فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

 

رؤوس المطالب:

تعريف المنسوب الی المشهور لعلم الأصول. 2

الايراد الرابع على تعريف المشهور. 2

ان تعريف المشهور ينطبق على القواعد الفقهية ايضا ولاريب في خروج القواعد الفقهية عن علم الاصول. 2

عدة محاولات للجواب عن هذا الايراد 2

المحاولة الأولى: ان القاعدة الاصولية ينحصر امر تطبيقها بالمجتهد دون القاعدة الفقهية. 2

المحاولة الثانية: ان القاعدة الاصولية لاتنتج الا حكما كليا، بخلاف القاعدة الفقهية. 3

المحاولة الثالثة: ان الأحكام المستفادة من القواعد الفقهية هي من باب تطبيق مضامينها على مصاديقها لا من باب الاستنباط.. 3

المحاولة الرابعة: القواعد الفقهية نتائجها احكام شخصية دائما و لا تجري في الشبهات الحكمية. 7

المحاولة الخامسة: ان علم الأصول هو القواعد التي يرتفع بها الجهل بالحكم الشرعي.. 8

المحاولة السادسة: تكون للقاعدة الاصولیه خمس خصوصيات متمایزه عن القاعدة الفقهية. 9

يعتبر في القاعدة الاصولية ان تكون لها وحدة الاثباتية. 12

المتناسب ان تكون مسائل علم اصول الفقه مشتركة بين عدة ابواب فقهية. 13

التعريف الصحیح لعلم الاصول. 15

ذکر نکات.. 15

المحقق الاصفهاني “قده”: قاعدة الحل او البراءة ليس من البحث الاصولي.. 15

مناقشات.. 16

وجهان فی کلام المحقق الاصفهاني “قده” فی خروج مباحث الاشتغال عن علم الاصول. 17

اشکال وجه الاول. 17

اشکال وجه الثانی.. 18

اقسام الدليل على الجعل الشرعي.. 18

عدة ملاحظات.. 21

 

 

 

تعريف المنسوب الی المشهور لعلم الأصول

الايراد الرابع على تعريف المشهور

ان تعريف المشهور ينطبق على القواعد الفقهية ايضا ولاريب في خروج القواعد الفقهية عن علم الاصول.

الايراد الرابع: ان تعريف المشهور ينطبق على القواعد الفقهية ايضا كقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وما لايضمن بصحيحه لايضمن بفاسده او قاعدة لاحرج ولاضرر وكذا مثل قاعدة الفراغ والتجاوز التي تجري في الشبهات الموضوعية، فانها جميعا يستكشف منها الحكم الشرعي ولاريب في كون المرتكز خروج القواعد الفقهية عن علم الاصول.

عدة محاولات للجواب عن هذا الايراد

وهنا عدة محاولات للجواب عن هذا الايراد ايضا، عمدتها ما يلي:

المحاولة الأولى: ان القاعدة الاصولية ينحصر امر تطبيقها بالمجتهد دون القاعدة الفقهية

ما حكي عن الشيخ الاعظم والمحقق النائيني والمحقق العراقي “قدهم” من ان القاعدة الاصولية ينحصر امر تطبيقها بالمجتهد دون القاعدة الفقهية، حيث يمكن القاءها الى العامي مباشرة.

ويورد عليه بالنقض بقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وما لايضمن بصحيحه لايضمن بفاسده، وكذا قاعدة بطلان الشرط المخالف للكتاب والسنة او قاعدة التسامح في ادلة السنن، بناء على كون مفادها استحباب العمل البالغ عليه الثواب بعنوان ثانوي، فانه لايتيسر للعامي تطبيق هذه القواعد على صغرياتها.

المحاولة الثانية: ان القاعدة الاصولية لاتنتج الا حكما كليا، بخلاف القاعدة الفقهية

ما حكي عن المحقق النائيني “قده” من ان القاعدة الاصولية لاتنتج الا حكما كليا، بخلاف القاعدة الفقهية فانها تصلح لان تنتج حكما جزئيا نظير قاعدة اليد مثلا فانها تكون حجة على ملكية ذي اليد في الشبهة الموضوعية، وملكيته فيها ليست مجعولة بجعل شرعي كلي.

وفيه ان مثل قاعدة ما يضمن وما لايضمن او قاعدة بطلان الشرط المخالف للكتاب والسنة او قاعدة التسامح في ادلة السنن تنتج حكما كليا ولاتصلح ان تنتج حكما جزئيا مع انها قواعد فقهية حتى قاعدة التسامح في ادلة السنن، بناء على كون مفادها استحباب العمل البالغ عليه الثواب، نعم بناء على كون مفادها حجية الخبر الضعيف فتكون قاعدة اصولية.

المحاولة الثالثة: ان الأحكام المستفادة من القواعد الفقهية هي من باب تطبيق مضامينها على مصاديقها لا من باب الاستنباط

ما ذكره السيد الخوئي “قده” من ان الأحكام المستفادة من القواعد الفقهية سواء كانت مختصة بالشبهات الموضوعية كقاعدة الفراغ واليد ام كانت تعم الشبهات الحكمية أيضا كقاعدتي لاضرر ولاحرج بناء على جريانهما في موارد الضرر والحرج النوعيين وقاعدتي مايضمن ومالايضمن وغيرها انما هي من باب تطبيق مضامينها بانفسها على مصاديقها لا من باب التوسيط والاستنباط([1]).

