاز اللغوي او المجاز الادعائي، وعليه فلاينحصر تقريب مسلك الصحيحي بالطريقة التي ذكرها المحقق الاصفهاني “قده” من ان استعمال اللفظ في الاعم من الصحيح والفاسديكون بادعاءكونه مصداقاللصحيح على نحو المجاز الادعائي.

وهكذا تقريب المحقق الاصفهاني “قده” لدعوى الاعمي-من استعمال اللفظ في الاعم مجازا دائما، وتكون ارادة خصوص الصحيح بنحو تعدد الدال والمدلول- بان تعدد الدال والمدلول انما يكون عرفيا فيما اذا اريد التحفظ على المعنى الحقيقي، كما في استعمال المطلق وارادة المقيد، لامثل المقام مما يكون الاستعمال في كل من الاعم او الصحيح مجازيا، فلايبقى حيئنذ موجب عرفي لاستعمال اللفظ مجازا في الاعم وارادة خصوص الصحيح من باب تعدد الدال والمدلول([4]).

اقول: العمدة في الاشكال على ماذكره المحقق الاصفهاني “قده”هو ان تصوير النزاع على القول باستعمال الفاظ العبادات في خطاب الشارع في معانيها الشرعية بنحو المجاز، لايتوقف على هذا الوجه الذي ذكره.

بل يمكن ان يكون النزاع في تحديد مفاد القرينة العامة التي نصبها الشارع في استعمالاته المجازية، فالصحيحي يدعي ان القرينة العامة قائمة على استعمال الشارع تلك الالفاظ –فيما اذا نصب قرينة على عدم ارادة معانيها اللغوية و لم‌ينصب قرينة خاصة على استعمالها في الاعم- في خصوص الصحيح من المعاني الشرعية، والأعمي يدعي ان القرينة العامة قائمة على استعمال تلك الالفاظ في الاعم كذلك.

وقد اورد عليه صاحب الكفاية “قده”بعدم امكان اثبات تلك القرينة العامة، فلايكون النزاع حينئذ نزاعا علميا، لعدم امكان اثبات احد طرفي النزاع بطريق علمي.

ولكن قد يجاب عنه -كما ذكره المحقق الايرواني قده([5])– بامكان احراز القرينة العامة بواسطة تبادر المتشرعة من اللفظ المقرون بالقرينة الصارفة عن معناه الحقيقي، فيستكشف به وجود قرينة عامة في استعمالات الشارع.

التبادر لدى المتشرعة لايكشف عن القرينة العامة في استعمالات الشارع

وهذا الجواب وان كان قابلا بنظرنا للنقاش، حيث ان التبادر لدى المتشرعة لايكشف عن القرينة العامة في استعمالات الشارع، اذ لعل المتشرعة بعد عهد الشارع لما أكثروا في استعمال تلك الالفاظ في الاعم مثلا، لحاجتهم اليه فصار ذلك سببا لتبادر هذا المعنى من تلك الالفاظ عند وجود قرينة صارفة عن معناها اللغوي فصار اقرب المجازات، او صار سببا لتبادره من تلك الالفاظ مطلقاولو من دون قرينة، فصارت حقيقة متشرعية فيه، ولكن تمامية هذا النقاش عندنا لاتعني عدم تأتي النزاع في ذلك، فيكون قابلا للبحث والكلام.

ويجري ماذكرناه –من امكان النزاع في القرينة العامة – بناء على مسلك الباقلاني أيضا من ان هذه الالفاظ مستعملة في معانيها اللغوية، وانما اريد منها المعاني الشرعية التي تكون مصاديق لتلك المعاني اللغوية بنحو تعدد الدال والمدلول، فيكون النزاع حينئذ عن تعيين المعنى الذي نصبت القرينة العامة على ارادته عند وجود القرينة على عدم ارادة المعنى العام، وأنه هل هو الصحيح او الأعم.

الجهة الثانية: معنى الصحة والفساد

الجهة الثانية: في المراد من الصحة والفساد، وفيها عدة نكات:

النكتة الأولى: معانٍ مختلفة للصحة والفساد

ذكروا للصحة معانٍ مختلفة كموافقة الأمر او سقوط الاعادة والقضاء او حصول الغرض والملاك كالنهي عن الفحشاء والمنكر بالنسبة الى الصلاة.

صاحب الكفاية “قده”: ان الصحة بمعنى التمامية

وقد ذكر صاحب الكفاية “قده”ان الصحة عند الجميع بمعنى التمامية، فما ذكر في تفسير الصحة من انها بمعنى سقوط الاعادة والقضاء او بمعنى موافقة الأمر، فهو تفسير بلازم المعنى([6])، وهذا يعني ان تمامية الشيء تكون بالنظر الى ذات الشيء ولو مع عدم لحاظ الآثار التي تترقب ترتبها عليه.

ولكن ظاهر كلامه في بحث اقتضاء النهي عن العبادة للفساد هو ان التمامية تلحظ بالقياس الى الآثار المترتبة من الشيئ، حيث قال: لاشبهة في ان الصحة والفساد عند المتكلمين وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتي به مع المأموربه وعدمها، وأما الصحة بمعنى سقوط القضاء والاعادة عند الفقهاء فهي من لوازم الإتيان بالمأمور به([7]).

وكيف كان فيوجد اشكالان فيما ذكره صاحب الكفاية في المقام

الاشكال الاول:ماذكره المحقق الاصفهاني “قده”

من ان حيثية اسقاط الاعادة والقضاء او حيثية موافقة الأمر ليست من لوازم التمامية، فانه لاواقع للتمامية بدون ملاحظة حيثية اسقاط الإعادة والقضاء او حيثية موافقة الأمر او ترتب الأثر، فالتمامية لاتصدق الا بلحاظ أثرٍ، فهذاالاثر مقوِّم لمعنى التمامية وليس لازم التمامية.

ثم ذكر في هامش كتابه أن هذا الاشكال على صاحب الكفاية انما يتم فيما لو كان اللازم من لوازم الوجود، وأما اذا كان من لوازم الماهية فلايتم هذا الاشكال، اذ لامنافاة بين كون شيء لازم الماهية وعارضا لها وبين كونه محققا لها، كالفصل بالإضافة الى الجنس، فانه عرض خاص له مع ان تحصل الجنس انما يكون بتحصله([8]).

هذا وقدذكر في كتابه أن عنوان الصحة والتمامية وان كان ينتزع عن ترتب الأثر لكن تارة يفرض كون المرادمن الصحيح ما يترتب عليه الأثر بالفعل ففي مثله لايمكن فرض الأثر من لوازم الصحة، بل يكون مقوماللصحة، وأخرى يكون المرادمنه الحصة الملازمة لترتب الأثر، يعني بلوغ المركب حدّا يترتب عليه الأثر، كما هو الحال في العلة التامّة، فان كون العلة تامة يعني بلوغ العلة حدا يترتب عليه المعلول، ففي مثله يصح ان يقال ان المعلول من لوازم العلة وآثارها، وفي نفس الوقت يكون الاتصاف بالتمامية بلحاظ المعلول([9])؛

وقداجاب السيد الخوئي “قده” عن اشكال المحقق الاصفهانى على صاحب الكفاية -بكون التمامية من مقومات الصحة لامن لوازمها – ان الظاهر وقوع الخلط في كلامه اما بين تمامية الشيء في نفسه اي تماميته من حيث الأجزاء والشرائط، ويعبر عنهافي اللغة الفارسية بكلمة “درستى”، وبين تمامية الشيء بلحاظ مرحلة الامتثال والإجزاء، فان لتمامية الشيء في نفسه اي تماميته من حيث الأجزاء والشرائط واقعية، مع قطع النظر عن آثارها من موافقة الأمر او سقوط الاعادة والقضاء، نعم التمامية بالمعنى الثاني لاواقعية لها مع قطع النظر عن هذه الآثار.

