فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

بسمه تعالی

فهرست مطالب:

الاستصحاب.. 2

الجهة الثالثة: حقيقة جعل الاستصحاب بناء على الامارية او الاصل العملي.. 2

اقسام المرجحات فی الاحکام الظاهریه (فی کلام البحوث) 2

ما هو المرجح فی الاستصحاب.. 3

مناقشه. 3

الاستصحاب يكون من قبيل الاصل المحرز. 5

كيفية الاستدلال بالاستصحاب.. 5

 

 

 

الاستصحاب

الجهة الثالثة: حقيقة جعل الاستصحاب بناء على الامارية او الاصل العملي

ذكر في البحوث، ما محصله بتوضيح منا أن حقيقة الحكم الظاهري، هي الحكم الناشء عن إعمال المولى للمرحجات في مقام التزاحم الحفظي عند اشتباه غرضه اللزومي مع غرضه الترخيصي، فانه حيث لا يمكنه حفظ كليهما في هذا الحال فلابد ان يضحي باحدهما لأجل حفظ الآخر، و المرحجات على اقسام:

اقسام المرجحات فی الاحکام الظاهریه (فی کلام البحوث)

الاول: المرجح الكيفي فقط، اي ينشأ الحكم الظاهري عن نكتة ملاحظة نوع الحكم المحتمل، كما في جعل وجوب الاحتياط في الدماء، و جعل قاعدة الحل في الشبهات البدوية التحريمية غير المهمة.

الثاني: المرحج الكمي الاستغراقي فقط، اي ينشأ الحكم الظاهري عن نكتة ملاحظة الكاشفية و قوة الاحتمال محضا، اي كون احتمال اصابة الواقع في كل فرد في نفسه اقوى من احتمال الخطاء، و الأمارات من هذا القبيل، كخبر الثقة، حيث ان نكتة حجيته كاشفية كل خبر ثقة بملاحظة نفسه عن الواقع بمعنى ضعف احتمال خطأه، و هذا هو المنشأ لحجية مثبتات الأمارات، لاشتراك قوة الاحتمال التي هي تمام نكتة الحجية بين المدلول المطابقي و الالتزامي.

الثالث: المرجح الكمي المجموعي، بان يلحظ الشارع مجموع موارد اليقين السابق و الشك اللاحق مثلا فيرى أن اغلب تلك الموارد تصادف بقاء المتيقن.

و هذا لا يكفي لحجية المثبتات، اذ لعل اغلب المداليل المطابقة للاخبار و التي يترتب عليها الاثر الشرعي مطابق للواقع، بخلاف الطائفة التي يترتب الاثر الشرعي على مدليلها الالتزامية، فلا يكون اغلبها مطابقا للواقع.

الرابع: التلفيق بين المرجح الكمي و الكيفي، و قد يكون قاعدة الفراغ مثالا لهذا القسم، فلوحظ فيها قوة الاحتمال، و لذا يقال بأنه اذا فقدت جهة الكاشفية في موردٍ كما في العلم بالغفلة حال العمل لا تجري قاعدة الفراغ، و لوحظ ايضا نوع المحتمل و هو الشك في صحة العمل الذي فرغ منه.

الخامس: التلفيق بين المرجح الكمي و المرجح النفسي اي المرجح الذي له موضوعية لا طريقية، كما لو كان نكتة جعل الاستصحاب مضافا الى جهة كاشفية اليقين السابق عن البقاء كون الجري على الحالة السابقة موافقا للميل العقلائي.

السادس: التلفيق بين المرجح الكيفي و المرجح النفسي، كما لو امر بالاحتياط في الاموال، و روعي فيه كون الاحتياط فيه موجبا لقوة النفس في قبال الشهوات.

السابع: المرجح النفسي فقط، و هذا لا ينافي كون الحكم الظاهري طريقيا، فانه بعد عدم وجود مرجح آخر لتقديم حفظ احد الغرضين على الآخر، فقد يختار المولى حفظ احدهما بنكتة نفسية، كما في القرعة، فان نكتته النفسية رفع النزاع.