توضيح ما افاده ان نتيجة المسألة الأصولية تغاير دائما الحكم الشرعي الذي يكون الفقيه بصدد استنباطه واستخراجه، مثال ذلك ان نتيجة حجية خبر الثقة هي حجية خبر الثقة الدال على وجوب صلاة الجمعة مثلا، وحجيته مغايرة مع نفس وجوب صلاة الجمعة الذي يكون الفقيه بصدد استنباطه، سواء اريد من حجية خبر الثقة جعل الحكم المماثل او كون الخبر علما تعبديا بالواقع او كونه منجزا ومعذرا بالنسبة الى الواقع، وهكذا حينما يطبق الفقيه البراءة في الشبهة البدوية الحكمية على حرمة شرب التتن فالبراءة عن شرب التتن تغاير نفس شرب التتن، فان الحكم الشرعي الواقعي الذي يراد استكشاف حاله من حيث التنجز والتعذر يغاير نفس الكاشف عن حاله والمنجز والمعذر له، وهذا هو التوسيط، واما في التطبيق فلايكون الحكم الشرعي الذي يكون الفقيه بصدد استنباطه واستخراجه الا صغري من صغريات القاعدة.

وكيف كان فقداشكل عليه بعدة اشكالات:

1- أنه قد تكون نسبة القاعدة الفقهية الى الحكم الشرعي الذي يكون الفقيه بصدد استنباطه نسبة التوسيط أيضا، كالبحث عن الملازمة بين الضمان بالعقد الصحيح والضمان بالعقد الفاسد، فان هذه الملازمة تغاير الحكم الشرعي بالضمان بالبيع الفاسد مثلا([2]).

ويمكن الجواب عنه بانه لم‌يدل دليل على ثبوت الملازمة بين الضمان بالعقد الصحيح والعقد الفاسد، وانما تنتزع هذه الملازمة من الحكم الشرعي بثبوت الضمان بالاستيلاء على مال الغير مع عدم الغاء المالك احترام ماله حيث لم‌يسلط الغير عليه مجانا كما في البيع الفاسد، والحكم بعدم الضمان مع الغاء المالك احترام ماله بتسليط الغير عليه مجانا كما في الهبة الفاسدة، على انه لو فرض كون الخطاب بلسان الملازمة كما في صحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبدالله (عليه‌السلام) “هذا واحد اذا قصرت افطرت واذا افطرت قصرت”([3]) فحيث ان الملازمة شرعية فتنتزع هذه الملازمة من جعل اللازم عند وجود الملزوم، وهذا بخلاف الملازمة العقلية بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، فانها تختلف وجودا عن وجوب المقدمة عند وجوب ذيها.

2- ما ذكره في البحوث من ان التمييز بين القاعدة الاصولية والقاعدة الفقهية بما ذكره من الفرق بين التطبيق والاستنباط، يؤدي احيانا الى نتيجة غريبة وهي ارتباط كون المسألة اصولية او فقهية الى كيفية التعبير عنها، كمسألة اقتضاء النهي عن العبادة لفسادها اذا طرحت بعنوان البحث عن الاقتضاء كانت اصولية لان البطلان حينئذ مستنبط عن الاقتضاء وليس تطبيقا، بينما انها اذا طرحت بعنوان ان العبادة المنهي عنها باطلة ام لا فتكون فقهية، لان اثبات بطلان كل عبادة منهي عنها بذلك يكون بنحو التطبيق، مع ان روح المسألة واحدة في كلتا الصياغتين، وهذا يكشف عن ان المائز الحقيقي للمسألة الأصولية عن القاعدة الفقهية ليس مجرد عدم انطباق المسألة الاصولية على الحكم المستخرج بخلاف القاعدة الفقهية([4])، وما افاده تام جدّا.

وما ذكره بعض الاعلام من ان المهم في التمييز بين القاعدة الاصولية والقاعدة الفقهية هو النظر الى مضمون القاعدة وروحها، فان كانت نسبة روح القاعدة الى الحكم الشرعي الذي يكون الفقيه بصدد استنباطه نسبة التوسيط فتكون قاعدة اصولية، والا فهي قاعدة فقهية، وحيث أن مسألة النهي عن العبادة ترجع بحسب روحها ومضمونها الى البحث عن اقتضاء النهي عن العبادة للفساد، فتكون قاعدة اصولية ولو كانت مطروحة بصيغة البحث عن ان العبادة المنهي عنها باطلة([5]).

فيلاحظ عليه: انه لو فرض كون عنوان البحث ان العبادة المنهي عنها باطلة فلاوجه لان يقال ان روح هذا البحث هو اقتضاء النهي عن العبادة للفساد، بل يتلائم مع ان تكون روح البحث هو البحث عن بطلان العبادة المنهي عنها، ويجعل اقتضاء النهي عن العبادة لفسادها دليلا عليه، وهكذا لو كان عنوان البحث في مقدمة الواجب هو ان مقدمة الواجب واجبة، فيتلائم مع كون روح البحث هو البحث عن وجوب المقدمة شرعا، وانما يجعل حكم العقل بالملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب مقدمته دليلا عليه، وهكذا لو كان عنوان البحث هو حرمة ما حكم العقل بقبحه فيكون هذا هو روح البحث، ولكن يجعل الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع دليلا عليه، والمتحصل ان روح البحث في هذه الموارد تتلائم مع كلا العنوانين، فلاوجه لجعل روح البحث ومضمونه هو البحث عن اقتضاء النهي عن العبادة لفسادها او الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته او الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.