او وقع الخلط في كلامه بين واقع التمامية وعنوانها، فان عنوان التمامية عنوان انتزاعي حيث ينتزع عن الشيء باعتبارترتب اثره، فلايمكن اتصافه بعنوان التمامية مع قطع النظر عن ترتب ذلك الاثر، ولكنه خارج عن محل الكلام، فان كلمة الصلاة مثلا لم‌توضع بإزاء عنوان التمامية جزما، بل وضعت بإزاء واقعه ومعنونه وهو وجدان الأجزاء والشرائط، ومن الظاهر ان حيثية ترتب الأثر ليست مقومة لحقيقة تمامية الأجزاء والشرائط.

وأما ما افاده “قده” من التفصيل بين لازم الوجود ولازم الماهية بدعوى انه لامنافاة بين كون شيء لازما لماهية وكونه محققا لها فان الفصل لازم لماهية الجنس مع كونه محققا لها في الخارج، ففيه: ان ماهية الفصل بما هي من لوازم ماهية الجنس وعوارضها لايعقل ان تكون من مقوماتها، فان الفصل ليس داخلافي مفهوم الجنس ابدا، نعم الفصل بحسب وجوده محصل لوجود الجنس، بحيث لايوجد الجنس خارجا الا في ضمن فصل، ولكنه لايترتبط بما نتكلم فيه في المقام من ان لازم مفهوم لايكون داخلا في ضمن ذلك المفهوم.

فالمتحصل ان المراد من الصحة هو التمامية من حيث الأجزاء والشرائط، والتمامية بهذا المعنى لها واقعية مع قطع النظر عن الآثار، ومن هنا يتبين ان البسيط لايتصف بالصحة والفساد، لعدم اشتماله على الأجزاء والشرائط كي ينقسم الى تامّ الأجزاء والشرائط وعدمه، وانما يتصف البسيط بالوجود او العدم([10])..

اقول: لنا حول ما افاده السيد الخوئي “قده” ثلاث ملاحظات:

الصحة والفساد غير التمامية والنقصان

1- ان الصحة والفساد غير التمامية والنقصان، فلايقال للصلاة التي تركت فيها سجدة واحدة نسيانا أنها صلاة فاسدة، بينما يقال انها صلاة ناقصة حيث يجب قضاء تلك السجدة المنسية بعدها، كما أنه لايقال للجسم الناقص انه فاسد، والفارق بينهما ان الصحة تنتزع عن الشيء بلحاظ ترتب الأثر المترقب منه، فالصلاة التي تركت فيها سجدة واحدة نسيانا حيث يترتب عليها الاثر المترقب منها فلاتكون صلاة فاسدة، نعم حيث تحتاج الى التتميم فلاتعتبر تامة بل تكون ناقصة. وقد ادعى السيد الخوئي “قده” في بحث الفقه ان قاعدة الفراغ انما تجري في موارد الشك في الصحة والفساد -كما لو شك في انه هل نسي الركوع في الصلاة ام لا-، ولاتجري في موارد الشك في التمامية والنقصان([11]).

وما ذكره هناك وان لم‌يكن تامّا لعموم دليل قاعدة الفراغ، كقوله(عليه‌السلام) “كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو([12])” ولكن المقصود هو بيان الفرق بين الصحة والفساد وبين التمامية والنقصان.

كما انه في مورد الاتمام في موضع القصر او الجهر في موضع الاخفات او بالعكس ليست الصلاة تامة ولذا يستحق الجاهل المقصر العقاب على رأي المشهور ولكنها صحيحة.

2- ان التمامية بمعنى الواجدية للأجزاء والشرائط ليس لها واقعية مع قصر النظر على ذات المركب من دون ملاحظة الأثر المترتب عليه كموافقة الأمر ونحو ذلك، فان كل شيء اذا لوحظ في حد ذاته كان واجدا لأجزاءه، فالصلاة الفاقدة للركوع أيضا واجدة لعدة أجزاء، فاتصافها بالفساد او النقصان واتصاف الصلاة المشتملة على الركوع مع سائر الأجزاء والشرائط بالصحة والتمامية لايكون الا بملاحظة موافقة الأمر وعدمها، والكلام فعلا في تفسير معنى التمامية والصحة، وأما ما ذكره “قده” من عدم وضع كلمة الصلاة مثلا بإزاء هذا المفهوم، بل بإزاء واقعه اي المركب من تكبيرة الإحرام والركوع والسجود ونحو ذلك، فهو أمر آخر سنتعرض له.

فالانصاف ان الصحة والتمامية أمران نسبيان لابد من ملاحظتهما بالقياس الى أثر كموافقة الأمر ونحو ذلك، حتى يمكن انتزاع وصف الصحة او التمامية من العمل بلحاظ ترتب ذلك الأثر.

3- ان ما ذكره”قده” من ان البسيط لايتصف بالصحة والفساد غير متجه، وذلك لانتقاضه بقولنا ان هذا الفكر صحيح او انه فاسد، حيث انه ان كان واجدا للأثر المترقب من الفكر وهو المطابقة للواقع فيكون صحيحا والا فلا.

الاشكال الثاني:

ان جعل سقوط الاعادة والقضاء اوموافقة الأمر مقوما للصحة اولازمالها لايخلو من اشكال لانه قد تجب اعادة العمل من باب العقوبة كما لو جامع المحرم اهله قبل الوقوف بالمشعر فانه يجب عليه الحج من قابل لكن الحجة الاولى تكون حجة الاسلام والثانية عقوبة كما ورد في صحيحة زرارة([13]) وهكذا افتى بعض السادة الاعلام “دام‌ظله” بصحة الصلاة في ثوب نجس نسيانا وانما تجب الاعادة عقوبة اذا كان النسيان ناشئا عن الاهمال وذلك لما ورد في موثقة سماعة قال سألت اباعبدالله (عليه‌السلام) عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى ان يغسله حتى يصلى قال يعيد صلاته كي يهتم بالشيء اذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه([14]).

كماانه بناء على امتناع اخذ قصد القربة في متعلق الأمر فالعمل بدون قصدالقربة موافقة للامرولكنه لايوجب سقوط الأمرلعدم حصول الغرض به، واما جعل حصول الغرض مقوما للصحة او لازما لها، فيرد عليه النقض بمثل الاتمام في موضع القصر عن جهل بالحكم، فانه وان كان صحيحا لكنه لايكون محصلا لتمام الغرض وانمايكون محصلا لبعض الملاك الملزم ومانعا عن استيفاء بقية الملاك الملزم في صلاة القصر ولذا يستحق العقاب عليه على رأي المشهور.