ما هو المرجح فی الاستصحاب

فذكر أن المحتمل في الاستصحاب هو القسم الثاني و الثالث و الخامس و السابع، دون الاول و الرابع، اذ من الواضح عدم المرجح الكيفي في الاستصحاب، لأنه قد ينتج الالزام و قد ينتج الترخيص حسب اختلاف الحالة السابقة.

ثم قال ان ثبت كون الاستصحاب من قبيل النوع الاول من القسم الثاني اي المرجح الكمي الاستغراقي فتكون مثبتاته حجة، و لكن لا قرينة على ذلك، و حينئذ فلا يكون الاستصحاب من الامارات، حتى لو كان لسان جعله اعتبار العلم بالبقاء.

مناقشه

اقول: يرد عليه ان كون نكتة حجية الامارات قوة الاحتمال محضا، منافٍ لما ذكره في بحث الشهرة من احتمال أن التزاحم الحفظي الذي هو ملاك جعل الحجية يكفي فيه في نظر الشارع أو العقلاء جعل الحجية بمقدار خبر الثقة، وأمّا في غيره -مما يشترك معه في قوة الاحتمال- فيرجع إلى القواعد والأصول الأخرى، فالملاكات المتزاحمة يستوفى الأهم منها بمقدار جعل الحجية للخبر بلا حاجة إلى جعلها للشهرة أيضا([1])، فانه بناء على كلامه هناك فلعل الشارع او العقلاء اكتفوا في التزاحم الحفظي بالمدلول المطابقي للأمارة، دون لوازمها، فلا تكون أمارية الأمارة مستلزمة لحجية مثبتاتها، فلابد في نفي هذا الاحتمال الى الرجوع الى سيرة العقلاء.

على أن مبنى التزاحم الحفظي غير متجه، فان التزاحم الحفظي بين الغرض اللزومي والترخيصي، كما صرح به في البحوث انما يعقل فيما كانت الاباحة الواقعية اقتضائية، بأن يكون هناك مصلحة في أن يكون العبد مرخص العنان من قبل مولاه، وأما في الاباحة اللااقتضائية أي الاباحة التي تكون ناشئة عن عدم المقتضي للإلزام فقط، فلا يوجد غرض مولوي في كون العبد مرخص العنان شرعا، حتى يقع التزاحم الحفظي بينها وبين الغرض اللزومي، ولكن اطلاق جعل الترخيص الظاهري في المشتبهات يكشف عن كون الاباحة الواقعية اقتضائية[2]، و لكن يرد عليه أنه يكفي في جعل الترخيص الظاهري وجود مصلحة التسهيل في عدم الزام الشارع بالاحتياط، ولا حاجة الى كون الاباحة الواقعية اقتضائية.

هذا وقد اخترنا في محله في الفرق بين الأمارة والاصل العملي أن الأمارة ما كان المقتضي لحجيته كاشفيته عن الواقع بالكشف الظني النوعي، وان كان قد يقتصر العقلاء على حجيته لنكتة نفسية ككون تلك الامارة كخبر الثقة امرا منضبطا قابلا للاحتجاج او الوصول اليه اسهل لعامة الناس ونحو ذلك، ولا يتعدون الى ما وجد فيه هذه الدرجة من الكاشفية ايضا كالشهرة او خبر غير الثقة الموجب للوثوق النوعي، بينما أن الاصول العملية ليست كذلك.

و لا دليل على كون المقتضي للاستصحاب هو الكاشفية النوعية لليقين السابق عن البقاء، فانه حتى لو وجد بناء العقلاء عليه كما لا يبعد في موارد الشك في النسخ و عزل المتولي فلعله من باب حفظ نظام المجتمع، فيكون من الاصول العملية العقلائية كقاعدة اليد، كما ان حجيته من باب المرجح النفسي محضا او تلفيقا محتملة.