3- ان الامارات والاصول الجارية في الشبهات الموضوعية لاتختلف عن الامارات والاصول الجارية في الشبهات الحكمية، في ان جريانها ليس على نحو التطبيق وانما يكون على نحو التوسيط، حيث ان مفادها ليس حكما شرعيا واقعيا بل هي ناظرة الى إثبات حال الحكم الشرعي الواقعي ولو تنجيزا او تعذيرا على وزان جريانها في الشبهات الحكمية، غايته ان مفادها يكون تنقيح حال الحكم الجزئي بخلاف الامارات والاصول الجارية في الشبهات الحكمية.

4- ان استظهار التوسيط في قبال التطبيق من كلمة الاستنباط مما لايساعد عليه العرف بوجه، كما ذكره بعض الاعاظم “قده”([6])، وهكذا ذكر في البحوث([7])، فان غاية ما يظهر من كلمة الاستنباط اشتمالها على المشقة حيث أنها مأخوذة من النبط، وهو استخراج ما كان مخبوّا في مكان، الا ان تطبيق القواعد الفقهية ايضا قد يحتاج الى تأمل ودقة وتحمل مشقة كما في تطبيق قاعدة ما يضمن وما لايضمن، ولعله لأجل ذلك عدل السيد الإمام “قده” الى تعريف علم الاصول بانه هو القواعد الآلية التي يمكن ان تقع في كبرى استنتاج الاحكام الكلية الفرعية الإلهية أو الوظيفة العملية([8])، فبقيد الآلية يخرج قواعد الفقه اذ هي ما اليه ينظر لا ما به ينظر، وقد يشير اليه التعبير في الكفاية بان علم الاصول صناعة، فان الصناعة حسب المصطلح تكون في فرض كون العلم آليا كما في المنطق بالنسبة الى الفلسفة.

المحاولة الرابعة: القواعد الفقهية نتائجها احكام شخصية دائما و لا تجري في الشبهات الحكمية

ما ذكره السيد الخوئي “قده” ايضا من ان الصحيح انه لاشيء من القواعد الفقهية تجري في الشبهات الحكمية، فان قاعدتي نفي الضرر والحرج لاتجريان في موارد الضرر او الحرج النوعي، وقاعدة ما يضمن اساسها ثبوت الضمان باليد مع عدم الغاء المالك لاحترام ماله (فليست هذه القاعدة الا جعلا واحدا كليا لاانه يستكشف منها جعول شرعية) فالقواعد الفقهية نتائجها احكام شخصية دائما([9]).

وفيه: ان ما افاده من الفرق بين الالتزام بنفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر او الحرج على نوع المكلفين والالتزام بعدمه غير متجه، فان مراده من الشبهة الحكمية كما هو ظاهر كلامه ليس بمعناه المصطلح، بل هو ما كانت نتيجة تطبيق القاعدة في الفقه هو استكشاف الحكم الكلي بنحو يعم كل احد، ونفي وجوب الوضوء الضرري وان كان من وظيفة الشارع بيانه ولكن ليس يعم كل احد بل يختص بمن كان الوضوء ضرريا في حقه، ولكن لاوجه لهذا التصوير فان الشبهة الحكمية مطلق ما كان رفعها بيد الشارع.

هذا مضافا الى انه لو قلنا بما هو الظاهر من انه لامانع من التمسك باطلاق الأدلة النافية للضرر والحرج ونحوهما لنفي الحكم المشكوك ولو كان باصله ضرريا او حرجيا فيمكن استكشاف الحكم الكلي الذي يعم كل احد منها.

المحاولة الخامسة: ان علم الأصول هو القواعد التي يرتفع بها الجهل بالحكم الشرعي

ما ذكره بعض الاعلام “قده” من ان علم الأصول هو القواعد التي يرتفع بها بلاواسطة التحير الحاصل للمكلف من الجهل بالحكم الشرعي، سواء كانت نتيجتها الاستنباط ام لا، وبذلك يخرج ما يكون بمفاده ناظرا الى بيان الحكم المجهول كالمسائل الفقهية، فانها ناظرة الى الحكم المجهول ومبينة له، ونفس الحكم لايرتفع التردد والذي يرفع التردد هو دليله، نعم بناء على هذا التعريف يدخل الاصول العملية الجارية في الشبهات الموضوعية كقاعدة الفراغ ونحوها في مسائل علم الاصول حيث أنها رافعة للتحير الحاصل للمكلف من احتمال الحكم الشرعي، ولامحذور في الالتزام بذلك، وقد خرج بالتقييد بارتفاع التحير من المسألة الاصولية بلاواسطة المسائل التي يرتفع بها التحير مع الواسطة كالبحث عن الصحيح والأعم اوالمشتق، وأما مباحث الالفاظ فحيث ان ارتفاع التحير بها يحتاج الى كبرى حجية الظهور فقط، وهي بديهية فلاتخلّ وساطتها في اصولية هذه المباحث([10]).

والظاهر ان مقصوده من كون القاعدة الأصولية رافعة للتحير الحاصل من الجهل بالحكم الشرعي، بخلاف القاعدة الفقهية حيث أنها ناظرة الى تبيين الحكم المجهول، هو ان مفاد القاعدة الفقهية نفس الحكم الشرعي الواقعي، وأما القاعدة الأصولية فهي دليل عليه، مثل قاعدة الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها، حيث انها دليل على وجوب المقدمة شرعا.

وكيف كان فيلاحظ عليه اولا: انه لم‌يفهم وجه الفرق بين مباحث الالفاظ وبين بحث الصحيح والاعم او المشتق، فان جميعها منقحة لصغريات الظهور.