فالاولى جعل حصول الغرض بتمامه او ببعضه بنحو يمنع من استيفاء البعض الآخر-كمافي الاتمام في موضع القصر-مقوما للصحة او لازما لها.

النكتة الثانية: اقسام وضع العبادات للصحیح

ان القائل بوضع اسماء العبادات للصحيح يقصد تارة اخذ واقع الصحيح في مدلولها، فيكون الموضوع له للفظ الصلاة مثلا ما هو الصحيح بالحمل الشائع، من دون اخذ مفهوم الصحيح فيه، وأخري يقصد أخذ مفهوم الصحيح في مدلولها، أما الفرض الأول فسوف يأتي البحث عنه وعن كيفية تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة، بعد اختلافها بلحاظ اختلاف احوال المكلفين كصلاة القصر للمسافر والتمام للحاضر ونحو ذلك، وأما الفرض الثاني فان كان المراد من الصحيح ما هو موافق للأمر فلايمكن ان يكون متعلقا للأمر، حيث أن عنوان موافقة الأمر ينتزع في طول تعلق الأمر الشرعي، فلايمكن أخذه في مدلول اللفظ الواقع متعلقا لنفس هذا الأمر الشرعي، ولو كان المراد من الصحيح ما يكون محصلا للغرض والملاك فيكون لفظ الصلاة مثلا اسما لما يكون مؤثرا في الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، فلامانع حينئذ من اخذه في مدلول اللفظ الواقع متعلقا للأمر، الا ان المهم عدم احتمال اخذ مفهوم الصحة في اسماء العبادات.

النكتة الثالثة: فی تخصيص النزاع بين الصحيحي والأعمي بخصوص أجزاء المركب لا الشرائط

نسب الى الشيخ الأعظم “قده” تخصيص النزاع بين الصحيحي والأعمي بخصوص أجزاء المركب، وأما الشرائط فقد ادعى كونها خارجة عن محل النزاع، لان الشرائط في رتبة متأخرة عن الأجزاء، باعتبار كون الأجزاء بمنزلة المقتضي لوجود الأثر، والشرط متأخر عن المقتضي بحسب الرتبة، لان الشرط دخيل في فعلية تأثير المقتضي في تحقق المقتضىٰ، فلابد ان يفرض وجود ما يقتضي التأثير كي يصير تأثيره بواسطة الشرط فعليا، وعليه فأخذ الشرط مع الجزء بخصوصيتهما في المسمى يستلزم فرض كون الشرط والجزء في رتبة واحدة، وهو خلف([15]).

مناقشات: ذات الشرط ليس متأخرا عن المقتضي

ويرد عليه اولا: ان ما هو المتأخر رتبة عن المقتضي هو تأثير الشرط في ايصال اقتضاء المقتضي الى مرحلة الفعلية، وأما ذات الشرط فليس متأخرا عن المقتضي أبدا، فان جفاف القطنة شرط في تأثير النار في احتراقها، ولكن قد يوجد جفاف القطنة من دون وجود النار، والمفروض في المقام ان الصحيحي يدعي اندراج تقيد المركب بذات الشرط في المسمى، لااندراج تقيده بالشرط بما هو مؤثر في فعلية تأثير المقتضي، كي يتوجه عليه اشكال الخلف.

وثانيا: انه لامانع من تسمية المتقدم والمتأخر زمانا باسم واحد، نظير تسمية قطعة من الزمان باسم الأسبوع، فكيف بتسمية المتقدم والمتأخر رتبة باسم واحد.

النكتة الرابعة: فی خروج قصد القربة و الوجه و… عن محل النزاع

ادعى المحقق النائيني “قده” خروج قصد القربة وقصد الوجه وكذا عدم ابتلاء العبادة بالمزاحم –كعدم كون الصلاة في وقت وجوب ازالة النجاسة عن المسجد – او عدم كون العبادة منهيا عنها عن محل النزاع، حيث ذكر ان الصحة من هذه الجهات في مرتبة متأخرة عن المسمى، فان قصد امتثال الأمر او قصد الوجه متأخر عن الأمر، فلايعقل ان يؤخذ في المسمى الذي يتعلق به الأمر، وكذا اعتبار عدم المزاحم للصلاة مثلايكون في مرتبة متأخرة عن مسمى الصلاة، فانه لابد من فرض مسمى الصلاة حتى يوجد له مزاحم، فلايعقل أخذ عدم المزاحم في نفس المسمى، اذ يكون من قبيل اخذ ما هو متأخر رتبة في المتقدم رتبة وهو محال، وكذا اعتبار عدم تعلق النهي بالمسمى يعني كون المسمى في رتبة سابقة على النهي كي يفرض تعلق النهي به وعدمه، فلابد من خروج النهي وجودا وعدما عن المسمى.

اقول: الظاهر هو التفصيل بين قصد القربة وقصد الوجه وبين عدم المزاحم او عدم النهي، فانه بناء على عدم امكان اخذ قصد القربة وقصد الوجه في متعلق الأمر الأول فحيث ان غرض الصحيحي هو تصوير معنى لأسماء العبادات بنحو يصلح ان يتعلق به الأمر في الخطابات الشرعية، فادراج مفهوم قصد القربة او قصد الوجه في المسمى والالتزام باستعمال الفاظ العبادات حين تعلق الأمر بها في جزء المسمى لاكله خلاف غرض الصحيحي، وأما عدم المزاحم وعدم النهي فلامانع من أخذهما في المسمى، اذ لاوجه لافتراض اكثر من عدم تعلق النهي بذات الفعل، ولاداعي لافتراض عدم تعلق النهي بالمسمى بما هو مسمى، وكذا يكفي اعتبار عدم ابتلاء ذات الفعل بالمزاحم، ولاداعي لافتراض عدم ابتلاء المسمى بما هو مسمى بالمزاحم، فالمتحصل انه لامانع من اخذ عدم النهي عن ذات الفعل وكذا عدم المزاحم لها في المسمى، ولاوجه لما في المحاضرات من عدم احتمال أخذ عدم النهي وعدم المزاحم لذات الفعل في المسمى.

الجهة الثالثة: تصوير الجامع

الجهة الثالثة: لاينبغي الاشكال في ان الفاظ العبادات ليست من المشتركات اللفظية بالنسبة الى مصاديقها المختلفة، فلفظ الصلاة مثلا ذو معنى واحد ويكون بمنزلة اسم الجنس لمصاديقه كصلاة الفجر والظهرين والعشائين او صلاة القصر والتمام، او الصلاة مع الطهارة المائية والصلاة مع الطهارة الترابية، وحينئذ فيلزم على الصحيحي تصوير معنى جامع يشترك فيه جميع الافراد الصحيحة، ويلزم على الاعمي تصوير معنى جامع يشترك فيه الأفراد الأعم من الصحيحة والفاسدة.

ولكن حكي عن المحقق النائيني “قده” انه ادعى عدم ضرورة تدعو الى تصوير جامع على كلا المسلكين، حيث لايبعد الالتزام بان الموضوع له للفظ الصلاة مثلا هو المرتبة العليا الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط، فان للصلاة مرتبة عليا وهي صلاة المختار ومرتبة دنيا وهي صلاة الغرقى، وبينهما متوسطات، فلفظ الصلاة قد وضع للمرتبة العالية على كلا المسلكين، واستعماله في المراتب النازلة انما يكون من باب الادعاء او من باب الاشتراك في الأثر.