الاستصحاب يكون من قبيل الاصل المحرز

و أما بلحاظ انقسام الاصول الى الاصل المحرز و غير المحرز، فالاستصحاب يكون من قبيل الاصل المحرز، لأنه ما كان لسان دليل الاصل اثبات احد طرفي الشك تعبدا، و مفاد الاستصحاب التعبد ببقاء ما علم حدوثه، فيترتب عليه جميع الآثار الشرعية لبقاءه واقعا، بخلاف الاصل غير المحرز الذي لا يثبت احد طرفي الشك تعبدا، وانما يؤمِّن عن التكليف الواقعي المشكوك كما في البراءة، او تنجِّزه كما في أصالة الاحتياط، وتظهر الثمرة في أنه لو ورد في الخطاب الشرعي “اذا لم ‌تكن مدينا فيجب عليك الحج” فاستصحاب عدم اشتغال ذمته بالدين يكون اصلا موضوعيا يثبت به وجوب الحج، بخلاف البراءة عن اشتغال ذمته فانها انما تؤمن عنه ولكن لا تصلح لاثبات وجوب الحج.

كيفية الاستدلال بالاستصحاب

ذكر السيد بحر العلوم “ره” ان التعبير بعضهم بكون دليل بقاء الحكم كبقاء حرمة وطء الحائض بعد انقطاع دمه و قبل اغتساله هو قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة “لا تنقض اليقين بالشك” ليس صحيحا، بل دليله الاستصحاب و صحيحة زرارة دليل الدليل، كما أن الدليل هو خبر الثقة، دليل حجيته دليل الدليل، و قد ذكر السيد الامام “قده” أن هذا الكلام متجه، بناء على أمارية الاستصحاب، و ايراد الشيخ الاعظم عليه بأن الاستصحاب بنفسه حكم شرعي ولا يصلح للدليلية، بخلاف خبر الثقة، انما يتم على فرض كون الاستصحاب من الاصول[3].

اقول: ان كان كلام بحر العلوم مجرد مناقشة في الاصطلاح فليس بمهم، و لكنه رتب على كلامه ثمرة، فذكر أن استصحاب الحكم المخالف للأصل في شي‏ء دليل شرعي رافع لحكم الأصل و مخصص لعمومات الحل، و ليس عموم “لا تنقض اليقين بالشك” بالقياس إلى أفراد الاستصحاب و جزئياته إلا كعموم آية النبإ بالقياس إلى آحاد الأخبار المعتبرة[4]،

و محصل كلامه أنه كما لو تعارض خطاب “أكرم العالم” و كان قطعي الصدور مع خبر ثقة أخبر بأن المولى قال “لا تكرم العالم لفاسق” فلا يلحظ العرف النسبة بين دليل حجية الظهور في الاول مع دليل حجية الخبر في الثاني، كي تكون النسبة بينهما عموما من وجه، بل يلحظ النسبة بين نفس الخطابين.

فلابد من نظير ذلك في الاستصحاب، فان استصحاب الحرمة اخص من قاعدة الحل لاختصاص موؤده بالعلم بالحرمة السابقة، بينما أن مورد قاعدة الحل اعم، فيقدم عليه، و لا يلحظ العرف النسبة بين قوله “لا تنقض اليقين بالشك مع قوله “كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام” كي يتعارضان بالعموم من وجه، لوجود مورد افتراق للخطاب الاول و هو الاستصحاب المنتج لعدم التكليف.

و لا يمكن الموافقة معه في هذا الكلام، حتى لو كان الاستصحاب أمارة، فان مجرد ذلك لا يكفي في تقدمه على ما هو اعم منه، و انما يقدم الأمارة الأخص على الاعم في كلامين صادرين عن متكلم واحد او من هو في قوته كالائمة (عليه السلام) حيث انهم ينطقون عن شريعة واحدة، و الا لوقع التعارض بين الامارتين، كما يتعارض تضيف النجاشي مثلا لبعض مشايخ ابن قولويه مع التوثيق العام الصادر من ابن قولويه لمشايخه في كامل الزيارات، فالصحيح ملاحظة النسبة بين قوله “لا تنقض اليقين بالشك” مع قوله “كل شيء لك حلال” و النسبة بينهما و ان كان عموما من وجه كما مر، لكن توجد نكات لتقديم دليل الاستصحاب، ستأتي في محله ان شاء الله تعالى.



[1] – بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 325

[2] – بحوث في علم الاصول ج4ص 20

[3] – الرسائل ج1ص74

[4] نقله عنه في فرائد الاصول ج‏2 ص545