وثانيا: ان الالتزام بدخول الاصول العملية الجارية في الشبهات الموضوعية في علم الاصول خلاف المرتكز جدا، فان علم الاصول يبحث عن مسائل تقع في طريق الاستدلال الفقهي، وهذا كان غرض التدوين من علم الاصول، فذكر السيد المرتضى والشيخ الطوسي “ره” ان موضوع علم الاصول هو الأدلة في الفقه باجمالها([11])، فكان الغرض من علم الاصول هو تنقيح مباني الاستدلال على الحكم الشرعي الكلي، ومن ثم نلتزم بخروج مباحث الاجتهاد والتقليد عن علم الاصول، لان الغرض من علم الاصول ليس مطلق ما يستكشف به حال الحكم الشرعي الكلي ايضا، بل ما يقع في طريق استدلال الفقيه واستنباطه.

المحاولة السادسة: تكون للقاعدة الاصولیه خمس خصوصيات متمایزه عن القاعدة الفقهية

ما ذكره في البحوث من انه يلزم ان تكون للقاعدة خمس خصوصيات كي تصير بذلك قاعدة اصولية وتتميز عن القاعدة الفقهية:

1- ما مر من لزوم كونها خاصة بالاستدلال الفقهي، فمسائل علم المنطق ليست قاعدة اصولية لكونها قواعد الاستدلال بشكل عام، ولاتختص بالاستدلال الفقهي.

2- ان تكون امرا كليا ذات حقيقة واحدة، والا لم‌تكن قاعدة بمعناها الفني، فان كانت من المجعولات التشريعية كحجية خبر الثقة فوحدتها بوحدة الجعل الموجد لها تشريعا، وان كانت من غير المجعولات كقاعدة الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته فوحدتها بوحدة تقررها الثبوتي بوصفها حقيقة واحدة ثابتة في نفس الأمر.

وبهذا القيد خرجت قاعدة لاضرر عن كونها قاعدة اصولية، لان مفادها ليس الا مجموعة من التشريعات جمعت في عبارة واحدة، فان وجوب الوضوء مقيدا بفرض عدم الضرر ووجوب الصوم مقيدا بفرض عدم الضرر مثلا ليسا مجعولين بجعل واحد، غاية الأمر ان الشارع جمع بين هذه التشريعات المتعددة في مبرز واحد، فهذا من قبيل ان يقال كل حكم يثبت للرجل في المعاملات فهو ثابت للمرأة، فانه ليس قاعدة بل تجميع لجعول واحكام متعددة.

وعلى ضوء ما ذكرناه يتضح ان القاعدة الأصولية في بحث مقدمة الواجب ليست هي وجوب مقدمة الواجب، بل هي الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة، فان ما له وحدة ثبوتية هو نفس الملازمة، واما وجوب المقدمة فليست له وحدة ثبوتية اذ لم‌يتعلق جعل كلي لوجوب المقدمة، بل وجوب مقدمة كل واجبٍ مجعول بتبع وجوب ذيها.

3- ان يكون المستنبط من تلك القاعدة الجعل الشرعي الكلي، مثل انه يستكشف من قاعدة الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها وجوب الوضوء عند وجوب الصلاة، ووجوب الوضوء جعل شرعي كلي، وهذا بخلاف مثل قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، فانها وان كانت قاعدة بمعناها الفني لوحدتها الثبوتية حيث ترجع الى جعل الشارع الضمان بسبب الاستيلاء على مال الآخرين مع عدم تسليطهم له عليه مجانا، غير انه لايمكن ان تقع في طريق اثبات جعل شرعي، لانها بنفسها هي الجعل الصادر من الشارع وانما تقع في طريق تطبيقات هذا الجعل، فضمان المشتري للمبيع في البيع الفاسد ليس مجعولا برأسه بل هو تطبيق من تطبيقات جعل كلي للضمان باليد، فالقاعدة الأصولية لابد ان تقع في طريق اثبات جعل شرعي.

وهذا هو السر في كون نسبة الحكم الشرعي اي الجعل الشرعي الذي يراد استنباطه الى القاعدة الأصولية نسبة التوسيط دون التطبيق، لان القاعدة الأصولية ان لم‌تكن مجعولة بجعل شرعي فمن الواضح انه لايمكن ان ينطبق على الجعل الشرعي الذي يراد استنباطه، واذا كانت مجعولة بجعل شرعي فلايمكن ايضا ان تنطبق على جعل شرعي آخر، لان التطبيق معناه حينئذ كون ذلك الجعل الشرعي من صغريات هذه القاعدة الاصولية، وهذا غير ممكن، لان الجعل الشرعي لايمكن ان يكون من صغريات جعل شرعي آخر، اذ لو فرض جعل الكبرى فجعل صغرياته بجعل مستقل برأسه لغو محض، نعم يمكن كون القاعدة انتزاعا وابرازا لجعول متعددة متعلقة بصغرياتها كقاعدة لاضرر على ما مر آنفا، فحينئذ تنطبق على الجعل الشرعي، ولكن تفقد حينئذ الخصوصية الثانية من القاعدة الاصولية.

4- ان يكون الحكم الشرعي الذي يراد استنباطه من القاعدة جعلا شرعيا كليا، فيخرج بذلك الأمارات والأصول العملية الجارية في الشبهات الموضوعية، لانها لاتقع في طرق اثبات جعل شرعي كلي، بل يقع في طريق اثبات مصداق لمتعلق جعل او موضوعه (او لنفي حكم جزئي كالبراءة عن الحكم الجزئي المشكوك).