فالصحيحي يرى ان استعمال لفظ الصلاة في بقية المراتب الصحيحة إما من باب الادعاء وتنزيل الفاقد للجزء الاختياري مثلا منزلة الواجد له مسامحة فيما يصح فيه هذا الادعاء والتنزيل او يكون من باب الاشتراك في الأثر واكتفاء الشارع به في مقام الامتثال كما في صلاة الغرقي، فانه لايمكن فيها الالتزام بتنزيلهامنزلة المرتبة العالية اي الصلاة الاختيارية الواجدة لجميع الاجزاء والشرائط وادعاء أنهاهي المرتبة العالية، وذلك لفقدها لمعظم أجزاء المرتبة العالية، ولكن يطلق عليها اسم الصلاة لاشتراكها مع صلاة المختار في الأثر.

والاعمي يرى ان استعمال لفظ الصلاة في المراتب النازلة الاعم من الصحيحة والفاسدة من باب الادعاء والتنزيل او من باب الاشتراك في الأثر، فاطلاق لفظ الصلاة على الصلاة الصحيحة للغرقى يكون لأجل اجتزاء الشارع بها في مقام الامتثال، واطلاقها على الصلاة الفاسدة للغرقى يكون من باب تنزيلها منزلة الصلاة الصحيحة للغرقى من دون استعمال للفظ الصلاة في غير معناه الموضوع له، وهو المرتبة العليا الواجدة لتمام الأجزاء والشرائط، والحال في سائر المركبات الاختراعية ايضا كذلك، فان اللفظ فيها قد وضع ابتداء للمرتبة العليا واستعمل في بقية المراتب من باب الادعاء وتنزيل الفاقد منزلة الواجد او من جهة الاشتراك في الأثر.

نعم لابد من تصوير جامع بين صلاة القصر والتمام على كلا المسلكين حيث أنهما في عرض واحد، وليس تشريع أي منهما في فرض العجز عن الأخرى، الا ان تصوير الجامع بينهما سهل.

ويترتب على ما ذكرنا بطلان ثمرة النزاع بين مسلك الاعمي والصحيحي، حيث أنهم ذكروا ان ثمرة النزاع بينهما هي انه على مسلك الاعمي يجوز التمسك باطلاق الخطاب كخطاب الأمر بالصلاة لنفي جزئية ما يشك في جزئيته كالقنوت مثلا، اذا لم‌يكن المولى في مقام الاهمال والإجمال، ولكن لايجوز ذلك على مسلك الصحيحي، حيث لايحرز صدق مسمى الصلاة مثلا على فاقد ذلك المشكوك، حتى يتمسك باطلاق الخطاب لنفي جزئيته، ولكن بناءعلى ماذكرناه من كون الصلاة مثلا موضوعة لخصوص المرتبة العليا وهي صلاة المختار لم‌يجز التمسك حتى على مسلك الاعمي باطلاق الخطاب، لعدم العلم بالتنزيل والادعاء بالنسبة الى المراتب النازلة([16]).

ويرد عليه: أن اطلاق الفاظ العبادات كلفظ الصلاة على المراتب العالية والدانية على نسق واحد عرفا، فيطلق لفظ الصلاة على صلاة المضطر كالصلاة جالسا بالنسبة الى العاجز عن القيام كما يطلق على صلاة المختار، وهذا دليل على ان اطلاقها للمراتب النازلة يكون من باب الحقيقة، حيث لايحسّ فيه بأيّة مسامحة ومجاز، ومن جهة أخرى ان المرتبة العالية للصلاة مثلا وهي صلاة المختار لاتنحصر في قسم معين، فقد تكون صلاة فجر وقد تكون صلاة الظهرين وقد تكون صلاة العشائين وقد تكون صلاة الآيات او صلاة العيدين، فلصلاة المختار أقسام كثيرة، والالتزام بوضع اسماء العبادات لخصوص المرتبة العليا لايغني عن تصوير الجامع، فلايختص لزوم تصوير الجامع بما ذكره من مورد صلاة القصر والتمام.

هذا وقد اورد عليه السيد الخوئي “قده” بان ثمرة النزاع بين الاعمي والصحيحي تظهر حتى بناء على اختصاص وضع اسماء العبادات بالمرتبة العليا، بعد فرض عدم اختصاص المرتبة العليا بقسم واحد، بل لها اقسام مختلفة فتحتاج الى جامع لها فالصحيحي يدعى وضع لفظ الصلاة مثلا لخصوص الصحيح من المرتبة العالية، والاعمي يدعي وضعه للأعم من الصحيح والفاسد من المرتبة العالية، فاذا فرض وجود خطاب الأمر بالصلاة فشك في اعتبار شيء مّا جزءً او شرطا في المرتبة العالية وهي صلاة المختار، فلايجوز للصحيحي التمسك باطلاق الخطاب لنفي جزئيته او شرطيته، لان الشك في اعتبار جزئيته او شرطيته مساوق للشك في صدق مسمى الصلاة بدونه، ولكن يجوز للأعمي التمسك باطلاق الخطاب لنفي جزئية ذلك الشيء او شرطيته، لان صدق المسمى حينئذ محرز بالوجدان والشك انما هو في اعتبار امر زايد فينفى بالاطلاق، نعم لايمكن التمسك باطلاق الخطاب بالنسبة الى بقية المراتب لعدم احراز الاطلاق بالنسبة اليها من جهة عدم العلم بالتنزيل والادعاء([17]).

ولكن يمكن ان يقال بان الظاهر من المحكي عن المحقق النائيني “قده” انه يرى كون الموضوع للفظ الصلاة مثلا هو المرتبة العليا الواجدة لتمام الأجزاء والشرائط، اي الصلاة الصحيحة الاختيارية، بلافرق بين مسلك الصحيحي والاعمي، وانما الفرق بينهما في ان الصحيحي يرى اختصاص اطلاق لفظ الصلاة بنحو المجاز الادعائي على خصوص الصحيح من المراتب النازلة، بينما يرى الأعمي توسعة المجاز الادعائي للفاسد من جميع المراتب أيضا، وحينئذ فيدعي المحقق النائيني “قده” انه لايبقى ثمرة للنزاع، اذ بعد ان لم‌يحرز المسامحة والتنزيل في الاستعمالات الشرعية فيكون ظاهرها او المتيقن منها المرتبة العالية الصحيحة، ولكن يمكن ان يورد عليه بانه قد تظهر ثمرة النزاع فيما لو قامت قرينة على المسامحة والتنزيل، كما لو ورد في الخطاب ان المريض يصلي جالسا، وحينئذ فبناء على مسلك الاعمي يمكن نفي جزئية المشكوك كلزوم وضع الجالس يديه على ركبتيه حال الركوع، حيث يرى الاعمي انه في فرض المسامحة والتنزيل يكون المجاز الادعائي شاملا للصحيح والفاسد، او فقل انه يرى ان الاصل فيه هو شموله لكليهما.

وكيف كان فبعد ما تحصّل انه يلزم على كل من مسلك الصحيحي او الاعمي تصوير معنى جامع، فيقع الكلام في امكانه اولا، ثم اقامة الدليل على وقوعه ثانيا، وعليه فان قلنا بعدم امكان تصوير جامع للأعم كما عليه صاحب الكفاية “قده” او عدم امكان تصوير جامع للصحيح كما عليه المحقق النائيني والسيد الخوئي “قدهما” فلايبقى حاجة الى البحث عن مرحلة الوقوع، اذ بناء على عدم امكان تصوير جامع للاعم يتعين الوضع للصحيح، كما انه بناء على عدم امكان تصوير جامع للصحيح يتعين الوضع للاعم، وحينئذ فيقع الكلام في تصوير الجامع للصحيح اولا وللاعم ثانيا.

تصوير الجامع للصحيح

أورد الشيخ الاعظم “قده” على تصوير الجامع للصحيح بما محصله انه إما يكون هذا الجامع مركبا او بسيطا، وكلاهما غير محتمل.

أما الجامع المركب فلانه ان أخذ فيه جميع القيود المعتبرة في حال الاختيار لم‌ينطبق على الفاقد لبعض تلك القيود في حال الاضطرار، وان أخذ فيه خصوص القيود المعتبرة في جميع الحالات فينطبق على فعل المختار الفاقد لبعض القيود المعتبرة في حال الاختيار.

مثال ذلك: أنه اذا أخذ في الجامع المركب للصلاة الصحيحة القيام لم‌يشمل الصلاة جالسا في حال الاضطرار، مع كونها صحيحة بلااشكال، وان لم‌يؤخذ فيه القيام انطبق على صلاة المختار جالسا مع كونها فاسدة، على انه في مثل الصلاة التي تكون لها اقسام مختلفة عرضية كالصلاة الثنائية والثلاثية والرباعية، الجهرية والاخفاتية، القصر والتمام، اليومية والآيات والعيدين، فلايمكن الجمع بين قيودها، حيث أنه لو أخذ خصوصية أي منها في المركب لم‌ينطبق على سائر الخصوصيات، وان لم‌يؤخذ أية خصوصية منها في المركب شمل فرض الاتيان بسائر الخصوصيات مكان الخصوصية الصحيحة، كصلاة القصر عند وجوب صلاة التمام، مع أنها تكون فاسدة.

وأما الجامع البسيط فهو إما يكون عنوان المطلوب او ما يكون ملزوما له.

فان كان الجامع هو عنوان المطلوب لزم منه اولا: الخلف، اذ هذا العنوان انما ينتزع في طول تعلق الطلب بشيء، فلايمكن ان يكون متعلق الطلب، حيث ان متعلق الطلب متقدم رتبة على الطلب، فلايمكن اخذ الطلب فيه.

وثانيا: يلزم منه كون لفظ الصلاة مترادفا مع لفظ المطلوب، مع انه باطل جزما لعدم ترادف بينهما عرفا.

وثالثا: يلزم منه عدم جريان البراءة عند الشك في جزئية شيء او شرطيته، حيث يكون المأمور به عنوانا بسيطا لايدور امره بين الاقل والاكثر، فيكون الشك في المحصل له، فتجري قاعدة الاشتغال، مع ان المشهور القائلين بالصحيح قائلون بالبراءة مع الشك في الجزئية والشرطية.

وان كان الجامع هو ملزوم المطلوب فيرد عليه هذا الاشكال الثالث أيضا([18]).

ومن هنا تصدى جماعة من الاعلام لتصوير جامع صحيحي بنحو يدفع هذا الاشكال.

تصوير صاحب الكفاية “قده” للجامع الصحيحي

فذكر صاحب الكفاية “قده” ان الخطابات الشرعية قد دلت على اشتراك افراد الصلاة الصحيحة مثلا في اثر واحد -كالنهي عن الفحشاء والمنكر حيث ورد في قوله تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر([19]) او كونها قربانا لكل تقي كما ورد في الحديث عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام)([20]) او كونها معراج المؤمن([21])– وترتب الأثر المشترك ولو بنحو الاقتضاء على عدة أمور مختلفة يكشف إنّا عن جامع واحد بينها ويكون هو المؤثر حقيقة، حيث ان الواحد لايصدر الا عن الواحد فان المعلول لابد ان يكون متسانخا مع علته والا لأمكن صدور كل شيء من كل شيئ، وحيث لايمكن تسانخ الواحد مع عدة امور متباينة بما هي متباينة فلابد ان يكون صادرا عن جامع مشترك بينها، وهذا الجامع البسيط وان لم‌يكن لنا طريق الى معرفته بحدوده لكن يكفي ان يشار اليه بعنوان مشير كعنوان الناهي عن الفحشاء ونحو ذلك، فليس الجامع مركبا ولا جامعا عرضيا بسيطا كعنوان “المطلوب” كي يرد عليه الاشكال، وانما هو جامع ذاتي بسيط، والاشكال عليه باستلزامه لجريان قاعدة الاشتغال في الشك في الجزئية والشرطية مندفع بان الجامع مفهوم واحد منتزع عن المركبات المختلفة، ومتحد معها نحو اتحاد، وفي مثله تجري البراءة وانما لاتجري فيما اذا كان المأمور به أمرا واحدا خارجيا مسببا عن مركب مردد بين الاقل والأكثر كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء، فانه لاتجري البراءة حينئذ فيما اذا شك في أجزائهما([22]).

وقد اورد عليه بعدة إيرادات:

الاول: ما ذكره المحقق الاصفهاني”قده” من انه لايتصور جامع ذاتي لافراد الصلاة، لان الصلاة مؤلفة من عدة مقولات متباينة، فالقراءة والذكر من مقولة الكيف المسموع، والركوع والسجود والقيام من مقولة الوضع، فليست أجزاء الصلاة من مقولة واحدة فلايمكن فرض جامع ذاتي مقولي لمرتبة واحدة من مراتب الصلاة فضلا عن فرض الجامع لجميع مراتب الصلاة، فانه قد تقرر في محله ان المقولات اجناس عالية متباينة بتمام الذات ولايوجد بينها جامع ذاتي([23]).

وما ذكره متين جدّا، وينبغي ان يضاف اليه ان صلاة الفجر او صلاة القصر مثلا مشروطة بعدم لحوق الركعة الثالثة والرابعة بها، بينما ان صلاة الظهر وصلاة التمام في الظهر والعصر والعشاء مشروطة بلحوقهما، ولايوجد جامع ذاتي بين الوجود والعدم بلااشكال، كما ان بعض قيود الصلاة اعتبارية كالطهارة من الخبث والحدث، ولاجامع ذاتي بين القيود الاعتبارية والقيود الحقيقية

الثاني: ما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” ايضا من ان النهي عن الفحشاء والمنكر المترتب على الصلوات الصحيحة ليس واحدا شخصيا او نوعيا كي يجري فيه قاعدة ان الواحد لايصدر الا عن الواحد، وانما هو واحد عنواني –كعنوان الطويل او القصير، حيث ينتزعان عن حقائق متباينة – لاختلاف افراد النهي عن الفحشاء ذاتا واختلاف انحاء الفحشاء كذلك، فحقيقة الغصب مثلا الذي هو من الافعال تختلف عن حقيقة الرياء والشرك، حيث انهما من الصفات،([24]) وما ذكره متين جدّا.