5- ان لاتختص هذه القاعدة بباب فقهي معين، بل تكون مشتركة يستدل بها في ابواب فقهية متنوعة، وبذلك يخرج مثل قاعدة الطهارة الجارية في الشبهات الحكمية ايضا او قاعدة ظهور الأمر بالغسل في الارشاد الى النجاسة فانها تختص بباب فقهي معين.

فالصحيح في تعريف علم الاصول بنحو تعالج جميع المشاكل ان يقال: ان علم الاصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة التي يستعملها الفقيه كدليل على الجعل الشرعي الكلي([12]).

يعتبر في القاعدة الاصولية ان تكون لها وحدة الاثباتية

اقول: الظاهر انه لاوجه لحصر القاعدة الاصولية بما يكون لها وحدة ثبوتية بل يكفي ان تكون لها وحدة اثباتية كقاعدة لاضرر، فانها باعتبار اشتمال خطاب واحد شرعي عليها تكون قاعدة يستدل بها على انتفاء الاحكام الضررية في الفقه، وكذا قاعدة لاحرج، واي مانع من ان تكون قاعدة لاضرر او قاعدة لاحرج من القواعد الاصولية، حيث يستدل بهما في مقام استنباط الجعل الشرعي الكلي كانتفاء وجوب الوضوء في موارد الضرر والحرج، ولايقدح في ذلك كون نسبتهما الى ذلك الجعل الشرعي الذي يكون الفقيه بصدد استنباطه نسبة التطبيق او فقل نسبة الكلي الى فرده.

وبذلك يتبين انه في مسألة اقتضاء النهي عن العبادة للفساد او الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته او الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل لو فرض طرح عنوان البحث بصيغة ان العبادة المنهي عنها باطلة او ان مقدمة الواجب واجبة او ان الذي حكم العقل بقبحه حرام لم‌يخرج بذلك عن كون البحث بحثا اصوليا، حيث ان عنوان ان العبادة المنهي عنها باطلة ذات وحدة اثباتية ناشئة عن وحدة دليلها وهو اقتضاء النهي عن العبادة للفساد وكذلك الأمر في وجوب المقدمة او حرمة ما حكم العقل بقبحه، فيختلف عن مثل التعبير بان ما ثبت للرجل في المعاملات فهو ثابت للمرأة، فانه لم‌يرد ذلك في اي خطاب شرعي، كما ان ما يدل عليه ليس امرا واحدا، وانما هو انتزاع محض عن اطلاق خطاب المعاملات في المجالات المختلفة، وعليه فقاعدة الاشتراك بين العالم والجاهل تكون قاعدة اصولية لان دليلها واحد وهو دليل وجوب التعلم.

فالمتحصل انه لايعتبر في القاعدة الاصولية ان تكون لها وحدة ثبوتية وانما يعتبر فيها الوحدة الاثباتية، إما بلحاظ وحدة الخطاب الشرعي الدال عليها او وحدة دليلها العقلي، نعم يعتبر في كون القاعدة اصولية ان تقع في طريق استنباط الجعل الشرعي الكلي، فمثل قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده لاتقع في طريق استنباط الجعل الشرعي الكلي، فان الجعل الشرعي متعلق بنفس مضمون هذه القاعدة التي مرجعها الى جعل الشارع الضمان باليد.

ثم انه قد يمنع من كون قاعدة لاحرج او لاضرر اصولية بدعوى أن عدم استلزام الضرر او الحرج من الشرائط العامة للتكليف كالبلوغ والعقل، فكما أن البحث عن شرطية البلوغ مسألة فقهية وليس من المسائل الاصولية فكذلك البحث عن شرطية عدم الضرر والحرج، ولكن يمكن أن يقال بأنه لامحذور في الالتزام بامكان ادراج البحث عن الشرائط العامة للتكليف من المسائل الاصولية، بعد وقوعهما في طريق اقامة الحجة على الحكم الشرعي.

المتناسب ان تكون مسائل علم اصول الفقه مشتركة بين عدة ابواب فقهية

وأما ما ذكره السيد الصدر “قده” من لزوم اخذ قيد الاشتراك فهو متين، فان المقام كما مر ليس مقام برهان بل لابد من ملاحظة نظر المدوِّن لعلم الاصول وكذا ملاحظة المناسبات، فانه حيث لوحظ ان في الاستدلال الفقهي مباحث مشتركة سيالة لايختص بباب دون باب ودرجها في باب دون باب لاوجه له، كما ان تكرارها غير مناسب فاريد افرازها عن علم الفقه وادراجها في علم سمي باصول الفقه، والمتناسب ان تكون مسائل علم اصول الفقه مشتركة بين عدة ابواب فقهية كي يصدق عليها اصول الفقه، ولاتكون اصول باب الطهارة مثلا كقاعدة الطهارة في الشبهات الحكمية.