الثالث: ما ذكره السيد الخوئي “قده” من ان خصوصيات الصلاة مؤثرة في صحة الصلاة والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، فلايكون الانتهاء عن الفحشاء والمنكر معلولا للجامع وانما هو معلول للخصوصيات، فصحة صلاة الفجر مثلا منوطة بخصوصية وقوع التسليمة في الركعة الثانية وصحة صلاة المغرب منوطة بخصوصية وقوعها في الركعة الثالثة وعدم وقوعها في الركعة الثانية، وصحة صلاة الظهرين او العشاء منوطة بخصوصية وقوع في الركعة الرابعة وعدم وقوعها في الركعة الثالثة وهكذا بقية الخصوصيات، فكيف يمكن القول بان المؤثر هو الجامع، فان الالتزام بذلك فيما اذا لم‌يكن للخصوصيات دخل في ترتب الأثر، كما في الخصوصيات الفردية والصنفية للنار حيث لادخل لها في ترتب الإحراق([25]).

ويلاحظ عليه: انه وان كانت دخالة تلك الخصوصيات في تحقق الجامع واضحة، ولكن لايلزم من ذلك كون تلك الخصوصيات مؤثرة في ايجاد الأثر المشترك، فلعلها علل مادية لوجود الجامع البسيط الذي هو المؤثر في ترتب ذلك الأثر المشترك بمقتضى قاعدة عدم صدور الواحد الا عن الواحد.

الرابع: ما ذكره المحقق النائيني “قده” من ان هذا الجامع حيث يكون مجهولا بكنهه ومفهومه فلاعرفية في وضع لفظ بإزائه، بعد ان كان الغرض من الوضع هو تفهيم المعنى الى العرف،([26]) وما ذكره متين جدّا.

الخامس: ان الأثر كالانتهاء عن الفحشاء يترتب على الصلاة الصحيحة بالفعل، فلابد من اشتمالها على مثل قصد القربة، والمفروض خروج قصد القربة عن مسمى الصلاة، اذ لو اخذ ذلك في المسمى فبناء على مسلك المشهور يمتنع وقوع المسمى متعلقا للأمر الشرعي، وهذا خلف غرض الصحيحي من تحديد المسمى بنحو يصح تعلق الأمر به، فحيث علم عدم اخذ قصد القربة في المسمى فلايترتب هذا الأثر المشترك اي الانتهاء عن الفحشاء على المسمى وحده حتى يكشف عن جامع يكون مسمىً للفظ الصلاة.

ولكن يجاب عنه بما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” من انه يكفي الأثر التعليقي اي ان المسمى لو انضمّ اليه قصد القربة لترتب عليه الانتهاء عن الفحشاء([27]).

السادس: انه لم‌يعلم وجود أثر مشترك مترتب على خصوص الصلوات الصحيحة كي يكشف عن جامع ذاتي بينها بنحو لايشمل غيرها –فانه يلزم في الجامع الذاتي الذي يراد تسميته باسم الصلاة ان لايشمل غير الصلاة – فلعل النهي عن الفحشاء يترتب على الصوم أيضا، وقد قال تعالى” كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” ولعل الزكاة أيضا قربان كل تقيّ كما ان النهي عن الفحشاء يترتب على الصلاة الصحيحة ظاهرا وان كانت فاسدة واقعا.

السابع: ان البرهان الذي اقيم على قاعدة ان الواحد لايصدر الا عن الواحد لايقتضي الا لزوم التسانخ بين العلة والمعلول ولزوم التسانخ غير لزوم الاشتراك في الجامع الذاتي، الا ترى انه قد يكون الجوهر علة فاعلة للعرض، مع عدم جامع ذاتي بينهما حسب مسلك مشهور الفلاسفة، وحينئذ فلايوجد اي دليل على لزوم جامع ذاتي بين المعلول وعلته، فضلا عن لزوم جامع ذاتي بين علل شيء واحد.

تصوير المحقق العراقي “قده”

لما رأى المحقق العراقي “قده” انه لايمكن فرض جامع ماهوي بين أجزاء الصلاة حيث أنها من مقولات متباينة بتمام الذات، كما مر توضيحه سابقا، فذكر ما محصله انه انما يتم الاشكال لو كانت خصوصيات أجزاء الصلاة بماهياتها دخيلة في حقيقة الصلاة، ولكن لو قلنا بان الدخيل فيها هو مراتب وجوداتها فحيث ان المفروض ان المقولات المتباينة مشتركة في حيثية الوجود، لان الوجود حقيقة مشككة، فلامانع من انتزاع مفهوم جامع من مراتب وجوداتها.

ان قلت: انه يستلزم اشتمال مفهوم الصلاة على مفهوم الوجود الخاص، وهو خلاف الوجدان.

قلت: لامانع من كون مفهوم الوجود جزءً تحليليا لمفهوم الصلاة فيكون داخلا في مفهومها بنحو البساطة لا التركيب، نظير اشتمال مفهوم الانسان على معنى الحيوان او الناطق الا ان مفهوم الانسان بسيط ومفهوم الحيوان الناطق مركب([28]).

وقد حمل السيد الخوئي “قده” كلامه على ارادة وضع لفظ الصلاة بإزاء الوجود الخارجي، فأورد عليه بانه لايوضع الاسم الا بإزاء المفهوم الصالح للوجود الخارجي او الذهني([29])، وانت ترى انه مخالف لصريح كلام المحقق العراقي “قده” حيث ذكر ان لفظ الصلاة مثلا قد وضع بإزاء مفهوم منتزع من مراتب الوجود.

والمهم في الاشكال على ما ذكره المحقق العراقي “قده” اولا: ان المفهوم الذي وضع له لفظ الصلاة مثلا بعد ان لم‌يكن جامعا ذاتيا وماهويا بين افراد الصلاة الصحيحة كما هو مفروض كلامه فلامحالة يكون جامعا انتزاعيا ولو كان هو مفهوم الوجود المتقيد بقيود خاصة، ولايحتمل وضع لفظ الصلاة بإزاء مفهوم انتزاعي من هذا القبيل، لعدم تبادره الى ذهن المتشرعة.

وثانيا: انه قد يكون الدخيل في الصلاة أمرا اعتباريا كتقيده بالطهارة، وقد يكون عدم شيء كعدم القهقهة، ولايوجد جامع وجودي بين الأمر الاعتباري او العدمي وبين الأمور الوجودية.

تصوير المحقق الاصفهاني “قده

ذكر المحقق الاصفهاني “قده” انه اذا اريد وضع لفظ بإزاء الماهيات الاعتبارية المركبة من أمور مختلفة تتغير وتزيد وتنقص فلابد ان يلحظ المعنى الموضوع له مبهما من حيث الخصوصيات، فكما ان مفهوم الانسان بما انه ماهية حقيقية مشتملة على ذاتياته، يلحظ مبهما من حيث العوارض الصنفية والفردية فيوضع بإزاءه لفظ الانسان، فكذا لفظ الصلاة موضوع بإزاء مفهوم مبهم لامعرِّف له الا كونه ملزوما للانتهاء عن الفحشاء والمنكر، وهذا كما يصحح تصوير الجامع للصحيح فكذلك يصحح تصوير الجامع للأعم بان يجعل المعرِّف للمفهوم الموضوع له لفظ الصلاة هو كونه ملزوما لاقتضاء الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، وهذا غير الجامع الذاتي الذي سبق الاشكال على تصويره في المقام، وكذا ليس هو الجامع الانتزاعي، حيث لايحتمل وضع اللفظ بازاء جامع انتزاعي كمفهوم الناهي عن الفحشاء والمنكر.

هذا وقد انكر “قده” الجامع المركب بنفس البيان المتقدم عن الشيخ الأعظم “قده”([30]).

وقد اورد عليه في البحوث بمامحصله انه ان اريد كون المسمى مبهما ثبوتا فهو غير معقول حتى في الاسماء المبهمة كاسم الاشارة والموصول، فانه لاابهام في معناها الموضوع له، وانما ابهامها من حيث انطباقها على الخارج، ولايتجه ما افاده من كون معنى الانسان مبهما، فان معناه مبين وان كان لابشرط من حيث الخصوصيات.

وان اريد ان المسمى مفهوم عرضي انتزاعي كمفهوم ما امر به الشارع فهو خلاف مرتكز العرف والمتشرعة الذي يرى ان اسماء العبادات والمعاملات تحكي عن عناوين تفصيلية غير انتزاعية، ولولا انه انكر الجامع المركب لحملنا كلامه على ارادة وضع لفظ الصلاة بإزاء الجامع المركب الأوي الذي سيأتي توضيحه قريبا([31]).

اقول: ان الجامع المركب الذي انكره المحقق الاصفهاني “قده” هو نفس ما انكره الشيخ الاعظم “قده” من الجامع المركب الواوي، لاالجامع المركب الأوي، فلعل مقصوده من الجامع المبهم هونفس الجامع المركب الأوي فان الجامع المركب الاوي لايلحظ حين الوضع تفصيلا عادة، كيف وفي مثل الصلاة قد يتحقق تشريع عِدل آخر لمصداق الصلاة الصحيحة متأخرا عن التسمية باسم الصلاة، فلامحيص الا ان يتصور الواضع شبحا من خصوصيات الصلاة الصحيحة، ويشير اليها ببعض العناوين الاجمالية، كعنوان ما يؤخذ جزءًا او شرطا في متعلق الأمر بالصلاة.

تصوير شيخنا الاستاذ “قده”

ذكر شيخنا الاستاذ “قده” ان ما يمكن ان يدعيه القائل بوضع اللفظ للصحيح بنحو يساعده فهم المتشرعة، هو ان الشارع لاحظ التكبيرة والقراءة والركوع والسجود والتشهد والتسليمة وبنى على ان كل عمل يشرعه فيما بعد ويشتمل على معظم هذه الأفعال هو معنى لفظ الصلاة مثلا، سواء كان تشريعه بالأمر الوجوبي او الندبي فيكون في الحقيقة لفظ الصلاة موضوعا لأنواع الصلوات الصحيحة بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص، فان كان العمل المركب من تلك الأجزاء مشروعا في حالٍ كحال الاضطرار فهو صلاة في ذلك الحال، فلو صدر في غير ذلك الحال لم‌يكن صلاة، لعدم مشروعيته حينئذ([32]).

ويلاحظ عليه ان لازم ما ذكره من كون لفظ الصلاة موضوعا بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص هو المجاز في قولنا: الصلاة الصحيحة على اقسام، فانه يعني استعمال كلمة الصلاة الصحيحة في معنى جامع، وينافيه الالتزام بالوضع العام والموضوع له الخاص، اذ لايكون حينئذ لفظ الصلاة مشتركا معنويا بين انواع الصلاة.

تصوير جامع مركب أوي

ان ما مر من اشكال الشيخ الأعظم “قده” على الجامع المركب انما كان ناظرا الى الجامع المركب الواوي، حيث ذكر انه ان اخذ فيه جميع القيود الدخيلة في حال الاختيار لم‌ينطبق على الفاقد لبعضها مما يكون صحيحا في حال الاضطرار، ولو أخذ خصوص القيود المعتبرة في جميع الحالات فينطبق على عمل المختار الفاقد لبعض القيود المعتبرة في حال الاختيار، مع كونه فاسدا.

ولكن افاد في البحوث انه يمكن تصوير جامع مركب أوي يكون هو المسمى للفظ الصلاة مثلا، بان يؤخذ فيه القيود المعتبرة في جميع الحالات -كالطهارة من الحدث مثلا- على نحو التعيين، ويؤخذ القيود التخييرية -كقراءة سورة الحمد اوالتسبيحات الأربعة في الركعتين الأخيرتين- على نحو التخيير، فيكون مسمى الصلاة هو المركب المشتمل في الركعتين الأخيرتين على قراءة الحمد او التسبيحات الأربعة، وفي مثل القصر والتمام يكون المأخوذ في المركب هو القصر في السفر او التمام في الحضر، وكذا من ناحية اختلاف الصلوات، النوافل والفرائض، اليومية والآيات والعيدين، وكذا الأدائية والقضائية، فيؤخذ الجامع عن طريق أخذ خصوصية كل من هذه الصلوات على وجه التخيير، وفي مثل الوضوء والتيمم او القيام والجلوس وغير ذلك مما يكون للصحيح بدل طولي تصل النوبة اليه في حال الاضطرار، فيؤخذ في المركب المبدل حال الاختيار او البدل حال الاضطرار، فيكون المسمى للفظ الصلاة مثلا هو العمل المقيد بالوضوء حال الاختيار او التيمم حال الاضطرار.

ان قلت: ان اريد من التيمم حال الاضطرار هو التيمم حال مطلق الاضطرار ولو كان بسوء الاختيار بان كان عنده ماء منحصر فأتلفه في أثناء الوقت، فلازم الأمر بالجامع بين الوضوء حال الاختيار او التيمم حال الاضطرار هو جواز تفويته الماء أثناء الوقت والتيمم بعده، وان اريد خصوص التيمم حال الاضطرار لابسوء الاختيار لزم بطلان الصلاة مع التيمم في حال الاضطرار بسوء الاختيار مع التزام الفقهاء بصحته وان كان آثما بتركه للصلاة مع الوضوء في أول الوقت.

قلت: هذا ليس موجبا للإشكال في مقام التسمية وانما يوجب الاشكال بلحاظ مقام الأمر، وحلُّه بأحد طريقين:

1- الالتزام بتعدد الأمر بان يكون هناك أمر بالجامع بين الصلاة مع الوضوء حال الاختيار او الصلاة مع التيمم حال الاضطرار ولو كان الاضطرار بسوء الاختيار، وأمر آخر بخصوص الصلاة مع الوضوء في حال الاختيار في حق من كان متمكنا من صرف وجود ذلك في داخل الوقت.

2- الالتزام بثبوت الأمر في اول الوقت بالصلاة مع الوضوء، فاذا أتلف الماء سقط هذا الأمر بعصيانه ويحدث أمر جديد بالصلاة مع التيمم، وهذا لاينافي كون مسمى الصلاة هو الجامع، حيث يستفاد خصوصية الصلاة مع الوضوء من الأمر الأول والصلاة مع التيمم من الأمر الثاني بواسطة القرينة على نحو تعدد الدال والمدلول.