وما ذكره السيد الخوئي “قده” من انه لاوجه لاخذ قيد الاشتراك فان اقتضاء النهي عن العبادة للفساد بحث اصولي مع عدم اطراده الا في العبادات([13]) ففيه ان اقتضاء النهي عن العبادة للفساد مشترك بين عدة من الابواب الفقهية يبحث فيها عن مختلف العبادات، كباب الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف والزكاة والخمس والحج، على انه يمكن ان تعتبر مسألة اقتضاء النهي عن العبادة للفساد جزءا من مسالة اقتضاء النهي عن العبادة او المعاملة للفساد، فالظاهر هو اعتبار قيد الاشتراك بل يعتبر مضافا اليه ان تكون القاعدة الاصولية سيالة في الفقه بحدمّا، فمثل البحث عن ظهور كلمة الامام في الروايات في الامام المعصوم او مطلق الحاكم الشرعي وان كان مشتركا في ابواب الفقه، لكنه ليس سيالا يبلغ درجة من العمومية تجعله من اصول الفقه، بل يكون على وزان البحث عن سائر المفردات اللغوية ككلمة الصعيد.

نعم الانصاف ان تحديد مرتبة العمومية التي يندرج لأجلها البحث في علم الاصول غير متيسر بل يواجه المشكلة، فكيف يجعل البحث عن دلالة مادة الأمر على الوجوب من مسائل علم الاصول، دون البحث عن دلالة كلمة “ينبغي” او”كتب” على الوجوب وهكذا مادل على ان الفعل الفلاني حق الله او حق المؤمن على المؤمن اودلالة كلمة “لاينبغي” او “لايصلح” او”يكره” على الحرمة مع أن وجود بعض هذه الكلمات في الروايات اكثر من كلمة الأمر.

التعريف الصحیح لعلم الاصول

وكيف كان فالانسب تعريف علم الاصول بانه القواعد السيالة في الاستدلال الفقهي خاصة، التي تقع نتيجتها في طريق اقامة الحجة على الجعل الشرعي الكلي.

ذکر نکات

ثم انه ينبغي ذكر نكات:

المحقق الاصفهاني “قده”: قاعدة الحل او البراءة ليس من البحث الاصولي

1- ذكر المحقق الاصفهاني “قده” ان البحث عن منجزية الاحتمال او معذرية الجهل وان كان بحثا اصوليا لكن البحث عن قاعدة الحل او البراءة ليس من البحث الاصولي، حيث لايكون المجعول فيهما المعذرية بل المجعول في قاعدة الحل هو الحلية وفي البراءة عدم التكليف في مرحلة الظاهر، فمفادهما الحكم المتعلق بعمل المكلف، فتخرج عن علم الاصول.

ان قلت: لازم ذلك خروج البحث عن حجية الامارات عن علم الاصول، بناء على كون حجيتها بمعنى جعل الحكم المماثل، اذ يكون هذا الحكم متعلقا بعمل المكلف ايضا، كما لو قام خبر الثقة على وجوب صلاة الجمعة فتكون حجيته بمعنى وجوب صلاة الجمعة ظاهرا.

قلت: ان المدلول المطابقي لدليل اعتبار خبر الثقة هو وجوب تصديق الثقة عملا، وتصديقه العملي من لوازم العمل المكلف بمؤدى خبره، اي الإتيان بصلاة الجمعة مثلا فيما لو اخبر بوجوبها، فايجاب تصديق العادل كناية عن وجوب الإتيان بصلاة الجمعة مثلا، وكذا النهي عن نقض اليقين بالشك كناية عن وجوب الاتيان بصلاة الجمعة مثلا في مورد استصحابه، وليس عنوان تصديق العادل او نقض اليقين بالشك منطبقا على عمل المكلف، بخلاف عنوان الوفاء بالنذر حيث أنه عنوان ثانوي لعمل المكلف.

وحينئذ فيقال ان المبحوث عنه في علم الاصول هو الوجوب الكنائي، اي وجوب تصديق العادل عملا، ويستنبط منه في الفقه الوجوب الحقيقي لصلاة الجمعة مثلا([14]).

مناقشات

ويلاحظ عليه: ان ما ذكره من خروج قاعدة الحل والبراءة عن علم الاصول لأجل عدم كونها حجة على الحكم الشرعي، لايخلومن غرابة، اذ بعد كون الحلية الظاهرية والبراءة بغرض التعذير فيترتب عليها العذر العقلي كما لو أنشيء عنوان المعذرية بلا أي فرق بينهما، فان روح الحكم الظاهري الترخيصي هو إبراز عدم اهتمام المولى بالتكليف الواقعي، او فقل إبراز رضاه بترك الاحتياط، ويمكن للمولى ان يكتفي بالإخبار بعدم اهتمامه به فلاحاجة الى الإنشاء أصلا فضلا من ان يؤثر اختلاف كيفية إنشاء الحكم الظاهري الترخيصي في ذلك.

واما ما ذكره بالنسبة الى حجية الامارات بناء على مسلك جعل الحكم المماثل من ان الأمر بتصديق العادل كناية عن وجوب الاتيان بصلاة الجمعة مثلا، وليس تصديق العادل عنوان عمل المكلف، ففيه اولا: ان التصديق العملي للعادل عنوان ثانوي لنفس عمل المكلف لاانه لازمه، فلايختلف عن مثل عنوان الوفاء بالنذر.

وثانيا: انه لاوجه للمنع من كون البحث في علم الاصول عن المعنى المكني به وهو الوجوب الظاهري للاتيان بما قام خبر العادل على وجوبه.