هذا ولكن يشكل تصوير الجامع المركب الأوي بين تقيد الصلاة بشيء كالبسملة في حال الاختيار والالتفات وعدم تقيدها به في حال الاضطرار من تقية ونحوها او النسيان.

وقد ذكر في البحوث في حل هذا الاشكال وجهين:

الوجه الاول: ان يلتزم بان المسمى للصلاة مثلا هو سائر أجزاء الصلاة مع تقيدها بعدم ترك البسملة في حال الاختيار والالتفات، وهذا وان اوجب خروج نفس البسملة عن مسمى الصلاة ولكنه ليس بمهم، لعدم الارتكاز القطعي على جزئيتها للصلاة، والمفروض عدم ابتلاء الأجزاء الرئيسية للصلاة بهذه المشكلة.

الوجه الثاني: ان يقال ان المأخوذ في مسمى الصلاة هو الجامع بين البسملة وبين تقيد سائر أجزاء الصلاة بكونها في حال الاضطرار الى ترك البسملة او نسيانها.

وقد يورد على هذا الوجه بان تقيد سائر اجزاء الصلاة بكونها في حال الاضطرار او النسيان غير صحيح، لانه يكون تكليفا بغير المقدور، لعدم كون قيده وهو الاضطرار او النسيان تحت اختيار المكلف، كما ان تقيد سائر الأجزاء بكونها في حال نسيان البسملة مبتلى باشكال آخر، وهو عدم امكان الانبعاث عن الأمر به، لعدم الالتفات الى النسيان.

ولكن يمكن ان يجاب عن هذا الايراد اولا: ان غايته تعلق الأمر بالجامع بين ما يشتمل على البسملة وبين ما يكون فاقدا للبسملة في حال الاضطرار او النسيان فيكون أمرا بالجامع بين المقدور وغير المقدور، والجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور. وثانيا: ان ذلك لايوجب توجه أيّ محذور في أخذ جامع من هذا القبيل في مسمى الصلاة، نعم غايته عدم امكان تعلق الأمر بهذا المسمى بتمامه([33]).

وكيف كان فهذا الجامع المركب الأوي للصحيح وان كان خاليا عن الاشكال، لكن قد يقال بان معنى لفظ الصلاة مثلا ابسط عند العرف من جامع مركب معقَّد من هذا القبيل، خاصة لو اخذنا عدم تعلق النهي وكذا عدم الابتلاء بالمزاحم في هذا الجامع المركب.

الا انه يمكن ان يجاب عنه بان لنا ان نمنع كون معاني الفاظ العبادات بناء على القول بالوضع للصحيح ابسط من هذا الجامع المركب عرفا، خصوصا في مثل الصلاة التي يدرك العرف ان لها آدابا كثيرة، وليس من الضروري ان يدركها العرف تفصيلا، بل يكفي ان يعلم اجمالا ان للمسمى خصوصيات معينة يرجع فيها الى الشارع المخترع لها كما في المعاجين الطبّية([34]).

وماذكره متين جدا.

فتحصل: ان المتعين بناء على مسلك الصحيحي اختيار كون المسمى هو الجامع المركب الأوي

وبهذا ينتهي الكلام في الجامع الصحيحي، وقد تحصل ان المتعين بناء على مسلك الصحيحي اختيار كون المسمى هو الجامع المركب الأوي، دون الجامع المركب الواوي، ولاالجامع البسيط سواء اريد به الجامع البسيط الذاتي بمعنى ذاتي باب الكليات الخمس، او اريد به الذاتي في باب البرهان او الجامع البسيط الانتزاعي، أما ذاتي باب الكليات الخمس فلما مر من عدم جامع مقولي يكون جنسا او نوعا للصلوات الصحيحة، وأما ذاتي باب البرهان فقد ذكر في البحوث ان ذاتي باب البرهان هو ما كان من لوازم الماهية وهي بمثابة المعلول للماهية، ويستحيل وجود لازم واحد لماهيات متباينة لتمام الذات، حيث يلزم صدور الواحد عن امور متباينة بما هي متباينة وهو محال،([35]) ولكن الصحيح ان ذاتي باب البرهان هو ما كان خارجا عن جنس الشيء وفصله، ولكن كان عروضه لذلك الشيء باقتضاء ذات ذلك الشيء بلاحاجة الى ضميمة، وليس معنى ذلك انه يكون بمثابة المعلول للماهية، ولأجل ذلك نرى ان الامكان ذاتي للجوهر وللأعراض معاً، مع كونها مقولات متباينة بتمام الذات حسب مسلك الفلاسفة، الا ان المهم في المقام انه لايتصور جامع ذاتي من هذا القبيل ايضا لأجزاء الصلاة وشرائطها، حيث ان بعض قيود الصلاة كالطهارة اعتباري، كما ان بعضها الآخر عدمي، ولاجامع ذاتي بينهما وبين القيود الوجودية حتى بمعنى ذاتي باب البرهان.

وأما الجامع البسيط العرضي كمفهوم الناهي عن الفحشاء والمنكر فقد مر عدم احتمال كونه مرادفا لمعنى الصلاة.



[1] – كفاية الاصول ص23

[2] – بحوث في علم الاصول ج1 ص187

[3] – نهاية الدراية ج1ص94

[4] – بحوث في علم الاصول ج1ص188

[5] – نهاية النهاية ج1ص 33

[6]– كفاية الاصول ص24

[7] – كفاية الاصول ص182

[8] – نهاية الدراية ج1ص95

[9]– نهاية الدراية ج1ص97

[10] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص135

[11] – مستند العروة كتاب الصلاة ج6ص317

[12] – وسائل الشيعة ج8 ص238 باب23 من ابواب الخلل ح3

[13]– وسائل الشيعة ج13 ص 112 باب 3 من ابواب كفارات الاستمتاع في الاحرام ح9

[14] -وسائل الشيعة ج3 ص481 باب 42 من ابواب النجاسات ح 5

[15] – مطارح الانظار ص7

[16] – اجود التقريرات ج1ص37

[17] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص143

[18] -مطارح الانظارص6

[19] – سورة العنكبوت الآية 45

[20] – الكافي ج3 ص265

[21] – روضة المتقين ج6ص2

[22] – كفاية الاصول ص24

[23] – نهاية الدراية ج1ص98

[24]– نهاية الدراية ج1 ص 100

[25] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص145

[26] -اجود التقريرات ج1ص38

[27] -نهاية الدراية ج1ص

[28] – مقالات الاصول ج1ص142

[29] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص160

[30] – نهاية الدراية ج1ص102

[31] – بحوث في علم الاصول ج1ص198

[32] – دروس في مسائل علم الاصول ج1ص106

[33] – هذا ينافي ما ذكره “قده” من ان غرض الصحيحي هو تحديد المسمى بنحو يمكن تعلق الأمر به راجع بحوث في علم الاصول ج1ص191

[34] -بحوث في علم الاصول ج1 ص192

[35] -بحوث في علم الاصول ج1ص192