وجهان فی کلام المحقق الاصفهاني “قده” فی خروج مباحث الاشتغال عن علم الاصول

2- ان ما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” في “الاصول على النهج الحديث” من ان مباحث الاشتغال خارجة عن علم الاصول([15])فوجهه أحد أمرين:

فإما ان يكون لأجل أن البحث فيه عن منجزية العلم الاجمالي وقد ذكرفي مباحث القطع من حاشيته على الكفاية ان البحث عن منجزية العلم باقسامه خارج عن علم الاصول،([16])

اويكون لأجل ان البحث فيه عن جريان الأصل الشرعي المؤمن في اطراف العلم الاجمالي -لما ذكره تبعا لاستاذه صاحب الكفاية من ان المناسب للبحث عن شؤون القطع هو البحث في مباحث القطع عن منجزية العلم الاجمالي وعن كونها بنحو الاقتضاء او العلية، فان ثبت كونها بنحو الاقتضاء وقع البحث في مباحث الاشتغال عن وجود المانع عنه- والاصل المؤمن عادة إما اصل البراءة او قاعدة الحل وقد مر منه ان البحث عن أصل البراءة والحل ليس بحثا اصوليا وانما هو بحث فقهي لأن المجعول فيه نفس الحكم الشرعي المتعلق بعمل المكلف.

ولكن في كلا الوجهين إشكال.

اشکال وجه الاول

أما الوجه الاول فلأن البحث عن منجزية القطع باقسامه داخل في علم الاصول، لان غرض الفقيه ليس هو استكشاف الحكم الشرعي فحسب، بل غرضه اقامة الحجة والمنجز بالنسبة اليه او فقل ان غرضه استكشاف الوظيفة الفعلية تجاه الحكم الشرعي، الاترى انه افتى في العروة بانه لااعتبار بعلم الوسواسي في الطهارة والنجاسة، واحد الوجوه فيه امكان الردع عن منجزية القطع ومعذريته.

وما قد يقال من ان القطع ليس واسطة في اثبات الحكم الشرعي بل هو عين اثباته فلايكون البحث عن حجيته لايكون دخيلافي استنباط الحكم الشرعي، ففيه أنه يبتني على ان يكون غرض الفقيه مجرد استكشاف الحكم الشرعي مع انه ليس كذلك، بل غرضه انكشاف الوظيفة الفعلية تجاه الحكم الشرعي، فيحتاج الى البحث عن حجية القطع بمعنى منجزيته ومعذريته.

ولوسلمنا هذا الاشكال في البحث عن حجية العلم التفصيلي وقبلنا انه لما كان عين اثبات الواقع وليس واسطة في الاثبات فلايكون البحث عن حجيته بحثا اصوليا، فلانسلم ذلك في مبحث حجية العلم الاجمالي اذ الواقع غير منكشف معه تمام الانكشاف، فبالنسبة الى ارتكاب بعض اطراف العلم الإجمالي لايكون الحجية الا بمعنى المنجزية، فيكون البحث عن منجزية العلم الإجمالي من مباحث علم الاصول.

اشکال وجه الثانی

وأما الوجه الثاني فلأنه يردعليه اولا: مامر من ان جعل الحلية الظاهرية والبراءة يكون بغرض التعذير، فيترتب عليها العذر العقلي كما لو أنشيء عنوان المعذرية بلا أي فرق بينهما.

وثانيا:انه لايختص الاصل المؤمن بهما بل قد يكون الاصل الجاري في اطراف العلم الاجمالي مثل الاستصحاب، ولااشكال في كونه قاعدة اصولية.

وثالثا: ان البحث في الاشتغال عن امكان جريان الاصل المؤمن في اطراف العلم الإجمالي، والبحث عن امكانه بحث اصولي بلااشكال.

اقسام الدليل على الجعل الشرعي

ذكرفي البحوث مامحصله أن الدليل على الجعل الشرعي ينقسم الى دليل لفظي وعقلي وشرعي.

اما الدليل اللفظي فالمراد منه هنا كل دليل تكون دلالته على اساس الوضع اللغوي اوالظهور العرفي العام فيشمل مثل دلالة فعل الامام وتقريره على الحكم الشرعي ايضا.

واما الدليل العقلي فينقسم الى برهاني وعملي واستقرائي.

فالدليل العقلي البرهاني هو الدليل الذي تكون دلالته على اساس علاقات وملازمات واقعية ثابتة بحكم العقل البديهي او بتوسط البرهان كبحث الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها، وكذا بحث اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده، وبحث اجتماع الأمر والنهي، وبحث اقتضاء النهي عن العبادة للفساد، وبحث اشتراط القدرة في متعلق التكليف، وبحث امكان اخذ بعض القيود في موضوع التكليف او متعلقه -كالبحث عن امكان اخذ قصد القربة في متعلق الأمر-، وغير ذلك من المسائل العقلية التي يكون البحث فيها عن سنخ العلاقة الثابتة بين حكمين او بين الحكم ومتعلقه او بين الحكم وموضوعه.

واما الدليل العقلي العملي فهو كل مايشخص الوظيفة العقلية من حيث التعذير او التنجيز في قبال التكليف المشكوك كقاعدة البراءة والاحتياط العقليين.

واما الدليل العقلي الاستقرائي فهو الدليل القائم دلالته على حساب الاحتمالات الذي هو الأساس العامّ في الأدلة الاستقرائية، كالتواتر والاجماع والسيرة، فان المنطق الارسطي وان كان يعدّ التواتر من اقسام البرهان ولكنه ليس كذلك، فان العلم الحاصل من التواتر ناش عن حساب الاحتمالات، فانه لو اخبر واحد بوقوع امر فيكون احتمال كذبه: “ ثم اذا اخبر شخص آخر بوقوع ذلك الأمر فحيث يجتمع احتمال صدق الاول مع كل من احتمال صدق الثاني وكذبه، وكذا يجتمع احتمال كذب الاول مع احتمال صدق الثاني وكذبه فتكون الاحتمالات اربعة، ويصير احتمال كذبهما معا: “ ” واذا اخبر شخص ثالث به فحيث يجتمع تلك الاحتمالات الاربعة مع احتمال صدق الثالث تارة ومع احتمال كذبه أخرى فيكون احتمال كذب الجميع: “ ” وهكذا يضعف احتمال كذب جميع المخبرين شيئا فشيئا بزيادة عددهم الى ان يزول احتمال كذب الكل نفسيا، لكنه لاينعدم هذا الاحتمال بحسب موازين علم الحساب، ولايوجد برهان على نفي كذب الجميع وانما هو مجرد يقين نفسي ناشٍ عن حساب الاحتمالات.

وهكذا في الإجماع فان احتمال كون فتوى فقيه –فيما لم‌يكن لها مستند واضح- ناشئة عن نكتة غير نكتة ارتكاز المتشرعة: “ فاذا افتى فقيه آخر بنفس تلك الفتوى فيكون احتمال نشوء فتواهما معا عن نكتة غير نكتة الارتكاز المتشرعي “ ” وهكذا الى ان يزول هذا الاحتمال.

ونظير ذلك السيرة المتشرعية، حيث ان احتمال نشوء عمل فرد واحد من المتشرعة من غير حكم صادر من الامام (عليه‌السلام) “ فلو كان فرد آخر من المتشرعة مثله فيكون احتمال نشوء عمل كليهما عن نكتة غير حكم الامام (عليه‌السلام) “ ” وهكذا.

وهكذا الأمر في احراز السيرة العقلائية بحساب الاحتمالات، حيث ان وجدان شخص من العقلاء مع ما هو عليه من المرتكزات لايكفي لاحراز الارتكاز العقلائي العام، اذ يحتمل ان يكون ارتكازه ناشئا عن نكتة تخص به ولاتعم جميع العقلاء كالتربية العائلية ونحوها، فنحتاج في نفي هذا الاحتمال الى ملاحظة عدة اشخاص متفرقين لننفي بحساب الاحتمالات نشوء ارتكازهم عن نكات متفرقة تخص بكل واحد منهم، بل يقطع بنشوءه عن ارتكاز عقلائي عام.

واما احراز إمضاء السيرة العقلائية فليس بالدليل الاستقرائي بل بالدليل البرهاني، وهو ان الحكيم لو رأى ان بناء العقلاء على نحو يشكل خطرا على اغراضه لكان مقتضى حكمته ابراز عدم رضاه بذلك.

واما الدليل الشرعي فهو كل ما جعله الشارع دليلا لتشخيص الوظيفة العملية تجاه الحكم الشرعي المشتبه كالامارات والاصول الشرعية([17]).

عدة ملاحظات

وما افاده وان كان تاما في حد ذاته الا انه يوجد عليه عدة ملاحظات:

منها:أنه مثّل للدليل العقلي البرهاني ببحث اشتراط القدرة في التكليف، وهذا مبني على مسلكه من ان حقيقة التكليف هو البعث بداعي تحريك المكلف نحو الفعل، فمع عجز المكلف يستحيل انقداح داعي التحريك في نفس المولى، ولكن الظاهر انه يرجع الى الدليل اللفظي لان دليله إما انصراف خطاب البعث عرفا الى ما يمكن الانبعاث اليه، او مثل قوله تعالى “لايكلف الله نفسا الا وسعها” ولو كان دليله قبح تكليف العاجز بملاك اللغوية فيرجع الى الدليل العقلي العملي.

ومنها: ان ما ذكره من ان الدليل العقلي العملي يشخص الوظيفة تجاه التكليف المشكوك تنجيزا وتعذيرا ففيه ان الدليل العقلي العملي لايختص بذلك، بل يشمل مثل حكم العقل بالملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل، حيث ان العقل العملي يدرك قبح جعل الشارع حكما على خلاف حكم العقل.

ومنها: ان ما ذكره من اننانحتاج الى ملاحظة عدة اشخاص متفرقين، لنفي احتمال كون الارتكاز الشخصي ناشئا من نكات تختص بهذا الشخص، فيلاحظ عليه انه يمكن احراز الارتكاز العقلائي العام باحساس الفقيه هذا الارتكاز في نفسه مع اطمئنانه بعدم نشوء هذا الارتكاز من مناشيء تختص به كالتربية العائلية ونحوها.

 



[1]– محاضرات في اصول الفقه ج1ص13

[2] – افاضة العوائد للسيد الكلبايكاني “قده” ج1ص12

[3] -وسائل الشيعة كتاب الصوم، ابواب من يصح منه الصوم، ب4ح1

[4] – بحوث في علم الاصول ج1ص22

[5] – المباحث الاصولية ج1ص25

[6] – افاضة العوائد للسيد الكلبايكاني “قده” ج1 ص12

[7] – بحوث في علم الاصول ج1ص34

[8] – تهذيب الاصول ج1ص6

[9]– محاضرات في اصول الفقه ج1ص13

[10] – منتقى الاصول ج1ص29الى ص35

[11] – الذريعة الى اصول الشريعة ج1 ص7، عدة الاصول ج1ص10

[12] – بحوث في علم الاصول ج1ص24و32

[13] – مصباح الاصول ج2ص250

[14]– نهاية الدراية ج3 ص196، بحوث في الاصول ص21.

[15]– بحوث في علم الاصول ص22

[16] -نهاية الدراية ج3ص12

[17] – بحوث في علم الاصول ج1ص32